العدالة الجنائية في العراق في ضوء التحولات التشريعية النافذ

م .م محمد جبار أتويه

كلية القانون / جامعة ميسان

الملخص

إن حسن صياغة مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات بما يضمن عدم تجريم أي فعل أو تحديد أي عقوبة الا من قبل السلطة التشريعية يحظى بأهمية كبيرة نظراً لخطورة التجريم والعقاب على حقوق الافراد وحرياتهم وما يتبع هذا المبدأ من مباديء قانونية أخرى وعلاقة تلك كلها بالعدالة الجنائية فضلاً عن القواعد المتعلقة بسريان القانون الجنائي من حيث المكان بوصفه مظهراً من مظاهر سيادة الدولة على اقليمها. وإذ ابتدأ المشرّع العراقي قانون العقوبات بمبدأ مهمّ جداً، يعدُّ الحجر الأساس للعدالة الجنائيّة وهو مبدأ "الشرعيّة الجنائيّة" ورتَّب نتائج مهمّة على هذا المبدأ، ذلك المبدأ الذي يحدد الجرائم والعقوبات كي يستطيع الأفراد مسبقاً معرفة السلوكيات الأجتماعية المجرمة فيجتنبوها لئلا يقعوا تحت طائلة العقاب، إذ أن الأصل في الأفعال الأباحة .

وجاء الدستور العراقي النافذ ليؤكد على احترام الحقوق وصيانة الحريات وعدم جواز الإنتقاص منها وفي حالة دعت الضرورة الى تقييدها فلا يجوز أن يمس هذا التقييد جوهر الحق أو الحرية ، الأمر الذي يوجب أن تحدد الأفعال الحرمة بشكل واضح ودقيق دون أن يترك للسلطة القضائية دور في التجريم أو العقاب ، لئلا يحصل الإعتداء على الحقوق والحريات تحت ذريعة تطبيق القانون، كما تبنى الدستور مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ذاته إيماناً منه بأهميته، وقد أحتوى قانون العقوبات مباديء مهمة أخرى تتجلى فيها سيادة الدولة لأن القانون الجنائي  يعد مظهراً من مظاهرها تتمثل في سريان القانون الجنائي من حيث المكان والزمان. وتدور إشكالية البحث حول مدى تحقق العدالة الجنائية في أحكام مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وقواعد سريان قانون العقوبات من حيث الزمان والمكان.ويتبع البحث المنهج التحليلي في تحليل القواعد القانونية الجنائية ذات الصلة بموضوع البحث وصولا الى مضامينها بغية الوقوف على عدالتها. وتقسم هذه الدراسة الى مبحثين .

Abstract:

Criminal justice in Iraq in the light of legislative transformations in force

      The purpose of this study is to examine the principle of the legality of crimes and punishments and to formulate them in a precise manner to ensure that any act or determination of any penalty is not criminalized by the legislative authority in view of the danger of criminalization and punishment for the rights and freedoms of individuals. This principle follows other principles relating to the law of the accused, As well as other rules relating to the application of criminal law in place as a manifestation of State sovereignty over its territory. With a view to identifying the legal gaps that are prejudicial to justice and finding legal solutions that are fair in the light of the Constitution and the standards of justice.

المقدمة :

ابتدأ المشرّع العراقي قانون العقوبات بمبدأ مهمّ جداً، يعدُّ الحجر الأساس للعدالة الجنائيّة وهو مبدأ "الشرعيّة الجنائيّة" ورتَّب نتائج مهمّة على هذا المبدأ، ذلك المبدأ الذي يحدد الجرائم والعقوبات كي يستطيع الأفراد مسبقاً معرفة السلوكيات الأجتماعية المجرمة فيجتنبوها لئلا يقعوا تحت طائلة العقاب، إذ أن الأصل في الأفعال الأباحة . وقد أكد الدستور العراقي على احترام الحقوق وصيانة الحريات وعدم جواز الأنتقاص منها وفي حالة دعت الضرورة الى تقييدها فلا يجوز أن يمس هذا التقييد جوهر الحق أو الحرية ألأمر الذي يوجب أن تحدد الأفعال الحرمة بشكل واضح ودقيق دون أن يترك للسلطة القضائية دور في التجريم أو العقاب لئلا يحصل الأعتداء على الحقوق والحريات تحت ذريعة تطبيق القانون، كما تبنى الدستور مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ذاته أيماناً منه بأهميته، وقد أحتوى قانون العقوبات مباديء مهمة أخرى تتجلى فيها سيادة الدولة بأعتبار القانون الجنائي مظهراً من مظاهرها تتمثل في سريان القانون الجنائي من حيث المكان والزمان.

أشكالية البحث :  

تتمحور أشكالية البحث حول مدى تحقق العدالة الجنائية في أحكام مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وقواعد سريان قانون العقوبات من حيث الزمان والمكان.

منهجية البحث :

سنتبع المنهج التحليلي في تحليل القواعد القانونية الجنائية ذات الصلة بموضوع البحث وصولا الى مضامينها بغية الوقوف على عدالتها.

خطة البحث :

سنتناول هذا البحث وفق الخطة الآتية

المبحث الأول : التعريف بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وتحدي مبرراته ومفهومه في الفقه الأسلامي عبر مطلبين، الأول سنخصصه لتعريف المبا وبيان مبرراته والثاني سنعرج فيه على مفهومه في الشريعة الاسلامية.

المبحث الثاني : قواعد سران قانون العقوبات من حيث الزمان والمكان عبر مطلبين، الاول سنركز فيه على قواعد سريان قانون العقوبات من حيث الزمان والثاني ينحصر بقواعد السريان من حيث المكان.

المبحث الأول: العدالة الجنائيَّة في مبدأ شرعيِّة الجرائم والعقوبات

إنَّ التعريف بالموضوع وتحديد مبرراته هو الذي يمكّن من إبراز مظاهر العدالة فيه، فلابدَّ إذن من تعريفه وبيان مبرراته في مطلب أول ومفهومه في الشريعة الاسلامية في مطلب ثانٍ.

المطلب الأول : تعريف مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وتحديد مبرراته :

في هذا المطلب سنسلط الضوء على تعريف هذا المبدأ ثم ننتقل الى تحديد المبررات التي دعت الى الأخذ به وذلك عبر الفرعين الآتيين:

الفرع الأول: تعريف مبدأ شرعيَّة الجرائم والعقوبات :

يعني مبدأ "شرعيّة الجرائم والعقوبات" حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص القانون، إذ إنَّ الجهة المختصَّة بتحديد الأفعال الجرميّة، وبيان أركانها، ومقدار العقوبات المقرر لها ونوعها، هي المشرّع وليس القاضي. وعلى هذا الأساس يضع مبدأ "الشرعيّة" حدّاً فاصلاً بين اختصاص المشرّع واختصاص القاضي الذي ينحصر في تطبيق ما يقرّره الأول. فالقاضي لا يستطيع أن يعتبر فعلاً معيّناً جريمةً إلّا إذا تمَّ تجريمه من قبل المشرّع قبل ارتكابه، فإنْ لم يجد نصّاً يُجرمه، فلا سبيل الى اعتباره جريمة، حتى وإن اعتقد بأنّه مناقض للعدالة أو الأخلاق أو الدين أو أنَّه ضارٌّ ضرراً بالغاً بالمجتمع. والأمر كذلك في ما يتعلّق بالعقوبة فلا سبيل الى فرض عقوبة غير التي قرّرها المشرّع نوعاً ومقداراً([1]). ونظراً لما يحققه هذا المبدأ من دور في احترام حقوق الأنسان وحرياته حاول المجتمع الدولي تبنيه على مستوى القوانين الدولية منها نظام روما الأساسي وصولاً الى غاية تتمثل في دمج نظم العدالة الجنائية الوطنية في نطاق القانون الدولي([2]).

وتكمن أهمية هذا المبدأ في أنّه يضع للأفراد حدوداً واضحةً تفصل بين المشروع وغير المشروع من السلوكيات، فيشجِّعهم على سلوك السبل المشروعة وهم في مأمنٍ من العقاب، كما أنّه يُعطي العقوبة أساساً قانونيّاً يجعلها مقبولةً؛ باعتبارها توقع في سبيل المصلحة العامة، إذ إنَّها خطيرة وفي ذات الوقت بغيضة، إن كانت وسيلة استبداد. أمّا إذا وقعت بموجب القانون فهي عادلة ومشروعة([3]).

وللمبدأ أهميته بالنسبة للمصلحة العامة التي تتجلّى في إعطاء قانون العقوبات أساساً قانونيّاً، بإسناد وظيفة التجريم والجزاء الى المشرّع وَحْدَهُ؛ مما يجعل هذا القانون مقبولاً لجهة امتثال المواطنين لقواعده، وبذلك تتحقّق مصلحة المجتمع([4]).

لكن ما المقصود بالنصوص التشريعيّة؟ هل هي تلك النصوص الصادرة من السلطة التشريعيّة أم يكفي صدورها من سلطة مختصّة بالتشريع؟، فتدخل في نطاقها السلطة التنفيذيّة - عندما تُمنح سلطة تشريعيّة استثناءً - فيمكنها اصدار لوائح تجرّم بموجبها أفعالاً وتقرّر لها عقاباً. أجاب فقهاء القانون الجنائي أنَّ المقصود بالتشريع كلُّ النصوص المكتوبة التي تقرّر قواعد عامة مجرّدة بشرط أن تكون صادرة عن سلطة مختصَّة بالتشريع، طبقاً للدستور([5]). أي سواء كانت سلطة تشريعيّة أم تنفيذيّة ما دام الدستور منحها هذا الاختصاص.

