مراجع الدين …تعدّد أدوار ووحدة هدف

مناهج في العمل التغييري

السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر – نموذجا

مقدمة أولى – التقية وتعدّدية المناهج

الباحث : مختار الاسدي  ·

هنالك اكثر من منهج ، وربما أكثر من منهجين في العمل التغييري الذي أتّبعه علماء الدين الكبار في مسيرتهم اللاحبة لتحكيم دين الله والمحافظة على قيمه وحدوده. هذه المناهج تخضع بطبيعة الحال الى الظروف المحلية أولاً والاقليمية ثانياً وربما الدولية أو العالمية ثالثاً، أو كما يقال اليوم الى محدّدات الزمان والمكان أي التاريخ والجغرافية ، هذا إذا لم يَدخل العنصر الذاتي أو السليقة أو السيرة الذاتية لهذا المرجع أو ذاك ، في هذه الفترة الزمانية أو تلك ، في صياغة هذا المنهج الإصلاحي أو ذاك.

وإذا اقتصرنا في هذا البحث الموجز على منهجين ومنهجان فقط لمقاربة العمل التغييري الذي اتّبعه علماؤنا الاعلام ، فلا ينبغي إغفال الأبعاد الثلاثة المذكورة أي الزمان والمكان والسيرة عند تقييم كل منهج من المناهج على حدة ، تماماً كما هو شأننا في تقييم مسيرة العمل التغييري الذي انتهجه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في تعاملهم مع حكّام زمانهم دون إسقاط الدلالات التأريخية أو استظهارها قهرياً وانتقائياً على العلماء وبأحكام مسبقة أو جاهزة والعياذ بالله.

وقبل الدخول في تفاصيل هذين المنهجين ، ومحاكمتهما أو مقاربتهما أو الترويج لهما، أو ترجيح أحدهما على الآخر ، أو على الأقلّ الدعوة للترجيح ، لابدّ من الإشارة – ولو العابرة – الى منهج القرآن الكريم في تفضيل نبيّ على نبيّ أو رسول على رسول دون أن يعني هذا التفضيل تسقيط هذا النبي أو التشهير بذلك الرسول – كما يفهم البعض مع الأسف أو يحاول أن يفهم عن قصد أو غير قصد.

{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } البقرة : 253

{ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ } الاسراء 55 ودون تمحّل أو ليّ لِلفظة (فضّلنا) في هاتين الآيتين الكريمتين..

وقبل الدخول أيضاً في صلب الموضوع ، لابدّ من القول أن الحكم في النظرية الاسلامية ليس هدفاً بحدّ ذاته ، أو  غاية بحدّ ذاتها ، بمعنى إنه ليس رغبة أو هواية أو احتراف . وإنما وسيلة شريفة ودعوة صادقة لتحكيم دين الله في عباد الله ، ومحاولة جادّة لإقامة المعطّلة من حدود الله – كما يقول أمير المؤمنين (ع) . ولا يعني بأيّ حال من الأحوال احتكار السلطة أو الاستئثار بالقدرة والثروة ، أو التعالي على الناس أثناء الحوار أو صناعة القرار ، وإنما لإظهار العلم للناس والقاء الحجة عليهم لكي لا تبقى لهم حجة على الله يوم القيامة أي { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} الأنفال : 42

وكذلك لكي يُفهم تفسير الآية القرآنية الكريمة:

{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } الاسراء : 15 ، وبالتالي تبقى الحجة لله جميعاً : { لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } النساء : 165 والحكم أخيراً لله وحده و { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} الأنعام : 149.

وما دمنا معتقدين بأنّ الله تعالى (يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) وأن قولة أمير المؤمنين(ع) (الدين أُسّ والسلطان حارس ، فما لا أسّ له فمهدوم ، وما لا حارس له فضائع ) معقولة ومقبولة من جميع المسلمين ، فانّ الحكم لن يكون هدفاً إلا بهذا المقدار فقط وفقط . ولا يصحّ تجاوز هذا الهدف بأي شكلٍ من الأشكال.

تأسيساً على ذلك ، وفي مقاربةٍ أكثر دلالة يمكن القول بأن هناك منهجين على الأقل في العمل التغييري الاسلامي.

الأول : هو المنهج السلمي القائم على أساس (نقل الإيمان الى قلوب الحكّام ) وتحت شعار : ((وادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن )) أو {فذكّر إنما أنت مذكّر ، لست عليهم بمسيطر} أو {وإنّ عليك إلا البلاغ} {وما على الرسول إلا البلاغ المبين} ، وأمثال ذلك من هذه الآيات البيّنات.

أما الثاني : فهو المنهج الثوري القائم على أساس ((نقل الحكم إلى أيدي المؤمنين)) ، وشعاره {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كلّه لله } أو {مالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان}., {وحرّض المؤمنين على القتال} وأمثال ذلك من آيات الجهاد.

ويبدو أن بين هذين المنهجين مسافة شاسعة تتسع في كثير من الأحيان الى استيعاب مساحات وآفاق كثيرة في  العمل التغييري يقترب من إحداهما هذا العالِم ويبتعد عن الآخر ذاك، وكلٌّ حسب تقديره وفهمه واجتهاده ورؤيته.

وبين هذين المنهجين أيضاً. قد تأتي استظهارات ربما تكون متباينة لمفهوم التقيّة مثلاً الذي يقاربه البعض الى المبدأ القرآني القائل {إلاّ أن تتقوا منهم تقاة} وربما يصل الى قصّة تعذيب عمار بن ياسر الذي نزلت فيه هذه الآية ، كما يقول المفسرون وتطبيقهم مبدأ {إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان} . أو المنهج الآخر الذي يستظهر الشهادة في سبيل الله من آيات الله البيّنات أيضاً ، ويستحضر مرتكزاً فقهياً يستنبطه من حديث رسول ا لله (ص) القائل: ((إن الله عزّ وجلّ ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له …قيل وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له يارسول الله ؟ قال: الذي لا ينهى عن المنكر …)) ([1]) وبين ذينك المقاربتين يأتي حديث التقية المذكور بشعبتين أيضاً.

الأولى: ((التقية ديني ودين آبائي وأجدادي … ومن لا تقية له لا دين له)) ويكون هذا الفهم (رخصة) لاتّقاء الأعداء وكف شرّهم وأذاهم …

والثانية: ((وأيم الله لو دُعيتم لتنصرونا ، قلتم: إنما نتّقي، ولكانت التقيّة أحبّ إليكم من آبائكم وأمهاتكم ولو قد قام القائم ما احتاج الى مسائلتكم عن ذلك ولأقام في كثير منكم من أهل النفاق حدّ الله )) ([2]) ويكون هذا الفهم ، (رخصة) هي الأخرى  للتمييز بين (تقية الشجعان) و (تقية الجبناء) – كما يسميها الشهيد المرحوم علي شريعتي . وعلى أساس هذين الفهمين ابتُنيت مباني عديدة انتهت في خلاصتها الإيجابية طبعاً – ان لم نقُل التوفيقية – إن صاحب الأولى: (متفّقةٌ في دينه) فيما صاحب الثانية: شهيد تعجّل الفردوس الأعلى الى (روح وريحان وجنّة ورضوان) كما يرى الفقهاء ويوضّحون ويستدلّون ويستنبطون ، ولا يرون ضيراً في السعي لاحتواء الكلّ وتفهّم مواقفهم وظروفهم وقدراتهم دون حيف أو تمحّل أو أجحاف.

