دور  المرجعية الدينية  في مواجهة الاحتلال البريطاني 1914-1919

                                                                                                                           

        ا.م.د.  سؤدد كاظم مهدي                                          د. شذى زكي حسن

مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية                  مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية

المقدمة:

    يندرج موضوع دور المرجعية الدينية  في بناء الوحدة الوطنية في العراق في تشرين الثاني 1918 – كانون الثاني 1919 ، ضمن سلسلة دراسة تاريخ الحركة الاسلامية الحديثة في العراق ، عندما كثر النقاش عن طبيعة تنظيمها واطارها الفكري وعلاقتها بالسلطة منذ مطلع القرن العشرين ، عندما عرف رجال الدين دخول المجال السياسي في وقت مبكر ، فكانت اقدميته بالنسبة لنظرائه بالمنطقة العربية الاسبق بين التيارات الاسلامية في الدول العربية ككل .

     يركز موضوع الدراسة على بواكير العمل السياسي للمرجعية الدينية عندما حدد الاستفتاء العام أنموذجا لمجال الدراسة ، لتوضيح دور رجال الدين في مرحلة مهمة من مراحل تاسيس الدولة العراقية الحديثة (1918-1921) بكل ماحملت من معاني دقيقة وحساسة اثرت على طبيعة العلائق القومية والمذهبية داخل بنية الدولة ، لتبدأ فيما بعد ازمة هوية حول شكل الدولة القائمة ، وصراعا بين الدولة القومية والدينية .

      كان الغزو البريطاني للبصرة في تشرين الثاني 1914، الشرارة الاولى التي عمقت بوادر الوعي الوطني لدى رجال الدين ،عندما انخرط مراجع الدين الكبار لاول مرة في تاريخ العراق الحديث في المقاومة المسلحة لمواجهة قوات الاحتلال البريطاني فسجلت صورة من صور التلاحم الوطني الديني- العشائري في تحالفهم مع القوات العثمانية ، متناسين بذلك السياسة العثمانية المقيتة على مدى قرون عديدة(1534-1914) وما خلفت من اثار سلبية على الواقع العراقي من تخلف  وجوع ومرض.

     بعد سلسلة من الحركات المسلحة في معركة الشعيبة والمزيرعة في عام 1915، وحصار البريطانيين في الكوت في عام 1916، وانتفاضة النجف على الادارة البريطانية في عام 1918، تحولت  المرجعية الدينية  الى قوة سياسية بارزة في الساحة العراقية، كان الحكام البريطانيون يحسبون لها الشي الكثير في موضوع صنع القرار السياسي للعراق في تلك المرحلة ، وهو ما بدى واضحا في موضوع الاستفتاء العام عندما اصبح رجال الدين حجر عثرة امام تحقيق الاهداف البريطانية المرجوة لحكم العراق حكما بريطانيا مباشرا .

اولا :علماء الدين والحركة القومية العربية 1905-1914

مع مطلع القرن العشرين تأثر العراق  بجملة من التحولات السياسية والثقافية التي طرأت في الدول العربية والإقليمية،  التي ساعدت على نمو الوعي السياسي لدى العراقيين، وكان باعثها قيام الحركات الدستورية في كلٍ من ايران في عام 1905-1911 والدولة العثمانية في عام 1908. كما كان لنمو الحركة  القومية العربية في مصر وبلاد الشام، ودور المصلحين الاسلاميين,  كجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد  رضا، وعبدالرحمن الكواكبي , دور كبير في النهضة الفكرية التي ادت دوراً رائداً في اثارة الوعي القومي العربي([1]).

ظهر النشاط الفكري واضحاً بين رجال الدين المسلمين  في العراق حول الثورة الدستورية في ايران 1905-1906/1909-1911. التي اطلق عليها  بـ(( المشروطة))([2]) عندما انعكس ذلك الصراع بين مؤيدي الدستور وخصومهم بين علماء الدين انفسهم ، وكانت مدينة  النجف نموذجاً لذلك، عندما اصبحت احدى ساحات تلك المعركة السياسية، لكون ان بعض قادة الرأي العام الإيراني هم من علماء النجف، عندها امتد الصراع ليحظى بتأييد فئة من ذوي الميول القومية العربية مع فريق اخر من رجال الدين الذين وجدوا في الدستور خطراً على افكارهم المحافظة، وانه تشبه بعادات  وافكار الغرب المسيحي، وكان على رأس هذا الفريق المرجع الديني السيد محمد كاظم اليزدي([3]).

اتخذت صور الخلاف بين  الفريقين إشكالا مختلفة لتلك المواجهة  الفكرية، حتى تحولت  الى معارك في الشوارع، وهو  ما ولد وعياً فكرياً وسياسياً لدى رجال الدين ممن هم انصار المشروطة، عبروا عنه من خلال دعمهم لأعادة  العمل بالدستور العثماني عام 1908 وتبنيهم لشعاره، حرية ، عدالة، مساواة، وكان يقود هذا الفريق من رجال الدين المجتهد الديني الكبير محمود كاظم الخراساني وهو ما لقي التأييد والترحيب من قادة جمعية الاتحاد والترقي الحاكمة. الذين شرعوا بفتح فرعاً للجمعية في النجف  وكان من أبرز المؤسسين لها الشيخ علي مانع، والسيد مسلم زوين([4])، والشيخ محمد رضا الشبيبي([5]).

اسهمت سياسة الأتحاديين العنصرية التي ظهرت بعد مدة قصيرة من انقلاب  عام 1908 ، في احداث شرخٍٍ بين رجال الدين الذين ناصروا دستور عام 1908 وبين حكومة الأتحاديين، اذ كان لسياسة التتريك  التي فرض الأتحاديون بموجبها  اجراءات معروفة دوراً في استفزاز العرب وتعميق احاسيسهم القومية, بل عزز ظهور الافكار الاستقلالية ، التي هي بطبيعتها واهدافها لا تختلف عن مجرى التطور العام للحركة القومية العربية([6]).

الا ان هذا الوعي السياسي لم يتبلور الى حد المطالبه بالاستقلال عن الدولة العثمانية، ولسبب هو وحدة الدين والخوف من نوايا التغلغل الأوربي في المنطقة، هذا فضلاً عن العجز العسكري، مع ذلك لم تمنع هذه العوامل، حسب وجهة  القوميين، من أن يعلن رجال الدين عن هويتهم  العربية وتعمل على مساندة الفكر القومي([7]) ، على الرغم من الضغوط التي واجهت تلك التيارات الفكرية الحديدة، التي تمثلت في مايلي:

  • وجود اتجاه فكري يرى في الاسلام قوة توحيدية حلت محل القومية وأزالت كل الفروق بين المسلمين عرباً او غير عرب.
  • قوة التيار الاسلامي المحافظ في المدن الدينية، الذي حاول ان  يحّد من هذه التيارات الحديثة التي كانت بداياتها وخطوطها الأولى غير واضحة.
  • عدم تقبل الأفكار الداعية للقومية العربية من قبل الوجود الايراني المتمثل بعلماء الدين ممن هم من اصول ايرانية من ناحية، ومن الحكام الأتراك لتلك المدن من ناحية اخرى([8]).