وهذا ما سلكه المشرّع في (المادة الأولى) من قانون العقوبات قائلاً: ((لا عقابَ على فعل او امتناع إلّا بناءً على قانون ينصُّ على تجريمه وقت اقترافه، ولا يجوز توقيع عقوبات او تدابير احترازيّة لم ينصّ عليها القانون))([6])، إذ اعترف المشرّع للسلطة التنفيذيّة بدور المشرّع الى جانب السلطة التشريعيّة. فعبارة ((بناءً على قانون)) تسمح لهذه السلطة بإصدار لوائح تجريم وعقاب، ولا يمكن قبول أيّ تفسيرٍ آخر لهذا النصّ غير هذا التفسير؛ بدليل أنَّ المشرّع الدستوري في الدستور المصري الصادر عام 1923 تضمَّن عبارة ((بناءً على قانون)) على الرغم من أنَّ الصياغة التي جاء بها مشروع الدستور هي ((لا جريمة ولا عقوبة إلّا بقانون))، بيد أنَّ اللجنة الاستشارية التشريعيّة التي اسهمت في الأعمال التحضيريّة للدستور المذكور غيَّرتْ صياغتها في المادة (6) منه الى ((لا جريمة ولا عقوبة إلّا بناءً على قانون))، وبرّرتْ ذلك بقولها: (( لكي يتسع النصُّ الجديدُ لحالاتِ تفويضِ القانونِ السلطةَ المكلّفةَ بسنِّ لوائحِ التنفيذِ، تحديدَ الجرائم وتقريرَ العقوبات))([7]), الأمر الذي نعتقدُ معه بأنَّ المشرّع بهذا الإطلاق قد جَانَبَ الصوابَ وجافى العدالةَ التي من مقتضاها أن يأتي المبدأ بصياغة أخرى تثبت الاختصاص الأصيل في التشريع الجنائي للسلطة التشريعيّة واستثناءً للسلطة التنفيذيّة ((لا جريمة ولا عقوبة إلّا بقانون او بناءً عليه في الظروف الاستثنائيّة فقط))، ولعلَّ المشرّع الدستوري في دستور (2005) كان أكثر عدالةً عندما قَصَرَ التجريم والعقاب على القانون فقط، في المادة (19) بقوله: ((لا جريمة ولا عقوبة إلّا بنصّ ))([8])، فحصر التجريم والعقاب بالسلطة التشريعية فقط على اعتبار أنَّها السلطة صاحبة الاختصاص الأصيل بالتشريع، ثمَّ جاء بنصٍّ لاحقٍ منح فيه السلطة التنفيذية صلاحية إدارة شؤون البلاد في ظلِّ الظروف الاستثنائية([9]), والتي يدخل ضمن نطاقها صلاحية التشريع المؤقتة بدءً من حصول الظرف الاستثنائي وانتهاءً بانتهائه، فتستطيع تلك السلطة خلال ذلك الظرف أن تجرِّم أفعالاً وتضع لها عقوبات مناسبة تقدّر بقدر الضرورة. فاختصاص التجريم هذا يأتي بمناسبة الاختصاص الاستثنائي لممارسة الدور التشريعي الذي منحه المشرّع الدستوري لها في ظلِّ ذلك الظرف الاستثنائي، وهو لا يخرج عن نطاق مبدأ ((لا جريمة ولا عقوبة إلّا بنصّ)). إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أنَّ السلطة التنفيذية تصدر لوائح وليست قوانين؛ لأنَّ المشرّع الدستوري عندما استخدم عبارة (نصّ) قصد بها القانون الصادر من السلطة التشريعية الأصلية، أي لا توجد جريمة ولا تخلق عقوبة إلّا إذا سُنَّتْ مسبقاً بقانون صادر من السلطة التشريعيّة.

ولكن عندما منح السلطة التنفيذية لاحقاً صلاحية إدارة شؤون البلاد، جاء ذلك استثناءً من المبدأ المذكور في ما يتعلّق بالجانب الجنائي، وهذا الاستثناء مقيّد بالظرف الاستثنائي ولا وجود له في غير ذلك الظرف، على عكس المشرّع العادي في قانون العقوبات الذي ابتدأ القانون بهذا المبدأ؛ ولكن استخدم عبارة ((بناءً على قانون)) ولم يستخدم عبارة ((بقانون أو بنصّ))، مما يسمح بالقول بأنَّ "التجريم والعقاب" الصادران من السلطة التشريعية او التنفيذية يُعدّان مشروعين، أي أنَّه ما يعدُّ جريمة وما يقدر لها من عقوبة من الممكن أن يكون من قبل السلطة التشريعية أو من السلطة التنفيذية، ولم يقيّد الأخيرة بالظروف الاستثنائيّة؛ على اعتبار أنَّ اختصاصها التشريعي يمكن أن يأتي في غير حالة الظروف الاستثنائيّة كالتفويض مثلاً.

إذنْ فالمشرّع في قانون العقوبات ابتعد نوعاً ما عن العدالة؛ لأنَّه أضفى صفة المشروعيّة على التجريم الصادر عن السلطة التنفيذية التي ربّما تتطاول على الحقوق والحريات الفردية.

الفرع الثاني: مبرّرات قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلّا بنصّ :

  1. إنَّها تُكافح الإجرام؛ من خلال تعريف كلِّ فردٍ مسبقاً الأفعالَ الممنوعة عليه فيتجنَّبُها، والعقوبات التي تهدده عندما يرتكب أيَّ فعلٍ ممنوع فيخشاها.
  2. إنَّها تؤمِّن العدالة؛ وذلك عندما يعلم الفرد مقدّماً أنَّه يقترف فعلاً مجرَّماً. فمثله مثل من يُنذر مقدّماً بعدم القيام بفعل معيّن، ومن ثمَّ يتحمَّل مغبَّة ذلك الفعل عند ارتكابه.
  3. إنَّها الضمان الأساسي لحقوق وحريّات الأفراد تجاه سلطات الدولة والحُكَّام؛ فلولا تحديد الجرائم وعقوباتها مسبقاً لبقي الأفراد تحت رحمة الحُكَّام الذين يخلقون الجرائم ويبتكرون العقوبات بحسب أهوائهم.
  4. إنَّها تحقّق المصلحة؛ لما فيها من ضمان لوحدة القضاء الجنائي وعدم تناقضه أو تعارضه تعارضاً يقضي على هذه الوحدة(([10].
  5. إنَّها أثرٌ من آثار الفصل بين السلطات؛ إذ إنَّ السلطة التشريعيّة هي صاحبة الاختصاص التشريعي، والقاضي لا ينشئ القوانين، بل وظيفته الوحيدة هي تطبيق القانون، والقول بغير ذلك معناهُ الاعتداء على حقِّ السلطة التشريعية، وعليه فإنَّ الفصل بين السلطات يقتضي حصر مصادر التجريم والعقاب في القانون الذي تختصُّ السلطة التشريعيّة بإصداره، وبذلك تمثّل الشرعيّة الجنائيّة الحدَّ الفاصل بين اختصاص السلطتين التشريعيّة والقضائيّة.
  6. إنَّها قائمة على فكرة المسؤولية الأخلاقية؛ التي تستند الى "الإدراك" وهو قدرة الجاني على التمييز بين المباح والمحظور من الأفعال. و"حرية الاختيار" التي هي الاختيار الحرّ بين اتجاه إرادي واتجاه آخر، وطالما أنَّ أساس المسؤولية الجنائية هو "الإدراك والاختيار" بين المحظور من الأفعال والمباح منها، فلا يتحقّق ذلك بغير حصر الأفعال المحظورة وتحديد عقوباتها بنصوص قانونية واضحة، توفّر للفرد العلم بها ثمَّ يستطيع الموازنة بين مخاطر الإقدام عليها وفضائل الامتناع عنها، فإنْ انْعَقَدَ تصميمه على إتيانها صار أهلاً لاستحقاق العقاب المقرّر لها. وعليه تعدُّ المسؤولية الأخلاقية مبرّراً جوهريّاً للأخذ بقاعدة الشرعيّة الجنائيّة([11]).
  7. إنَّها تضمن تحقيق المساواة بين جميع الناس أمام القانون سواء بسواء؛ إذ إنَّ حصر مصادر التجريم والعقاب في القانون مؤداهُ أن يفصل هذا القانون بين المشروع وغير المشروع، فيصبح أفراد المجتمع آمنين من العقاب على نحوٍ يمكّنهم من المساهمة في نشاط المجتمع، بحيث يكون النشاط الذي يباشره الفرد في مأمنٍ من المسؤولية الجزائية وأنَّ الجميع سواءٌ أمام هذا النصّ. كما أنَّ الشرعية الجنائية تحقّق العدالة لأنَّها تحمي غير المجرمين الذين اختاروا المسالك المشروعة، بل أنَّها تعدُّ ضماناً للمجرمين لأنّها تدرأُ عنهم احتمال توقيع عقوبة أشدّ مما كان مقرّراً وقتَ ارتكاب الجريمة([12]).

المطلب الثاني: مبدأ الشرعيَّة الجنائيَّة في الشريعة الإسلاميّة :

لا شكَّ في أنَّ الشريعة الإسلامية لم تغفل مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات، خاصةً في جرائم الحدود والقصاص والديات، فقد وردت بها نصوصٌ صريحة وقاطعة الدلالة، حدّدت الأفعال الجرميّة والعقوبات اللازمة لها. كما هو الحال في جرائم الزنا والقذف والسرقة والحرابة والردّة والبغي وشرب الخمر، وكذلك جرائم القصاص كالنفس بالنفس والعين بالعين ....إلخ، وعليه فإنَّ مبدأ الشرعيّة مقرّر بدقّة في مجال جرائم الحدود والقصاص والديات([13]), غير أنَّ موقف الشريعة الإسلامية في مجال الجرائم التعزيرية مختلفٌ؛ فلم تحدّد تلك الجرائم، بل تركت تحديدها الى القاضي، وعلى هذا النحو تميّزت سياستها الجنائية بمرونة واضحة؛ لتستجيب لظروف وتقاليد كلّ مجتمع إسلامي. إلّا أنَّها لم تترك الأمر بلا قيود حين أطلقت السلطة للقضاء، بل أحاطتها بقيود وأفرغتها في ضوابط محددة، وهي أنْ تكون هنالك معصية لأوامر الله ونواهيه التي تجد مصدرها في الكِتَاب والسُّنة أو تُستخْلَصُ من روح الشريعة ومبادئها العامة. وأمثلة هذه المعاصي كثيرة، كالتزوير والرشوة وخيانة الأمانة وغيرها، كما يُشترط بفعل المعصية أن يكون صالحاً للإثبات بحيث يستطيع القاضي أن يطمئن إليه دون أن تُنتهك حرمات الإنسان أو تُمتهن كرامته الإنسانية؛ أي لا يحتاج الى تجسس ولا يعتمد على الظن في اصدار حكمه القضائي([14]).

