دور المرجعية الدينية

في القضاء على الارهاب والطائفية في العراق

 

 الباحثة : م. د. عهود سامي هاشم                                     الباحث : م. د. خالد موسى جواد

جامعة بغداد / كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة للبنات             كلية التربية للعلوم الصرفة /ابن الهيثم

   

 الفصل الاول / المرجعية الدينية تعريفها وتاريخ تأسيسها

مفهوم المرجعية الدينية

لغة : سلطة ، جهة أو شخص تَرْجِع إليه طائفة دينيَّة معيَّنة فيما يخصُّها أو يشكل عليها من أمرها([1]).

جاء مفهوم المرجعية من الاصول التاريخية والجذور العقائدية للمراجع والفقهاء أو الفقيه الذي يمكن القول انه من زاول النظر في الأدلة واستفرغ وسعه في الاجتهاد فيها، متى حصلت له ملكة وقوة يقدر بها على استنباط الحكم الشرعي من تلك الأدلة([2]). او ان الفقيه هو من امتلك الكفاءة والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها الأصلية فبات قادراً على تحديدها ووصفها للعوام وهو العالم بالفقه الإسلامي عن اجتهاد لا عن تقليد([3]).

ويفهم الباحثان مما تقدم ان المرجعية تعني الرجوع إلى المرجع في كل عمل وعدم الانحراف عنه ويمكن تفصيل آلية المرجعية في خطوات كالتالي:

أ- هي أن يرجع المقلد إلى المرجع.

ب- يلاحظ مدى انحرافه عن المرجع.

ج- يستفيد بهذه الملاحظة ويبني عليها عمل تصحيحي يؤدي لتقليل انحرافه عن المرجع.

د- أن يكون العمل التصحيحي مناسباً وفي وقته فلا يكون أقل مما ينبغي ولا مبالغ فيه ولا يكون في وقت غير مناسب.

و- يعود مرة أخرى إلى المرجع ليختبر صحة الخطوات السابقة وهكذا لكل عمل.

        ويستمد المرجع سلطته من فكرة التقليد والتي أقرت التقليد واجباً شرعياً على كل إمامي يلزم به في دينه ودنياه، وكصورة من صور الأصول الشرعية([4]).فكل مكلف لم يبلغ درجة الاجتهاد ملزماً بأن يكون في عباداته ومعاملاته وسائر أفعاله وتروكه مقلداً أو محتاطاً([5]).

تاريخ نشأة المرجعية

مما لا شك فيه ان التاريخ لا يتهاون مع احد ولكنه اغفل الكثير وحرف من الكثيرين ومن نواحي الاختلاف فيه تاريخ ظهور ونشأة المذهب الشيعي كمذهب ديني وفكري متكامل فالبعض يرى أن المذهب ظهر بعد وفاة النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) ونشاة الخلاف بين أبي بكر وعلي حول مسألة الخلافة بعد حادثة السقيفة واتخاذ الإمام علي موقف المعارضة. بيد ان هذا الراي لا يجد ما يسنده تاريخياً وحتى علمياَ لأن الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) لم يشكل خطاً سياسياً مغايراً لخط دولة الخلافة ؛ فضلا عن ان طبيعة علاقته بالدولة بقيت جيدة ولم يحدث ثمة قطيعة بين الطرفين.

ويرى الفريق الثاني  بأن المذهب برز بعد واقعة الجمل وهو ما يذهب إليه ابن القيم في كتابه الفهرست.

بينما يرى الفريق الثالث ان استغلال الاصطلاح الدال على التشيع لم يظهر إلا بعد مقتل سبط الرسول الحسين (عليه السلام) اذ بات للتشيع كياناً مميزاً ذا طابع خاص. وهنا لابد من ان نشير الى ان ربط المذهب الشيعي بواقعة الطف لا يمكن القبول به لأن الانقسام بين الأمة لم يكن واقعاً بنحوٍ.([6])

لقد مر ظهور المذهب الشيعي بمراحل عدة:

  1. مرحلة البحث عن النص وتدوينه وتمثلت هذه المرحلة في الفكر الشيعي في عهد الإمام علي(عليه السلام) سنة40هـ. فمع عهد الأئمة الممتدين من نسل ابنه الإمام الحسين(عليه السلام) والذين كانوا يبثون أحكام الدين بين شيعتهم استناداً إلى النصوص الدينية الموثوقة والقطعية الدلالة والمتناقلة عبر سلسة تنتهي إلى الرسول(صلى الله عليه واله) وبالنحو الذي غلب فيه النص وتجاوز بشكل يغير الاجتهاد وأحكامه الظنية.
  2. مرحلة تأطير المذهب وتمثلت هذه المرحلة بعد حدوث الغيبة الكبرى للإمام الحجة(عجل الله فرجه وسهل مخرجه) عام 329هـ اذ بدأت هذه المرحلة على يد الشيخ الكليني صاحب كتاب الكافي والشيخ الصدوق والطوسي وفي هذه المرحلة كان النص هو الأساس الذي يحدد للفرد سلوكه بما يؤهله للعمل من أجل الالتزام بفحوى النص دون واسطة وهو المهمة التي تبناها فيما بعد الخط الإخباري عن الإمام المعصوم فالنص هو المرتكز الرئيس للتشريع.
  3. مرحلة التعاطي مع الواقع: وهي المرحلة التي شخصت الحاجة المستمرة إلى الاجتهادات الفقهية والمسائل المستحدثة فلم يعد بالإمكان الركون إلى متون الحديث فقط فلا بد من الانتقال من الأصول إلى الفروع وإخضاع كتلة النصوص الشيعية للمعايير العقلية.

وفي هذه المرحلة برز العقل كمصدر من مصادر التشريع خاصة في حالة انعدام النص وعدم توافره وإدراكاً لظروف الواقع القائم وإن لكل زمان حوادثه وأحكامه التي تناسبه وتنناسب مع من يعيشون فيه وكان العقل المصدر الثاني الذي يكفل سد هذه الحالة الدائمة وتبدلت لذلك وظيفة الفقيه التي تجاوزت رواية النص ليغدو مفسراً أيضاً وتالياً صانعاً لنص جديد([7]).

ونتيجة لذلك فقد برز في الفكر الشيعي إلى جانب مدرسة النص وهي المدرسة الإخبارية ظهرت مدرسة جديدة انطلقت من دواعي سد الفراغ ومواجهة الحاجات المستمرة وهي ما يسمى بالمدرسة الأصولية والتي اعتمدت العقل في مقابل النص وفي الحالات التي ينعدم فيها النص سواء أكان من القرآن أم من السنة. لقد اتخذت المدرسة الجديدة العديد من النصوص كمنطلقات فكرية تبرر لها العمل الاجتهادي وتكيف عملها وتضفي على فعلها الديني الإطار الشرعي ولعل من أبرز هذه النصوص هو الحديث الذي يرويه الحر العاملي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه قال: (إنما علينا أن نلقى عليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا).