هذه هي المقدمة الأولى التي أردناها مدخلاً لدراسة أو توصيف منهجيه شهيدنا الصدر الثاني عند دراسة أو تحليل المناهج التغييرية في العمل الاسلامي.

نعم، بين هذين المنهجين أو هاتين (التقيتين) – اذا جاز التعبير – نأتي الى منهج شهيدنا الكبير السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره ) ، وكيف تعاطى مع ظروف زمانه ومكانه واستخدمهما معاً في ما سمّاه فترة (تقيّة مكثّفة) عاشها حقبةً من  حياته (رحمه الله ) ليمارس نقيضها تماماً في فترة لاحقة بعد أن وجد أن دين الله ضاع أو يكاد يُضيّع، فانبرى كما سمّاه محبوه (ليثاً أبيضاً) يرتدي كفنه يواجه الطغاة ويتحدّى الظالمين.

ولعلنا هنا في هذا البحث الموجز لا نستطيع التأكيد والإحاطة بكافة أبعاد وملامح المنهج التغييري الذي سار عليه السيد الشهيد ، أو وجد نفسه ملزماً بتقحّمه في فترة عصيبة لم يمرّ بها مرجع من مراجع المسلمين على امتداد التأريخ لا سيما وهو يواجه طاغوتاً ظالماً وعدواً شرساً لم تعرف البشرية له نظيراً أيضاً على امتداد عصور الطواغيت والظالمين.

ولكننا نقول إنّ السيد الشهيد (رضوان الله  تعالى عليه) تقحّم ميداناً وعراً ما كان غيره قادراً على تقحّمه في زمانه فأقام من قيم الدين وأرسى من معالمه وحدوده ، وفي فترة وجيزة ، ما لم يستطع إرساءه أو إقامته العشرات من العظماء في العشرات من السنين ، حتى قيل حينها انه لم تسجّل في بعض المدن التي تحب السيد ولا حتى حادثة اعتداء واحده أو سرقة واحدة على امتداد شهور من تلك الفترة لما كان أبناء هذه المدن الطيبة يعيشونه من أجواء روحية استبدلوا فيها عبارة (قال القائد) بعبارة (يقول السيد) وبشكلٍ لم يعهد تأريخ الطغاة والمراجع على امتداد العصور والأزمان أيضاً ، وبمعْلم صارخ وواضح، ومواجهة صريحة وإنْ غير معلنة ، لم يبق فيها إلا خيار التصفية والدم أمام صدام وأزلامه ومرتزقته.

وإذا لم نسجّل شيئاً في هذه المواجهة أو هذا المنهج فيكفي أن نُسجّل ما أكّدناه حينها في كتابنا (الشاهد والشهيد) وكيف قلنا أن شهيدنا دوّن أروع ما يمكن تسجيله في سجلّّ الحركات الاسلامية المعاصرة ، وهو قدرته الفائقة على استثمار الهدنة بينه وبين النظام الدكتاتوري الحاكم في بغداد ، ونجاحه في استقطاب الشارع العراقي بملايينه الغاضبة، وتوجيه هذه الملايين في مشروع إصلاحي تغييري شهد ويشهد وسيظل يشهد عليه تأريخ العراق السياسي الحديث.

نعم ، لقد تقدّم هذا المرجع الكبير بخطاب شعبي مفهوم ، ولهجة تعبوية غير مألوفة (مرجعياً) عابراً من مرحلة الخطاب المكتوب ، والاستفتاء الجاهز، والجواب (الفقهي) الغامض المسكون بـ (الأحوط) ، إلى مرحلة الخطاب المسموع واللهجة الواضحة والجواب الصريح. حتى كاد أن يقلب كل معادلات السلطة الحاكمة  ويعصف بأطروحتيها الأيديولوجية والسياسية معاً ، لولا تدخّل أجندات خارجية وإقليمية في إصدار قرار عاجل بالاجهاز على السيد وتصفية شخصه الكبير بل مشروعه الكبير الذي أراده للعراق والعراقيين.

هذا هو المعْلم الأول من معالم منهج السيد الصدر ، وهذه هي المقدمة الأولى في معالم مشروعه التغييري الإحيائي.

مقدّمة ثانية: الصلاح والإصلاح

المعْلم الثاني: أو المقدّمة الثانية ، التي أردنا التوقّف عندها قليلاً أيضاً، كما استظهرناها من نصّ الآية القرآنية الكريمة : { وما كان ربك ليُهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} وهنا إشارة لافتة جداً لكلمة (مصلحون) اذ إنه سبحانه وتعالى لم يقُل (صالحون) وإنما (مصلحون) ، بمعنى ، إنه عزّ وجلّ يمكن أن يهلك الصالحين رغم صلاحهم ، ولكنه أبى أن يُهلك قريةً وأهلها (مصلحون) . وكلّنا يعلم كم هي المسافة بين الصالحين والمصلحين أو بين الصلاح والاصلاح وهو ما شرحناه مفصلاً في كتابنا ( التقصير الكبير بين الصلاح والإصلاح) ، وهي الآثار التي ترتبت على ترك عملية الإصلاح والنتائج التي آلت اليها الأوضاع في العراق بعد استشهاد الصدر الأول، وما جرّه التخلّي عن هذه الفريضة من أوضاع وتداعيات انتهت الى ما يَعرفه العراقيون جميعهم بل العالم كلّه.

أقول وباختصار شديد، وبحسن الظن طبعاً أنّ كلّ مصلح من مراجعنا العظام هو صالح بالتأكيد ، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كل صالح مصلحاً. بمعنى إن الصلاح ظاهرة عامة يتّصف بها أو يشترك فيها كل الخيّرين من أبناء الأمة وعلمائها ومراجعها ، ولكن الصفة التي استثنى فيها الباري جل وعلا إهلاك الأمة هي صفة  الإصلاح وليس الصلاح ، ولعلها هي التي ارتكز عليها الفقهاء واعتبروها أم الفرائض وبغيرها لا تقوم الفرائض الأخرى ، (أي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). وهي مسؤولية الأمة في التغيير – كما في المصطلحات الحديثة -.

