المرجعيّة الدينيّة وأثرها في التّعايش السّلميّ

ــ السّيد السّيستانيّ أنموذجًا ــ

الباحث : د. عبّاس إسماعيل الغراويّ

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المقدّمـة

   ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ﴾([1]) ، وبعدُ

      خلق اللهُ الإنسان لأجل أنْ يكونَ خليفته في الأرضِ ، ولكي يؤدِّي هذه الوظيفة بنجاح كان عليه أنْ يَصلُحَ في الأرضِ ويُصلِحَ فيها ، فيعيشَ مع الآخر ببرٍّ وأمان ، ولكنّه لم ينجح بما كلِّفَ به ، فكانت الخلافات والمشاحنات ، وكان سفك الدِّماء أسرعَ من سفك الماء عند بعض الأقوام . وها هي المشاحنات تكثر في هذا الزمان ، وليس هذا بعجيب ولا بغريب ما دُمْنا لم نشخص العلاج الحقيقيّ لذلك الدّاء العضال أو أنّا شخّصْنا ولكنّا لم نأخذ بالتشخيص ، فمن أجل درء ذاك الداء يجدر بنا أخذ الدّواء الحقيقيّ من أهله الحقيقيّين ، وهو ما نجده في مرجعيّتنا الرشيدة المتجسدة بالسيد السيستاني (دام ظلّه الوارف) ، الذي أجاد علينا بموروث يؤسّس للتّعايش السّلميّ بما به تشيع الحياة السعيدة ، فكانَ هذا العمل : (المرجعيّة الدينيّة وأثرها في التّعايش السّلميّ ــ السّيد السيستاني أنموذجًا ــ) ، عسى أن تبرُزَ بذلك ضرورةُ التّحلِّي بنهجِهِم الَّذي نحنُ بأمسِّ الحاجةِ إليهِ ، وإذا كانت ثَمّة صحّة كبيرة في المقولة (( من الفرد يتجه الإسْلام إلى إشاعة السَّلامِ ))([2]) ، فكيف يكون الأمر إذا كان هذا الفرد هو المرجع الأعلى في هذا العصر؟! المرجع الذي ذاعَ صيتهُ وكثرَ أتباعه ، كيف يكون الأمر إذا كان هو القائد الروحيّ الذي مُزِجَت روحه الطاهرة بنبذ العُنفِ منذ الصغر ؟! إذ ينقل عنه أنه (( قد جبل منذ طفولته على كراهيته الشّديدة للعنف والاختلاف وميله للهدوء والوئام ، فكان طفلًا مسالمًا يكرهُ المشاكسات والمواجهات مهما اعتديَ عليه ، وعاشَ مسيرته في النّجف الأشرف الحافلة بالصِّراعات الفكريّة والسّياسيّة والاجتماعيّة من دون أنْ يدعم جهة معيَّنة ، أو ينخرطَ في تيارٍ ... ، ونأى بنفسه عن جميع مواطن التوتر والتّشنّج والاختلاف ، ولم يشغل وقته بنزاع شخصيّ أو اجتماعيّ مع شخص أو جهة ، بل حتّى إذا احتدم النّقاش في مجلسِ درسِهِ بينه وبين بعض تلامذته ، فإنّه يؤثر السّكوت لا ضعفًا عن الجواب ، ولكنْ رغبةً في إزالةِ الاحتقانِ والاختلافِ . وهذه السّمة جعلتْ من تاريخهِ الماضي صفحة نقيّة سليمة محبوبة ))([3]) ، بل وجدنا أنّ من فتاواه تحريم (( هجر المسلم أزيد من ثلاثة أيّام على الأحوط لزومًا)) ([4]) ، ثمّ إنّا وجدْنا أنّ الحبل الرّابط بين بياناتهِ المُقدّسة يترجم بالتّعايش الإنسانيّ بينَ كلّ الأطياف ، فلا مجالَ للتّباغض ولا للتّنافر ولا للقطيعة، لقد غابت تلك المفاهيم من سجل غاياتهِ . فكان (( أبا حنونًا لجميع الأطراف المُختلفة جامعًا للشتات موحدًا للكلمة ))([5]) كالخيمة الّتي تضمّ الجميع بلا أيّةِ تفرقةٍ أو تفضيل ، لقد كان للإسلام حَمامة السّلام .

    ويدفع على هذا البحث جهلُ كثير من النّاس بقدر سماحةِ المرجع أو تجاهلهم ؛ لذا نجد التهجمات والتقولات الملعونة والادعاءات تطيش في مواقع التواصل الالكتروني وغيرها([6]) ، وبالرّغم من أن (الروض ليس يضيره ما قد يطنطن من ذبابه) إلا أنّ هذا البحث كان لأجل الكشف عن تلك الخصلة النبويّة المتجليّة في المرجع الأعلى ليتدلّل بذلك أنّ العلماء ورثة الأنبياء ولإعطاء كلّ ذي فضلٍ شيئًا من فضله ، وللاقتداء بنهجهم أملا بغدٍ مشرقٍ .

   ولا يخلو البحث من صعوبة بحكم (( عدم تصدي المرجعيّة غالبًا لإحصاء خدماتها ولا للإعلام عنها والدّعاية لها ؛ فكثير من النّشاطات التي تقوم بها ، والخدمات التي تؤدّيها لا يطّلع عليه إلّا مَن صادفَ وقوعها على يده أو تواجده حين حصولها ... وعلى كل حال فقد كان هذا الأمر ... سببًا في ضياع كثيرٍ من النّشاطات والخدمات وخفائها ))([7]) ، ولكن جهود بعض العلماء في تشييد فضل المرجعية كان لها أثر في بيان شيء من الحقيقة ، ويجدر بنا أنْ نشيد في هذه المسألة بالعلّامة حامد الخفّاف وكيل السيد السيستاني ؛ إذ حفظ كثيرًا من نشاط المرجعيّة ودوّن قسمًا طيّبًا منها ولا ننسى الإشارة إلى أنّ الآراء الصادرة من مكتب السّيد المرجع هي صادرة منه وبموافقته، وإنْ ختم في أسفلها بختم مكتب السّيد السّيستانيّ لا بختم اسمه فقط وقد جاء جواب لجمع من المؤمنين عما صرح به محمد باقر المهري في الكويت عن السيد مقتدى هل يمثل رأيه ؟ فكان الرد : ((لا يمثل وجهة نظر سماحة السّيد (دام ظله) في القضايا السياسيّة ونحوها إلا ما يصدر منه مباشرة أو من مكتبه في النّجف الأشرف )) ([8])  .

    ولقد انقسم البحثُ على تمهيد ومبحثين ، وكانَ التمهيد تعريفًا بالمرجعيّة الدّينيّة عمومًا وبالسّيّد السّيستاني خصوصًا ، وهذا المحور الأوّل أمّا الثّاني فكان تعريفًا بالتَّعايُش السِّلْمِيّ .

   ثم انتقل الأمر إلى المبحث الأوّل وكان في أنماط التّعايش السّلميّ الّتي شملت المسلمينَ وغير المسلمين ، وكلّها كانت في منظار المرجعيّة صورة عطف ومودّة ورحمة لا يجوز الإساءة إليها .

   أما المبحث الثاني فكان في بيان وسائل التعايش التي يكون الأخذ بها مدعاة لتحقيق الحياة السعيدة المشوبة بتعاون ووئام .

   ثم جاءت الخاتمة التي بينت أبرز النتائج التي وصل إليها البحث مع الكشف عن بعض المقترحات .

    وختامًا نقول : ربنا ﭐجعل هذا العمل خطوة في سبيل الوصول إلى طريق مَنْ يصدق عليهم 

﴿ وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ . 

التّمهيد : التعريف بالمرجعيّة الدينيّة وبالتّعايش السّلميّ

   لكي يكون القارئ على معرفة واعية بمفاصل البحث يجدر التعريف بالمرجعيّة الدينيّة مع تخصيص الحديث عن مرجعيّة السيّد السيستانيّ كونها احتلت ــ في وقتها ـــ حرف الألف من بين سائر المرجعيّات ثم يكون التّعريف بالتّعايش السّلميّ ، لنرى فضل تلك المرجعيّة على التّعايش ومن ثمّ فضلها على الأمّة الإسلاميّة وعلى الإنسانيّة جمعاء .

ــ المحور الأول : المرجعيّة الدّينيّة :

    تتمتع المرجعيّة الدينيّة بمكانة سامية في الأوساط الإسلاميّة ، وذلك بسبب (( القيمة العلميّة والعمليّة التي تتّصف بها ... بما تقدّمه من جهود في إعلاء كلمة الإسلام كالتّقوى والعدالة والكفاءة الإداريّة والسّياسيّة والاجتماعيّة وأدائها بشكل مناسب))([9]) ، وهذه السّجايا كفيلة بنيل القبول في المجتمع والنّهوض بكلمة الإسلام ، حتى أنّه من هذه النقطة وجدْنا أنّ الإسلام قد بقيَ شامخًا بالرّغم من كلِّ المُضايقات ، وقد جاءَ أنّهُ (( قد تعرّضَ التّشيّع والإسلام عمومًا للهجمة التبشيريّة المدعومة من المستعمر الغربيّ الكافر ، وكان نصيبها الفشل الذريع كما اعترفوا بذلك حتى قالوا : إنّ محاولة جعل المسلم مسيحيًّا غير عمليّة ، ولكن علينا أنْ نسلخَ المسلم عن الإسلام بدفعهِ للتّحلُّل والفساد والاستهوان بالدّين ، فكفانا ذلك مكسبًا ونجاحًا))([10]) ، وكان من جرّاء ذلك الهدف الشّيطانيّ أنْ تعرضتِ المؤسّسات الدّينيّة للمضايقات ولا سيّما الأمر مع الحوزة الدينيّة ، يقول السيّد محمد باقر الحكيم : (( الحوزة العلميّة الآن تواجه تهديدًا وأخطارًا لا مثيل لها في تاريخنا . إننا نلاحظ أنّ أمريكا بكلِّ إمكاناتها وقدراتها وأوربا الغربيّة والدول والأجهزة المرتبطة بهذه القوى الاستكباريّة تعمل من أجل ضرب هذا المركز القياديّ))([11]) ، ولكن بحنكة المرجعيّة ظلتْ شامخة قادرة على مواكبة العصر ، وربما توجد نقاط ضعف هنا أو هناك ولكنّها لا تمسّ بالجوهر أو أنّها تذوب في قِبال ما تنتج من نتائج ناجحة في تصحيح المسارات ، وهذه أحد أسباب تفوق الحوزة على غيرها ؛ إذ (( لو نظرنا إلى الأزهر وجامع الزيتونة في تونس والجوامع الأخرى في عالمنا الإسلاميّ نجد أنّها تأثّرت بالفكر الغربيّ والحضارة الغربيّة ))([12])  على العكس من الحوزة التي نجحت بفضل قيادة المرجعيّة لها بصورةٍ مُتقنةٍ تَحوطُها الدّقّة والعمل الدؤوب ويكتنفها الإخلاص لله تعالى ، ومن هنا (( استطاعت المرجعيّة الشيعيّة قيادة الأمة وتوحيدها في عصر الغيبة الطويل حيث لا إمام ناطق تجبُ طاعته ))([13]) متحمّلة بذلك همًّا كبيرًا في سبيل الحفاظ على الأمّة الإسلاميّة .