فضلاً عن الحديث الذي يروى عن الإمام الرضا(عليه السلام)أنه قال :(علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع ) والتوقيع الذي يرويه الصادق في إكمال الدين عن الإمام المهدي والذي يقول(وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة الحديث).([8])

المبحث الثاني / الشريعة الاسلامية  والقضاء على الارهاب

تتبع الشريعة الاسلامية منهجاً واقعيا مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالقضايا المرتبطة بالسلوك الانساني لتحقيق الأمن المجتمعي بنحوٍ متوازن ، ويجمع هذا المنهج بـين التأصيل والبناء الذاتي لعوامل المحافظة على الأمن ، فضلاً عن سن التشريعات والأنظمة التي تكفل حفظ الأمن ومعالجة ما قد يعتري السلوك البشري من اعتلال أو انحراف .

ومن هنا فان الشريعة السمحاء تعاملت مع موضوع الارهاب باتجاهين متوازيين يسيران جنباً الى جنب وهما:

  • الاتجاه الوقائي (التربوي) : ويقصد به بناء المناعة الذاتية المدافعة للعوامل المسببة لخروج السلوك البشري عن جادة الصواب . وقد يطلق على هذا الاتجاه اتجاه تجفيف المنابع التي تولد الإرهاب ، ويتمثل ذلك في غرس الفضائل ، وتربية النفس على الآداب الخيرة ، والالتزام بالأحكام الشرعية ، والتمسك بكل ما يصون محركات السلوك البشري ويمنعها من السير في طريق غير سليم .
  • الاتجاه الثاني معالجة مظاهر الإرهاب ومكافحتها، ويتمثل فيما شرعه الله من أحكام وتشريعات عقابية رادعة ، وهذه الأحكام تتضمن بعدين أساسيين . بعد تطهير النفس البشرية وتخليصها من عقدة ارتكاب الذنب . أما البعد الآخر ، فيتمثل في ردع من يرتكب جريمة من العودة إلى مثلها وزجر الآخرين من الوقوع في ذلك الخطأ ، وهذا بعد وقائي ؛ كما في قوله تعالى : وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ([9])، أي إن في تطبيق حكم القصاص ما يمنع بعضكم من قتل بعض مخافة أن يقتص منه ، فيحييا بذلك معا .

لذا فـإن موقف الإسـلام من الإرهاب موقف شامل يجمع بين الوقاية والمعالجة للمخالفات التي قد تكون سببا في مزيد من الإرهاب والعنف .

 

 

أ- الاتجاه الوقائي التربوي :

ومن الاتجاهات والمعايير التي اتخذها الدين الاسلامي كوسيلة تربوية تقف بوجه العنف والتطرف والارهاب وعلى الاصعدة كافة لانها تعمل على تنشئة الطفل منذ نعومة اظفاره على وسيطة والاعتدال وتقبل الاخر مهما كانت معتقداته او ديانته او قوميتهما ياتي :

  • دعوة الإسلام إلى السلام :

فالدين الإسلامي دين سلام لجميع البشر ، فلا يجتمع مع العنف والاعتداء ؛ لأنهما ضدان متناقضان ، والمسلمون مأمورون بالبدء بالسلام لكل من يقابلهم ، وهي كلمة أمان ورحمة واطمئنان ، وإشاعة للأمن بين الناس جميعا ، فلا يجتمع الضدان : السلام والعنف ، بل إن المسلمين مأمورون بالبحث عن السلام والجنوح إليه إذا جنح العدو إليه ورغب فيه ، وذلك في حال الحرب المعلنة ، فكيف بغير ذلك قال تعالى : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) } ([10])

ومن نعم الباري على عباده  نعمة الأمن ، وهي من أجل النعم التي أنعم الله بها عليهم ؛ قال تعالى في سورة قريش : {  لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} ([11])

2- إشاعة العدل في كل شيء :

يجمع عامة الناس وخاصتهم على ان العدل من العوامل الرئيسة ، والآداب السامية ، والأخلاق الرفيعة التي تؤدي إلى الوقاية من الظلم والطغيان ، ولذا فهو يقطع الطريق على التطرف والإرهاب ؛ لأن عدم العدل بين الناس هو من أسس نشأة الإرهاب ، لأن المظلوم أو المقهور إن لم يستطع نيل حقه بالطرائق المشروعة ، فقد يعلن عن غضبه بقيامه برد الظلم بمثله ، ومن هنا ينشأ الإرهاب المضاد . ولذلك كان أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل صريحا ، حيث قال : {  نَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)([12])

وللعدل في الإسلام مفاهيم عدة ، والمعنى في هذه الآية هو الحكم المنصف ، أي : أداء كل شيء إلى من هو له على وجـه الإنصاف ، أو إيفاء الناس حقوقهم التي تجب ([13]) .

ولم يفرق الإسلام بين الناس في مسألة العدل بسبب الجنس أو الديانة أو العرق ، فحقوق الإنسان مكفولة في الإسلام ، لأن كل البشر عند الله بمكانة واحدة من حيث العدل بينهم ، ولا تمييز بـين الناس إلا في مسألة الطاعة لله سبحانه وتعالى والتقوى : {  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا * إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ * إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿١٣﴾} ([14])

ويؤكد ذلك قول الهادي الامين محمد (صلى الله عليه واله ) اذ يقول : { كلكم لآدم ، وآدم من تراب } ([15]) .

3- دعوة الإسلام إلى التراحم بين الناس :

الإسلام دين الرحمة ، والرحمة ضد القسوة ، فالرحمة من الصفات الفطرية في الخلق عامة ، بل إنها من كـمال فطرة البشر ، وقد جعل المولى سبحانه وتعالى الرحمة غاية رئيسة في الإسلام بعد توحيد الله ، قال تعالى  في وصفه للنبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله): { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴿١٠٧﴾} ([16]) (الأنبياء : 107) أي رحمة للبشرية كلها . وجاءت تعاليمه كلها هدى ورحـمة وشفاء لما في الصدور ، قال تعالى : {  يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿٥٧﴾} ([17])

4- الحرية وتحمل المسؤولية :

الإسلام يحـارب الإكـراه بكل صـوره وأشكاله ؛ لأن الإكـراه يؤدي إلى نقـيض المطلوب ، وإلى شيوع النفاق الذي هو قاعدة الغدر والخيانة والتربص ؛ لأن الإكراه ضرب من ضروب الإرهاب ، حتى في مسألة اعتناق الإسلام لم يشرع المولى سبحانه إكراه الناس على ذلك ، فقال سبحانه : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ([18])

5- خلق التعامل مع غير المسلمين في الإسلام :

لقد سمت شريعة الإسلام في التعامل مع غير المسلمين سموا لم يرق إليه قانون من القوانين البشرية أو نظام من الأنظمة ؛ إذ حفظ  لهم الإسلام حقوقهم المالية والأخلاقية والاجتماعية ، كما حفظ أموالهم وأرواحهم وأعراضهم ، ولم يكرههم على ترك دينهم أو ما هو أدنى من ذلك ، فخاطب القرآن الكريم أهل الكتاب خطابا راقيا بقوله سبحانه وتعالى : {  قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿٦٤﴾} ([19])، فهذا تشريع الإسلام في الدعوة ، ذلك التشريع القائم على مبدأ الحوار والإقناع بالحجة دون إكراه . وقال r في حق أهل الكتاب : { لهم ما لنا وعليهم ما علينا } (مسند أحمد )

ووجه القرآن الكريم إلى حسن معاملتهم والتعامل معهم ، بل برهم والقسط إليهم ، يقول المولى سبحانه وتعالى : {  لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿٨﴾} ([20]) ، وأعطى لهم المولى سبحانه وتعالى حق الاستجارة بالمسلمين ، قال تعالى : {  وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٦﴾ } ([21]) .