 وهنا أيضا تأتي شعبتان في  تحديد مواصفات هذه الفريضة ودورها ومساحتها ، فبعضهم يضعّفها الى درجة قد تقترب من الصفر وتحت عنوان ((ضمان الأثر وحرز الأمن من الضرر)) كما يقول الذهن الفقهي… وبعضهم يصل بأبعادها الى نهاية الشوط وهي تقديم النفس والدم تأكيداً لها وامتثالاً للآمر بها … وهي مساحة شاسعة أيضاً قد تصل بنا أحياناً الى توصيف الشهادة نفسها وتحديد أصنافها ، فالبعض يُقدم عليها مع العمد وسبق الإصرار- كما يقولون – كما هو الحال في العمليات الاستشهادية ، وبعضها تأتيه الشهادة وهو في ميدان معركة و ربما في خط متقدم أو خط إسناد أو خط خلفي أو أي مكان آخر في الجبهة.

بهذه الدقّة يُفترض بدعاة المنهج التغييري ملاحظة عملية الاصلاح نفسها قبل تبنّيها أو الترويج لها أو الدعوة إليها ، بل حتى قبل مناقشة عملية الصلاح وربما الجنوح الى التحامل على أصحابها أو التعريض بهم والتنديد والتجريح - والعياذ بالله-.

وعند مناقشة منهج شهيدنا الذي كان مصلحاً بالتأكيد ، نريد التوقّف مرة أخرى ، وقليلاً أيضاً، عند قوله تعالى المارّ الذكر : {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} ونقول: إنّ الباري سبحانه آلى على نفسه ألا يهلك أمةً أهلها مصلحون ، ولكنه قد يهلكها إذا توقفت عند حدود الصلاح ، ولم تتقدّم نحو الإصلاح … بمعنى إنها آثرت الدعة والراحة والاسترخاء ولم تتحمّل مسؤوليتها في هذه الانتقالة التي يريدها الشارع المقدس لنقل النموذج المسلم من مرحلة الصلاح الى مرحلة الإصلاح ، وتحمّل مسؤولية التغيير وعدم الاكتفاء بالصلاح وحده تعكُّزاً على الآية الكريمة طبعاً {عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهديتم} المائدة : 105. التي لها تأويلاتها وتفسيراتها وفضاءاتها وآثارها التي قد تنتهي الى ما انتهينا إليه في مسألة الهلاك والإهلاك ، وما شرحناه مفّصلاً وبالمصاديق والأرقام والوثائق في كتابنا المذكور.

أقول: ان السيد الشهيد لم يكتف بأن يكون صالحاً ، أو ولياً من أولياء الله وحسب كما يستريح البعض ([3])، وإنما رأى أن يكون مصلحاً وثائراً ومتصدياً ومبادراً، فتعجّل الجنّة وترك الأمة لمصير آخر عرفناه بعد حين ، فيما آثر الصالحون منهجاً آخر عرفنا ماذا جرى علينا وعليهم وبعد قليل من الحين أيضاً ، لا سيما فيما يتعلق بمسألة الهلاك والإهلاك.

نعم ، لقد دفع السيد الشهيد ضريبة الإصلاح ، وها نحن اليوم ندفع ضريبة الصلاح – إذا جاز لنا هذا التوصيف – وبين هذين الدفعين أو هاتين الضريبتين تتشكّل إرادة الأمة ويتحدّد مستقبلها …فكلما زاد عدد المصلحين قَلّ خطر محقها أو هلاكها بالتأكيد ، وكلما انكمش هذا العدد ، أو قُل تراجع وتقلّص ، وحتى لو كان الصالحون روّاد الأمة وحَمَلة مشاعلها ، فإنه سبحانه لا يريد من الأمة الرسالية صلاحاً فقط وإنما إصلاحاً، وإصلاحاً كبيراً، ولكنْ ضمن محدّدات الشريعة ودوائر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي قلنا أنه يقترب ويبتعد بين درجة دنيا ربما تصل الى الصفر، أو درجة عليا تقترب من الشهادة أو الإقدام عليها، أي بين ممانعة واضحة وسبق إصرار واضح وصريح ، وبين مقاومة خجولة قد تنداح الى التسليم وربما الاستسلام في نهاية المطاف .

المقدمة الثانية هذه هي التي يُفترض بهداة الأمة وحاملي ألوية التغيير والإصلاح فيها تفهّمها واستيعابها والتعاطي معها بحذر ومسؤولية كبيرين وبلا إفراط أو تفريط.

ولعلّ أخطر ما  في هذا الحذر هو تشخيص دائرة (الاصلاح أو الاقتحام) لموقع الحاكم الظالم ، وهذه لا يحدّدها إلا المرجع المتصدّي للمسؤولية ، أي إنه وحده هو الذي يحدّد شكل المواجهة أو سلّمها او درجتها ، وهو وحده الذي يقدّر دائرة الأثر والأمن من الضرر ، لأنه الأكثر حرصاً – أو يُفترض هكذا – على الدماء والأموال والأعراض ، ما دام في موقع المسؤولية أو في موقع التصدّي ، ولا يحقّ لأحد غيره – باعتباره إماماً قائماً – الوقوف في عَرض مواقفه ، وخاصةً في الخيارات الصعبة والحساسة ، وإنْ صحّ له أن يقف في طولها حين تتشابك الآراء وتتقاطع الاجتهادات.

ولا يُفترض بأي مسلم متشرّع الإساءة لأحد أو التعريض بأيٍّ من الاجتهادين (أي اجتهاد التصدّي أو عدمه ) إلا في حال وجود مرجع متصدّي قائم يناهضه مرجع آخر ويقف في عَرض قراراته في ذات الزمان والمكان. وفي حال تعادل الرؤيتين فلا إشكال بالتأكيد من تبنّي إحدى الرؤيتين وفق الأصول الشرعية. وفي حالة تبنّي رأي المتصدي أو الترويج له والدعوة إليه ، تأتي درجة التعاطي مع الآخر المغاير وفق الرؤيتين المطروحتين باعتبار أن كلاً منهما اجتهاد معتبر ، لإمام محترم (قام أو قعد) وإنّ كلاً منهما ارتكز على مبانٍ فقهية سواء في تحركه السياسي أو مشروعه التغييري والاصلاحي.

وربما يُثار سؤال حساس هنا : إذن لماذا نثير غباراً على هذا الإشكال ، ولماذا يُطوَّع الترجيح أو يُراد له التطويع أو الترجيح إذا كان لكلٍّ منهما رؤيته في إطار الشريعة؟

نقول: إنّ هذا الترجيح لا ينبغي أن يُفهم أنه تعريضٌ بأحد أو إشادة بآخر. ماذا إذن؟ إنه كشفٌ مطلوب لمعالم مدرستين في مذهب واحد وزمان واحد يُفترض بأبناء الأمة الإسلامية التحرّش بمياههما العذبة والغوص فيهما واكتشاف عمقهما ، أي عمق كل من المدرستين، وذلك لاستجلاء الأصحّ من الصحيح ، والأفضل من الفاضل، والأحسن من الحسِن ، وهذا هو الفرق بين مدارس تعميق الوعي ومدارس التسطيح، وهذا ما تعكسه طبعاً النوايا المخلصة في سعيها الحثيث للبحث عن الحق والحقيقة ، وليس في مكرها المحموم لإثارة الفتن والإصطياد في الماء العكر.