    ويؤسفنا أنّ هذا ممّا غابَ عن كثيرٍ من النّاس بمَن في ذلك أهل الشأن حتى وجدنا المستشرق الألماني هاينس هالم يتجاهل القيادة الحكيمة للمرجعيّة في عصر الغيبة ، فيقول : 

(( بدأت في سنة 941 م/ 329 هـ مرحلة الغيبة الكبرى التي لم تزل مستمرّة حتى يومنا هذا نتيجة لذلك بقيت الطوائف الشيعيّة كلِّيًّا دون قيادة روحيّة ))([14]) متجاهلًا نيابة المرجعية للإمام المعصوم ، والحقيقة أنّ ((المرجعيّة الدّينيّة تاريخها عريق ... يمتدُّ إلى أكثر من اثني عشر قرن([15]) من الزّمن وعلى مرور هذه القرون كان لها دور في إدارة مُختلف الأوضاع الاجتماعيّة والعقائديّة والثقافيّة والرّوحيّة والدّينيّة والسّياسيّة ))([16]) ، بل إنّ الغيبة الكبرى ما كانت لتبدأ لولا أنّ الأئمة (عليهم السلام) ضمنوا إمكانَ غياب الإمام وبقاء الأمّة على خطّ الإسلام الصّحيح بفضل من صنعوا من رجال العلم ، فهم الأساس في تأسيس بوادر الحوزات العلمية([17]) ، يقول السيد محمد سعيد الحكيم : (( أمِن الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) على تعاليمهم الشريفة وثقافتهم السّامية من الضياع والتحريف والتّحوير ؛ ولهذا أمكن وقوع الغيبة الكبرى بانقطاع خاتم الأئمة المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف ) عن الاتصال المباشر بالشيعة لاكتفاء الشيعة بما عندهم من تعاليم وثقافة دينيّة تقوم بها الحجّة عليهم ))([18]) .

    لقد تقوّلَ ذلك المستشرق من دون دليل ، بل نجده لم يبخسْ حقّ المرجعيّة بادعائه السّابق فقط، وإنّما وقع في اضطرابٍ حين عادَ بعدها مشيدًا بالأثرِ القياديّ والرّوحي لمرجعيّة السيد السيستاني (دام ثراه) بقوله الذي يؤكد قيادته للأمة : (( وعليّ السيستاني الذي برز فيما بعد كأعلى شخصيّة دينيّة في العراق ))([19]) ، بل يؤكد أنّه الزّعيم الرّوحيّ على خلاف ما أثبته بغياب القيادة الرّوحيّة للشّيعة بعد عصر الغيبة الكبرى ، وذلك بقوله عن السّيّد السّيستانيّ : ((الزعيم الروحيّ المشهود له بالعلم والتّقوى والرّئيس الدينيّ لحوزة النجف ))([20]) .

ـ التّعريف بالسّيد السيستاني

    في كلِّ حقبةٍ من الزّمن تتنعّم الأمّة الشّيعيّة بقائد إسلاميّ تتبلور حوله الأغلبيّة بالرغم من بعض الاعتراضات هنا وهناك ، وإذا جئنا إلى وقتنا الحالي وجدنا السّيد السّيستانيّ هو ذلك المرجع الذي استحقّ لقب المرجع الأعلى بلا منازع .

      ورث العلم عن آبائه ، وكان جده السيد آية الله علي السيستاني معروفًا بالكرامات ، وقد تنبأ بولادة حفيد له يحمل اسمه يصبح مرجعًا للدين ، وينقل عن أحد المعاصرين للجد أنه كان يترحم على الجد كثيرا معجبا به ، وقد سئل : (( ما علاقتك أيها الحاج بالسيد السيستانيّ (رحمه الله) ولماذا هكذا تترحم عليه ؟ فقال : إنه كان ذا كرامات عجيبة عرفته من قرب ، الله يرفع من درجاته في الجنة ، لقد رأيت منه أشياء غريبة لا تكون إلا لمن قطع أشواطا في التقرب الى الله تعالى ... لقد أخبرني يوما أن ولده الحاج السيد محمد تقي لا يبلغ في العلوم الإسلامية مقامًا محمودًا ، فهو مجرد إنسان ورع وعالم في حدوده لا أكثر بينما يولد له ولد اسمه اسمي ، سوف يدرس حتى يبلغ درجة الاجتهاد ، ويصبح مرجعا كبيرا للشيعة في 

العالم ))([21]) .

    كانت ولادة ذلك الطّود سنة 1349 هـ / 1930م ، ودرس بمدينة مشهد وقم على يد البروجردي ، وهاجر إلى النجف الأشرف عام 1371هـ / 1952م ([22]) ، و(( لقد عرف منذ طفولته برغبته الشديدة في أنْ يقضي معظم أوقاته وَحْدَهُ والكتاب بيده ... يعمِّرُ مجلسه بالبحث العلميّ أو التحليليّ دون شيء آخر ، وهذا ما شكّل عاملًا مهمًّا في بناء شخصيته الثقافيّة حتّى أصبحَ موسوعة متنوّعة المعارف متعدّدة الثقافات ، ومكتبة متجسّدة في شخصه المبارك))([23]) ، لقد نشأ وترعرع وكبَر والكُتُبُ هي الأصدقاء التي يستأنس بها وينهل منها ، 

(( ولم يفتْهُ التزود من الكمالات النّفسيّة والحياة الأدبيّة ، فقرأ مقامات الحريريّ وشرح النظّام وكتب الأدب والتّراث عند الأديب المعروف النيشابوري ))([24])، واستمرّ على هذا المنوال سائرًا في قافلة التعلم ومرافقة الكتاب ، ينهلُ من علوم أهل البيت (عليهم السّلام) ، ويتغذّى بأنوارهم الحقّة ، حتى ((عرف أيّام دراسته في النّجف الأشرف بأنّه من أكثر الطلبة تردّدًا على المكتبات المختلفة معتمدًا على نفسه في الوصول للمصادر الموثوقة أو استنطاق الرأي الأصوب عن قبول وقناعة ))([25]) ، وكلّ هذا انعكس على تكوين شخصيّة ناضجة قادرة على تحمُّل الأعباء وتصحيح الأخطاء ، ويزيد على ذلك تتلمذه لأساتذة عظماء ؛ إذ كان قد ((حضر أبحاث الإمام الخوئيّ والإمام الحكيم والسيد محمود الشاهرودي ))([26]) ، وقد تأثر بأستاذه السيد الخوئيّ كثيرًا حتى (( يمكن القول : إنّ مرجعية السيستاني هي الامتداد المماثل لمرجعية الخوئي ))([27]) ، وقد أزعج ذلك النظام الصدّامي ؛ لذا استهدفه البعثيّون وحاولوا اغتياله إلا أنّ محاولة الاغتيال فشلت ، وكان قد راح ضحيتها اثنان من العاملين في مكتبه (أدام الله ثراه) في أوائل العام 1999م([28]) ، ها قد مكرَ البعثيون ومكرَ الله ، فوقعوا خاسئين خائبين ، لكن (( تعاظمت مرجعيّة السيد السيستانيّ بعد سقوط النّظام العراقيّ في 9 نيسان 2003م ، وأصبح الرقم الأوّل بين المرجعيّات الكبيرة ؛ للمواقف التي تميّز بها وطروحاته في شأن صياغة المنظومة السياسية للبلاد))([29]) .

    وقد تعرّض لكثير من انتقادات المُغرضين بعد سقوط صدام لأجل طرح فتوى الجهاد ضدّ الأمريكان إلا أنّه كان يرى بنور قلبه ، فـ (( شخّص أنّه لو أفتى بوجوب إخراج المحتلّ ، وبذلَ الشعب العراقيّ آلاف الدماء والضحايا لمدّة ثلاث سنوات أو أكثر فإنّ نتيجة المعركة وثمرتها لن يحصدها الشعب العراقيّ ، حيث إنّ البعث الصّدّامي وتنظيم القاعدة كان في تلك الفترة قوّة عسكريّة واستخباريّة ممتدّة في طول البلاد وعرضها وبالتّالي فهم قيادة جاهزة لركوب الموجة واغتنام الفرصة بحيث متى ما خرج المحتلّ سيّطروا على مقدَّرات البلاد من جديد وحكموا بالحديد والنار وعاثوا في الأرض فسادًا كما كانوا ... فالحري والأوفق بالمصالح العامة أنْ يتفرّغ الشّعب العراقي لبناء قيادة سياسيّة واجتماعيّة عن قناعة وإرادة واختيار ))([30]) ، فكان الحلّ السّياسيّ أولى من الحلّ العسكريّ ، وكم تعالت صيحات العوامّ والسذّج بدعوى المُطالبة للجهاد غير أنّه أمسك العراق بيد من حكمة ، فكان حافظَ العراق والعراقيين ، كل هذا و (( هو ــ منذ عشرات السّنين  ــ يسكن كوخًا من أكواخ النّجف الأشرف القديمة بأجرة يدفعها في موعدها كلّ شهر ، ويعيش عيشةَ الزّاهد في المظاهر الدنيويّة من دون أنْ يعبأَ بلذّة أو إغراء))([31]) ، وقد انسحبَ هذا على أبنائهِ فهم إلى الآن لم يمتلكوا شبرًا من العراق .

 المحور الثاني : التّعريف بالتَّعايُش السِّلْمِيّ :

    التَّعايُش في اللغة : من العيشِ ، والعيشُ (( أصلٌ صحيح يدلُّ على حياةٍ وبقاءٍ ، قال الخليل : العيش: الحياة . والمعيشة : الّذي([32]) يعيش بها الإنسان : من مطعمٍ ومشربٍ وما تكون به الحياة ، والمعيشة : اسمٌ لما يُعاش به ... ، والمَعاش يجري مجرى العَيْش . تقول : عاشَ يَعِيشُ عَيْشًا ومعاشًا . وكلُّ شيء يُعاش به أو فيه فهو مَعاشٌ . قال الله تعالى :

] وَجَعَلْنَا النّـَهَارَ مَعَاشًا [ [النبأ : 11] ، والأرضُ مَعاشٌ للخلق ، فيها يلتمسون معايِشَهم ... ، وقال بعضهم : عاش فلانٌ عَيْشُوشةً صالحة ، وإنّهم لمتعيِّشون ، إذا كانت لهم بُلْغةٌ من عَيش . ورجل عائِشٌ ، إذا كانت حالُه حسنةً ))([33]) ،  (( وأهل الحجاز يسمُّون الزّرع والطّعام : عيشًا ... وإنّهم لعائشون إذا كانتْ حالهم حسنةً . وتعايشوا بألفة ومودة ))([34]) .

    ودلّ ذيل النّصّ ( وتعايشوا بألفة ومودّة ) على أن التَّعايُش يكون بين أكثر من طرف ، كي تكون هناك ألفة ومودة ، وهذا ما يُدلي به المعنى الصرفيّ لفعل هذه الصيغة ( تعايَشَ ) الذي هو على وزن ( تفاعَلَ ) وهذا الوزن يفيد المشاركة([35]) ، فلمّا ألحقت صيغة التعايش بـ(السّلميّ)، المنسوب إلى السّلم، ويعني في اللغة الصّلح والسّلامة([36]) دلّ مجموع المعنى اللغويّ أنّ المرادَ منهُ يتقارب مع المعنى الاصطلاحيّ بأنّ التَّعايُشَ السّلميّ أنْ تعيشَ النّاسُ بلا تنافرٍ ولا حروبٍ مع احترامِ طقوس الآخر وتقاليدِهِ([37]) . وقد قال الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآلهِ ) : (( مَنْ آذى ذميًّا فأنا خصمُهُ ، ومن كنتُ خصْمَهُ خَصَمْتُهُ يومَ القيامةِ ))([38]) ، على أنّ الأمرَ لا يقتصرُ على الذّميّ ، بل يشمَلُ الناسَ عُمومًا ، (( فالتَّعايُش مع الآخرِ تارة يكون مع المسلمين فيما بينهم وأخرى مع غير المسلمين ولا شكّ أنّ التَّعايُشَ مع المسلمينَ مهما اختلفوا في وجهات النّظر السياسيّة أمرٌ ضروريٌّ ، ويقرّهُ العقل والمصلحة العامّة ))([39]) ، لأنّ هذا من شأنِهِ بسطُ الأمنِ والعمران وتجنُّب الفوضويّة ، وما جاء من خُلُقٍ ينافي مبدأ التعايش فليس هذا من الإسلام في شيء ، بل هو خُلُقٌ جاهليٌّ ، فـ(( الافتخار بالقوميّات أو بالقبليّات أو بالإقليميات أو باللغات هذه كلها أعمال جاهليّة ، القومية ليست إلا ديدن أبي جهل وأبي لهب وكفار الجاهليّة ))([40]) .

