إشكالية النظام الديمقراطي في العراق بعد عام 2003  الواقع والطموح

 

ادهام فكاك احمد البدراني الحسيني

محاضر في جامعة الموصل

المقدمة :

     تعد الديمقراطية الركيزة الاساسية في تحقيق نظام سياسي متقدم وبناء، يقوم على اسس العدل والمساواة وتحقيق الوفاق والوئام بين ابناء الشعب الواحد، عن طريق بناء دولة مؤسسات تأخذ على عاتقها بناء دولة المواطنة، وتحقيق الرفاه الاقتصادي للمواطنين على حد سواء.

     وتعد الدول التي تأخذ بالنظام الديمقراطي بصورته الصحيحة من الدول المتقدمة سياسياً وإقتصادياً وثقافياً، لأن النظام الديمقراطي السليم الذي يؤسس دولة مؤسسات دستورية، يؤدي الى تحقيق التنمية الشاملة ويسهم في الاستقرار السياسي والامني.

     وتجربة العراق في المجال الديمقراطي تجربة حديثة بالنسبة لتجارب العديد من الدول التي أخذت بالنظام الديمقراطي، وفي حقيقة الامر أخذ العراق بالديمقراطية التوافقية – كما في الحالة اللبنانية- التي تنص على تقسيم المناصب بين القوائم الفائزة في الانتخابات، وبالنظر الى نوع القوائم نجد ان غالبيتها قوائم ذات صبغة طائفية أو قومية، وهذا ما أدى الى صراع سياسي مبني على أسس مذهبية وقومية أدت الى ولادة ماسمي بالمحاصصة منذ عام 2003، وهي إحدى إشكاليات النظام الديمقراطي العراقي.

    ولمعرفة كيف يمكن ان نضع حلول واقعية لتلك الاشكالية علينا ان نعترف بالخلل الذي أصاب الديمقراطية لنستطيع ان نحله وان نجعل الديمقراطية العراقية إنموذجاً حقيقاً لدول المنطقة.

     وعلى وفق ماتقدم تنطلق مشكلة الدراسة من السؤال الاتي: ما هي العوائق والاشكاليات التي تقف امام نجاح الديمقراطية في العراق بعد عام 2003؟ سنحاول الاجابة على السؤال السابق من خلال دراسة بيئة النظام السياسي العراقي بعد عام 2003، والمؤسسات السياسية والدستورية في الدولة، واهم الاشكاليات التي تقف عائقاً أمام نجاح الديمقراطية، لذلك سوف نستخدم المنهج الاستقرائي الواقعي الذي يقوم على دراسة الحقائق السياسية القائمة دراسة واقعية لنحصل على نتائج علمية يمكن ان تشكل تعميمات فكرية نستفيد منها في دراسة موضوعنا، لنقيم الاداء الديمقراطي ونقف على مكامن الخلل ونحاول ايجاد حلول واقعية للاشكاليات المذكورة.

     كما ان اهمية الدراسة تكمن في التعرف على الواقع السياسي العراقي والبيئة التي يعمل من خلالها النظام السياسي العراقي، واهم الاشكاليات التي تقف عائق امام نجاح الديمقراطية بشكلها الحقيقي.

 

 

أولاً: بيئة النظام السياسي العراقي بعد عام 2003:

     قبل الدخول في إشكالية النظام الديمقراطي في العراق، لابد من دراسة البيئة التي يعيش بداخلها النظام السياسي القائم في العراق بعد عام 2003، لنتعرف على هيكليته ومؤسساته الدستورية، وآليات عمل تلك المؤسسات وفقاً للدستور العراقي الدائم لعام 2005.

  1. البيئة السياسية :

     لكل نظام سياسي بيئة تؤثر فيه ويتأثر بها، وفي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعند الحديث عن البيئة السياسية للنظام السياسي العراقي بعد عام 2003، علينا ان نتحدث عن كيفية تحول العراق الى النظام الديمقراطي.

     بدأت عملية التحول الديمقراطي في العراق عام 2003، بعد الغزو الامريكي للعراق، واسقاط نظام البعث الشمولي. أو مايسمى بنظام الحزب الواحد، أو الحزب القائد، الذي يقوم على جعل سلطات الدولة بيد شخص واحد فقط، يتحكم بسياسة الدولة ومواردها الاقتصادية                  والبشرية (1) .

    بدأت ملامح النظام السياسي الديمقراطي الجديد بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي من قبل الحاكم المدني للعراق بول بريمر في تموز 2003، حيث تكون المجلس من (24) عضواً استناداً الى الانتماءات الطائفية والقبلية الاساسية في العراق، وضم في تشكيله (13) شخصية شيعية، وخمسة أكراد، وأربعة من السنة العرب، وتركماني واحد، ومسيحي واحد (2).

     وضم المجلس في إطار تشكيله عدة مجموعات حزبية انقسمت على أحزاب دينية، وأحزاب قومية، وأحزاب ليبرالية، وحزب اشوري، فضلاً عن الحزب الشيوعي، وقد قدمت الاحزاب الممثلة في مجلس الحكم قوائم بأسماء مرشحيها لاختيار الحقائب الوزارية الجديدة، وأعلن مجلس الحكم أسماء الوزراء، وكما هو متوقع فقد جاء تشكيل الحكومة على شاكلة المجلس، إذ اعتمد المجلس التقسيم الطائفي والعرقي في توزيع الحقائب الوزارية التي تضم (25) وزارة، وكذا الحال مع تأسيس اللجنة التحضيرية الدستورية التي أخذت على عاتقها وضع دستور مؤقت للبلاد، حيث تم التقسيم على أسس طائفية وعرقية ايضاً، واحتدم الصراع بين اعضاء اللجنة على الدستور وصيغة الفيدرالية (3) , وعلى ذلك فقد اسس الاحتلال أولى لبنات المحاصصة الطائفية التي بقي يعاني منها العراق الى وقتنا الحالي، وهي إحدى كبرى الاشكاليات السياسية للديمقراطية العراقية.

     وفي السادس عشر من تشرين الثاني عام 2003، تم إعتماد الدستور المؤقت أو ماسمي بقانون إدارة الدولة، بالتعاون مع ( Noah Feldman ) المستشار القانوني للحاكم المدني للعراق ( Paul Bremer )، وقد بني دستور العراق الدائم لعام 2005، على هذا القانون مرسخاً المحاصصة الطائفية والعرقية في العراق، والتي وضع أسسها قانون ادارة الدولة المؤقت، وتشكيلة مجلس الحكم الانتقالي(1), ليأخذ العراق بنظام المحاصصة الطائفية بديل الديمقراطية التوافقية التي تستخدم عادة في الدول التي تأخذ بالنظام الديمقراطي التعددي، كحالة العراق، لكن الأخير لم يأخذ بالديمقراطية التوافقية إلا من الناحية الشكلية، ما أدى الى تعميق الانقسامات الداخلية بين المكونات المختلفة وانعكس ذلك بشكل سلبي على مجمل الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والامنية.

  • الدستور العراقي الدائم لعام 2005:

    كانت أولى بوادر العمل الدستوري في العراق، تشكيل لجنة لكتابة دستور دائم للبلاد، إلا ان الملاحظ لهذه اللجنة غلبة الطابع الطائفي والعرقي على تشكيلها، فقد جاءت اللجنة من عدة اعضاء ينتمون الى طوائف وقوميات واديان مختلفة، بعيداً عن التكنوقراط، وعلى هذا الاساس انقسم واضعوا الدستور وسط شيوع ظاهرة عدم الثقة فيما بينهم، مما انعكس على صياغة الدستور التي جاءت معبرة عن الولاءات الطائفية دون البعد الوطني(2) , ليلتحق الدستور الدائم بقانون ادارة الدولة ومجلس الحكم من حيث تكوينه الطائفي.

    تكون الدستور العراقي الدائم من ديباجة و (144) مادة، نصت المادة الاولى منه على إن "جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق" (3) .وهنا أكد الدستور على صيغة النظام الديمقراطي للنظام السياسي العراقي.

     تناولت مواد الدستور الاخرى، الاسس التي يقوم عليها النظام الديمقراطي، وآليات اجراء الانتخابات لاختيار اعضاء السلطة التشريعية، حيث جاء في المادة السادسة، "يتم تداول السلطة سلمياً عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور" (4) ، وهذا تأكيد على الاطار الديمقراطي للسلطة.

     وأقر الباب الثاني الحقوق والحريات المدنية والسياسية للمواطنين، فقد اكدت المادة الربعة عشر من الدستور على ان "العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي". وبالنظر الى هذه المادة سنجد انها متناقضة مع ديباجة الدستور التي جاء فيها "ومستلهمين فجائع العراق شيعة وسنة، عرباً وكرداً وتركماناً، ومن مكونات الشعب جميعاً"(5), إذ أكدت الديباجة على عنصر الطائفية والقومية دون النظر الى البعد الوطني.

