الإرهــاب وآثــــاره الاجتـــماعية عـــلى العــراق

م. د جـاسم محمد شغــيت الكعــبي                م. م حسن موات حسين الفرطوسي

مديرية تربية محافظة ميسان                    مديرية تربية محافظة ميسان

الــمقـــدمـة : 

          الإرهاب من أهم الظواهر الاجتماعية والسياسية والفكرية لما ينطوي عليه من آثار سلبية كبيرة على حياة الفرد والجماعة واستقرارهم وأمنهم وعلى المؤسسات داخل المجتمع، فهو منهج وفكر لدى جماعة من الأفراد يجدون أنً السبيل الوحيد للوصول إلى مبتغاهم، واهدافهم هو قيامهم بالعنف والترهيب من خلال استخدام مختلف الأساليب، والطرق لذا هو جريمة مقيتة تذهب بحياة الكثيرين من الأبرياء.

ويعد الإرهاب من المشكلات الخطرة التي تهدد المجتمعات والعالم بأسره وبصورة خاصة في العراق، وذلك لما ارتكبه الإرهابيون من جرائم بشعة يندى لها جبين الإنسانية. والإرهاب، كما هو معلوم – موضوع كبير ومعقد لما قام به من القتل، أو التشريد، أو التهجير،أو السجن .. وسواء إرهاب فكري ،أم سياسي، أم عسكري، أم اقتصادي أم أمني وكل واحد من هذه الأنواع یستحق أنْ یبحث بالتفصيل، لذلك جاء بحثنا هذا لتسليط الضوء على ما عانت وما زلت تعاني منه شعوب عديدة ومنها شعبنا العراقي، لأنً العراق كان وما زال مسرحاً لأحداث و أزمات خطرة هددت سلامة الدولة وشعبها انعكست على طبيعة المجتمع على المستويات المختلفة ومنها الاجتماعية.

 يهدف البحث إلى إبراز ما عاناه العراق من هجمات شرسة من قبل القوى الإرهابية وقيامها بقتل، وتدمير وترحيل الناس، وما ترتب على ذلك من آثار اجتماعية على المجتمع العراقي من تفكك الأسر، والحرمان، والعوق، والجوع، والتوتر العصبي، والخوف على الأبناء .

يضم البحث مقدمة ومبحثين وخاتمة، تطرق المبحث الأول إلى تعريف الإرهاب لغةً واصطلاحاً، وبيان الأسباب التي أدًت إلى ظهوره في العراق بعد عام 2003 مع الإشارة إلى أبرز المجاميع الإرهابية، أمًا المبحث الثاني فقد بَيًنَ أهمً الآثار الاجتماعية، والنفسية للإرهاب على المجتمع العراقي، واحتوت الخاتمة على خلاصة للاستنتاجات التي توصل إليها الباحثان .

المبحــث الأول: الإرهــاب وأسباب ظهــوره في الـــعــــــراق

اولاً: تعريف الإرهاب :   

        الإرهاب لغةً كلمة تبعث في النفوس شعوراً بالرعب والفزع والهول. وجاءت مشتقات الفعل رهب في أكثر من موضع في القرآن الكريم كقوله تعالى: ﴿وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾([1])، ولقد جاءت في اللغة العربية أنً "الرهبة الخوف والفزع، وأرهبه، ورَهًبَهُ، و  استرهبه:  أخافه وفَزًعَهُ. واسترهبه : استدعى رهبته حتى رَهِبَهُ الناس"([2]) .

        أمًا الإرهاب اصطلاحاً فقد عرفته الموسوعة العربية على أنًهُ " استخدام العنف أو التهديد به لإثارة الخوف والذعر" ([3]), كما عرفته موسوعة العلوم الاجتماعية بأنًهُ " محاولة مقصودة لبث الرعب في السكان بوسائل مختلفة، ويكون إمًا من جانب الدولة، أو من جانب حزب يهدف إلى إسقاط الدولة " ([4]).

        وقام أحد المؤرخين بإحصاء مئة وثمانية تعريفات للإرهاب ، لعل أبرزها، ما يعرفه بأنًهُ " سلوك رمزي يقوم على الاستخدام المنظم للعنف، أو التهديد باستخدامه ، وبشكل يترتب عليه خلق حالة نفسية مضطربة، جراء الخوف والهلع وعدم الشعور بالأمان لدى المستهدفين ، قهراً لإرادتهم ، وهضما لحقهم في الحرية والاستقلال وتقرير المصير" ([5]).

وفي اللغة الإنجليزية هناك كلمتان متقاربتان في اللفظ ، للدلالة على الإرهاب ، بيد أنّهما مختلفتان في المعنى، الكلمة الأولى (Terrorism) التي تعني الإرهاب بمعناه الشائع والذي توجهه مجموعات إرهابية ضد حكومة ما، أو ضد أنظمة اجتماعية، أمَّا الكلمة الثانية (Terror) وتعني الفعل المضاد ، أي الإرهاب الذي تمارسه الحكومة ، لقمع حركة ما مناوئة لها ([6])

        فيما لم يظهر تعريف دولي للإرهاب، يكون واضحا ومعترفاً به ، إذ لم تقدم الأمم المتحدة تعريفاً جامعاً مانعاً، بسبب تباين المواقف بين الدول، وخاصة تلك التي تميز بين الإرهاب الفردي وإرهاب الدولة، وبين الإرهاب والنضال الشرعي ضد المحتل، الأمر الذي يؤدي إلى خلط الأوراق والتخبط في المفاهيم، وجعل إشكالية تعريف الإرهاب انتقائية، تخدم أهداف دول معينة ومصالحها من دون أخرى([7]), وطبقاً لذلك فإنَّ مكافحة الإرهاب تتطلب أمرين اثنين .. الأول تقديم تعريف متفق عليه للإرهاب على المستوى الدولي، بعيداً عن الانتقائية، أو الازدواجية، أو تعدد المعايير الأمريكية والبريطانية .. والأمر الثاني، اتباع سياسة دولية متوازنة من لدن الإدارة الأمريكية تجاه القضايا الدولية([8])

        وشاع الحديث عن الإرهاب بوصفه أهم الإشكاليات المعاصرة للصراعات على المستويات المحلية، والإقليمية، والدولية كافة ، وقد زادت معاني الإرهاب واختلفت، حتى عدّه بعضهم ثورة ، وعدّه آخرون معركة ، وهكذا. وينطلق الإرهاب من اعتبارات عدة ، من بينها الإيديولوجيا التي يؤمن بها الشخص، أو النظام الذي يعيش فيه، أو القيم، والاعتبارات التي يتقيد بها، ويدافع عنها([9]) .  