المبحث الأول : أنماط التعايش السّلميّ عند السيد السّيستاني

    عرفنا ممّا سبَقَ أنّ التّعايشَ يكونُ مع المسلمينَ وغيرِهم ، وهذا منهج الإسلام الحقيقيِّ كونه ليس ديناً مقفلاً على نفسه ، بل هو دين أمة متحضرة ، أمة قادرة على النمو وعلى كسب الآخر وهذا هو فقط الإسلام الحقيقي لا الإسلام الادعائيّ الذي مُزِج بالأهواء ، وضيّعته المُيولات والذاتية ، وربّما يدّعي كثيرٌ من النّاس أحقيّة إسلامهم ولكن أفعالهم تشهد على براءتهم من 

الحق ، وإذا جئنا إلى مرجعيّتنا المتمثلة بالسيد السيستاني رأينا عظمة المذهب الإمامي بعظمة هذه القيادة المثاليّة التي رسمت الإسلام كما هو كما أراده اللهُ تعالى ، فقد نالت القبول والإعجاب لمَنْ أنصفَ من المُسلمين وغير المسلمين ، وقد أرسل إليه كاتب عراقي صابئي مقيم في السويد اسمه مثنى حميد مجيد رسالة حملت عنوان : من صابئي مندائيّ الى آية الله العظمى السيد علي السيستاني جاء فيها : (( أكتب لكم لأنكم أثبتم للعالم أن الإسلام دين سلام وليس إرهاب([41]) دين رحمة واعتدال وليس دين حقد وتطرف فأكسبكم ذلك احترام وتقدير العالم وإعجابه))([42]) .

    وفيه يقول نيكولاس بلانفورد : (( أما في العراق فإن المرجع الديني الأعلى والأبرز هو آية الله علي السيستاني والذي لعب وما زال يلعب الدور الأكبر في وضع الأطر العامة للمراحل المتقدمة ... وهو مبجل في جميع أنحاء العالم الإسلاميّ ))([43])، ورأينا إشادة المستشرق هاينس هالم فيه مع أن القارئ في كتابات هذا المستشرق يجده كثيرًا ما كان يقسو في قراراته على المسلمين .

القسم الأول : التعايش السّلميّ عند السيد السيستانيّ مع المسلمينَ

     جاء مفهوم التّعايش السلمي عند السيد السيستاني بـ (التداول السّلميّ) ([44]) ، وجاء أيضًا بالمصطلح نفسه (التعايش السلمي)([45]) ، وقد رآه السيد المرجع ركنًا من أركان قيام الدولة العراقيّة الجديدة ، وذلك بإجابة لمجلة دير شبيغل الألمانيّة عن سؤالها ( ما هي الأسس التي يجب أن يقوم عليها عراق المستقبل ) ، فأبانَ عن أسسٍ لو طبِّقت لكان العراق الآن هو البلد الأول أو سيصير الأول في الرقي والتقدم ، وذلك بالنصّ : (( مبدأ الشورى والتّعدُّديّة والتّداول

السّلمي للسّلطة في جنب مبدأ العدالة والمساواة بين أبناء البلد في الحقوق والواجبات ، وحيث إنّ أغلبية الشعب العراقي من المسلمين ، فمن المؤكد أنّهم سيختارون نظامًا يحترم ثوابت الشريعة الإسلاميّة مع حماية حقوق الأقليات الدينيّة ))([46]) ، هذه النظرة جعلت منه : 

(( المثال البارز للوحدة بين المسلمين عموما وبين أبناء الشعب العراقي بشكل أخصّ وأصبح رمزا للإسلام الحقيقي ، وهو يعطي باحترامه الرأي الآخر وقبوله تعدّد الآراء وإيمانه برأي الأمة في تقرير مصيره وكسب سيادته دروسًا بليغة في السماحة واللاعنف بعيدًا عن الإرهاب والقتل وقمع الأصوات وعدم إصدار فتاوى في تكفير أحد )) ([47]) ، ولم يفرِّق بين طائفة وأُخْرى ؛ ومن هنا كان دعاؤه منذ البداية إلى الانتخابات ليأخذ كلٌّ حقَّهُ الذي يستحقه ، ويؤكد ذلك جواب مكتبه لصحيفة أساهي اليابانيّة ، وكان سؤالها : ((غالبية الشّعب العراقيّ من الشّيعة ، ما هو الدور الذي تريد أنْ يلعبه شيعة العراق سياسيًّا ؟ وما نوع الحكم الذي تريدونه في العراق ، أي ما شكل الحكومة مستقبلا ونوع النظام ؟ ))([48]) ، وكان الجواب : (( أما ما يريده الشيعة فهو لا يختلف عمّا يريده سائر أبناء الشّعب العراقيّ من استيفاء حقوقهم بعيدًا عن أيِّ لون من ألوان الطّائفيّة ، وأمّا شكل نظام الحكم فيلزم أنْ يحدّده الشّعب العراقيّ بجميع أبنائه من مختلف الأعراق والطّوائف ، وآلية ذلك هي الانتخابات العامة ))([49]) ، فيلحظ أنّ الخطاب سُحِبَ من الحديث عن الشّيعة الّذي خصّصته به الصّحيفة اليابانيّة إلى الخطاب عن العراق بكلِّ أطيافهِ ، وتكرّرَ الأمر مثله مع صحيفة نوفيل أوبزرفاتر الفرنسيّة حين سألت : (( هل ترى في الوقت الحاضر أنّ الشّيعة في العراق أكثر توحدًا وتعاونًا وتقاربًا فيما بينهم عن قبل ؟ )) ، وجاء الرد (( إذا لم تتدخل الأيادي الأجنبيّة في الشّأن العراقيّ ، فسيكون كلُّ الشعب في العراق أكثر انسجامًا وتقاربًا لا خصوص الشّيعة ))([50]) .

   هكذا اعتنى (أدام الله ثراه) بالجميع سوى أنّه اهتمّ بالمعوزين أكثرَ من غيرِهم ، بل سمح بإعطاء المكلف خُمْسَهُ إلى الفقير مباشرة ، فلما وُجِّهَ إليه السؤال (( ... لا يخفى عليكم أن عددًا من أحياء بغداد ... تعاني من فقر شديد وإهمال متعمد وظروف معيشة صعبة ؛ ولذلك نتوجه إلى سماحتكم بالإذن لنا ــ نحن من تجار بغداد والمتمكنين ماديًّا فيها ــ أن نساهم بما علينا من الحقوق الشرعية لتأمين حوائج المؤمنين في تلك المناطق المحرومة وفق الضوابط الشرعية )) كان الرد (( مأذونون في ذلك وفقكم الله لكل خير ، وزادَ لكم في الأجر والثواب))([51])، وينقل عنه في كيفية مساعدة الفقير: (( طالما أوصاهم أن يشعر الفقير بأن هذا المال هدية من الله ورسوله دون منٍّ من أحد ولا أذى من فرد حقوق الله لعبادالله ومال الله لخلق الله)) ([52]) ، هذه الرحمة بالفقراء ترجمتها المقولة (( جاءت مرجعيّة السّيد السّستانيّ رحمة للفقراء والجياع والبائسين ، ففضلًا عن المساعدات الماليّة المستمرّة والرّواتب الشّهريّة المنتظمة فهناك حقول إنسانيّة تشمل مُتضرّري الزّلازل والفيضانات والكوارث الطّبيعيّة حيث يجري تفاديها بالدّم الدّائم وتخفيف أحداثها بالتّأمين المتواصل مضافًا إلى الاكتساء والإسْكان وسدّ الاحتياجات ، وهذا يشمل اللّاجئين العرب والإسلام من الأقطار كافّة دون تمييز أو محسوبيّة ))([53]) . فالإسلام يعلو ولا يُعْلا عليه وعلى شرفاته تتهاوى المحسوبيات والتّمييز .

    ويؤكّد السيد في غير موضع ضرورة حفظ المواطنين وأنّى كانوا على النّحو من القول : 

(( لقد أوضحنا أكثر من مرّة أنّ الدّعوة للتّطوّع في صفوف القوات العسكريّة والأمنيّة العراقيّة إنّما كانت لغرض حماية العراقيّين من مختلف الطّوائف والأعراق وحماية أعراضهم ومقدّساتهم من الإرهابيّين الغرباء، ومن هنا نؤكّد على جميع المقاتلين في القوات المسلحة ومن التحق بهم من المتطوّعين الّذين نشيد بشجاعتهم وبسالتهم في الدّفاع عن بلدهم وشعبهم ومقدّساتهم...  نؤكّد عليهم جميعًا ضرورة الالتزام التّامّ والصّارم برعاية حقوق المواطنين جميعًا وعدم التّجاوز على أيّ مواطنٍ بريءٍ مهما كان انتماؤه المذهبيّ أو العرقيّ وأيًّا كان موقفه السّياسيّ ، ونذكّر الجميع بما قاله النّبيّ المصطفى (صلّى الله عليه وآله) في حجّة الوداع عندما خاطب النّاس  بقوله : ((ألا وأنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا ليبلِّغِ الشّاهد الغائب)) ، وبقوله (صلّى الله عليه وآله): (( مَن أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقيَ الله (U) يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه:  آيس من رحمة الله )) ؛ فالحذر الحذر من التّسبب في إراقة قطرة دم إنسان بريء أو التّعدّي على شيء من أمواله وممتلكاته )) ([54]) .

   ويظهر التّأكيد بشدة على ضرورة حفظ النّاس ، وأنْ يكون المقاتل حذرًا في التعرض لهم ، وأنْ يجتهد في التشخيص الصحيح وأنْ يعمل بكلّ جدّيّة لتجنّب التّعرّض للنّاس الأبرياء وأنّى كانوا ؟ ونجد الاستدلال بالحديث النّبويّ كون النبي من المشتركات بين الشيعة والسنة ممّا لا خلاف فيه أو تردد ، وكل ذا لأجل جذب الآخرين ، فهو نبيّ الرّحمة وهو الّذي ينبغي بنا أنْ نتأسّى به وبأقواله ، ويظهر في النصِّ وما جاء فيه من حديث نبويّ ضرورة حفظ المسلم بكلّ ما أمكنَنا، ولم يخصَّصْ الأمر بالشّيعي بل أريدَ الشّيعيّ وغيره .

     هكذا كانَ السيد المرجع والتّعايش مع الآخر هاجسه الأول ، فمن تعزية من مكتبه لأسرة مُفتي الدّيار العراقيّة : ((أسرة العلامة الفقيد الشيخ جمال الدين الدبّان (رحمه الله تعالى) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعدُ فقد تلقّينا ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة فقيدكم مفتي الدّيار العراقيّة (طيّب الله ثراه) الذي اشتهر بعلمه وحكمته واعتداله ، فكان مثالًا يُحتذى به في ذلك ، وقد فقده العراق في وقت هو أحوج ما يكون إلى أمثاله من العلماء الأجلاء))([55]) . فها هو كلام متّشح بالسّعة التّعامليّة مع غير الشّيعيّ ، نجد فيه الإشادة والثناء على مفتي الديار وأمثاله كون هذا الصنف من الناس يكون وسيلة في إشاعة الأمن وضبط النفس .

       ولا يقتصر الأمر على المسلمين العرب بل حتى مع غيرهم ، وممّا يؤكد ذلك أنّا رأينا كلّ الطوائف عزيزة على قلب المرجعيّة يؤلمه مصابها وينعم لنعيمها ، وحين وقع الانفجار في مقرّ الحزب الدّيمقراطيّ الكردستانيّ ووقع جراءه عشرات الضحايا أرسل مكتبه رسالة بتاريخ 1/ ذي الحجة 1424هـ للأكراد جاء فيها (( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعدُ تلقينا ببالغ الحزن والأسى نبأ الحادث الإجراميّ الذي وقع بمقرّ الحزب الديمقراطيّ الكردستاني في أربيل وخلّف عشرات الضّحايا والمصابين بين أبناء الشّعب الكردي العزيز ، وإننا إذ ندين هذه العملية البشعة التي استهدفت في الأساس وحدة العراق وأمنه نقدم إليكم وإلى ذوي الضّحايا الكرام خالص العزاء والمواساة في هذا المصاب الجلل ... ))([56]) .