     وبدلاً من ان يكون الدستور القاسم المشترك الأعظم الذي تلتقي عنده الارادات المختلفة للقوى والاحزاب والمنظمات السياسية، فإذا به يصبح تعبيراً عن المشكلات والصراعات التي عانتها الدولة العراقية ما بعد الاحتلال، وهذه كلها تنطلق وتنصب في صيغة المحاصصة التي اعتمدها (1).

     وعلى ذلك فقد تلقى النظام الديمقراطي في العراق ضربة جديدة مزقت كياناته السياسية والاجتماعية، وهزت أركان مؤسساته التي اخذت منذ ذلك الوقت بالمحاصصة الطائفية نموذجاً لتوزيع المناصب.

  • السلطة التشريعية :

     وفقاً للدستور العراقي الدائم لعام 2005، تكونت السلطة التشريعية من مجلسين، الأول مجلس النواب، والثاني مجلس الاتحاد، فالأول يمثل عموم الشعب ويتم انتخاب أعضاءه بالانتخاب المباشر الحر، أما الثاني فإنة يمثل الولايات والأقاليم التي سيتم انشائها لاحقاً، وترك الدستور كل مايتعلق بالعضوية في هذا المجلس (مجلس الاتحاد) واختصاصاته والعلاقة بينه وبين مجلس النواب الى اصدار قانون لاحق من مجلس النواب (2) .

    إن ترك مسألة تشكيل مجلس الاتحاد وعضويته وكيفية تمثيل الاقاليم والمحافظات واختصاصاته الى مجلس النواب يعد أمراً في غاية الخطورة، لإنه سيجعل هذا المجلس تابعاً لمجلس النواب وليس مساوياً له، وهذا يعد خرقاً للنظام الفدرالي الديمقراطي، حيث تكون السلطة التشريعية في النظام المذكور متكونة من مجلسين متقاربين في الاختصاصات والصلاحيات (3) .

     ومنذ وِضع الدستور الدائم لعام 2005، ولحد الان لم يتم التصويت على أي قانون يخص مجلس الاتحاد، مما يعد خرقاً دستورياً وفشلاً في سياسة مجلس النواب العراقي.

     يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة الف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب بأكمله، يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه(4) , وفي المحصلة فقد تم تخصيص (230) مقعدا للمحافظات لعام 2005، بالاضافة الى (45) مقعدا تعويضيا، وفي انتخابات عام 2010، ازداد عدد المقاعد الى (325) مقعدا، حسب الزيادة السكانية وبنمو سكاني وصل الى (2,8%) لكل محافظة سنويا، حسب احصائيات وزارة التجارة لعام 2005 (5) .

     وذكر الدستور صلاحيات مجلس النواب ودوره واختصاصاته بتشريع القوانين الاتحادية، والرقابة على اداء السلطة التنفيذية، وانتخاب رئيس الجمهورية، وتنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية اعضاء مجلس النواب، وكذلك الموافقة على تعيين كل من: (1).

  • رئيس واعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي بالاغلبية المطلقة، بناءً على اقتراح من مجلس القضاء الاعلى.
  • السفراء واصحاب الدرجات الخاصة باقتراح من مجلس الوزراء.
  • رئيس اركان الجيش، ومعاونيه، ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق، ورئيس جهاز المخابرات، بناء على اقتراح من مجلس الوزراء.

    ويحق لمجلس النواب مساءلة رئيس الجمهورية، واعفاءه بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاءه، في حالات الحنث في اليمين الدستورية، وانتهاك الدستور، والخيانة العظمى.

    ولعضو مجلس النواب توجيه الاسئلة لرئيس الوزراء والوزراء في أي موضوع يدخل في اختصاصاتهم، وكذلك يحق لاي عضو في مجلس النواب توجيه استجواب لرئيس الوزراء أو احد الوزراء ويتم ذلك بموافقة خمسة وعشرين عضواً من اعضاء مجلس النواب، فضلاً عن أن لمجلس النواب صلاحيات سحب الثقة من احد الوزراء بالاغلبية المطلقة، وله الحق أيضاً بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، والموافقة على اعلان الحرب وحالة الطوارئ بناء على طلب مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء (2) ،كما له حق المناقشة والتوصيت على الموازنة العامة للدولة (3) .

     وبالرغم من الصلاحيات والاختصاصات الواسعة لمجلس النواب، إلا انه يعاني من ضعف شديد في ادائه لاسباب متعددة، منها ماهو سياسي، ومنها مايتعلق بالمحاصصة الطائفية الممثلة داخل المجلس، ومنها مايتعلق بغياب المعارضة السياسية، فضلاً عن عثرات النظام الانتخابي.

     فالاسباب السياسية تتعلق بالتدخلات الاقليمية والدولية، فالتأثير الامريكي واضح من خلال الضغط المتواصل على الكتل السياسية الممثلة في مجلس النواب لتمرير بعض القوانين لمصلتحها، منها على سبيل المثال لا الحصر (الاتفاقية الامنية المشتركة )، فضلاً عن التدخلات الاقليمية من بعض دول الجوار، حيث تقوم تلك الدول بالتأثير على القرارات المركزية المتخذة عن طريق اذرعها السياسية في مجلس النواب (4) .

     وفيما يخص المحاصصة الطائفية، فقد قام النظام السياسي العراقي منذ بداية الاحتلال الامريكي على المحاصصة الطائفية، بدءً من مجلس الحكم الانتقالي، ومروراً بكافة المناصب السياسية والامنية في الدولة، واهمها السلطات الثلاثة (5) , وهذا الامر أثر سلباً على عمل المجلس ومثل ضربة اخرى للنظام الديمقراطي.

     ومن الاسباب الاخرى التي ادت الى ضعف عمل مجلس النواب، غياب المعارضة السياسية، التي تعد جوهر النظام الديمقراطي، والسبب يعود الى مشاركة كافة الاحزاب والكتل السياسية الفائزة في الانتخابات في تشكيل الحكومة، وهذا الامر عطل الدور الرقابي الذي يضطلع فيه المجلس، وهو محور اساسي  لتحقيق النظام الديمقراطي(1) .

     ويعد النظام الانتخابي المتبع في العراق – نظام سانت ليغو المعدل (1.7)، الذي يعطي امكانية الفوز للكتل الكبيرة على حساب الكتل الصغيرة - عثرة أخرى في طريق عمل مجلس النواب، فقد جاء المجلس ممثلاً للكتل والاحزاب الكبيرة فقط، على حساب الكتل والاحزاب الصغيرة، وهذه الطريقة تمنع إحداث تغيير في الانتخابات التشريعية(2) ،مما يؤدي الى تعثر النظام الديمقراطي وتراجعه.

  • السلطة التنفيذية :

     وفقا لدستور العراق الدائم لعام 2005، فإن السلطة التنفيذية تتكون من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وتمارس هذه السلطة صلاحياتها وفقاً للدستور والقانون، إذ حددت المادة (70 ) آلية انتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب، ولمدة اربع سنوات قابلة للتجديد لدورتين فقط (3) .

رئيس الجمهورية :

     نظم الدستور صلاحيات رئيس الجمهورية بعدد من النقاط: (4).

     - اصدار العفو الخاص بتوصية من رئيس مجلس الوزراء باستثناء بعض الحالات التي تتعلق بالحق الخاص والمحكومين بارتكاب الجرائم الدولية والارهاب والفساد المالي والاداري.

     - المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بعد موافقة مجلس النواب وتعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمها.

     - يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب، وتعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها.

     - دعوة مجلس النواب المنتخب للانعقاد خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات، وفي الحالات المنصوص عليها في الدستور.

     - منح الاوسمة والنياشين بتوصية من رئيس مجلس الوزراء وفقاً للقانون.

     - قبول السفراء ، واصدار المراسيم الجمهورية، والمصادقة على احكام الاعدام.

     - يقوم بمهمة القيادة العليا للقوات المسلحة للاغراض التشريفية والاحتفالية.

      وبالنظر الى صلاحيات رئيس الجمهورية نجد انها صلاحيات محدودة وتشريفية في            غالبيتها (1) ، كما هو الحال في النظام السياسي البريطاني، حيث تكون صلاحيات الملك أو الملكة  تشريفية شكلية (2) ، في حين يتمتع رئيس مجلس الوزراء العراقي بصلاحيات واسعة ومهمة.

     وحددت المادة (74) من دستور عام 2005 الدائم، الامتيازات التي يحصل عليها رئيس الجمهورية، من راتب ومخصصات، ولكن لم يذكر تفاصيلها (3) .

رئيس مجلس الوزراء :

     يتمتع رئيس مجلس الوزراء بصلاحيات واسعة ومسؤوليات كبيرة، فقد نصت المادة (78) من الدستور على ان رئيس مجلس الوزراء يتمتع بصلاحيات فهو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة ويقوم بإدارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته وله الحق بإقالة الوزراء بموافقة مجلس النواب(4) .