       تابع معظم رجال الدين في المدن الدينية التطورات السياسية في المنطقة العربية  مع بداية الاستعمار الأوربي لهافى مطلع القرن العشرين ، عندما احتل  الإيطاليون  ليبيا في عام 1911، كان رد الفعل كبيراً عند علماء الدين امام عجز العثمانين عن الدفاع عن الأراضي الإسلامية , فقد اعلن المرجع الديني كاظم الخرساني والمرجع الديني محمد كاظم اليزدي الجهاد ضد القوات  الايطالية الغازية، و شكلت لجان للتطوع في  النجف ونشط العديد من مثقفيها وشعراؤها في  تعبئة الرأي العام. كما  تجدد السخط والتذمر عندما عم المدن الدينية المظاهرات والاحتجاجات للتنديد بفرض فرنسا حمايتها على المغرب الأقصى في عام 1912 م([9]).

    وينقل لنا الشاعر سعيد كمال الدين صورة عن أمال القوميين العرب في مدينة  دينية في ظل تلك الاجواء الوطنية والقومية  التي حدثت  في عام 1912  وعمق ارتباط اهل النجف بالشعور القومي العربي في الأبيات الأتية:-

متى هل أراها في الحياة تحققت

 

فاذهب مرتاح الضمير الى قبري

ايجمع شملي من عراق وتونس

 

مع الشام مع لبنان مع مصر

مع اليمن الميمون ثم مراكش

 

ايجمع هذا الشمل باقي العمر([10])

ثانياً :-  موقف رجال الدين من الأحتلال البريطاني للعراق 1914-1918

بعد اعلان الدولة العثمانية دخول الحرب  الى جانب الدول المركزية  ضد دول الحلفاء في 29 تشرين الثاني 1914،  نزلت القوات  البريطانية في الفاو في 6 تشرين الاول 1914 ، ثم دخلت البصرة  في 23 من الشهر نفسه([11])، في وقت كان العراق ينقسم ادارياً الى  ثلاث ولايات هي الموصل , وبغداد , البصرة ، ويخضع الناس فيه الى حد كبير تحت الهيمنة العثمانية، وشيوخ العشائر، وعلماء الدين، والوجهاء المحليين([12]).

 كان موقف الرأي العام العراقي بفئاته المختلفة  يميل نحو عدم المشاركة في الحرب والوقوف الى جانب الحياد، وهو ما تشير اليه صراحة البيانات المنشورة في المدن والحواضر العراقية ، مبررة موقفها المذكور من الحرب البريطانية- العثمانية بما يلي:

      "  ان اتباعنا للترك والانكليز واحد... وان الترك باعوا بلادنا،

       واخذوا اولادنا الى ارضروم، وكذا دوابنا وأطعمتنا، وبقيت

       نساؤنا ارامل، وساقوا ابناءنا الى جهة مجهولة ،فأهلكوهم

       في الحرب..."  ([13]).

ولذلك اشاعت عملية هروب  العراقيين بين منتسبي القوات العثمانية، التي عنصرها الأساسي من العرب والكرد، فراراً من التجنيد الإلزامي وما رافقه من صراحة في التطبيق وعقوبات للخارجين عنه، حتى بلغ عدد الفارين في آب 1914 مايقارب الـ(30 الف) مقاتل، لترفع تلك النسبة عند اندلاع القتال في البصرة ، عندما هبط عدد منتسبي الفرقة(38) المرابطة في البصرة من          ( 6500) مقاتل عند دخول الحرب الى (1000) مقاتل بعد اسبوعين من  القتال([14]) اما عند اعلان الدولة العثمانية  النفير العام واعلان الجهاد  فكانت الاستجابة ضعيفة جدا ً([15]).

لم يختلف موقف  رجال الدين كثيراً عن سابقيه من فئات المجتمع في المدة المحصورة مابين احتلال الفاو في 6 تشرين الثاني 1914 وسقوط القرنة في  9 كانون الأول 1914، عندما ظل موقف رجال الدين محايداً، هذا مع اعلان بعض شيوخ ولاية البصرة كشيخ الزبير والقرنة والهارثة([16]) ولاءه للحكام البريطانيين. ومما زاد الامر تعقيداً بالنسبة للعثمانيين في العراق، هو تجريده من القوات النظامية والأعتماد على وحدات الدرك( الجندرمة) والحدود ومتطوعي العشائر في الدفاع عن العراق، بعد ان تم نقل قيادة الجيش الرابع والفيلق الثاني عشر الى سوريا، وقيادة الفيلق الثالث عشر والفرقة( 37) منه للألتحاق بالجيش الثالث الذي كان مكلفاً بمهاجمة روسيا من جهة قفقاسيا([17]).

امام هذه الأحداث  بدت القيادة العثمانية في بغداد اكثر ضعفاً  امام وقف الزحف البريطاني في جنوب العراق. فاتجهت نحو ستراتيجية جديدة تقوم  على ضرورة تجنيد العشائر بفرقة  من المتطوعين من جهة،  وحث  وتحريك الشعور  الإسلامي بإعلان الجهاد من قبل علماء الدين ، من خلال القيام بحملة دعائية مضادة للبريطانيين باسم  الإسلام، بدعوى حماية الناس من التأثيرات اللا دينية الغربية، وكانت السلطنة العثمانية قد بذلت جهوداً حثيثة في انحاء الدولة العثمانية من اجل كسب تأييد العلماء للقضية العثمانية، عندما صورت ان الجنود البريطانيين  سيهدمون المزارات والمساجد ويحرقون القرآن الكريم وما الى ذلك([18]).

 حدث تطور نوعي اخر اثر في عملية حث علماء الدين في العراق نحو تغيير موقفهم من الدولة العثمانية والبريطانيين معاً، فقد بعث أهالي البصرة الى كل من النجف وكربلاء والكاظمية ببرقية يطلبون فيها الدفاع عن مدينتهم من القوات البريطانية، واستنهاض العشائر في مسألة الدفاع عنهم وتشير البرقية وبالنص الى ما يلي:-

     " ثغر البصرة الكفار محيطون به، الجميع تحت السلاح                    ,               نخشى على باقي بلاد الاسلام، ساعدونا بأمر العشائر " ([19]).

كما وصل وفدً عثمانيٌ رفيع المستوى الى مدينة النجف لا جل محاولة  كسب تأييد علماء الدين في موضوع الجهاد، وعقد  الجانبان اجتماعاً مشتركاً في جامع الهندية في النجف، حضره عدد كبير من  علماء الدين وشيوخ العشائر، كان جو الأجتماع قد ساده روح الحماسة والعداء لبريطانيا، عندما خطب كل من السيد محمد سعيد الحبوبي، والشيخ عبد الكريم الجزائري، والشيخ محمد جواد الجواهري، بوجوب الوقوف الى جانب العثمانيين شرعاً في مسألة الدفاع عن البلاد([20]) .