 على ضوء الفهمين…

أين موقع السيد الشهيد؟

وإذا أردنا تسليط المزيد من الضوء على هذين الفهمين، فقد نصل الى موقفين متقابلين في الذهن الفقهي- كما يقولون – يرتكز الموقف الأول على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يَجبان – كما قلنا – إلا بعد الإطمئنان من عدم ترتّب الضرر ، واليقين بإحراز الأثر، وإنّ تسعة اعشار الدين في التقيّة، الأمر الذي قد يُجمّد هذه الفريضة السامية التي هي أسمى الفرائض – كما يسميها البعض - الى درجة الصفر ، وبالتالي تصفير عملية التغيير الاجتماعي فضلاً عن الثورة . والموقف الثاني الذي يرى أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف (الذي لا دين له ) كما جاء في الحديث الشريف (المار الذكر) وإنّ التقية – حسب هؤلاء – ربما تصبح رخصةً للهروب من تحمّل المسؤولية الشرعية وإحقاق الحق ، وما يستتبع كلا الاتجاهين من ركون الى الظالم أو السكوت عنه بذريعة قتل الفتنة والحفاظ على الأرواح والممتلكات والاحتياط في الدماء.

بالدرجة نفسها ، يمكن أن يُستدرج المتصدي – وإنْ كان مخلصاً – الى حالة من الاستعجال ربما لعدم الدراية أو عدم دراسة الظروف الزمكانية الى حالة من الفوضى وقلّة الانضباط ، قد تَجُرّ أو تُجَرّ . بمعنى قد يُستدرج المتصدي الى سفك دماء وهتك أعراض وضرر أكثر من أثر ، وهو ما ارتكز عليه الطرف الآخر في تبنّي رؤيته السلمية وعدم إقدامه على تقحّم الثورة أو  التصدي العنيف في التغيير.

ومن هنا ينتزع الكثيرون من فقهاء المذاهب الإسلامية موقفهم الشرعي من الحاكم الظالم، من نصوص شرعية كثيرة ومتباينة تصل ببعضهم أحياناً أنه لا يجوّز الخروج على الحاكم الظالم إلا إذا ارتكب كفراً بواحاً… وأنه لا يجوز الخروج عليه ما دام يُقيم الصلاة ولم يأمر بمعصية (أي لا تجوز الثورة عليه حتى لو فعل المعصية ) ، وفي ذلك تفاصيل يمكن الرجوع إليها لدى الفريقين ، ولاسيما   عند أخواننا أهل السنّة الذين انسحبت بعض مواقفهم واجتهاداتهم على العديد من علمائنا وفقهائنا ، ولاسيما في لحظات المواجهة العصيبة مع الحكام الظلمة والطواغيت ([4]).

وهو ما حصل مع السيد الشهيد وتصدّيه الفريد لطاغية العراق ، على الرغم من ان تصدّي الرجل لم يخرج عن كونه ثقافياً وسلمياً ولم يرق الى مستوى المواجهة والعنف المسلّح.

ترى ، أي الاتجاهين أفضل أو أصحّ أثناء تقاطع الاجتهادات أو تداخل الاتجاهات في زمن واحد مع حاكم واحد؟ وأيهما أجدر بالترويج له والاتّباع في حال وقوع الفتن وعدم وضوح التكليف؟ لا سيما إذا كان الحاكم ماكراً وخبيثاً وقادراً على احتواء تململ الأمة والالتفاف على وعي أبنائها واستيعاب غضبهم ونقمتهم؟!

هذا فعلاً هو الإشكال الذي يحتاج إلى إجابة واضحة، وهذا هو المشتبك الذي يحتاج إلى تفكيك ، ولاسيما عند ظهور مدرستين ، وتقاطع اتجاهين ، وتدافع رأيين، وتشابك خطابين ورؤيتين وموقفين!!

هنا تجب العودة الى ولاة الأمور الذين تنتخبهم الأمة أو تُشخّصهم وتَقْبل بهم ، وعليها أن ترضى بحكمهم وتطيع أوامرهم، ، وإلا تُترك المسألة في دوائر الاجتهاد والاجتهاد المضادّ والرأي والرأي الآخر، وهذا ما يترك تداعيات خطيرة وخطيرة جداً ولاسيما عند اتخاذ القرار ،  أو بعد اتخاذ القرار. وهنا ينبغي الالتفات أو العمل على تقليص المساحة بين ما هو أصحّ وصحيح ، أو فاضل وأفضل ، وصولاً لردم الهوّة بين القيام والقعود ، أو بين التقدّم والإحجام ، أو التوقف والاقتحام ، وعلى الأقل الاتفاق ، وإنْ غير المعلن – على ما يمكن تسميته توزيع الأدوار وتفويت الفرصة على الحاكم الظالم المتربّص لتمزيق الأمة وتفتيت لُحمتها والإجهاز على وحدتها وقيادتها.

نعم، يمكن أن تبقى الرؤيتان محترمتين – في هذا الإطار – ما دامتا في دائرتي الشرع المقدس ، وما دامتا من إمامين أو مرجعين ، شريطة أن يجري إطْلاع المكلّف على كلتا الرؤيتين وعدم تقديس إحداهما وعد صاحبها معصوماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وعدم عد الأخرى سقوطاً وفسقاً ومروقاً من الدين والشريعة…وبكلمة أخرى إطْلاع المكلّف على الرأيين ومنحه حرية الاختيار حسب فهمه وتشخيصه ، وكما كان للمجتهد إذا أخطأ حسنة وإذا أصاب حسنتان فإنّ للمكلف مثل هذا الحق شريطة ألا يخرج عن الأُطُر الشرعية أثناء الترويج لما يعتقده ألصق بالحدود ، وأولى بالاتّباع وأجدر بالتنضيج ، وأحق بالترشيد وأحرى بالترويج.

وقبل الدخول في بعض تفاصيل المشروع التغييري ومصاديقه، المشروع الذي قاده الصدر الثاني (رضوان الله عليه ) والذي فجّر من خلاله صحوة إسلامية جماهيرية كبيرة داخل العراق مواجهاً بذلك حملة الايمان الصدامية الكاذبة والإسلام الطائفي السيء الصيت آنذاك ممثلاً بحملة أموية شعواء ضد المخلصين من دعاة الإسلام المحمدي العلوي الأصيل . أقول قبل الدخول في هذه التفاصيل ينبغي القول إن ما سمّي مشروع الحوزة الناطقة في حينها لم يكن شرعاً جديداً أو خطاً مذهبياً أو عقيدياً جديداً في الإسلام مقطوعاً عن مبادئ الإسلام وقيم الدين الحنيف ، وإنما جاء سلوكاً وتجربة وممارسة ، وليس هويةً وانتماء فقط ، كما جاء دعوة صادقة لإحياء المغيّب من تعاليم هذا الدين واستنهاض حماته لاستئناف قيمه التي غابت أو غُيّبت في عراق الاستهتار والمجون الصداميَّيْن ، ومحاولات الطاغية لفصل الدين عن المجتمع تارةً وفصله عن السياسة أخرى ، وتمييع فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الى حدّ الصفر وإعادة ترويج معزوفة ما لله لله وما لقيصر لقيصر.