وفي جميع الأحوال أن يكون التجريم في هذا المجال الغاية منه حماية المصالح الإسلامية؛ من خلال جلب المنافع للمسلمين ودفع الضرر عنهم. كما لم تغفل الشريعة الإسلامية ضوابط العقوبات التعزيرية، في أن تكون مانعة للشرِّ؛ أي محقّقة للردع بالمعنى الحديث، ولا تؤدي الى إهانة الكرامة الإنسانية، ويتعيّن أن تكون أقل جسامةً من عقوبات الحدود([15]).

لقد اتبعت الشريعة الإسلامية صياغةً مرنةً في تحديد جرائم التعزير وعقوباتها، الأمر الذي نعتقدُ معه أنَّها - في الوهلة الأولى - لم تحقّق العدالة الجنائية؛ إذ إنَّها اعتمدت ضوابط معيّنة لتحديدها على نحوٍ يسمح بالقياس عليها. وقد كانت السياسة الجنائية الحديثة أكثر عدلاً، عندما اتجهت صوبَ تحديدها تحديداً أكثر دقّة مما عملت الشريعة الإسلامية؛ ولعلَّ السبب في ذلك أنَّ الشريعة الإسلامية وضعت قواعدها الى فترة غير محدّدة من الزمن، وتركت بذلك الأمر الى القائمين بالسلطة أن يحددوا جرائم التعزير على ضوء المصلحة العامة للأمة مع التقيُّد بالضوابط اللازمة للتجريم والعقاب، وهو ما يصبُّ في النهاية في قالب العدالة الجنائيّة.

المبحث الثاني : العدالة الجنائيَّة في قواعد سريان قانون العقوبات

يتحدّدُ نطاق سريان قانون العقوبات بالقواعد التي تحكم تطبيقه من حيث الزمان والمكان. وهناك عدّة قواعد تحكم سريان القانون الجنائي من حيث الزمان، هُما: قاعدة عدم رجعيّة القانون الجنائي الى الماضي، وقاعدة رجعيّة القانون الجنائي الأصلح للمتهم الى الماضي.

 كما توجد قواعد تحكم سريان القانون الجنائي من حيث المكان، وأهمُّها تلك التي تُسمّى بإقليميّة القانون الجنائي بوصف القانون الجنائي مظهراً من مظاهر سيادة الدولة على إقليمها. فضلاً عن القواعد التي جاءتْ استثناءً من تلك القاعدة التي يُطلق عليها بالاختصاص العيني والشخصي والشامل. وعليه سنسلط الضوء على هذين الموضوعين عبر المطلبين الآتيين:

المطلب الأول: سريان القانون الجنائي من حيث الزمان :

يتمحور هذا المطلب حول قاعدتين مهمتين هما عدم رجعية القانون الجنائي على الماضي وقاعدة القانون الأصلح للمتهم وسنتطرق اليهما عبر الفرعين الآتيين:

الفرع الأول : قاعدة عدم رجعية القانون الجنائي على الماضي :

يقصدُ بسريان القانون الجنائي من حيث الزمان:- أنَّ ذلك القانون يسري من تاريخ نفاذه على الجرائم الواقعة بعد تاريخ النفاذ، وعدم جواز تطبيقه على الوقائع السابقة على ذلك التاريخ، على اعتبار أنَّ قواعد التجريم والعقاب هي تضييق لحرية الأفراد؛ حيث تقضي بمنعهم من القيام ببعض الأفعال أو تأمرهم بالقيام بها وإلّا تعرَّضُوا للعقاب. والمنطق والعدل يقضيان بوجوب سريان هذه القواعد من وقت العمل بمقتضاها، فلا تشمل ما سبقَ من وقائع، وإنَّما فقط الوقائع اللاحقة لها، وهذه هي قاعدة عدم رجعيّة القانون الجنائي الى الماضي([16]).

وما يؤكّد هذه القاعدة قوله تعالى:﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ (([17]، وهذا يعني أن الأصل في الأفعال الإباحة قبل تجريمها، وقد أخذ بها المشرّع العراقي في قانون العقوبات في الفقرة (1) من المادة الثانية بقوله ((يسري على الجرائم القانون النافذ وقت ارتكابها، ويرجع في تحديد وقت ارتكاب الجريمة الى الوقت الذي تمتْ فيه أفعال تنفيذها، دون النظر الى وقت تحقّق النتيجة)). وهذا يعني أن قانون العقوبات يسري على المستقبل، أي على الوقائع التي تقع بعد نفاذه. وحسناً فعل المشرّع بهذا الاتجاه المحقّق للعدالة؛ فمن غير العدل معاقبة الأفراد عن أفعال كانت وقت ارتكابها مباحةً، هذا من جانب، ومن جانب آخر حدَّدَ المشرّع القانون النافذ بالوقت الذي ارتكبت فيه أفعال تنفيذ الجريمة بغض النظر عن وقت تحقّق نتيجتها؛ نظراً لاحتمال وقوع الفعل في زمان ومكان يختلفان عن زمان ومكان وقوع النتيجة، وقد يصدر قانونٌ خلال تلك الفترة الفاصلة، وما ينشأ عن ذلك من تنازع بين القانونين اللذين يحكمان تلك الواقعة. فحسم المشرّع الأمر وحدَّدَ القانون النافذ بالقانون الذي وقعت في ظلِّهِ الأفعال الجرميّة لا النتائج الجرميّة، انطلاقاً من أمرين: الأول، خشية أن يصدرَ قانونٌ في الوقت الذي تحقّق فيه النتيجة الجرميّة أشدُّ من القانون الذي وقع فيه الفعل المكوّن للجريمة. والأمر الثاني، - وهو الأهمُّ - وهو الصفة الشخصية للقانون الجنائي المعاصر والذي يعدُّ العامل الفاصل في الجريمة، شخصية الجاني وبالأخصِّ مظهر إرادته والتي لا تظهر الى في مكان وزمان وقوع الفعل على حدِّ قول البعض([18]), إذ إنَّ الجانب المعنوي للجريمة يتعاصرُ مع الفعل المكوّن للجريمة لا مع وقت تحقّق نتيجتها الجرميّة.

الفرع الثاني : قاعدة رجعية القانون الجنائي الأصلح للمتهم :

إنَّ المشرِّع جوَّز رجعيّة القانون الجنائي الى الماضي، إذا كان أصلحُ للمتهم، سواء كان الحكم الصادر في الجريمة نهائياً أم غير نهائي. و"القانون الأصلحُ للمتهم" هو القانون الذي يُنْشِئُ للمتهم مركزاً قانونيّاً أصلحُ من القانون القديم. وإنَّ علّة رجعيّة النصوص الأصلح للمتهم هي أنَّ العقوبة أو التجريم الذي كان يقرّره النصُّ القديم أشدُّ مما تقتضيه مصلحة المجتمع. وقد كان للشريعة الإسلاميّة السبق في الأخذ بمبدأ "القانون الأصلح"؛ إذ طُبِّقَ هذا المبدأ في عهد الرسول الأعظم (ص) بإلغاء عقوبة جلد الزوج الذي يقذف زوجته، وإحلال التلاعُن محلّها؛ نظراً لنزول قوله تعالى في الآية القرآنيّة: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِين والخامسة أنْ لعنة الله عليه إنْ كان من الكاذبين.... ﴾ (([19]، فقد أحلّت هذه الآية اللعان محلَّ عقوبة القذف للزوج الذي يقذف زوجته في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ       الْفَاسِقُونَ﴾ ([20])، وقد نزلت الآية السابقة نتيجة شكوى أحد الرجال الى الرسول زوجته، إذ قذفها بالزنا قبل نزول آية اللعان، فنزلت تلك الآية، وكان فعله معاقباً عليه بعقوبة القذف إلّا أنَّ الرسول (ص) طبَّق عليه آية اللعان([21]).

 وقد كرّس المشرّع العراقي هذا المبدأ في قانون العقوبات، وأوجب تطبيق القانون الأصلح في الحالات التي لم يصبح الحكم فيها نهائيّاً. أمّا بعد صيرورة الحكم نهائيّاً، فقد أوجب وقف تنفيذ الحكم إذا ما أضفى صفة المشروعيّة على الجريمة ((الفعل أو الامتناع غير معاقب عليه)). بينما أجاز إعادة النظر في العقوبة المحكوم بها على ضوء أحكام القانون الجديد إذا جاء مخففاً للعقوبة.

ومما يلاحظ في هذا الموضع أنَّ المشرّع استخدم عبارة ((غير معاقب عليه))، وهذه العبارة تشمل الفعل المباح والسبب المبيح ومانع المسؤولية ومانع العقاب، ولا خروج عن مقتضى العدالة في ذلك، وإنَّما جاءت صياغة معيار الأصلحيَّة محققة لها. كما تجلَّت العدالة في أبهى مظهرٍ لها، عندما أوجب تطبيق القانون الأصلح على الماضي، ولم يدع في ذلك سلطة تقديريّة للمحكمة, مخالفاً مبدأ قوة الشيء المحكوم فيه ترجيحاً لاعتبارات العدالة.