        إنَّ جذور الإرهاب الحديث تعود إلى القارة الأوربية، وتمثل في الصراع بين دولها والمجموعات المسلحة ، ثم ما لبث أنْ انتقل إلى الصعيد الدولي من خلال الأوربيين أنفسهم، عندما أسست شركاتهم ومنظماتهم الاستعمارية، التي قامت باحتلال عدد من دول العالم، واستيطانها، واضطهاد سكانها الأصليين. وتغاضت الكثير من الدول الكبرى – على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية –عن إرهاب الدولة ، وبات التركيز على إرهاب الأفراد([10]) .

ثانياً: أسباب ودوافــع الإرهــاب :

        إنَّ استعراض الأسباب، والدوافع التي تُوَلَّدُ الإرهاب لا يعني محاولة تبريره وإيجاد حجج لانتشاره وتوسعه في العديد من المجتمعات، وإنما الهدف هو الوقوف على طبيعة الظاهرة التي لم توجد من الفراغ والعدم، بل هناك أسباب،وآليات لها سواء كانت اجتماعية، ام سياسية، ام اقتصادية كانتشار الظلم، والجهل، والفقر، وانعدام العدالة، أو تكافؤ الفرص، وانعدام القانون وغير ذلك من الأسباب، وعلى وفق ما تقدم فأن ظاهرة الإرهاب معقدة ومتشعبة، والوقوف عند أسبابها، وأبعادها ليس بالعملية السهلة، فالإرهاب يعكس وضعاً غير سوي في المجتمع المحلي، والدولي ويكون في معظم الأحيان وصفاً للاستياء، والتهميش والتنكر للواقع، والقيم السائدة في المجتمع، فهو ظاهرة لا تؤمن بالآخر، ولا تؤمن بالحوار، ولا حتى بالقيم الإنسانية. والإرهاب يكون بعيداً كل البعد عن المنطق والبصيرة ويؤمن بالنسف الكامل لجميع القيم الإنسانية ، فالعقلية الإرهابية تجد مصدرها في رفض ما هو موجود في المجتمع، وتتسم بالكراهية، والحقد، والإنكار الأخلاقي للقيم كافة.

يرى جهاز المخابرات العراقية حسب ما نشر على موقعه على شبكة الإنترنيت أنَّ الإرهاب بدأ يظهر بعد سقوط النظام السابق عام 2003 بشكل تدريجي واصبح ظاهرة غير طبيعية قادمة من خارج الحدود، وأخَذَ أشكال متعددة مثل " الذبح، الخطف، الاغتيالات، حرق وتفجير المؤسسات الحكومية، السيارات المفخخة، العبوات الناسفة " ، وأدَّى إلى فقدان الأمن والاستقرار وبدأ المواطن العراقي يشعر بالإحباط ([11]).

وعلى الرغم من صعوبة حصر أسباب الإرهاب، ودوافعه لكن يمكننا إرجاعه إلى الأسباب الآتية: 

 

 

اولاً: الاسباب السياسية :

        يمكن القول بشكل عام، في حال انعدام العدالة الاجتماعية، أو حرمان بعض القوى، تبرز الدوافع كأسباب في حدوث العنف والإرهاب خاصة إذا كان المجتمع (فسيفساء) من القوميات، والأديان، والطوائف ولم تنعم بالديمقراطية، أمَّا فيما يخص العراق فإنَّ فئة معينة من القومية العربية بدأت عناصرها باللجوء إلى العنف، انتقاما لما فقدته من سلطة وامتيازات وحكم دكتاتوري، لاعتقادها أنّ نظام الحكم الجديد في العراق بعد عام 2003 قد تسلمتهُ الفئة الأخرى التي تختلف عنها في الفكر والعقيدة، وعلى الرغم من اشتراكها في البرلمان والحكومات المتعاقبة، ادت إلى بروز ظاهرة العنف الطائفي الذي يتسم بالإرهاب الموجه ضد الطرف الآخر مما ولد الأحقاد بين الطوائف التي يتكون منها المجتمع. ولعلَّ الخطاب السياسي والإعلامي لبعض القوى السياسية يعكس موقفا مزدوجا ويشير إلى الكثير من المفارقات التي لا تبرر استمرار مشاركتها في الحكومة بل إنَّ الواقع يشير لما هو أسوأ من ذلك بانتقال هذا الصراع بين الأطراف المشتركة في الحكم إلى الجمهور واتخاذه شكلا دموياً وطائفياً مقيتاً بواسطة تنظيمات، وميليشيات مسلحة تابعة لها([12]) .

        كان للصيغة المعتمدة في التشكيل الحكومي والقائمة على المحاصصة الطائفية، والحزبية الضيقة واعتماد نظرية التوازن بين المكونات، قد حملت منذ اليوم الأول أسباب الشلل والعجز عن تأدية مهماتها، فلا رئيس الوزراء يمكنه أنْ يمارس سلطاته وفق صلاحياته المألوفة في البلدان الأخرى، ولا التشكيل الوزاري يستطيع أنْ يعمل بحرية إلَّا عَبْرَ التوافق القسري في اتخاذ  القرارات([13]) , وهي تشكل سبباً رئيسياً لشيوع ظاهرة توزع الولاءات داخل الأجهزة التنفيذية واختراقها من جانب قوى مسلحة غير رسمية، مما سهل وقوع بعض من كانوا يؤمنون بالتغيير الديمقراطي في أيدي دعاة الإرهاب وانتهاجهم الإرهاب بوصفه منهجاً أو أسلوباً للمُعارضة، لاسيما أنَّ الكثير منهم حصل على الدعم الخارجي من الدول التي لا تؤمن بالنظام السياسي الجديد في العراق، فضلاً عن إعدام الرئيس الأسبق صدام حسين وكبار رجال نظامه وانتقام المستفيدين، والمقربين من ذلك النظام، كرد فعل على ذلك لنشر الرعب والدمار والخراب في العراق وعرقلة مسيرته الديمقراطية وإظهار ضعف الدولة العراقية في إدارة شؤونها([14]) .

