الدور الإداري للمؤسسة الشيعية الدينية في بناء الدولة العراقية (1914-2016م )

 

الباحث : م.د حيدر عبد النبي طولي آل حسيني

جامعة سومر / كلية القانون

  • المقدمــــــــة

بعد الاطلاع على كتب التأريخ السياسي وما تناقلته كتب المؤرخين من أهمية الدور ألإداري والريادي للمؤسسة الشيعية ألدينية في مستقبل العراق ألجديد ابتدأ من ثورة العشرين التي قادها جهابذة العلماء في مدينتي النجف الأشراف وكربلاء حيث نزل إلى ميدان الجهاد معظم عشائر الجنوب ، بقيادة العلماء ، حيث لاحظنا استمرار هذا العطاء بثورات وحركات لم يهدأ العراق معها حتى يومنا هذا .

ويصب معظم هذا التعرض السلبي على رأس شيعة العراق الذات نتيجة موقفهم المتبني على الإصرار حتى رفع مظلوميتهم في مواقع الدولة العراقية وبالرغم من أنَّ التاريخ لم يكن منصفاً ولم يكن أميناً في معظم نقله ، لما يتخلله من شغب الرواة والمتحدثين بما يمثل مصالحهم وتعكسه نفوسهم في كتابة الواقع الحقيقي للأحداث ، إلاَّ أننا نرى مع كل هذه المظلومية إن الكثير من الكتاب أعطوا الأغلبية لسكان العراق وهم ( الشيعة ) حق ثورتهم وامتدادها ، وربما كان عهد صدام التكريتي أشد وأقسى ظرف يمر على شيعة العراق خاصة وشعب العراق عامة، قناعة منه فانه يستطيع أن يحقق لأسياده تصفية الوجود الشيعي في العراق وربما صعد به غروره إلى تصفية الوجود الشيعي الإسلامي عموماً لقاء بقائه على كرسي الحكم في العراق مدة أطول ، انطلاقاً من حماقته وغبائه وجهله بالتاريخ الذي ابتلي به الشيعة في العهد الأموي والعباسي، ولكنه نسي أن الحق لا يمكن أن يُقضى عليه مهما مرّ عليه الزمن وجاشت حقود الحاكم وما هي إلاَّ عملية وقفت الدستور الإنكليزي الاستعماري لثورة 1920م وإبعاد الغالبية السكانية ، لا يُبعد النجف الأشراف عن القيادة الثورية ولا يطفئ شعلتها الجهادية ، كان ومازال للمؤسسة الشيعية  الدينية دور إداري مهماً في مستقبل العراق القديم والحديث ، ومواقف تاريخية بطولية لمراجع الشيعة الكبار بدءً من الشيخ الطوسي وانتهاءً بعلماء عصرنا من الإمام الحكيم إلى الإمام الخوئي (قدس) ، وحتى يومنا الحاضر , المرجعية الدينية أدلت بموقفها في الكثير من الأزمات التي عصفت بالبلاد بعد احتلال العراق عام ٢٠٠٣، وبيان موقفها الواضح من الاحتلال وحرمة التعامل مع المحتل ، وكيف إن رجالات البيت الأبيض حاولوا عبر وسطاء من سياسي العراق اللقاء بالمرجعية ولكن جوبهت جميع المطالبات بالرفض ، وأنها استطاعت من تغيير المعادلة السياسية التي حيكت خيوطها في الليل الدامس عبر عقد اتفاقات وإيجاد دستور مبطن كتب في لندن، فهناك من يعتقد إن المرجعية الدينية لا تهتم لمصالح الشعب العراقي أو أنها أدارت ظهرها لما يحصل في الشأن العراقي الداخلي ، أو أنها تهتم فقط بالمسائل العبادية من حلال وحرام وغيره ، ولولا حكمة المرجعية الدينية والتي استطاعت من قلب الطاولة على أصحابها الذين رسموا مستقبل العراق ودستوره دون النظر إلى موقف وإرادة شعبه , المرجعية الدينية لم تتحرك لطائفة معينة فحسب بل تحركت من اجل العراق بكل طوائفه وقومياته ، بل كانت ومازالت اللسان الناطق والمعبر عن جميع أطياف الشعب العراقي ، ولا يجادل احد إن المرجعية الدينية لعبت دوراً إداريا كبيراً في إعادة الحياة إلى الدولة وبناء مؤسساتها الدستورية وفقاً للقانون ومبادئ العدل والمساواة واحترام الآخرين وتفعيل دور المشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي ،

 المرجعية الدينية أكدت على إن العراقيين يجب إن يكون لهم دور مهم في نوع النظام الذي يريدونه من دون التأثير على قراراتها واختيارهم القوى الخارجية ، كما أنها أكدت في الكثير من البيانات التي صدرت أو التي ألقيت من على منبر الجمعة في الصحن الحسيني المطهر إن السنة والشيعة أخوة ، ومهما حدثت من إحداث مؤسفة أثارها الأغراب ، والتي تحاول التأثير على النسيج الاجتماعي للشعب العراقي .

وإن قادتنا في هذه المسيرة الدامية المرهقة في كل زمان هي مرجعيتنا الرشيدة ،ومدينة النجف الاشرف مركزهم العتيد ،ورغم أنهم عانوا من ضغط الحكومات الدكتاتورية وعسفها مما يدفع بهم إلى الابتعاد عن مهامهم الرسالية ،لكنهم وقفوا بكل صلابة وإصرار على عدم التخلي عن واجبهم الديني والوطني ولعل اقرب مثل على هذا الصمود المشرف لمراجع النجف في الفترة السوداء التي مرت على الوطن في عهد صدام الوحش ، والمواقف الخطيرة من القتل والإرهاب والتهجير طالت وبأبشع صورها هذه النخبة المجاهدة ، في مقدمتهم السيد محمد باقر الصدر ( قدس سره ) والسيد محمد محمد صادق ( قدس سره ) والسيد علي السيستاني ( دام ظله ) واستطاعوا بمواقفهم الشجاعة أن يصمدوا أولاً رغم قتل طلابهم وتشتيت تلامذتهم أمام هذا الموقف المرعب الرهيب، وستبقى النجف قبلة المسلمين ومحط المراجع العظام والعلماء والشعب الثائر مهما جار عليها الزمن، لأن حمايتها بحاميها وهو سيّد الوصيين وأمام المتقين أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فهو حامي  بيته ومن يلوذ به والله المعين ،ويتضمن هذا البحث مبحثين هما :

الاول : تحت عنوان : الدور ألإداري للمرجعيـة ألدينية في العراق ومواقفها ألتاريخية، ويتناول الباحث طبيعة الدور الإداري والتنظيمي والتاريخي والسياسي  للمرجعية الدينية في الاحداث التاريخية التي مرت بالعراق منذ ان نزلت القوات البريطانية في الفاو في 6تشرين الثاني 1914م الى 10حزيران 2014 حين دخلت قوى الظلام الإرهابية ( داعش ) لتكمل دورها في الظلم عبر عمليات القتل والذبح والتهجير والسبي ،فالمرجعية الدينية وعلى امتداد تاريخها الطويل كان لها الأثر في تحويل مسار العراقعبر الحقب التي مرت به، حيث كانت وما زالت تمثل مركز الثقل والبوصلة الحقيقية التي أشارت وتشير اليوم إلى الوجهة الصحيحة، ان ما يمر به بلدنا اليوم دليل واضح على أهمية الدور الإداري والريادي للمرجعية الدينية في الوقوف بوجه التحديات التي تريد الشر للعراق وشعبه، والانزلاق إلى حافة الحرب الأهلية، فقد كان موقفها الواضح من فتوى (الجهاد الكفائي ) بعد إن حددت وشخصت العدو الحقيقي رغم وجود الكثير من الأيادي الخبيثة والتي تحاول التغطية على العدو الحقيقي للعراق وشعبه، ويحتوي هذا المبحث على مطلبين :

اولهما: ألمرجعية ألدينية وتاريخها ألسياسي في الواقع ألعراقــــي ،ويتناول الباحث في هذا المطلب أهم المحركات الأساسية التي لها الدور الأول في تحريك الأحداث السياسية بأكثر البلدان الإسلامية والمتمثلة بالمؤسسة الدينية  ومن خلال قراءة الباحث لتاريخ العراق السياسي حيث نجد ان  هذه المؤسسة الدينية الشيعية هي الأساس في تحريك السواكن داخل المناخ السياسي بالشكل الذي يحقق الاعتدال والإصلاح داخل  المجتمع العراقي .

وثانيهما: تشعب الرؤى وتعدد الأدوار ألتي تؤديها ألمرجعية في حياة ألأمه ،ويتناول الباحث في هذا المطلب الأحداث التاريخية التي مر بها العراق والتي كانت مختلفة والرؤى متشعبة والأدوار الريادية والتنظيمية والسياسية التي قامت بها المرجعية  الدينية متعددة حيث إن الادوار الادارية والسياسية والتنظيمية  لمراجع الدين تجاه السلطة تتراوح من الاهتمام بالحفاظ على الأرواح ،والدعوة إلى الجهاد لمواجهة أعداء الأمة ،على وفق منطق العقيدة والوطنية.

الثاني : ألمشاركة ألفعالة للمؤسسة ألدينية الشيعية في صياغة الواقع العراقـــي ومستقبله، ويتناول الباحث في هذا المبحث مشاركة المؤسسات العامة والمؤسسات التخصصية المستقلة ، وإقامة المشاريع الخيرية ،والجمعيات الدينية والاجتماعية التي يقيمها الأفراد أو الجماعات وتأسيس قنوات التخاطب مع الأمة الإسلامية.

ويتضمن هذا المبحث مطلبين :

اولهما: تنامي الدور ألإداري للمرجعيـــة ألدينيـــة في الإصلاحات الإدارية في العراق،ويتناول الباحث في هذا المطلب الدور الاداري للمرجعية الدينية في العراقو الدور التوجيهي الفاعل والذراع الطولي لعملية بناء المؤسسات الحكومية والقيام بحركة التغيير والإصلاح الحكومي .

وثانيهما: دور ألمرجعية ألدينية في الإشراف على العملية السياسية في العراق(2003-2016  م )ويتناول الباحث في هذا المطلب عدم تدخل المرجعية الدينية في صلب العملية السياسية ما بعد عام 2003 ،وموقفها الذي  لم يشجب التدخل الأمريكي الذي ساعد العراقيين في التخلص من نظام صدام، نظام الاستبداد والدكتاتورية ، واصرار المرجعية على كتابة دستور بأيدي عراقية ،ودعت إلى استعادة السيادة العراقية بالطرق السلمية ،وإلى تشكيل حكومة عراقية منتخبة من قبل برلمان منتخب.

ومن ابرز المصادر التي استخدمها الباحث في كتابه بحثه ، كتاب العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,النجف الاشرف والمرجعية الدينية ,العارف للمطبوعات  ,ط1, بيروت ,2015،وكتاب حامد الخفاف, الرحلة العلاجية لسماحة السيد السيستاني وأزمة النجف عام 1225هجري-2004ميلادي , ط1 , بيروت , 2012م،وكتب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره ,موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ,مؤسسة تراث الشهيد الحكيم قدس سره,ج1،ج2،ج3،ج4,ط1,النجف الاشرف ,2005،وكتب علي الزيدي ,لماذا مقتدى الصدر قائدا ,دار الكاتب العربي, ط 4 ,بيروت,2014م ،وكتابه مقالات ودفع إشكالات من الاعتصام حتى الاعتكاف ،دار الكاتب العربي ،ط1،بغداد،2016م،وقانون هيأة الحشد الشعبي رقم (40) لسنة 2016، المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالرقم4429 في 26-12-2016م،وغيرها من المصادر والكتب التاريخية الاخرى.

  • المبحث الأول / ألدور ألإداري للمرجعية ألدينية في العراق ومواقفها ألتاريخية

إن المعالم المميزة للفكر المرجعي الحديث في العراق بدأت في القرن الثالث عشر الهجري ,التاسع عشر الميلادي ,والذي حفل بميزة من حيث التنظيم في إدارة المرجعية قد يُعد طفرة نوعية في تاريخ المرجعية. وهو التنظيم الإداري الذي مثل المبادرة الرائعة على مستوى مرجعية الإمام المرحوم السيد محمد مهدي الطبطبائي الملقب ( بحر العلوم ) المتوفي عام 1212هجري-1797ميلادي حيث نظم إدارة مرجعتيه على الوجه التالي :

  • ارجع إمور الفتوى والتقليد إلى الفقيه الشيخ جعفر كاشف الغطاء .
  • وإمامة الجماعة وشؤون المحراب إلى المقدس حسين نجف.
  • وللقضايا والخصومات والقضاء إلى الشيخ شرف محي الدين .
  • واضطلع هو بأعباء التدريس وشؤون الأمة ([1]) .

لقد اسهمت المرجعية الدينية في الاحداث الدينية والوطنية على مستوى القيادة مساهمة فعالة، مما كشف عن فكر سياسي لديها يؤهلها إلى تحمل مسؤولية  قيادة المجتمع ،التي تُعدّ جزء من مهامها الأساسية ،اذ من الصعب فصل الدين عن السياسة، والمرجعية الدينية - كما نفهمها- قيادة الامة دينا ودنيا وقد عشنا- في حدود مسيرتنا الحياتية الملازمة للمرجعية الدينية- افكارها ومواقفها السياسية ومحاولاتها العديدة للدفاع عن الوطن والامة ومصالحها العامة، والاهتمام بنهضتها على مستوى الساحة الاسلامية في منطقة الشرق الاوسط خاصة([2]). وعندما نزلت القوات البريطانية في الفاو في 6تشرين الثاني 1914م،ثم واصلت زحفها نحو مدينة البصرة ودخلتها في 22تشرين الثاني من السنة ذاتها ،وعندما شعر اهل البصرة بخطر الاحتلال  ارسلوا برقيات الاستغاثة الى المدن المقدسة النجف وكربلاء والكاظمية، وكانت تنص على : ثغر البصرة، الكفار محيطون به، الجميع تحت السلاح ،نخشى على باقي بلاد الاسلام ،ساعدونا بأمر العشائر بالدفاع، كان لهذه الرسالة وقعا مؤثرا في نفوس المراجع الدينية في النجف وكربلاء والكاظمية، فوقفوا مع الدولة العثمانية في الدفاع عن البلاد كونها دولة مسلمة والمحتل كافر، فتناسوا معاملة العثمانيين لهم التي اتسمت بالظلم والاضطهاد والابعاد، واستجابت الكاظمية لنداء البصرة واصدر علماؤها المجتهدون  حينذاك الفتاوي المحفزة على الجهاد، فاصدر السيد مهدي الحيدري وهو احد كبار العلماء المجتهدين في الكاظمية فتواه المعنونة الجهاد..الجهاد..النفير ..النفير "مؤكدا على وجوب الدفاع عن بلاد الاسلام والذود عن حياة المسلمين وحفظ الاسلام ومحاربة الغزاة المعتدين([3])،

 وتقول بعض المصادر: تُعدّ مدينة النجف أول من ثار على الاتراك ،واول من ثار على الانكليز، ليس في العراق فحسب وإنما في جميع اقطار الشرق الاوسط ،بعد الحرب العالمية الاولى ،ففي عام 1915م،ثارت على الاتراك العثمانيين وطردتهم الى غير رجعة من المدينة وفي عام 1915م،ثارت على الانكليز وطردتهم من النجف ،ولكن انتصار الحلفاء في الحرب العالمية مكنهم من التغلب عليها والعودة اليها([4])، وجاء اعلان الجهاد على اولئك المعتدين ،فكثر الضجيج في النجف ،وتبادل الزعماء الرأي ،إلا السيد الحبوبي الذي كان في صمت وتفكير...وإذا بالحبوبي يكسر الصمت زائرا في الأجمة ،منتفضا من العرين ،لقد طرح القلم، وتناول السيف، تاركا حلقة الدرس ،وندوة الادب، متقدما صفوف المحاربين، وبذلك تكون نهضة السيد الحبوبي في الدفاع عن حمى الاسلام البداية الثورية  الملتهبة التي        قادت ركب التحرر ،واستنت مكافحة الاستعمار في كل وجوهه([5])،                 

إن ثورة العشرين في مضمارها الوطني اكدت على التلاحم الجماهيري الديني والعشائري (القبائل)مما اكد على تفاعل قوي شد هذه الجبهة ضد الاستعمار وتصميم صادق على محاربة العدو مهما كانت قوته ،وكانت بقيادة المرجع الديني ميرزا محمد تقي الشيرازي الذي افتى بأن:" مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين ،ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم رعاية السلم والامن ،ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية اذا امتنع الانكليز من قبول مطاليبهم " وطالب  بتشكيل حكم وطني عربي اسلامي دستوري متحرر من الاستعمار في العراق([6])،

اما بعد ثورة العشرين كان طلب مراجع الدين وزعماء الثورة تأسيس دولة عربية وحكومة عربية ،وحاولت السياسة البريطانية أن تتلاعب بهذه الإرادة العراقية عن طريق تمرير معاهدة انتداب تبقي العراق تحت الحكم البريطاني من خلال وزارة عبد المحسن السعدون ،واعطائها الشرعية من قبل مجلس تأسيسي ملفق يؤكد هذا المطلب الاستعماري فدعت الحكومة إلى انتخاب المجلس المطلوب عام 1922م([7])،