وجاء منهج الصدر أيضاً مندِّداً بدعاة انتظار الفرج بمعنى القعود والانتظار السلبي ، وليس الايجابي طبعاً ، مشدّداً النكير على أولئك الذين يريدون تهميش دور العالم الديني وحصره في دائرة ذلك الانتظار السيء ، أو حبسه في التكايا وحلقات الذكر، وفتاوى الفقه الفردية المحدودة والبعيدة عن الواقع الاجتماعي، التي انشغلت أو استُغرقت كثيراً بأحكام الطهارة والنجاسة والقصاص والديّات وأحكام الشكوك والمياه، والعقود والايقاعات ، والزواج والطلاق ، وما إلى ذلك، وهذا يعني أنّ السيد الشهيد أحدث هزّة عنيفة في ضمير الانسان العراقي ، وزلزالاً في وجدانه نقله من مجرّد الاقتصار على فقه العبادات الى اقتحام مواقع متقدّمة في المواضيع الاجتماعية وحتى السياسية أي فقه المعاملات – كما سنقرأ – .

ولعلّ من أشدّ الإشكالات التي فكّك السيد الشهيد حلقاتها ، وأدخلها ثوابت أصيلة في نظرية التغيير الاجتماعي السياسي – وعلى نهج الإمام الخميني (قدس سره) هي إشكالية النخبة ، ودور الجماهير، ورقابة الأمة، وموقعية رجل الدين في العمل الجماهيري ، ومسألة التصدي والاقتحام ، والحوزة الناطقة – كما ذكرنا؟ – وكذلك مركزية علماء الدين والمثقفين الرساليين الذين ألبسهم العمائم وأرسلهم الى كافة مناطق العراق لاستنهاض الأمة وتوجيه الجماهير وتعبئتها واستصراخها.

نعم ، لم يستطع السيد الشهيد أن يَطرح موضوع السياسة والعمل السياسي الى الواجهة ، لأنه كان يُدرك خطورة ذلك على منهجه وتربّص الطاغية وأزلامه للإيقاع به وبمشروعه إذا استُدرج الى ذلك ، ولكنّه أدخل كلّ ما من شأنه تحريك الوجدان العراقي المسلم الى التصدّي للعصابة الحاكمة – ولاسيما في شعاره المعروف (نعم ، نعم للإسلام) مقابل شعار السلطة المعروف (نعم ، نعم للقائد صدام حسين).

مرور سريع على بعض مصاديق المنهج التغييري للسيد الشهيد

دعونا الآن نمر مروراً سريعاً ولو بالنقاط على أهم ملامح أو مصاديق المنهج التغييري الإصلاحي الذي مارسه السيد الشهيد الصدر وقاد من خلاله سفينة العراق وحيث أحدث في سنة واحدة ما لم يستطع غيره إحداثه في عقود من السنين على صعيد بناء النموذج الذي به يقاس تقدّم الأمم والحضارات والشعوب.

ولعل العنوان الأبرز الذي يمكن وضعه لهذا المشروع هو (الجمعة والأمة والكفن) وما يمكن أن تستبطنه كل كلمة من هذه الكلمات ولاسيما الرمز الأخير (أي الكفن). أما حصاد هذا العنوان وعطاؤه فيمكن إجماله بالنقاط التالية:

1 – إنه بإقامته لصلاة الجمعة إنما أحيا شعيرة إسلامية من شعائر الله ظلّت مغيّبة ، بل غيّبها الذهن الفقهي التقليدي قروناً عديدة ، بذريعة أنها واجب تخييري لا تعييني فحُرمت الأمة من هذا المؤتمر الاسبوعي الذي يمكن أن يكون بوابة تغيير إصلاحية كبرى إذا أُحسن استخدامه طبعاً في غياب القنوات الفضائية آنذاك ، وتأميم وسائل الاعلام واحتكارها بأيدي السلطة وخنق الحريات العامة بكل أشكالها وألوانها.

نعم ، استطاع السيد بهذا المنبر أن يعيد التذكير بالفكر الإسلامي الذي ينفتح على الحياة ويتحرك على أرض الواقع بلا تهيّب أو تردّد أو استئذان . ففي هذه الصلاة تنفّس الجمهور العراقي آنذاك ، وعظاً وإرشاداً وإحساساً جديداً بالهوية والإنتماء. هذا المؤتمر ، وإنْ سمحت به السلطة في البداية ، لإمتصاص النقمة أملاً بتحييده واحتوائه لما يخدم مصالحها طبعاً ، إلا انها توجّعت منه وتطيّرت شرّاً بعد أن شعرت أنه يمتد ويتّسع ليتحوّل الى واقع حركي اجتماعي يمكن أن يُثير كوامن مدفونة قد تتحرك في ضمير المواطن العراقي وتحوّله الى كائن آخر ، غير ذاك الذي حاول صدام صناعته على امتداد عقود .

وبكلمة أخرى ، إنّ السلطة آنذاك كانت تريد للإسلام أن يبقى أسير التكايا، ورهين مجالس الذكر والدروشة ، والعبادات المتماوتة ، كما يُسميها المرحوم الشهيد المطهري ، وتبقى حدوده وتعاليمه، شعائر محنّطة بعيدة عن الواقع والحياة وهموم الناس – كما يقول الشهيد الصدر الأول (قدس سره). وحين راح الناس من خلال هذه الصلاة ، وزيارات الأئمة (عليهم السلام) وحتى أثناء مسيراتهم الصامتة ، يُعبّرون عن احتجاج صارخ ، رغم صمته ، ولكنه يختزن التحدّي والغضب ، ويُحرك كوامن السخط والرفض في النفوس المعتملة ضد السلطة وإجراءاتها التعسفية.

فكيف إذا تحولت هذه المسيرات الصامتة الى شعارات وصيحات ، وكيف إذا انطلق الشعار المارّ الذكر ( نعم نعم للإسلام) بديلاً عن (نعم نعم للقائد صدام حسين) ؟؟ وشعارات أخرى يعرفها أبناء العراق الذين عاصروا وعايشوا تلك الأحداث وتلك الأيام ، وما زال إطارها (أي إطار هذه الشعارات معمولاً به لحدّ اليوم في شوارع بغداد بما فيها كلمتي القبول والرفض (نعم نعم) و(كلا كلا).