     ويباشر مجلس الوزراء صلاحياته بعد أن يؤدي رئيس المجلس وأعضاءه اليمين الدستورية امام مجلس النواب(5),وحددت المادة (80) من الدستور، صلاحيات مجلس الوزراء                             كالاتي:(6).

     - تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة، واقتراح مشروعات القوانين، واصدار الانظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين.

     - واعداد مشروع الموازنة العامة والحساب الختامي وخطط التنمية، والتوصية الى مجلس الوزراء بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء واصحاب الدرجات الخاصة.

    - فضلاً عن التفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها أو من يخوله.

   

كما حدد الدستور في المادة (82) امتيازات رئيس مجلس الوزراء واعضاء مجلس الوزراء ومن هم بدرجتهم وفق قانون يعد لذلك (1) .

     وما يؤخذ على السلطة التنفيذية، انها تأتي عن طريق المحاصصة الطائفية حالها كحال رئاسة مجلس النواب، حيث شاع العرف ان تتقاسم الكتل السياسية المناصب العليا في الدولة، فقد اعطي منصب رئاسة الوزراء للشيعة، ومنصب رئاسة الجمهورية للكورد، ومنصب رئاسة مجلس النواب للسنة، بخلاف فقرات الدستور التي لم تحدد طائفة معينة أو مذهب معين للحصول على منصب سيادي وهذا ما يجعل النظام الديمقراطي العراقي في اشكالية حقيقية.

     فإذا نظرنا الى النظم الديمقراطية التي سبقت العراق، فلا نجد اي نظام ديمقراطي يقوم على تقاسم المناصب في الدولة عن طريق المحاصصة الطائفية، باستثناء الحالة اللبنانية.

  • السلطة القضائية :

     تتكون السلطة القضائية بموجب دستور عام 2005، من مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الاشراف القضائي والمحاكم الاتحادية(2), فقد نص دستور عام 2005 على ان السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر احكامها وفق القانون(3).

     ويتضح أن استقلالية القضاء العراقي التي اكد عليها الدستور العراقي لسنة 2005 في الفقرة (أولا) من المادة (19)  ليس لها أية قيمة فعلية مالم تقترن بالقناعة الوجدانية والفعل وبالأيمان الصادق بضرورة هذه الاستقلالية، على أن لا يغيب عن بالنا أن جميع السلطات التي تعاقبت على حكم العراق  كانت دساتيرها الدائمة أو المؤقتة تنص على استقلالية القضاء، ومنذ التغيير في نيسان 2003 وحتى اليوم لم تستوعب السلطتان التشريعية والتنفيذية مبدأ فصل السلطات ولا استوعبت أيضا مبدأ استقلالية القضاء، ربما لنقص في الثقافة القانونية وقصور في فهم تطور العملية السياسية، فالتدخل في عمل المحاكم مستمر، ومحاولات فرض السلطتين على القضاء     قائم ، ويتضح تدخل السياسة في عمل السلطة القضائية من خلال بعض اللجان ومنها، لجنة التحقق في مجلس الوزراء يرأسها قاض ولكنها تتبع السلطة التنفيذية ،  إضافة إلى الهيئات القضائية التحقيقية الخاصة التي تتبع مكتب رئيس الوزراء ، كما ان محكمة القضاء الإداري تتبع وزير العدل،  ومجلس شورى الدولة والمعهد القضائي يتبعان السلطة التنفيذية متمثلة بوزير العدل ، وغيرها من الهيئات واللجان القضائية المتعددة التي تتبع السلطة التنفيذية (4) .

  1. البيئة الاجتماعية للنظام السياسي العراقي بعد عام 2003:

     يؤثر استقرار البنى الاجتماعية والاقتصادية بشكل كبير على أداء النظام السياسي في أي دولة، وعلى عملية التحديث السياسي والاقتصادي بشكل عام، ونجاح عملية التحديث تتطلب واقعاً سياسياً وامنياً مستقراً، وهذا ما نجده في الغالب في الدول التي تأخذ بالنظام الديمقراطي شكلاً ومضموناً، على عكس حالة العراق.

     يبلغ عدد سكان العراق حسب اخر احصائية أجراها الجهاز المركزي للاحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية في عام 2017، أكثر من(37) مليون نسمة، بمعدل نمو سكاني بلغ (2,61%) (1) ، ويتكون المجتمع العراقي من خليط متنوع من الديانات والطوائف والقوميات المختلفة، ووفقاً لاحصائيات الحكومة العراقية التي قدمتها عام 2010، فإن (97%) من سكان العراق هم من المسلمين، وإن (3%) من الديانات الاخرى كالمسيحيين والايزيديين والصابئة (2) .

     وقد أثر التنوع الطائفي والقومي والديني في العراق بشكل كبير على الاستقرار المجتمعي، إذ تدخلت عدة عوامل في تأجيج الصراعات الطائفية في العراق منها عمليات النهب التي رافقت احتلال العراق عام 2003، وتطورت تلك الاشكاليات بعد تفجير مرقد الامامين العسكريين (عليهما السلام) عام 2006، وما رافقها من تهجير قسري وتنامي روح الانتقام واشتعال الحرب الطائفية، فقد لعبت الاجندات الطائفية دوراً في تغذية السلوك غير المنضبط في السلوك الجمعي، مع ضعف في سلطة الدولة، وتوقف عملية التنمية الاقتصادية، وارتفاع نسب البطالة، وتعاظم حالات الفقر والحرمان، وتمخض عن هذه التداعيات تعاظم دور المؤسسة الاجتماعية التقليدية القبلية، وتمأسست الكثير من الممارسات الاجتماعية وحازت آلياتها على الاعتراف الاجتماعي.(3) ,وظهرت تحديات كبيرة منها فقدان الحكم الرشيد، وعدم وجود دولة مؤسسات، وانتشار الفساد الاداري والمالي(4) .

  1. البيئة الاقتصادية للنظام السياسي العراقي بعد عام 2003:

      أفرزت الاشكاليات السياسية والاجتماعية انتشار البطالة والفقر، إذ بلغت نسبة البطالة في العراق عام 2016 (15,3%) حسب دراسة اعدها مجلس النواب العراقي، بزيادة عن عام 2008، في حين بلغت في السنة المذكورة (10,8%)(5)،بينما بلغت نسبة الفقر بين عامي (2012 و2017)، (13,3%) بين السكان غير النازحين، أما السكان النازحين داخل العراق فقد بلغت نسبة الفقر بينهم في عام 2017 (28,8%) (6) ، ويترتب على البطالة والفقر نتائج سلبية تنعكس على المجتمع، حيث ينمو في صفوف الفقراء والعاطلين عن العمل، التهميش والاقصاء الاجتماعي، ويزداد بين صفوفهم الاغتراب السياسي  اي عدم الاكتراث بالشؤون السياسية، وتزداد الجريمة، وتتعرض المرأة والاطفال للعنف، وقد تدفع البطالة بالبعض الى الانضمام الى صفوف الجماعات المتطرفة والارهابية.

 مما يؤثر على الاستقرار الامني داخل العراق(1) .

     ويعاني العراق كذلك من اعتماده على اقتصاد احادي وهو النفط فقط، الذي يعد المصدر الرئيس في تمويل الميزانية، مع تراجع القطاعات الصناعية والزراعية، وشيوع مظاهر التخلف وتدهور مستويات الانتاجية في مختلف الانشطة الاقتصادية، مما أثر سلباً على الاقتصاد العراقي الكلي(2)،لأسباب متعددة منها تدهور الاوضاع الامنية، وانتشار المظاهر المسلحة، وتدفق المسلحين الى داخل العراق عبر الحدود، إضافة الى انتشار الفساد المالي والاداري، وتصاعد الصراعات العنيفة، والتحولات التي حدثت في مرتكزات الهوية، وتراجع الرقابة وحكم القانون، وظهور الولاءات الفرعية(3).

     وقد كان من نتائج تلك الاشكاليات ظهور تنظيم داعش واحتلاله عدة محافظات عام 2014، وبدء موجات نزوح كبيرة من المدن المحتلة، فقد وصل عدد النازحين داخل العراق نحو (3,3) مليون نازح، غالبيتهم من محافظة نينوى، وتحول الاقتصاد العراقي الى اقتصاد الحرب، حيث بلغ حجم الانفاق على الامن والدفاع والعمليات العسكرية في 2017 (22,6%) من حجم الموازنة العامة للدولة، مقابل (9,3) على التربية والتعليم، و (3,8) على الصحة(4) ،وبالنتيجة أدت تلك الاشكاليات الى نتائج عكسية أودت بالنظام الديمقراطي نحو الهاوية.