        يضاف إلى ما تقدم ذكره أنَّ بعض دول الجوار أرادت ان يكون العراق ساحة للإرهاب لأجل الحفاظ على أمنها، وتحقيق مصالحها ولا يهمها قتل العراقيين من خلال  تلاعبها بالمكونات الفكرية، والاجتماعية، والسياسية للأحزاب والطوائف، وتستغلها لبث الإرهاب داخل العراق، مما أدى إلى تحول العراق لساحة للجماعات والدول التي ترغب في تصفية حساباتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها مستغلة ضعف السيطرة على الحدود وعدم تكامل الجيش والمؤسسات الأمنية([15]), وكان لظهور الحركات السلفية المتشددة والجماعات المتضررة من سقوط النظام السابق، والمدعومة من دول الجوار لتحقيق مصالحها في إيذاء العراقيين وقتلهم وتدمير ممتلكاتهم. وتحوَّل بعض دور العبادة خاصة وأن الفهم الخاطئ للدين جعل الفرد العراقي معرضاً للانحراف الفكري والتطرف في السلوك، في ضوء وجود بيئة اجتماعية تميزت بسيادة الولاءات الطائفية والعرقية الضيقة في العراق، إذ وفر المناخ المناسب لبث السموم الفكرية من الجهات التي تُحاول زعزعة الأمن والسلم في العراق، وبعض وسائل الإعلام وبعض الأحزاب السياسية إلى حواضن فكرية ولوجستية داعمة للإرهاب، بما قوَّى من شوكة الإرهاب في العراق([16])، لذلك كانت من اخطر نتائج الاحتلال الأمريكي على المجتمع العراقي زرع بذور الفتنة الطائفية بين ابناء الشعب الواحد لتبدأ مرحلة حملات من التصفية والتفجيرات والتهجير القسري وأثارة الحقد والعنف، وصولا إلى الحرب الاهلية (غير المعلنة) التي جعلت من التعايش والتوافق بين العراقيين غير ممكنا تمهيداً لتقسيم البلاد تنفيذاً لمشروع الاحتلال، الذي وضع في اجندته النفط ، وضمان أمن إسرائيل، و اذلال الشعب العراقي وسرقة أمواله وجعل فئة تطغي على الاخرى ([17]). وتصبح الحرب الاهلية حتمية وهذا ما برز بشكل واضح في السنوات 2006_ 2007 بعد  حادثة تفجير مرقدي الإمامين العسكريين (ع) في سامراء([18]).

ثانياً: الأسباب  الاجتماعـية و الاقتصادية :

العوامل الاجتماعية المتمثلة بالتخلف، والجهل، والتدهور الصحي وتدهور خدمات الدولة في بعض المناطق تجعل تلك المناطق مفتوحة لنشر الفكر المتطرف فيها، واستمالة أهلها، ومن ثم التعاطف مع الإرهاب أملاً في الانتقال إلى وضع اجتماعي أفضل كما تصوره لهم المنظمات الإرهابية. أمَّا الأسباب الاقتصادية فتستخدم في الإرهاب بعدة زوايا، فالاقتصاد الضعيف للدولة يهيئ للإرهاب تربة خصبة لإثارة الكراهية ضد الدولة، وتشجيع الطبقات الدنيا للخروج ضد الدولة، والقيام بأعمال العنف، والإرهاب ضد النظام العام، ومن أجل ذلك أيضاً تسعى المنظمات الإرهابية إلى ضرب الاقتصاد القومي وتعطيل المرافق الانتاجية، والاستثمارية حتى تتمكن من التأثير على الدولة والدعوة لأهدافها السياسية، والعامل الاقتصادي من جهة أخرى يمارس دوراً في دعم العمليات الإرهابية التي تحتاج المال لشراء الأسلحة والتقنية الحديثة([19])  . 

        إنَّ ضعف المشاريع التنموية في العراق، وما عمله المحتل من سلب، ونهب للموارد الحيوية أدى إلى تفشي الفقر والجهل والمشاكل الاقتصادية في المجتمع، وكذلك الزيادة المطردة في عدد السكان وفي احتياجاتهم المتزايدة من مأكل ومشرب ومدارس ومستشفيات ومساكن ...الخ وتراجع عدد فرص العمل بسبب تراجع نسب الاستثمار نتيجة تردي الوضع الأمني في العراق بعد 2003 ، كل ذلك أدى إلى استياء بعض العراقيين وسخطهم من النظام السياسي القائم الأمر الذي جعل بعض ممن انساقوا وراء الإرهاب يجدون التبريرات المناسبة لإعلان) تمردهم (على النظام السياسي وقراراته وبشكلٍ مُتطرف، فظهرت الأعمال الخارجة على القانون والأعمال الإرهابية . وقد جاء ذلك مُتزامناً مع تزايد أعداد الأرامل واليتامى بسبب أعمال القتل التي مارسها الاحتلال بشكل مباشر، أو بواسطة الجماعات الإرهابية، والميليشيات المسلحه([20]) ، فضلاً عن تداعيات التهجير القسري المنظم الداخلي والخارجي وما تبعه من عمليات تغيير ديمغرافي مُتعمد أدت إلى تفكك الأسر وتمزَّق النسيج الاجتماعي العراقي تمهيداً لتحويله فيما بعد إلى واقع متصارع، في ضوء تراجع وعرقلة خطط الاستثمار الخاصة بالشركات التابعة للقطاع الخاص والعام في الدول الأجنبية لإعادة أعمار العراق، علاوةً على تردد الدول والشركات الاجنبية في المشاركة في برامج إعادة الإعمار، بسبب قتل واختطاف عدد كبير من العاملين فيها، وبسبب عدم استتباب الأمن اللازم لتنفيذ مشاريعها، مما انعكس وبشكلٍ سلبي على فُرص العمل للعراقيين، لاسيما تردي الواقع الاقتصادي واستمرار مسلسل الاغتيالات وتفجير السيارات على المرافق العامة للدولة والتجمعات السكانية أدى إلى تراجع الكثير من الشركات والدول الأجنبية عن مشاريعها الاستثمارية في السوق العراقية . مما وضع الحكومة العراقية أمام مهمة عسيرة في إعادة وتأهيل البنى الاقتصادية في ظل الاشتراطات التي وضعتها الدول الغربية الغنية ونادي باريس للمانحين وصندوق النقد والبنك الدوليين لشطب تلك الديون([21]).