وتتابعت الاحداث سراعا في العراق فكان محط نظر الاستشارة الصائبة والرأي الصحيح ، وبدأ الوعي الجماهيري على مرجعية السيد الحكيم، فالتقت الاطراف الاجمع في ظل قيادته تستمع اليه ويستمع اليها، وانيطت به مضافا لمهمات المرجعية العليا، مهمة الاصغاء للحدث السياسي ،والتفاعل مع القوى العاملة في ادارة البلاد، فكان الناصح الامين، والمنذر الموجه، والعين الساهرة لرعاية الصالح العام([8])،

ولم تستقر الامور في العراق من العشرينات إلى بداية الاربعينات ،فقد كانت الهزات الوطنية تبدو على الساحة العراقية بين فترة واخرى ،ولكن دون تفجير مهم يثير تغييرا في وضع الحكم في العراق،لكن حركة  مايس 1941بقيادة رشيد عالي الكيلاني ،وضباط عسكريين  ضد الامير عبد الاله الوصي على العرش الملكي حينذاك هزت الحكم ،وحاول عبد الاله أن يستميل علماء النجف ومراجع الدين فيها باي وسيلة كانت في عدم تأييد الحركة المضادة فلم يوفق ،بل اصدر العلماء السيد ابو الحسن الاصفهاني والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والشيخ عبد الكريم الجزائري فتاوى بتأييد الحركة الانقلابية حفاظا على استقلال البلاد ،وانهاء التصرف الاجنبي ([9])،

وتتلاحق الايام وينتهي حكم الاسرة المالكة في العراق،وتقوم ثورة الرابع عشر من تموز1958م وتعلن الجمهورية ويتنفس الشعب الصعداء اول الامر([10])،

وحين وصل عهد المرجعية الى الامام السيد محسن الحكيم في الخمسينات كان الزخم الثوري قد انتهى الى انفجار ثورة تموز، ثم الى انقلاب البعثيين في عام 1963م ،ثم الى حكم العارفين عبدالسلام ،وعبدالرحمن  ،ثم وصل الحكم الفئوي العفلقي الى السلطة في اواخر الستينات ،وحتى وفاة الامام الحكيم  في 2 مايس 1970م عاش احداث هذه المدة سواء في العهد الملكي حين رفض مقابلة الملك فيصل الثاني عند زيارته النجف ،على اساس ان العهد لم يستجب لمطالب الشعب العادلة التي تدور حول رفع مستواه الثقافي والاجتماعي والاقتصادي ،ولم تهدأ مطالبته الجادة كذلك في العهد الجمهوري ،وفي كل ادواره ،كانت مواقفه معروفه  ،وخاصة فيما يتعلق بإنهاء العهد الاستثنائي العسكري الذي يفرض تعطيل الدستور، ومؤسسات الحكم المدني([11]).

آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر كان دوره في السبعينات من هذا القرن حافلا بالعمل الجاد في الدفاع عن مصالح الامة في العراقبما يؤكد مطالبته بإنهاء العهد الدكتاتوري ،والعودة الى واقع الامة الاصيل ،ولعل من ابرز مواقفه تأييده الامام الخميني في ثورته الجبارة، وتحريمه الانتماء الى حزب البعث الحاكم ،ومجابهته السلطة الحاكمة وتهديدها، ودفع الامة الى الكفاح المسلح للتخلص من النظام ،هذه المواقف المهددة لكيان النظام دفعت السلطة العفلقية ان تسارع في جريمتها النكراء بتصفيته جسديا هو وشقيقته العلوية بنت الهدى في 5/4/1980ولم يكن موقف المرجعية الدينية في النجف الاشرف المتمثل بآية الله العظمى الامام الراحل السيد ابو القاسم الخوئي في الانتفاضة الشعبانية خفيا على احد ،فقد شجب دكتاتورية النظام الصدامي ووقف الى جانب الشعب الثائر ،وشكل قيادة دينية ومدنية لإدارة الثورة الشعبية([12])،إن المرجعية الدينية في النجف الاشرف ،ومنذ ما يقارب القرن من الزمن ،لها مسار ثابت على طول خطها الوجودي ،لم تتغير فيه إستراتيجيتها الفكرية والعملية ، بل على العكس من ذلك ،إنها كثيرا ما كانت تشجع على الاستمرار على منهجها المختار ،وفي بعض الأحيان ، تضطر إلى معاداة أي حركة فكرية جديدة ،تهدف الى تغيير منهج الحوزة ألدينية التقليدية ،وهي في إجرائها تلك قد نجحت إلى حد ما في إرساء هذا المبدأ ([13]).

وإذا أردنا أن نستعرض حركات العلماء من خلال وجودهم العلمي ،ان يبعثوا أنفاسا جديدة ،وإحداث تغير حركي إداري وفكري في المنهجية العامة للحوزة ألشريفة ،نجد أن من أهم أولئك العلمـــــاء السيدين الشهيدين محمد باقر الصــــدر ، ومحمد محمد صادق الصـــــدر ( قدس سرهما ) ، حيث أن هناك حركة تغييريه ابتدأها ألسيد الشهيد محمد باقر ألصدر، وسار لإكمالها من بعده ألسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر ، ولم يكن هناك أي انفكاك بينهما ،وقد نجح كل منهما في أداء دوره ،ضمن مرحلته ألزمنية والتي تناسب المستوى الفكري والاجتماعي داخل البلد ([14]).

واللافت للنظر أن الشيطان ألأكبر وأذنابه ،قد تضايقوا وانزعجوا جداً من هذين السيدين الشهيدين لذلك تم القضاء عليهما بصورة يبكي لها الضمير الإنساني ، لا بل ألأرض بكتهما والسماء حتى إنهم بعد أن قضوا على السيد الصدر الأول قاموا بعمليات دهم وقتل لرجال الدين الذين انتموا إلى منهجه النير، بحيث لم ينجُ منهم إلا الذين استطاعوا الذهاب سرا إلى الجمهورية الإسلامية في إيران ، والقليل جدا ممن استطاع التخفي في العراق.ولذلك ترى صدام اللعين وأسياده ، أطمأنوا بعد أن تأكدوا بأنه لم يعد هناك في الحوزة رجل دين يحمل أفكار السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره ومنهجيته ، ليستمر في صياغتها  وبلورتها من جديد ،على الرغم من أن عيونهم لم تفارق الحوزة العلمية في النجف الاشرف بالمراقبة والتتبع والتدخل خوفا من كل طارئ ([15]).

وفي الحقيقة لم يكن هناك أي رمز يعطي إشارة تحذر الطاغوت بأنه خطر عليه ،على الرغم من وجود السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره ،وذلك لأنه استطاع بذكائه وخبرته ،أن يضيع ويشتت العيون من حوله بحيث أصبح ظاهرا بالرغم من اعتقاله في بعض الأحيان لا يشكل أي خطر على صدام ودولته ،ذلك لأن السيد الشهيد وكما صرح هو بنفسه بأنه استعمل التقية المكثفة في ذلك الحين لإبعاد الأنظار عنه، والاستعداد والتهيؤ إلى مرحلة أخرى من الزمن يكون عطائه وإنجازه أكبر. وحينها عندما نظرت إسرائيل وأمريكا إلى الساحة الحوزوية في العراق ورأت بأنه لم يعد هناك أي رمز ديني يشكل خطراً عليها،عندها قل الضغط بعض الشيء على حوزة النجف الاشرف([16])،

مما شمل هذا الأمر السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره ، فاستطاع إن يتحرك ،وان كانت حركة بسيطة نسبيا ،لكنها كانت حركة معتد بها. وهذا طبعا من مكر الله ،في أن يهيئ الأسباب اللازمة كمقدمات توطئ لخروج المصلح ، من دون أن يشعر الطاغوت به ،بل لعله في بعض الأحيان يتقصد الطاغوت في غض النظر عنه لأنه لا يعلم بأنه سيشكل الخطر الفعلي عليه  وذلك لشعوره بأن هذا الشخص ، إذا ما برز في الساحة فلن يكون له دور مؤثر فيها وخصوصا على مستوى الحوزة العلمية ظناً منهم أن هناك من هو اعلم منه وأكفأ. مضافاً الى ما ستقوم به من دور في تسقيطه وتقديمه للناس ,على انه فقيها للسلطة ،من خلال الكثير من أساليب المكر والخداع .المهم فقد استطاع السيد الشهيد قدس سره من خلال التوفيق والتخطيط الإلهي من استلام الحوزة الشريفة في النجف الاشرف وأصبح مشرفها الأول ،كل هذا يجري تحت أنظار صدام اللعين وأسياده ([17]).

لقد استطاع السيد الشهيد قدس سره ان يسحب البساط من تحت قدمي صدام اللعين وحاشيته ،فاغلب المؤمنين قد أصبحوا تحت راية مرجعتيه . يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه ،وجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, سلاحه الفعال لمعالجة الفساد ونشر الخير فأصبح المجتمع العراقي يمسي على شيء، ويصبح على شيء اخر ،بل العائلة والفرد أصبح كل يشعر بمسؤوليته أمام الله تعالى ،وعندما انهارت السلطة وانهار الحاكم ،فلا صوت يسمع ويقرع آذان المؤمنين , إلا صوت السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) ، ولذلك تحرك الشيطان ،ولم يرض بغير قتل السيد الشهيد بدلاً ، فسعى إليه وكاد كيده وفعل فعلته ، التي مازالت نيرانها في القلب تسعر ،وفي حين مآسيها بالروح تظهر. علما إن هناك فارقاً مميزاً ما بعد استشهاد محمد باقر الصدر قدس سره واستشهاد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) ، وهذا الفارق تمثل بوجود علماء قد أعدهم السيد الشهيد الأول بحيث وصلوا إلى مرحلة الاجتهاد بوجوده، وقد تمكن البعض من الهرب من صدام اللعين ، والتوجه إلى جمهورية إيران الإسلامية ([18]).

                              

إن الثالوث  المشئوم يعلم بأن شعب العراق لا يمكن إن يتحرر من الخارج ،وينال حريته الكاملة على أراضيه ،بل إن تحريره وتحرير العالم من بعده ،لا يكون إلا من داخل العراق،ومن شعبه وقيادته المؤمنة هذا ما تؤكد عليه كتبهم وتعاليمهم الدينية-وهو نفسه يعلم بان العقود الزمنية التي مرت على المعارضة الإسلامية وغيرها ،والتي كانت خارج العراق،ولم تستطع أن تشكل أي خطر ،ولم يكن لها أي هدف نوعي فعال يضر بالظالمين ويهز عروشهم، ولذلك كانت حكومة صدام اللعين تنام ملئ جفونها عن المعارضة في الخارج ،ولكنها كانت تضع الملح في عيونها ،لأي مؤمن وأي مصلح داخل العراق،و لا تنام للحظة واحدة حتى يستقر أمره عندها , وعندما أرادت أمريكا أن تحتل العراق، استخدمت هؤلاء المعارضين كورقة رئيسة في الدخول لعجز المعارضة التام عن تحرير العراقوذلك لإقناع الشعب العراقي وطمأنته أكثر ، ولكي تستطيع أن تفعل بالعراق ما تريد أن تفعل، وتجعل مسماه باسم المعارضين وديمقراطيتهم المزعومة والتي سحبت منهم من أول خط مشئوم خطه بريمر بدستوره الأسود المقيت .فالثالوث المشئوم تجاه المرجعية خارج العراق يعي وبجدية بأنها لن تؤثر بشيء على المشهد السياسي والديني والاجتماعي داخل العراق.وإن أثرت فإنها لا تؤثر ، إلا بالنزر اليسير الذي لا يصلح للظمآن ريا ، ولا للجائع زاد ([19]).

الظلم الكبير الذي تعرضت له المرجعية في تلك الفترة هو أن الجميع كان يطالبها بإصدار بيان ظناً منهم أنه يمكن أن يعالج المشكلة ، في وقت كانت المرجعية تعتقد أن في ذلك تبسيطا للأمور، كما أن المرجعية لم يكن باستطاعتها شرح تحركها الدائم لحل الأزمة التي حصلت في النجف الاشرف عام 2004، من خلال الاتصالات والمتابعات التي كانت  تجريها مع الأطراف في الاتجاهات كافة ،رغم أن سماحة السيد السيستاني كان طريح الفراش ،بعيدا عن الوطن . والحقيقة إن سماحة السيد يعتقد أن كثرة البيانات الصادرة ،سوف يفقدها قيمتها ،وأن على المرجعية أن تتكلم بما يجب أن تعمل على تنفيذه عمليا ،وإلا ما فائدة عشرات بيانات الإدانة والاستنكار إن لم تستطع أن تغير في ألأمر شيئا ([20])، وإذا كان هذا ألأمر جائزاً للأحزاب والمنظمات والحركات السياسية ،فهو غير جائز للمرجعية ،واضرب هنا عدة أمثلة :

عندما أصدر سماحة السيد الفتوى الدستورية الشهيرة التي أوجب فيها تشكيل الجمعية الوطنية العراقية عبر الانتخابات الحرة المباشرة ، تمت متابعتها ودخلت المرجعية وتيارها العريض في الشارع العراقي بصراع استمر فترة طويلة مع الإدارة المدنية وسلطة الاحتلال حتى تحقق مشروع الانتخابات الذي وصفه البعض آنذاك بأنه ( خيال سياسي )، و أن المرجعية عندما عارضت قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية ،وتحركت عبر آلياتها للتواصل مع الجماهير في المجتمع العراقي وجمعت ملايين التوقيعات الرافضة له ،وعندما عرفت إن هناك سعيا لإدراج فقرة تشير إلى هذا القانون في القرار الدولي 1546الذي صدر عن مجلس الأمن ،لاحقته إلى هناك ووجهت رسالة تحذيرية شديدة إلى رئيس مجلس ألأمن الدولي حتى صدر القرار المذكور من دون أي إشارة لقانون إدارة الدولة ([21]). فالمرجعية بسعيها ذاك انطلقت من رؤيتها العلمية بأن قانون إدارة الدولة لا يمكن أن يكتســـــــــــــب

( الشرعية )إلا من طريقين :

  • ألاول : الشرعية الانتخابية ، وهو فاقد لها ، لأنه كتب من قبل مجلس معين وغير منتخب ، وهو مجلس الحكم .

                           

  • والثاني : الشرعية الدولية ، وهو أن يتضمن أي قرار دولي يصدر من مجلس الأمن إشارة له ، ولذلك لاحقته إلى مجلس الأمن الدولي ،وعملت على سلبه هذه الشرعية وعليه ،فان قانون أدارة الدولة للفترة الانتقالية هو قانون فاقد للشرعية الانتخابية والدولية ،ولذلك فهولا يستطيع أن يلزم الجمعية الوطنية المنتخبة بأي فقرة من فقراته ,لأنه لا سلطة أعلى من سلطة الشعب([22])،وإن قانون إدارة الدولة، الذي أعدوه في لحظة تاريخية يجتاز من خلالها العراق إلى حياة أكثر ديمقراطية وأكثر حرية، قد وجدناه ولد مشوها فيه من الأخطاء الشكلية وما يتجاهل ابسط قواعد الصياغة القانونية، فضلا عن صياغة القواعد الدستورية التي تحتاج إلى صياغة أكثر متانة وأكثر دقة، فضلا عن ذلك فان هذا القانون لم يلب الحد الأدنى من طموح الشعب العراقي لأنه أنشيء على أساس المصالح الشخصية والتحزبات الضيقة والضغط الأمريكي([23])،                        

ما أريد قوله ،أن المرجعية الدينية العليا عندما تصدر بيانا ، يفترض أنها تمتلك مشروعا لتنفيذ ما صدر عنها ،ولذلك يلاحظ أنه في أزمة النجف الأولى لم تصدر المرجعية بيانا ،وبقيت صامتة رغم انتقاد المنتقدين ، وفسحت المجال للأحزاب والفعاليات السياسية والاجتماعية لتمارس دورها الطبيعي في حل الأزمة ،لأنها لا تريد أن تأخذ دورهم ،ولكن عندما فشل الجميع تدخلت لحل الأزمة عمليا ونجحت في ذلك. في أزمة النجف الثانية عندما توافرت للمرجعية العليا الفرصة نزلت على الأرض رغم المخاطر والآم المرض وحلت المشكلة .وعندما وصل القتال إلى قرب مرقد الأمام الحسين (ع) في كربلاء لم تصدر المرجعية بيانا لان مشروع الحل لم يكن ناضجا أيضا ([24])،

كثيرون اعترضوا على المرجعية العليا ،لماذا لم تصدر بياناً في أزمة الفلوجة ،والجواب هو نفسه ،لان المرجعية لا تؤمن بإصدار بيانات جوفاء لا روح فيها ،ولو أنها تعتقد أن لديها كلمة مسموعة عند المقاتلين في الفلوجة لكانت بادرت إلى مشروع عملي لحل الأزمة ،كما فعلت بالنجف ،لأنها لا تفرق بين دماء الأبرياء من العراقيين في النجف أو الفلوجة ([25]) .