     يتضح ان هناك علاقة بين البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فنجاح التنمية الاقتصادية مرتبط ببناء نظام ديمقراطي حقيقي، يرفض التخندقات الضيقة على حساب الولاء للوطن، ونجاح النظام الديمقراطي العراقي بحاجة الى استقرار أمني وسياسي، واستقرار مجتمعي يدفع نحو النمو الاقتصادي، عن طريق رفض الطائفية في الحياة السياسية، ومحاربة الفساد الاداري والمالي الذي يعطل بدوره مسيرة التنمية.

ثانياً: الاشكالية السياسية للنظام الديمقراطي العراقي بعد عام 2003:

    يعاني النظام الديمقراطي في العراق بعد عام 2003 من أزمة حقيقية أثرت على عمل النظام السياسي في كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، نتيجة عناصر عديدة شكلت محور الازمة، منها عدم تطبيق الديمقراطية بشكلها الصحيح، وتوزيع المناصب على أسس طائفية وعرقية، الأمر الذي جعل النظام الديمقراطي العراقي أمام خطر حقيقي، إذ لم يتم وضع الحلول المناسبة للإشكاليات التي يعانيها والخلل الذي أصابه منذ عام 2003، ولحد الان.

    وعلى وفق ما تقدم، سوف نتطرق الى أهم الاشكاليات التي تؤثر على عمل النظام الديمقراطي العراقي ومنها العائق الدستوري، والمحاصصة الطائفية في توزيع المناصب التي بدأت مع تشكيل مجلس الحكم الانتقالي من قبل سلطات الاحتلال الامريكي بعد سقوط النظام السابق عام 2003، فضلاً عن غياب المعارضة السياسية داخل مجلس النواب، وهي كالاتي:

  1. العائق الدستوري :

     قبل الدخول في تفاصيل العائق الدستوري، لابد من تعريف الدستور، لنتعرف على دلالة المصطلح ونرفع الغموض الذي قد يواجه البعض عند دراسة الموضوع، فالدستور لغة " تٌنسب الى الأصل الفارسي وتفيد الاشارة الى ما يتعلق بالحكم "فدست" يد "ور" صاحب، وكذلك تعني الإذن أو الترخيص". أما اصطلاحاً فيعرف الدستور بأنه " القانون والقواعد التي تنظم بطريق مباشر أو غير مباشر توزيع السلطة في الدولة" كما عرفه  الدكتور منذر الشاوي بأنه " مجموع القواعد المكتوبة أو العرفية التي تحدد أو تبين الطريقة التي تمارس بها مباشرة القوة الحاكمة من قبل الأفراد القابضين عليها" (1) .

      فالدستور عامل أساسي يرتبط بنجاح أو فشل النظام الديمقراطي في أية دولة ديمقراطية، ويعتمد ذلك على مدى فاعليته شكلاً ومضموناً، حيث يعد الدستور ضماناً للعمل الديمقراطي، وهو الذي يحدد مديات وآليات عمل المؤسسات السياسية والدستورية الديمقراطية، ويحدد مهام صناع القرار في النظام السياسي، فضلاً عن انه يعطي الشرعية لعمل كافة أجهزة الدولة المختلفة، وينظم عمل القوانين وتشريعها.

     وبذلك يعد الدستور الضمانة الرئيسية، لعملية انتقال السلطة في النظام الديمقراطي وعدم احتكارها من قبل جهة واحدة، وبالنظر الى دستور العراق الدائم لعام 2005، نجد انه جاء غير ملائم للظروف السياسية التي يعاني منها العراق منذ عام 2003.

     ومن المآخذ على الدستور، انه وضع في ظل وجود الاحتلال الامريكي، وان عملية كتابته والاستفتاء عليه شابها الكثير من الغموض، فضلاً عن السرعة في كتابته، ففي كافة الدول الديمقراطية يأخذ كتابة الدستور وقتاً طويلاً، لكون الدستور هو الوثيقة الاساسية التي ترتكن اليها الدول في عملها لمدة طويلة، لا سيما ان كان دستوراً دائماً، فلابد من كتابته بتأن وباخذ مزيد من الوقت لضمان خلوه من الشوائب والتناقضات، ولكونه وثيقة حساسة تحدد مسارات عمل الدولة.

     وفي الحقيقة عند وضع الدستور العراقي، لم يأخذ المشرع العراقي بعين الاعتبار الوقت كمحدد مهم لكتابة الدستور. حيث وضع الدستور العراقي الدائم لعام 2005 في وقت قصير لا يكاد يتجاوز بضعة أشهر، وهذا الامر انعكس على محتويات الدستور ومواده، وتحديداً المادة (141) منه وعلاقة مجلس الوزراء بمجلس النواب، فالتسرع في اعداده وتشريعه يعني فقدان الرؤية والحكمة والتفتيش عن الثغرات والعيوب والتطلع نحو المستقبل(2) .

    

كما ان الدستور جاء تحت ضغوط أمريكية، وان واضعي الدستور ينتمون الى طوائف ومذاهب مختلفة، ولم يكونوا من التكنوقراط، بالاضافة الى ان اغلب مواد الدستور أخذت من بنود قانون ادارة الدولة المؤقتة الذي وضعه (Noah Feldman )، مستشار الحاكم الامريكي (Paul Bremer )(1) .

      وهذا الامر انسحب على محتويات بنود الدستور التي جاءت بافكار الطائفية وقنبلة موقوتة لازمات من الصعوبة ان تتفق عليها الاحزاب والكتل السياسية، كأزمات الفيدرالية، وقانون النفط والغاز، والمادة (140) وغيرها(2), لذلك أصبح الدستور العراقي عقبة أمام تقدم ونجاح النظام الديمقراطي في العراق.

  1. المحاصصة التوزيعية (الطائفية):

     تحتل المسألة الطائفية في العراق قدراً هاماً في جوانب السياسة، واهتمام المجتمع، وبالرغم من ان جذور الطائفية تنحدر من اصول دينية، وانها تتخذ من الدين غطاء لها، إلا ان دوافعها واهدافها بعيدة عن الدين، لان ماهو سياسي في الطائفية يفوق ماهو ديني، والدليل ماحدث من عمليات عنف وسفك دماء لا يمكن ان تمت بأي صلة الى الدين الاسلامي(3), فقد استخدمت الطائفية لاغراض سياسية محاصصاتية، وانعكست على الوضع العام بشكل كبير(4).

     وقد كانت بداية الطائفية، بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي من قبل سلطة الاحتلال الامريكي على أسس طائفية وعرقية لا تنسجم مع طبيعة المجتمع العراقي ولا تلبي طموحات أبنائه، وسرعان ما أوقعت تلك السياسات الشعب العراقي في مطبات لا نهاية لها من الاحباط                المتواصل (5) .

     وينبغي الاعتراف ان بعض الأحزاب السياسية العراقية _ حسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فإن عدد الاحزاب والكيانات السياسية المسجلة لديها عام 2018 بلغ (204) حزباً- ساهمت في تنفيذ أجندات السياسة الامريكية وخططها، بعضها بقصد مسبق لارتباطاتها المشبوهة معه، وبعضها ساهم في تصعيد الأزمات لأهداف مصلحية بعيدة عن الولاءات الوطنية، من خلال مساهمتها في تغذية مشروع الطائفية والقومية الذي جاء به الاحتلال الامريكي، واستثمرت النوازع القومية والدينية البدائية لدى الشعب استثماراً غير وطني لتؤسس خنادق حصينة تروج لثقافة جديدة هي ثقافة الولاء الطائفي والقومي، وهذا ماجسدته انتخابات 2006 التي أوجدت لنا أحزاباً شيعية وسنية وكردية ومسيحية وتركمانية، فاتجه المواطن الى خياره الوحيد، وهو التخندق في طائفته أو دينه أو قوميته.

        مؤدياً الى تعميق فكرة التعصب واشعال فتيل الحرب السياسية الطائفية (1) .

     استمر التخندق الطائفي والقومي الى يومنا هذا، مع عدم وجود رؤية سياسية واضحة للأحزاب السياسية العراقية ممكن ان تنقذ النظام الديمقراطي من هفواته، وتخرج العراق من مأزق الطائفية والقومية والعرقية، هذا المأزق الذي أثمر عن صراعات طائفية وعرقية أثرت على الوضع السياسي والاقتصادي والأمني، وراح ضحيتها الألأف من العراقيين بغض النظر عن انتمائهم المذهبي أو القومي أو الديني. لا سيما في عام 2006 وما تلاها من أعوام، نتيجة تفجير مرقدي الامامين العسكريين (عليهما السلام) في سامراء.