بينما اختلف توجّه المشرّع في حال صدور قانون جديد مخفّف للعقوبة، فلم يُوجب على المحكمة إعادة النظر بالحكم على ضوء أحكام القانون الجديد، وإنّما أجاز لها ذلك، مما نعتقدُ أنَّه جانَبَ الصوابَ خصوصاً؛ إذا كان الفارق في العقوبة كبيراً بين القانون القديم والقانون الجديد، لا سيما أنَّ العلّة واحدةٌ في تطبيق القانون الأصلح وهي أنَّ مصلحة المجتمع لا تقتضي التشديد. ومن غير العدالة معاقبة شخصٍ عن جريمة معيّنة - مثلاً- بعقوبة (15) سنة، وبعد مرور ست سنوات يصدر قانونٌ جديدٌ يجعل عقوبتها ست سنوات فقط، فأين مصلحة المجتمع في استمرار معاقبة هذا الشخص إذا ما رفضت المحكمة التي أصدرت الحكم إعادة النظر فيه، بناءً على سلطتها التقديريّة, لذا كان الأقرب للعدالة أن يُوجِبَ المشرّع إعادة النظر بالحكم على ضوء القانون الجديد الأصلح لا أن يمنح المحكمة سلطة تقديرية في ذلك، ويجعل موقفها الرافض في منأى عن العدالة.

كما أنَّ المشرّع لم يتطرّق الى القوانين المفسِّرة لقوانين سابقة له؛ لتوضيح النواحي الغامضة المختلف على معانيها ومدى رجعيتها الى الماضي، ولكن القضاء - متمثِّلاً بمحكمة تمييز العراق- أصدر حكماً عام 1954 أشار فيه الى سريان القواعد القانونية على وقائع سابقة على نفاذها، حتى وإنْ لم ينصّ صراحة على سريانها على الماضي([22]).

وهذا يعني أنَّ القوانين المُفسِّرة سواءٌ جاءت لمصلحة المتهم أو وضعته في مركز أسوأ من القانون المُفَسّر، فإنَّها تسري على المتهم على اعتبار أنَّها تتحِدُ مع القانون السابق (المُفَسّر) وتصبح جزءً منه، وكأنَّها نفذت معه في نفس يوم نفاذه ولا يمكن القول بعدم سريان القانون المفسِّر على الماضي؛ لأنَّه يضرُّ بمصلحة المتهم، وذلك نظراً لثبات سياسة المشرّع الجنائيّة، بدءً من صدور القانون المُفَسَّر ولحين صدور القانون المُفسِّر. فلم تختلف هذه السياسة التي تقوم على رؤى ثابته في التجريم والعقاب، يعتقد المشرّع أنّها تصبُّ في مصلحة المجتمع، فالمشرّع لم تتغيّر لديه مبررات هذا التجريم ولا مقتضيات ذلك العقاب، وإنّما الذي حدث هو إخفاقه في صياغة قواعد القانون صياغةً واضحةً ودقيقةً تمنع الاختلاف في وجهات النظر بشأن مضامين الأحكام التي تضمَّنتها، فاضطر الى إصدار قانون لاحق يُضفي عليها الوضوح والدقة. فالمشرّع في القانون المفسِّر إذا كان أصلح للمتهم لا يقصد به إيجاد المركز الأفضل للمتهم، وإنَّما يريد به الوصول الى المعنى الحقيقي للقانون المفسَّر؛ وفقاً لأهمية المصلحة محل الحماية الجنائيّة واستمرارها التي دفعت به الى إصدار القانون المفسِّر. ولكن العدالة تفرض على المشرّع أن يشير صراحة الى سريان القوانين المفسِّرة الى الماضي، تلافياً للمشاكل القانونيّة الناجمة عن هذا الإغفال، كما لو صدرت أحكام بعقوبات مشدّدة أو صدرت أحكامٌ جرَّمَتْ أفعالاً معيّنة وفق القانون السابق، ثمَّ صدر قانونٌ مفسّرٌ تضمّن عقوبات مخفّفة او حدّد نطاق الأفعال الجرميّة، ولم يكن من بينها تلك الأفعال التي جرَّمتها تلك الأحكام، فما هو مصير تلك الأحكام؟. إذ كان من مقتضى العدالة أن يقرّر المشرّع وقف تنفيذ الأحكام عن الأفعال غير المعاقب عليها، وإعادة النظر بالأحكام ذات العقوبات المشدّدة، على ضوء ما جاء به القانون المفسِّر بغية التخفيف؛ لأنَّه من غير المنطق والعدل - إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار اتحاد القانون المفسِّر مع القانون المفسَّر من لحظة صدوره في ظلِّ غياب التنظيم القانوني لأحكام القوانين المفسَّرة - أن يترك أمرها للقضاء؛ نظراً لاحتمال الاختلاف في وجهات نظر القضاء، وانعكاسه على متطلّبات العدالة الجنائيّة فيما يصدر عنه من أحكام، ولكنَّ ذلك كلّه مع فرض أنَّ القانون المفسِّر لم يأتِ بأحكام جديدة، وإلّا سنعود الى مبدأ عدم الرجعيّة ومبدأ القانون الأصلح للمتهم.

وفي نطاق قاعدة رجعيّة القانون الأصلح للمتهم، استثنى المشرّع العراقي حالة القوانين المؤقتة منها، فيما إذا انتهت الفترة المحدّدة لتطبيق تلك القوانين من دون تنفيذ العقوبة المحكوم بها، أو عدم إقامة الدعوى على ما وقع من جرائم خلالها؛ وعلّة هذا الحكم أنَّ القوانين المؤقتة توضع لمواجهة ظروف معيّنة يخصُّهَا المشرّع بسياسة جنائيّة معيّنة تضيع الحكمة من إصدارها، فيما لو تعطّل تطبيقه على وقائع حدثت في ظلِّهِ وخلافاً لنصوصه، بسبب انتهاء فترة سريانه او إنهارت الأحكام القضائيّة الصادرة بشأنها، نتيجة عدم تنفيذها خلال تلك الفترة، كحالة هروب الجاني من وجه العدالة خلال فترة نفاذ تلك القوانين([23]).

غيرَ أنَّنا نعتقدُ أنَّ عدم تطبيق قاعدة رجعيّة القانون الأصلح للمتهم على القوانين المؤقتة المنتهية يُجافي العدالة، فالمبرّرَ - المذكور آنفاً - مردودٌ من ناحية عدم وجود فرقٍ بين القوانين المحدّدة الفترة والقوانين الدائمة. فكلها جاءتْ لتحمي مصالح معيّنة عامة أو فردية، فما هو الفرق بين اصدار قانون جنائي دائم مضى على تطبيقه عشر سنوات - مثلاً- ثمَّ صدر قانون لاحق لاغياً له، وإصدار قانون جنائي مؤقّت لمدّة ثلاث سنوات - مثلاً- ينتهي بانتهاء الثلاث سنوات، ثمَّ يعود الفعل الى دائرة الإباحة -على سبيل الفرض-، فما هي الحكمة في سريان القانون الأصلح في الحالة الأولى؟، وعدم سريانه في الحالة الثانية؟. وإذا ما افترضنا أنَّ العقوبة في القانون الدائم أشدُّ من العقوبة في القانون المؤقت، فما هو المبرر في سريان القانون الأصلح على الأول دون الثاني؟. فهروب الجاني في ظلِّ القانون الدائم وشموله بالقانون الأصلح اللاحق، وعدم شموله به إذا كان القانون القديم مؤقتاً، لم يحقق العدالة ولم يقترب منها حتماً. ولما كانت علّة تطبيق القانون الأصلح هي مصلحة المجتمع، فما هي مصلحة المجتمع في معاقبة من اعتدى على المصالح المحميَّة في ظل القوانين المؤقتة؟، سواء صدر حكم بحقّه ولم ينفذ أو لم يصدر أو لم تحرَّك الشكوى بحقّه، ما دامت المصلحة قد تضرّرتْ أو تعرَّضتْ للخطر وقد انتهى الوقت اللازم لمعاقبة من انتهكها؛ إذ إنَّ العلّةَ واحدةٌ في سريان القانون الأصلح للمتهم على ما سبق من وقائع قبل نفاذه، سواء كان القانون القديم دائماً أم مؤقتاً.

وإذا كان العفو العام صورةً من صور تطبيقات القانون الأصلح للمتهم؛ لأنَّه لا يعدو كونه إلغاءً لنصِّ التجريم([24]), وإنْ كُنَّا لا نتفقُ مع هذا الرأي من ناحية إلغاء العفو العام لنصِّ التجريم، وأنَّه يؤدي الى إسقاط الجريمة وإبقاء النصّ التجريمي نافذاً على أيّة حال، فإذا صدر قانون عفو عام بعد صدور قانون جنائي مؤقّت، فما هو مصير الجرائم المرتكبة خلاله؟، هل هي مشمولة بقانون العفو أم لا؟، لقد أجاب المشرّع في المادة (153) من قانون العقوبات ([25]), بأنَّه يترتّب على صدور قانون العفو العام انقضاء الدعوى الجزائيّة ومحو حكم الإدانة الذي يكون قد صدر فيها، وسقوط جميع العقوبات الأصلية والتبعية والتكميلية والتدابير الاحترازية، ولا يكون له أثر في ما سبق تنفيذه من العقوبات، مالم ينصّ قانون العفو على غير ذلك. فما يفهم منه أنَّ قانون العفو يمكن أن يشمل جميع الجرائم الواقعة قبل نفاذه ويمحو حكم الإدانة إذا كان صادراً، ويسقط جميع العقوبات. كما يمكن أن يشمل بعض الجرائم ويستثني بعضها، أو يسقط بعض العقوبات دون غيرها، بحسب قناعة المشرّع التي أفصح عنها بعبارة ((مالم ينصّ قانون العفو على غير ذلك))، فلو اتجهت إرادة المشرّع بقانون العفو الى شمول جميع الجرائم السابقة، سواء كانت منظّمة بموجب قوانين دائمية او مؤقتة، فهل يبقى داعٍ للقول بأنَّ القانون الأصلح للمتهم لا يسري على القوانين المؤقتة التي سبقته؟، لا سيما إذا صحَّ القولُ إنَّ قانون العفو هو صورة من صور القانون الأصلح، وإنَّ المادة (153) من قانون العقوبات هي مادة لاحقة للمادة (3) التي تتضمّن أحكام القوانين المؤقتة، والقانون اللاحق يقيّد السابق كما تطرّقت المادتان (300) و (305) من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة([26])، إلى انقضاء الدعوى الجزائيّة بالعفو العام ووقف الإجراءات التحقيقيّة أو المحاكمة ضد المتهم ايقافاً نهائياً، ولم تستثنِ الجرائم المؤقتة من ذلك، وهو قانون لاحق على قانون العقوبات.