تحول دور علماء الدين في مدينة النجف التي تمثل مركز القيادة الدينية  عند الشيعة من الاطر الدينية الى المشاركة الفعلية في صناعة القرار السياسي مع  بدايات  الأحتلال البريطاني للعراق 1914- 1915، عندما اعلن  المجتهدون الذين لا تقتصر اختصاصاتهم على قوانين الدين فقط بل الى  اصدار الأحكام والقرارات في كل  الشؤون الدينية  والدنيوية، فتوى الجهاد كواجب شرعي على كل مسلم ، وكان في مقدمة  المراجع هم: شيخ الشريعة فتح الله الأصفهاني، والسيد مصطفى الكاشاني، والشيخ جعفر الشيخ راضي، والسيد علي  الداماد ، والسيد محمد كاظم اليزدي([21]) . وفي سامراء افتى السيد محمد تقي الشيرازي وفي  الكاظمية افتى كل من الشيخ مهدي الخالصي، ومهدي الحيدري بالجهاد ايضاً([22]) .                                      

قاد رجال الدين ألوية الحرب ضد القوات البريطانية في البصرة وحملات تعبئة المتطوعين في  وحدات منظمة اطلق عليها بـكتائب المجاهدين , التي واجهت في البداية مشكلة كبيرة هي ان العشائر كانت غير راغبة في  الاستجابة لنداء الجهاد، بسبب الكراهية  التي كانت تضمرها للعثمانيين، الذين اتبعوا ساسية تدمير المؤسسة العشائرية لقرون عديدة، الا ان نشاط السيد محمد سعيد الحبوبي اقنع الكثير من شيوخ  عشائر الفرات الوسط في الاشتراك في الحرب، فاثروا بذلك الدين على مصلحة العشيرة في مجريات اتخاذ القرار ، خاصة وان غالبية العشائر في جنوب العراق يدينون بالمذهب الشيعي. الذي كان  الاقوى نفوذاً من سلطة الحكومة العثمانية في المنطقة([23]).

 كان للإجراءات العثمانية المتبعة الاخرى تجاه العشائر([24])، حينذاك دوُر في ذلك التغير عندما اطلق سراح كل من:([25]) توزعت فرق المجاهدين الى خمسة فرق، وكانت غالبيتها تحت  قيادة مراجع الدين الكبار، كانت الفرقة الأولى بقيادة محمد سعيد الحبوبي وخرج من النجف تجاه عشائر  الفرات الأوسط متوجهاً الى الشعيبة في 15 تشرين الثاني 1914، والثانية كانت بقيادة السيد عبدالرزاق الحلو وسارت عن طريق الجزائر ( الجبايش)، والثالثة كانت بقيادة مجموعة من أعلام الدين وتوجهت نحو بغداد وكانت  بقيادة كلٍ من محمد كاظم اليزدي، والسيد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، وشيخ الشريعة الأصفهاني، والسيد علي الداماد ، وغيرهم([26]).

هذا ولم يكتف رجال الدين باستنهاض العشائر في وسط البلاد وجنوبه ، بل قام علماء الدين الآخرون بقيادة حملات جهاد وتوجيهها الى شيخ الاحواز , وكانت هذه الفرقة قد ارسلت البرقيات الى الشيخ خزعل في 27 تشرين الثاني 1914 من قبل السيد محمد حسن مهدي، والسيد مصطفى الكاشاني، والسيد عبدالكريم الجزائري([27]).

بلغت اعداد المتطوعين  تحت الوية الجهاد حسب ما ورد في المصادر العثمانية ما بين(6-12) الف مجاهد وبلغ عدد القوات العثمانية حوالي (6) الاف جندي، وصلت تلك المجاميع الى منطقة الشعيبة التي تقع على بعد (9) اميال من الجنوب الشرقي للبصرة، ودارت المعركة مع البريطانيين في الأيام مابين12-15 نيسان 1915([28])، كان عدم التكافؤ في التسليح واضحاً في  سير المعركة , كما كان فقر  كتائب المجاهدين الدينية- العشائرية في مفهومها الاستراتيجي الحركي واضحاً ايضاً , وهي تقف امام دولة عظمى , دوُرفي  الهزيمة العسكرية في معركة الشعيبة والمزيرعة فيما بعد .  وكان لسوء  ادارة القائد سليمان العسكري للمعركة دوُر مهمٌ اضيف الى جملة الاسباب الرئيسة .([29])

اوضحت معركة الشعيبة عدم جدية الجهاد في  المواجهة المسلحة والشاملة في طرد المحتلين من البلاد ، حسب وجهة نظر بريطانية([30])، عندما تركت تلك المعركة ردوداً سلبية في نفوس المجاهدين عامة وعلماء الدين خاصة عندما تأثر محمد سعيد الحبوبي بتلك الهزيمة ووافاه الأجل في طريق  عودته في الناصرية([31]) كما وافاه الأجل متأثراً بجراحه داود ابو التمن احد رجال  الدين البارزين في مدينة الكاظمية([32]).

وفي حقيقة الامر لم يثنِ  ذلك الفشل العسكري والسياسي الذي تعرضت اليه قوات المجاهدين علماء الدين ورجال العشائر في  مواصلة الكفاح المسلح ومقاومة المحتلين، فقد ادى رجال الدين والقبائل  الشيعية دوراً بارزاً في حصار البريطانيين في الكوت عام 1916، عندما عجزت القوات البريطانية بقيادة العقيد طاوزند ومن ثم العقيد ايلمر في فك الحصار المفروض على القوات البريطانية([33]) وكان السبب الرئيسي في  ذلك الفشل هو التنسيق  المشترك بين عشائر الكوت ورجال الدين مع القوات العثمانية انذاك([34]).

ثالثاً: البحث عن سياسة  ادارية للعراق 1918 -1919.

       كانت السياسة البريطانية تجاه العراق  في المدة مابين الاحتلال البريطاني في 1914-1918 وما بعده، تخطط لها جهتان  رئيسيتان مختلفتان  في اسلوب العمل للوصول الى غاية واحدة، وهي خدمة المصالح البريطانية  بالدرجة الأولى، كانت الأولى مستمدة من الهند وتسمى بالمدرسة  الأنكليزية – الهندية Anglo India([35])والاخرى مستمدة من  السلطة البريطانية في مصر وتسمى المدرسة الانكليزية –المصرية Anglo- Egyptun([36]) اما مجمل الأختلاف بينهما فكان ان مدرسة الهند  تنظر الى القضايا العربية من زاوية مصالح حكومة الهند وترى في استعمار العراق ضماناً لمصالح الإمبراطورية البريطانية، ولذلك فأنها لم تكن ترغب في اشراك العرب في  ميدان السياسة والادارة. وبعبارة اخرى ، فانها لا تعترف باهمية الأهداف القومية داخل العراق وخارجه، هذا بينما كانت مدرسة القاهرة ترى فائدة في تعزيز الحركة القومية العربية لتأسيس حكومات عربية تتولى مسؤولية الادارة والسياسة الداخلية  تحت سيطرة الحكومة البريطانية وأشرافها([37]).

   وظل كل فريق يأمل ان تتحقق اهدافه  اثر  انتهاء الحرب العالمية الأولى، فقد وجد مؤيدو مدرسة القاهرة بأن بوادر  اذكاء الشعور القومي واثارة الأمال  العراقية في تحديد مستقبله قد جاءت مؤاتية مع اول  خطوة للحكومة البريطانية نحو مفهوم تقرير المصير، ففي كانون الأول 1917 صرح ديفيد لويد جورج David Lioyd George  رئيس وزراء بريطانيا (1916-1922) امام مجلس العموم بأن:-

            " رغبات الشعوب المضطهدة وامالها ومصالحها بجب ان تكون العامل المهيمن في تسوية حكوماتها في

         المستقبل ، هذا هو المبدأ الذي تسير في  جادته"([38]) .