     واستمرت نفس الوتيرة في انتخابات عام 2010، حيث لم تحقق العملية السياسية أية نقلة في مجال ضرب المشروع الطائفي، فجاءت الانتخابات على شاكلة سابقتها من حيث التخندق الطائفي والعرقي والقومي للأحزاب والتيارات السياسية، فتشكلت قوائم ذات صبغة طائفية وقومية ودينية، بعيداً عن الولاءات الوطنية (2) ،كما تم تقاسم المناصب بنفس الطريقة المتبعة منذ عام 2003، لا سيما الرئاسات الثلاثة، وبهذه النتيجة لم يتمكن سياسيو العراق من تحقيق نظام ديمقراطي حقيقي وفعال، بل اتجه هذا النظام نحو الهاوية معلناً انتكاسته لمرة أخرى.

    وحتى الانسحاب الامريكي من العراق عام 2011 لم ينقذ الأزمة الطائفية، بل كان بداية مرحلة تدهور جديدة في المجالين السياسي والأمني(3) ،فقد حدثت تظاهرات في محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين وكركوك، ضد سياسات الحكومة المركزية، استغلتها الجماعات الارهابية (داعش)، لتقوم بعدها باحتلال مدينة الموصل وعدة محافظات أخرى(4) ، حتى سقط بيد التنظيم أكثر من ثلث العراق ومع انتهاء العمليات العسكرية بتحرير المدن المحتلة من قبل (داعش)، وانتصارات القوات الامنية بمختلف صنوفها على المجاميع الارهابية، لم يتمكن سياسيو العراق من الانتصار في المعركة السياسية بتغليب المصلحة الوطنية والمواطنة العراقية على نظام المحاصصة الطائفية، بل استمرت المحاصصة حتى بعد انتخابات عام 2018 بنفس الوتيرة السابقة، أي بتقسيم المناصب على أسس طائفية وقومية وعرقية.

     ويمكن أن نعتبر ان عامل التخندق الطائفي والمحاصصة الطائفية للمناصب، إحدى كبرى الاشكاليات التي يعاني منها النظام الديمقراطي العراقي بعد عام 2003، نتيجة سياسات سلطات الاحتلال الامريكي التي قسمت المناصب على أسس طائفية وقومية وعرقية، ولم ينجح سياسيو العراق بتخطي تلك الاشكالية بل عملوا على تعميقها وترسيخها بشكل كبير، لعدم امتلاك غالبيتهم رؤية سياسية ممكن ان تنقل العراق نحو مستقبل أفضل، وعلى هذا الاساس بقى النظام الديمقراطي العراقي يراوح مكانه دون وجود حلول للإشكاليات التي وقع فيها. 

  1. غياب المعارضة السياسية :

     لا يوجد تعريف شامل للمعارضة في ادبيات علم السياسة، بل تعريفات عديدة ومختلفة، فقد تم تعريفها على أنها "أحزاب أو قوى وجماعات سياسية تمتلك برنامجاً محدداً، يهدف بالاساس الوصول الى السلطة، وتمتلك الادوات التي تمكنها من تحقيق هذا الهدف" (1) .

     ويرى روبرت دال (Robert A. Dahl ) وفي افتراضه "إن (أ) ممارس للسلطة ومقرر لسياستها لبعض الوقت، وأن (ب) غير ممارس للسلطة وغير مقرر لسياستها، وهذا يعني ان (ب) هو المعارضة، ويضيف دال بأن (ب) ربما تمارس السلطة في حين ان (أ) في وضع              المعارضة (2), وبناءاً على التعريفين السابقين، فإن المعارضة تؤدي دوراً هاماً في الرقابة على أداء الاغلبية التي تشكل الحكومة في الانظمة الديمقراطية، وهذا مانجده في النظم السياسية التي تأخذ بالنظام الديمقراطي شكلاً ومضموناً، كالولايات المتحدة الامريكية، والمملكة المتحدة، وغيرها.

     أما في النظام السياسي العراقي، فإننا نشهد غياب للمعارضة السياسية، منذ عام 2003، والسبب يعود الى عمق الازمة التغييرية داخل النظام، الذي أضحى غير قادر على ايجاد مؤسسات سياسية وآليات دستورية تحافظ على النظام الديمقراطي، مما غيب دور المعارضة السياسية بشكل واضح، فضلاً عن غياب الوعي السياسي للأحزاب والكتل السياسية، ومحاولاتها الاشتراك في تشكيل الحكومة للإستئثار بالامتيازات والمناصب الحكومية(3) .

    ونتيجة لذلك فإن غياب المعارضة يعد خللاً في النظام الديمقراطي العراقي، لان الانظمة الديمقراطية الناجحة يكون فيها معارضة سياسية حقيقية تصبح بمثابة حكومة ظل تتحدى سياسات الحكومة القائمة وتشخص الخلل في أدائها، وهذا الامر يحرج الحكومة التي تحاول ان تقوم من عملها لكسب الرأي العام، وهذا الامر يفقده النظام الديمقراطي العراقي.

ثالثاً: الإشكالية الاجتماعية للنظام الديمقراطي العراقي بعد عام 2003 :

     يعاني النظام الديمقراطي في العراق بعد عام 2003، من اشكاليات سياسية واجتماعية واقتصادية أثرت في عمل نظامه السياسي وعلى الوضع العام، درسنا الاشكالية السياسية للنظام الديمقراطي العراقي وكانت من اهمها المحاصصة الطائفية، والأن ندرس الاشكاليات الاجتماعية التي لها أثر كبير ايضاً على فشل النظام الديمقراطي لأنها مكملة للإشكاليات السياسية، وأهمها ضعف المواطنة وظهور الولاءات الفرعية.

ضعف المواطنة وغلبة الولاءات الفرعية :

     قبل الدخول في واقع المواطنة في العراق، لابد من تعريف المواطنة، حيث لا تنكشف دلالة المصطلح إلا اذا تم تعريفه، وتحديده مكاناً وزماناً. فالمواطنة لغةً "مشتقة من كلمة الوطن، والأخير هو المنزل الذي يقيم به الإنسان، وهو موطنه ومحله وأوطنه أي اتخذه وطناً" (1) .

     أما اصطلاحاً فقد تم تعريف المواطنة على انها " صفة المواطن الذي له حقوق وعليه واجبات، تفرضها طبيعة انتمائه الى وطن"، والمواطنة من منظور نفسي هي " شعور بالانتماء والولاء للوطن، وللقيادة السياسية التي تعد مصدر الإشباع للحاجات الاساسية وحماية الذات من الاخطاء المصيرية"، إذا المواطنة علاقة متبادلة بين مجموعة بشرية تقيم على أرض واحدة، لكنها ليست بالضرورة منتمية الى عرق واحد، أو دين واحد، إنما يحكمها إطار مدني مؤسس على المشاركة في القيم الأساسية، أي ان جميع المواطنين سواسية بدون أدنى تمييز قائم على الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي أو المستوى الفكري(2) .

     والحقيقة ان المواطنة تكمن عبر قبول الأخر والاعتراف به، وعدم التعالي عليه من قبل الاغلبية الدينية أو العرقية او القومية، حيث يكون جميع الأفراد، وفقاً لحقوق المواطنة متساوون بالحقوق والواجبات على اساس التساوي في انتمائهم لوطن الواحد، بما يعني تقديم ولاء الوطن على غيره من الولاءات، وحين يكون الشعب متعدداً قوميا ودينياً ومذهبيا، كحالة العراق، فإنه يحتاج الى اطار يوحد بين الطوائف والاديان المختلفة، وليس هناك سوى الولاء للوطن إطاراً عاماً يستوعب التناقضات والتنوعات(3) .

     حدثت انتقالة مفاجئة في المجتمع بعد عام 2003 من حالة التسلط والصهر والدمج القسري إلى حالة التشتت والانفلات بإسم الحرية والديمقراطية، وكل ذلك جرى بفعل غياب القانون، وانهيار سلطة الدولة مع تدني مستوى الوعي الثقافي والسياسي، مما فسح المجال لعمليات السلب والنهب والقتل وتنامي روح الانتقام والثأر التي غذتها أطراف خارجية – إقليمية ودولية- مستغلة حالة الفوضى التي خلفها الاحتلال(4) ، وقيامه بحل الجيش والشرطة، ولكن مع كل عمليات القتل والعنف التي راح ضحيتها الالاف من العراقيين، إلا ان هذا الشعب ظل متماسكاً على مدى ثلاث سنوات تقريباً، حتى وقوع حادثة تفجير مرقد الأمامين العسكريين (عليهما السلام) في شباط سنة 2006، فقد كانت تلك الحادثة بمثابة بداية الشرارة التي اشعلت فتيل الحرب الطائفية التي استمرت لعدة سنوات، ما أفضى الى انهيار حالة التعايش التي طالما كانت سائدة في صفوف المجتمع العراقي في المرحلة السابقة (5).