نستنتج - مما تقدّم – أنَّه إذا صدر قانونٌ جديدٌ لاحقٌ للقانون المؤقت - وهو أصلح للمتهم - في غير صورة العفو العام، سواء جاء غير معاقب على الفعل الجرمي أو مخفّفاً للعقوبة، فمقتضى العدالة أن يسري على ما سبق من وقائع في ظلِّ القانون المؤقت السابق؛ وذلك ترجيحاً لـ "علّة" تطبيق القانون الأصلح للمتهم - وهي انتفاء مصلحة المجتمع في معاقبة الجاني-، على "علّة" تطبيق القانون المؤقت -وهي مصلحته-، في إنزال العقاب بحقّه؛ كون المصلحة انتفت فلم يبقَ مبرّرٌ للعقاب.

 وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار النصوص الدستوريّة، فسنجد ما يدعم قولنا بعدالة سريان القانون الأصلح للمتهم على ما يرتكب من جرائم في ظل القوانين المؤقتة المنتهية، من ذلك نصّ المادة (19) من الدستور([27])، التي نصَّتْ على أنَّه: ((ليس للقوانين أثرٌ رجعيٌّ، مالم ينصّ على خلاف ذلك، ولا يشمل هذا الاستثناء قوانين الضرائب والرسوم))، و ((لا يسري القانون الجزائي بأثرٍ رجعيٍّ إلّا إذا كان أصلح للمتهم)). ففي هذين النصّين، أجاز المشرّع استثناءً في "النصّ الأول" سريان القوانين بشكل عام على الماضي، واستثنى منها فقط قوانين الضرائب والرسوم، ولم يستثنِ القوانين الجزائيّة المؤقتة، وفي "النص الثاني" صرّح بسريان القانون الجزائي الأصلح للمتهم بأثر رجعي، ولم يستثنِ القوانين المؤقتة، وهذه ألفاظٌ مطلقة والمطلق يجري على إطلاقه. وعلى ما نعتقد أنَّ السبب في تبنّي هذه الصيغة القانونيّة، هو إيمانه بعدالة الإطلاق في الأحكام المتعلّقة بسريان القانون الأصلح للمتهم على الماضي من دون تقييد.

وقد خلت الكثير من التشريعات من استثناء القوانين المؤقتة من "عدم رجعية القانون الأصلح للمتهم"، منها قانون العقوبات الفرنسي الجديد، إذ جاء خالياً من حكم خاص بالقوانين المؤقتة، وكذلك قانون العقوبات الجزائري والتونسي والأردني([28]).

 مما يدلُّ على اعتراف المشرِّعين بسريان القانون الأصلح على الماضي، بما فيها القوانين المؤقتة.

إنَّ المشرّع بتقريره سريان القانون الجديد على ما وقع قبل نفاذه من الجرائم المستمرة أو المتتابعة او جرائم العادة التي يثابر على ارتكابها في ظلّه، قد حقق العدالة، نظراً؛ لوقوع جزء من هذه الجرائم في ظلّه على الرغم من أن جزءاً منها قد ارتكب في ظلِّ القانون القديم، وكذلك الأمر بالنسبة للعود وتعدد الجرائم. لكن يؤخذ على المشرّع أنّه ساوى بين "التدابير الاحترازيّة" و"العقوبات"، من حيث عدم رجعيتها وسريان القانون الأصلح للمتهم، في الوقت الذي كان ينبغي فيه أن تسري التدابير الاحترازية على الماضي، بغض النظر عن كونها أصلح للمتهم من عدمه، أي أنْ تخضع لقاعدة الرجعية وليست عدم الرجعية؛ انطلاقاً من الاختلاف بين وظيفة "التدبير الاحترازي" المتمثلة بدرء خطورة المجرم، وبين وظيفة "العقوبة" المتمثّلة بالردع العام والخاص، فما دام التدبير الاحترازي يهدف الى حماية المجتمع من خطر المجرم، كان ينبغي أن يطبّق على الماضي على اعتبار أنَّ مصلحة المجتمع تقتضي هذا الرجوع؛ بوصف العقوبة جزاءٌ لفعلٍ غير مشروع وقع فعلاً وأحدث ضرراً بالمصالح الاجتماعية والفردية او عرَّضها للخطر الفعلي، أما التدبير الاحترازي فهو إجراءٌ وقائيٌّ لخطر مستقبلي على المصالح المذكورة، وعندما يكون أسوأ للمتهم وأصلح للمجتمع ينبغي تطبيقه بأثر رجعيٍّ؛ صوناً لتلك المصالح التي يفترض أن تغلّب على مصلحة المتهم، ما دام التدبير الاحترازي ليس عقوبة بالمعنى الدقيق. ويؤيّد بعض الفقهاء هذا الرأي بالقول:

((إنَّ الفكرة التي تقوم عليها التدابير الاحترازية هي المصلحة الاجتماعية، فإذا كانت هناك ضرورة اجتماعية تقتضي برجعية التدبير الاحترازي، وجب تطبيقه، حتى وإن لم يكنْ في صالح المتهم))([29]).

المطلب الثاني: سريان القانون الجنائي من حيث المكان :

من المبادئ المسلَّم بها في التشريعات الجنائيّة أنَّ لنصوص قانون العقوبات منطقةً جغرافيةً محددةً تسري عليها أحكامها، ويتحدّدُ سريان هذا القانون على أساس أربعة مبادئ، هي:-

مبدأ "إقليميّة النصّ الجنائي" ومبدأ "شخصيّة النصّ" ومبدأ "عينيّة النصّ" ومبدأ "عالميّة النصّ". ويعدُّ مبدأ الإقليميّة هو الأصل، والمبادئ الثلاثة الأخرى، هي مبادئ مكمّلة له؛ حتى لا يفلت أحد من العقاب. وسنسلط الضوء عليها عبر الفروع الآتية:

الفرع الأول : مبدأ إقليميَّة القانون الجنائي :

 ويُقصدُ به سريان أحكام قانون العقوبات على جميع الجرائم التي ترتكب على الإقليم الخاضع لسيادة الدولة، بغض النظر عن جنسيّة مرتكبها، وسواء نالت الجريمة المرتكبة من مصلحة الدولة صاحبة السيادة في الإقليم أم نالت من مصلحة دولة أجنبيّة. واستناداً لهذا المبدأ فإنَّ الجريمة التي يرتكبها المواطن خارج إقليم دولته لا يطبّق عليه قانونها؛ كما أن هذا المبدأ يجد مبرّره في أنَّ قانون العقوبات هو مظهرٌ من مظاهر سيادة الدولة التي تتحدَّدُ بحدود إقليمها ولا تتعداه الى إقليم دولة أخرى، فضلاً عن وجود أدلة الجريمة في هذا الإقليم، وعلم الجاني بقوانين الدولة التي يتواجد فيها، وتحقّيقاً لفكرة العدالة أيضاً بتهدئة مشاعر السخط الاجتماعية التي أثارتها الجريمة([30]).

وقد تبنّى المشرّع العراقي هذا المبدأ في المادة (6) من قانون العقوبات، قائلاً: ((تسري أحكام هذا القانون على جميع الجرائم التي ترتكب في العراق، وتعتبر الجريمة مرتكبة في العراق إذا وقع فيه فعل من الأفعال المكوّنة لها، أو إذا تحقّقت فيه نتيجتها، أو كان يُراد أن تتحقّق فيه. وفي جميع الأحوال يسري القانون على كلِّ من ساهم في جريمة وقعت كلّها أو بعضها في العراق، ولو كانت مساهمة في الخارج، سواء كان فاعلا أم شريكاً )).

وحسناً فعل المشرّع باتّباعه الصياغة الرامية الى التأكيد على الجريمة دون التأكيد على مرتكب الجريمة في سريان قانون العقوبات؛ انطلاقاً من فكرة سيادة الدولة على إقليمها، والتي تظهر في قانونها الجنائي على نحو يسوّغ لها معاقبة مرتكب الجريمة أيَّاً كانت جنسيته. ولكنْ، عاد المشرّع إلى تعريف المواطن في الفقرة الأولى من المادة (19) قائلاً: ((هو أحد رعايا جمهوريّة العراق، ويعتبر في حكم المواطن من لا جنسيّة له إذا كان مقيماً في الجمهوريّة)) على الرغم من أنَّه تبنّى مبدأ "الإقليميّة" إذ لا مبرّرَ لهذا التعريف؛ لأنَّ القانون العقابي لا يفرّق بين المواطن والأجنبي عن تطبيقه مبدأ "الاختصاص الإقليمي"([31])، فالعبرة بوقوع الجريمة دون النظر الى فاعلها في سريان قانون الدولة عليها.