      ومع ان  لويد جورج لم يقدم تفصيلات وافية حول ما يعنيه بالضبط حول الكيانات القومية المستقلة، لكن التصريح يكشف من جهه اخرى عدم ميل الحكومة البريطانية الى الحاق العراق كمستعمرة تابعة لحكومة الهند البريطانية.

جاء احتضان الحكومة البريطانية لمبدأ حق تقرير المصير متوافقاً مع اعلان ودرو ولسن Woodrow Wilson . رئيس الولايات المتحدة الأمريكية( 1912-1916/ 1916-1920) لبنوده الاربعة عشر في 18 كانون الثاني 1918 , لا سيما البند الثاني عشر الذي نص على الحكم الذاتي للشعوب الخاضعة للدولة العثمانية المنهارة ([39])، الا ان تطبيق بريطانيا  لهذا المبدأ  كان مقيداً في الساحة الدولية، ففيما يتعلق الامر بالعراق  تباطأت الحكومة البريطانية في البت بصورة نهائية في تقرير الصيغة السياسية والإدارية له ، بل ولم تلزم نفسها بسياسة ، معينة في المدة ما بين عامي 1918- 1920، بخصوص تقرير المصير الذي سيعطي للعراق استقلاله  بموجب خطاب لويد جورج  المذكور آنفاً ، او الواجهة العربية التي يراد اصطناعها في بغداد بموجب البند الثاني عشر من بنود ودرو ولسن، وحتى بالنسبة للطريقة التي  يجب ان تحتفظ بريطانياً بنفوذ مسيطر في العراق، وقد يعود ذلك الى المشاكل التي كانت تنتظر  تسويتها  بموجب مؤتمر الصلح في  فرساي، خاصة بالنسبة للشكوك الفرنسية حولهاـ لاسيما مسألة عدم استقرار  الاحتلال البريطاني  في ولاية الموصل، تلك  المنطقة التي كان من المفترض بموجب معاهدة سايكس بيكو عام 1916([40]) منطقة خاصة خاضعة للاحتلال الفرنسي([41])، وفي  ضوء  ذلك  فأن موقف بريطانيا اتجاه مستقبل الحكم في العراق لم يكن واضحاً او معيناً هذا على الرغم من الإعلان البريطاني – الفرنسي في 8 تشرين الثاني 1918. الذي اكد على نوايا حكومتي بريطانيا وفرنسا في تحرير الشعب العربي  واقامة حكومات حرة([42]) اذ ان الحكومة البريطانية استمرت في عدم كشفها  عن طبيعة الدولة المزمع اقامتها في العراق، بل لم تتوصل الى قرار بخصوص السياسة الادارية  له، وبعبارة اخرى ان الاعلان البريطاني الفرنسي لم يكن بياناً ختامياً يحدد فيه التزامات الطرفين تجاه الشعوب المحتلة من قبلها.

    عانت الإدارة البريطانية في العراق بعد مرحلة الاحتلال من  التخبط الحاصل في عملية صنع القرار في لندن،  لاسيما في ظل وجود اكثر من جهة واحدة تعمل في السياسة البريطانية تجاه العراق، فقد كانت هناك سياسات لوزارة الهند، وحكومة  الهند، ووزارة الخارجية، والمكتب العربي في القاهرة ، وقد أشار ارنولد ولسن الحاكم المدني العام في بغداد الى ذلك قائلاً:

                  ان الامر كان سيربك اثنان سيوس نفسه ان اراد تعيين

           بدقة  بخصوص قضايا الشرق الأوسط  من زاوية الهند

           ووزارة الخارجية وحكومة الهند والمكتب العربي في القاهرة "" ([43]).

رابعاً: موقف رجال الدين من  الاستفتاء العام

  • اعلان الاستفتاء العام في 30 تشرين الثاني 1918

     بدأت الحكومة البريطانية بعد الأعلان البريطاني – الفرنسي تبحث عن اكثر الحلول ملائمة  قبل الشروع  بأي عمل في العراق، ولغرض الاهتداء الى نوع الحكم المقبل قررت اللجنة الشرقية التابعة للحكومة  البريطانية اجراء استفتاء عام في العراق([44]) وطرحت في برقية بعثت بها الى ارنولد ولسن الحاكم  المدني العام  وكالة في بغداد،، نوايا الحكومة البريطانية بصدد ثلاث قضايا مهمة تتعلق بتشكيل دولة حديثة وهي مسألة الحدود السياسية للدولة الجديدة ، ومدى استجابة العراقيين لترشيح امير عربي لحكم العراق، وصلاحيات الحكومة البريطانية وصلاحية الحكام البريطانيين في العراق، وكذلك جاءت التعليمات تؤكد بشكل صريح على:

(( اننا نرغب ان يقوم في العراق حكومة  قوية ومستقرة قدر الأمكان شريطة  ان لا تثير هذه الحكومة الكراهية لدى السكان، ومما لاشك فيه ان الضرورة تقضي  في البداية أن يتم قدر واسع من الاشراف البريطاني وان تتولى العلاقات الخارجية كلياً  اياد بريطانية.

واننا نرغب بصورة خاصة ان يُقّدم الحكام السياسيون الينا بياناً موثقاً حول  وجهة نظر السكان المحليين في مختلف المناطق حول الامور المحددة الاتية.

  1. هل يرغبون في دولة عربية واحدة تحت الوصايا البريطانية تمتد من الحدود الشمالية لولاية الموصل حتى الخليج...؟
  2. هل يرغبون في هذه الحالة في رئيس عربي بالاسم يرأس هذه الدولة الجديدة؟
  3. من هو الرئيس الذي يريدونه في هذه الحالة؟([45])

      سعى ارنولد ولسن وبصيغة مشددة ان تكون  نتائج الاستفتاء العام متفقة مع ارائه السياسة الرامية الى حكم العراق حكماً مباشراً ولذلك عمل على نقل الصورة الى اذهان الحكام السياسيين في مناطق العراق المختلفة،  بأن عملية الحصول على الأراء التي يرتأيها السكان المحليون، بتعميم الاستفتاء  وايصاله الى الناس شيء غير عملي وغير ضروري معاً لان العراقيين، وحسب وجهة نظر ارنولد ولسن، غير مهيئين لحكم انفسهم بأنفسهم، ولسبب وصفه كما يلي:

""   ان تفشي الأمية بين الجماهير وجهل الناس واعتمادهم

             على   رؤسائهم كانا على درجة من الوضوح بحيث

              كان يستدعيان النظر.." "([46])

كما وصف تلك الشرائح بما يلي:

"... فأن فلاحي البساتين وزراعي النخيل في دجلة والفرات، وزراعي الرز في الديوانية والشامية، وسكان الأهوار في العمارة  والقرنة، ورجال القبائل على طول البلاد وعرضها، وسكان المدن وذوي المستوى المنحط كانوا كلهم لا يحملون رأياً خاصاً بهم ولم تكن لديهم القدرة الكافية على تكوين مثل هذا الرأي، ولذلك فقد كانوا عبارة عن اصداء تردد مشيئة علماء الدين ورؤسائهم  الدنيوين"([47]).