القسم الثاني  ــ التعايش السلمي عند السيد السيستانيّ مع غير المسلمين

     شاع في الإسْلامِ ﭐحترامُ الآخرِ ، بل (( ألزمتِ الدولةُ الإسْلاميَّةُ نفسَها بمهمّاتِ الدّفاعِ عن الذّمّيّينَ([57]) القاطنينَ في أقاليمِها والذّودَ عن حقوقِهم المدنيّةِ وحرّيّاتِهم الشّخصيّةِ والقتال من أجلهم )) ([58]) ، وقد برز السيد السيستاني بقوة على الصّعيد العالميّ في حفظ دماء البشريّة بعد أنْ صدرتْ منه عدّة بيانات حرّم بها (( دماء الملل الأخرى في المجتمع العراقيّ والمجتمع العربيّ والإسلاميّ كلّه كالمسيحيّة واليهوديّة والصّابئة واليزيديّة ممّن لم يتصدّ لمحاربة الكيان الإسلاميّ أو الاعتداء على حُرُمات المسلمين كما حرّمَ أموالَهم ونادى بتوفير جميع حقوقهم الاجتماعيّة والوطنيّة مثلهم مثل سائر المسلمين ))([59]) ، وقد تجلّى أنّه لم يكن المرجع على الشّيعة فقط ، بل كان للإنسانيّة جمعاء .

      ومن تعزية صدرت من مكتبه بوفاة البابا يوحنا بولس الثاني بتاريخ 25/ صفر / 1426هـ : (( بسم الله الرحمن الرحيم غبطة الكاردينال أنجلو سودانو أمين سر حاضرة الفاتيكان المحترم نعزيكم وسائر أتباع الكنيسة الكاثوليكية بوفاة الحبر الأعظم يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان الذي أدّى دورًا متميزًا في خدمة قضايا السلام والتسامح الدينيّ وحظي بذلك باحترام الناس من مختلف الملل والأديان . إنّ البشريّة اليوم بأمسّ الحاجة إلى العمل الجادّ والدؤوب ولا سيّما من الزّعامات الدّينيّة والرُّوحيّة لتثبيت قيم المحبّة والتّعايش السلميّ المبني على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين أتباع مختلف الأديان والمناهج الفكريّة . نسأل الله العلي القدير أنْ يأخذ بأيدي الجميع إلى ما فيه صلاح الإنسانية وسعادتها ونتمنى لكم ولسائر المسيحيين في العالم الخير والسلام )) ([60]) .

    بهذه النفسية المثالية أرادَ حفظَ جميع أنحاء لوحة العراق بل حفظ البشرية في كل العالم بديمومة المسيحيّ إلى جانب الصابئيّ ، والصابئيّ إلى جانب الشيعيّ ، والشيعي إلى جانب الايزيدي ...

   بمثل هذا آمَنَ بمكونات العراق جميعًا ، ولم يُفرِّطْ بأيّ مكونٍ منها .      

    وإذا كان أغلب الفقهاء قد قالوا بنجاسة الكتابي نجده يستدرك عليهم بطهارته بفتواه (( وأما الكتابيّ فالمشهور نجاسته ، ولكن لا يبعد الحكم بطهارته ... ))([61]) ، لقد تفوق (دام ثراه) على غيره في دعمه للإنسانيّة جمعاء من دون المساس بكيان الإسلام أو التقصير في تعاليمه .

      لقد حفظ للوحة العراق جميع ألوانها ، ومن المعروف عن المجتمع العراقيّ أنّه مجتمع متنوّع الثــّقافات لتألفه من مكونات مختلفة ، والمتأمل في خطابات السيد المرجع الأعلى يجد أنّها تترجم : أنّه لا يحقّ لأيّ أحدٍ تهميشُ الآخر بحكم أنّ الجميع له حقّ الانتماء إلى وطنه والعيش بسعادة ، ولا بد من تحقيق الألفة بين تلك المكونات ، فكان لسانًا لا يكلّ لأجل الاهتمام بالأطياف المتنوّعة منذ الوهلة الأولى ، يقول وكيله حامد الخَفّاف : (( في يوم الاثنين المصادف 2 /8/2004م أصدر سماحة السّيد السيستاني في النّجف الأشرف بيانًا أدانَ فيه الاعتداءات على الكنائس في بغداد والموصل ، وقُمْنا بتوزيعه على الصّحافة العالميّة ... كما أدليت بتصريح لإذاعة لندن حول الموضوع )) ([62]) ، وجاء فيه : التأكيد (( على وجوب احترام حقوق المواطنين المسيحيين وغيرهم من الأقليّات الدّينيّة ومنها حقهم في العيش في وطنهم العراق في أمن وسلام )) ([63]) .

    ويرد على  سؤال الصحيفة الألمانية دير شبيغل )) هناك من يتخوف من إقامة حكم دينيّ يحرم الأقليات من بعض حقوقها في ضوء تصريحات متطرفة من قبل البعض والاعتداءات على حياة وممتلكات عراقيين من طوائف مختلفة من دون مبرر ، فهل هناك ما يبرر تلك المخاوف أم سيبقى كل شيء كما هو الآن بالنسبة للمسيحيين والطوائف الأخرى ؟ )) ، والجواب: ((ان القوى السياسية والاجتماعيّة الرئيسة في العراق لا تدعو إلى قيام حكومة دينية بل إلى نظام يحترم الثوابت الدّينيّة للعراقيّين ويعتمد مبدأ التّعددية والعدالة والمساواة ... وأمّا ما يقع أحيانًا من بعض الاعتداءات على غير المسلمين فهو أمر مرفوض تمامًا ))([64]) .

المبحث الثاني  : وسائل التّعايش السّلميّ عند السّيّد السّيستانيّ

    نتيحة للحرص الشّديد عند السّيّد المرجع على بسط الوئام بين طبقات المجتمع المتفاوتة ومكوناته المتباينة ظهرت وسائل متنوعة ، ربَطَ بينها السعي في بسط التّعايش السّلميّ وترسيخه في العراق وفي غير العراق ، وعلى النّحو الآتي :

 ــ عدم التّعامل مع جذور اللاتعايش

     لا يكون ثمّة وئام بين المكونات ما لم تُغلق الأبواب بوجه المتصيدين الّذين بهم يسود الخلاف والتفرقة ، ومن هنا كان العمل الأوّل في سبيل بثّ الوئام هو التّضييق على المتصيدين أو مَن بهم تتفاقم النّزاعات والخلافات ، فكان رفض الأجنبيّ الغريب هو الأساس ، فمثلا حين وجّهت وكالة الأسوشييتد برس مجموعة من الأسئلة كان فيما ردّ عليها به : (( العراقيّون بجميع طوائفهم ومذاهبهم من الشّيعة وغيرهم موحدون في المطالبة باحترام إرادتهم في تقرير مصيرهم ورفض أنْ يخطّط الأجنبيّ لمستقبلهم السّياسيّ أو الاقتصاديّ أو الاجتماعيّ أو الثقافيّ))([65]).

      ربّما ترينا السّياسة الممقوتة في هذا الوقت التّعامل مع الآخرين أنّى كانوا ، وتُرينا أنّ الكيل بمكيالين هو الأداة المعمول بها غيرَ أنّ هذا أبعدُ ما يكون من المرجعيّة الدّينيّة الّتي انتهجت طريق الصّفاء والإنسانيّة الحقيقيّة ، فحرمت (( معونة الظالمين والرّكون إليهم وكذلك قبول المناصب من قبلهم إلا فيما إذا كان أصل العمل مشروعًا وكان التصدّي له في مصلحة المسلمين ))([66]) ، ومن هنا رأينا رفضها التّامّ للاحتلال الأمريكيّ وعدم السّماح للقاء به أو مقابلته كي لا يغنم بأيّة موافقة أو مشروعيّة مثلما رأينا الأمر في رفضه مقابلة السّاسة السّيئين ، ورأينا السيد حين تعرض لمرض قلبيّ ، وصار العلاج في الخارج هو المقرَّر رأيناه يرفض أنْ تكون هناك أيّة مساعدة أمريكيّة أو تدخل عائد لقوّات الاحتلال ؛ يذكر لنا وكيله الخفاف أنّ 

(( سماحة السيد وضع قيودًا شديدة على حركة موكبه ، فهو لم يقبل أنْ ترافقه أيّة آليات تابعة لقوات الاحتلال ، ويقترح الربيعيّ أنْ يتمّ النقل عبر طائرة هليكوبتر )) ([67]) ، ويُعنى بـ(الربيعيّ) هنا الدكتور موفق الربيعي الذي كان وزيرًا للخارجيّة ، ولا شكّ أنه في طرحه هذا لم يكن ليتصور أنّ النتيجة كانت أنّ (( سماحة السّيد رفض هذا العرض ؛ لأنّ الطيران المتوفر تابع لقوات الاحتلال ، فاقترح الدكتور موفق أنْ يتمّ رفع علم الدولة المحتلة عن طائرة الهليكوبتر ، ولكن سماحة السّيّد رفضَ أيضًا ))([68]) ، وما هذا الإصرار إلّا رسالة قويّة تكشف عن حرصه الشّديد لتجنّب الاحتلال وعلى نبذه وعدم التّعامل معه بأي حال من الأحوال بعد أن رأى السيد أكثر من سياسة خاطئة للمحتل وتعرضها السيئ لأطياف المجتمع ، ومثل هذا لا يُتعاملُ معه ، وإذا كنّا في الدين نجد الترخص في بعض الحالات أملًا باجتياز مرحلة الحرج ، فالصّائم مثلًا يفطر إذا زاد الصّوم في مرضه ، ويحقّ للطبيب الكشف على المرأة المريضة إذا كان أرحم بها من الطبيبة ... ، وغير ذلك مما يُتسامح به مع المريض إذا كنّا نجد مثل ذلك يصدر في الدين فإنّنا ما وجدنا السيد يستسيغ ذلك مع قبول قوات الاحتلال ، فالاستعانة بطائرة تابعة لهم أمر مرفوض بتاتًا ، بل وجدْناه يفضّل الانتقال من النّجف إلى بغداد من طريق السيارة تاركًا الطّريق الخطر جدًّا (طريق نجف بغداد) ــ وإن كان قصيرًا ــ إلى طريق أطول وهو المرور بطريق آخر عبر طريق الكوت ــ بغداد ( النعمانية فالدبوني فالزبيدية ... إلى أن يصل بغداد) . هذه الرحلة الطويلة لم تكن لإنسان نشيط ، بل لإنسان كبير مصاب بالقلب ؟! كل هذه العوائق لم تدفعه للمهادنة مع الأمريكان، ويكفي ذلك دليلًا على ترك التّعامل مع الاحتلال رفضًا قاطعًا كونه مصدرا لمصادرة الحرية ، أراد السيد المرجع للعراق أنْ ينالَ استقلاله ؛ كي يتعايش أهله فيما بينهم بعز وكرامة .

  وإذا كان السيد كذلك فليس عجيبًا أن وجدناه ينتقد الإسرائيليين حين تعرضوا للفلسطينيين بقوله   ((يواجه إخواننا وأخواتنا في الأراضي الفلسطينية المحتلّة في هذه الأيام عدوانًا صهيونيًّا متواصلًا قلّ نظيره في التأريخ الحديث وتعجز الكلمات عن بيان أبعاده الوحشيّة ... وإذا لم يكن المترقب من أعداء الإسلام والمسلمين إلّا أنْ يصطفوا مع المعتدينَ الغاصبينَ فإنّه لا يُترقَّبْ من المسلمين إلّا أنْ يقفوا مع إخوانهم في فلسطين العزيزة ، ويرصّوا صفوفهم ، ويجنِّدوا طاقاتهم في الدّفاع عنهم ووقف العدوان عليهم ))([69])، إذ كانت وبقيتْ ولا تزالُ تلكَ الاعتداءاتُ الاسرائيليّة على الشّعب الفلسطينيّ المسكين([70]) . وها هي دعوة المرجع الأعلى للمجتمع الدّوليّ لأجل التّدخّل من أجل الجانب الفلسطينيّ ، بل ينكِّد النعيم على أذن تسمع بالناعية الفلسطينية فتصمُّ ، بقوله : (( إنّ الوضع المأساويّ الّذي يعيشه أبناء الشّعب الفلسطينيّ المظلوم يقتضي أنْ لا يهنأ المسلمون في مطعم و مشرب إلى أن يُكفُّوا عن إخوانهم وأخواتهم أيدي الظالمين ))([71]).