بتاريخ 23-9-2004عقد اجتماع بين دولة رئيس الوزراء والسيد حامد الخفاف ممثل آية الله العظمى السيد علي السيستاني ( دام ظله ) في لبنان ، وتمت مناقشة ما يلي :

  • التحقيق في موضوع التظاهرات وإساءة الشرطة للمتظاهرين ، من خلال تشكيل لجنة تحقيق ويبدو أن هناك عدم رضا عن قائد شرطة النجف .
  • تخفيف حالات الاستفزاز من قبل الشرطة والإدارة المدنية للسيد مقتدى ([26]) .

ومن وجهة نظرنا إن للمرجعية الدينية دورا إداريا قيما وتاريخيا من خلال المبادرة والنداء الذي وجهته إلى الحكومة العراقية بعد الاتفاق مع السيد مقتدى الصدر .وهذا نص الاتفاق الذي على أساسه حلت أزمة النجف :

إن سماحة السيد السيستاني ( دام ظله ) يدعو إلى ما يأتي :

  • أولاً : إعلان مدينتي النجف الأشراف والكوفة خاليتين من السلاح وخروج جميع العناصر المسلحة منهما وعدم عودهم إليها.
  • ثانيـــــاً : تولي الشرطة العراقية مسؤولية حفظ الأمن والنظام في أرجاء المدينتين .
  • ثالثـــــاً : خروج القوات الأجنبية منهما.
  • رابعـــاً : تعويض الحكومة العراقية جميع المتضررين في الاشتباكات ألأخيرة .
  • خامساً : مساهمة جميع القوى والتيارات الفكرية والاجتماعية والسياسية في خلق الأجواء المناسبة لإجراء التعداد السكاني ومن ثم الانتخابات العامة التي من خلالها يمكن استعادة السيادة الكاملة ([27]) .

ومن وجهة نظرنا أيضا أن للمرجعية الدينية دوراً إدارياً بارزا وموقفا تاريخيا مبجلا في الساحة العراقية فقد كان موقفها الواضح من فتوى ( الجهاد الكفائي ) بعد أن حددت وشخصت العدو الحقيقي رغم وجود الكثير من الأيادي الخبيثة والتي تحاول التغطية على العدو الحقيقي للعراق وشعبه من المؤسف اليوم نرى الكثير من التشويهات والمغالطات لهذه الفتوى، من قبل جهات أرادت التشويه والتشويش عليها، وبالتالي يدخل في خانة الأجندات التي تحاول تمزيق أواصر الشعب العراقي وبث الفرقة بين أبناء هذه الفتوى التي أعادت الحياة لشعب عانى الويلات والاضطهاد والظلم على يد حكام الجور، واليوم تعود قوى الظلام الإرهابية ( داعش ) لتكمل دورها في الظلم عبر عمليات القتل والذبح والتهجير والسبي، هذه الفتوى التي غيرت موازين القوى، تمثلت في رجال الحشد الشعبي الذين هبوا تلبية لنداء المرجعية الدينية في الدفاع عن عموم العراق وشعبه، والوقوف بوجه القوى الظلامية من داعش والتحالف الارهابعثي المرجعية الدينية اليوم امتداد طبيعي إلى تاريخ العراق وهي البوصلة في بناء مستقبله، لأنها مارست الدور الأساسي في الوقوف وتشخيص الخلل والدفاع عن حقوق الشعب العراقي([28])،

وكيف وقفت موقفاً كبيراً معالجة الأزمات التي عصفت بالعراق إبان الحكومات السابقة  التي  أضرت كثيرا بالعمل السياسي، وكادت أن تصل بالعراق إلى آتون الحرب الأهلية والتقسيم لأكثر من مرة لا شك إن اغلب الكتل السياسية اليوم تحترم رؤى وتوجيهات المرجعية الدينية حيث مشاهد يومياً الوفود السياسية وهي تتزود النصح، لأنها تمثل صوت جميع العراقيين بمختلف طوائفهم وقومياتهم لهذا على الجميع أن يعي أهمية الدور ألإداري بوجود المرجعية الدينية، وضرورة الالتزام بوصاياها لأنها تمثل السند الحقيقي لكل العراقيين وهي الحل الوحيد الذي جنب العراقالوقوع في منزلق الحرب الأهلية([29]).

  • المطلب ألاول :ألمرجعية ألدينية وتاريخها ألسياسي في الواقع العراقي .

سوف نتطرق في هذا المطلب إلى أهم المحركات الأساسية التي لها الدور الأول في تحريك الأحداث السياسية بأكثر البلدان الإسلامية بعدّها المركز النير الذي تصبو إليه كل قاصدةٍ بقولٍ أو بفعلٍ أو تقرير والمتمثلة بالمؤسسة الدينية  ومن خلال قراءتنا لتاريخ العراق السياسي لا نجد أي شائبة في إن هذه المؤسسة هي الأساس في تحريك السواكن داخل المناخ السياسي بالشكل الذي يحقق الاعتدال والإصلاح في المجتمع، وهذا ما سنرسمه من خلال هذا البحث للدور المتميز لهذه المؤسسة من نهايات الحكم العثماني وبدايات الاحتلال الأجنبي وصولاً إلى دورها في رسم أحداث ثورة العشرين كحلقة أولى تتبعها حلقات أخر، إن البدايات الأولى في الوعي السياسي لهذه المؤسسة ظهر في نهاية القرن التاسع عشر، إذ كان هناك سبب أساسي لهذا النمو متمثلا بالفتوى التي أصدرها السيد محمد حسن الشيرازي في مدينة سامراء لتحريم امتياز التبغ في إيران عام (1891) والتي جاءت لتمثل تياراً عكسياً ضد النفوذ الأجنبي في إيران، إذ مثل هذا التصدي الدور الأساس في التخلص من الأزمة وتحقيق النصر ضد مطامح البريطانيين([30]) .أما الدور الذي خاضته هذه المؤسسة من خلال المراجع الدينية فيها خاصة في بداية القرن العشرين وقبيل الثورة الدستورية الإيرانية (1905 – 1911) ([31])  ,

والتي أدت إلى انقسام الرأي في كربلاء تبعاً لمرجعية المقلدين إلى فريقين سمي احدهما (المشروطة) والتي تؤيد المبادئ الدستورية، أما الفريق الثاني فهو (المستبدة) وهم من رفضوا الدستور جملةً وتفصيلا ([32]) .

ومن الطبيعي أن يكون هذا التأثير واضحاً بين البلدين لوجود الكثير من الرعايا الإيرانيين الساكنين في كربلاء والنجف بحكم التجاور بين البلدين .  إن اليقظة التي أحدثتها الثورة الدستورية في إيران قوضت البنى الفكرية السائدة آنذاك حول الحكم والسياسة ونجحت في إعادة الثقة في نفوس الأمة وقدرتها على المشاركة في الحكم، حيث أكد العلماء في الحوزات العلمية عدم وجود أي تقاطع بين الحركة الدستورية والمبادئ الإسلامية الحقيقية . ونتيجة لذلك فقد أيدت الجماهير في كربلاء الحركة الدستورية متحدين بذلك إرادة الحاكم العسكري ومن تحفظ على الحركة من العلماء. ولما تحول ذلك التأييد إلى مظاهرة عارمة امتدت إلى جميع مناطق المدينة سارعت السلطات الحاكمة إلى قمعها بعنف وأحدثت مذبحة تفرق بعدها الناس هرباً من الموت والتجأ قسم من المتظاهرين إلى القنصلية البريطانية مما أزعج هذا السلوك العديد من الناس الذين عملوا على إدانته، إذ كان لهذه الإدانة الأثر الكبير في تحجيم دور السفارات الأجنبية في العراق([33]) .

إن الوعي السياسي الجديد في العراق اخذ يتجسد عبر مواقف سياسية جريئة تتواتر على رؤية واضحة للموقف المتخذ وأصبحت محاربة الاستبداد مبدأ متكامل لدى علماء الدين في الحوزة العلمية الشريفة في النجف الأمر الذي دفعهم للتعاون مع حزب (الاتحاد والترقي) التركي ضد استبداد السلطان عبد الحميد الثاني واستمر التعاون بينهم لمدة ثلاث سنوات (انهارت وانتهت مع بروز سياسة التتريك ( الطورانية ) التي شرع الاتحاديون بانتهاجها) ([34])،

كما إن موقف المؤسسة الدينية لم يكن مقتصراً على تحريك الأحداث السياسية العراقية الداخلية أبان تلك المدة بل تعدى إلى المساندة الإقليمية في الأحداث التي تتعرض لها المنطقة بأسرها خصوصاً في عام (1911) عندما اجتاحت القوات الروسية شمال إيران اثر الخلاف المائي الحاصل بينهما وقيام القوات البريطانية باحتلال جنوب إيران حين بررت تلك الدولتان إن الهجوم على إيران جاء استنادا على اتفاقية عام (1907) ([35]) .

كما وعملت القوات الروسية إلى قتل علماء الدين في تبريز وإشاعة الرعب في صفوف الناس([36])، وعندها أعلن علماء الدين في العراق وخاصة في النجف الأشراف الجهاد ضد القوات الروسية الغازية ومنهم الاخوند الخراساني الذي أوعز بنصب الخيام خارج مدينة النجف لتعبئة الجماهير استعدادا لمواصلة الجهاد ضد الغزاة . وعندما قصفت القوات الروسية مرقد الإمام علي بن موسى الرضا (ع)  اجتمع علماء الدين في مدينة الكاظمية وهم السيد مهدي الحيدري والشيخ مهدي الخالصي والسيد إسماعيل الصدر والسيد عبد الله المازندراني والشيخ فتح الله الأصفهاني والشيخ محمد حسين النائيني والسيد علي الراماد والسيد مصطفى الكاشاني والسيد محمد تقي الشيرازي المقيم في سامراء ولم يتخلف عن ركب العلماء سوى السيد كاظم اليزدي المقيم في النجف ([37]) .

وعندما بدأت البوادر الاستعمارية البريطانية تظهر للعيان باحتلال العراق تبعا لتنوع المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية في العراق وتنفيذا لهذا المخطط عملت بريطانيا على تسيير حملة عسكرية من البحرين نزلت في الفاو يوم ( 1ت 2 / 1914)  فما كان للسلطات العثمانية إلا العمل لتعبئة الجهود لمقاومة الغزو البريطاني، إذ اصدر شيخ الإسلام (خيري أفندي)  فتوى الجهاد ضد الغزاة في يوم (7 ت 2 /1914)  وكررها في (11ت2)  ونشرت في بيان مؤشر من ثلاثين عالم في (23 ت2)  إلى أن هذه الفتوى لم تلق تجاوباً من المسلمين وكان أثرها ضعيفاً إلى حد كبير([38]) .

كما وعملت على تحريض رجال الدين في النجف وكربلاء وباقي الأماكن المقدسة بالانضمام إلى الحركة الجهادية وصورت الحرب بأنها حرب جهادية ضد الكفار([39]) .

إن هذه المواقف للمؤسسة الدينية وخاصةً المواقف السياسية لم تأت من فراغ بل كانت بداياتها متمثلة بنمو الحركة الإسلامية في المدن الشيعية المقدسة وكيف إن هذه المدن شكلت الاتجاه الفكري السياسي والرئيس في تلك المدن خلال المدة الممتدة بين أوائل القرن العشرين وحتى الاحتلال الانكليزي للعراق عام 1914 حيث تمثل ذلك النمو بعدد من المظاهر السياسية والفكرية للتيارات التي تولدت عنها وكانت النجف وكربلاء وعلى الرغم من أهمية المدن الشيعية الأخرى قد شكلتا المركز القيادي الأساسي للحركة الإسلامية ومظاهرها الفكرية وتياراتها. في هذا الوقت قام كبار علماء المسلمين الشيعة بمبادرة منهم أو استجابة لفتوى شيخ الإسلام وفتاوى مماثلة تدعو إلى الجهاد ومقاومة الاحتلال الانكليزي وتأييد العثمانيين في الحرب على الرغم من أنهم كانوا على يقين بان العثمانيين لا يمثلون الوجه الإسلامي الصحيح إلا إن شرهم أهون عليهم من خطر الانكليز الكفار ([40])  ،

حيث قاموا بتعبئة سكان المدن والعشائر وحثهم على الجهاد وتنظيم تطوع المجاهدين وقيادتهم إلى جبهة الحرب([41]) ،وعبر هذين التطورين الهامين دخلت المؤسسة الدينية حقبة جديدة وهامة من تطورها السياسي والفكري الذي امتد نحو عقد من الزمن كانت المواجهة المسلحة هي السمة البارزة لهذه الحقبة . وكانت هذه أولى المواجهات المسلحة التي قادها واشترك فيها رجال الدين والعلماء الشيعة ضد الاحتلال والتي شكلت تجربة مهمة ومقدمة لمواجهتين مسلحتين هما ثورة النجف عام 1918 وثورة العشرين عام 1920 غير إنها تميزت عنهما في كونها نمت في إطار حركة الجهاد العام الذي أعلنته الدولة العثمانية وما حملته بسبب ذلك من دلالات فكرية وسياسية ([42])  .

 انطلقت حركة الجهاد في ( 29 / ت2/1914) أي بعد ثلاثة أيام من احتلال الفاو وذلك عندما أرسل العديد من الأعيان والعلماء في البصرة برقيات إلى كبار رجال الدين في كربلاء والنجف والكاظمية يطلبون فيها مساندتهم في محاربة القوات البريطانية وقد جاء نص البرقيات ( ثغر البصرة، الكفار محيطون به، الجميع تحت السلاح، نخشى على بلاد الإسلام، ساعدونا بأمر العشائر في الدفاع) ([43]) .

كما و بعثوا برسالة أخرى حاولوا فيها استنهاض همم العلماء الأعلام جاء فيها (بلغوا حجج الإسلام، القرآن والمواعظ تلوناها وبرقياتكم إلى العشائر نشرناها فلا ينفع ذلك إلا الإقدام بأنفسكم، الأقوال بلا أفعال تذبح الإسلام ولا نعلم إن الجهاد واجب على العامي ولا يجب عليكم المعلوم قدومكم يهيج الإسلام، فالله الله في حفظنا) ([44])  .

وقد حملت هذه البرقية تواقيع كل من إبراهيم المظفر وجاسم العلي والسيد مهدي الموسوي الكاظمي والحاج موسى العطية والحاج جعفر العطية واحمد كردة (وهم من وجهاء الكاظمية وبغداد)، وما إن انتشرت هاتان البرقيتان في الحوزات العلمية في النجف وكربلاء حتى استجاب على الفور المراجع العظام لهذا الحدث و أوجبوا بفتوى على ضرورة الجهاد دفاعا عن بيضة الإسلام وعندما اتخذت المدن العراقية في الفرات الأوسط وبغداد طابع النفير العام، وخلال هذه المدة برزت تيارات دينية من كبار المجتهدين ورجال الدين الآخرين الذين قاموا بأدوار قيادية بارزة في حركة الجهاد سواءً بتصدرهم الدعوة أو بإشرافهم على تنظيم التطوع للمجاهدين، ومن ثم مشاركتهم العملية في القتال، وأصبحت كربلاء والنجف والكاظمية وبغداد آنذاك مراكز أساسية لتجمع المجاهدين وانطلاقهم منها إلى جبهة الحرب في البصرة ([45]) .

ففي مدينة النجف قام عدد كبير من علماء الدين بأدوار إدارية مهمة في حركة الجهاد وكان أبرزهم المجتهد محمد سعيد الحبوبي الذي قام بدور أساسي فيها حيث كان أول من بادر إلى قيادة مجموعات من المجاهدين والتوجه بهم إلى البصرة وقد التف حوله العديد من العلماء الذين عملوا على تعبئة عشائر الفرات الأوسط وحثها على الجهاد([46]) . أما المرجع الأعلى السيد كاظم اليزدي الذي أفتى بدوره ألإداري في الجهاد وبعد اجتماعه مع مبعوثي الحكومة العثمانية المتمثلين بـ( محمد فاضل الداغستاني وشوكت باشا وحميد الكليدار ) الذين قدموا إليه من بغداد، وكان الالتقاء بالسيد اليزدي يقوم على تحسين العلاقة معه لكونه كان معارضا لمبدأ المشروطة وتأييده للمستبدة، بعدها أرسل نجله السيد محمد لينوب عنه في استنهاض العشائر للجهاد من خلال ترأسه وفداً من العلماء وطلبة العلوم الدينية وتوجه إلى بغداد لمرافقته المتطوعين الذاهبين إلى الجبهة كما وجدد السيد اليزدي دعوته للجهاد في خطبة ألقاها في صحن الإمام علي (ع) حرض فيها الناس على الدفاع عن البلاد الإسلامية وأكد وجوب ذلك حتى على الفتى العاجز بدناً ([47]).