ونعتقدُ بأنَّ السبب وراء تعريف المواطن هو تمييزه عن الأجنبي من حيث الأحكام الخاصة به، فعلى سبيل المثال في الفقرة (2) من المادة (37) أجاز المشرّع للمحكمة أن تُعفي الأجنبي من العقاب إذا ثبت جهله بالقانون عندما يرتكب جريمة خلال سبعة أيام من تاريخ قدومه، وقانون دولته لا يُعاقب عليها، ولهذا توجه المشرِّع كان صائباً، إذ إنَّ مقتضى العدالة يستوجب منح المحكمة سلطة تقديرية للتأكّد من مدى علم الأجنبي بالقانون العراقي من عدمه، فإذا ثبت "عدم علمه" انتفى القصد الجنائي لديه، وإنَّ قاعدة "عدم جواز الاحتجاج بالجهل بأحكام القانون" تفترض حصول العلم لدى الكافة، وتُستثنى منها حالة عدم العلم لسبب قوة قاهرة. وأنّ دخول الأجنبي الى العراق منذ عهد قريب لا يحقّق هذا الافتراض، وإنّما ينبغي أن يُعامل معاملة الاستثناء (القوة القاهرة) وهذا ما تبنَّاهُ المشرّع العراقي. لكنَّه حدّد المدّة بـ "سبعة أيّام" وهي مدّة قصيرة، فمن غير المنطق أن يعلمَ شخصٌ بقوانين دولة يدخلها خلال تلك المدّة، فكان على المشرّع أن يمنح مدّة أطول، كأن تكون على الأقل مدّة شهر في الجرائم غير المألوفة، - إذ إنَّ هناك جرائم مألوفة كالقتل والسرقة وغيرها ـ غير مألوف -. على أن نفرّقَ بين حالتين: الأولى،  ما إذا كان قانون محل إقامته يُعاقب عليها، فهنا لا داعي للبحث عن مدى علمه بالقانون. والثانية، ما إذا كان قانون محل إقامته لا يعاقب عليه، فينبغي البحث بمدى العلم من عدمه خلال مدّة شهر، مثلاً.

وقد حُدد نطاق الاختصاص الإقليمي بالإقليم الأرضي والمائي والجوي، والأراضي التي يحتلها الجيش العراقي في ما يتعلّق بالجرائم التي تمسُّ سلامته ومصالحه، وعدَّ السفن والطائرات العراقية جزءاً من الإقليم العراقي أينما حَلَّتْ، واستثنى السفن والطائرات الأجنبيّة في الإقليم العراقي المائي والجوي إلّا إذا مَسّت الجريمة أمن العراق، أو كان الجاني او المجني عليه عراقيّاً، أو إذا طلبت السفينة أو الطائرة معونة السلطات العراقيّة. وإذا كانت العبرة في سريان القانون الجنائي طبقاً لمبدأ "الإقليميّة" بالسلوك الإجرامي من حيث وقوعه على إقليم الدولة، فلا مشكلة حينئذٍ إذا كان السلوك الإجرامي متكوِّناً من فعلٍ واحدٍ. ولكن تظهر المشكلة عندما يتكوَّنُ من عدّة أفعال، ووقع بعضها خارج العراق، أو إذا حدّثت النتيجة داخل العراق فقط. أمام كلِّ هذه الحالات أخذ المشرّع بالحسبان حصول مثل هكذا فرضيات، فتناولها بالتنظيم قائلاً: ((وتعتبر الجريمة مرتكبة في العراق إذا وقع فيه فعل من الأفعال المكوّنة لها، أو إذا تحقّقت فيه نتيجتها، أو كان يُراد أن تتحقّق فيه))، فعالج بذلك حالة الجرائم "المستمرّة" وجرائم "الاعتياد" والجرائم "المركّبة"، فجعلها خاضعة للقانون العراقي ما دام جزءٌ من أفعالها مرتكباً في العراق، فكانت العدالة محط أنظاره بهذا الاتجاه ولم يَحِدْ عنها، عندما اعتبرها مرتكبةً في العراق، إذا تحققت نتيجتها فيه فقط. ولكن أين مقتضى العدالة إذا لم تتحقّق النتيجة في العراق، وإنّما كان يُراد لها أن تتحقّق فيه، كمن يرسل طرداً به متفجرات من خارج العراق، إلى آخر في العراق بقصد قتله، ويضبط هذا الطرد قبل دخوله العراق. أو يُراد له أن يتفجّر في مدينة الصويرة في العراق، ولكن يُرسل خطأً الى مدينة الصويرة في المغرب -مثلاً- ويتفجّر هناك، فكيف تتحقّق العدالة وأنّ الجريمة بكاملها وقعت خارج العراق فعلاً ونتيجةً؟.

لذا يبدو لنا أنَّ المشرّع أخفق في الوصول الى العدالة من هذه الناحية، لا سيما أنَّ أغلب الدول تحاشت النصّ على مثل هذه الحالة في قانونها، كالقانون الأردني مثلاً([32])، ومؤدى ذلك هو صعوبة إقامة الدليل على توقع حصول النتيجة داخل الإقليم، ولكن حتى مع فرض إقامة الدليل كاعتراف المتهم بذلك - مثلاً-، فما هو مبرّر العقاب وفق القانون العراقي؟، في ظلِّ غياب مبررات مبدأ "الإقليميّة" وهي كون القانون الجنائي مظهراً من مظاهر سيادة الدولة، في حين الجريمة لم ترتكب على إقليم العراق، كما أنّها لا تُطمئن النفوس ولا تُهدئ السخط الاجتماعي الناجم عن وقوع الجريمة؛ لأنّها وقعت خارج العراق. يُضاف الى ذلك أنَّ العقوبة تعجز عن بلوغ وظيفتها وهي الردع العام والخاص. من هنا كان لازماً على المشرِّع أن يَهْجُرَ هذه الفقرة؛ استجابةً للعدالة الجنائيّة.

الفرع الثاني : مبدأ عينيَّة القانون الجنائي :

 طبقاً لمبدأ "الإقليميّة" لا تخضع الجرائم الواقعة في الخارج الى قانون العقوبات العراقي، لكن إذا كانت ماسّة بكيان الدولة او تهدِّدُ أمنها أو تخلُّ بسمعتها، فإنّها تخضع لقانونها العقابي. فلا جدال في أهمية مبدأ "الاختصاص العيني" النابعة من حرص الدولة على مصالحها الأساسيّة لعدم ثقتها في اهتمام الدول الأخرى في العقاب عليها. لذا؛ حرص المشرّع على تحديد الجرائم الماسَّة بالمصالح الأساسية، وهي الجرائم الماسَّة بأمن الدولة الداخلي والخارجي، أو ضد نظامها الجمهوري وسنداتها، أو طوابعها، أو تزوير أوراقها الرسميّة، أو تزوير أو تقليد وتزييف عملتها الورقيّة أو المعدنيّة، بغض النظر عن جنسيّة مرتكبها، وبغض النظر عن مكان ارتكابها في الخارج، حتى وإن كان قانون البلد لا يُعاقب عليها([33]).

فإذا كان هذا الاستثناء يجد أساسه في أهمية توفير الحماية الجنائية للمصالح الأساسية، إلّا أنّ هناك جرائم يجب شمولها بالاختصاص العيني؛ كونها لا تقل أهمية عن تلك المذكورة، من حيث مساسها بالمصالح العليا للعراق، وهي تقليد وتزوير أختام الدولة او استعمالها بدون وجه مشروع، والجرائم الماسَّة بالاقتصاد الوطني والثقة المالية للدولة. وقد أغفل المشرّع العراقي أمراً مهمّاً كان موضع اهتمام أغلب المشرِّعين، وهو معاقبة الشريك في تلك الجرائم، إذ جاءتْ صياغة النصّ ((يسري هذا القانون على كلِّ من ارتكب خارج العراق ...... ))، وكأنَّ النصَّ يُوحي إلى الفاعل الأصلي دون الشريك، بينما تشريعات أخرى([34])، وضَّحَتْ جليّاً مرتكب الجريمة "فاعلاً أو شريكاً"، وهذا باعتقادنا يسدُّ باب الاجتهاد في النصِّ ويحقّق العدالة الجنائيّة.

الفرع الثالث: مبدأ شخصيَّة القانون الجنائي :

 يقضي هذا المبدأ بمعاقبة كلِّ شخصٍ ارتكب جريمة في أيِّ مكان في العالم، وفقاً لـ "قانونه الشخصي" وهو قانون الدولة التي ينتمي إليها، وأمام محاكم الدولة التي يحمل جنسيتها، بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة. إذ أن مبرّرَ هذا الاختصاص يعود الى مساس الجريمة المرتكبة في الخارج بمركز الدولة بين الدول وإساءته الى سمعتها، وسَدُّ منافذ الهروب من العقاب([35])، ولا تستطيع دولته تسليمه الى الدولة التي ارتكب الجريمة على إقليمها؛ لأنَّ تسليم الرعايا أمرٌ محظورٌ، كما لا تستطيع الدولة - التي ارتكب الجريمة على إقليمها - معاقبته، إذ قد يكون غادر إقليمها ولن يعود إليها، فضلاً عن ذلك عدم الثقة بحياد القضاء الأجنبي.

 ولمبدأ "شخصيّة القانون الجنائي" وجهان: أحدهما "إيجابي" والآخر "سلبي".

 فالأول، يعني تطبيق النص الجنائي على كلِّ من يحمل جنسية الدولة إذا ارتكب جريمته خارج إقليمها، ويطلق عليه مبدأ "الشخصيّة الإيجابيّة".

 والثاني، يقصد به تطبيق النصّ الجنائي على كلِّ جريمة يكون المجني عليه فيها متمتعاً بجنسيّة الدولة، - ولو كان مرتكبها أجنبياً - ووقعت خارج إقليم الدولة، ويُطلق عليه مبدأ "الشخصيّة السلبيّة"([36]).

وقد أخذ المشرّع العراقي بمبدأ "الشخصيّة الإيجابيّة" دون "الشخصيّة السلبيّة" ووضع شروطاً لتطبيق مبدأ "الشخصيّة الإيجابيّة" لكنَّها تختلف بين حالة وأخرى، فقد عامل العراقي الذي يرتكب جريمة في الخارج ولا يتمتع بأيّ صفة وظيفيّة، معاملةً تختلف عن العراقي الذي يكتسي وصف الموظّف او المكلّف بخدمة عامة او الموظف الدبلوماسي، فقد اشترط في الفئة الأولى - التي لا تتمتع بصفة وظيفيّة - بأن يكون عراقياً ((أي متمتعاً بالجنسيّة العراقيّة))، وبغض النظر عن وقت ارتكاب الجريمة، ((سواء كان أجنبياً وقتها، ثمَّ اكتسب الجنسيّة العراقيّة، أو عراقيّاً ثمَّ فقدها بعد ذلك))، وأن تكون الجريمة جناية او جنحة طبقاً لأحكام قانون العقوبات العراقي، وأن تكون الجريمة معاقباً عليها بقانون الدولة التي ارتكبت فيها "ازدواجية التجريم" وبغض النظر عن جسامتها، كما يجب أن يعود مرتكب الجريمة الى العراق. 