2 – قام المرجع الشهيد بإرسال الوكلاء والمبلّغين الى كافة أرجاء العراق حتى وصل بعضهم الى مناطق نائية ومعزولة،لم يكن أهلها يحلمون يوماً بصلاة جماعة فضلاً عن صلاة جمعة في تلك الأيام السود البغيضة ، وقد بلغ عدد أئمة الجمعة أكثر من سبعين أو ثمانين إماماً كان معظمهم من الشباب الرساليين الواعين الذين عرفوا كيف يخاطبون الأمة بعفعويتها ولغتها ، والذين وصفتهم بعض وسائل الإعلام العالمية حينها أنهم شباب من ذوي الهمم العالية ويتمّ اختيارهم على أساس الوعي والشجاعة وليس على أساس الولاء الشخصي أو الفئوي ، فاستطاعوا من خلال وعيهم وشجاعتهم تجسير الثقة بل توثيقها بين الأمة والحوزة من جهة ، وبين الدين والمجتمع من جهة أخرى ، كما تمّ سحب الثقة المهزوزة أصلاً بين الجماهير والنظام الحاكم ، تارة ثالثة ، وخاصة حين جاءت تعاليم السيد الشهيد وتوصياته لهؤلاء الوكلاء بعدم مدح الحاكم أو ذكره في الصلاة أو في دعاء الختام ، وهذا ما أفزع السلطة وأرعبها حين تأكّدت أنّ هذا الرفض يعني الكثير الكثير ( أي رفض الدعاء للحاكم) على كل الأصعدة والمستويات ، وهو ما لم يحدث - وربما لن يحدث - على امتداد عصور الحكام والعلماء وبذلك الشكل الصارخ الواضح ، ومع مَنْ ؟ مع ( مهندس النصر) و ( السيد القائد) و(قعقاع العرب) (زعيم الأمة والدين، القائد المهيب الركن صدام حسين)!!

نعم، هذا القائد المهووس الذي كان يحبّ الألقاب والأوسمة والنياشين والذي لم يترك لقطة تلفزيونية واحدة أو صفحة واحدة من صفحات الصحف، ولا مشهداً في سوق أو شارع أو وسيلة إعلام إلا وهو الوحيد الأوحد (صاحب الأسماء الحسنى) ! كيف يسمح اليوم لملايين الناس يمرّون ويتحدّثون ويدعون ويصلّون ويخطبون دون أن يأتوا على ذكره وتمجيده، وعن عمدٍوسبق إصرار؟ إنّ ذلك لن يحدث ودونه خرط القتاد…وراح الجميع على منهج السيد الشهيد ، ولم يُذكر (القائد) على منبر جمعة على الإطلاق ، بل ذُكر ويُذكر (القائد) الذي أبى إلا أن يقدّم رأسه ورأسَيْ نجليه ، ولم يقدّم يديه للقائد المقبور السيّء الصيت ، ناهيك عمّن استشهد معه من خيرة وكلائه ومحبيه من أبناء العراق العزيز في هذا الطريق.

3 – قام المرجع الشهيد بتأسيس المحكمة الشرعية مقابل محاكم الدولة ، لافتاً بذلك أنظار أبناء الأمة الى هويتهم الدينية من جهة ، وإشعارهم بأن السلطة بعيدة عن أحكام الدين من جهة أخرى ، وفي محاولة مقصودة لكشف المسافة بين هذه السلطة وبين الأمة وأحكام دينها ، وهو أمرٌ طالما اختلط على بعض شرائح الأمة بعد أن تهيّب الكثيرون من العلماء أو تردّدوا في تلوينه وعرضه، وإظهاره للناس بشكلٍ واضحٍ وصريح، وأمام طاغية متفرعن يحسب الأنفاس ويحبسها، ولا يكتفي بحبس الحركات والكلمات فقط.

هذا ، وفي نفس الاتجاه قام السيد بطرح ما سمّاه (الفقه الاجتماعي) وذلك بإصدار ما يُسمى (السنينة العشائرية) مثلاً موضّحاً عدم انطباق بعض السنن العشائرية المعمول بها مع تعاليم الإسلام وفي سابقة لم يُقدم عليها عالِم قبله ، ومناقشة بعض القضايا الحساسة في هذا الوسط وفي غيره من قبيل مخاطبة الغجر وأصحاب الفن والرسم وموظفي الدولة، وأمثال ذلك مناشداً المسيحيين من أبناء العراق أن يقتدوا بالسيد المسيح ومريم العذراء في حياء النساء في حجابهنّ وعفّتهنّ وعدم شرب الخمر.

نعم، الإقتداء بالسيد المسيح والسيدة العذراء مريم ( سيدة النساء ) في لباسها المحتشم ونجابتها وطهارتها وترْك التبرج أو السفور الذي يولّد الفسوق ويُنتج الفجور وما إلى ذلك من دعوة للتمسك بالقيم والفضائل. وقد استجاب كثيرون للسيد الشهيد حتى قيل وقتها أنه لم تبقَ هناك سافرة واحدة في بغداد تجرؤ على تحدّي القيم بلباس مبتذل في سوق أو شارع، حتى إنّ سائق السيارة راح يمتنع عن الوقوف للمتهتكة في شوارع العاصمة ، استجابةً لهذا النداء الوجداني العظيم.

4 – أوعز المرجع الشهيد لمكتبه إصدار مجلة تهتم بشؤون الأمة والحوزة وفق المسموح به طبعاً من قبل السلطة والتي لا تسمح بمسّها على الاطلاق ، وذلك لتجسير العلاقة أو توثيقها بين الشباب الرسالي الواعي والمركز الديني أو المرجعية الدينية في النجف الأشرف ، وفي محاولة متواضعة لاستقطاب المثقفين العراقيين الذين حرمتهم السلطة من أي لون من ألوان الثقافة الإسلامية الأصيلة وذلك بعد حظر هذه السلطة للكتاب الإسلامي وإتلافه ومنْعه وملاحقة الحائزين عليه، وحتى كُتُب الأدعية والزيارات وبشكل لا مجال هنا للحديث عنه والإفاضة فيه.

نعم ، راحت هذه المجلة متبنّية توجيهات السيد وخطاباته في انتقاد بعض الأمور الشائعة خطأً وإلقاء الضوء عليها وتصحيحها أو إصلاحها حتى وصل به الأمر (رضوان الله عليه ) أن يتحدّث في أدق التفاصيل من قبيل ظاهرة تقبيل اليد السيئة وإطلاق الصلواة في غير محلها أثناء دخول أحد الكبار الى المجالس ، وتصدّر الجلوس في هذه المجالس ، وظاهرة الفواتح وما تكتنفه من مظاهر سيئة كالرياء والبذخ والنواح والطعام الذي يُهلّ به لغير الله، إضافة لمواجهة ما سمّاه (قداسة السدنة) و ( تحجّر السلوكين) و(السكوتيين) الذين لم ينصروا حقاً ولم يخذلوا باطلاً . وكان ممّا قاله في هذا السياق:

((إن الناس لو كانوا استجابوا بكثرةٍ وزخمٍ حقيقيين، وإذا كانت أعداد مهمة منهم قد أدركتْ مصالحها الواقعية في نصرة الحسين (ع) لتحقّق النصر العسكري لهم فعلاً ، ولفشل عدوّهم الأموي الظالم…غير أن المجتمع في ذلك الحين كان متخاذلاً جاهلاً… فصار الذي صار)) وهو عين ما أشار إليه أو أجمله السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) بعبارة واحدة تقول: ((إن تراكم التقصيرات هي التي أدّت الى قتل الحسين)) . وما يمكن أن تنطوي عليه مثل هذه الجمل والعبارات وتفسيراتها في تلك الحقبة السوداء .