6- الدعوة إلى الوسطية والاعتدال وعدم الغلو في الدين :

الغلو في الدين هو الطريق إلى التطرف الفكري والاعتقادي . والفهم الخاطئ للدين قد يدفع الإنسان إلى محاولة فرض ما يعتقده ويؤمن به بالقوة ، وهذا ما أثبته الواقع المشاهد .

وقد نهت الشريعة الإسلامية عن الغلو في الدين ، وحذرت المسلمين منه حتى لا ينجرفوا وينحرفوا ، فجعل الله هذه الأمة وسطا ؛ لأن دينهم كذلك ، قال تعالى : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا * وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ * وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ * إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴿١٤٣﴾} ([22]) ، ومثل هذا التوجيه جاء صريحا لأهل الكتاب ؛ قال تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴿٧٧﴾} ([23]) . فالغلو خـلاف الوسطية ، فإذا كانت الوسطيـة تعني الاعتدال والتوازن في الأمور كلها ، فإن الغلو يعني الشقة والتضييق على النفس باتباع طريق واحد بعيدا عن الوسط ، ووسطية الإسلام توازن بين الأحكام ، فلا غلو وتشدد ، ولا تفلت ولا تسيب ، فلا إفراط ولا تفريط في الإسلام 

7- علو مكانة النفس في الإسلام :

إن الإسلام قد كـرم ابن آدم وأنزله منزلة رفـيعة بما حباه الله من طاقـات عقلية ونفسية ، وبما أعطاه من قوام جميل وصورة حسنة لا يماثله فيها أحد من خلق الله U على وجه الأرض .

إن الإنسان هو الكائن المفضل الذي كتب الله له أن يتبوأ الصدارة والمكانة الرفيعة بين الخليقة والكائنات جميعا ، قال الله تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴿٧٠﴾ } ([24]).

يقول الفخر الرازي في تعليقه على الآية : " فـالنفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في العالم السفلي ، وبدنه أشرف الأجسام الموجودة في العالم السفلي " ([25]) .

8- تحريم قتل النفس :

حرم الإسلام قتل النفس وسفك الدم المعصوم ، وجعل ذلك من كبائر الذنوب ؛ قال تعالى : {  وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ * وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ * إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴿٣٣﴾ } ([26]) ، " والقتل ظلما أكبر الكبائر بعد الكفر ، وموجب لاستحقاق العقوبة في الدنيا والآخرة " ([27]) .

وقال تعالى : {  مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا * وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴿٣٢﴾ } ([28]).

9- تكوين روح التكافل بين أفراد المجتمع :

من العوامل التي قد تدفع الإنسان إلى ارتكاب الجريمة : الفقر ، وعدم وجود عدل في الأمور الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد ، أو بين المجتمعات بعضها مع بعض ، وقد جاء الربط بين الفقر وارتكاب جريمة القتل في قوله تعالى : {  قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ * أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا * وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا * وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ * نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ * وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ * وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ * ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿١٥١﴾} ([29])، وفي تفسيرها يقول الإمام الطبري : " ولا تئدوا أولادكم فتقتلوهم من خشية الفقر على أنفسكم بنفقاتهم ، فإن الله هو رازقكم وإياهم ، ليس عليكم رزقهم ، فتخافون بحياتهم على أنفسكم العجز على أرزاقهم وأقواتهم " .

وما استعاذ النبي r من شيء أكثر من استعاذته من الفقر ، الذي جاء في بعض الآثار ما يفيد أن الفقر من أسباب الكفر .

ومعالجة لهذا العامل فقد جاء في التشريع الإسلامي كثير من التوجيهات والوصايا لمعالجة مشكلة الفقر ، فشرعت الزكاة والوقف والصدقات والكفارات وغيرها من الواجبات في أموال الناس عامة وتصرف على الفقراء حسب أحكامها وشروطها . كما أوجب على الدولة السعي إلى رزق الفقراء والمحتاجين ، وتنظيم معيشتهم ، وتدبير سكنهم وتعليمهم وعلاجهم ، وغير ذلك من الواجبات الاجتماعية على الدولة .

10- صيانة الروابط الاجتماعية من عوامل البغضاء والشحناء :

يحتل بناء الروابط الاجتماعية في الإسلام مكانة مهمة . ولهذا سعى إلى العمل على صيانتها ومعالجة العوامل التي تهدد تماسكها وترابطها ، وتقود إلى الشقاق والمنازعات والعداوة والبغضاء ، مما يعرض الأمن العام للخطر .

ومن أهم العوامل التي تؤثر سلبا في العلاقات الاجتماعية الإشاعة ، وهي بث الأخبار بقصد الإفساد مباشرة ، أو بشكل غير مباشر ، ولهذا وضع الإسلام منهاجا خاصا لتلقي الأخبار ، وذلك لأن الشائعات تزعزع الأمن والاستقرار ، وتحدث الفوضى من الهرج والمرج في المجتمع ، بل قد تكون سببا في حدوث كوارث ونكبات في المجتمع بين أفراده وغيرهم . قال تعالى : {  يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ} ([30]).

ومنها أيضا الغضب الذي قد يدفع الإنسان إلى ارتكاب جريمة الاعتداء . ولهذا وجه الإسلام إلى عدم الغضب والبعد عن أسبابه لما له من آثار سلبية على علاقة الناس بعضهم ببعض ، ولما يسببه من شحناء وبغض ونفرة قد تكون سببا في حدوث اعتداء بين أفراد المجتمع ، فقال تعالى : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴿١٩٩﴾} ([31]).

11- تحريم ترويع الآمنين :

حرم الإسلام ترويع الآمنين المباشر وغير المباشر ، ووجه إلى سد كل المنافذ وأبواب الذرائع التي قد تكون وسيلة للترويع ، أو تعكير الجو الآمن ، وجاءت الأحكام الشرعية مانعة لبعض الأفعال التي قد تسبب ترويع الآمنين وإخافتهم مثل تحريم الإسلام للإشارة بالسلاح ، إذ شدد الإسلام في النهي عن هذا الفعل . وجاء في الحديث عن المصطفى أن الإشارة بالسلاح من موجبات الاستحقاق لعذاب الله الأليم في جـهنم ، فقد روى الإمام النسائي عن أبي بكرة أن رسول الله r قال : { إذا أشار المسلم على أخيه المسلم بالسلاح ، فهما على جرف جهنم ، فإذا قتله خرا جميعا فيها } ([32])([33]) .

 

 

ب : الاتجاه العلاجي :

ويشمل ما يتضمنه الشرع من العقوبات والأحكام التأديبية ، وتهدف إلى ردع الحالات الخارجة عن السلوك السوي واجتثاثها ، أي التي لم يجد معها الأسلوب الأول ، فشذت عن السلوك الإسلامي القويم ومنهج الوسطية والاعتدال ، فمارست الإرهاب ، وتعدت على الآمنين .