    هذه الدعوة النابعة من القلب الرّؤوف تستحقُّ أنْ تدبّجَ في المناهج الأكاديميّة ، وأنْ تُنشرَ في الطُّرقات العربيّة والإسلاميّة ؛ لتذكِّرَ مَن يتذكّرُ بواجب الالتفات إلى بلد يعاني نكبة ، طال بها الأمد ، ولكن ما نراه في الواقع غير ذلك ، نرى تعاونَ كثيرٍ من البلدان العربيّة والإسلاميّة مع الكيان الصهيوني وعدم التنكر لأفعاله المشينة ، ومن هنا رأينا استمرار محنة فلسطين .

    وشدّدَ السيد المرجع النّكير على العدوان الإسرائيليّ ضدّ الشعب اللبنانيّ ، وجاء عن مكتبه :           (( إنّ العالم مدعوٌّ للتحرك بغية المنع من استمرار هذا العدوان السّافر كما أنّ الأمّة مدعوة للوقوف إلى جانب الشّعب اللبنانيّ المظلوم والتّضامن معه والسّعي في تأمين الحاجات الإنسانيّة للمنكوبين من الجرحى والمشرّدين وغيرهم ، وعلى وكلاء المرجعيّة الدّينيّة في لبنان والمؤمنين عامّة القيام بذلك بكلّ ما أوتوا من إمكانات . إنّ المظالم التي تعاني منها شعوب المنطقة ومنها اللبنانيون تزيد من حنق الشعوب وغيضها على السياسات الدوليّة الداعمة لما يحصل أو المتغاضية عنه ممّا يصعِّدُ بطبيعة الحال من وتيرة التوتر والعنف ، ويعيق الأمن والسّلام في المنطقة برمتها ))([72]) .

    إنّ ما نراه عند السيد المرجع من قطيعة مع أعداء التعايش كالصهاينة([73]) ونحوهم يمثل أبرز نقاط التعايش فلأجل بثّ التّعايش ينبغي التّصدي لأعداء التّعايش وأنّى كانوا .

ــ الحث على التعايش السلميّ

    ليس من السُّهولة على المرجعيّة الدينيّة أنْ تحيط بكلِّ مواقع الخلل ، وتعمل على رتقها بمفردها بسبب الفجوات الكثيرة في المجتمع العراقيّ التي خلّفتها الأزمان الماضية والترسبات الآنيّة ، ومن هنا كثيرًا ما رأيناها تقوم بقاعدة (اعمل واجعل الآخرين يعملون معك) ، فكانت خطاباتها تحث كثيرًا الجهات المسؤولة على أنْ يقوموا بأداء واجباتهم من مثل تشجيع أصحاب القرار وذوي العقل على التصدي للخطابات القاصمة للتعايش السلمي ، فهي : (( مما له تداعيات خطيرة على التعايش السلميّ بين أبناء المجتمعات الخليطة من أديان ومذاهب مختلفة ، ويمهد لممارسة العنف فيها من قبل البعض ضد البعض الآخر ، وتقع المسؤولية على أصحاب القرار وعلى ذوي العقل والحكمة من مختلف الطوائف والاتجاهات في توجيه المعنيين بالكفِّ عن هذه الممارسات التي تؤدي إلى مزيد من العناء والبلاء على الجميع والله الهادي )) ([74]).

      وها هيَ خطب الجمعة بعد أنْ وقعتْ مرحلة النُّزوح من مناطق الحرب هربًا من الإرهاب      وفيها ظهر الحرص الشديد على أنْ تُهيَّأ لها المعيشة التي تستحقّها ، ومن ذلك ما صدر منه 

)) انّ عشرات الآلاف من المواطنين من التركمان والشبك والمسيحيين والأقليّات الأخرى يعيشون في هذه الأيّام ظروفًا قاسيةً بسبب التّهجير والنّزوح عن مناطق سكناهم بعد سيطرة الارهابيّين على مدنهم وقراهم في محافظة نينوى وغيرها. إنّ الجهود المبذولة في رعايتهم والتخفيف من معاناتهم لا تزال دون المستوى المطلوب. إنّ الحكومة الاتحاديّة تتحمّل مسؤوليّة كبيرة تجاه هؤلاء المهجّرين والنّازحين، كما أنّ حكومة إقليم كردستان والمنظّمات الدّوليّة مدعوّة إلى بذل المزيد من الاهتمام بهم .

   إنّ هؤلاءِ المواطنين يجب أنْ تتوفّر لهم فرصة العود إلى مناطق سُكْناهم بعد استتباب الأمن والسّلام فيها ولا يجوز أنْ يكون تهجيرهم ونزوحهم عنها مدخلًا لأيّ تغييرات ديموغرافية في تلك المناطق )) ([75]) هذا هو الخطاب الإنسانيّ الذي يهتمّ بجميع المكوّنات ، ويعتزّ كلّ الاعتزاز بالأقليّات ولا يهمّش أيّ طرفٍ مهما كانَ وأنّى كانَ ، يرفض الظلم بجميع أشكاله . بل ثمّة مطالبة لأجل تلك الطوائف ، تلك المطالبة شملت الحكومة المركزية وحكومة كردستان كذلك ومطالبات المنظمات الإنسانيّة في تسخير جهودها الإنسانيّة للمنكوبين والمتضرّرين ، وما ذلك إلّا لأجل تسخير كلّ الجهود لأجل العراق .

   وتراكمت الخطب تعجُّ بضرورة مساعدتهم ولا سيّما الأمر مع المسؤول ، وسبب ذلك أنّ دعوة المسؤول إلى مراجعة التّجمعات المنكوبة تعود إلى ما فيها من ضرورة في معالجة الأجواء النّفسيّة المتردية لتلك الجماعات المُتضررة الّتي هي شتاتُ من أطيافِ متعدّدةٍ ، وما دُعاء  المرجع إلى ذلكَ إلّا بعد أنْ رأى المسؤولين في الأغلب لم يأخذوا واجبهم اتجاه النّكبات ، وكلّ هذا مدعاة إلى كارثة إنسانيّة ، وهيَ إهمال مجاميع مهمّة من المُجتمع.

   وربما  تكون الدعوة لأجل فرض التّعايش على نطاق أوسع ، فيذهب مخاطبًا الزّعامات الدينيّة بأسلوب لطيف مؤنس في ضرورة أنْ تؤدّي ما عليها في فرض فضيلة التّعايش ، وأنْ لا يكونوا حجرة عثرة في طريق تلك الفضيلة مثلما نجده في جواب لمجلة فور سايت اليابانيّة بعد أن وجّهت إليه السؤال (( ازداد في الفترة الأخيرة التّوتر بين أتباع الدّيانات التّوحيديّة الرئيسيّة ، وهي : الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة ، فما هي رؤيتكم لتخفيف هذا التوتر؟ )) ، وكان هذا بتاريخ 14 رمضان 1427هـ ، وجاء الردّ : (( يجب أنْ يسعى الجميع ولا سيّما الزّعامات الدينيّة والروحيّة  لتثبيت قيم المحبّة والتّعايش السلمي المبنيّ على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين أتباع مختلف الأديان والاتّجاهات الفكريّة ، ولكن من المُؤسف أنْ ما صدرَ أخيرًا من تصريحات لبابا الفاتيكان ومن قبلها قضية الرّسوم الكاريكاتوريّة قد أضرّت كثيرًا بفرض تكريس السّلام والتّسامح الدينيّ بين المسلمين والمسيحيين ، ولا بدّ من تصحيح المواقف واتّخاذ تدابير مناسبة لتدارك ما وقع))([76]) ، فمع كل ما صدر من إساءة لم نجد الخطاب المَرجعيّ ينزل إلى مستوى ما نزل إليه الآخرون ، بل بقيَ على أمل العودة للطريق السّليم في ترسيخ المحبّة والتّسامح .

ــ توحيد الخطاب الوطنيّ وتنقيته من مظاهر الطّائفيّة

   لا نجد خطابًا للسَّيد إلّا والإنسانيّة تفوحُ منه فحين سألته مجلة بولند الأسبوعيّة : (( هل انتم مستعدون للتحاور والنقاش مع الفئات الإسلاميّة الأخرى )) كان الرد (( لا توجد بيننا خلافات تُذكر ، وإنْ وجدت فالحوار هو الأسلوب المتين للتقارب وحلّ المشاكل )) ([77]) .

     بل نجده يؤكِّدُ على الإنسانيّة ، وينبذ الخطابات المغرضة التي تمسّ بوحدة الشّعب ، ويؤكّد أنّ ما يصيب الشعب ليس من أهله بل من الغرباء ، ويتكرر هذا المصطلح (الغرباء) في بياناته ليرمي الكرة في ساحة العدو ، ويبرِّئ السّاحة العراقيّة من الشّحناء تجنّبًا لحروب أهليّة على النحو من قوله : (( ودعم القوات المسلحة بالمُؤن الغذائيّة والمستلزمات العسكريّة الضّروريّة وشحذ الهمم ورفع المعنويات لمزيد من الصّبر والثّبات في مكافحة الإرهابيّين الغرباء ))([78])، وقوله : (( في الظّروف الصّعبة والحسّاسة التي يعيشها العراقيّون جميعًا وهم يواجهون الإرهابيين الغرباء ...)) ([79]) وكذلك : (( لقد أوضحنا أكثر من مرّة أنّ الدّعوة للتّطوّع في صفوف القوات العسكريّة والأمنيّة العراقيّة إنّما كانت لغرض حماية العراقيّين من مختلف الطّوائف والأعراق وحماية أعراضهم ومقدّساتهم من الإرهابيّين الغرباء))([80]) ، بل حين وجِّهَ إليه سؤالٌ من صحيفة نيويورك تايمز : ((هل لديكم مخاوف من وقوع فتن طائفيّة في العراق)) أجاب (( لا مخاوف من هذا القبيل إذا لم تتدخل أطراف أجنبية في شؤون العراق))([81]) كل ذلك من أجل ترسيخ لغة الوحدة لغة العراق الواحد لغة المصير الواحد ، في الوقت الذي نسمع تراشق الاتهامات بين السّياسيّين والآخرين تراشقًا جعل غابات الطّائفيّة تنمو وتثمر بسموم الأفاعي التي عرقلت الحياة وزعزعت العراق ، وهذا من أشدّ ما حاربه السّيّد المرجع مطالبًا أنْ تكون التَّصريحات بعيدة عن التّشنجات كي يفسح المجال للتّعاون والتّعامل بين الأطراف ، فالخطاب التّهجمي لا يولِّدُ إلا مزيدًا من الفجوات وعرقلة لكل تقدُّم ، وهذا يزيد في تفرقة العراق وتمزيقه ويزيد من التأزّم .

    ومن جرّاء ذلك باتَ على وسائل الإعلام وحتّى على مواقع التّواصل الاجتماعيّ أنْ تعيَ هذه المسؤوليّة ، ولكن للأسف نجد أنّ كثيرًا من الإعلام ومواقع التّواصل لا تعي ذلك ؛ لذا بقيت الخطابات الاستفزازيّة والطّائفية تُراج على الأسماع ، وكلّ هذا لم يكن مقبولًا عند السّيد المرجع ، وقد حاربه لأن به محاربة للتّعايش . وجاء عنه أيضًا (( في الظروف الصّعبة والحسّاسة التي يعيشها العراقيّون جميعًا وهم يواجهون الإرهابيين الغرباء فانّ أهمّ ما تمسّ الحاجة إليه هو وحدة الصّفّ ونبذ الفرقة والاختلاف، ومن هنا طالما طلبنا من السّياسيّين والذين يظهرون في وسائل الإعلام أنْ يكفُّوا عن المواقف الخطابيّة المتشددة والمهاترات الإعلاميّة التي لا تزيد الوضع إلا تعقيدًا وإرباكًا ، ولكن مع الأسف الشّديد نجد أنّ البعض لا يزال يمارس ذلك ، وحتّى وصل الأمر إلى بعض المواطنين ، فنسمع منهم أحيانًا نماذج مؤسفة من الكلام الطّائفيّ أو العنصريّ أو نجد ذلك في مواقع التّواصل الاجتماعيّ ، وهذا لا يليق بالعراقيّين بكلّ تأكيد إنّنا جميعًا أبناء شعب واحد ، وقدرنا أنْ يعيشَ بعضنا مع بعض فلا بدّ من العمل على شدّ أواصر المحبّة والألفة بيننا وترك كلّ ما يؤدّي إلى مزيد من التشنّج والاختلاف بين مكوّنات هذا الشّعب العريق ))([82]) ، فالعراق الواحد هو الذي شغل السّيد وجعله يحرص كل الحرص على ترسيخ استقلاله وديمومة عراقته .  فأكّد مرارًا على أنْ يكون الانتماء إلى العراق أعلى من الانتماء المذهبيّ أو القوميّ .