ولكون مدينة النجف تابعة إداريا إلى كربلاء آنذاك نجد إن الأحداث التي حدثت في كلتا المدينتين متشابهة وقريبة من بعضها البعض كون إن مركز القيادة موحد والظروف موحدة حيث قام عدد من الأهالي وأبناء العشائر الهاربين من الجيش في مدينة كربلاء في النصف الثاني من شعبان 1333هـ (حزيران 1915) بمهاجمة دار البلدية والمؤسسات الحكومية الأخرى وطرد الموظفين والاستيلاء على المدينة وبعد توسط العلماء ورجال الدين وأشراف المدينة بالأمر عاد الموظفون العثمانيون والمتصرف الجديد للمدينة، إلا أن الأحداث عادت وانفجرت مرة أخرى في شهر رجب سنة 1334هـ (أيار 1916) أسفرت عن مقتل أعداد كبيرة من الأهالي وإلحاق الدمار بالمدينة ([48])  .

وعلى أي حال نجد إن مشاركة رجال الدين والعلماء تمثل وجهين الأول المشاركة المباشرة في اغلب المعارك التي شنها المجاهدون ضد الجيش البريطاني أثناء احتلاله مدن العراق بدء بالبصرة وسيره باتجاه بغداد والذي مثلته المناوشات العسكرية أو عن طريق قطع طرق الإمداد الخاصة بهم وضربها ، أو عن طريق الاشتراك مع القوات العثمانية في معارك نظامية كالمعركة التي حدثت في المدائن في محرم 1334 هـ (ت 2 1915) ([49]) .

أما الوجه الثاني تمثل بالوجه الإرشادي والتوجيهي والإداري  لزعماء العشائر الذين يقودون المجاهدين في عشائرهم . هذا فضلاً عن انه لو تتبعنا حركة الجهاد ضد الانكليز منذ دخولهم البصرة وتوجههم إلى بغداد والمواقف الجهادية لأبناء المدن المنتشرة على طول الطريق الذي توجهوا به نلاحظ إن ميل أبناء هذه العشائر العراقية إلى الترك كان واضحا والسبب في ذلك قوة العاطفة الدينية لدى أبناء العراق لا سيما إن الزعامات السياسية كانت لرجال الدين في ذلك الوقت من تاريخ العراق وان العلماء ورجال الدين داخل المؤسسة الدينية أدركوا وبجلاء إن ما حصل من احتكاكات وما تحول عنه من صدامات بين القوات العثمانية وسكان بعض المدن ومهما تكن مستوياتها فإنها تدخل في إطار الصراع ضمن الجماعة الإسلامية الواحدة لاسيما وان المتصارعين يواجهون عدواً مشتركاً هذا فضلا عن الأفاق المسدودة في حال الذهاب بالعلاقات العثمانية الشيعية إلى حد القطيعة، وفي حقيقة الأمر إن هذا الموقف أو الأمر هو الذي كان أصلا وراء الفتوى التي أصدرها علماء الدين الشيعة بإعلانهم الجهاد إلى جانب الدولة العثمانية ضد الانكليز.  وعند العودة إلى شأن الاحتلال الانكليزي ووصوله إلى مدينة بغداد واحتلالها في (11 آذار 1917) إذ اعتبر هذا التاريخ الحد الفاصل بين العهدين العثماني والانكليزي في العراق([50]) .

  • المطلب ألثاني : تشعب الرؤى وتعدد ألادوار التي تؤديها ألمرجعية في حياة الأمة.

من خلال مطالعتنا للكتب التاريخية التي وجدنا فيها أن الأحداث التاريخية التي مر بها العراق مختلفة والرؤى متشعبة والأدوار الريادية والتنظيمية والسياسية التي قامت بها المرجعية الدينية متعددة وهناك الكثير من الشواهد التاريخية التي لا مجال لذكرها جميعا والتي يتضح من خلالها  حراجة الموقف وتفاقم الأزمة بحيث لم يبق أمام الشعب العراقي إلا سبيل واحد ألا وهو سبيل المواجهة مع المحتل والتي يجب أن تشق طريقها خصوصاً وإن الثمار قد أينعت والدليل هو التناقض والاختلاف في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل العراق بالإضافة إلى الإفرازات التي خلفتها السيطرة الاستعمارية على العراق وتأثيرها على الناس برمتهم ([51]) .

ولهذا كان التهيؤ إلى الثورة قد وصل مراحل متقدمة لا يحتاج إلا لشرارة تطلق بيد المرجعية الدينية التي درست هي الأخرى حراجة الموقف ووصلت إلى نتيجة إصدار فتوى يُعلن فيها الجهاد ضد المحتل .لا نريد الخوض في غمار وأحداث الثورة المجيدة كون إن الكتب التي تناولتها كثيرة وأقصد بها الكتب التي أعطتها حقها في إنها ثورة انبثقت بأفكار عراقية دينية سياسية اجتماعية أصيلة ورسمتها أيادِ فراتية شدت من سواعدها ضد الاحتلال لتعطي نتاجاً رصيناً لا يقبل الشك في إن الصنع كان صنعاً عربياً شيعياً قادته مرجعية رشيدة وإن الإبداع كان إبداعاً عراقياً له أثره في جعل الأمة العراقية تنال ما نالته بعد الثورة المجيدة ما نعبر عنه بتعدد الأدوار ، فلا بد للمرجعية الدينية أن تقوم بواجبات عديدة ، منها :

  • إبقاء باب الاجتهاد مفتوحا أمام الأمة، وهدايتها، وإبلاغ الرسالة الإسلامية ،وتربية الأمة وتزكيتها والتصدي للاستبداد والظلم ،والتصدي لإقامة الحق والعدل بين الناس ،وفصل النزاعات والخصومات بينهم - الذي يعبر عنه بالقضاء إلى غير ذلك من الواجبات ([52]).

عندما لا تتمكن المرجعية - بحسب ظروفها - من القيام لبعض هذه الواجبات ،فمن الممكن ان يبادر أشخاص آخرون - ممن تتوفر فيهم الشروط الموضوعية في المرجعية - إلى القيام بالأدوار الأخرى - ومن ثم يمكن أن يتكامل العمل من خلال هذه الأدوار ، فتكون هناك مرجعية في الفتيا ،وأخرى في التبليغ ،وثالثة في نشر الرسالة الإسلامية وهداية الناس وتربيتهم ، وأخرى في العمل السياسي والاجتماعي والتصدي للاستبداد والظلم ،إلى غير ذلك من الواجبات ذات الطبيعة السياسية والاجتماعية([53])،

ويلاحظ في بعض الأحيان اجتماع كل المسؤوليات في شخص واحد ،وأحيانا كانت تفترق بحيث يكون هناك مرجع مختص بالفتوى والقضايا العقائدية ،وأخر مختص بالشؤون الاجتماعية والسياسية ،ومرجع آخر يرجع له الناس ويحضون باهتمامه ، ولعل من ابرز الظواهر في هذا الدور لذلك النوع من التعددية في المرجعية هو ما شهدته المرجعية في زمن المحقق الحلي "قدس سره" ([54])،

حيث تزامنت مرجعتيه - التي كانت مرجعية الفتيا والعقائد مع مرجعية أخرى في الامور السياسية والاجتماعية ، هي مرجعية (نصير الدين الطوسي قدس سره) ، العالم الفلكي والفقيه المعروف ، والذي كان على درجة عالية جدا من العلم والفقه والمعرفة ،ولكنه اختص في الأمور السياسية ، وشهد حركة المغول في هجومهم على العالم الإسلامي ، وقد اسر في هذه الحركة ، ولكنه تمكن من خلال عقله وحكمته وتدبيره أن يحولها من حركة وثنية هاجمت العالم الإسلامي وكادت أن تدمر وجوده بالكامل ، إلى حركة تتبنى الإسلام وتلتزم وتؤمن بمبادئه ، وبالتالي نجح في تغيير اتجاهها لصالح الإسلام ، وبعد ذلك وبسبب هذا التغير الذي تمكن أن يدخله نصير الدين الطوسي أصبح من عظماء علمائنا الذين قدموا الخدمات الكبرى للإسلام ،بالرغم من الأحقاد التي كان يحملها الكثير من الأعداء له ،وعمليات التشويه من النواصب وإتباعهم ،أو من بعض الأشخاص الذين كانوا قريبين منه ،لكنهم كانوا يحقدون عليه أو لم يكونوا يفهموا موقفه ،باعتبار إن الدور الذي قام به كان دورا جديدا وفريدا ومهما جدا ([55]) .

ولعل بدايات هذه الظاهرة أعمق من ذلك ، لكنها لم تبرز بصورة واضحة آنذاك ويمكن أن نلمي بعض معالمها ، وملامحها في عهد السيد المرتضى ،فكان السيد الرضي هو نقيب الطالبين ،والمتصدي للقضايا والشؤون السياسية ، مع الدولة ،بينما السيد المرتضى كان معروفا بالعلم والفضل ،أكثر من السيد الرضي ،ومختصا بالأمور العلمية ، وإدارة الحوزة ،وشؤون الفقهاء ،والعلماء والتأليف والتبليغ ،لكن هذا التخصص لم يأخذ شكله الكامل في ذلك الوقت ، رغم أن أسسه ومقوماته وجذوره كانت موجودة ،بينما في عهد المحقق الحلي يمكن أن نشاهد هذا الأمر بصورة واضحة ، وهكذا الحال في زمن المحقق الثاني ( المحقق الكركي قدس سره ) الذي كان من كبار العلماء وتصدى إلى ممارسة دور ممارسة ولاية الفقيه في إيران ،وأصبح هو الذي يدير الشؤون الدينية ،والاجتماعية ،و أوكل له الشاه إدارة كل هذه الأمور ، وكتب رسالة عممها على جميع الولاة ،والمراكز في إيران ،مع انه كان يوجد في ذلك الوقت مراجع آخرون في النجف ،يديرون الجانب الفقهي والعلمي ([56]) ،

إن الادوار الادارية والسياسية والتنظيمية  لمراجع الدين تجاه السلطة تتراوح من الاهتمام بالحفاظ على الأرواح ،والدعوة إلى الجهاد لمواجهة أعداء الأمة ،وحماية من احتلاله ، من قبل الاستعمار وأي حادث يطيح بالوطن من براثن المتربصين به لحرفه عن طريق مسيرته السليمة التي اختارها الشعب وفق منطق العقيدة والوطنية ،وخاصة من محاولات التصفيات الجسدية لأغراض المبادئ الهدامة الوافدة على الوطن من الخارج ،ودعم الثورات في وجه الطغاة، فقد واجهوا الكثير من الظروف الصعبة التي تتطلب اتخاذ مواقف سياسية مرنة تارة ،وحازمة تارة أخرى استطاع فيها الفقيه مواجهة الظروف المختلفة القاسية، وعلينا أن نتذكر موقف المرجع المجاهد الإمام السيد محمد سعيد الحبوبي الذي قاد المجاهدين من النجف لمقابلة الانكليز الغزاة في العشرينيات من القرن الماضي([57])،

وعند انكسار المجاهدين عاد وتوقف في الناصرية ومات كمدا فيها ،وكذلك موقف الإمام ميرزا محمد تقي الشيرازي قائد ثورة العشرين في القرن الماضي بضرورة إعطاء الحق للعراقيين في تقرير مصيرهم من خلال اختيار حاكم عربي مسلم للعراق ، وكتابة دستور في ضوئه يتم انتخاب مجلس تشريعي للبلاد([58])، وكذلك ما حصل في عام (1958م)من ثورة على إسقاط الملكية في العراق،وقيام الجمهورية مقامها بثورة الزعيم عبد الكريم قاسم فأيدته المرجعية الدينية بزعامة الإمام الراحل السيد محسن الحكيم ، وسائر مراجع الدين في النجف الاشرف ،غير أن سرعان ما استنكرت سياسته عندما أساء استخدام السلطة ,وخروجه على الشريعة في بعض تقنياته ,وخاصة في قانون الأحوال الشخصية([59]).

أن الأحزاب السياسية الدخيلة حاولت أن تعبئ الأمة في العراق على مفاهيمها ومبادئها المستوردة وأهدافها السياسية ،ولكنها فشلت –أيضا- في نهاية المطاف ،ولذا كان الدور الذي قام به الإمام الحكيم قدس سره في تعبئة الأمة على الجهاد ،والتضحية ، والمواجهة ، وتوعيتها سياسيا على حقوقها المشروعة عملا عظيما في هذه الفترة الزمنية الحساسة ، قد جعل الإمام الحكيم الأمة تعيش حالة التحرك السياسي والجهادي ،وكان من النشاطات المهمة التي قام تعبئة الأمة ، للوصول بها إلى درجة المواجهة السياسية ،حيث أنه كان يؤمن بنظرية تربية الأمة ثقافيا وفكريا ،مع الاقتران بالممارسة السياسية في ميدان العمل ،لأنه ليس من المهم أن تربي الناس على الأفكار والعقائد والمفاهيم ،ثم بعد ذلك نجعلهم يمارسون العمل السياسي ،وإنما يجب علينا أن نهتم بالجانب الفكري والسياسي والثقافي لهم([60]) ،

وعندما جاء البعثيون إلى الحكم في العراق أصدر الإمام  فتواه بتحريم الاشتراكية عام 1965م وكذلك عندما عاود البعثيون حكمهم للعراق عام 1968م أفتى مقابل هذا الحزب ، كان لفتاوى الإمام الحكيم أثر كبير جدا في العالم الإسلامي ,فبدأت الحركة مقابل الشيوعية في أفغانستان بزعامة السيد محمد سرور الذي استشهد ، وهو المعروف بالواعظ وهو من كبار علماء أفغانستان ، كان السيد سرور في النجف الاشرف ومن طلاب الإمام الحكيم وتبنى خطه ، ثم ذهب إلى أفغانستان في وقت كانت الشيوعية نشطة هناك ، ولما جاء داود خان للحكم قاومه السيد سرور حتى يوم اعتقاله ([61]) .

وهناك دور عبر عنه الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره في خطابه الذي ألقاه في موضوع ( المحنة ) التي مرت بها الحوزة العلمية : بالدور القيادي ,الذي أصبحت المرجعية فيه تضطلع بدور قيادة الأمة ،ولا يقتصر دورها على الشؤون الدينية ،باعتبار أن الأمة في آخر أيام الدولة الإسلامية ، سواء الخلافة العثمانية التي كانت تحكم جزأ من العالم الإسلامي ،ام الدولة القاجارية التي كانت تحكم جزءاً آخر من العالم الإسلامي – إيران وما حولها – أصبحت بلا قيادة حقيقية في الجانب السياسي ، بسبب ضعفها ،وعدم قدرتها على إدارة شؤون الأمة ،فبرزت مرحلة جديدة للمرجعية ،وهي مرحلة قيادة الأمة في مواجهة الهجمة الاستكبارية ،التي واجهتها من قبل العالم الغربي ،والتي كانت لها واجهات ،وخطوط متعددة آخرها الغزو العسكري ،الذي قامت به الدول الغربية للعالم الإسلامي ،والتي كانت في البداية تتبع أساليب ،من بينها : أسلوب الهيمنة الاقتصادية ، والتدخل في الشؤون العامة ، عن طريق المعاهدات والاتفاقات والشركات الاقتصادية التي كانت تمسك بزمام الأمور([62]) ،

للعلماء الإعلام دور مهم جدا –  على أساس النظرية الإسلامية - في فهم المجتمع وقيادته وإدارته ، وهذا الدور يمثله أولا الأنبياء ، ثم الأوصياء من بعدهم ومنهم أئمة أهل البيت عليهم السلام ، ثم يأتي دور العلماء بعد ذلك ، وهم ورثة الأنبياء كما جاء في الحديث الشريف ، ويمكن من خلال هذا الموقع أن نعرف إن العالم يمثل ولي الأمر ،كما يمثل في الوقت نفسه القيادي السياسية للمجتمع الإسلامي ،ويمثل القاضي الذي يفصل الخلافات بين الناس ،ويبين الحكم الشرعي ،ويبلغ الرسالات الإلهية التي نزلت من الله تعالى ، هذا هو الدور الرئيس للعالم في النظرية الإسلامية ،وعلى أساس هذا الدور نجد أن علماء الإسلام منذ الصدر الأول للإسلام وحتى يومنا الحاضر يقدمون التضحيات الكبيرة الغالية في سبيل خدمة الإسلام ،وهناك أعلام في تاريخنا الإسلامي استشهدوا في سبيل  أداء  هذا الدور الرئيس المهم وهو ،إقامة دعائم الإسلام ، ونلاحظ أن أئمة أهل البيت عليهم السلام بين مقتول في سبيل الله أو مسموم ،باستثناء الإمام الحجة (عج) الذي أعده الله تعالى ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا ، وبعد أئمة أهل البيت عليهم السلام نجد أن العلماء الإعلام يتعرضون للقتل والتشريد والمطاردة ،فنرى مثلا الشيخ الطوسي قدس سره وهو مؤسس حوزة النجف أقدم حوزة علمية ويعود تاريخ تأسيسها إلى ما قبل أكثر من ألف عام ، نرى أن هذا العلم الذي يلقب ( بشيخ الطائفة ) باعتبار موقعة المميز في المسلمين ‘ وأتباع أهل البيت عليهم السلام خاصة ‘ يتعرض للمطاردة والتشريد ‘ فيهجم على بيته وتحرق مكتبته ومنبره ‘ ويضطر بعد ذلك إلى أن يهاجر من بغداد ليستقر في النجف الاشرف ‘ ونجد أيضا أمثال الشهيدين ألأول والثاني اللذين يعّدان من أعلام العلماء الكبار ‘وفي سلسلة الإجازات المباركة لرواية الحديث ([63]) .