     وبناء على ذلك، جرى الاستفتاء في المناطق العشائرية، والمدن الصغيرة، وحصراً على الشيوخ والملاكين من الوجهاء الكبار، الذين كانوا بحكم تأييد ودعم بريطانيا لهم يفضلون استمرار السيطرة  البريطانية، كما اكد ارنولد ولسن على الحكام السياسيين انه في حالة توصلهم الى رأي عام ومقنع ومحدد ترفع هذه  العريضة، واما في حالة ظهور رأي عام منقسم او غير مرغوب فيه  يجب تأجيل الاجتماع.([48])

     ومع ذلك لم تمر خطوات الاستفتاء  بسهولة تامة على الرغم من التزوير الذي رافق عملية الأستفتاء الانتقائية التي اجراها الحكام  السياسيون لتحقيق رغبة الحاكم المدني في الحصول على مضابط الأجوبة المرضية، والتي كانت  تتم بشكل الاتي:

(( كان بعضهم يستدعي معارفه ويكلفه  توقيع مضابط يطلبون فيها استمرار الحالة الراهنة، والبعض الاخر يوعز بأن تتضمن هذه المضابط طلب  الحماية البريطانية، ويسعى غيرهم يجعل هؤلاء المعارف اكثرية تطلب اميراً عربياً تحت الهيمنة البريطانية))([49]) في المدن الدينية كالنجف، كربلاء، والكاظمية ذات الثقل الديني والسياسي المؤثر.))

  1. الاستفتاء العام في المدن الدينية.
  • ‌أ- موقف رجال الدين النجف من الاستفتاء العام

   احتل علماء الدين في النجف  مكانة سياسية مهمة في الاستراتيجية البريطانية بين القوى السياسية المحركة لصنع القرار   في العراق في مرحلة الاحتلال البريطاني  وما بعده، بسبب تأثيرهم الديني والسياسي الكبير على العشائر العراقية , وهو ما حدث عملياً في معركة الشعيبة عام 1915، ولذلك كانت عملية اجراء الاستفتاء العام في  النجف مهمة ليست  بالسهلة بالنسبة للبريطانيين، على الرغم من وجود عوامل تساعد على تمرير مضابط الأستفتاء بشكل يؤيد استمرار الوجود البريطاني  في البلاد، ومن تلك العوامل هي:

  • احداث انتفاضة النجف في نيسان 1918وما اعقبها من عقوبات بريطانية قاسية تجاه اهالي النجف عموماً , والمتهمين بقتل مساعد الحاكم السياسي الضابط مارشال خصوصاً، واثرها في خلق شريحة اجتماعية- اقتصادية في المدينة تؤيد الحماية البريطانية حفاظاً على امن المدينة من جهة، وتحقيق مصالحها  الشخصية والاقتصادية من جهه اخرى.
  • وجود قوميات غير عربية في المدينة كالهنود والإيرانيين والعناصر المستفيدة من إيرادات وقف أوده([50]) في الهند الذي تقوم الحكومة البريطانية في الهند بتوزيعه على بعض رجال الدين في النجف.

    ومع ذلك، ارتأى ارنولد ولسن ان تكون النجف انموذجاً للمناطق التي يجري فيها الأستفتاء، وان تكون بأشرافه وتحت ادارته شخصياً، لتكون النتيجة المعلنة عنها  مثالاً للمناطق الأخرى، بحكم المركز الديني والسياسي للمدينة، واخذ الميجر نوربري (P-F-Norbary الحاكم السياسي للواء الشامية  يجري الاستعدادات وفقاً للتعليمات التي ارسلها اليه الحاكم  المدني.

     تقرر ان يكون الاستفتاء في النجف يوم 12 كانون الاول 1918، وبعد وصول ارنولولسن الى المدينة لاجراء عملية الاستفتاء، عقد اجتماعاً حضره عدد من  رجال الدين واشراف المدينة وشيوخ العشائر المجاورة، كان منهم الشيخ عبدالكريم الجزائري، والشيخ جواد صاحب الجواهري، وعبدالرضا الشيخ راضي، نور الياسري، وعلوان الياسري، ومحسن ابو طبيخ، وعبد الواحد حاج سكر، وعبد المحسن شلاش، ومحمد رضا الشبيبي، وغيرهم، وبعد أن استقر المجلس بالحاضرين اعلن الحاكم المدني الغاية من هذا الاجتماع، ثم طرح عليهم الأسئلة الثلاثة التي  بنى عليها الاستفتاء وطلب الإجابة عليها، ويبدو ان احد الحاضرين ويدعى هادي النقيب قد تواطأ مع البريطانيين على صيغة الجواب التي تتلاءم معهم، فاستفز ذلك الرأي الشيخ محمد رضا الشبيبي الذي وقف قائلاً:

" ان الشعب العراقي يعد الموصل جزءاً لا يتجزأ من العراق، ويرى العراقيون ان من حقهم تشكيل حكومة وطنية مستقلة استقلالاً تاماً، ولا يوجد فينا من يرغب في اختيار حاكم اجنبي.."  ([51])

 أغاظ هذا الخطاب الحاكم المدني وساد الأجتماع الخلاف والتحدي،  فقاطع ارنولدولسن كلام الشبيبي وضرب بيده على المنضدة التي امامه، وحين حاول معرفة اراء بقية المجتمعين في محاولة لتمزيق وحدة الصف لم يوفق لعدم اعتراض احد ، فكان الاجتماع وعلى حد رأي محمد رضا الشبيبي اول مجابهة جوبهت بها سياسة الاحتلال بصورة عامة...  ثم قام علوان الياسري وطلب تأجيل الاجتماع ليتيح للمدعوين التوصل الى رأي ثابت، فأمتعض ارنولدولسن وقال "اذن اجتمعوا وقرروا قررا بما يتفق عليه الاجتماع بالاجماع وسلموه لنا بيد الحاكم السياسي الميجر فوبري" ([52]).

بدا القلق واضحاً على الحاكم المدني من نتيجة الاستفتاء، فذهب الى الكوفة والتقى بالمجتهد  الديني كاظم اليزدي، الذي كان وجهة نظره تفيد بضرورة المحافظة على امن البلاد في تلك المرحلة، في حين يؤكد ارنولد ولسن بعد لقائه بان رأي اليزدي كان مماثلاً لرأيه حول عدم احقية العراقيين في الحكم عندما التقى به في يوم 13 كانون الأول 1918، ويشير بأن محمد كاظم اليزدي قد قال بهذا الصدد ما يلي:

" انا انطق بأسم الذين لايستطيعون التعبير عن انفسهم، ومهما تكون الحكومة ارجو ان تتركوا لهم ان يتبصروا بمصالحهم التي تتعلق بالشيعة خاصه، لاسيما العامة التي لاتعرف من الأمر شيئاً، ان هؤلاء غير متحضرين، وان تنصيب الموظفين سيؤدي الى  الفوضى لانهم لم يتعلموا النزاهة بعد والى ان يتعلموا ذلك فيجب بقاؤهم تحت اوامر الحكومة ولايمكن ايجاد شخص يكون مقبولاً كأمير" ([53]).