وقد بيَّنا في ما سبق مبرّرات الأخذ بمبدأ "الشخصية الإيجابية" وأهمُّها هو عدم إفلات المجرم من العقاب، واستحالة تسليمه من قبل دولته، طبقاً للمبدأ القائل: "بعدم جواز تسليم الدولة لرعاياها"، ولكنَّ المشرّع العراقي ابتعد كثيراً عن جوهر العدالة عندما اشترط بارتكاب الجريمة من قبل الفاعل والشريك وهو في الخارج ؛ إذ اعترى النصّ القانوني ثغرة واضحة تسمحُ بإفلات المجرم من العقاب، وهي: عدم شمول النصّ للعراقي الذي يُحرِّضُ على ارتكاب جريمة في الخارج وهو في العراق، وتقع بناءً على تحريضه، باعتباره شريكاً بالجريمة؛ لأنَّ النصّ اشترط وجود العراقي في الخارج سواء أكان فاعلاً او شريكاً، وبذلك ستختفي المساواة بين "الشريك بالجريمة التي تُرتكب في العراق"، و"الشريك الذي يوجد في العراق عن جريمة ترتكب في الخارج"، فالأخيرُ سيكون أحسن حالاً من الأول من حيث عدم العقاب، فلا مساواة بينهما؛ علماً أنَّ "المساواة" هي إحدى معايير العدالة الجنائيّة. وقد دأبت بعض التشريعات على النصِّ على "هذه الحالة" وسَدِّ الثغرة التي غَفَلَ عنها المشرّع، كما هو الحال في المادة (6) من قانون العقوبات المصري([37]).

والى جانب ذلك فإنّ المشرّع العراقي أخضعَ "لقانونه" العراقيَّ الذي يكتسبُ الجنسيّة بعد ارتكاب الجريمة أو الذي يفقدها بعد ارتكابه لها. وهنا تبرز جملة ملاحظات، انطلاقاً من جوهر العدالة الذي اقتضى اعتماد مبدأ "الشرعيّة الجنائيّة" في التجريم والعقاب، خصوصاً ونحن نتكلَّمُ عن جريمة مرتكبة في الخارج.

فإذا كان ثمّة مسوّغ لمحاكمة العراقي الذي ارتكب الجريمة في الخارج "وهو مستمر في التمتع بالجنسيّة العراقيّة"، فلا وجودَ لأيِّ مسوغٍ في معاقبة من ارتكب الجريمة ثمَّ فقد "الجنسيّة" بعد ذلك عند عودته الى العراق؛ لأنَّه أجنبيٌّ عن العراق وتسليمه الى الدولة التي ارتكب الجريمة على إقليمها لا يتعارض مع مبدأ "سيادة الدولة"، كما لا يتعارض مع المبدأ القائل "بعدم جواز تسليم الدولة لرعاياها"؛ لأنَّه ليس منهم. وبالمقابل فإنَّ الشخص الذي يرتكب الجريمة في الخارج، ثمَّ يأتي بعد ذلك الى العراق ويكتسب الجنسيّة العراقيّة ، فخضوعه للقانون الجنائي العراقي لا يستند الى مبرَّرٍ معقولٍ؛ كونه يتعارض مع مبدأ "الشرعيّة الجنائيّة" التي من مقتضياتها "العلم بالقانون" حيث يذهب غالبية الفقهاء الى أنَّ مستوى العلم المطلوب توافره لدى الجاني لقيام الجريمة، هو طبقاً للمفهوم السائد في البيئة العامة التي ينتمي إليها، حيث يفترض معنىً عرفياً تحدده أفكار وتقاليد سائدة وخبرات وتجارب متراكمة في البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الجاني لأركان الجريمة وعناصرها وظروفها([38])، فوفقاً لمعنى "العلم" - الذي تقوم به الجريمة، والذي اتفق عليه جمهورُ الفقهاء -، ينتفي الركن المعنوي لها، إذا ما ارتكب شخصٌ ما جُرماً في الخارج، واكتسب بعده الجنسيّة العراقيّة؛ كون البيئة التي كان يعيش فيها الجاني - عند ارتكابه الجريمة - هي غير البيئة التي يعيش فيها بعد اكتسابه الجنسيّة العراقيّة، فلا يتحقّق "العلم بالتجريم" بالمعنى المطلوب، عندئذ يسعُنَا القولُ بأنَّ "قاعدة الجهل بالقانون" تنهض في هذه الحالة، وتفرض حكمها بعدم شمول ذلك الشخص بالقانون الجنائي العراقي التي أقرّها المشرّع العراقي في المادة (37) من ق. ع. ع. بنصّها القائل: ((1ــ  ليس لأحدٍ أنْ يحتجَّ بجهله بالقانون بأحكام هذا القانون، أو أيِّ قانون آخر، مالم يكنْ قد تعذّر علمُهُ بالقانون الذي يُعاقِب على الجريمة بسبب قوة قاهرة))، ونعتقدُ أنَّ الشخص الذي يرتكب جريمة في الخارج ثمّ يكتسب الجنسيّة العراقيّة ويعود للعراق، يتحقّق لديه التعذّر بالعلم بالقانون؛ إذ وجوده في الخارج -وعدم تمتعه بالجنسيّة العراقيّة في حينها- يمكن أن يندرجَ تحت معنى "القوة القاهرة"، الأمر الذي يمتنع معه الخضوع لأحكام القانون الجنائي العراقي.

وإذا كان القول: إنَّ المشرّع اشترط تجريم الفعل لدى الدولة التي وقعَ فيها، وهذا يكفي لتحقّق العلم؛ فإنَّ ذلك مردودٌ من جانب أنَّ علم الجاني مطلوبٌ بكافة العناصر والأركان، والتي تختلف في الغالب من دولة لأخرى، ناهيك عن جسامة الجرائم واختلافها من دولة لأخرى، فما يعدُّ في دولةٍ ما، جنايةً، ربَّما يعدُّ جُنحةً او مخالفةً في دولة أخرى، وهكذا.

فالعراق - في مثل هذه الحالة - لا يستطيع تسليمه الى الدولة التي ارتكب الجريمة على إقليمها؛ نظراً للحظر القانوني الوارد في قانون أصول المحاكمات الجزائيّة العراقي([39])، والحظر الوارد في الدستور العراقي الدائم([40])، وإذا كان من شأن ذلك الحظر إفلات المجرم من العقاب، على اعتبار أنَّ عدم العلم بالقانون العراقي يسمح له بالاحتجاج بالجهل بالقانون.

فينبغي على المشرِّع أنْ يُعالج هذه الحالة بطريقة أخرى، بموجب اتفاقيات ثنائيّة تسمحُ بمحاكمة العراقي في العراق، وفق القوانين السائدة في البلد الذي أرْتُكِبَتْ فيه الجريمة، فهذا أكثر عدلاً.

وإذا كان أحد شروط محاكمة المتهم - طبقاً للقانون الجنائي العراقي- عودته الى العراق، على اعتبار أن ارتكابه للجريمة في إقليم دولة أخرى، يجعلُهُ يخضعُ لسلطان قانونه بعد "عودته"، فيمتنع تسليمه الى تلك الدولة، من هنا يستطيع العراق محاكمته حضوريّاً وغيابيّاً إذا ما اختفى بعد "عودته" من العراق، وهنا تبرز مشكلة فيما لو عاد المجرم الى الدولة التي ارتكب الجريمة على إقليمها وخضع لسلطان قانونها، فما هو مصير الحكم الصادر في العراق؟؛ لأنَّ المشرّع لم يُعالج هذه الحالة ولم يشترط بقاء المتهم في العراق بعد "عودته الأولى"، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن الكثير من الأحكام الغيابيّة تكتسب الدرجة القطعيّة بعد تحوّلها الى أحكام حضوريّة بمرور مُدَدِ التبليغ المنصوص عليها في قانون الأصول([41])، فإنَّ ذلك سيؤدي الى محاكمة المتهم مرّتين عن ذات القضيّة، وينأى بالأحكام القضائيّة بعيداً عن جادة العدالة الجنائيّة. فكان على المشرّع أن يشترط بقاء المتهم بعد عودته الى العراق تلافياً لازدواجية المحاكمة.

كما يشير شرط "ازدواجيّة التجريم" الى عدم معاقبة مرتكب الفعل الجرمي، وفقاً للقانون الجنائي العراقي إذا كان قانون الدولة التي ارتكب الفعل على اقليمها لا يُجرِّمه. وهذه ثغرة في جسد العدالة الجنائيّة، فما الفرق بين العراقي الذي يرتكب جريمة على الإقليم العراقي - ويُعاقب وفق القانون الجنائي العراقي-، وبين العراقي الذي يرتكب جريمة على إقليم دولة أخرى - دون معاقبته من قبلها ودون معاقبته من قبل العراق-؟؛ لأنَّ قانون تلك الدولة لا يعدّ فعله جريمة. على سبيل المثال، لو أنَّ امرأةً تحمل الجنسية العراقية قامت بإجهاض نفسها في السويد، ثمَّ غادرتها وعادت الى العراق، فإنَّ المحاكم العراقية - بهذه الحالة - لا يمكن لها النظر في هذه الجريمة؛ لأنَّ الفعل لا يُشكّل جريمةً وفق القانون السويدي، مما أدى ذلك الى إفلات المجرم من العقاب([42])، على الرغم من أنَّها جريمة بموجب المادة 417 من ق ع ع  والجاني والمجني عليه عراقيان.