     أقول لو كان الأمر كما أرادَ السيد المرجعُ لَكان العراق ينعمُ في كلِّ خيرٍ واضعًا قدمه على طريق التطوّر منعمًا بالاكتفاء الذاتيّ ، ولكنْ يُؤسفنا أنّ فايروس الطّائفيّة والمصالح الذاتيّة عند المترئِّسين والمُتسيِّسين أودى بتقدُّم البلاد ونخَرَ في مفاصل الحياة ، ولا بدّ من تنقية البلد منه ومن هنا وجدْنا تكرار تلك الخطابات الوطنيّة في أكثر من موضع من مثل : (( إنّ التحديات والمخاطر الكبيرة الحالية والمستقبلية التي تحدق بالعراق والتي تهدّدُ السلمَ الأهلي ووحدة النّسيج الاجتماعيّ للشعب العراقيّ ، وتُنذر بواقع مقسم ومتناحر لعراق المستقبل تتطلب وقفة شجاعة وجريئة ووطنيّة صادقة من الكتل السّياسيّة والقادة السّياسيّين تتجاوز فيها البحث عن المصالح الضيّقة الشخصيّة والفئويّة والطّائفيّة والقوميّة واستغلال هذه الظروف لتحقيق مكاسب سياسية أو مناطقيّة أو الإصرار على بعض المطالب التي تعقِّدُ الوضع السّياسيّ وتمنع من حلِّ الأزمة الرّاهنة لترتقي هذه الكتل والقادة إلى مواقف تتجاوز ( الأنا ) بأي عنوان كان لتعبر عن التّضحية والإيثار والغيرة على مصالح هذا البلد وشعبه المُهدّد بالتّمزّق 

والتّناحر ))([83]) .

     ولأن الإعلام لم يقف عن الخطاب الشّيطانيّ تكرّر خطاب المرجعيّة في ضرورة محاربة ذلك الخطاب : (( سبق أن أكّدنا على اتخاذ وسائل الإعلام ولا سيما القنوات الفضائية والإساءة إلى الآخرين والتّحريض ضدّهم وتناول رموزهم ومقدّساتهم بالقذف والسّبّ ونحو ذلك بالإضافة إلى كونه على خلاف تعاليم النبي المصطفى وآله الطاهرين (عليهم السلام) ممّا له تداعيات خطيرة على التّعايش السّلميّ بين أبناء المجتمعات الخليطة من أديان ومذاهب مختلفة ويمهِّدُ لممارسة العنف فيها))([84]) .

     ويقع في الجانب الآخر على الناس السماع للحسن الصالح ، فلما تلقى السيد المرجع أسئلة صحيفة الواشنطن بوست ، وكان منها ((ما هي أفضل نصيحة للعراقيين من خلال ذكر حديث نبويّ أو من خلال حديث لإمام أو مرجع ؟ )) كان الرد : (( في القرآن الكريم وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) الكثير ممّا لو عمل بها المسلمون لكانوا في حال أفضل من الحال الحاضر ، ومن أبرز ذلك قوله تعالى : ] فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ[  

[ الزمر: 17 ــ 18] )) ([85]) ، هذه الآية المباركة أرادها السيد أنْ تكون شعارنا في التعامل مع النّصائح الموجهة ؛ كي نضمنَ سبل الأمان مع الآخرين ، ولا نكون عرضة للفتن والعداءات الداخليّة والخارجيّة .

ــ تشجيع المحسن والأخذ بيده

    تجلّى تشجيع المحسن ــ الذي به راج التّعايش السّلميّ ــ عند السّيد (رضوان الله عليه) في مواقف كثيرة ، أبرزها فيما تجلّى بالمقاتلين وبمَن ساندهم ، فهذان الصنفان نذروا أنفسهم وأموالهم في محاربة أعداءِ التّعايش ، فنالوا رضا المرجعيّة وتشجيعها على النّحو من الخطاب : 

(( والمطلوب من القوى السّياسيّة أنْ توحِّد مواقفها في هذه المعركة التّاريخية التي هي معركة وجود للعراق ومستقبله والمطلوب من الحكومة أنْ تسخّرَ مختلف إمكاناتها لإسناد ودعم المقاتلين فإنّ لهم الأولوية القُصوى في هذه الظروف ، كما أنّ شعبنا الكريم لم يبخل بشيءٍ في مساندة أبنائه المقاتلين ؛ إذ لا يزال أهل الخير والبرّ يقدّمون ما باستطاعتهم في دعمهم بأشكاله المختلفة جزاهم الله خير جزاء المحسنين))([86]) ، ونلحظ في الخطاب ضرورة الاهتمام بالمقاتلين ونلحظ أيضًا الثّناء على الباذلين جهودهم في مساندة المقاتلين . وفي هذا تشجيع لأهل الخير على الخير ، والحصيلة في الآخر تعود للبلد ؛ وذلك لأنّ الجندي إذا رأى كل تلك العناية به شجّعه ذلك على أنْ يندفعَ في جهادهِ في هجومه على أعداء التّعايش . وهذا الفكر إذا شاعَ عند الجنود عامّة أدّى إلى خلق جيش عقائديّ موطِّنًا نفسه على الخطوب وتحمّل المهالك ، فكانتِ الحصيلة اتّسام البلد بالعِزّة لتحصّنهِ بجيشهِ القادر على النّصر .

  أمّا تشجيع المساندين للجيش والمتطوّعين لحماية البلد فهذا لا يقلّ عن سابقه في إنجاح البلد لِمَا فيه من تقوية العزيمة لأهل الخير .

ــ إدراج المتطوعين في ضمن الجيش

    التأكيد على قيام الدولة القوية لأجل بسط الحياة السّليمة كان من أوليّات رؤى السّيد المرجع حتى ورد عن مكتبه : (( ونؤكّد أيضًا مرّة أخرى على ضرورة تنظيم عملية التطوع وإدراج المتطوّعين في ضمن القوات العسكريّة والأمنيّة العراقيّة الرسميّة وعدم السّماح بوجود مجموعات مسلحة خارج الأطر القانونيّة تحت أي صفة وعنوان ، إنّ هذا مسؤوليّة الحكومة ، وليس لها أنْ تتسامحَ في القيام بها))([87]) ، وقد سبق هذا الخطاب خطابات كانت تنصّ على ضرورة إدراج قوات الحشد في مؤسسة الدولة وذلك لأجل توحيد القوى وتجنب الفوضويّة .

    إنّ طرق تجنُّب الصِّدام عند السّيّد تتأتّى من توحيد القوات وجعلها تنطوي تحت إدارة الحكومة ، بل دعا إلى محاربة المظاهر المسلحة التي لا تنتمي إلى الدولة ؛ فسيادة العراق مسألة مهمّة لا بدّ منها .

ــ التدخل المباشر في حلّ النّزاعات

    كلُّ ما رأينا كان تدخلًا لأجل بسط التعايش ؛ فحتى التشجيع على الجهاد هو بالحقيقة تشجيعٌ على التعايش كونه جاء لأجل استئصال من يرومون استئصال التعايش ، وقد برز السيد السيستاني في القضاء على النزاعات حين بلغت أوجَّها في عهد رئيس الوزراء أياد علاوي بعدَ أنْ حدثت الاشتباكات بين الجيش العراقيّ وخلفهم الأمريكان ضد أتباع السيد المقتدى ، وكان الفضل الأكبر للسيد السيستاني في إيقاف سيل الدماء وتجنيب العراق فاجعة كبيرة حتى التفتَ إلى ذلك المستشرق هاينس هالم بقوله : (( بعد نشوب معارك عنيفة في النجف بين جيش المهديّ بقيادة مقتدى الصدر والقوات الحكوميّة العراقية المدعومة من الأمريكيين استطاع آية الله العظمى علي السيستاني التوسط لوقف إطلاق النار ))([88]) .

بناء النظام الصالح

   لأجل درء العنف والفوضوية لأجل تعايش بأمان لأجل تجنب الاضطرابات الداخليّة كانت دعوة السّيد المرجع إلى قيام نظام قويّ ، وقد تكرّرَ ذلك كثيرًا في البيانات الصّادرة من مكتبه([89])، وأبان فائدة ذلك بقوله في أحد البيانات الصّادرة عن مكتبه بعد زيارة رئيس الوزراء السّابق نوري المالكي له : (( انّ عدم قيام الحكومة بما هو واجبها في تأمين الأمن والنظام وحماية أرواح المواطنين يفسح المجال لتصدي قوى غيرها للقيام بهذه المهمة ، وهو أمر في غاية الخطورة)) ([90]).

    وما أن تحين كارثةٌ ما ربّما تخلّف جراءها كوارث أخرى على النحو من حادثة فاجعة جسر الأئمة نجده يدعو إلى : (( وحدة الكلمة ورصّ الصّفوف وتفويت الفرصة على مُثيري 

الفتنة))([91])، وقد صدر عنه بعد تفجير قُبّة الإمامين العسكريين (عليهما السّلام) الحداد والتّعبير عن المأساة شرط : (( أنْ لا يبلغ بهم ذلك مبلغًا يجرُّهم إلى اتخاذ ما يؤدي إلى ما يريده الأعداء من فتنة طائفيّة طالما عملوا على إدخال العراق في أتونها ))([92]) .

     وحين استفتاه التّيار الصّدريّ عن تصريح الزّرقاويّ بأنّه : (( أعلنها ... حربًا على الشّيعة في العراق فما هو رأيكم حول هذه المسألة الخطيرة ؟ )) كان الرّدّ : (( إنّ الهدف الأساس من إطلاق هذه التّهديدات وممّا سبقها وأعقبها من أعمال إجراميّة ... هو إيقاع الفتنة بين أبناء هذا الشّعب الكريم وإيقاد نار الحرب الأهليّة في هذا البلد العزيز ... )) ([93]).

   ومن ذلك أنه دعا إلى عدم الإقدام على الفرديّة في اتّخاذ القرار وترك الأمر إلى حين تكوين نظام صالح يخدم البلد ، فحين وجّه السؤال إلى مكتبه عن بعثيي النّظام البائد (( من كان لِمَا كتبه من تقرير ضدّ بعض المؤمنين دور أساس في إعدامهم هل يجوز لأولياء المعدومين قتله أو إجباره على مغادرة المدينة أو نحو ذلك ؟ )) كان الرد : (( لا تجوز المبادرة إلى اتّخاذ أي إجراء بصدد معاقبته ، بل لا بدّ من تأجيل الأمر إلى حين تشكيل محكمة شرعيّة للنّظر في مثل هذه القضايا))([94]) .

   ورفَضَ تشكيل ميليشات ، فزعامة الدّولة أولى من تهميشها وتجزئتها على النّحو من نصّ البيان: (( لسنا مع تشكّل مثل هذه الميليشات وتأكيدنا على دعم القوة الوطنيّة العراقيّة ))([95]).

   كلّ ذلك لأجل أنْ لا تعمّ الفرقة والنّزاعات ويسود الأمان والتّسامح .