        لا يُمكن إغفال دور العوامل الاقتصادية في وأد المناخات التي قد تُعطي الأعمال الإرهابية زخماً مُتزايداً . فكلما كان دخل الفرد يفي بمُتطلباته واحتياجات أسرته كلما كان رضاه واستقراره الاجتماعي ثابتاً، إما إذا كان دخله قليلاً فذلك يجعله مُضطرباً غير راضٍ عن مُجتمعه ويشعر أنَّ وطنه لم يُنصفه، بل قد يتحول عدم الرضا هذاإلى كراهية ونقمة على اﻟﻤﺠتمع، خاصة وأنَّهُ يرى إنَّ التفاوت بينه وبين أعضاء آخرين في اﻟﻤﺠتمع كبير، وبدون وجود أسباب موضوعية لتلك الفروق التي قد تكون على أساس عرقي، أو اثني، أو طائفي ومن دون وجه حق، لاسيما إذا اقترنت هذه الفروقات بتدني مستوى المعيشة، والسكن والتعليم والصحة وغيرها من الخدمات الضرورية التي يُفترض أنْ تقدمها الحكومة، والتي تلكأ في تقديمها بسبب استشراء حالات الفساد الإداري وقد تزامن ذلك الفساد مع تشريع العديد من القوانين والتشريعات البرلمانية التي عالجت الامتيازات المالية والاعتبارية لأعضاء البرلمان العراقي والوزراء وغيرهم من موظفي الدرجات الخاصة بطريقة رتبت خلق طبقة مُترفة على حساب الطبقة الفقيرة، التي تضم أكثر من تسعة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر وفقاً لإحصائية وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية ، مما أدى إلى أن تتسع الفجوة بين الفقراء، والأغنياء، مما مَهَّدَ لإيجاد شعور عام بانعدام الشعور بالانتماء الوطني والمسؤولية الوطنية، ليستثمر هذا الشعورَ الإرهابيون مُستغلين ارتفاع نسبة البطالة في العراق، التي قُدَّرت بنحو 30% من القوة العاملة العراقية طبقاً للإحصائيات الحكومية. ويمكننا إضافة الفساد الإداري المنتشر في أجهزة الدولة ومؤسساتها، وتفشي ظاهرة الرشوة التي من الممكن أنْ تدعم بها عمليات الإرهاب لدعم الجماعات المسلحة ([22]) .  

        كل هذه الدوافع وغيرها كانت وراء العديد من الأعمال الإرهابية التي تُمَارَسُ ضد الأفراد والمجتمع، والمؤسسات العامة على حَدّ سواء.

 

ثالثاً: المنظمات الإرهابية :

        ومن أجل أنْ تكون الصورة واضحة عن العمليات الإرهابية في العراق لابدَّ من الاطلاع على أبرز المنظمات، والمجاميع الإرهابية التي مارسته في العراق ومنها([23]):

  1. بقايا نظام صدام من أجهزة الأمن والمخابرات وقوات فدائيي صدام وغيرها من التشكيلات العسكرية، والأمنية التي تضررت مصالحها بسقوط نظام صدام .
  2. المجموعات العراقية المتطرفة مثل جند الإسلام وأنصار الإسلام وبعض اتباع التيار السلفي الوهابي الذين يكفرون المسلمين ويميلون إلى استخدام السلاح والعنف .
  3. المجموعات غير العراقية المتطرفة مثل تنظيم القاعدة التابع لأسامة بن لادن وتنظيم التوحيد التابع لأبي مصعب الزرقاوي وغيرها .
  4. العصابات الإجرامية المتكونة من القتلة، والمجرمين، وأرباب هوس السرقة وهوس الحريق ومحترفي جرائم الدعارة والاغتصاب ومدمني الخمور والمخدرات الذين أطلق صدام سراحهم قبل سقوط نظامه والذين شكلوا عصابات للاختطاف والتعذيب والقتل وتعاونوا مع بعض المجموعات الإرهابية من أجل الحصول على الأموال فالذي يملك غريزة عدوانية في ذاته يكون أقرب إلى العمل الإرهابي ولديه الاستعداد للانضمام إلى المنظمات الإرهابية.

المبحـــث الثــاني : الآثــــار الاجــــتمــاعية للإرهــــاب في العـــراق

من خلال الحروب التي شهدها العراق وما تبعها من عمليات إرهابية واستمرارها نـمت ظـاهرة مهمة فـي المجتمع العراقي وهي ظاهرة (عسكرة المجتمع) و(أدلجة تفكيره) على نحو معين، إذ بـدأ الشباب يتطبعون بطابع العنف من خلال ثقافة الحرب، ومن خلال الصور والقصص والأحاديث، ومن ثم انعكس ذلك على الأطفال وأناشيدهم التي تـمجد بالحرب والقتال، و اقتناؤهم اللعب التي أغلبها عبارة عن الدبابة والصاروخ والبندقية والمسدس والطائرة ، إضافـة إلى بروز ظاهرة الأزياء العسكرية ولبسها من قبل الشباب والأطفال([24]),كما انتشرت ظاهرة إطلاق العيارات النارية، على الرغم من كونها ليست وليدة الحرب وإنَّـما هي عادة متبعة ومتأصلة بين أبناء المجتمع العراقي سواء في النـزاعات العشائرية، أو مناسبات الزواج، والممات، والختان، والفوز في مباريات كرة  القدم وأحيانا حتى في المناسبات الـخاصة بسبب أو بدون سبب ، وقـد أدت هذه الحالات من إطلاق العيارات  النارية إلى الكثير من الإصابات بين الناس، وأحيانا كثيرة قلبت الأفراح إلى أحزان([25]) .

ويرى الباحثان أن للعمليات الإرهابية التي شهدها العراق تأثيراً كبيراً في زيادة استخدام السلاح وسهولة إطـلاق النار، والحصول على السلاح إذ أصبح لا يـخلو بيت عراقي من وجود السـلاح تقريبا إضافـة إلى توفر العتاد بشكل يسير.

كما أدى سقوط النظام السابق، وانهيار مؤسسات الدولة العراقية إلى عملية تحول اجتماعي في العراق وأبرز مظاهرها الرجوع إلى الأوضاع الاجتماعية القبلية ، مما جعل الفرصة مؤاتيه لمجتمع مضاد يعاد تشكيله في جوٍ من الصراع الفوضوي العبثي بكل ما يحتويه من عناصر جديدة، أو جيدة، وبمعنى آخر: أحدثت المرحلة التي تلت عام 2003 طفرات مفاجئة مولدة طيفاً من الاختلافات والانقطاع، ومن العزلة إلى الانفتاح، وهذه التبدلات من شأنها أنْ تسبب في قطع الأواصر بين الأجيال، والنخب ولو بشكل نسبي، ما أدى إلى غياب اللغة المشتركة في التفاهم والتعامل والتفكير([26]).