       بعث ارنولد ولسن المعلومات الواردة في اعلاه في برقية الى حكومته في      في الهند بتاريخ 14 كانون  الأول 1918، وهي تبين  عدم دقة المعلومات الواردة فيها عندما تعرض اما التحليل التأريخي في تلك المرحلة ومن  الجوانب الأتية:

  • وردت هذه المعلومات في برقية ارنولد ولسن فقط، ولم يعثر عليها في مصادر اجنبية اوعربية اخرى، فقط تلك المنقولة عن تلك البرقية لارنولد ولسن([54]).
  • ان كلام المرجع الديني كاظم اليزدي يناقض مع موقفه السابق عند اعلانه الجهاد في كانون الأول 1914 على القوات البريطانية التي اعتبرها قوات كافرة , ثم اعلانه رسمياً ومن الصحن العلوي بأنه على الغني العاجز بدنياً ان يجهز من ماله الفقير القوي.
  • تذكر المصادر العربية ونقلاً عن كاظم اليزيدى شخصيا أن ارنولد ولسن لم يكلمه صراحة عن الاستفتاء العام خلال تلك المقابلة
  • يتناقض نص ماورد في تلك البرقية مع تأكيد المرجع الديني كاظم اليزدي رسمياً على ضرورة مشاركة جميع العراقيين في الاستفتاء العام، وبمختلف شرائحهم الاجتماعية ، عندما ذهب اليه  وفدٌ من شيوخ ورجال الدين  في النجف، وكان منهم كلا من الشيح عبد الكريم الجزائري، ومحمد جواد الجواهري، وعبد الواحد الحاج سكر، وعلوان الياسر، ومحمد رضا الشبيبي، لاستطلاع رأيه في الموضوع وبعد اجتماع ارنولد ولسن معهم في 12 كانون الأول 1914 ليقول للوفد نصاً مايلي:

" ان كل فرد له الحق في ابداء الرأي سواء كان تاجراً ام بقالاً، زعيماً ام جمالاً... ونصحهم بالاجتماع في المداولة وموافاته بالنتيجة..." ([55])

    وبناءً على اقتراح المرجع الديني كاظم اليزدي عقد اجتماع بدار الشيخ محمد جواد الجواهري حضره عدد كبير من الناس، خرج المجتمعون رداً على اسئلة الاستفتاء الثلاثة  بقرار وهو ضرورة تشكيل حكومة عربية مستقلة يرأسها احد انجال الشريف حسين([56])، كما بذل رجال الدين ووجهاء المدينة جهودهم للتوقيع على مضبطة تعبر عن رغبتهم في استقلال العراق، فعقد اجتماعاً اخر  في دار كاشف الغطاء وكان الرأي السائد بين المجتمعين (( القضية اسلامية... وليست سنية ولا شيعية..)) في  عملية اختيار  حاكم العراق([57]).

   وفي كانون الأول 1918 دعا الحاكم السياسي نوبري وجهاء الكوفة الى اجتماع محاولة منه للحصول على الأراء المطلوبة بتأيد الأدارة البريطانية، الا انهم رفضوا ذلك ووقعوا مضبطة اخرى تطالب  بمايلي:

(( ان يكون العراق الممتده حدوده من شمال الموصل الى خليج البصرة حكومة عربية اسلامية يرأسها ملك  عربي مسلم وهو احد  انجال الشريف حسين، على ان يكون  مقيداً بمجلس تشريعي...))([58])

 عارض نوبري هذه النتيجة ، ودعا بعض العناصر المواليه للبريطانيين في النجف وشجعهم على تقديم مضابط تؤيد وجهة النظر  البريطانية، وتمكن من الحصول على(14) مضبطة موقعة من شخصيات كانوا  من ذوي المراكز المحدودة سياسياً ودينياً، كما كان من الموقعين عناصر غير عربية منهم، اما من الهنود  او من الأيرانيين، وان احد المضابط تجاهلت فكرة الحماية البريطانية وطالبت بأمير عربي من دون تحديد هويته، وكانت مضبطتان اخرتان وقعتا مؤيدة للوجود البريطاني موقعة من بعض  التجار والوجهاء وخدمة الروضة العلوية، اما الخمس مضابط من التسلسل(1) فقد تهرب اصحابها من الأجابة الصحيحة، بحجة الجهل والتدين([59]).

كانت عملية الاستفتاء العام في النجف وعلى  حد قول التقرير البريطاني الصادر عن ادارة الشامية لعام 1919، بأنه:

(( على الرغم من كون النتائج غير مرضية فقد اعترف الحاكم السياسي بأن السلطات قد مارست  ضغطاً مباشرا ورسمياً للحصول على النتائج المطلوبة..))([60])

     وهو ماحل  فعلاً من نشاط علماء الدين في المدينة، عندما استخدم نويربري كافة انواع الضغط بالاكراه للوصول على الأراء المطلوبة وتحجيم دور المرجع الديني  كاظم اليزدي في الافتاء وبشكل صريح عن دور المسلمين في اختيار  حاكم للبلاد رداً على احدى اسئلة الاستفتاء العام الثلاث، عندما عجز عن الآفتاء حفاظاً على امن المدينة من جهة،ولمعرفته المسبقة بأن المرجع الديني محمد تقي الشيرازي الذي انتقل الى كربلاء  بطلب  من  قادة الحركة الوطنية في بغداد، بأنه سيقوم بالدور الديني والسياسي في تلك المرحلة الدقيقة.

  1. موقف رجال الدين في كربلاء من الأستفتاء العام.

في مرحلة مابعد الاحتلال البريطاني 1918-1920، كانت كربلاء تعيش اجواء مناسبة للعمل السياسي مقارنة بمدينة النجف التي مرت  بجملة من الحركات الثورية التي اثرت فيما بعد على الاداء السياسي لعلمائها. ومن تلك الأحداث هي:

  • كانت النجف مركزاً دينياً وسياسياً لاعلان الجهاد ضد القوات  البريطانية في كانون الأول 1914.
  • انتفاضة النجف على السلطة العثمانية في عام 1915.
  • انتفاضة النجف ضد السلطة البريطانية في المدينة تمهيدا لاخراج البريطانيين من العراق، وما اعقب هذه الانتفاضة من حصار اقتصادي وعسكري وسياسي تجاه المدينة.

     تحت تلك الاحداث والضغوط ، انتقل مركز القرار السياسي  الى كربلاء، بعد ان انتقل اليها المرجع الديني محمد تقي الشيرازي قادماً من سامراء، لاجل تحريك الوضع سياسياً ضد البريطانيين. ولذلك كان رد السيد محمد تقي الشيرازي تجاه اسئلة الاستفتاء , وهو  صدور الفتوى الشرعية التي تلزم المسلمين شرعاً بوجوب تحرك البريطانيين حكم العراق. عندما قال بهذا الصدد في 24 كانون الثاني 1919 مايلي:

 "             ليس لأحد من المسلمين بأن ينتخب ويختار غير

        المسلم  للأمارة والسلطنة على المسلمين..."  ([61]).