هنا تبرز أهمية وسائل الإسلام العلاجية الرادعة لكل من تسول له نفسه أن يخرج ويشذ عن تعاليم الإسلام ومبادئه ، وأن يمارس الإرهاب من خلال السعي في الأرض فسادا ، أومن الإفـزاع والترويع والقتل والتدمير . وتتمثل وسائل الإسلام العلاجية في الردع لكل هؤلاء من تشريع الحدود والعقوبات ، التي تساعد على اجتثاث الإرهاب من المجتمعات ، وتردع كل من تسول له نفسه ارتكاب أي عمل يخل بالأمن ، فضلا عن أن هذه العقوبات لها دلالة أخرى في كونها تؤكد رفض الإسلام للإرهاب بكل صوره وأشكاله ، واجتثاثه ومعالجة أسبابه ، من خلال النهي عن كل عناصره التي يتكون منها ولا يقوم إلا بها ؛ من إفزاع وترويع وتدمير وقتل وإكراه وسعي في الأرض فسادا وغيرها ، فقد حرم الإسلام كل ذلك ، وجرم فاعله ، ونهى عنه ، وشرع العقوبات الرادعة لكل من يرتكبها ، منها العقوبات الأخروية التي تردع من يخاف الله ويخشاه ، ومنها العقوبات الدنيوية الجسدية التي تردع من يتجرأ على حدود الله وتزجر آخرين ، ومن أبرز تلك العقوبات :

1- حد الحرابة :

الحرابة : مشتقة من الحرب والمحاربة وقد جاء تبيينها في قول الله تعالى : {  إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ * ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا * وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٣٣﴾ } ([34])

وقد عرفت الحرابة بوصفين عامين ؛ هما : محاربة الله ورسوله ، والفساد في الأرض ، وهذان الوصفان يقتضيان تحديد العمل الإجرامي بالخروج على أحكام الشرع ؛ لأن محاربة الله ورسوله r الواردة في الآية السابقة ليست على ظاهر النص ، إنما يقصد بها العمل على ارتكاب الأعمال المخالفة لأحكام الله والخروج على منهاج رسوله r .

وقد قسم العلماء أحوال المحاربين أربعة أقسام : أخذ المال والقتل ، والقتل فقط ، وأخذ المال دون القتل ، والإخافة دون قتل أو أخذ مال .

وتجـتمع في هذه الصـور الأربع مظاهر هي : حـمل السـلاح ، وإخـافـة الناس ، والخروج على طاعة الحاكم ومخالفة أمره . وهذه فيها محاربة لله ورسوله ؛ لأن فيها مخالفة لشرعه وتعديا على حدود الله . ولكل واحدة من هذه الحالات العقوبة الشرعية التي تناسبها ، وتراوح بـين ثلاثة أحكام : القتل مع الصلب ، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف ، والنفي من الأرض .

والحرابة تتفق مع ما اصطلح على تسميته بالإرهاب في العصر الحديث ؛ ذلك أن في الإرهاب حملا للسلاح ، وإخافة للناس ، وخروجا على القانون . وهذا التقارب في الصفة الظاهرة يقتضي التشابه في كيفية العقاب بعد توافر الشروط اللازمة للحكم على مرتكب الجريمة ، وتطبيق مثل هذه العقوبة هو الذي سيستأصل هذا المرض ويقطع دابره .

2- حد القصاص :

للنفس البشرية حرمتها ومكانتها في الإسلام ، من أجل هذه المكانة ولكي يستتب الأمن عد الإسلام قتل واحد من الناس كقتل الجـميع ؛ لما يسببه قتل النفس من بث للخوف والرعب لدى عموم الناس ، كما أن إحياءها كذلك إحياء لعموم الناس ، لما في عدم التعرض لها من إحياء لها وعمل بالتشريع والأحكام التي تضمن تثبيت الأمن بين الناس ، الذي هو وسيلة الحياة لكل الناس .

قال تعالى : {  مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا * وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴿٣٢﴾} ([35]) ، وفي هذا توجيه إلى كل الناس لمحاربة ما فيه ضررهم وإيقاع القتل فيهم . فالواجب عليهم أن يقفوا صفا واحدا في وجه هذا الفعل الشنيع المخالف لما شرعه الله ، وأن يطبقوا على فاعله أقسى عقوبة حتى يكون ذلك رادعا لمن تسول له نفسه الإقدام على هذه الجريمة النكراء ، وهذا فيه حياة لآخرين ، كما جاء في آية القصاص أنه حياة للناس لما يحققه حكم القصاص من ردع وزجـر من ارتكاب هذه الجريمة : {  وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ([36]) يعني : " ولكم يا أولي العقول فيما فرضت عليكم وأوجبت لبعضكم على بعض من القصاص في النفوس والجراح والشجاج ما يمنع به بعضكم من قتل بعض ، ودفع بعضكم عن بعض فحييتم بذلك ، فكان لكم في حكمي بينكم بذلك حياة " ([37]) .

3- حد البغي :

البغي حالة من الخروج على إمام تمت بيعته شرعا ؛ مما يعني الخروج على نظام الحكم بحمل السلاح ، بتفسير أو رأي يسوغ للخارجـين- حسب رأيهم- الخروج على من بيده سدة الحكم . وهذا الحال من إشهار السلاح والعصيان والتمرد على القيادة يوجب على ولي الأمر الوقـوف في وجه هذه الفتنة ، وقد حارب الإسلام هذا النوع من الفساد والتمرد على الولاية ، وسن لذلك منهجا في المعالجة ، كما جاء في قوله تعالى : {  وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا * فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ * فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿٩﴾ } ([38])، ويقول النبي الاكرم r { من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق في جماعتكم فاقتلوه } ([39])([40]) .

فالإسلام في تشريع قمع البغاة إنما قصد سد باب الذرائع التي قد يلوذ بها بعض أصحاب الهوى أو المخدوعون في القيام بأعمال إجرامية سعيا لنشر رأيهم وإجبار الناس على الأخذ به .

هذه أمثلة لبعض الأحكام التي شرعها الإسلام صيانة وحفظا للمجتمعات وأفرادها ، وحفظا لأموالهم وأنفسهم وأعراضهم ودينهم وعقولهم وأمنهم . وهناك أحكام لا يتسع المجال لذكرها جميعا ، وهي موجهة إلى تحقيق الأمن ، وكـبح الإرهاب ، وصيانة المجتمع من التصرفات الشاذة والدخيلة .

مما سبق يتضح أن الإسلام يحارب كل أشكال إشاعة الفوضى ، والانحراف الفكري والعملي ، ويحارب كل عمل يقوض الأمن ويروع الآمنين ، سواء أكـان ذلك يسمى إرهابا أم حرابة أم بغيا ، فجميعها صور تشيع الرعب والخوف في المجتمع ، وترهب الآمنين فيه ، وتحول بينهم وبين الحياة المطمئنة ، التي هي وسيلة حسن خلافتهم في الأرض بعمارتها في جو من الأمن والأمان ، والسلام والاطمئنان ، والتعارف والتعاون بين الناس جميعا ، وعبادة الله سبحانه وتعالى وفقا لما شرع .