      ونتيجة لتدهور الاوضاع الامنية وانتشار عمليات القتل على الهوية على أسس طائفية ومذهبية، اضطر المواطن أن يلجأ الى الولاءات الفرعية وهي التخندقات الضيقة كالطائفة والقبيلة والعشيرة والمذهب والدين ...الخ، لحماية نفسه من الاستهداف، وهذا الامر دفع الى ولاء المواطن للمسميات الضيقة على حساب الولاء للوطن، مما سبب في ضعف المواطنة وبروز تلك الولاءات، التي أسهمت بشكل كبير في ضرب المشروع الديمقراطي العراقي.

    لقد كانت الخطوة الاولى التي أدت الى تكريس الولاءات الفرعية هي السياسة التي رسمها الاحتلال على أساس المكونات الاجتماعية لا على أساس الاتجاهات الفكرية والسياسية، أي اعتماد نظرية دولة المكونات، مما اضعف الشعور بالمواطنة وغلبة الولاءات الفرعية كالعشيرة والطائفة على الولاء للوطن(1),وإن أردنا ان نبني النظام الديمقراطي العراقي بشكل صحيح، علينا ان نقضي على الولاءات الفرعية على حساب الولاء للوطن، لأن الولاءات الفرعية لا تستطيع إقامة حياة سياسية ديمقراطية سليمة عابرة لتخومها الإثنية وشاملة لكل الارض التي تسكنها الاثنيات المتعددة في إقليم واحد، فالثقافة الفرعية يمكن ان تستغل على مستوى الجماعة الفرعية، وليس على مستوى المجتمع كله، بمعنى ان الثقافة الفرعية تمثل هوية انتماء الفرد الى جماعته المحلية، لكنها لا يمكن ان تمنحه شعوراً بالانتماء الى المجتمع الوطني، أي المجتمع المختلط العابر للحدود الاثنية والطائفية والقومية (2) .

     ويعد عامل ضعف المواطنة والولاءات الفرعية في العراق، إحدى الاشكاليات الاجتماعية للنظام الديمقراطي التي يعاني منها العراق بعد عام 2003، وبسبب التنوع الديني والقومي والثقافي في العراق، وعدم قدرة الساسة العراقيين على تهيئة الاجواء المناسبة لكسب ثقة المواطنين، فقد نجحت كافة الولاءات الفرعية على حساب المواطنة العراقية.

رابعاً: الاشكالية الاقتصادية للنظام السياسي العراقي بعد عام 2003 :

     يعاني العراق بعد عام 2003، من واقع اقتصادي متردي نتيجة عوامل عديدة، منها إعتماد العراق على النفط فقط، مع انهيار الصناعات الوطنية وعدم وجود رؤية سياسية واقتصادية تؤدي الى نجاح عملية التنمية الاقتصادية، فضلاً عن انتشار الفساد الاداري والمالي الذي كان له دور كبير في تدهور الواقع الاقتصادي العراقي وانتشار الفقر والبطالة، وعلى هذا الاساس سوف نتطرق الى هذه النقطة بالتحديد لانها تعد تحدي واضح امام نجاح النظام الديمقراطي، واستكمالاً للإشكاليات السياسية والاجتماعية.

الفساد الاداري والمالي :

      يعد الفساد المالي والاداري من المشكلات الاساسية التي تواجه الحكومات في مختلف الدول، وهي تحدٍ واضح للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وظاهرة شائعة منذ زمن بعيد، وعندما تتفاقم هذه الظاهرة، فإن ذلك يعني وجود مقومات تدعم وتساند شيوعها، ومنها فقدان آليات المحاسبة والعقاب بما ينسجم مع القانون وتؤدي الى استفحال الفساد الاداري، وهذا ما حصل في الدول التي تعرضت للحروب والحصار معاً، كذلك يتجسد الفساد الاداري والمالي في مخالفة القوانين والتعليمات السائدة والتجاوز عليها، وهو ما يؤدي الى اتخاذ قرارات ذات نتائج عكسية لا تنسجم مع القانون والحق، وتنتهك حقوق الاخرين (1) ,وهذا ما حدث في العراق بعد عام 2003.

      فقد بدأت بوادر الفساد الاداري والمالي في العراق تظهر منذ الحصار الاقتصادي في مطلع التسعينات من القرن العشرين،بسبب الحروب والعقوبات الاقتصادية، وبالذات بعد البدء بتطبيق مذكرة التفاهم ( النفط مقابل الغذاء والدواء) وسقطت ذمم كثير داخل السلط وخارجها.(2)

 

 

(2)

      وقد تفاقمت بعد الاحتلال الامريكي للعراق سنة 2003، حيث شكل الفساد بعد ذلك التاريخ ظاهرة عامة وشيوعها كان على كل المستويات(3) ،  بعد ان كان المواطن العراقي يطمح الى التطور الاقتصادي وإعادة اعمار المنشأت المدمرة، لكن أفة الفساد المالي والاداري كانت حجر عثرة أمام مشاريع اعادة الاعمار في العراق (4) .

     وخلال الاعوام التي تلت الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003، تربع العراق على قمة هرم الفساد الدولي، واحتل للعامين 2008 – 2009 المرتبة الثانية وبتسلسل (178) من مجموع (180) دولة، نتيجة ضعف سلطة القانون وغياب السلطة الوطنية الفعالة ذات الصلاحيات القوية والانفتاح الذي رافق تغيير النظام، ويمكن القول ان وجود الاحتلال الامريكي والفراغ القانوني بعد عام 2003، وما افرزه من صراع وانتشار الفوضى والاقتتال الداخلي والتهجير القسري وسيادة الجريمة بشكل كبير بدون رادع قانوني أو اخلاق أو ديني، وانتشار المظاهر المسلحة خارج اطار القانون، اسهم في تكوين حاضنات للفساد، لا سيما داخل النخب السياسية، حيث لم تتمكن تلك النخب من بلورة خطاب وطني موحد على حساب الخطاب الطائفي الصادر عن قيادات متعددة مختلفة في التوجهات الايدلوجية متأثره بالسلطة وبعضها يعد حاضنة للفساد ومتساومة فيما بينها على التستر على عمليات وصفقات الفساد(5) ,وامتد هذا الفساد الى مختلف المجالات، ومن بينها الموظفين الحكوميين في مختلف وزارات ودوائر الدولة (6) .

     ويترتب على الفساد أثار عديدة منها، تدني كفاءة الاستثمار العام، واضعاف الجودة في البنية التحتية العامة وذلك بسبب الرشاوى، وتردي حالة توزيع الدخل والثروة من خلال استغلال اصحاب النفوذ لمواقعهم المميزة في المجتمع، وهروب الاموال خارج البلاد، وما يتبعه من قلة فرص العمل، وهروب الكفاءات الاقتصادية، نظراً لغياب التقدير وبروز المحسوبية والمحاباة في اشغال المناصب ، كذلك الحد من النمو الاقتصادي وسوء توزيع الدخل، كما يؤثر الفساد ايضاً على تراجع مستويات المعيشة وانتشار الجرائم بسبب غياب القيم والشعور بالظلم لدى الغالبية، وزيادة كلفة الخدمات الحكومية مثل التعليم والسكن وغيرها من الخدمات الاساسية.

 وهذا الامر ينعكس بدوره على الفئات الأكثر حاجة (1) .

     ان استمرار حالات الفساد الاداري والمالي في العراق يؤدي الى وضع النظام الديمقراطي العراقي في موقف حرج، فالدول التي أخذت بالنظام الديمقراطي شكلاً ومضموناً، عملت على تجسيد التنمية السياسية والاقتصادية، ومحاربة الفساد المالي والاداري وأصبحت من الدول المتقدمة.

     وبصورة أخرى فإن نجاح اية دولة كانت في التنمية الاقتصادية لا يقتصر على الدول الديمقراطية فقط، بل يحتاج الى رؤية سياسية ناضجة، وإن كان ذلك لا يحدث في الدول التي لا تأخذ بالنظام الديمقراطي إلا في بعض الحالات. كدول الامارات العربية المتحدة، التي نجحت في عملية التنمية الاقتصادية، وأصبح الاقتصاد الاماراتي من الاقتصاديات الرائدة في العالم، حتى وصل حجم القطاع غير النفطي في الامارات (70%) من الناتج المحلي الاجمالي الوطني(2). ورغم ذلك فإن عملية التحديث الاقتصادي تحتاج في الغالب الى نظام ديمقراطي حقيقي، إضافة الى رؤية سياسية واستقرار سياسي وامني، وهذا ما يفقده العراق منذ عام 2003.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة والاستنتاجات

     إن عملية نجاح النظام الديمقراطي في العراق، يحتاج الى رؤية سياسية حقيقية تضع المشاكل على طاولة النقاش، وتشخص الخلل في مكامن النظام السياسي العراقي، ثم تضع الحلول المناسبة، والبداية تكون في تعديل الدستور بما يضمن تحقيق المواطنة والابتعاد عن المحاصصة الطائفية والولاءات الفرعية، والقضاء على الفساد الاداري والمالي، وهذا الامر يحتاج الى مصالحة وطنية حقيقية بين الاطراف السياسية العراقية المختلفة.