أن الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره في حياته العلمية والعملية كان له الدور المميز في تجسيد الحركة الدينية الرائدة للأمة في العراق،فهو من جهة عالم كبير، له موقعة العلمي في الحوزات العلمية الدينية في النجف الاشرف ، وكربلاء ، وقم ، وخراسان ، وطهران ، وغيرها من مراكز المرجعية الأمامية ، بالإضافة إلى اشتهاره الواسع في المراكز العلمية الأخرى كالأزهر الشريف في مصر ، وجامعة القرويين في المغرب ، والمجتمعات الإسلامية ذات الطابع العلمي في سائر الدول الإسلامية والعربية ،وكان لعطائه الفكري القيم المتجسد في مؤلفاته الرائعة المتنوعة الأثر الكبير في اشتهاره وتعريفه ،بحيث أصبحت "في حياته "مادة حية ،وموضوعها مخصصا للتدريس والمذاكرة ، سواء في أوساط الحوزات العلمية الدينية ، أو في أروقة الجامعات ، والمساجد ، وحلقات الشباب في اغلب الأقطار الإسلامية ، وخاصة العراق منها ، وبعد مقتله أصبحت مراجع ثبت يعتمدها العلماء والباحثون في نتاجهم ودراساتهم لما تضمنته من أصالة فكرية ،وعمق في البحث وجدة في الأداء ، وروعة في الأسلوب([64]) ،

ومن الممكن أن نستفيد من نداءات الشهيد الصدر في تشخيص المواقف والرؤى السياسية والتي تحضى بأهمية خاصة ،نذكر منها النقاط المهمة الآتية :

  • الأولى : المطالبة بالحريات المدنية ، والسياسية ، وحرية الشعائر الدينية ،حيث لابد من التعبير عن هذه المطالبة بأي اسلوب ممكن ، ولابد أن نثقف شعبنا على هذا الموضوع .
  • الثانية : رفض عملية التبعيث ألقسري التي كان يمارسها صدام وأزلامه ويجدها البعض مبررا للانتماء لحزب البعث ، وقد شخص الشهيد الصدر ذلك حين قال : ( تحول الحزب إلى أداة مخابراتية وقمع ، وليس حزباً ، والانتساب إلى البعث ليس انتسابا إلى عقيدة ، بل إلى أجهزة مخابرات ، ومنظمة قمعية ضــــد الشعب ) .
  • الثالثة : المطالبة بالانتخابات العامة والحرة ، وإطلاق سراح المعتقلين ، وإيقاف عمليات الاعتقال والمطاردة ، وإطلاق حرية الشعائر الدينية ، وقد شخص الشهيد الصدر عناوين وشعارات مرحلية للحركة السياسية .
  • الرابعة : تشخيص طبيعة النظام ، وهي :
  • قمعي بكل امتداداته.
  • عميل ومرتبط بأمريكا وأوربا.
  • عدو للإسلام ووجوده .
  • نظام عشائري يسلط العشيرة والأسرة على جميع مقدرات البلد ،ويصادر القانون من أجل ذلك ([65]) .

إن مسؤولية المرجعية العليا اليوم اختلفت عن أمسها الماضي ،وان متطلبات كثيرة تواجه المرجع الأعلى للأمة ، وعلى كل المستويات الفكرية ، والاجتماعية ، ولابد أن يتعامل معها باهتمام بالغ وبما يتناسب مع حجم القضية ، وان تكون المقاومة المقتضية بمستوى الحدث ، لكي يمكن تلافي الانهيار والخسارة التي ستحل بمجتمعنا عاجلا او آجلا، وإذا لم نول هذا الخطر الزاحف الاهتمام والبعد العلمي ([66]) ،

وهناك في التأريخ الإسلامي الكثير من المواقف التي لا يستطيع الإتباع والأنصار فهم قياداتهم الحقة الفهم الصحيح ،مما يجعلهم يعيشون حالة الشك والحيرة والتساؤل ، وهذا بالواقع يشكل خللاً ومنعطفا خطيرا للفرد نفسه ،لأنه بالتالي قد يؤدي به إلى الانحراف والابتعاد  عن القيادة الصالحة ،لعدم هضم فعلها بالشكل الصحيح، بالرغم من وجود المصالح التي لا يمكن رؤيتها  بالحال ،ولكن بمرور الوقت ستظهر المصلحة من ذلك الفعل ([67]) ،

وعلى هذا فإن استنتاج الرأي الأصلح للأمة لا يتم الأ من خلال وجود ممثل للمجتمع تتجمع عنده هذه المعلومات ومن ثم يمارس هو عملية دراسة واتخاذ القرار المناسب وذلك هو ولي أمر المجتمع ،وهو الذي يملئ هذا النقص الاجتماعي ، فان الأعمال الاجتماعية بحاجة إلى رأي موحد وإلا لم يكن تمشيتها وبشكل سليم ، والمجتمع كمجتمع لو لم يعط أمره بيد ولي يقوده لما أمكن توحيد الرأي فيه.

وهذا النقص ، يملئه الولي الفقيه بما يصدره من أوامر وآراء بعد دراستها وتبيين المصالح والمفاسد فيها ([68])

  • ألمبحث الثاني : المشاركة ألفعالة للمؤسسة ألدينية الشيعية في صياغة الواقع العراقي ومستقبله .

                

إن كل عمل يتم تسميته باسم الأمة ، أو يكون من اجل قضاياها العامة ،ويطلب فيه مشاركة مختلف الأصناف والطبقات ، فمن الضروري أن يتم باسم هذه المؤسسات العامة أو باسم المرجعية نفسها ، ويكون دور المؤسسات الأخرى الخاصة ،أو التخصصية هو إسناد هذه الحركة أو المساعدة في إجرائها وتنفيذها . فالتظاهرات والمسيرات والعمل العسكري العام ،والأعمال السياسية العامة في العلاقات ،والمواقف ذات العلاقة  بمصير الأمة والتمثيل لحركة الأمة ، والأعمال الثقافية العامة في التربية والتعليم والتزكية والتبليغ ، وما يشبه ذلك من قضايا أخرى ، كلها أمور لابد أن تقوم بها هذه المؤسسات العامة .وتقوم مؤسسات القيادة - المكتب المركزي ،والمؤسسات ذات العلاقة لحركة الأمة به - بدور التنفيذ والتخطيط ،دون أن يكون لها دور مهم في الواجهة  العامة لحركة الأمة ، لان المرجعية  هي واجهتها المتحركة ، وهي مؤسسات وجدت من اجل تمكين المرجعية من العمل والحركة .وأما المؤسسات التخصصية المستقلة ، فهي  تقوم بأعمال ضمن تخصصها في الوقت الذي تمارس دورها في الإسناد  والتنفيذ للمؤسسات العامة ([69]) ،

تشجيع إيجاد المؤسسات ، وإقامة المشاريع الخيرية ،والجمعيات الدينية والاجتماعية التي يقيمها الأفراد أو الجامعات وتأسيس قنوات التخاطب مع الأمة كالمجلات الإسلامية ،أو المنشورات ،أو المراكز الثقافية ،كالمدارس والمكتبات –سواء أكانت المكتبات التي تفتح باسم مكتبة آية الله السيد الحكيم ،أم المكتبات الأخرى التي كان يدعمها ويشجعها من موقعه كمرجع – وتشجيع حركة التأليف والنشر ، وغيرها ،وتوسعة دائرة بناء العتبات المقدسة للائمة الأطهار عليهم السلام وأولادهم ، أو زعماء وعلماء أتباع أهل البيت عليهم السلام ، وكذلك بناء المساجد والحسينيات والمساكن التي تؤمن للعالم الديني نوعا من الاستقرار والثبات([70]) .

للمسلمين عامة مراجع دينيون لهم مركزهم المعروف وهم ذوو اثر كبير لدى المسلمين ، والمراجع هم العلماء الذين تتوفر فيهم صفة القيادة والريادة للأمة ، ومهمتهم أن يوجهوا الأمة الإسلامية المحدودة – ضمن مجتمعات كبيرة غير إسلامية – من قبل المرجعية الدينية الإسلامية بإرسال ممثلين عنها ، وإنشاء مراكز إسلامية ثقافية ،توضح الفكر الديني ،والتأكيد على أن الإسلام لا يريد أن يحكم هذه البلاد وان غالبية هؤلاء المهجرين أو المهاجرين عائدون إلى أوطانهم إذا ما ارتفعت الحالة الشاذة الحاكمة عليهم هناك ([71]).

والمرجعية يمكنها أن تقوم بأعمال ايجابية تشعر الطرف الأخر بأن أتباعها لم يعلموا على تقويض الحياة الغربية ،ومصالح أمتها بقدر ماهي مسؤولة عن تيسير مجتمعها الصغير بما يدفع خطر الذوبان ،والاندماج بالمجتمعات الكبرى التي تختلف معها في غالب شؤون الحياة ،و أن المرجعية ذات الإمكانات الواسعة يتهيأ لها أن ترفد حياة المسلمين في خارج مجتمعاتهم بمرشدين يعملون على توثيق عرى المحبة والتعايش السلمي ورسم الإنسانية للآخرين ،بما يشدهم بعضا لبعض بما ينفع المسلمين ،ويرفع من شأنهم أمام بقية الأفراد والجماعات الذين يضمهم ذلك المجتمع الغربي الكبير ،وكذلك للمرجعية القدرة على تأسيس حوزات علمية ،ومدارس تعليمية تخص الجالية الإسلامية ، بما يقوم التربية الدينية في نفوس الناشئة ،وتتجه إلى إقامة الحواجز الفكرية لتحول من تسرب الأفكار والعادات ،والآثار السيئة إلى الأمة ،والسيطرة عليهم من الانسياق وراء تيار المدنية الحديثة الغارقة بها تلك المجتمعات الأوربية، والعلمانية ، فالحوزات التي تنشأ في خضم هذه المجتمعات تستطيع أن تؤدي رسالتها الإرشادية بما يتناسب والمحيط القائم ،واللغة الحاكمة ،والأسلوب المقتضى ،بخلاف المرشد الوافد فهو بحاجة إلى زمن طويل يمكنه في خلالها أن يتعايش مع المجتمع الجديد ،ويتعرف على سلوكية حياته ([72]).

 وهكذا شأن المدارس بجميع مراحلها الدراسية - فإنها تكون قاعدة جيدة وصلدة لنسيج الفتيان والفتيات - لو أحسن تدبرها وإدارتها – ويمكن أن تحقق الآتي :   

                   

  • تستطيع أن تثقف الإنسان من بداية نشأته إلى مرحلة نضوجه ورشده  وتنمي قابليته الفكرية نحو بناء       ثقافي متطور ينفعه وينفع الآخرين ، الذين هم بحاجة إلى المثقفين من أبناء أمتهم .
  • أنها تسيج الإنسان في هذه المرحلة الخطرة من حياتهم من الانزلاق في مهاوي الرذيلة ، والانحدار إلى الشبهات الشاذة ، وتسمو بهم حياة كريمة تهديهم إلى طريق الخير والسعادة .
  • و أنها تساعد على الحفاظ ،وعلى تمتين العلاقة الوطنية بينهم وبين واقعهم الوطني ، وتبقي الصلة بينهم وثيقة ، بحيث يشعران هذا الإنسان بأنه يعيش ويتثقف لأمته ووطنه ،ولم يخلق لغير ذلك ، فهو في هذه المرحلة يهيئ نفسه لتلك المهمة الجليلة ، والمسؤولية العظيمة .
  • أن المرجعية الرشيدة بحكم إمكاناتها الواسعة ، وسلطتها الكبيرة وقدرتها المالية يمكن أن تقوم بهذه المهمة المسئولة ، التي هي من أولويات أعمالها البناءة في سبيل رفع معنويات الأمة ، وخاصة في ديار الغربة والمهد اللاإرادي ([73]).

لم تكن هذه المؤسسات الدينية , والاجتماعية والخيرية في عدة دول من العالم التي أنشئت بأمر من الإمام الخوئي إلا دليلاً على أنها خصصت لخدمات الأمة الإسلامية سواء كانت على مستوى التدريس ، أو الأمور الدينية ،أو الخيرية ،أو الاجتماعية أو الإعلامية كلها تخدم مبادئ أئمة أهل البيت عليهم السلام وهي بمجموعها تدل على تطور فكر المرجعية الذي امتد إلى خارج الحوزات العلمية ،وهو ما يتطلبه العصر الحاضر للمجتمعات الإسلامية وخاصة غي البلاد غير الإسلامية كأمريكا وبريطانيا، وفرنسا والهند ،ومثال ذلك فهذه المواطن التي اضطر المسلمون إلى الهجرة إليها بحاجة إلى مؤسسات رعاية في جوانب الحياة، ومجابهة التيارات المضادة للإسلام التي تعمل بجد واهتمام على اجتثاث الصحوة الإسلامية ،وانتشار المسلمين إلى درجة تصاعدت الدعوات  من السلطات والكنيسة إلى مراجعة حازمة لهذا الخطر المداهم على المجتمع الغربي وصد أي تيار إسلامي  يهدد حضارتهم كما يدعون ([74]).

ولاشك إن هذه المؤسسات الإسلامية – أذا أحسنت تفاعلها في مثال هذا المجتمع فهي صمام الأمان أمام التجمعات الإسلامية ،وخاصة إتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام ،وبحمد الله فإن مؤسسات الإمام الخوئي الخيرية في المواطن التي أنشئت تؤدي دورها على خير ما يرام  ونرجو أن تستمر في عطائها المثمر بفضل الجهود الجبارة التي تبذل من قبل المسؤولين عنها والمشرفين عليها ([75]).

  • ألمطلب الأول : تنامي الدور الإداري للمرجعية الدينية في الإصلاحات ألادارية في العراق.

ما لازال آل الصدر الكرام هم من يحملون ثقل راية الإصلاح على أكتافهم ،وكأنهم خلقوا لأجل الشعب وإنقاذه من الطواغيت والظلمة ،وإن المنطقة المشئومة الحمراء قد مثلت على طول الثلاث عشر التي مرت من الاحتلال الدرع الحصينة لقوى الشر والظلام التي يمررون منها ألاعيبهم ومخططاتهم الخبيثة ،فأصبحت تمثل كابوسا يقبض بصدور العراقيين ليضيق عليهم أنفاسهم ،وينشر بينهم الرعب والفساد ،فتحرك السيد مقتدى الصدر ودخل هذا الحصن الأسود ليزيح ذلك الوهم الذي أرادوه أن يستمر في العراق، ولتنكشف على الملأ قدرة الله تعالى بجعل النصر حليفاً للمخلصين الصادقين ،وما أولئك المحتلون وأذنابهم من الساسة إلا رماد سيذر بريح الإصلاح لا محال([76]).

 ،إن العراق كان ومازال بلد الثائرين والمصلحين وقد سطر كل واحد منهم المواقف الرائعة والبطولات المشهودة ،ولكن في زمننا الراهن ظهر مصلحا قد سطر ملحمة التحدي التي لم يكن لها شبيه من قبل ،لا من حيث المواجهة  ولا من حيث الأدوات ،وهذا إن دل على شيء دلتّ على قدرة العراق على إنجاب أبناء من طراز خاص يستطيعون مواجهة البلاءات والظروف الصعبة مهما كان مستوى نموها وعمق تجذرها ،لقد ظن الاحتلال بدوله المشؤومة الكبرى أنهم قد استضعفوا الشعوب فاستعملوا عليهم ليسيروهم بعصا الحديد والنار إلى جادة الجهل والضياع ،والفقر و الموت سالبين كل ثرواتهم وحقوقهم ،وراهنوا على أنهم هم الأقوى وان لا منجى ولا حياة منعمة إلا بهم ومن خلالهم ([77]).

لكن بخروج (السيد مقتدى الصدر) ومطالبته بالإصلاح الشامل ،ومن ثم دخوله لحمرائهم  قد اثبت خطأهم وتوهمهم وان لا شيء أقوى من الاعتماد على الله عز وجل في تسيير الأمور واستنقاذ الشعوب فكان خير من مثل هذه الصورة في إصلاح العراق وتحريره من الفساد والمفسدين ،فسحق هامات المستكبرين بأقدام الهداية والصلاح تاركا أذنابهم السياسيين الفاسدين في حيرة  من أمرهم فلا ملجأ إليه يلجأون ولا مهرب ينقذهم فيهربون ([78]) .

إن تحركات (السيد مقتدى الصدر) وقراراته وتعامله مع الحكومة في هذه الفترة ساعد على إزالة كثير من العقد النفسية التي كانوا يعانون منها تجاهه ،وذلك لان أخلاقه الرفيعة وحلمه وصبره الذي أظهره أمام تعنت الحكومة وتصلبهم وعتوهم ،وسعيه الحثيث وحرصه الصادق على تحقيق الإصلاح بالطرق السلمية ، أثبتت لهم بأنه معدن عظيم من معادن الخلق الإنساني الكريم ([79]).