5 – لقد استوعب المرجع الشهيد بشكل جيّد ما سمّاه (قانون ترابط الأجيال) أو (قانون الترابط بين الأجيال) إذ أنّ كل جيل يمكنه أن يتمّم المهمّة التي بدأها الجيل السابق ، وإنه سيترك للجيل الذي يليه، ما حمله من مستوى فكري وثقافي فهو القائل: ((إنّ الايمان بالعمل الإسلامي كلّما واجه من العقبات أكثر واحتاج من التضحيات أكبر ، كان موجباً لتكامل الفرد بنحو أسرع )) وكان يعتقد أن الأمة تتكامل هي الأخرى بالتضحية والعطاء ، وإن حاديها إذا رحل عنها صادقاً محبوباً فإنه سيورثها بالتأكيد سيرته وأفكاره وإنها سوف تتكامل مع تلك السيرة والأفعال كلّما ضغطت عليها المحن واشتدت الرزايا واالكروب. وهذا يعني إنّ هذا الحادي سوف يصبح رمزاً مقدساً ومحوراً لاستقطاب كل الأحرار والشرفاء بمن فيهم أولئك الذين ناصبوه الخصومة في حياته، أو ناوأوه، باعتباره منافساً لهم ، أو محرجاً لهم ، أو مستفزّاً لضعفهم ونكوصهم أو تراجعهم ، أو هكذا كانوا يتوهّمون مع الأسف الشديد-.

ولذلك تراه تقحّم ذلك الطريق الوعر ضد الطاغية مدركاً لنهايته مقدّراً لما سيؤول إليه مصيره من القتل وقد صرّح بذلك مرات عديدة قائلاً: (إنها طلقة واحدة وينتهي كل شيء) فكان بهذا الوضوح، وكما قلنا، نمطاً من نوع فريد في استعجاله الجنة ،  وهو طريق أو منهج لا يقدر غير الأبطال تقحّمه وخوض ميدانه وبالجدارة والكبرياء اللتين عرفهما أبناء العراق في مَنْ سمّوه ((الليث الأبيض)) الذي ظهر مرتدياً كفنه وما يرمز إليه بكلّ وضوح.([5])

6 – كان منهج السيد الشهيد يجمع بين ثقافتين ويؤكّد على محورين في حركته الإحيائية. ثقافة النخبة ، وثقافة الجمهور أو العوام ، وكان يخاطب الصنفين بشكل صريح رغم ما في هذه الخطاب من صعوبة أحياناً لا يقدر عليها كثيرون، وخاصة في استخدام الجمل والكلمات المناسبة للشريحتين.

فتراه يتحدث في أعمق المسائل الاعتقادية والفلسفية بلغة سلسة مفهومة يحاول أن يرتقي من خلالها الى مستوى أصحاب الثقافة العالية ، ثم ينزل بها الى مستويات الدرجات الأقل ثقافة حتى باستخدام النكتة أو الدعابة – كما عُرف عنه رضوان الله عليه – فكان يؤكّد دعواته على إحياء الشعائر الإسلامية ويدعو الى التفاعل معها مشيراً وبوضوح أيضاً الى ضرورة التعطيل في بعض مناسبات الوفيات مؤكّداً على ارتداء السواد أيام عاشوراء ورفْع الأعلام السود باعتبار تلك المناسبات محطات شعائرية وتعبوية لحشد أكبر عدد من جماهير الناس واستنهاضهم لاستحضار القيم الدينية التي غيّبتها السلطة الظالمة ، وهكذا الشعائر والطقوس التي يجتمع حولها العوام أكثر من اجتماعهم حول الندوات والمؤتمرات وملتقيات الفكر والثقافة . فكان يذكر النخبة والجمهور معاً ويُبدي دهشته كيف إنّ الجمهور العراقي الشيعي لا يدري بأعياد المسلمين أو مناسباتهم التأريخية كالمولد النبوي الشريف وعيد الغدير ووفيات الأئمة في وقت تراه يعرف أو يُعرّف بميلاد الحزب ومولد الطاغية أو ذكرى الانقلاب المشؤوم وبعض المناسبات المحلية والعالمية الأخرى التي لا ترقى في عمقها الى عُشر معشار ما يُفترض أن تختزنه ذاكرة الإنسان المسلم وضميره ووجدانه.

7 – أما موقفه الإيجابي من العاملين في الوسط الاسلامي بكل ألوانه وأطيافه وطوائفه، وشمول أبويته – رضوان الله عليه – وحبّه لكافة أبناء المذاهب الإسلامية وحتى غير الإسلامية فحديثٌ يطول ، - كما مرّ معنا عن المسيحيين والغجر – ومناشدته الحانية لكافة موظفي الدولة والمسؤولين، واستفتاءاته المتعلقة بعمل المجاهدين واحتضانه لكل من كان يعمل ضد السلطان الجائر، وفتحه قلبه لهم، بعد فتحه أبواب بيته طبعاً رغم ما في ذلك من مخاطر العيون وجواسيس السلطة وأزلامها ، وموقفه الايجابي من الجمهورية الإسلامية وتسميته للسيد الإمام الخميني بأبي أحمد في تلك الظروف العصيبة وكذلك ثناؤه على بعض مواقف السيد الخامنئي المتعاطفة مع محنة الشعب العراقي آنذاك ، كلها محطات اختبار صعبة ما كان أحد غيره يستطيع التعاطي معها بتلك الموازنة والدقّة وإنْ كانت حياته هي الثمن في نهاية المطاف مع الأسف الشديد.

8 – ولعلّ آخر وأبرز معْلم من معالم المشروع الإحيائي الإصلاحي للسيد الشهيد الذي فجّر من خلاله مشروعه النهضوي الإسلامي الكبير ، والذي لا يستطيع أو لم يستطع الكثيرون فعله أو فهمه حتى من إخوانه المقرّبين إليه ، هو تعامله مع رموز السلطة الغاشمة ، وكيف استطاع توظيف من يمكن وما يمكن توظيفه منها ومنهم لخدمة برنامجه ومشروعه ، رغم أن ذلك كان سلاحاً ذا حدّين – كما يقولون – فهو من جانب يغمز إجراءات السلطة القمعية ويطعن بشرعيتها ، وهو من جانب يدعو إلى التقية منها ومنع الاصطدام بها وخاصةً في المسيرة الشعبانية التي كان مقرّراً لها أن تنطلق الى كربلاء مثلاً. ولكنّه حين أدرك في النهاية أن السلطة لا تستطيع أن تتحمّله في محاولاته احتواءها بعد أن عجزت هي عن احتوائه ، وأيقن أنه مقتول لا محالة قررّ التصعيد وتحمّل النتائج وعبر الأمور التالية:

أ – الإصرار المطلق على رفض الدعاء للطاغية في خطب الجمعة حتى بكلمة واحدة رغم إصرار الأخير وأزلامه على ضرورة الدعاء له مستغلاً فترة العدوان الأمريكي البريطاني على العراق لتبرير هذا الدعاء والحاجة السياسية إليه . ولكن السيد الشهيد أكّد بشدّة على جميع وكلائه أنه لا يجوز الدعاء لأي بشر في الدنيا في الصلاة إلا للمعصوم – حسب تعبيره – قدس سره -.