     ويمكن لنا ان نضع عدة استنتاجات واقعية طرحت من خلال دراستنا عن اشكالية النظام الديمقراطي في العراق بعد عام 2003.

  1. ان دستور عام 2005 كتب على عجالة، وان اغلب مواده اخذت من قانون ادارة الدولة المؤقت الذي وضعه ( Noah Feldman ) مستشار الحاكم المدني (Paul Bremer)، فقد جاء الدستور الدائم ملغماً بأفكار لا يمكن ان تتفق عليها الاطراف السياسية العراقية كالفيدرالية وقانون النفط والغاز وغيرهما، مما جعله مشكلة مزمنة.

     وان الدستور أيضاً لم يلبي طموحات الشعب العراقي بقيام بلد مزدهر خالي من الصراعات بسبب بعض الفقرات التي تؤل حسب مصالح الأحزاب السياسية ولا ننسى طبيعة نظام الحكم الذي يؤدي الى الارتباط بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، والتي تغطي كل منهما على فساد الاخرى، فضلاً عن عدم وجود معارضة سياسية تراقب أعمال الحكومة. كما في الانظمة الديمقراطية المتقدمة.

  1. توصلت الدراسة ايضاً ان النظام السياسي العراقي يعاني من غلبة المحاصصة الطائفية، حيث انقسم المجتمع العراقي الى كيانات وهمية، أدت الى فقدان الثقة داخل المجتمع، مما اضعف النظام الديمقراطي، إذ تتمثل دولة المحاصصة بتوزيع المناصب العليا الهامة على أساس محاصصاتي، وكذلك الحال مع الوظائف الاخرى في الدولة، وكان نتيجة ذلك ان يتبوأ المناصب أشخاص غير مؤهلين مما يؤل الى ضعف الاداء الوظيفي واستشراء الفساد الاداري والمالي، ويؤدي الى إصابة النظام الديمقراطي في مقتل، هذا النظام الذي يقوم على تقسيم المناصب وفق الاستحقاق الانتخابي بصورة ديمقراطية بعيداً عن المحاصصة الطائفية.
  2. توصلت الدراسة بأن النظام الديمقراطي العراقي يعاني من غلبة الولاءات الفرعية، على المواطنة العراقية، بسبب نظام المحاصصة القائم على تقسيم المناصب وشعور الكثير من الاقليات بالغبن والتهميش، إضافة الى تدهور الاوضاع الامنية وعمليات القتل على الهوية بعد تفجير مرقد الامامين العسكريين (عليهما السلام) في سامراء سنة 2006، حيث فقدت الثقة بين مكونات الشعب العراقي المختلفة، واشتعلت الحرب الطائفية التي سفكت دماء الكثير من العراقيين، وامتدت الى أكثر من سنتين، مما دفع المواطن ان يستند الى طائفته أو مذهبه أو قبيلته ...الخ، لحماية نفسه من الاستهداف، مع ضعف الدولة وعجزها عن حماية المواطنين، لذلك غلبت الولاءات الفرعية على حساب المواطنة، وسبب ذلك هشاشة في عملية التعايش السلمي بين المكونات المختلفة.
  3. كذلك توصلت الدراسة الى وجود فساد إداري ومالي، لا سيما بعد عام 2003، وأصبح الفساد مستشري في أغلب وزارات ودوائر الدولة، بمباركة ومشاركة العديد من المسؤولين الكبار، حتى أصبح الفساد إحدى آفات النظام الديمقراطي العراقي، مع انتشار مافيات الفساد وعمليات غسيل الاموال، على إثر ذلك تربع العراق على رأس قمة الفساد المالي لعدة أعوام، لذلك يعد عامل الفساد الاداري والمالي، ضربة أخرى للنظام الديمقراطي العراقي بعد عام 2003.
  4. توصلت الدراسة الى ان السلطتان التشريعية والتنفيذية تدخلتا في عمل السلطة القضائية، وربما يعود ذلك الى نقص في الثقافة القانونية وقصور في فهم تطور العملية السياسية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التوصيات

     في ضوء الاستنتاجات التي توصلت اليها الدراسة، فإن نجاح النظام الديمقراطي في العراق يحتاج الى حلول ومعالجات يوصي بها الباحث وهي:

  1. ضرورة تعديل الدستور بما يتلائم مع تطورات الظروف السياسية والاقتصادية، إضافة الى تغيير نظام الحكم من نيابي الى رئاسي، يقوم على اختيار رئيس للدولة من بين عدة مرشحين بغض النظر عن انتمائهم العرقي أو الطائفي وفق شروط معينة.
  2. ان نجاح النظام الديمقراطي يحتاج الى بناء دولة مؤسسات حقيقية، حتى وإن كانت الدولة تحمل فسيفساء متنوعة، فإن الديمقراطية التوافقية كفيلة بجعل الدولة تنهض من كبوتها، والعراق لم يأخذ بالديمقراطية التوافقية إلا من الناحية الشكلية بعيداً عن جوهرها الحقيقي، وأدى ذلك الى طغيان نظام المحاصصة الطائفية، فلذلك يتطلب ان يقوم صناع القرار في العراق بالغاء نظام المحاصصة الطائفية، وان يكون الاختيار على اساس الاستحقاق الانتخابي والتكنوقراط بغض النظر عن انتمائهم.
  3. يتطلب نجاح الديمقراطية في العراق تغليب المواطنة على كافة المسميات الفرعية، ويأتي ذلك عن طريق الغاء التمييز بين الموطنين على أسس الانتماء الطائفي أو الديني أو المذهبي، واهتمام الحكومة بالمواطن العراقي بدون تمييز طائفي، ويقوم التمييز على أساس المواطنة الحقيقية والولاء للوطن، مع الاحتفاط المواطن بهويته الفرعية.
  4. القضاء على الفساد أو تقليله بشكل كبير عن طريق الغاء نظام المحاصصة وتعديل الدستور بما يتلائم مع مصلحة المواطن، وتغيير نظام الحكم الى رئاسي، فضلاً عن محاكمة المسؤولين عن عمليات الفساد المالي والاداري وسوء استخدام السلطة، والغاء المحسوبية والمحاباة في عملية توزيع المناصب الوظيفية، وفرض العقوبات الصارمة على مرتكبي جرائم الفساد حتى وإن كان المسؤول عن الفساد من صناع القرار.
  5. يتطلب نجاح النظام الديمقراطي في العراق، العمل على استقلالية القضاء بعيداً عن التأثيرات السياسية والحزبية، وضرورة العمل وفق مبدأ فصل السلطات.
  6. العمل على ايجاد فرص مناسبة ومتساوية للعاطلين عن العمل، لاسيما أصحاب الشهادات العليا، عن طريق تشغيل المصانع وتفعيل دور القطاع الخاص وتشجيع المستثمرين للاستثمار داخل العراق.
  7. يجب ان يقوم صناع القرار في العراق بتغليب مصلحة المواطن على المصالح الشخصية، حتى تعود الثقة بين المواطن والمسؤول، وذلك عن طريق تنفيذ كافة التوصيات آنفة الذكر، وإن لم يشهد العراق تحديثاً سياسياً واقتصادياً حقيقياً، فربما نشهد خلال السنوات القليلة القادمة عواصف جديدة قد تعصف بالنظام السياسي العراقي برمته.

 

 

(1) سرى هاشم محمد، ازمة الديمقراطية في الدول العربية وأثرها على المشاريع الوحدوية، تموز للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2011، ص53.

 

(2) محسن عوض ، الاصلاح السياسي في العراق، بحث مشارك مشارك في أعمال مؤتمر "الاصلاح السياسي في الوطن العربي"، مركز دراسات وبحوث الدول النامية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2006، ص 263-364.

 

(3) المصدر نفسه، ص364.

 

(1) احمد ابراهيم محمود وأخرون، حال الامة العربية 2009-2010 "النهضة أو السقوط"، في: احمد يوسف احمد ونيفين مسعد (محرران)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، نيسان، 2010، ص215.

 

(2) عبد الحسين شعبان، الازمة العراقية الراهنة ومستقبل الدولة والسناريوهات المحتملة، المستقبل العربي، ع، 452، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، تشرين الاول 2016، ص26.

 

(3)  م (1) ، الدستور العراقي الدائم لسنة 2005.

 

(4)  م (6) من الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

 

(5) ديباجة الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

 

(1)  عبدالحسين شعبان، المصدر السابق ، ص27.

 

(2) المنظمة العراقية لتنسيق حقوق الانسان، هيكلية مجلس النواب العراقي ودوره في الحياة العامة، بغداد، 2006، ص9.

 

(3) سحر كامل خليل، السلطة التشريعية في العراق في ضوء دستور 2005: الواقع وافاق المستقبل، قضايا سياسية، ع 35-36، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، بغداد، 2014، ص387.