ــ التحلي بالأخلاق السّامية

   الأخلاق الحسنة هي عنوان التّعايش السّلميّ وقد وجدنا الدّعوة إليها في خطاب السّيد بما يعزز من قيام التّعايش على النّحو من جواب لوكالة اسوشيتد برس (( الحوار الهادئ بين الأطراف المعنيّة هو الأسلوب الأمثل لحلِّ الخلافات واحترام الأقليّة لرأي الأكثريّة وعدم محاولة الأكثريّة للسّيطرة على الأقليّة والتّحكُّم بهم ))([96]) .

   ويطالب باحترام الآخرين واحترام أنظمتهم كبيانه لاستفتاء من السفارة العراقية في إيران : 

(( عليكم بتطبيق التعليمات الصّادرة من مراجعكم القانونيّة وعدم استخدام الصّلاحيات الممنوحة لكم بما يؤدّي إلى الإخلال بالعدالة ))([97]) . ولا شكّ أنّ العدالة تُرضي الأطراف السّويّة ، وتمنع من الضغينة التي تنخر بتعامل الناس بعضهم مع بعضهم الآخر .

  الحديث في المشتركات لا في الاختلافات

    المشتركات بين البشرية كثيرة فبين المسلمين رسالة الإسلام ، وبين المسلمين وغيرهم من الموحِّدين التّوحيد ، وبين هؤلاء وغيرهم من غير الموحّدين تأتي الإنسانيّة عاملًا مشتركًا ، وهذه المشتركات كفيلةٌ في أنْ يتعاملَ الجميع فيما بينهم بلطف ومودّة ، وهو ما أكّده وعمِلَ عليه الخطاب المرجعيّ المبارك ، فمن بيانٍ في الوحدة الإسلامية أبانَ المشتركات بين المسلمين : القرآن والسّنّة النّبويّة ومودّة أهل البيت والصّلاة والصّيام والحج ّوغيرها .. ((هذهِ المشتركاتُ هي الأساس القويم للوحدة الإسلاميّة فلا بدّ من التّركيز عليها لتوثيق أواصر المحبّة والمودّة بين أبناء هذه الأمّة ولا أقلّ من العمل على التّعايش السّلميّ بينهم مبنيًّا على الاحترام المتبادل وبعيدًا عن المشاحنات والمهاترات المذهبيّة والطّائفيّة أيًّا كانت عناوينها))([98]) .

    ولما وجهت شبكة CNN (( ما هي رؤية السّيّد بشأن العلاقة بين السّنة والشّيعة ؟ وهل إنّ حوادث العنف التي وقعت أخيرًا يمكن أنْ تتكرر وتتصاعد في المستقبل ؟ )) كان الرد (( ان العلاقة الأخويّة بين الشّيعة والسّنة في العراق لن تتأثرَ ببعض الحوادث المؤسفة التي وقعت مؤخرًا ، وقد سعى الكلّ في تطويقها واتّخاذ ما يلزم لعدم تكرارها ، ومن المؤكّد أنّ العراقيّين جميعًا سنّة وشيعة وغيرهم حريصون على وحدة بلدهم والدّفاع عن ثوابته الدينيّة والوطنيّة كما أنّهم متّفقون على ضرورة التّأسيس لنظام جديد يقرُّ مبدأ العدالة والمساواة بين جميع أبناء هذا البلد في جنب مبدأ التّعدديّة واحترام الرأي الآخر ))([99]). ويكفينا الفخر بمقولته المثاليّة عن السنة : (( لا تقولوا إخواننا بل قولوا أنفسنا((  ([100])   .

الخاتمة

    بعد تلك الجولة في رياض المرجعيّة الرشيدة المتمثلة بسماحة المرجع الأعلى السّيد السيستانيّ تبين عظمة قيادتها في الحثّ على بسط الأمن الاجتماعيّ بين النّاس عامّة ، وألّا يكون هناك تعرض إلا لمن ينشب التّعرض للآخرين ، وفي ذلك بسط للأمن أيضًا وحفظ للكرامة، على العكس ممّا نراه عند قيادات بعض الأطياف من انتقاد وتكفير وتفسيق للآخرين جعل المغرّرين بهم ينتهجون نهج سفك الدّماء ، في وقت سطّرت فيه مرجعيّتنا الرّشيدة أروع المُثُل في مساعدة الآخر ، وفي مدّ يد العون إلى الأطياف الأخرى ، انتهاجًا بقوله تعالى : 

]  قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ (يوسف : 108 ) . هذه الرحمة الرّبانيّة كانت تأسيًا بخاتم الأنبياء ليتدلّل أنّ دينَ محمد لا ينتهي ولن ينتهي ، وأنّ الإسلام الحقيقيّ ليس مجرد كلمة وادعاء بل فعل وامتثال ، هذا هو الإسلام الحقيقيّ هذا هو الدّين العالميّ الدّين الخاتّم الذي أجادَ المراجع في تمثيله وصولًا إلى موعدِ تسليمه بيد خاتم الأوصياء (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) .

   وقد كشف البحث على إيجازه عن تعرض المرجعية الدينية للاعتداء من المُغرضين، ومع ذلك بقيت شامخة ، وهي في كل ذلك تطربنا بخطاب إنسانيّ بخطاب تسامحيّ يبقى حتى مع انتفاء المسامحة عند الآخر . بخطاب خالٍ من التركيز على الشّيعيّ فقط ، بل وجدنا المسلم والعراق والإنسانيّة هي المتفشية ، لتنبئ أنّ العراق لا يكون عراقًا إلا إذا آمنّا بجميع مكوناته ، ذلك الخطاب كان بحق هو الخطاب الباعث على التّعايش ، فمحمد (صلى الله عليه وآله) يجمعنا ، ومن هنا تكرر الاستشهاد به في النصوص الصادرة منه (دام ثراه) ، والمشتركات بين الطوائف الإسلاميّة هي المنطلق في التّحاور ولا مجال لذكر الخلافات في حديث المرجع ، وقد أراد لذلك التعايش أنْ يكون باستقلال وحرية ، فلا يقبع لسيطرة أجنبيّ ولا محتل أمريكيّ ؛ فشرهم غير مأمون .

    ولقد رأينا العراق في كلام المرجع أسرة واحدة ، ورأينا تلك الأسرة مستهدَفة من الأجنبيّ ، فلأجل أنْ تحيى بأمان كان عليها أنْ لا تنسحب لدسائس الأجنبيّ فهناك منغصات للتعايش لا بدّ من استئصالها وتجنّبها فعلى العراقيّين أنْ ينظروا للعراق من العراق نفسه لا من أناس تسيل من شفاههم سموم الطائفيّة .

      ورأينا أيضًا عظمة الإمامة بدليل أنها أنتجت لنا ثمرة المرجعية تلك الثمرة التي لم نر مثيلا لها عند الآخرين فالخطاب سماوي مثالي ، والفعل مطابق له .

          ونقترح بعد هذا ضرورة تطعيم مناهجنا الأكاديميّة بإضاءات قادتنا المُخلصين ، وما الضير في أن يتخلل المنهج الأكاديمي شيئًا من وهج المرجعيّة ، كونه يصبُّ على ترسيخ الخلق النّبويّ في نفوس النشء الجديد ، وقد (( سئل أحد السياسيّين رأيه في مستقبل الأمّة ، فقال : ضَعُوا أمامي مناهجها أنبئكم بمستقبلها ))([101]) .

    بل في الوقت الذي نرى فيه تراجع العراق في كثير من المجالات باتت الضرورة للنهوض بالعراق أمرًا لا بدّ منه وما ذلك إلا لكثير من الأسباب ، أحدها عدم إطاعة المرجعيّة ، ولو أخذ بكلامها لأكلنا من فوقنا ومن تحتنا ؛ أليس البلد الذي ينعم بالأمان والمودة بين كل الأطياف قادرًا على أنْ يحظى بالحيويّة وكسب الرّزق ، قال تعالى : ] وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ [ ( البقرة : 126) ، فالأمن طريق للرزق ، ولا رزق إلا بأمن . أي إنّ التعايش السلمي هو طريق الرزق ، وبه نتجنب صدامات تنخر برفعة البلاد .

قائمة المصادر والمراجع

  • أساس البلاغة ، جار الله محمود بن عُمَرَ الزمخشريّ ( ت 538ه ) ، دارُ الفِكْرِ ، بيروت ـــ لُبْنان ، 1424ه ـــ 2004م .
  • أساطين المرجعيّة العليا المعاصرين ، د. محمد حسين الصغير ، مؤسسة البلاغ ، بيروت ــ لبنان ، 1424ه ـــ 2003م.
  • الإعجاز الصرفيّ في القرآن الكريم ، د .عبد الحميد أحمد يوسف هنداوي ، المكتبة العصريّة ، صيدا ـ بيروت ، ط1 ، 2001 م .
  • الإمام السيستاني ــ أمّة في رجل ــ ، حسين محمد علي الفاضليّ ، مؤسسة البلاغ ، ط1 ، 1429هــ ـــ 2008م .
  • بين مقاومتين ، السيد محمد باقر الحكيم ، مؤسسة تراث الشهيدالحكيم ــ النجف الأشرف، 1425هـ ــ 1426هــ .
  • الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير ، جلال الدين السيوطي ( ت911هـ ) ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت ، ط1 ، 1401 هــ - 1981 م .
  • الدور السياسي للمرجعيّة الدينية في العراق الحديث ، عباس جعفر محمد الإماميّ ، بيت العلم للنابهين ، بيروت ــ لبنان ، ط1 ، 1432هـ ــ 2011م .
  • الرّحلة العلاجيّة لسماحة السّيد السيستانيّ(دام ظله) وأزمة النجف ، حامد الخفاف ، دار المؤرخ العربيّ ، بيروت ــ لبنان ، ط3 ، 1434ه ــ 2013 م .
  • الرقابة العامة للمرجعيّات الدينيّة في العراق الحديث ــ بحث مقارن ــ ، د. عباس جعفر الإمامي ، العارف للمطبوعات ، ط2 ، 2013م .
  • السبيل إلى إنهاض المسلمين ، السّيّد محمّد الحسينيّ الشّيرازيّ ، دار صادق ، كربلاء ــ العراق ، ط1 ، 1425ه ــ 2004م .
  • الشيعة، هاينس هالم ، تر : محمود كبيبو ، بيت الوراق للطباعة والنشر ، ط1، 2011م.
  • العين ، الخليل بن أحمد الفراهيدي ( ت 175هـ ) ، تح : د. مهدي المخزومي و د. إبراهيم السامرائي ، مؤسسة دار الهجرة ، إيران ــ قم ، ط2 ، 1409 هـ .
  • فاجعة الطف ــ أبعادها ، ثمراتها ، توقيتها ــ ، السيد محمد سعيد الحكيم ، مؤسسة الحكمة للثقافة الإسلاميّة ،النجف الأشرف ، ط3 ، 1431هــ ــ 2010 .
  • قصص وخواطر (من أخلاقيات أعلام الدين)، العلامة : عبدالمهتدي البحراني ، منشورات ذوي القربى ، قم ، ط6 ، 1422ه ــ 2001م .
  • مبدأ التعايش السلمي في الفقه الإسلاميّ ، الدكتور الشيخ فاضل المالكيّ ، مؤسّسة البحوث والدراسات الإسلاميّة ، ط2 ، 1424ه .
  • مجتمع اللاعنف ــ دراسة في واقع الأمة الإسْلاميَّة ـــ ، السيد حسن عزّ الدّين بحر العلوم ، دار الزهراء ، إيران ــ قم ، مؤسسة العطار ــ النجف الأشرف ، ط1 ، 1427ه .
  • المرجعية الدينية ، محمد سعيد الحكيم ، اعداد : عبدالهادي محمد تقي الحكيم ، مؤسسة المرشد ، بيروت ــ لبنان ، ط5 ، 1424هــ ـــ 2003 م .
  • المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الإمامية ــ دراسة في التطور السياسي والعلميّ ـــ ، د. جودت القزويني ، دار الرافدين ، بيروت ــ لبنان ، ط1 ، 1426هـ ــ 2005م .
  • المسائل المنتخبة العبادات والمعاملات ، فتاوى سماحة السيدعلي الحسينيّ السيستانيّ ، مطبعة الميزان ، بغداد ، (د.ت) .
  • المشهد العراقيّ جدليّة العنف والتسامح ، د. ناهدة عبد الكريم حافظ ، بحث منشور في مؤتمر السليمانيّة (ثقافة اللاعنف في التعامل مع الآخر) ، بيت الحكمة ، بغداد ، ط1 2008م .
  • معالم المرجعيّة الدينيّة ، سماحة السيد منير الخبّاز ، شبكة المنير ، ط1 ، 1434 ، 2013م .
  • معجم حقوق الإنسان ، د. إسماعيل عبدالفتاح عبدالكافي ، مصر ، 2006م .
  • مفردات ألفاظ القرآن ، العلامة الراغب الحسين بن محمد الإصفهاني (ت 502 هـ) ، تح : صفوان عدنان ، دار القلم ، دمشق ، ط4 ، 1425هـ .
  • المَقاييس في اللُّغة ، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا ( ت 395هـ ) ، تح : شهاب الدِّيْن أبو عمرو ، دار الفِكْر ، بيروت ـ لُبْنان ، ( د. ت ) .
  • منهاج الصالحين ، فتاوى سماحة السيدعلي الحسيني السيستانيّ ، دار البذرة ، النجف الأشرف ، (د.ت) .
  • الموجه الفني لمدرسي اللغة العربية ، عبد العليم إبراهيم ، دار المعارف ، القاهرة ـــ مصر ، ط7 ، ( د . ت ) .
  • موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية (الحوزة العلمية) ، محمد باقر الحكيم ، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم ، ط1 ، 2005م .
  • النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية ، حامد الخفّاف ، دار المؤرخ العربيّ ، بيروت ــ لبنان ، ط6 ، 1426 هــ ــ 2015م .