والسؤال الذي يطرح نفسه : ما الإرهاب الذي حاربه الإسلام ؟

يمكن القول ان الاسلام حارب الإرهاب بشتى صوره وأشكاله ، ومن الاطلاع على أساليب المعالجة التي سنتها الشريعة الإسلامية لمكافحة أشكال الإرهاب كافة ومعالجتها .

       

المبحث الثالث / دور المرجعية في اخماد الفتنة الطائفية

المرجعية و فوضى سقوط النظام

بعد سقوط النظام البائد في 9/4/2003 سادت العراق فوضى عارمة وانتشار مظاهر القتل والنهب والانتقام أصدر سماحة السيد علي السيستاني (دام ظله الوارف) فتاواه لتضبط الشارع العراقي عما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع الأمنية من تدهور خطير. ففي 27/4/2003 أصدر سماحته فتوى تحّرم نهب ممتلكات الدولة والوزارات والدوائر الحكومية، ودعا إلى المحافظة عليها بهدف إعادتها في الوقت المناسب. كما رفض قيام العوائل الفقيرة بالاستيلاء على البنايات الحكومية الفارغة وجعلها مساكن لهم. كما رفض قيام الناس باستخدام الأشياء المسروقة من الدوائر الحكومية كمولدات الكهرباء والسيارات في إطار الخدمة العامة.([41])

ولمنع حالات الانتقام والثأر الشعبي والحرب الداخلية وسفك الدماء دون مجوز شرعي وإجراءات قضائية، أصدر في 13/5/2003 فتوى تمنع قتل أزلام النظام السابق من قبل أولياء المقتول، بل أوجب رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية وصدور حكم القاضي الشرعي. كما رفض اتخاذ أي إجراء عقابي ضد عناصر الأمن والبعثيين ، وأرجأ الأمر إلى حين تشكيل محكمة شرعية للنظر في تلك القضايا. كما منع سماحته فضح أسماء عملاء النظام البائد بعد وقوع ملفات الأجهزة الأمنية في أيدي الناس، ورفض التشهير بهم.([42])

ومن الظواهر السلبية التي سادت المجتمع العراقي بعد سقوط النظام البعثي الصدامي ونتيجة لانهيار الدولة وسلطة الحكومة، أخذ بعض طلاب الحوزة من بعض التيارات الإسلامية يتخذون منهج الإجبار والإكراه في تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مثل إحراق دور السينما ومحلات الفيديو وغيرها. وباتوا يجبرون طالبات المدارس والجامعات والموظفات والسيدات العراقيات على ارتداء الحجاب. وتلقت بعض النساء العاملات في منظمات الأمم المتحدة تهديدات بالقتل إذا لم يرتدين الحجاب. وقد أحدثت تلك التصريحات والممارسات استياءاً في الأوساط المثقفة والصحفية والسياسية، حتى ساد الذعر من احتمال إقامة دولة طالبان في العراق، التي عمدت الى قمع المرأة واضطهادها. إزاء ذلك ولتصحيح الصورة، أصدرت المرجعية الدينية بياناً صحفياً ترفض فيه هذه الممارسات، جاء فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

تتداول بعض وسائل الإعلام هذه الأيام أخباراً مفادها أن بعضاً ممن ينسبون أنفسهم للحوزة العلمية في بعض مناطق العراق يجبرون النساء على ارتداء الحجاب.

والحوزة العلمية في النجف الأشرف إذ تنفي صدور أي فتوى أو تصريح من مراجعها العظام كالسيد علي السيستاني أو السيد محمد سعيد الحكيم أو الشيخ إسحاق الفياض أو الشيخ بشير النجفي بذلك تعود فتذكّر ببيانيها السابقين بأن لا أحد ينطق باسمها إلا مراجعها أو مكاتبهم فقط دون سواهم من المدعين. مشيرة لتصريح سماحة آية الله السيد محمد باقر الحكيم لمجلة (ديرشبيغل) الألمانية والمنشور في جريدة الحياة اللندنية يوم 10/6/2003 ، حين أجاب عن سؤال مراسلها له: " عما إذا كان سيؤيد فرض ارتداء الحجاب على المرأة، قال إنه: "مع دعوة المرأة إلى الالتزام بقواعد الإسلام، إلا أن القرار الأخير يبقى ملكها هي، وهي التي تتخذه باختيارها".

وفي هذا القول من الجلاء ما فيه بحيث لا يحتاج إلى مزيد بيان. والحمد لله رب العالمين.

   الحوزة العلمية في النجف الأشرف

9 ربيع الثاني 1424 هـ (11 حزيران 2003)

ومما تقدم يجد الباحثان ان المرجعية الدينية كانت تعمد دوماً الى درء الفتن والحرص على احقاق الحق والحرص على اشاعة روح التسامح فالفتوى التي اصدرها سماحة السيد علي السيستاني تمثل الخط الحقيقي الذي يجب ان يسير عليه عموم المسلمين لقطع دابر الفتن واشاعة روح التسامح بين ابناء الشعب الواحد ، فكان لفتوى المرجعية الرشيدة الاثر الاكبر في التصدي لأعمال العنف والطائفية التي طحنت بالعراق .

المرجعية صمام أمان العراق

مع كل ما شهده العراق من تحولات وعلى المستويات كافة فقد برز دور السيد السيستاني كلاعب حقيقي في ضبط إيقاع الأحداث السياسية الهامة والتي تقع تحت تأثير نفوذه لما يتمتع به من احترام واسع في صفوف الجماهير العراقية، وكذلك الأحزاب والشخصيات السياسية المؤثرة في الساحة العراقية. إذ بقي منزله قبلة للزائرين من مختلف الطوائف والمذاهب والقوميات العراقية. إذ كان يستقبل مسؤولين من رؤساء جمهورية ووزراء ونواب برلمان وشخصيات ذات مناصب عليا في الدولة. كما كان يستقبل السفراء ومبعوثي الأمم المتحدة وأمينها العام أمثال أشرف قاضي والأخضر الإبراهيمي وسيرجيو دي ميللو. وكان يرفض استقبال مبعوثين ينتمون للدول المشاركة في القوات متعددة الجنسية.

لقد اسهم السيد السيستاني في نزع فتيل أول صراع مسلح داخل الصف الشيعي. ففي منتصف تشرين الأول 2003 حدث نزاع مسلح بين أطراف شيعية في كربلاء المقدسة تنافست حول السيطرة على المراقد المقدسة هناك. وبعد حدوث اشتباكات تدخلت بعض القوى الإسلامية كحزب الدعوة الإسلامية للوساطة. وشاركه مكتب السيد السيستاني في إيجاد صيغة لإخراج المسلحين من العتبات المقدسة، ثم أصدر مكتبه البيان التالي:([43])

                                                بسمه تعالى

  • النزاع المسلح الذي وقع في كربلاء المقدسة نجم عن غياب السلطة الوطنية العراقية عن الساحة بصورة فاعلة، ووجود أعداد كبيرة من الأسلحة غير المرخصة بأيدي الجماعات غير المنضبطة. وقد تم التوصل إلى حل النزاع بمساعي ممثل مكتب سماحة السيد دام ظله، والمحاكم العراقية الصالحة هي وحدها التي يحق لها محاسبة المقصرين أياً كانوا.
  • يلزم تعزيز القوات الوطنية العراقية المكلفة بتوفير الأمن والاستقرار ودعمها بالعناصر الكفوءة والمعدات الضرورية، ولسنا مع تشكيل أية ميليشيات.
  • يتحدد ذلك كله من قبل أعضاء المؤتمر الدستوري المنتخبين من قبل الشعب العراقي.