ب – التحريض على أمريكا وبريطانيا وإسرائيل في الصلوات والخطب والمناسبات باعتبار الطرفين الأوّلين هما اللذان جاءا به ومكّناه على امتداد حربه مع إيران ، وإنّ اسرائيل هي عدوّة العرب والمسلمين الأولى مضمّناً هذا التحريض أو مُستخدماً شعار الرفض المعبّر (كلا كلا للظالم) وما يعنيه ذلك الشعار في تلك الأجواء التي كان النظام يحسب فيها الأنفاس ويحصي الكلمات كما هو معلوم ، ومن يعنيه بالظالم آنذاك ؟ وهل هناك من ظالم أصلاً في حكومة صدام ابن حسين)؟!

ج – أحصى مرّة إثني عشر سبباً عرّض خلالها بالسلطة لمنعها المسيرة الجماهيرية المذكورة آنفاً التي كانت معدّة لزيارة الإمام الحسين (ع) ، إضافةً لما كان يؤشّر عليه من أسباب نزول الشُهُب في سماء العراق وما كان يعرضه تلفزيون الشباب من تبذّل وهبوط وترّهات … وهي أمور ما كان ليقترب مِنْ ذكرها أو التحرّش بها إلاّ من وضع روحه على راحته أو استعدّ لأنْ يحمل خشبة إعدامه على ظهره – كما يقولون – .

كلمة أخيرة – الحذر الحذر عند التوصيف وإطلاق الشعارات

هذا المنهج الاقتحامي الهجومي هو الذي رسم معالم المشروع الاحيائي للسيد الشهيد في مراحله الأخيرة ، وإنّ تأكيد أرجحية هذا المنهج في زمان ومكان معيّنين لا يعني ترجيحه في كل زمان ومكان. كما إنّ تفضيل الجمهور للعراقي لمشروع السيد آنذاك لم يكن تفضيلاً لشخصيته رضوان الله عليه – على شخصيات الآخرين ، وإنما تفضيل منهجه . إذ أن تفضيل المنهج لا يعني بالضرورة تفضيل الشخص ، لأنّ تفضيل الشخص أو تزكيته إنما هي من مختصات الباري تعالى ، وليس من حق أحد إدّعاء هذا الحق بأيّ شكلٍ من الأشكال.

هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى إنّ ترجيح الكثيرين للمنهج الاقتحامي لدى القائد إنما هو تقييم لشجاعته وتوصيف لها، وإن الشجاعة أو الاقتحامية في القائد أي قائد إنما هي قيمة مطلوبة بحدّ ذاتها ، وليس بالضرورة أن يكون ذلك اتهام للآخر بالضعف أو الجبن، كما ليس بالضرورة أن تكون تلك الشجاعة ، شجاعة دائماً ، فالخيط قد يصبح رفيعاً ورفيعاً جداً أحياناً بين الشجاعة والشقاوتية أو التهور ، كما هو رفيع ورفيع جداً أيضاً بين الحلم و التحلّم والجبن، ولا يمكن تمييز كل ذلك بسهولة من قِبل مَنْ اتَّهم الإمام الحسن (ع) مثلاً بأنه ( مذلّ المؤمنين) ومَنْ قال في (الحسين ) أنه قُتل بسيف جدّه.

مثل هذه الأمور الدقيقة يجب التعاطي معها بمسؤولية كبيرة وحذر أكبر وخاصة عند اشتداد الفتن وتظاهر الزمان ، ولا يُفترض بأي حال من الأحوال إلقاء الصفات والمقاربات على عواهنها، وتركها شعارات جوف لمن يطلب من القائد مثلاً التقدّم والاقتحام ولكنْ لا لكي يتقدّم ويقتحم معه ، وإنما لكي يحضى بفتات إقدامه أو يَرتزق على مائدة اقتحاميته.

ومع كل الذي قيل ويُقال ويمكن أن يُقال…تبقى سفينة الحسين هي الأسرع في سفن النجاة…ويبقى الدم هو الأمضى في صناعة التأريخ…وتبقى الشجاعة قيمة بحدّ ذاتها حتى في عنترة العبسي ، كما هو الكرم عند حاتم الطائي ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال تفتيت قيمة الشجاعة بمداراة الأقل شجاعة ، أو تشويه قيمة الكرم بمداراة الأقل كرماً…

فللحرية الحمراء بابٌ        بكل يد مضرّجة يدقّ

ولم أر في عيوب الناس نقصاً    كنقص القادرين على التمامِ

رحم الله من علّم أمتنا الشجاعة والاقدام أولاً ، ورحم الله من علّمها الحلم والتحلّم ثانياً… فلكلٍّ مكانه وزمانه . وإنما الأعمال بالنيات ولكل امرءٍ ما نوى والعاقبة دائماً للمتقين.

  •  

     

    مختار الاسدي

 

 

([1])  وسائل الشيعة : ج 11 ، ص 397.

 

 

([2])  الحديثان كلاهما منسوبان للامام الصادق (ع) – راجع وسائل الشيعة ج 11 ص 483 أو مجلة رسالة الثقلين العدد 12 شوال 1416 في تحقيق هذين القولين.

 

 

([3]) { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله ،  والله لا يهدي القوم الظالمين } التوبة : 19.

 

 

([4]) يقول ابن تيمية في كتابه (السياسة الشرعية ) ص 161 : ((ستون سنة من إمامٍ جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان )) وذهب بعض الفقهاء أنه لا يجوز الخروج على الحاكم حتى لو كان فاسقاً أو ظالماً ما دام يقيم الصلاة ولم يرتكب كفراً بواحاً ، وذهب آخرون أنه تجب طاعة الحاكم برّاً كان أو فاجراً ، وروي عن الإمام أحمد كما جاء في (الأحكام السلطانية) ، ص 20 قوله : ((ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسُميّ أمير المؤمنين ، لا يحلّ لأحد أن يبيت ولا يراه إماماً براً كان أو فاجراً ، وأمثال ذلك ، مما لا يستقيم أو لا ينسجم مع المنهج التغييري لفقهاء  آخرين يفضّلون نقل الحكم الى أيدي المؤمنين ، ولا يجدون طائل من وراء المنهج الداعي الى نقل الايمان الى قلوب الحكام.

 

 

([5]) جدير ذكره …ان ارتداء الكفن في غير الموضع الذي كان السيد الشهيد يرتديه في مواجهة الموت ربما يُعتبر في غير محله ، بل قد يُفسر أو يُقرأ نوعاً من الرياء المذموم أو المباهاة المذمومة – والعياذ بالله -.