 

(4)  م (49) من الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

 

(5)  سحر كامل خليل، المصدر السابق ، ص385.

 

(1)  م (61) من الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

 

(2)  م (61) من الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

 

(3)  م (62) من الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

 

(4) وليد الزبيدي، العراق: مستويات الصراع بين ارادتين، المستقبل العربي،ع 373،مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت،2010، ص20.

 

(5) سعد محمد، اشكالية الديمقراطية التوافقية وانعكاساتها على التجربة العراقية، المستنصرية للدراسات العربية والدولية، ع 370، ايلول، 2009، ص73.

 

(1)  سحر كامل خليل، المصدر السابق ن ص393.

 

(2) هيفاء احمد محمد، النظام الانتخابي في العراق بين طريقة سانت ليغو وسانت ليغو المعدلة، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، 2013، على الانترنت ، http://www.cis.uobaghdad.edu.iq.

 

(3)  م (70) من الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

 

(4)  م (73) من الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

 

(1) ليث عبد الحسن جواد،مستقبل النظام السياسي العراقي، قضايا سياسية، كلية العلوم السياسية،ع 29،30، جامعة النهرين،2012، ص54.

 

(2)  بول سيلك ورودري والترز، كيف يعمل البرلمان، ترجمة (علي الصاوي)، القاهرة، 2004، ص51.

 

(3)  م (74) من الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

 

(4)  ليث عبد الحسن جواد، المصدر السابق ، ص56.

 

(5)  م (79) من الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

 

(6) ليث عبد الحسن جواد، المصدر السابق ، ص56.

 

(1)  م (82) من الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

 

(2)  م (89) من الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

 

(3)  م (87)  من الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

 

(4) زهير كاظم عبود، استقلالية القضاء العراقي بين الحقيقة والواقع،2013، الانترنت http://almadapaper.net.

 

(1) الجهاز المركزي للإحصاء، وزارة التخطيط العراقية، 2017، الانترنت https://mop.gov.iq/.

 

(2) معهد القانون الدولي وحقوق الانسان، الاقليات والفئات الضعيفة في العراق، بغداد، حزيران 2013، ص9.

 

(3) وسام حسين العيثاوي، التحديث والاستقرار في النظام السياسي العراقي بعد عام 2003، المركز العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين، 2018، ص30.

 

(4) وزارة التخطيط العراقية، استراتيجية التخفيف من الفقر في العراق 2018-2022، بغداد، كانون الثاني، 2018، ص13.

 

(5) مجلس النواب العراقي، البطالة في العراق (قراءة احصائية)، 2018، الانترنت www.ar.parliament.iq .

 

(6) وزارة التخطيط العراقية، استراتيجية التخفيف من الفقر في العراق (2018-2022)، المصدر السابق ، ص36.

 

(1) ابتهال محمد رضا، الاقتصاد العراقي بعد عام 2003 والافاق المستقبلية، مجلة الدنانير، ع 8، كلية الادارة والاقتصاد، الجامعة العراقية، بغداد، 2007، ص22.

 

(2) همسة قصي عبداللطيف وعمر عدنان، التنمية الاقتصادية في العراق بعد عام 2003 الواقع والطموحات، مجلة الدنانير، ع 10، كلية الادارة والاقتصاد، الجامعة العراقية، بغداد، 2017، ص170-171.

 

(3)  وسام حسين العيثاوي، المصدر السابق ، ص129-130.

 

(4) وزارة التخطيط العراقية، استراتيجية التخفيف من الفقر في العراق 2018-2022، المصدر السابق ، ص5.

 

(1) حسان محمد شفيق العاني، الأنظمة السياسية والدستورية المقارنة، مطبعة جامعة بغداد، 1986، ص 164-165.

 

(2) حافظ علوان حمادي، المشروع الديمقراطي العراقي دراسة نقدية، قضايا سياسية، ع 29-30، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2012، ص75.

 

(1)  احمد ابراهيم واخرون، المصدر السابق ، ص218.

 

(2) ياس خضير البياتي، تفكيك المشهد العراقي: مفخخات الطائفية السياسية والاعلامية، المستقبل العربي، ع 345، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، كانون الثاني، 2007، ص52.

 

(3) عباس عبود سالم، عراق مابعد الدكتاتورية: قراءات في المشهد السياسي العراقي بعد عام 2003، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2013، ص137.

 

(4) عدنان الاسدي، المتغيرات السياسية في العراق ما بعد 9-4-2003، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2011،  ص115.

 

(5) صادق الازرقي، المحاصصة الطائفية والقومية والبناء العراقي المنشود، فكر حر، التجمع الثقافي في شارع المتنبي، ع صفر، بغداد، حزيران 2005، ص550.

 

(1)  ياس خضير البياتي، المصدر السابق ، ص51.

 

(2) احمد ابراهيم محمود ومحمد سعد واخرون، حال الأمة العربية 2010-2011: رياح التغيير، في: احمد يوسف احمد  ونيفين مسعد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ايار2011، ص219.

 

(3)  سيد أبو زبد عمر، تطورات الاحداث في العراق وتداعياتها على الثورات العربية، شؤون عربية، جامعة الدول العربية، ع149، ربيع 2012، ص45.

 

(4) ذنون بن متى الموصلي، الموصل بين احتلالين 2003-2014: مذكرات مواطن عراقي، دار سطور للنشر والتوزيع،  بغداد، 2016، ص55.

 

(1) ادهام فكاك احمد البدراني، الدور السياسي للمعارضة في النظم الملكية: الأردن والبحرين من منظور مقارن، رسالة ماجستير (غير منشورة)، معهد البحوث والدراسات العربية، قسم الدراسات السياسية، القاهر، 2013، ص16.

 

)2) Robert A.Dahl Polyarch:Participation and Opposition, New Hoven,Ct: yal  University press, 1970, P 20.

 

(3) حافظ علوان حمادي، المعارضة السياسية : دراسة تحليلية لشروطها ووظائفها، المجلة العلمية لجامعة جيهان، ع 1، السليمانية، شباط 2018، ص 181.

 

(1) ابن منظور، لسان العرب، المجلد 13، دار صادر، بيروت، 1968، ص451.

 

(2) عامر الشماخ، فكرة المواطنة بين النظرية والتطبيق، الصحوة للنشر والتوزيع، القاهرة، 2011، ص ص 9-11.

 

(3) ماجد الغرباوي، التسامح ومنابع اللاتسامح: فرص التعايش بين الاديان والثقافات، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد،2006، ص ص 83-86.

 

(4) حسنين توفيق ابراهيم، النظم السياسية العربية: الاتجاهات الحديثة في دراستها، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005، ص ص338-339.

 

(5) طه حميد حسن العنبكي، إشكالية التوفيق بين الامن الوطني والحقوق والحريات العامة في العراق، مجلة العلوم القانونية  والسياسية، عدد خاص، كلية القانون والعلوم السياسية، جامعة ديالى، 2014، ص101.

 

(1) امل هندي الخزعلي، التعايش السلمي في العراق: ضمانات النجاح واليات التفعيل، أعمال المؤتمر السنوي الثاني لكلية العلوم السياسية والاجتماعية، جامعة السليمانية، 2011، ص196.

 

(2) محمد عبدالجبار الشبوط، الهويات الفرعية وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، المواطنة والتعايش، ع5، مركز وطن للدراسات، بغداد، كانون الاول، 2007، ص60.

 

(1) بشرى محمد سامي وحاكم محسن، الفساد الاداري والمالي وأثاره الاقتصادية والاجتماعية في العراق، المستقبل العربي، ع 409، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، أذار 2013، ص 77.

 

(2)  محمد الدوري، اللعبة انتهت!: من الامم المتحدة الى العراق محتلاً، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2004،  ص22.

 

(3) سرمد كوكب الجميل، رؤية في حيثيات الفساد المالي في العراق، المجلة العربية للعلوم السياسية، ع 49-50، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص141.

 

(4)عاطف لافي مرزوق، اشكاليات التحول الاقتصادي في العراق: مبادئ هادية في الاقتصاد السياسي،مركز العراق للدراسات، 2007، ص79.

 

(5) هيثم كريم صيوان، فساد الطبقة السياسية في العراق: دراسة اقتصادية، المستقبل العربي، ع، 389، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت،  تموز 2011، ص72.

 

(6) سرمد كوكب الجميل، المصدر السابق ، ص 141.

 

(1) تغريد داود سلمان، الفساد الاداري والمالي في العراق وأثره الاقتصادي والاجتماعي،الغري للعلوم الاقتصادية والاجتماعية، المجلد العاشر، ع33، كلية الادارة والاقتصاد، جامعة الكوفة، 2015، ص104-105.

 

(2) وزارة الاقتصاد الاماراتية، الامارات العربية المتحدة والاقتصادات الرائدة في العالم، 2018، ص ص13-14.