 مكتب السيد السيستاني في النجف الأشرف

                                    27شعبان 1424 هـ (24/10/2003)

لقد ترجمت هذه الفتوى المعنى لحقيقي لإطفاء الفتنة التي كادت تعصف بالعراق في آب 2004، إذ كانت عناصر جيش المهدي (ع) قد دخلت الحرم العلوي في النجف الأشرف في بداية نيسان 2004، عندما استولت على مفاتيح المرقد، وطردت الحراس الموجودين. واتخذ السيد مقتدى الصدر من إحدى قاعات المرقد مكتباً له، يستقبل فيه أتباعه والزوار والمبعوثين والمراسلين والصحفيين. وعندما أرادت الحكومة العراقية برئاسة أياد علاوي اقتحام المرقد، تساندها قوات أمريكية وعراقية، اتضح أن دخول القوات العسكرية المرقد يعني حدوث مذبحة كبيرة، يذهب ضحيتها الآلاف من الطرفين، إضافة إلى تدنيس المرقد الطاهر، وانتهاك حرمة العتبة المقدسة. وكان السيد السيستاني قد سافر إلى لندن للعلاج قبل نشوب الأزمة وتوتر الأوضاع. وفي اليوم التالي لعودته اتصل بالطرفين (الحكومة العراقية والسيد مقتدى الصدر)، وأجرى مفاوضات مكثفة حتى تمكن بحكمته وسعة صدره من نزع فتيل الحرب،  وإقناع الطرفين من الانسحاب من المدينة ومن الحرم العلوي المطهر. وتكللت المحادثات بتوقيع اتفاق بينه وبين السيد مقتدى الصدر هذا نصه:

بسمه تعالى

إن سماحة السيد السيستاني دام ظله يدعو إلى ما يلي:

أولاً: إعلان مدينتي النجف الأشرف والكوفة خاليتين من السلاح، وخروج جميع العناصر المسلحة منهما، وعدم عودتهم إليها.

ثانياً: تولي الشرطة مسؤولية حفظ الأمن والنظام في أرجاء المدينتين.

ثالثاً: خروج القوات الأجنبية منهما.

رابعاً: تعويض الحكومة العراقية جميع المتضررين في الاشتباكات الأخيرة.

خامساً: مساهمة جميع القوى والتيارات الفكرية والاجتماعية والسياسية في خلق الأجواء المناسبة لإجراء التعداد السكاني، ومن ثم الانتخابات التي من خلالها يمكن استعادة السيادة الكاملة.

هذا وقام السيد مقتدى الصدر بالتوقيع على الاتفاق كما يلي:

                                       بسمه تعالى

هذه طلبات بل أوامر المرجعية ، وأنا مستعد لتنفيذ كل أوامرها الكريمة مع فائق الشكر.

  مقتدى الصدر

                                                     9 رجب 1425 (26/9/2004)([44])

وفي ظل تصاعد الأعمال الارهابية التي ترتكبها الجماعات التكفيرية والبعثية، حيث أخذت طابعاً طائفياً حين يجري القتل على الهوية، تعرّض الشيعة إلى مجازر وحشية. وأصبح طريق اللطيفية بؤرة للإرهابيين والقتلة الذين ينفذون جرائمهم ضد المواطنين المسافرين بين بغداد والحلة أو النجف أو الجنوب العراقي. الأمر الذي أخذ ينذر بحدوث فتنة طائفية في حالة قيام الشيعة بالرد بالمثل، مما يجر العراق إلى حرب طائفية شرسة لا تبقي ولا تذر. وازدادت العمليات سعة وحدة بعد تصريحات أبو مصعب الزرقاوي الذي دعا إلى الحرب على الشيعة في أيلول 2005 ، قامت مجموعة من العراقيين من أهالي الكوفة بتوجيه استفتاء إلى السيد السيستاني تطلب رأيه في كيفية الرد على الزرقاوي وأتباعه، بعد أن أصبحت حرباً مكشوفة، وعن الموقف الشرعي، فأجابهم بضرورة ضبط النفس وعدم الرد ، محذراً من الفتنة ، كما أوصاهم بالتعاون مع الأجهزة الأمنية في مكافحة الزمر الإرهابية، جاء فيه:

سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا يخفى على سماحتكم التهديدات التي أطلقها عملاء الثالوث المشؤوم ضد أتباع أهل البيت سلام الله عليهم، حيث أعلنها من يسمى بالزرقاوي حرباً على الشيعة في العراق.

فما هو رأيكم حول هذه المسألة الخطيرة، وما هي السبل لدفع الضرر عن أتباع أهل البيت عليهم السلام؟ وما هي توصياتكم للشيعة خصوصاً وللعراقيين عموماً؟ جزاكم الله خير جزاء المحسنين.

أبناء الشهيد الصدر الثاني (قدس سره)

الكوفة العلوية المقدسة

أجاب مكتب السيد السيستاني كما يأتي:                                 

                                         بسم الله الرحمن الرحيم

إن الهدف الأساس من إطلاق هذه التهديدات ومما سبقها وأعقبها من أعمال إجرامية استهدفت عشرات الآلاف من الأبرياء في مختلف أنحاء العراق هو إيقاع الفتنة بين أبناء هذا الشعب الكريم ، وإيقاد نار الحرب الأهلية في هذا البلد العزيز للحيلولة دون استعادته لسيادته وأمنه، ومنع شعبه المثخن بجراح الاحتلال وما سبقه من القهر والاستبداد من العمل على استرداد عافيته والسير في مدارج الرقي والتقدم.

ولكن معظم العراقيين – ولله الحمد- على وعي تام بهذه الأهداف الخبيثة، وسوف لن يسمحوا للعدو الطامع بتحقيق مخططاته الإجرامية، مما نالهم من ظلم وأذى وأريق على ثرى بلدهم الطاهر من دماء زكية لأهليهم وأحبتهم.

وإننا في الوقت الذي نعبّر فيه عن بالغ الأسى لكل قطرة دم عراقية تسفك ظلماً وعدواناً ، ونتألم لآهات الثكالى وبكاء الأيتام وأنين الجرحى، ندعو المؤمنين من أتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى الاستمرار في ضبط النفس مع مزيد من الحيطة والحذر ، ونحثّهم على التعاون مع الأجهزة العراقية المختصة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات الحماية والمراقبة منعاً لتسلل المجرمين وأعوانهم إلى مدنهم ومناطق سكناهم، كما ندعو سائر العراقيين إلى العمل على ما يعزّز وحدة هذا الشعب ويشدّ من أواصر الألفة والمحبة بين أبنائه. ويكون ذلك بالمنع –قولاً وعملاً- من الانتماء إلى هذه الفئة المنحرفة ومن تقديم العون لها بأيّ ذريعة كانت، وتحت أيّ عنوان كان. كما يلزم توعية المغفّلين الذين يظنون بهؤلاء خيراً، وتنبيههم على انحراف أفكارهم وسوء أهدافهم وتبعات أفعالهم ومخاطرها.