 على الرغم من أنه قد عانى ما عانى من الحكومة وناله منها الأذى الكثير ، إلا أن فؤاده كان طافحا بمشاعر اللطف والحب والحنان على الناس ،فلقد رأت الحكومة كيف أنه خالف آراء الكثير حتى من المقربين وكيف أثر الحفاظ على وحدة العراق ،من اجل تحقيق السلام وعدم إعطاء أية فرصة تعكر صفو هذا المنطلق الأساس ، فأن هذا النوع من السلوك أبطل مفعول جميع الدعايات السيئة التي كانت تروج ضد السيد مقتدى الصدر ومواقفه وخلقه وأفكاره ، وأثبتت للجميع أنه حقا رجل سلام وداعية خير في العراق وخارجه ،وأنه حتى لو أصبحت كلمته هي العليا والقرار بيده لما عامل اعداءه إلا بالحسنى واللطف ([80]).

إن تدخل المرجعية في الحياة السياسية، نابع من مواقفها وحرصها الشديد على أن ينال كل العراقيين حقوقهم، وان لا يكون هنالك تمييز لشريحة معينة على حساب بقية شرائح الأمة، وتأتي أيضا من تفهم المرجعية الرشيدة لأهمية الدستور في حياة أي أمة وهي ترى أهميتها في حياة الأمم المتحضرة، وهو يتماشى مع ما تدعو إليه المرجعية من إحلال السلم والعدالة الاجتماعية لكافة مكونات الشعب العراقي وان لا يكون لفئة ما امتياز على بقية الفئات وهذا هو موقف أبوي تجاه شرائح المجتمع العراقي وليس موقفا سياسيا إلزامياً ([81]) .

فلقد كانت مرجعية أية الله العظمى ( السيد علي السيستاني  ) ترى بان الأمور ستتحسن عند إجراء الانتخابات حيث سيأخذ كل ذي حق حقه، إلا أن ظهور تقصير واضح من قبل الذين تصدوا للعمل السياسي في العراق من مختلف المكونات، من خلال ظهور التقسيم الطائفي - المحاصصة الطائفية - للحكم في العراق وليس على أساس الكفاءة والمؤهلات ، كذلك استشراء الفساد المالي والإداري في كل مفاصل الدول وعلى مختلف المستويات الذي لم يشهده العراق خلال تاريخه السياسي، وأخيرا أدى هذا التناحر بين الكتل السياسية والفساد المالي إلى سوء الخدمات وتزايد مستويات الفقر وسرقة المال العام ، ودخول المجموعات الإرهابية من خلال تنظيم داعش الإرهابي والاستيلاء على مساحات واسعة من العراق، وعلى الرغم من التحذير المستمر للمرجعية الدينية للسياسيين من خطورة هذه الأمور على مستقبل العراق، ودعواتها المستمرة إلى الالتزام بحرية الشعب وتوفير العيش السليم له والحفاظ على المال العام، ومطالبتها المواطنين وفي بداية إي انتخابات على مستوى النواب أو المحافظات، إلى الاختيار على أساس الكفاءة والنزاهة لتولي المناصب العليا في البلاد، وذلك في محاولة لتغيير الوضع القائم وإنهاء حالة الانقسام والفساد المستشري بالطرق الديمقراطية عن طريق الانتخابات، إلا إن الوضع بقي على حاله ولم يتغير، بل زاد من سوء الأمور إلى الأزمة الاقتصادية لانخفاض أسعار النفط، كل هذا قاد المرجعية إلى تصاعد دورها ألإداري في الأمور السياسية للبلاد، وعدم ترك الأمور بيد السياسيين الحاليين([82]).

ويمكن القول بأن التضخم في جهاز الموظفين في الدولة هو أسوء من التضخم في الاقتصاد ، بل قد يكون  من أسبابه لأن التضخم  في الجهاز الوظيفي يجعل المنتجين مستهلكين ويؤدي إلى سيطرة البيروقراطية التي تحول دون حريات الناس وحينئذ تتجه البلاد نحو الفقر والعوز بعد أن يستملك الجهاز الحاكم الأموال ويمنع الناس من حرية العمل والإنتاج ،إن كل موظف بعد تجاوز القدر المحتاج إليه ليس إلا كلا على الناس وحائلاً دون حرياتهم([83]) ،

إن دور الجهاز الوظيفي العامل في الدولة هو ضمان الأمن للناس ورفاهم والسهر على مصالحهم ، وهذا القدر من الموظفين الذي لا يكون كلا ولا حائلا دون حريات الناس هو الذي يكفي بتمشية أمور الدولة وخدمة الناس باعتبار أن الجهاز الوظيفي هو لخدمة الناس فحال الموظفين حال المعلم والسائق والطيار ومن أشبههم من الذين يحتاجهم المجتمع ،أما الوظيفة بما هي وظيفة لا تخدم الشعب ولا تحافظ على مصالحه بل تتحول إلى مهنة ومبعث رزق كما هو الحال في كل بلاد الدكتاتوريين فهي الطامة الكبرى إذ يتحول الجهاز الوظيفي إلى بيروقراطية تضع القوانين لتعرقل أعمال الناس وتقضي على حرياتهم ([84])،وفي هذا الحال يتحول الشعب إلى خاضع ومطيع للموظفين بدل العكس ، إن التضخم في الجهاز الإداري ملموس بشكل واضح في البلاد الديمقراطية أيضا نظرا لابتعادها عن مناهج الأنبياء عليهم السلام وسنها قوانين كثيرة لا طائل تحتها بل هي ضارة بالمجتمع من جهات عديدة ،أما بلاد الدكتاتوريين فالتضخم أكثر بكثير كما هو واضح ،فاللازم على الدولة الإسلامية التي تقوم في العراق وكذلك في غيرها أن تشكل لجانا لإلغاء فائض الموظفين وتحويلهم نحو القطاع المنتج ([85]) ،

أما الموظفون الذين يفصلون عن الحكم – بوصفهم فائضين يقوم على قاعدة الاستهلاك وعلى قاعدة كبت الحريات - فلابد من نقلهم إلى قطاع الإنتاج فتساعدهم الحكومة الإسلامية حتى يصبحوا منتجين في الاقتصاد أو في العمل وحتى لا يتحولوا نحو الفقر والبطالة وذلك يتم عبر دراسات مستفيضة يقوم بها خبراء يوازنون الأمور بموازينهم الصحيحة المطابقة للعقل والشرع ([86]) .

إن الذي يعيش معاناة الشعب ،والذي واجه مصادر الفساد منذ دخول الاحتلال وإلى الآن ،وظل متحركا في مواجهة جميع محاولات تفكيك العراق، فتارة بالطائفية وتارة بالفدرالية وتارة أخرى بالمحاصصة ، يكون قد جمع الخبرة الكاملة لاستقراء الظرف الراهن بحيث يستطيع تشخيص المصالح أكثر من غيره وخصوصاً من أولئك المتفوهين الذين ليس لهم أي عمل يذكر إلا الكلام ، بحيث لا يستطيع أن يحل مشاكل نفسه التي تحيط به من كل جانب فكيف له الادعاء بأنه قادر على الإحاطة بمشاكل العراق وأهله وتقديم الحلول لها ، وعلى هذا الأساس أي أساس الخبرة في التعاطي مع الظروف الحالية مضافا إلى إن الإخلاص في الباعث والداعي هو الذي يجعل الشعب يخول السيد                ( مقتدى الصدر ) للتصدي لعملية الإصلاح في البلاد ،لأنه الأقدر على إعطاء الحلول وإنقاذ الشعب([87]).

ولم يذهب إليه الشعب  اعتباطا وعيونهم مغلقة ،بل ذهبوا إليه بإدراك ووعي كامل ،نعم الشعب قد أغلق عيونه وسد بابه أمام من لا يفقه من السياسة والإخلاص شيئا ،ومشى هادئا مطمئنا آمنا وراء من يمثله لأنه منهم وفيهم وكونه الأقدر والأكفأ ([88]) .

ومنذ اسقاط النظام السابق 2003 تتقاسم الاحزاب السياسية الشيعية والسنية والكردية المناصب فيما يعرف محليا بالمحاصصة وهو الامر الذي اسهم بشكل رئيسي في اشاعة الفساد وافلات الفاسدين من العقاب، ورغم ان العراق يتلقى ايرادات سنوية تتجاوز مئة مليار دولار سنويا من بيع النفط الا ان الحكومات المتعاقبة لم تفلح في تامين الخدمات الاساسية من قبيل الكهرباء ومياه الشرب، والعراق من بين دول العالم الاكثر فسادا استنادا الى مؤشر منظمة الشفافية الدولية منذ سنوات، وكان القصور الحكومي مثار انتقاد السكان على مدى السنوات الماضية الا ان الاحتجاجات الاخيرة تتميز بالشمولية ومحدودية الاهداف المتمثلة بمحاربة الفساد وتامين الخدمات ،وما زاد من زخم المطالب الشعبية انضمام المرجعية الشيعية العليا في العراق وعلى رأسها السيد علي السيستاني للأصوات المنادية باحتواء الفساد في البلاد.([89])،

وفي الواقع الفعلي، يعيش العراق أزمات متتالية ليست فقط على الصعيد السياسي ولكن على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، إلا أن المظاهرات التي عمت إرجاء المدن العراقية مؤخرًا مختلفة كليًا عن المظاهرات التي سبقتها، وذلك لعدة عوامل([90])، أهمها:

 أولا: الطابع الشعبوي، خاصة وأنها غير مسيّسة وعابرة للحزبية والطائفية أو العشائرية، وليست من طائفة ضد طائفة أخرى، و أنها في مختلف المدن والمحافظات العراقية.  

ثانيا، أنها تتسم بأنها مظاهرات واحتجاجات ذات صفة مطالبيه محددة من آلاف العراقيين، حيث طالب المحتجون رئيس الوزراء بالمزيد من الإجراءات لمحاسبة المقصرين وتحسين الخدمات العامة.

 

 ثالثا، تأييد المرجعيات الدينية، حيث تحظى المظاهرات بقبول واسع من قبل كل المرجعيات الدينية في العراق من دون استثناء، والتي طالبت بضرورة الضرب من حديد على المفسدين ومحاسبتهم، بغض النظر عن مناصبهم السابقة أو الحالية، وتفعيل دور الهيئات والمؤسسات الرقابية، خاصة هيئة النزاهة ([91])

وكان لهذا التأييد الشعبي الواسع هو بمثابة دعوة شعبية لتدخل المرجعية الدينية في الشؤون العامة للبلاد، وعدت الملجأ الأول والأخير للعراقيين للوقوف بوجه ( السياسة الإدارية ) غير فعالة في العراق، بعد المظاهرات الأخيرة المطالبة بالإصلاح والخدمات، دعت المرجعية الدينية عبر وكلائها في كربلاء إلى الاستجابة لمطالب المتظاهرين وتوفير الخدمات لهم والقيام بالإصلاحات الضرورية، لقد سبقت المرجعية هذه الدعوات بسنوات عديدة، إذ ومنذ الاحتلال دعت إلى الإصلاح السياسي وتوفير الخدمات والأمن للشعب العراقي([92])،

 لهذا كانت دعوة المرجــــــــع الأعلى( آية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله) ومن خلال وكيل المرجعية في كربلاء في خطب الجمعة الحكومة العراقية باتخاذ "خطوات جادة" لتحسين الأوضاع في البلاد غداة تظاهرات عمت المحافظات العراقية وقال: "إن المرجعية الدينية العليا إذ تقدر عاليا أداء المواطنين الأعزاء ممن شاركوا في مظاهرات يوم أمس بصورة سلمية حضارية ومن لم يشاركوا تحسبا لمخاطر استغلالها من قبل ذوي المآرب الخاصة تدعو مجلس النواب والحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات جادة وملموسة في سبيل تحسين الخدمات العامة ولاسيما الطاقة الكهربائية ومفردات البطاقة التموينية وتوفير فرص العمل للعاطلين ومكافحة الفساد ألإداري المستشري في مختلف دوائر الدولة ، وقبل هذا وذاك : اتخاذ قرارات حاسمة بإلغاء الامتيازات غير المقبولة التي منحت للأعضاء الحاليين والسابقين في مجلس النواب ومجالس المحافظات ولكبار المسؤولين في الحكومة من الوزراء وذوي الدرجات الخاصة وغيرهم والامتناع عن استحداث مناصب حكومية غير ضرورية تكلف سنويا مبالغ طائلة من أموال هذا الشعب المحروم وإلغاء ما يوجد منها ([93]).

المرجعية الدينية، في تصعيد خطابها الإصلاحي، ضد فساد سلطات الدولة ومؤسساتها، إلى درجة وصلت فيها حالة التناغم بين الجمهور وبين المرجعية ، بأن يكون كلام المرجعية شعارات ترفع، ومطالبات رسمية تقدم من قبل الجماهير، مع انصياع عجيب من قبل الحالة العامة للمتظاهرين مع توصيات المرجعية، في ضبط إيقاع المظاهرات، وضبط الحالة الانفعالية ، وفورة الغضب لدى الجمهور في مجملها العام ، إن للمرجعية الدينية في العراق الدور ألإداري الفاعل والذراع الطولي في عملية بناء المؤسسات، والقيام بالتغيير والإصلاح ، إذ لا يوجد إي دور ملموس للسياسيين ورجال الدولة العراقية في حركة الإصلاح والتغيير الأخيرة([94]).

  • المطلب ألثاني : دورا الدينية في الإشراف على العملية السياسية في العراق(2003-2016م)

بعد ثلاث عقود ونصف من طغيان الدكتاتورية في العراق،وتمزيق الوطن نتيجة العامل الطائفي والحزب الشمولي ، وبراعة القتل ،والاضطهاد ،والعهر ألصدامي ،والحكم الفردي الدكتاتوري ، لاحظنا التركة التي خلفها نظام الاستبداد كبيرة جدا ، وفوقها كل ذلك احتلال القوى المتعددة الجنسيات الأجنبية لأرض الوطن ،وتصرفها المشين –الذي علينا أن نتقبل كل ذلك ولو كان علقما ،فلكل ظرف استحقاقاته –وقد تحملنا المسؤولية ،ولابد من الوصول الى شاطئ السلامة ، وكان الموقف المسؤول قد تمثل بالاعتماد على إدارة السفينة في خضم البحر الهائج  على ربانها القدير المتمثل بالمرجعية الرشيدة في النجف الاشرف ([95])،

 ولم تخرج مرجعية السيد السيستاني " دامت بركاته " في موقفها من النظام السياسي الحديث عن سابقتها ،فلم تدخل في صلب العملية السياسية بل بقيت على مسافة بعيدة عنها مجنبة المؤسسة الدينية عن التداخل مع السلطة والاستفادة من الحكومة ،فموقف المرجعية الدينية لم يشجب التدخل الأمريكي الذي ساعد العراقيين في التخلص من نظام الاستبداد والدكتاتورية نظام صدام ،ولكنه طالب بانسحاب جيوشها من الأراضي العراقية - بعد أن ساعد لعراقيين بإنهاء نظام الدكتاتورية – بالسرعة حين استتباب الأمن واستقراره ،وطرحت المرجعية خيارات حالت دون فرض إرادة الأمريكان حين أرادوا فرض دستور منبثق منهم ،وأصرت على كتابة دستور بأيد عراقية ،ودعت إلى استعادة السيادة العراقية بالطرق السلمية ،وإلى تشكيل حكومة عراقية منتخبة من قبل برلمان منتخب ،بل تعاملت بإيجابية على إرساء مفاهيم تلامس المضمون الذي يشكل هاجسها الدائم ([96])،

لقد أكدت المرجعية على إنها تبقى راعيا أبوياً لكل المجتمع ،تنطلق في توجهاتها من موقع الشعب لا من موقع الدفاع عن الحاكم ،وتحاول دوما إبقاء الخيارات مفتوحة في أيديها لمواجهة الموقف، حيث تمتاز بمرونة عالية في المواقف السياسية ، وتتماهى الخيارات الثابتة ،وتصبح أغلب الخيارات متغيرة حسب الظروف السياسية ،فلا تشكل هوية الحاكم المذهبية عائقا أمام اتخاذ الموقف المناسب ، ولا شكل الحكم أمام حفظ وحدة البلد ،والدفاع عن حقوق المواطنين ،فقد واجهت المرجعية التدخل الأجنبي في بداية القرن الماضي بأسلوب يختلف عما واجهته في بداية القرن الحالي ، وتعاملت مع أنظمة الحكم بغض النظر عن طبيعتها الملكية ، أو الجمهورية ، واتخذت مواقف مختلفة مع الحاكمين بغض النظر عن انتمائهم ([97])،

وقد تجد في آن واحد مواقف مختلفة لمرجع في قضية واحدة ،نظرا لنظرتها البعيدة التي تفرض لكل قضية ظروفها الخاصة التي تتحكم بها ، هذا الطيف الواسع من المواقف السياسية قد شكلت فيما بينها وحدة تعكس طبيعة الفكر السياسي الشيعي كما حصل في ثوابت الشعب العراقي ،وإلى القرار الوطني في القضايا المصيرية كالاتفاقية الأمنية ،وقانون النفط ،واجتثاث البعث ،وغيرها من القوانين التي تمس مصلحة الأمة مباشرة ،وفي ضوء ذلك تمكن الشعب أن يصنع أكثر من ملحمة في تقرير مصيره وهو لتوه قد خرج من مرحلة التجهيل والعتمة والدكتاتورية والتخلف والفقر ،وألف مشكلة أخرى ،إن هذا يدلل على عمق الموروث في العلاقة مع المرجعية ،وحجم الثقة الممنوحة ،التي مكنت المرجعية من فرض بعض الخيارات التي تصب في صالح الأمة ،وعدم مصادرتها ثانية وليس في ضرر اللاعبين الآخرين ([98]) ،

أصدر مراجع الدين العظام في مقدمتهم الإمام آية الله العظمى السيد علي السيستاني - دامت بركاتهم - في النجف الاشرف توجيها بتعطيل الدروس العلمية الحوزوية في جامعة النجف الاشرف بداية من 24/2/2010 إلى نهاية الانتخابات في العراق بغية تفرغ الوكلاء ، - وطلاب الحوزة للسفر إلى مناطقهم ومدنهم في كل أنحاء العراق من اجل ممارسة واجباتهم الدينية والإرشادية والوطنية في حث المواطنين على الاهتمام بالمشاركة فيها على أساس من التلاحم الايجابي لكل من يمكنه القيام بأداء هذه المشاركة في هذا المضمار الوطن ،على أن لا يكون دفعهم للانتخابات إلى قائمة معينة أو جهة محددة ،أنما القصد أن يكون إرشادهم لمن يرون فيه الكفاءة والإخلاص ،والحفاظ على القيم الأصيلة ،والخدمة العامة للمواطنين عامة ([99]).