الملاحق

 الملحق (1)

 

الملحق (2)

 

الملحق (3)

الملحق (4)

 

                              

 

 

([1])سورة النمل : 59 .

 

 

([2]) مجتمع اللاعنف : 412 .

 

 

([3]) معالم المرجعيّة الدينيّة : 55  .                            

 

 

([4]) المسائل المنتخبة : 14 . 

 

 

([5]) معالم المرجعيّة الدينيّة : 56  .

 

 

([6]) ينظر : أساطين المرجعية : 192 ، وكشف عن بعض التجاوزات عليه في : النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني : 133 ، 164 ، 213.

 

 

([7]) المرجعية الدينية : 2 / 129 .

 

 

([8]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 119 ، بتاريخ 5 ربيع الثاني 1425هـ.

 

 

([9])الرقابة العامة للمرجعيّات الدينيّة في العراق الحديث :29 . 

 

 

([10])  المرجعية الدينية : 2 / 53 .

 

 

([11]) موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية : 1 / 96 .

 

 

([12])موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية : 1 / 255 .

 

 

([13]) فاجعة الطف : 517 .

 

 

([14]) الشيعة : 48 ، مستشرق الماني مواليد 1942 درس العلوم السامية والإسلاميّة والعصور الوسطى ، يدرس العلوم الإسلاميّة في جامعة توبنغن الألمانية ، ولها مؤلفات في الاسلام منها : كونيات وعلم الخلاص لدى الإسماعيليين 1978 ، وكتاب الأظلّة ، وإمبراطويّة المهدي والاسلام ماضي وحاضر ، والقارئ في كتابه الشيعة يجد أنه خلط الغث بالسمين ، ولعل هذا منهج أغلب المستشرقين في كتاباتهم .

 

 

([15]) كذا والصواب : قرنًا .

 

 

([16]) بين مقاومتين : 157 ـــ 158 .

 

 

([17]) وتعد (( حوزة النجف الأشرف من أقدم الحوزات العلمية في عالمنا الإسلامي خصوصًا في عالم أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ذلك لأن هذه الحوزة الشريفة تعتبر امتدادا لمدرسة الكوفة التي وضع أسسها الإمام أمير المؤمنين علي (u) )) موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية : 1 / 375 .

 

 

([18]) فاجعة الطف : 515 .

 

 

([19]) الشيعة : 121 .

 

 

([20]) الشيعة : 172 .

 

 

([21]) قصص وخواطر : 347 ــ 348  .

 

 

([22])ينظر : أساطين المرجعية العليا: 173 ، والمرجعية الدينية العليا عند الشيعة الإمامية : 348 .

 

 

([23]) معالم المرجعيّة الدينيّة : 55  .                                  

 

 

([24]) أساطين المرجعية العليا: 175 .

 

 

([25]) معالم المرجعيّة الدينيّة : 56  .

 

 

([26])المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الإمامية : 348 .

 

 

([27])المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الإمامية : 348 .

 

 

([28])ينظر : بين مقاومتين : 158 ــ 159 .

 

 

([29])  المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الإمامية : 350 .

 

 

([30]) معالم المرجعيّة الدينيّة : 63  .

 

 

([31]) معالم المرجعيّة الدينيّة : 66 .

 

 

([32]) كذا ورد في مقاييس اللغة : 723 ، وهو من أوهام النساخ ، فبمراجعة المصدر الأصل : كتاب العين : 2 / 189، تبين أن الوارد هو (التي) ، وهو الصحيح لغويًّا  .

 

 

([33])مقاييس اللغة : 723 ــ 724  .

 

 

([34]) أساس البلاغة : 442 .

 

 

([35]) ينظر : الإعجاز الصرفيّ في القرآن الكريم : 125 .

 

 

([36]) ينظر : مفردات ألفاظ القرآن : 124 ــ 125 .

 

 

([37]) ينظر : مجتمع اللاعنف : 404 ، 406 ، والمشهد العراقيّ جدلية العنف والتسامح : 260 ــ 261 .

 

 

([38]) الجامع الصغير : 2 / 547  .

 

 

([39]) مجتمع اللاعنف : 412  .

 

 

([40]) السبيل إلى إنهاض المسلمين : 10 .

 

 

([41]) كذا والصواب: وليس إرهابًا .

 

 

([42])الإمام السيستاني أمة في رجل: 356 .

 

 

([43]) السيد السيستاني ورياح التغيير ، مقال منشور في صحيفة الديلي ستار الأكاديمية ، ترجمة وليد عبد الأمير نقلا عن كتاب : الإمام السيستاني أمة في رجل : 274 .

 

 

([44]) ينظر : النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 102 ، بتاريخ 24 ذي الحجة 1424هـ.

 

 

([45]) ينظر :النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 140 ، والمصدر نفسه : 167 ، 170 ، 221 ، 255 .

 

 

([46]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 102 ، بتاريخ 24 ذي الحجة 1424هـ.

 

 

([47]) الدور السياسي للمرجعيّة الدينية في العراق الحديث : 68 ــ 69 .

 

 

([48]) هذا السؤال وغيره مما سيأتي جاءت في كتاب : النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية ، وجاءت الإجابات عنها في الكتاب نفسه لاحقة لها ؛ لذا سنكتفي بوضع الإحالة على الإجابة فقط .

 

 

([49]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 45 .

 

 

([50]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 65 ، وتكرر الأمر مثله في المصدر نفسه في جواب لصحيفة واشنطن بوست بتاريخ 27 شعبان 1424هـ : 80 .

 

 

([51])النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 132.         

 

 

([52])الإمام السيستاني ــ أمة في رجل ــ : 118.  

 

 

([53]) أساطين المرجعية العليا : 212 .                                                            

 

 

([54]) الملحق (3)  .

 

 

([55])النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية :176 بتاريخ :3/ جمادى الآخرة 1428ه.

 

 

([56]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 91.

 

 

([57]) الذمّيّ : هو من ارتبط بالدولة الإسلاميّة برابطة عقد الذمّة المقرر في الكتب الفقهية ، ويختص بالكافر الذمي الذي يكون بمقتضى الذمة آمنا في الذات والمتعلقات ولا يحل قتاله ، ينظر : مبدأ التعايش السلمي في الفقه الإسلاميّ : 10 .

 

 

([58]) مجتمع اللاعنف : 408 .                                         

 

 

([59]) معالم المرجعيّة الدينيّة : 65 .

 

 

([60]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 140 .

 

 

([61]) منهاج الصالحين : 1 / 109

 

 

([62]) الرحلة العلاجيّة : 32 .

 

 

([63]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 127 .

 

 

([64]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 102  .

 

 

([65]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 23 .

 

 

([66]) المسائل المنتخبة : 14 .

 

 

([67]) :  الرحلة العلاجية: 31 .

 

 

([68]) الرحلة العلاجية: 31 .

 

 

([69])النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 114 ، وحرص كثيرا على الفلسطينيين وشؤونهم فجاء عنه في المصدر نفسه : 155 : (( أنه أكّد مرارا وتكرارا على لزوم رعاية حقوق أخوتنا اللاجئين الفلسطينيين وعدم التعرض لهم بالأذى... نسأل الله العلي القدير أن يمن على أخواننا الفلسطينيين بتحرير أراضيهم )) وتكرر الأمر مثله في : 156 ، 180 في الاعتداء على غزة يتاريخ 28/12/ 2008م .

 

 

([70])  على النحو من (( الإبادة الجماعيّة ... في مذابح دير ياسين بفلسطين عام 1948 التي قُتِل فيها 254 رجلًا وامرأة وطفلًا ، ومذبحة خان يونس عام 1956 وقتل فيها 275 شخصًا ومذبحة كفر قاسم والتي قتل فيها 47 شخصًا عام 1956 م ومذبحة تل الزعتر عام 1976م وقُتل فيها 200 شخص ومذبحة صابرا وشاتيلا في عام 1982م والتي قتل فيها 4000 ضحية )) ،  معجم حقوق الإنسان : 12 .

 

 

([71])  النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 114 ،  بتاريخ : 26 محرم 1423هــ ، وينظر : أساطين المرجعية العليا المعاصرين: 216 ، و النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 180 .

 

 

([72])النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية :157، وينظر: المصدر نفسه : في بيان حول مجزرة قانا 2006 : 161 .

 

 

([73]) ينظر : النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 116 ، في البيان الصادر في استشهاد الشيخ أحمد ياسين بتاريخ : 30 /محرم / 1425هـ .

 

 

([74])النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 255 .

 

 

([75]) ملحق (2) .

 

 

([76]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 167  .

 

 

([77]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 71 .

 

 

([78])الملحق : (3)

 

 

([79]) الملحق : (3) .

 

 

([80])الملحق : (3) .

 

 

([81]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 21 .

 

 

([82])  الملحق : (3) .

 

 

([83])  ملحق (3) .

 

 

([84])  النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 221 . بتاريخ 11/ 5/ 1435هـ .

 

 

([85]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 33 .

 

 

([86]) الملحق : (4) .

 

 

([87]) الملحق 3 .

 

 

([88]) الشيعة : 173 ، ، وهذا يضاف الى ما أخذناه على هذا المستشرق الذي رأى غياب القيادة الروحية بعد غياب الامام الثاني عشر ، فها هو السيد بفضل قيادته الروحية يحفظ الشيع خصوصا العراق عموما فهو يثبت عكس ما ادعى سابقا .

 

 

([89]) ينظر : النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 117 ، 124 ، 126 ، 134 ، 144 .

 

 

([90]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 162، بتاريخ : 2/9/ 2006.

 

 

([91]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 144 ، وتكرر الامر نفسه في المصدر نفسه : 170 ، 175 .

 

 

([92]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 150 .

 

 

([93]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 147 .

 

 

([94]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 28 ، وهناك أكثر من نص يبين حث المرجع على اعتماد الدولة وانها المرجع للأمة على النحو من المصدر نفسه :101 ، 103 ، 104 ، .

 

 

([95]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 71 ، ورفض أيضا تشكيل الميليشات في جوابه لشبكة فوكس نيوز ، ينظر : المصدر نفسه : 78 ، 166 ــ 167 .

 

 

([96]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 75 .

 

 

([97]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 139 .

 

 

([98]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية :  170 .

 

 

([99]) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 87 بتاريخ 13 ذي القعدة 1424هـ .

 

 

([100]) الملحق ( 2) .

 

 

([101])الموجه الفني : 35 .