اوجد دخول القوات العسكرية الامريكية وما حملته معها من ثقافة نوعا من الصراع بين الثقافة الوافدة التي تحملها هذه القوات وبين الثقافة العراقية الأصلية التي يحملها الشعب العراقي، لاسيما إن الاخير عاش مدة من الزمن في حالة من الانغلاق نتيجة منع النظام السابق لجميع انواع التواصل مع العالم الخارجي من صحافة وبث فضائي (تلفزيون وانترنيت)، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية والحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق اثر احتلاله للكويت                عام 1990 ([27]) .

و أدى _في الوقت ذاته_ سقوط النظام السابق إلى انتشار أعمال العنف، والسلب، والنهب والانحراف التي نتج عنها تداعي المجتمع من الداخل وفقد إرادته بعد أنْ اختلفت منظومته القيمية وأصبح التمايز فيه واضحاً من خلال([28]):                                      

  1. بروز طبقة ميسورة ومرفهة، وتتحكم بالكثير من الأمور الاقتصادية .
  2. طبقة كادحة تعيش في فقر ساحق ومسلوبة الإرادة .
  3. غياب الطبقة الوسطى التي فقدت مقوماتـها واتجهت نـحو الانـحدار .

أدت هذه الهوة الطبقية إلى زيادة عدد المهمشين وانعدام الحد الأدنى للحياة الكريمة عند نسبة كبيرة من السكان، فنجد أنَّ نسبة عـالية من أطفال  العراق تعيش مآسي  فآلاف الأسر فقدت أولياءها بسبب النـزاعات وضغوط الحياة ، واضطر آلاف الأطفال للعمل دون السن القانونية لمساعدة أسرهم وتدهور الحياة الأسرية ، وانعكاس ذلك على الأطفال وجعلهم ضحايا للعنف إضافة إلى المعاناة النفسية والاجتماعية ، والتعاسة الناجمة عن مستقبل مظلم قد أدى إلى تحطم عوائل كثيرة ([29]) ، أمَّا الشباب في العراق فمعظمهم يفقد الأمل تدريجياً في الحياة ويجد أنَّ التعليم الجامعي لم يمكنه من الحصول على وظيفة لائقة ولذلك لا يستطيع الحلم بمسكن مناسب ولا بحياة زوجية مستقرة مما تجعله يندفع وراء منظمات إرهابية تمارس أعمال غسل أدمغتهم ودفعهم إلى ممارسة الأعمال الإرهابية ضد الدولة وإحداث الإضرار باقتصادها كتدمير منشآتها الصناعية أو التجارية، أو المنشآت التابعة لها لإثارة الذعر والرعب . وتهدف هذه العمليات إلى إنزال أضرار مادية بتلك المؤسسات بوصفها تشكل مورداً اقتصادياً ومصدراً من مصادر الدخل الهامة ([30])  .

ونتيجة لذلك تولدت انعكاسات خطيرة على المجتمع العراقي منها ما كان موجوداً سابقا وتنامى ومنها مالم يكن موجوداً أصلا فأصبح من المسلمات في المجتمع، كارتفاع نسبة الفقر إذ تجاوزت نسبتها الــ 35% قبل عام 2003، ارتفعت إلى حوالي 5,6 مليون عراقي بعد 2003يعيش معظمهم تحت مستوى خط الفقر بينهم 40 % يواجهون تدهوراً حاداً في معيشتهم، مما أدى إلى اتساع ظاهرة الباحثين عن الرزق بين القمامة وحقول الألغام، فضلا عن تنامي ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية، أو ظاهرة خطف النساء، والأطفال والاتجار بهم، أو تهريبهم خارج العراق، وهذه الظواهر تُعَدُّ دخيلة على المجتمع العراقي، ولم يألفها سابقا وعرف بخلوه منها تقريباً، يضاف إلى ذلك تنامي ظواهر التعصب الطائفي، والديني، والقومي، مما تسبب بمشكلات كبيرة هددت وحدة وأمن المجتمع العراقي بالخطر([31])، عدا عن كون التوجه الجديد نحو العشيرة والمدعوم من سلطات الاحتلال قد يتعارض مع مفهوم الدولة الحديثة والمجتمع المدني والديمقراطية التي كانت أحد المبررات للغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، ناهيك عن أنَّ الأسر العراقية بأفرادها جميعاً عانت من تردي أغلب الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه صالحة للشرب وخدمات الصحة، والتعليم، والبلدية، وإعادة العراق إلى عهد ما قبل الصناعة، وإعادته كذلك إلى عهد ما قبل العقد الاجتماعي الذي تحدث عنه كل من (توماس هوبز) و(جون لوك) و(جان جاك روسو) وهذا ما وعد به وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر وزيرَ خارجية العراق طارق عزيز قبل حرب الخليج الثانية عام 1991([32]) .

  مما تقدم نرى إنَّ الإرهاب غالباً ما يصدر عن أفراد، أو جماعات تعاني التدهور المعيشي والبطالة  وتصف من خلاله بالعجز، واليأس والقنوط مما أدى إلى انحراف السلوكيات التي تميل إلى العنف والجريمة والإرهاب. وقد تتصور بعملها هذا أنْ ترفع القهر والظلم عن نفسها وتحقق آمالها عندما تسلك طريق الإرهاب، إضافة إلى أنْ هناك منظمات وأشخاص تربوا على الشر والعدوان وكسب المال بغير طرق الحلال لتحقيق رغباتهم، وأهوائهم الشريرة بسلك طريق الإرهاب لتحقيق مآربهم الشريرة هذه .

إضافة إلى أنَّ اﻟﻤﺠتمع العراقي اتصف بالتعددية الدينية والمذهبية وشدة التنوع من حيث انتماءات الأفراد الطائفية والعرقية، تبعاً للبيئة وقربها أو بعدها من دول الجوار، أثرت ليس فقط على مستوى التكوين الطبقي للمجتمع العراقي فحسب، وإنما على مستوى البناء السياسي للدولة العراقية الحديثة أيضاً وبما رتب وجود حواضن لوجستية وموضوعية للإرهابيين ولاسيما بعد عام 2003، إذ فرضت المنظمات الإرهابية على أبناء  المجتمع العراقي التمايز بين أبناء هـذا المجتمع على هذا الأساس كما أدخل الاحتلال الأمريكي العراق بعد نيسان 2003 اﻟﻤﺠتمع العراقي برمته في نمط جديد ومتشابك من العلاقات السياسية والاجتماعية أدى إلى تخلخل بُنية أسس التعايش بين الطوائف والمذاهب وجعل من العراق ساحة مُفتوحة لكل أنواع الصدامات المسلحة، وكل ذلك ترافق مع ضعف البُنى الاجتماعية والاقتصادية والخدمية والاجتماعية والعلمية ووجود خلافات حول تشكيل العراق الجديد وشكل الدولة فيدرالية، أم مركزية ([33])  . 