إن للمبادرة التاريخية من أصحاب السماحة دلالة على اهتمامهم الجاد في دفع المواطنين لاختيار أصحاب الكفاءات ،والذين يتحملون المسؤولية في إدارة شؤون الأمة ،في وقت يمر به الوطن في أدق مراحله السياسية والتاريخية ،وأن بناء الوطن يحتاج إلى يد نظيفة وشريفة تضع مصلحة الوطن في فوق كل اعتبار، وتقديم المصلحة العامة على المصالح الذاتية والحسابات الخاصة ([100])،

إن أداء مسيرة البرلمان في دورته الماضية كانت مربكة من حيث عطاؤه في إنجاز المشاريع التي تهم الإنسان العراقي ومعالجات مهمة تخص الذين صوتوا لهم لبناء وطنهم ، و تسنم كرسي البرلمان بفضل أصواتهم ، ولكنهم – و يا للأسف - تاهوا في قضايا ومشاريع لم تحقق للمواطن شيئاً من حيث السكن، ولقمة العيش ،وتوفير احتياجاته الخدمية الأولية :كالكهرباء ،والماء ،والبطاقة التموينية ،والوسائل التعليمية في مراحلها الثلاث :الابتدائية والإعدادية ، والجامعية ، وتطوير المستشفيات ، وغير ذلك من الأمور الأولية التي ينتظر المواطن من ممثليه أن يهتموا بها قبل غيرها من الأمور الثانوية ،التي تعتبر كمالية للمواطن ،وكذلك معالجة صارمة ومتحدية لإنهاء الفساد الإداري الذي استشرى في البلاد ،وعم غالب دوائر الحكومة ،واضر بمصلحة المواطن وتركته يعيش غالبيته تحت خط الفقر ([101]).

ولخطر هذا الأمر ذكرت المرجعية الدينية في النجف الاشرف المسؤولين كافة الذين أتيحت لهم الفرصة لزيارتهم ،وابدوا لهم النصائح والإرشادات لمكافحة هذا الخطر الذي طال وانتشر، ولو كان لممثلي البرلمان صوت مجلل كما لقضاياهم الخاصة : مثل زيادة رواتبهم ،وحماياتهم ،وجوازاتهم الدبلوماسية لمدة ثمان سنوات ،وغير ذلك لكان الشعب المتطلع لحياة أسعد- بعد مسيرة مرهقة خلال أربعة عقود عجاف – قد حصل بعض الآمال التي طالب بتحقيقها ،ولما حصلت هذه الفجوة بين الناخب والمنتخب ،وأدى إلى عزوف الكثير من المواطنين عن المشاركة هذه المرة في عملية الانتخابات ، ومن أجل ذلك اضطر المرجع الديني السيد السيستاني وإخوانه من المراجع العظام - دامت بركاتهم - أن يعطلوا دروس طلاب الحوزة العلمية في النجف ليمارس وكلاؤهم  في المدن والأرياف العراقية واجبهم الإرشادي في حث الناس على المشاركة في الانتخابات ، وهي التفاته موفقة منهم تعبر عن نظرة دقيقة ،وعمق حضاري في إدارة البلد وبنائه الاجتماعي ،ومصلحة المواطنين ([102]) .

سقوط صدام وقيام نظام انتخابي برلماني في العراق أعاد للمرجعية الدينية الشيعية رونقها ودورها ولم يستطع الأمريكيون الذين احتلوا البلاد لمدة ولا السلطات السياسية تجاهل دور المرجعية الشيعية الجميع كان يسعى لكسب رضاها رغم ابتعادها التدخل المباشر في الشؤون السياسية إلا أن السياسيين ورجال الدولة كانوا يحسبون حسابها وتوخي الحذر في إثارة هواجسها إلا أن الأمور بدأت بعد تعثر عجلة الإصلاحات في البلاد وانكفاء حزب السلطة في شرنقة مصالحه الضيقة وابتعاده عن هموم الناس ومشاكلهم تتغير وتتجه نحو التصادم مع أهداف والمبادئ التي دعت المرجعية الشيعية لتحقيقها والمتمثلة في العدالة ونشر الأمن ورفع الفقر والعوز عن الطبقات الاجتماعية وتوفير الحد الأدنى من السكن الصالح وتوزيع الثروة وتطبيق بنود الدستور بشكل صحيح حيث إن السلطة السياسية التي تسلم المالكي مقاليدها لفترة ثماني سنوات ليس فشلت فحسب في تلبية حاجات الناس ومطالب المرجعية الشيعية بل توجهت نحو نهج الحكام السابقين وتجاهل دورها والسعي لإقصائها ومحاربتها ضمن برنامج حزبي فئوي خبيث يستهدف تهميش المرجعية الشيعية وابتزازها عبر أساليب ماكرة لم تضع مصالح المكون الأكبر في العراق وجعلت مستقبل الشيعة في خطر حقيقي خاصة بعد فشل حكومة المالكي في استئصال الإرهاب وضرب حواضنه ولجأت إلى أساليب الافتراء والكذب والتدليس لتبرير فشلها ([103]).

واليوم المرجعية الشيعية تطالب بالتغيير وانتخاب الكفاءات وعدم تركيز السلطة بيد حزب واحد أو طرف لم يفكر في مصالح المكون الأكبر ويترك مصيره نهبا للمجهول أو للإرهاب وإن المرجعية الشيعية تريد من الشيعة المشاركة بقوة وبشكل أوسع في الانتخابات القادمة والتصويت لمستقبلهم السياسي من خلال اختيار الأفضل والأكثر حرصا على مصالح المكون الأكبر كي لا يعود العراق مجددا إلى قبضة القتلة والمستبدين والطائفيين ([104]).

وأخيراً جاء كيان داعش لتتخبط الحكومة العراقية في المواجهة وتخاذل بعض القادة العسكريين وتآمر بعض السياسيين لاسيما الإمعة للوهابية والصهيونية ، والعراق في مأزق لتقوم المرجعية في دورها التاريخي وتعلن الجهاد الكفائي وعلى أثرها تشكل الحشد الشعبي الذي سطر أروع صور البطولات والتي يعجز غيره ممن هم بأكمل العدة والعدد من تحقيق انتصارات كهذه ، وهذا الأمر أغاض الإمعة نفسها وخلط الأوراق على الذين يخططون لإفشال الحكومة وتمزيق العراق وتسليمه لعصاباتهم فالبيان قلب الطاولة على وجوه المتآمرين، وأما الكتل التي تحاول عرقلة عمل الحكومة وهي نفسها التي عرقلت ولا زالت تعرقل تشريع القوانين في البرلمان ،هي من تتهجم على الحشد الشعبي ، وبالرغم من المؤامرات فقد مضى قدما الحشد الشعبي ليحرر ويدافع عن العراق وأبنائه ومقدساته ، ولا يعنينا نباح الكلاب على قافلة الحشد الشعبي([105]) .  

وهنا برأي المرجعية السديد تشكل الحشد الشعبي وهو عبارة عن قوة عسكرية ، إذن دستور وحكومة وجيش جاءت بنصيحة المرجعية ،وعندما تؤكد المرجعية على خطوة معينة فهذا لا يعني من قام بالخطوة هو اختيار المرجعية فكتابة الدستور أمر مهم وإذا حدث هناك تعديلات في بعض فقراته فالمسؤول من كتب الدستور وليس المرجعية ، وإذا صدر خلل من الحكومة فالحكومة هي السبب وليس المرجعية ، وإذا حصل خطأ فردي من مقاتل من الحشد الشعبي فهو من أخطأ وليس المرجعية أو الحشد الشعبي ([106]) .

ويكون الحشد الشعبي تشكيلا عسكريا مستقلا وجزءاً من القوات المسلحة العراقية ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، و يتألف التشكيل من قيادة اركان وهيأة وصنوف وألوية مقاتلة و يخضع هذا التشكيل ومنتسبيه للقوانين العسكرية النافذة من جميع النواحي و يتم تكييف منتسبي ومسؤولي وآمري هذا التشكيل على وفق السياقات العسكرية من تراتبية ورواتب ومخصصات وعموم الحقوق والواجبات و يتم فك ارتباط منتسبي هيأة الحشد الشعبي الذين ينضمون الى هذا التشكيل عن الاطر السياسية والحزبية والاجتماعية كافة ولا يسمح بالعمل السياسي في صفوفه. ويتم تنظيم التشكيل العسكري من هياة الحشد الشعبي بأركانه وألويته ومنتسبيه ممن يلتزمون بما ورد آنفاً من توصيف لهذا التشكيل وخلال مدة (3) ثلاثة اشهر، ان المادة -1- ثالثاً نصت على ان قوة الحشد الشعبي تتألف من مكونات الشعب العراقي وبما يضمن تطبيق المادة (9) من الدستور، فيما نصت المادة -1- رابعاً على ان يكون اعادة انتشار القوات وتوزيعها في المحافظات من صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة حصرا ([107])،

  • خلاصة واستنتاج

نستخلص من هذا البحث إن المرجعية الدينية وعلى طول تاريخها يهمها أسلمة القوانين المشرعة للبلد ،ولو رجعنا إلى الوراء قليلا ،ولاحظنا موقف المرجعية الدينية في العراق بالنسبة إلى تأسيس المجلس الوطني العراقي حينذاك ،والذي يمثل واقع البلد الديني والاجتماعي ،وملاحظاتها بوادر انحراف المسؤولين والحكام ،وهم في بداية الشوط ،والمجلس التأسيسي بعد لم ينتخب لكي يضع القوانين الاشتراعية التي تفتضيها مسيرة الدولة المقبلة للعراق المسلم ،فأفتى علماء الدين والمراجع العظام بتحريم المشاركة في انتخاب المجلس التأسيسي الذي ظهرت تأثيرات الانكليز عليه ، والتي أدت إلى تسفير بعض العلماء الذين شجبوا علمنة القوانين في العراق ،وهكذا برزت مؤشرات المعارضة الدينية وقادتها العلماء المراجع الدينين في الإصرار على المسؤولين بضرورة أسلمة القوانين ، واستمر هذا الموقف المعارض منتقلا في المرجعية الدينية عبر علماء مجاهدين أصروا على أن تكون القوانين المشرعة في العراق نابعة من صميم واقعهم الديني ،ونرى بأن أسلمة القوانين كانت من أولويات عمل المرجعية الواعية ،خاصة أن العراق بلد مسلم منذ بداية شروق الإسلام ،ومرت عليه أدوار مختلفة فيها الحلو والمر، لكنه لم يخضع في أي عهد من عهوده لعلمنة الحكم ،وسطوة السلطة، كما لم يشبه ما يعيشه اليوم من اضطهاد وتعسف ،غير أنه سرعان ما باد وزال إلى مزبلة التأريخ وبقي العراق منبع الحضارات ،ومنطلق رسالة التوحيد يقارع الظلم ،ويجابه الدكتاتورية بكل إمكاناته وطاقاته ،مرفوع الرأس ، موفور الكرامة ،ومن النتائج التي توصلنا إليها في هذا البحث أن لموقف المرجعية الدينية عبر مسيرتها الطويلة أنها تميزت بمعالم سياسية تهدف إلى محاربة الدكتاتورية والاستبداد والأنظمة الفاسدة التي تحاول حكم الأمة بالبطش والقتل والإرهاب، وأنها لم تتخل في يوم من الأيام عن مسؤوليتها الأساسية ، وهي صيانة الأمة والوطن من الانحراف والتخلف ،كما وأنها لم تقصر مسؤوليتها على بلد ما، إنما شملت الأقطار الإسلامية والعربية ،وكان لها في إحداثها نصيب كبير ،وأن المرجع الديني حتى وإن كان غير عربي يتأثر بالواقع العربي حينما يكون في النجف، وهناك مواقف كثيرة للعلماء الأعلام تدل على ذلك منهم السيد محمد حسن الشيرازي، وميرزا محمد تقي الشيرازي ،وشيخ الشريعة الأصفهاني ، والسيد أبو الحسن الأصفهاني ،وميرزا حسين النائيني ،وغيرهم ممن تأثروا بالقضايا المصيرية التي تهم الأمة وكمثل على ذلك موقف الإمام الميرزا محمد تقي الشيرازي قائد ثورة العشرين العراقية - رغم كونه إيرانياً - لكنه حين تصدى للمرجعية في العراق،والثورة عراقية عاش واقعها الاجتماعي فطالب بحكم عربي وحكومة عربية للعراق ،

ومن النتائج التي توصلنا إليها أيضا أن الفلسفة السياسية الحديثة التي أنتجت النظام السياسي الحديث في العالم المفرغ من الايدلوجيا والذي يعتمد صندوق الاقتراع ، والمصالح المتبادلة لها قدرتها على التجاوب مع الفكر الشيعي السياسي في النجف لخلق منظومة سياسية قوية تظهر فيه المنطقة بمظهر جديد يؤمن للمشاركين مصالحهم في الوقت الذي يبني نفسه وفق الأصول السياسية الحديثة ،إنها فرصة ثمينة قد لا تتكرر أتمنى أن يفكر فيها المعنيون بجد ،الحريصون على استقرار العراق وشد لحمته،

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الدراسات المختصّة بالمؤسسة الدينية والمرجعية بحاجة إلى أساليب جديدة كأسلوب الدراسة الميدانية، والكف عن الحديث الإجمالي أو العام، وإنما التغلغل إلى الأعماق للكشف عن الجزئيات وإشباعها بالبحث والدراسة بأساليب مختلفة؛ فالمرجعية الشيعية اليوم محطّ أنظار العالم؛ وذلك يفرض علينا توخي واستقصاء نقاط الضعف ودراستها وتحليلها، ومن ثم إجهاضها والتخلّص منها عبر إيجاد الحلول المناسبة لها، على غرار ما يحدث في الفاتيكان، فقد أقيم مركز دراسات يضمّ خبرات وكفاءات، همّها الأساس دراسة الأبعاد والجوانب والأحداث وكلّ ما يتصل بالبابا والأساقفة المنتشرين في أرجاء المعمورة، وقد اسهم ذلك في تطوير مؤسّسة الفاتيكان وتحويلها إلى مؤسّسة دولية وعالمية .

ولأجل تطوير وجود الحوزة الدينية وعملها في الشؤون ألإدارية والسياسية بصورة أكثر فاعلية، نقترح إن يتم إشراك علماء الدين من ذوي الخبرة والاختصاص في مناصب في السلطة القضائية والمؤسسات المدنية الأخرى في الدولة، لأجل العمل على التزام الدولة بحقوق المواطنين، ومنع المسؤولين من التعدي على حقوق المواطنين والمال العام، وتطمين الشعب من إن المرجعية الدينية قريبة من صنع القرار ومهتمة بتنفيذ مطالب المواطنين ، ونقترح الإكثار من عقد الجلسات والحوارات والنقاشات بين المخلصين من أبناء هذا الشعب الغيارى ،الذي سرى بأبدانهم دم الإصلاح ، من أجل الوصول إلى الخطوات الصحيحة لمواجهة المفسدين،

 كما نقترح تشكيل مجلس مكافحة الفساد في العراق ومراجعة تفعيل قانون من اين لك هذا الذي تم تشريعه في خمسينيات القرن الماضي ، والذي يكون دوره التحقيق مع جميع الفاسدين أيا كانت مناصبهم وأيا كانوا مع تحديد سقف زمني لعمل هذا المجلس للبت في جميع القضايا المحقق فيها وتعرض نتائجه بصورة علنية امام جميع أبناء الشعب العراقي لان الأصل في الدعوى هو إحقاق الحق حتى يتسنى لا بناء الشعب العراقي معرفة الحقائق ،

كما نقترح عدم الموافقة على الإصلاحات الترقيعية التي لا جدوى منها، وإنما يجب أن يكون الإصلاح عاما وشاملا في كل المؤسسات الحكومية ويتم اختيار الأشخاص لتولي المناصب الإدارية على أساس معايير الكفاءة والنزاهة والإخلاص والولاء للوطن ،ووضع سقف  زمني لأصحاب المناصب الادارية في جميع مرافق الدولة العامة على ان لا يتجاوز اربع سنوات حتى لا تكون هذه المؤسسات الحكومية حكرا على جهة سياسية معينة، ويتم من بعدها تقييم انجازات اصحاب المناصب الادارية خلال مدة توليهم المناصب، مع عرض نتائج التقييم بصورة علنية،

وأخيرا نقترح تشكيل مجلس شورى مرجعي موحد ، يجمع كل مراجع الدين في الحوزات الدينية المختلفة ، لتشكيل قيادة ادارية موحدة للتشاور في إدارة شؤون البلاد وتوحيد دورها القيادي في المجتمع .  