     كان تأثير الفتوى قوياً على مجريات الاستفتاء العام بصورة عامة وعلى سير الحركة الوطنية في بغداد خاصة، عندما وجدت في تلك الفتوى دعماً دينياً لمباركة العمل الوطني لمقاومة الادارة البريطانية، فقدم عدد من الشخصيات البارزة في كربلاء عريضة طلبوا فيها  بعد الاشارة الى التصريح البريطاني –الفرنسي الصادر في تشرين الثاني 1918    :

            (( تأسيس  دولة عربية اسلامية  يكون فيها احد  انجال  شريف مكة  اميراً لها، ولها مجلس منتخب...))([62]).

 في مقابل ذلك قام الحاكم السياسي بتشجيع العناصر الموالية للوجود البريطااني في كربلاء وتقديم عريضة مقابلة للعريضة  السابقة، لكن الادارة البريطانية في بغداد قررت في  النهاية اهمال العريضتين، ولن تنشر نتائج الاستفتاء في كربلاء بأي شكل([63]).

3.موقف رجال الدين في الكاظمية من الاستفتاء العام.

      كان موقف مدينة الكاظمية مشابه لموقف كربلاء تجاه الاستفتاء العام، فقد اصدر الشيح مهدي الخالصي فتوى بوجوب تشكيل حكومة عربية يرأسها حاكم مسلم، وهو ما ادى الى ظهور معارضة  قوية للوجود البريطاني في مركز  الادارة البريطانية في بغداد نفسها، فقد جاء في بيان وقعه (143) صوتاً من المقيمين في  الكاظمية:

 

(( ...  أننا باعتبارنا من الأمة  العراقية العربية  نختار حكومة عربية مسلمة يرأسها ملك  مسلم هو احد انجال  سيدنا الشريف حسين، تكون مقيدة بمجلس محلي، اما مسألة الحماية فسينظر  فيها بعد انتهاء مؤتمر الصلح... " ([64]).

وكان هذا الطلب قد اعتمد أيضا على لتصريح البريطاني الفرنسي الصادر في 1918، بصدد تشكيل حكومات  عربية  غير مستقلة في المناطق التي كانت خاضعة  للدولة العثمانية.

الخاتمة

-     برز الصراع واضحا بين رجال الدين والادارة البريطانية المحتلة للعراق منذ الاسابيع الاولى من الاحتلال البريطاني للبصرة عندما تحددت طبيعة العلاقة بين الطرفين على اساس القطيعة والحرب بدءا من حرب الجهاد في معركة الشعيبة ومرورا بانتفاضة النجف على الحكم البريطاني العسكري وانتهاءا بالمطالبة برفض حكم العراق حكما بريطانيا والدعوة الى حكمه من قبل حاكم وطني مسلم .

-      كانت عملية الاستفتاء العام مرحلة من مراحل تاسيس الدولة العراقية الحديثة التي لم يحدد البريطانيون طبيعة تلك الدولة وشكلها في تلك المرحلة المعقدة من التسويات بين الدول الكبرى المنتصرة بعد الحرب العالمية الاولى وكان من نتائجها ظهور الدول القومية على الساحة الدولية وفي المنطقة العربية بعد ان كانت ولايات تابعة للدولة العثمانية.

-     كان موقف رجال الدين في النجف، وكربلاء ،والكاظمية يمثل اول مواجهة سياسية اتجاه سياسة الادارة البريطانية المحتلة التي هدفت حكم العراق حكما مباشرا بحجة عدم كفاءة الشعب العراقي على تحمل مسؤولية حكم نفسه بنفسه ، وهو ما عبر عنه صراحة موقف رجال الدين في كربلاء عندما طالبت مضابطهم بحكم العراق حكما اسلاميا لا مذهبيا.

-    بلورت مرحلة الاستفتاء العام بالنسبة لرجال الدين ، بوادر التنسيق مع بعض التيارات القومية والكتل السياسية لتحقيق اهدافها المرجوة وهي استقلال العراق وحكمه من قبل حاكم مسلم مقيد بالشرعية الدستورية بعد طرد القوات البريطانية من العراق.

 

 

[1] .  وميض جمال عمر نظمي ، الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية- الاستقلالية في العراق، ط2، بغداد, 1985, ص65.

 

[2] . للمزيد من التفاصيل عن  الثورة الدستورية في ايران . 

 

[3] . حسن الأسدي ، ثورة النجف، بغداد، 1975، ص66  د. عبدالستار شنين الجنابي،     تاريخ النجف السياسي 1921-1941، بغداد، 2010، ص23.

 

[4] . د. عبدالستار شنين الجنابي، المصدر السابق ، ص23-24.

 

[5] . عبدالرزاق الحسني ، تاريخ الأحزاب السياسية العراقية، بيروت،1980،ص70.

 

[6] . علك عبد شناوة، محمد رضا الشبيبي ودوره الفكري  والسياسي، بغداد 2000،ص61.

 

[7] . وميض جمال عمر نظمي، المصدر السابق , ص67، عبدالستار شنين الجنابي،     المصدر السابق ،  ص24.

 

[8] . وميض جمال عمر نظمي، المصدر السابق , ص70 .

 

[9] . محمد  علي كمال الدين، ثورة العشرين في  ذكراها الخمسين ،معلومات  ومشاهدات      في الثورة العراقية الكبرى لسنة 1920، النجف، 1971، ص1 .

 

[10] . وميض جمال عمر نظمي، المصدر السابق , ص88.

 

[11] . عبدالستار شنين الجنابي، المصدر السابق ،  ص20 .

 

[12] . F.J.Moberly, official History, the camp lain in Mesopotamia 1914 History of the Great war Based on official  Document vol.1. London.1923.,pu3.

 

[13] . للمزيد من التفاصيل ينظر:  ستيفن همسلي لونكريك،  العراق  الحديث من سنة 1900-1950 ،ج1، ترجمة: سليم طه التكريتي، بغداد، 1988.

 

[14] . نقلاً عن :- عباس العزاوي، تاريخ العراق بين احتلالين، شركة التجارة  والطباعة المحدودة، بغداد، 1956، ص256.

 

[15] . د. شكري محمود نديم، العراق في عهد السيطرة العثمانية 1908- 1918،        عمان،  2008 ، ص174.

 

[16] . المصدر نفسه ، ص 150.

 

[17] . المس بل، فصول في تاريخ العراق القريب، ترجمة  جعفر الخياط، بغداد، 1971،       ص ص9-10.

 

[18] . .د. شكري محمود نديم، المصدر السابق، ص150

 

[19] . علي الوردي، لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث ، ج4 , ص127 ؛ د. خالد التميمي، محمد جعفر ابو التمن دراسة في الزعامة السياسية العراقية، دمشق، 1996، ص81.

 

[20] . نقلاً عن:-   المسربل ، المصدر السابق ، ص 20.

 

[21] . علي الوردي ، المصدر السابق، ج4، ص ص 127-128.

 

[22] . حسن الاسدي، المصدر السابق ، ص90.

 

[23] . لمزيد من التفاصيل ينظر: اسحاق نقاش , شيعة العراق , قم , 1998 , ص7.

 

[24] . عبدالله فهد النفيسي، دور الشيعة في تطور العراق السياسي،الكويت،1976، ص88.