كما أنَّ الأعمال الإرهابية تنعكس آثارها على الجميع، ولا تقتصر على من يقوم بها فقط، وقد ألحقتْ الممارسات الإرهابية التي وقعت في العراق خسائر في الأرواح والممتلكات.  وهذه الأضرار لا تقتصر على الخسائر المادية؛ بل تشمل الخسائر المعنوية أيضاً، وهذه الخسائر أكثر ضرراً على المستوى البعيد من الخسائر المادية، إذ أظهرت دراسة أنَّ تلك الأحداث وما بعدها تحدث تهديداً داخلياً وقد توصلت الدراسة التي تم إجراؤها على فئات عمرية مختلفة من العراق أنَّ لديهم صعوبة في التعايش، والتكيف، والسيطرة على نوبات الغضب حتى مع الأشخاص المحبين، والمقربين لهم، وتعاملهم مع أحداث الحياة غالباً ما يكون بطريقة عدائية، وأنَّ هؤلاء لديهم إحساس داخلي بالتهديد والخوف من المستقبل فضلاً عن النظرة التشاؤمية ([34]), وفي ظل بروز ظواهر غريبة على المجتمع العراقي ومنها التهجير الطائفي والعرقي القسري لمئات الآلاف من الطوائف والأعراق من مناطق إلى مناطق أخرى من العراق لأسباب وعوامل متعددة منها تدهور الوضع الأمني وانتشار ظواهر الخطف والقتل على الهوية مما أدى إلى هجرة واسعة من العراقيين إلى الدول المجاورة أو الدول الأخرى([35]).

ومن آثار الإرهاب المعاصر في العراق على الصعيدين المحلي والخارجي أيضاً ([36])  :

  1. بروز عدم الأمن والاستقرار في البلد الذي يمر بمرحلة انتقالية لتطبيق النظام الديمقراطي التعددي الاتحادي.
  2. عرقلة خطة الحكومة في تطبيق برامجها الخاصة باستتباب الأمن وتقديم الخدمات العامة للشعب، ومنها الماء، والكهرباء، والوقود، والخدمات الأخرى.
  3. هجرة الأطباء إلى خارج البلاد نتيجة لتعرضهم للتهديدات المستمرة والاغتيالات مما أدى إلى عرقلة علاج المصابين في العمليات التفجيرية الإرهابية.
  4. إشاعة الفوضى وحالة الرهبة والخوف لدى المواطنين نتيجة لعمليات الترحيل والتهجير القسري من منطقة إلى أخرى داخل العراق. وهجرة أكثر من مليوني شخص إلى خارج البلاد بالأخص بعد التفجير الأول لمرقدي الإمامين العسكريين في سامراء .
  5. عرقلة حركة التعليم في البلد نتيجة لاستهداف الجامعات والطلبة واغتيال الأساتذة الجامعيين مما أسفر عنه هجرة أصحاب الكفاءات والعقول العلمية إلى الدول الأخرى.
  6. عرقلة الحركة السياحية في العراق مما أثر على التطور الاقتصادي في البلد.
  7. تلوث البيئة العراقية وشيوع الأمراض صعبة العلاج فيها.
  8. عدم إمكانية تعويض المتضررين من العمليات التفجيرية بالشكل الأصولي لكثرة العمليات الإرهابية وإصابة أعداد هائلة من المواطنين.
  9. إرباك الحكومة العراقية في تطبيق خططها الاقتصادية والاستثمارية.
  • توجه أكثر من مليوني مواطن عراقي سواء من المحسوبين على النظام السابق او المواطنين المهاجرين نتيجة العمليات الإرهابية إلى دول الجوار مما أدى إلى:

أ. وصول عدد من الأثرياء العراقيين إلى بعض دول الجوار، مما أدى إلى ارتفاع أسعار إيجارات العقارات السكنية وغير السكنية مما اتعب المواطنين في تلك الدول في إمكانية حصولهم على بدل إيجار بسعر مناسب لهم.

ب. وصول عدد من الذين هربوا من بطش الإرهابيين إلى دول الجوار دون التمكن من نقل أموالهم، مما سبب في خلق حالة مأساوية للوضع المعيشي لهم لدى الدول التي لجئوا إليها والذي أدى إلى ظهور آثار سلبية على مجتمعات تلك الدول.

ج. إنَّ المهاجرين من العراق لأسباب أمنية يضطرون إلى اللجوء إلى عصابات لتهريبهم إلى الدول الأوربية ودفع مبالغ هائلة مقابل ذلك مما سيزيد من عدد اللاجئين ومشاكلهم في تلك الدول.

د. انتقال بعض الخلايا القيادية للإرهابيين والجماعات الدينية المتشددة الأخرى والبعثية إلى دول الجوار مما أدى إلى تخوف تلك الحكومات من وصول الإرهاب إلى دولهم وانتشار الأفكار الدينية المتطرفة هناك.

ونتيجة لانتشار ظاهرة الإرهاب في العراق فقد نمت بعض القيم كتغيّر قيم التعامل المتبادل بين الموظف والمواطن، حيث انتشرت ظاهرة الرشا والاختلاس والتجاوز على المال العام، وحالات التزوير والاحتيال وغسيل الأموال بشكل كبير، ومع أنَّ تفشيها كان سابقاً للاحتلال، لكن لم يكن بهذا الحجم والانتشار الواسع، ولا بهذا التغيير الملحوظ في قيم التعامل([37]), إذ أصبح الاختلاس والسرقة والرشوة، نوعا من "الشطارة " والفنون التي يجيدها أغلب الموظفين في مؤسسات الدولة، وتنامت كذلك نزعة الحصول على الأموال، بغض النظر عن شرعيتها ومصدرها، المهم هو الحصول عليها، وفقا لقيم الشطارة التي شاعت بين أوساط المجتمع على نحو واسع، في حين كانت مثل هذه القيم معيبة ومنبوذة، ولا يقبلها العراقي لنفسه، وكانت تعد نوعا من الانحراف وفقدان الشرف، وليس نوعا من الشطارة كما هي الآن. لذلك فإنَّ تنامي مثل هذه الظواهر السلبية، يعد تغيرا خطيرا، في منظومة قيم المجتمع ويهدد نسيجه الاجتماعي وأمنه الوطني([38]).   