وندعو الحكومة العراقية إلى العمل الجادّ والدؤوب لتوفير الأمن والاستقرار لجميع العراقيين ورعاية كامل حقوقهم ومنع الأذى عنهم بغضّ النظر عن انتماءاتهم العرقية والمذهبية والفكرية.

كما ندعو القضاء العراقي إلى أن يمارس دوره بالإسراع في محاكمة المتهمين في قضايا القتل والإجرام وإقرار العقوبات المناسبة في حق من تثبت إدانتهم، ولا تأخذه في ذلك لومة لائم.

نسأل الله العلي القدير أن يأخذ بأيدي الجميع إلى ما فيه خير العراق وعزّته واستقراره واستقلاله، ويجنّب العراقيين جميعاً كل سوء ومكروه، إنه سميع مجيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مكتب السيد السيستاني في النجف الأشرف (ختم)

21 شعبان 1426 هـ (27 أيلول 2005)([45])

من أسئلة صحافية مقدمة لسماحة السيد السيستاني،بتاريخ 14/9/2006.

س:هل هناك حل للصراع الطائفي الشيعي السني في العراق،وماهو دور الزعامات الدينية في ذلك؟

كان جوابه اعزه الله :(لايوجد صراع  ديني بين الشيعة والسنة في العراق،بل هناك أزمة سياسية ،ومن الفرقاء من يمارس العنف الطائفي للحصول على مكاسب سياسية وخلق واقع جديد، بتوازنات مختلفة عما هي عليها  الآن، وقد  تسبب هذا في زج بعض  الأطراف الأخرى ايضاً في العنف الطائفي  ،ويضاف إلى  ذلك ممارسات التكفيريين الذين يسعون في تأجيج الصراع بين الطرفين ولهم مشروعهم المعروف. ونتيجة ذلك كله هو ما نشهده اليوم  من عنف أعمى يضر بالبلد في كل مكان  و يحصد أرواح آلاف الاشخاص وقد تسبب في تهجير وتشريد أعداد  كبيرة أخرى من المواطنين).

لقد اكد آية الله السيد علي السيستاني مراراً وتكراراً، انه لا خلافات حقيقية بين السنة والشيعة،وأضاف السيد السيستاني: (انا أحب الجميع، والدين هو المحبة، أعجب كيف استطاع الأعداء ان يفرقوا بين المذاهب الاسلامية ).ومضى قائلا: (هذه المجالس واللقاءات مهمة ومفيدة ومن خلالها يعرف الجميع انه لا توجد خلافات حقيقية بينهم، ان نقاط الخلاف بين الشيعة والسنة في قضايا فقهية موجودة بين أبناء المذهب الواحد أيضا).

وقال السيد السيستاني: ( لابد للشيعة ان يدافعوا عن الحقوق الاجتماعية والسياسية للسنة قبل أبناء السنة انفسهم).وأضاف: ان ( خطابنا هو الدعوة الى الوحدة، وكنت ولا أزال أقول لا تقولوا اخواننا السنة، بل قولوا (أنفسنا أهل السنة). انا استمع الى خطب أئمة الجمعة من أهل السنة أكثر مما استمع لخطب الجمعة من أهل الشيعة. نحن لا نفرق بين عربي وكردي، والاسلام هو الذي يجمعنا معا).

وأوضح انه يشير في أبحاثه الفقهية ( الى فتاوى أئمة السنة، نحن متحدون في كعبة واحدة وصلاة واحدة وصوم واحد، حينما يقول لي بعض أبناء السنة أيام النظام السابق انه أصبح شيعيا، اسأله لماذا ؟ فيقول لولاية أهل البيت، فأقول له ان أئمة السنة دافعوا عن ولاية أهل البيت).وأضاف قائلا: ( المقابر الجماعية طالت السنة كما طالت الشيعة. اني مع الجميع حينما يطالبون بحقوقهم)([46]).

         ويرى الباحثان ان كل ما تقدم يصب في خدمة العراقيين ودفع شر الطائفية المقيتة عنهم ولعل اهم ما جاء في كلمته اعزه الله قوله (ان خطابنا منذ اليوم الأول هو دعوة للوحدة وكنت وما أزال أقول لاتقولوا إخواننا السنة بل قولوا أنفسنا أهل السنة)([47]). ففي هذه العبارة ما يؤكد على اهمية محاربة الارهاب من قبل جميع العراقيين بغض النظر عن مذاهبهم فكلمته اعزه الله يؤكد ان الاخ قد يختلف مع اخيه ولكن النفس تبقى واحدة ، ومما يلحظه الباحثان دقة التعبير في كلامه اعزه الله فاختار الكلمات التي تلامس القلوب وتدخل النفوس دون استئذان وتؤكد في الوقت نفسه اهمية الحب لجميع العراقيين. 

المبحث الرابع / النتائج والتوصيات

نتائج البحث : لقد توصل البحث لنتائج عدة كان من اهمها :

  1. اكد الدين الاسلامي على ضرورة نبذ الطائفية والارهاب بكل اشكاله وصفوفه ومسمياته .
  2. اعطت الشريعة الاسلامية السمحاء كل الادلة والطرائق والسبل للتعايش السلمي ونبذ الطائفية بين المسلمين انفسهم على اختلاف مذاهبهم وبين غير المسلمين ممن يعيشون تحت رعاية الدولة الاسلامية .
  3. جسدت المرجعية الرشيدة ممثلة بالمرجع الاعلى اية الله السيد علي السيستاني دام ظله الوارف مبادئ الشريعة الاسلامية بما اصدره من فتاوى عدة اكدت على وحدة الصف الوطني من جهة ونبذ العنف والطائفية من جهة اخرى.
  4. مثلت المرجعية الرشيدة صمام امان العراق لسنوات خلت فلولا الفتاوى الرشيدة التي اصدرتها وحكمتها في معالجة المواقف الصعبة التي مر فيها العراق لكان مصير العراق الى الهلاك .
  5. اوصت المرجعية الرشيدة جميع المسلمين بضرورة نبذ الفرقة ولعل اهم ما يجسد ذلك ما قاله السيد علي السيستاني ( لاتقولوا اخواننا السنة بل قولوا انفسنا السنة) ومما يلحظ في قوله هذا بعد البصيرة اذ من المتعرف عليه ان الاخ قد يختلف مع اخيه ولكن النفس تبقى واحدة مهما اختلفت الظروف .

التوصيات :

  1. ضرورة الافادة من فتاوى المرجعية الرشيدة بنبذ كل اشكال العنف والارهاب وتحقيق الوحدة الوطنية بين ابناء الشعب العراقي .
  2. ضرورة الافادة من الفتاوى المرجعية الرشيدة فيما يخص نبذ الطائفية والعنف وتضمينها بنحو ضمني في المناهج الدراسية كافة وعلى اختلاف المراحل الدراسية لبث روح التعايش السلمي وقتل من يريد التفرقة بين صفوف الشعب الواحد .
  3. تسليط الضوء على الفتاوى الشرعية للمرجعية الرشيدة التي تؤكد على نبذ الطائفية والعنف في وسائل الاعلام كافة المسموعة والمرئية والمكتوبة ، لما في ذلك من دور مباشر بنفي صفة الارهاب التي الصقت بالدين الاسلامي من قبل بعض الجماعات الضالة التي امتازت بالعنصرية فضلاً عن انها تؤكد ان الدين الاسلامي دين وسطية واعتدال وهو برئ كل البراءة مما الصق به من هذه التهم .