 

[25] . ومن تلك الاجراءات العثمانية الرامية الى كسب  ثقة العشائر هي:- منح الأوسمة بعض الشيوخ  المنتنفذين،  العفو من بعض الشيوخ المعتقلين واطلاق سراحهم،       منح الاموال للشيوخ لقاء تجنيدهم لعشائرهم فمثلاً كان  يعطي مبلغ من 6-12 ليرة تركية للشيخ عن كل فخذ يجهز وبه التخفيف عن العشائر في تحصيل الرسوم والضرائب  كحافز على الالتحاق  بجهات القتال. للمزيد من التفاصيل ينظر:-

عباس العزاوي،  تاريخ العراق بين احتلالين، ج8، ص ص277-278،  غسان     العطية، العراق  نشأة الدولة 1908-1921،  دار السلام لندن، 1990،  ص150

 

[26] . غسان العطية، المصدر نفسه، ص 151، جلال  كاظم محسن  الكناني،  الدور     السياسي للعشائر العراقية 1918-1924، رسالة ماجستير غير نشورة، قدمت الى كلية التربية – الجامعة المستنصرية، 2003

 

[27] . حسن الأسدى ، المصدر  السابق، ص91.

 

[28] . مصطفى عبد القادر النجار، التاريخ  السياسي لأمارة عربستان العريقة 1897-1925، القاهرة، 1971، ص302.

 

[29] . عبدالله  فهد النفيسي، المصدر السابق، ص90.

 

[30] . غسان العطية، المصدر السابق، ص151.

 

[31] . ارنولد ولسن، بلاد ما بين النهرين وما بين ولائين, ترجمة: جعفر الخياط , بغداد , 1988 , ص201 .

 

[32] . عبدالله  فهد النفيسي، المصدر السابق، ص92.

 

[33] . خالد التميمي، المصدر السابق، ص83.

 

[34] . لمزيد من التفاصيل عن حصار الكوت ينظر:- رسل برادون , حصار الكوت , بغداد , 1978

 

[35] . عبدالله  فهد النفيسي، المصدر السابق، ص90.

 

[36] . المصدر نفسه , ص91 .

 

[37] . غسان العطية , المصدر السابق , ص159 .

 

[38] . المصدر نفسه , ص160 .

 

[39] . عبدالرزاق الحسني , المصدر السابق , ص20 .

 

[40] . المس بل , المصدر السابق , ص201 .

 

[41] . وتسمى هذه المدرسة ايضاً مدرسة بلاد العرب الشرقية او المدرسة السعودية، لانها     كانت تعني برعاية وتنظيم علاقات  بريطانيا اما في في منطقة الخليج وشرق شبه     الجزيرة العربية والعراق من جنوب ايران  في عدن، للمزيد منن التفاصيل ينظر:-

Ernest Main,I raq,from Mansate to Indendemee,        Lndon,1935,pp.50.53.

 

[42] . وتسمى هذه المدرسة ايضاً  مدرسة بلاد العرب الغربية أو المدرسة الهاشمية وترى ضرورة السيطرة على مصر وسوريا والأردن مع الاستعداد على مكة المكرمة، والمدينة المنورة ، والقدس، من خلال  استقلال الحركة القومية العربية ومكانه الشريف حسين بن علي لمصالحهم في تأسيس دولة عربية تحت السيطرة البريطانية.

      لمزيد من التفاصيل انظر:-

GeorgyLenczowski, the Middlle,Eart in word Affairs, newyork. 1956, pp.70.73

 

[43] . seton William,Britain and the Atabs states Asurveuy of Anglo- Arab Relations 1920-1948,London,1948,pp.18-19

 

[44] . نقلاً عن : كاظم نعمة، الملك  فيصل الأول  والانكليز والاستقلا ل، بيروت، 1988، ص23.

 

 

 

 

[46] . عقدت اتفاقية  سايكس - بيكو  بين كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية  لاقتسام ممتلكات الدولة العثمانية، ومثل الحكومة البريطانية مارك  سايكس والحكومة الفرنسية المسيو جورج بيكو. تم عقد الآتفاقية عن طريق تبادل المذكرات  الدبلوماسية بين الحكومات الثلاث المعنية، وقد نصت الاتفاقية فيما يتعلق بالعراق ، منح القسم الأعظم من سوريا وجزء من جنوب سوريا وولاية الموصل الى فرنسا، ومنح بريطانيا شريط ارضي يمتد من جنوب سورية عبر العراق، الذي خصصت له المساحة الممتدة بين الخليج العربي والى الشمال من بغداد. انظر:-

Lenczowsi op. cit.p.70,Philip Graves, op. cit,p;219

 

[47] . تمت التسوية رسمياُ بين الطرفين البريطاني والفرنسي حول  المنطقة الشمالية من  العراق في مؤتمر  سان ريمو، نيسان 1920، وعلى اساس ضم ولاية الموصل الى منطقة الاحتلال البريطاني لقاء تأييد بريطانيا لفرنسا في احتلالهما دمشق، حمص، وحما، وحلب.,  لمزيد من التفاصيل حول قضية ولاية الموصل وتطوراتها ينظر:-

           فاضل حسين، مشكلة الموصل، ط2: بغداد، 1967.

 

[48] . .P.R.o F.O.371.u178.3503.Anglo- French DecLeration tegarsiing. Syria Mnesopotamia

 

[49] . l.Martlow, the late. Vietoriam.the life if sir Wilson,London,1967.p.137.

 

[50] . P.R. F.O  3718-3503 Anglo French Decleration regarding syeia and Mesopotamia

 

[51] . secert and comfidential.from office of the covet commissioner, Baghdad, Date 30.th November1918.p.1

 

[52] . فيليب ويلارد ايرلند ، العراق  دراسة  في تطوره السياسي، ترجمة  جعفر الخياط،      بغداد، 1970، ص170 .

 

[53] . المصدر نفسه , ص172 .

 

[54] . P.R.O.FKo.371.n178.from office of tge civil commissionet, Pated 30 tge  November 1918,  p.2

 

[55] . نقلاً عن فيليب  ويلارد ايرلند، المصدر السابق ، ص173 .

 

[56] . وقف اوده .

 

[57] . نقلاَ عن عبالرزاق الحسني، العراق في   دوري الاحتلال والانتداب، ج1، بغداد،    19  ، ص72، علك عبد شناوة ، المصدر السابق ، ص116.

 

[58] . نقلاً عن : - فريق مزهر الفرعون، الحقائق الناصعة في الثورة العراقية سنة 1920ونتائجها ، بغداد ، 1952، ص78.

 

[59] . نقلاً عن: F.O.from civil commissioner Baghdad to

 

[60] . منها على سبيل المثال  عبدالرزاق الحسني، الثورة العراقية الكبرى ، ط2، بغداد، 1992. ص73.

 

[61] .    نقلاً عن : -  عبدالرزاق الحسني، تاريخ العراق السياسي،ج1، ص123

 

[62] . اخلاص لفتة حريز الكعبي، دور المرجعية الدينية في  النجف من التطورات السياسية في العراق، رسالة ماجستير غير منشورة قدمت الى كلية التربية – الجامعة المستنصرية ،2005، ص65 .

 

[63] . جعفر باقر ال محبوبة، المصدر السابق، ص259.

 

[64] . نديم  عيسى ، الفكر السياسي لثورة العشرين ، بغداد، 1992، ص 66.