كما يلاحظ رغم وجود المئات من تنظيمات المجتمع المدني المسجلة وغير المسجلة التي ظهرت في العراق في مرحلة ما بعد الاستبداد، إلَّا أنَّ استمرار تدهور الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية قد أثر سلباً في عمل الكثير من هذه التنظيمات، كما أنَّ تمدد دور القبيلة والعشيرة والمسجد في أعقاب تفكك أجهزة الدولة العراقية ومؤسساتها قد قدم للناس بديلا موضوعياً لتنظيمات المجتمع المدني الحديثة، مما جعل الكثير منها محدود التأثير والفاعلية، ولذلك فإنّ المجتمع العراقي اليوم يفتقر إلى شبكة من منظمات المجتمع المدني القادرة على توفير قنوات تلتحم عبرها وبواسطتها مصالح التكوينات العرقية والطائفية المختلفة([39]).

 

الخــــاتـــمة

بعد أن تعرفنا خلال دراستنا المتواضعة هذه على بعض الأسباب التي أدت إلى ظهور الإرهاب، وأبرز تأثيراته على مستوى المجتمع في العراق، بقي لنا أنْ نختم بالخلاصات والاستنتاجات التي توصل إليها الباحثان وهي كالآتي :

  1. يشكل الإرهاب تهديدا مستمرا للسلم والأمن ولاستقرار جميع الشعوب ويجب إدانتهما والتصدي لهما بصورة شاملة من خلال اعتماد استراتيجية شامله وفاعلة من أجلة.
  2. إنَّ جرائم الإرهاب تحت كل مسمياتها وظروف ارتكابها وبغض النظر عن كل الدوافع المزعومة يجب أنْ يدان دون تحفظ على الجرائم.
  3. إنَّ نمط هذه الجرائم انتشر كالوباء في العراق، وظهر بشكل واضح بعد سقوط النظام السابق، بالنظر لتشكيل العصابات التي تتخذ من هذا الأسلوب احترافا لها،ْ وهذا النمط الخطير في الأسلوب الجرمي المتبع، وأنَّ توليها الأجهزة المختصة مكانة تتناسب مع خطورتها، وأنْ تعمل جميع المؤسسات البحثية لدراستها وتشخيصها ومحاربتها بالأساليب التي تنظف العراق منها.
  4. من اجل القضاء على الإرهاب، يرى الباحثان، ضرورة تشجيع التسامح والتعايش وتعميق نشر القيم الإنسانية الفاضلة وإشاعة روح التسامح والتعايش وحث وسائل الإعلام على الامتناع عن نشر المواد الإجرامية الخطيرة من خلال القنوات الإعلامية. وتشريع قوانين لمحاربة الجرائم الإرهابية بأشكالها كافه سواء كانت تهريب الأسلحة أم المخدرات أم غسيل الأموال أم القتل.

الــمـــصــادر

القران الكريم

اولاً : الكتب :

  1. أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، ط3، بيروت،1994 .
  2. إدريس لكريني، مكافحة الإرهاب الدولي بين تحديات المخاطر الجماعية وواقع المقاربات الانفرادية، بيروت، 2007 .
  3. إسماعيل الغزال، الإرهاب والقانون الدولي، بيروت،1990.
  4. حامد البياتي، الإرهاب في العراق وخطورة انتقاله إلى دول المنطقة والعالم، بغداد، 2005.
  5. حسنين توفيق إبراهيم وعبد الجبار أحمد عبد الله، التحولات الديمقراطية في العراق   القيود والفرص، ط1، بغداد، 2005 .
  6. خالد عيسى طه، العراق ومسيرة الدم، بيروت، ط1، 2010 .
  7. عبد الغني عماد، ثقافة العنف في سوسيولوجيا السياسة الصهيونية، ط1،بيروت، 2001.
  8. عبد الناصر حريز ، النظام السياسي الإرهابي الإسرائيلي: دراسة مقارنة مع النازية والفاشية والعنصرية في جنوب إفريقيا ، القاهرة ،1997 .
  9. عبد الوهاب حميد رشيد، التحول الديمقراطي في العراق – المواريث التاريخية والأسس الثقافية والمحددات الخارجية، بيروت، 2004 .
  10. علي سعيد بدوان، الإرهاب الدولي وانعكاساته على فلسطين والدول العربية ، بغداد ، 2002 .  
  11. مصطفى علي العبيدي، صفحات إحتلال العراق، بيروت ط1، 2008 .
  12. منى العينه جي ، العنف في المجتمع العراقي، بغداد، 2004 .

ثانياً: الرسائل الجامعية :

سليم إبراهيم عويد الناشي، التحـولات في بنيـة المجتمـع العراقـي  (1968_2003)، رسالة ماجستير غير منشورة، المعهد العالي للدراسات السياسية والدولية، الجامعة المستنصرية، 2005.

ثالثاً : البحوث :

  1. حسين درويش العادلي، الثقافة العراقية بين خيارات الاستلاب والانغلاق والانفتاح، مجلة النبآء ، بغداد، ع 74، 2004 .
  2. توفيق فارس العودات، الإرهاب والقانون الدولي ، دراسات دولية، ع18 ، بغداد، 2002.
  3. عبدالله خليفة الشايجي ، إرهاب الدولة في النظام العالمي المعاصر ، مجلة المستقبل العربي ، ع 26، بيروت ، 1997  .
  4. محمد حسنين هيكل ، من نيويورك إلى كابول (عن الأزمة والعرب)، مجلة وجهات نظر ، ع 35، القاهرة، 2001.

رابعاً : الموسوعات :

  1. الموسوعة العربية الميسرة، ط2، ج1، الرياض، 1990.
  2. موسوعة العلوم الاجتماعية، نقلها إلى العربية: عادل الهواري سعد مصلوح، القاهرة ، 1999 .