                         

                                                     

  • المصـــــــــــــــــــادر

1- احمد باقر علوان الشريفي، كربلاء بين الحربين العالميتين (1918 – 1939) ، رسالة ماجستير ، معهد

     التاريخ العربي والتراث العلمي للدراسات العليا، بغداد، 2004 .

2- احمد كسروي تبريزي، تاريخ مشروطة إيران، طهران، مؤسسة جاب هففتم، 1346هـ .

3- العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,النجف الاشرف والمرجعية الدينية ,العارف للمطبوعات

    ,ط1, بيروت ,2015.

4- الدكتور اسماعيل طه الجابري ،دورمدينة الكاظمية في مقاومة الاحتلال البريطاني في العراق(1914-1920) ،بحث منشور في مجلة كلية التربية الاساسية المجلد 20العدد86-2014،

5- الدكتورة يسري العزباوي،الأسباب والمسارات:الأزمات الداخلية في العراق،                                         http://www.acrseg.org/39327.   

6- الدكتورمحمدحسين علي الصغير،اساطين المرجعية العليا المعاصرين،بيروت- لبنان،2003م.                                                                       

7-المرجعية والاحتجاجات تتيحان "فرصة ذهبية" للعبادي لضرب الفساد والمحاصصة، http://www.shafaaq.com/ar/Ar_NewsReader/7d13c208-c67d-4f96-8f03-79359046196d.

8- آية الله العظمى السيد كاظم الحائري ،المرجعية والقيادة ، مطبعة القدس ، ط1،قم،1998م.

9- آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره، الحوزة العلمية .. نشوئها ..مراحل تطورها ..أدوراها ، دار الحكمة – القسم الثقافي ط1،قم 1424هـ .

10- آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره، الشهيد الصدر قدس سره ,مؤسسة تراث الشهيد الحكيم

      قدس سره,ج4 ,ط1,النجف الاشرف ,2005م,ص .

11-آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره, المنهاج الثقافي السياسي الاجتماعي, مؤسسة تراث الشهيد الحكيم قدس سره ,ج 1,ط 1,النجف الاشرف ،2005م.

12-آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره ,موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ,مؤسسة تراث الشهيد الحكيم قدس سره,ج1,ط1,النجف الاشرف 2005م.

13-آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره ,موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ,مؤسسة تراث

      الشهيد الحكيم قدس سره,ج2,ط1,النجف الاشرف ,2005 م. 

14-آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره، موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ،مؤسسة تراث                                                                       الشهيد الحكيم قدس سره,ج3,ط1,النجف الاشرف ,2005م .                                                   

15- حازم صاغية ، صراع السلام والبترول في إيران، ط1 , (بيروت ،دار الطليعة) 1978م .

16- حامد الخفاف , الرحلة العلاجية لسماحة السيد السيستاني وأزمة النجف عام 1225هجري -2004ميلادي,

       ط1, بيروت , 2012م .

17- حسن الراشد الجزء الثاني / الشيعة في منعطف خطير / الانتخابات والمرجعية .

       http://burathanews.com/arabic/articles/234180

18- حمد جاسم محمد تنامي دور المرجعية الدينية في الشؤون السياسية في العراقمركز الفرات للتنمية

       والدراسات الاستراتيجية http://fcdrs.com

19- د. علاء عبد الحسين الهيمي ، حقائق عن المواقف في العراقمن الثورة الدستورية الإيرانية

        (1905 – 1911 م)، جامعة الكوفة، كلية التربية بنات، مطبوعة بالرونيو.

20- سامي جواد كاظم دور المرجعية دستور وحكومة وحشد شعبي

       .http://www.kitabat.info/subject.php?id=57942

21- عبد الحليم الرهيمي، تاريخ الحركة الإسلامية في العراق(1900 – 1924)، ط1

      (الدار العالمية للطباعة والنشر، بيروت، 1985م) .

22- عبد الله النفيسي، دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث، ترجمة دار النهار، (بيروت 1973)

      ، الكتاب هو رسالة دكتوراه مقدمة إلى جامعة كمبردج 1972.

23- علي الزيدي ,لماذا مقتدى الصدر قائدا ,دار الكاتب العربي, ط 4 ,بيروت,2014م.

24- علي الزيدي ،مقالات ودفع إشكالات من الاعتصام حتى الاعتكاف ،دار الكاتب العربي ،ط1،بغداد،2016م.

25- علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراقالحديث، قم، انتشارات الشريف الرضي، 1413هـ، ط1 .

26- ماجد الغرباوي، الشيخ محمد حسين النائيني (منظر الحركة الدستورية)  ط1، مؤسسة الأعراف للنشر، 1992م. 

27- قانون هيأة الحشد الشعبي رقم (40) لسنة 2016،  جريدة الوقائع العراقية بالرقم4429 في 26-12-2016.

 

[1] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,النجف الاشرف والمرجعية الدينية ,العارف للمطبوعات ,ط1, بيروت

,2015, ص114، 115.

 

[2] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,المصدر السابق ,ص  115   .   

 

[3] . الدكتور اسماعيل طه الجابري ،دورمدينة الكاظمية في مقاومة الاحتلال البريطاني في العراق(1914-1920) ،بحث منشور في مجلة كلية التربية الاساسية المجلد 20العدد86-2014،ص 555،554.

 

[4] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,المصدر السابق ,ص 117. 

 

[5] . الدكتور محمد حسين علي الصغير ،اساطين المرجعية العليا المعاصرين،بيروت- لبنان،2003م،ص 56،55.

 

[6] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,المصدر السابق ,ص 118.

 

[7] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,المصدر السابق ,ص 119،118.

 

[8] . الدكتور محمد حسين علي الصغير، المصدر السابق ، ص 57.

 

[9] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,المصدر السابق ,ص 119. 

 

[10] . الدكتور محمد حسين علي الصغير، المصدر السابق ،ص 59.

 

[11] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,المصدر السابق ,ص 120.

 

[12] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,المصدر السابق ,ص120،121.

 

[13] . علي الزيدي , لماذا مقتدى الصدر قائدا , دار الكاتب العربي , ط 4 , بيروت , 2014م , ص 172.

 

[14] . علي الزيدي , المصدر السابق , ص 173،172.

 

[15] . علي الزيدي , المصدر السابق ،ص 174،173.

 

[16] . علي الزيدي , المصدر السابق ،ص 174.

 

[17] . علي الزيدي , المصدر السابق ،ص 175.

 

[18] . علي الزيدي , المصدر السابق ,ص 187، 188.

 

[19] . علي الزيدي ,المصدر السابق , ص 195،196 .

 

[20] . حامد الخفاف, الرحلة العلاجية لسماحة السيد السيستاني وأزمة النجف عام 1225هجري-2004ميلادي , ط1 , بيروت , 2012م ، ص 74.  

 

[21] . حامد الخفاف، المصدر السابق، ص 75.

 

[22] . حامد الخفاف، المصدر السابق ، ص 75.

 

[23] . نظرة قانونية في قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية http://fcdrs.com/nadawat/gov-managing.html

 

[24] . حامد الخفاف، المصدر السابق ، ص 76.

 

[25] . حامد الخفاف، المصدر السابق ، ص 76.

 

[26] . حامد الخفاف, المصدر السابق , ص142 ، 143 .

 

[27] . حامد الخفاف، المصدر السابق ،ص 156.

 

[28] . محمد حسن الساعدي ، المرجعية الدينية والدور الريادي في مستقبل العراقالجديد، مقالة منشورة في كتابات في 9كانون الثاني 2014، https://www.kitabat.com/ar/print/39901.php.

 

[29] . محمد حسن الساعدي، المصدر السابق ، https://www.kitabat.com/ar/print/39901.php.

 

[30] . حازم صاغية ، صراع السلام والبترول في إيران، ط1 , ( بيروت ، دار الطليعة ) 1978م ، ص 84،85.

 

[31] . احمد كسروي تبريزي، تاريخ مشروطة إيران، طهران، مؤسسة جاب هففتم، 1346هـ، ص 62.

 

[32] . د. علاء عبد الحسين الهيمي ، حقائق عن المواقف في العراق من الثورة الدستورية الإيرانية

       (1905 – 1911 م)، جامعة الكوفة، كلية التربية بنات، مطبوعة بالرونيو، ص 2 – 16 .

 

[33] . ماجد الغرباوي، الشيخ محمد حسين النائيني (منظر الحركة الدستورية)  ط1، مؤسسة الأعراف للنشر ،

       1999، ص 62.

 

[34] . المصدر نفسه ، 63.

 

[35] . المصدر نفسه ، ص 47 .

 

[36] . علي الوردي ، لمحات اجتماعية من تاريخ العراقالحديث، قم، انتشارات الشريف الرضي، 1413هـ، ط1، ص 57 – 59 .

 

[37] . ماجد الغرباوي ، المصدر السابق، ص 65.

 

[38] . احمد باقر علوان الشريفي، كربلاء بين الحربين العالميتين (1918 – 1939)، رسالة ماجستير ، معهد التاريخ العربي والتراث العلمي للدراسات العليا، بغداد، 2004، ص 33.

 

[39] . المصدر نفسه، ص 33 .

 

[40] . عبد الحليم الرهيمي ، تاريخ الحركة الإسلامية في العراق(1900 – 1924)، ط1 (الدار العالمية للطباعة والنشر، بيروت، 1985) ، ص 163 .

 

[41] . المصدر نفسه، ص 164 .

 

[42] . المصدر نفسه، ص  164.

 

[43] . المصدر نفسه، ص 64، علي الوردي، المصدر السابق، ص 127.

 

[44] . احمد باقر علوان الشريفي، المصدر السابق، ص34.

 

[45] . المصدر نفسه، ص 34 .

 

[46] . عبد الله النفيسي، دور الشيعة في تطور العراقالسياسي الحديث، ترجمة دار النهار، (بيروت 1973)، الكتاب هو رسالة دكتوراه مقدمة إلى جامعة كمبردج 1972، ص 86 .

 

[47] . الوردي، المصدر السابق، ج 4، ص 128 – 131 .

 

[48] . عبد الله النفيسي، المصدر نفسه ، ص 90، 91  .

 

[49] . عبد الرزاق الحسني، الثورة العراقية الكبرى، (بيروت، 1978) ، ط4، ص 55.

 

[50] . عبد الرزاق الحسني، المصدر السابق ، ص 55.

 

[51] . آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره ,موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ,مؤسسة تراث الشهيد الحكيم قدس سره,ج1,ط1,النجف الاشرف ,2005, ص 399.

 

[52] . آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره ،المصدر السابق ,ص 399.

 

[53] . المصدر نفسه ,ص 400.

 

[54] . آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره, المنهاج الثقافي السياسي الاجتماعي, مؤسسة تراث الشهيد الحكيم قدس سره ,ج 1,ط 1,النجف الاشرف ,2005 م ,ص 216,217.

 

[55] . آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره ,موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ,مؤسسة تراث       الشهيد الحكيم قدس سره,ج2,ط1,النجف الاشرف ,2005 م ،ص184،183 .

 

[56] . آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره ,المصدر السابق, ج1,ص  219.

 

[57] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,المصدر السابق ,ص 162.

 

[58] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,المصدر السابق ,ص 163.

 

[59] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,المصدر السابق ,ص 164.

 

[60] . آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره، موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ,مؤسسة تراث الشهيد الحكيم قدس سره,ج3,ط1,النجف الاشرف ,2005م,ص 158.

 

[61] . آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره، المصدر السابق ,ج 3،ص286.

 

[62] . آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره, المصدر السابق ,ج1 ,ص 221.

 

[63] . آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره، الحوزة العلمية ..نشوئها ..مراحل تطورها ..أدوراها ، دار الحكمة –القسم الثقافي ط1،قم 1424هـ ،ص 131،132.

 

[64] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ،المصدر السابق، ص 212.

 

[65] . آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره، الشهيد الصدر قدس سره ,مؤسسة تراث الشهيد الحكيم قدس سره,ج4 ,ط1,النجف الاشرف ,2005م,ص 297،298.

 

[66] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ،المصدر السابق،ص112-113 .

 

[67] . علي الزيدي ،مقالات ودفع إشكالات من الاعتصام حتى الاعتكاف ،دار الكاتب العربي ،ط1،بغداد،2016م،ص 111.

 

[68] . آية الله العظمى السيد كاظم الحائري ،المرجعية والقيادة ،مطبعة القدس،ط1،قم،1998م،ص 170،171.

 

[69] . آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره, المصدر السابق ,ج2 ,ص 258،259.

 

[70] . آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره, المصدر السابق ,ج3 ,ص 152،153.

 

[71] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,المصدر السابق ,ص313،314.

 

[72] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,المصدر السابق ,ص314 .

 

[73] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,المصدر السابق ، ص315.

 

[74] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ,المصدر السابق، ص 269.

 

[75] . المصدر نفسه ،ص 269.

 

[76] . علي الزيدي ، المصدر السابق ،ص، 24.

 

[77] . علي الزيدي ،المصدر السابق ، ص 25.

 

[78] . علي الزيدي ،المصدر السابق ، ص 26،25.

 

[79] . علي الزيدي ،المصدر السابق ، ص  118.

 

[80] . علي الزيدي ،المصدر السابق ،ص 119.

 

[81] . حمد جاسم محمد تنامي دور المرجعية الدينية في الشؤون السياسية في العراقمركز الفرات للتنمية والدراسات   الاستراتيجية http://fcdrs.com.                                   

 

[82] . حمد جاسم محمد، المصدر نفسه ، http://fcdrs.com.

 

[83] . آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي ،إذا قام الإسلام في العراق،مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر، ط 8، بيروت 2003م،ص 100.

 

[84] . آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي ،المصدر السابق ،ص 101.

 

[85] . آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي ،المصدر السابق ،ص 102.

 

[86] . آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي ،المصدر السابق ،ص 103.

 

[87] . علي الزيدي ،المصدر السابق ،ص86،88.

 

[88] . علي الزيدي ،المصدر السابق ،ص87،88.

 

[89] . المرجعية والاحتجاجات تتيحان "فرصة ذهبية" للعبادي لضرب الفساد والمحاصصة ، http://www.shafaaq.com/ar/Ar_NewsReader/7d13c208-c67d-4f96-8f03-79359046196d.

 

[90] . الدكتورة يسري العزباوي،الأسباب والمسارات:الأزمات الداخلية في العراق،                                         http://www.acrseg.org/39327           

 

[91] . الدكتورة يسري العزباوي، المصدر نفسه، http://www.acrseg.org/39327.

 

[92] . حمد جاسم محمد، المصدر السابق ، http://fcdrs.com.

 

[93] . حمد جاسم محمد، المصدر نفسه ، http://fcdrs.com.

 

[94] . حمد جاسم محمد، المصدر نفسه ، http://fcdrs.com.

 

[95] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ،المصدر السابق ،ص165،166.

 

[96] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ،المصدر السابق، ص  166.

 

[97] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ،المصدر السابق، ص 167،166.

 

[98] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ،المصدر السابق، ص 167.

 

[99] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ،المصدر السابق، ص 287.

 

[100] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ،المصدر السابق، ص 287.

 

[101] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ،المصدر السابق، ص 288،287.

 

[102] . العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم ،المصدر السابق، ص 288.

 

[103] . حسن الراشد الجزء الثاني / الشيعة في منعطف خطير / الانتخابات والمرجعية .

       http://burathanews.com/arabic/articles/234180

 

[104] . حسن الراشد ، المصدر نفسه. http://burathanews.com/arabic/articles/234180

 

[105] . سامي جواد كاظم دور المرجعية  دستور وحكومة وحشد شعبي . 

       http://www.kitabat.info/subject.php?id=57942

 

[106] . سامي جواد كاظم ، المصدر السابق، http://www.kitabat.info/subject.php?id=57942

 

[107] . قانون هيأة الحشد الشعبي رقم (40) لسنة 2016،  جريدة الوقائع العراقية بالرقم4429 في 26-12-2016