المصادر

  • المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية ، مكتبة الشروق الدولية ، 2004
  • عبد الحليم الرهيمي، الحركة الإسلامية في العراق، د. م بيروت، 1982
  • حسين بركة الشامي، المرجعية من الذات إلى المؤسسة، مؤسسة دار السلام، لندن، 1999.
  • موسى الموسوي، الثورة البائسة، بيروت، 1981.
  • ابراهيم الحيدري، تراجيديا كربلاء، سوسولوجيا الخطاب الشيعي، دار الساقي، بيرت لبنان، 1999.
  • علي محمد الصلابي، أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، دار الإيمان للطباعة والنشر والتوزيع، اسكندرية 2003 .
  • فؤاد ابراهيم، الفقيه والدولة الفكر السياسي الشيعي بحث فقهي تاريخي، دارالمرتضى للطباعة والنشر والتوزيع، 2013م.
  • احمد الكاتب، تطور الفكر السياسي الشيعي، عمان الاردن 1997
  • محمد عطا أحمد يوسف : العدل في القرآن الكريم (القاهرة ، د . ت) .
  • سنن الترمذي (مع أحكام الألباني،ت: مشهور) ،محمد بن عيسى بن سورة الترمذي،المحقق: محمد ناصر الدين الألباني – مشهور بن حسن آلسلمان ،مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.
  • سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي،سنن أبي داود،المكتبة المصرية .
  • مسندالإمام أحمد بن حنبل،أبوعبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241هـ،المحقق: شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد،وآخرون،إشراف: دعبدالله بن عبد المحسن التركي،مؤسسة الرسالة، 1421 هـ - 2001م.
  • الإمام فخر الدين الرازي أبوعبدالله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الأصل،التفسير الكبير،دار الكتب العلمية ببيروت، 2004م – 1425هـ
  • محمد بن أحمد بن حمزة الرملي ، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ، مج 7 ، (القاهرة : المكتبة الإسلامية ، 1358 هـ/ 1939 م).
  • أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بجر النسائي،سنن النسائي، مكتب المطبوعات الإسلامية، 1414هـ / 1994م
  • محمد حسين علي الصغير،اساطين المرجعية العليا في النجف الاشرف ،موسوعة البلاغ، بيروت،2003،ص271.
  • محمدالغروي (المرجعية ومواقفها السياسية) / دارالمحجة البيضاء ،بيروت: 2004
  • كلمة ألقيت نيابة عن سماحته في افتتاح الملتقى الأول لعلماء السنة والشيعة في العراق في مدينة النجف الاشرف ، الموقع الرسمي للسيد السيستاني 28/11/2007

      

 

 

[1] . المعجم الوسيط ،مجمعا للغة  العربية،مكتبة الشروق الدولية، 2004

 

[2]. عبدالحليم الرهيمي،الحركةالإسلامية في العراق،د. مبيروت، 1982

 

[3]. حسين بركة الشامي،المرجعية من الذات إلى المؤسسة،مؤسسة دار السلام ،لندن، 1999.

 

[4]. موسى الموسوي،الثورة البائسة،بيروت، 1981ص18.

 

[5]. ابراهيم الحيدري،تراجيديا كربلاء ،سوسولوجيا الخطاب الشيعي،دار الساقي،بيروت لبنان، 1999ص88.

 

[6] .علي محمد الصلابي، أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، دار الإيمان للطباعة والنشر والتوزيع، اسكندرية 2003 ص716-724.

 

[7]. فؤاد ابراهيم،الفقيه والدولة،ص11.

 

[8]. احمد الكاتب، تطورالفكر السياسي الشيعي،عمان الاردن 1997

 

 

([9]) . سورة البقرة آية : 179 .

 

 

([10]).  سورة الأنفال الآيتان : 61

 

 

([11]) سورة قريش: 1 - 4 .

 

 

([12]) سورة النحل آية : 90 .

 

 

([13]) محمد عطا أحمد يوسف : العدل في القرآن الكريم (القاهرة ، د . ت) ، ص 50 ، والتعريف للإمام الطبري .

 

 

([14]) سورة الحجرات آية : 13 .

 

 

([15]) الترمذي المناقب (3956) ، أبو داود الأدب (5116) ، أحمد (2/361) .

 

 

([16]) سورة الأنبياء آية : 107 .

 

 

([17]) سورة يونس آية : 57 .

 

 

([18]) سورة البقرة آية : 256 .

 

 

([19]) سورة آل عمران آية : 64 .

 

 

([20]) سورة الممتحنة آية : 8 .

 

 

([21]) سورة التوبة آية : 6 .

 

 

([22]) سورة البقرة آية : 143 .

 

 

([23]) سورة المائدة آية : 77 .

 

 

([24]) سورة الإسراء آية : 70 .

 

 

([25]) فخر الدين الرازي ، التفسير الكبير ، 21/ 12 ، ومعنى قوله : " العالم السفلي " أي في الأرض .

 

 

([26]) سورة الإسراء آية : 33 .

 

 

([27]) محمد بن أحمد بن حمزة الرملي ، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ، مج 7 ، (القاهرة : المكتبة الإسلامية ، 1358 هـ/ 1939 م) ، ص 233 .

 

 

([28]) سورة المائدة آية : 32 .

 

 

([29]) سورة الأنعام آية : 151 .

 

 

([30]) سورة الحجرات آية : 6 .

 

 

([31]) سورة الأعراف آية : 199 .

 

 

([32]) النسائي تحريم الدم (4116) .

 

 

([33]) سنن النسائي ، 7/ 17 ، كتاب تحريم الدم ، وصححه الشيخ الألباني .

 

 

([34]) سورة المائدة آية : 33 .

 

 

([35]) سورة المائدة آية : 32 .

 

 

([36]) سورة البقرة آية : 179 .

 

 

([37]) تفسير الطبري .

 

 

([38]) سورة الحجرات آية : 9 .

 

 

([39]) مسلم الإمارة (1852) ، النسائي تحريم الدم (4020) ، أبو داود السنة (4762) ، أحمد (4/341) .

 

 

([40]) رواه مسلم .

 

[41]. محمد حسين علي الصغير ( أساطين ا لمرجعية العليا المعاصرون) / ص71-72

 

[42] . المصدر السابق / ص73-75

 

[43] . محمد الغروي / المرجعية ومواقفها السياسية / ص 111

 

[44] . نسخة مصورة من الاتفاق

 

[45] . نسخة مصورة من الاستفتاء، وبختم مكتب السيد السيستاني

 

[46]. كلمة ألقيت نيابة عن سماحته في افتتاح الملتقى الأول لعلماءالسنة والشيعة في العراق في مدينة النجف الاشرف ، الموقع الرسمي للسيد السيستاني 28/11/2007 .

 

[47]. المصدر نفسه