 خامساً : شبكة المعلومات الدولية (الإنترنيت) :

  1. أحمد الحسني البغدادي، قراءة الوضع الاجتماعي العراقي، 2010، منشور على الرابط الالكتروني :altawhid.org. .
  2. سامية عزيز محمد، ظاهرة الإرهاب وتأثيرها على العراق، مجلة سطور الالكترونية، على الرابط الإلكتروني :

               http://www.sutuur.com/humanrights/9229-news.html   

  1. عبد الرزاق محمد الهيتي، انعكاسات الاحتلال الأمريكي البريطاني على التنمية الاجتماعية في العراق، بحث منشور على الموقع الإلكتروني: http://www.ejtemay.com/showthread.php?t=4183
  2. عبدالله أحمد اليوسف ، الإرهاب أضراره وعلاجه، مجلة النبآء الالكترونية، ع 78، 2005، منشورة على الرابط الإلكتروني : https://annabaa.org/nbahome/nba78/004.htm
  3. عماد علو، التحولات الاجتماعية في العراق... الإشكاليات والحلول، بحث على الموقع http://arab.140.dk/index.php .
  4. موقع جهاز المخابرات العراقية على شبكة الانترنيت على الرابط الإلكتروني : http://www.inis.gov.iq .
  5. نصير محسن عبد الحسين، تغير منظومة القيم وأثره في تهجير الأقليات الدينية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، مقال منشور على الرابط الإلكتروني :

   www.uobabylon.edu.iq/publications/basic_edition23/basic_e

   

 

 

 

([1]) سورة الأنفال ، الآية 60 .   

 

([2]) أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، ط3، بيروت، 1994 ، مادة رهب، ص 436 . 

([3]) الموسوعة العربية الميسرة، ط2، ج1، الرياض، 1990، ص 558 .

([4]) موسوعة العلوم الاجتماعية، نقلها إلى العربية: عادل الهواري سعد مصلوح، القاهرة ، 1999، ص579 .

([5]) عبد الغني عماد ، ثقافة العنف في سوسيولوجيا السياسة الصهيونية ، ط1 ، بيروت، 2001 ، ص8 . 

([6]) توفيق فارس العودات، الإهاب والقانون الدولي ، مجلة دراسات دولية، ع18 ، بغداد، 2002 ، ص131 .  

([7])  إدريس لكريني، مكافحة الإهاب الدولي بين تحديات المخاطر الجماعية وواقع المقاربات الانفرادية، بيروت، 2007 ،   ص40  . 

([8]) علي سعيد بدوان، الإهاب الدولي وانعكاساته على فلسطين والدول العربية ، بغداد ، 2002 ، ص12 .  

([9]) محمد حسنين هيكل ، من نيويورك إلى كابول (عن الأزمة والعرب)، مجلة وجهات نظر ، ع 35، القاهرة، 2001  ،  ص58  .

([10]) عبدالله خليفة الشايجي ، إرهاب الدولة في النظام العالمي المعاصر ، مجلة المستقبل العربي ، ع 26، بيروت ، 1997 ،   ص10 . 

([11]) موقع جهاز المخابرات العراقية على شبكة الإنترنيت على الرابط الإلكتروني : http://www.inis.gov.iq .

([12]) حامد البياتي، الإرهاب في العراق وخطورة انتقاله إلى دول المنطقة والعالم، بغداد، 2005 ، ص 47 .

([13]) سامية عزيز محمد، ظاهرة الإهاب وتأثيرها على العراق، مجلة سطور الالكترونية، على الرابط الإلكتروني :  

http://www.sutuur.com/humanrights/9229-news.html .

([14]) حامد البياتي، المصدر السابق، ص 49 .

([15]) سامية عزيز محمد، المصدر السابق .

([16])  نصير محسن عبد الحسين، تغير منظومة القيم وأثره في تهجير الأقليات الدينية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، مقال منشور على الرابط الإلكتروني : www.uobabylon.edu.iq/publications/basic_edition23/basic_e

([17]) خالد عيسى طه، العراق ومسيرة الدم، ط1، بيروت، 2010، ص223  .

([18]) مصطفى علي العبيدي، صفحات إحتلال العراق، ط1، بيروت 2008، ص137  .

([19]) إسماعيل الغزال، الإهاب والقانون الدولي، بيروت،1990 ، ص51    .

([20]) عبد الرزاق محمد الهيتي، انعكاسات الاحتلال الأمريكي البريطاني على التنمية الاجتماعية في العراق، بحث منشور على الموقع    

                                                                    http://www.ejtemay.com/showthread.php?t=4183 .   

([21])  عبد الرزاق محمد الهيتي، المصدر السابق .

([22]) سامية عزيز محمد، المصدر السابق .

([23]) حامد البياتي، المصدر السابق، ص 48 .

([24]) منى العينه جي، العنف في المجتمع العراقي، بغداد، 2004 ، ص 14  .

([25]) المصدر نفسة ، ص 15  .

([26]) احمد الحسني البغدادي، قراءة الوضع الاجتماعي العراقي، 2010، منشور على الرابط الإلكتروني :www.altawhid.org. .  

([27]) حسين درويش العادلي، الثقافة العراقية بين خيارات الاستلاب والانغلاق والانفتاح، مجلة النبآء ، بغداد، ع 74، 2004، ص22.

([28]) منى العينه جي ، المصدر السابق، ص 17 .

([29])عبد الوهاب حميد رشيد، التحول الديمقراطي في العراق – المواريث التاريخية والأسس الثقافية والمحددات الخارجية، بيروت، 2004 ، ص257.

([30]) حسنين توفيق ابراهيم  وعبد الجبار احمد عبد الله، التحولات الديمقراطية في العراق   القيود والفرص، ط1، بغداد، 2005 ، ص33.

([31]) عبد الرزاق محمد الهيتي، المصدر السابق .

([32])عبد الرزاق محمد الهيتي، المصدر السابق .

([33])  حسنين توفيق إبراهيم، المصدر السابق، ص35.

([34]) عبدالله أحمد اليوسف ، الإهاب أضراره وعلاجه، مجلة النبآء الالكترونية، ع 78، 2005، منشورة على الرابط الالكتروني:       https://annabaa.org/nbahome/nba78/004.htm .

([35]) عبد الرزاق محمد الهيتي،  المصدر السابق .

([36]) سامية عزيز محمد، المصدر السابق .

([37]) عماد علو، التحولات الاجتماعية في العراق... الإشكاليات والحلول، بحث على الموقع http://arab.140.dk/index.php، ص3.

[38])) نصير محسن عبد الحسين، المصدر السابق .

([39]) حسنين توفيق إبراهيم، المصدر السابق، ص37.