فكان على المشرّع العراقي أن يلتفت الى تلك الحالة، اقتضاءً للعدالة، ليشمل الجريمة المرتكبة في الخارج بالقانون الجنائي العراقي، - حتى وإن كان قانون البلد الذي أرْتُكِبَتْ في إقليمه لا يعاقب عليها- إذا كان الجاني والمجني عليه عراقيّاً ([43]), ولا نتفق مع الرأي القائل: إنّ ((من العدالة عدم معاقبة المواطن على فعل لا يعدُّ جريمة حيث وقع ))([44])، على إطلاقه؛ لأنّه يخالف جوهر العدالة الجنائيّة على وفق الكلام المذكور آنفاً.

وحسناً فعل المشرّع عندما جعل الفيصل في تحديد جسامة الجريمة هو القانون العراقي وليس قانون البلد الذي ترتكب فيه الجريمة، من كونها جناية او جنحة، واستبعاد المخالفات من الخضوع لأحكامه؛ على اعتبار أن تحديد جسامة الجريمة جاءتْ وفق سياسة جنائية تهدف الى حماية المصالح الاجتماعية والفردية العراقية، والتي على أساسها تمَّ تحديد جسامة الجريمة الماسَّة بتلك المصالح.

أمّا بخصوص مبدأ "الشخصيّة السلبيّة" أي، معاقبة الجاني الذي ارتكب جريمة ضد أحد رعاياها، والذي قصَّرت الدولة التي أرْتُكِبَتْ الجريمة على إقليمها في معاقبته، إذا ما وقع في قبضة سلطان الدولة التي ينتمي إليها المجني عليه في جنسيتها. والذي أعرض عنه المشرّع العراقي في قانون العقوبات، فلا نتفق مع موقفه ولا مع موقف "الفقه العربي" المؤيّد له، والذي بنى موقفه انطلاقاً من الخشية على فقدان العدالة من قبل قاضي المجني عليه تجاه المتهم، فضلاً عن أنّ هذا المبدأ يحكم سلوك الأجانب في الخارج، مما يعدُّ تدخلاً في السيادة التشريعيّة للدول داخل إقليمها، وأنَّ الدول التي تقرّر هذا "المبدأ" ترعى مصالحها فقط، دون الالتفات الى مصالح الدول الأخرى([45]).

إنَّ الأخذ بهذا "المبدأ" على إطلاقه - في الحقيقة - يُجافي العدالة؛ إذ كيف نعاقبُ العراقيَّ الذي ارتكب جريمة خارج البلاد في حال عودته الى العراق، ولا نعاقب من يرتكب جريمة ضده، إذا ما تمّ القبض عليه في العراق. والأكثر من ذلك، ما هو مسوّغ العدالة في معاقبة الشخص الذي ارتكب جريمة في الخارج، - واكتسب الجنسية العراقية بعدها-، دون معاقبة من يرتكب جريمة ضد العراقي - إذا ما وجد في العراق-؟. فكان على المشرّع أن يسلك طريقاً آخر في التعامل مع تلك الحالة، وأن يقرّرَ "اختصاص المحاكم العراقيّة" في معاقبة الأجنبي الذي يرتكب جريمة ضد العراقي في الخارج، - إذا ما تمّ القبضُ عليه في العراق-. على أن لا ينهض هذا "الاختصاص للمحاكم العراقية"، ولا يخضع لسلطان القانون الجنائي العراقي، إلّا بعد رفض الدولة التي أرتُكِبَتْ الجريمة على إقليمها معاقبة مرتكبها. فإذا ما تعهَّدت تلك الدولة بمعاقبته، وحصلت الدولة العراقية على ضمانات في سبيل معاقبة الجاني، فلا يجوز لها القبض عليه ومحاكمته, لأنَّ في ذلك مساساً بسيادة الدولة الأخرى، ناهيك عن أنَّ المحاكمة في تلك الدولة تحقّق العدالة الجنائيّة أكثر من محاكمته في العراق، على اعتبار مكان وقوع الجريمة ووجود الأدلة فيه، فضلاً عن الردع العام والخاص، فكلُّها تُسهم في تحقيق العدالة أكثر مما لو تمّتْ محاكمته في العراق.

أما "الفئة الثانية" من العراقيين (وهم الموظفون أو المكلّفون بخدمة عامة)، فقد عاملهم المشرّع معاملة تختلف عن المواطنين العاديين، ومناط هذا الاختلاف في المعاملة ناجمٌ عن الصفة الوظيفيّة التي يتمتع بها هؤلاء، واستغلالهم لها في أرتكاب الجريمة، فيمسُّ بسمعة الدولة ويُسيء لمكانتها بين الدول، ولهذا لم يشترط المشرّع ازدواجيّة التجريم، بل اكتفى بالتجريم وفق القانون العراقي بخصوص الجنايات والجنح فقط. كما لم يشترط الجنسيّة وإنّما اكتفى بالصفة التي يحملها مرتكبُ الجريمة بوصفه موظّفاً او مكلّفاً بخدمة عامة، - حتى وإن كان أجنبيّاً-. ولم يشترط عودة المتهم الى العراق، مما يعني جواز محاكمته غيابيّاً، وباستطاعة الدولة أن تطلب تسليمه لها بغية محاكمته؛ لأنَّه أساء الى سمعة الدولة ومسّ كرامة الوظيفة التي يمثّلها. وإنَّ ذات الشروط تسري على موظّفي السلك الدبلوماسي الذين يرتكبون جرائم من نوع جنايات أو جنح في الخارج؛ على اعتبار أنَّ قواعد "القانون الدولي" تمنع محاكمة هؤلاء أمام محاكم الدولة التي ارتكبوا الجريمة على اقليمها؛ ولكي لا يفلتوا من العقاب، يجب محاكمتهم وفق القانون العراقي. ولكن يؤخذ على المشرّع أنّه في الحالتين، (الموظفون والمكلفون بخدمة، ورجال السلك الدبلوماسي)، اشترط ارتكاب جريمة من نوع جنايات أو جنح، فيما نصّ عليه في هذا "القانون"، ويقصد بذلك قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969. متناسياً القوانين العقابيّة المكمّلة لهذا "القانون"، كقانون المخدّرات وغيره من القوانين والنصوص الجزائية الأخرى. مما يعدُّ - موقفه هذا - مجافياً للعدالة؛ لأنَّ الموظف او المكلّف بخدمة عامة أو رجل السلك الدبلوماسي عندما يرتكب جريمة من نوع جنايات او جنح منصوص عليها في قانون العقوبات العراقي، يعاقب وفق ذلك القانون، أمّا من يرتكب جريمة منصوص عليها في قانون أو نصّ جزائي مكمّل لقانون العقوبات - مستغلاً وظيفته او صفته الدبلوماسيّة-، فلا يعاقب؛ لأنَّه غير مشمول بنصّ المادة (12) من قانون العقوبات العراقي([46]). أذا كان المشرع قد تلافى ذلك هذه الثغرة في المادة 16 من ق ع ع ليشمل كل القوانين العقابية المكملة بالأحكام المتقدمة، فمع ذلك بقيت المشكلة قائمة من حيث وجود أستثناء في المادة المذكورة وهو عبارة " ما لم يرد فيها نص على خلاف ذلك "، فهذه الثغرة القانونية يجب على المشرّع أن يلتفت الى تعديلها؛ استجابةً لمتطلبات العدالة الجنائيّة.   

لقد علّق المشرّع العراقي "التعقيبات القانونيّة" ضد من ارتكب جريمة خارج العراق على إذنٍ من وزير العدل سابقاً "رئيس السلطة القضائيّة حالياً"، ومنع محاكمته إذا كان قد صدر حكم نهائي من محكمة أجنبية ببراءته او بإدانته واستوفى عقوبته كاملةً، أو كانت الدعوى او العقوبة المحكوم بها قد سقطت عنه قانوناً، ولكنَّه سكت عن حالة الإفراج عن المتهم "التي هي حالة بين البراءة والإدانة"، وسكوته هذا يفسح المجال للقضاء باستخدام القياس، مما يجعل العدالة الجنائيّة في وضع غير مستقر. كما رهن تقرير نهائيّة الحكم وسقوط الدعوى او العقوبة الى قانون البلد الذي صدر فيه الحكم، وهذا بحدِّ ذاته يخالف العدالة الجنائيّة؛ لأنَّ الدول في تشريعاتها لا تتفق على معنى واحد لنهائيّة الأحكام. كما أنَّها تختلف أيضاً من حيث طرق سقوط الدعوى او العقوبة، على سبيل المثال، لم يأخذ العراق بالتقادم إلّا بحدود ضيقة في القانون الجنائي العراقي([47]). الأمر الذي تتلاشى معه "العدالة" فيما لو ارتكب العراقي - خارج العراق - جريمة مشمولة بالتقادم، وغير مشمولة في العراق؛ لأنَّها ستسقط بالتقادم. ولكي يظفر المشرّع بالعدالة - والتي من معاييرها المساواة - يجب أن يجعل الفيصل في تقرير نهائيّة الأحكام أو سقوط الدعوى أو العقوبة، هو القانون الجنائي العراقي، وليس البلد الذي صدر فيه الحكم، على غرار ما فعل بخصوص جسامة الجريمة من كونها "جناية او جنحة" وفق القانون العراقي، وليس القانون الأجنبي. فلماذا يكون القانون العراقي هو المقياس في تحديد جسامة الجريمة؟، ولا يكون كذلك، في تحديد نهائيّة الأحكام أو سقوط الدعوى أو العقوبة. وإذا كانت مسألة نهائيّة الأحكام تتخللها صعوباتٌ ترتبط باختلاف الطعن وطرقه، ويصعب معها تحديده - وفق القانون العراقي -، فكان على الأقل، أن يجعل سقوط الدعوى والعقوبة وفق القانون العراقي، لا وفق قانون البلد الذي صدر فيه الحكم، ابتغاءً للعدالة وضرورة مراعاتها.

الفرع الرابع : مبدأ الاختصاص الشامل :

ويعني بمبدأ "عالميّة النصّ" وجوب تطبيقه على كلِّ جريمة من الجرائم الواردة فيه، بغض النظر عن جنسية مرتكب الجريمة ومكان ارتكابها. وجاء هذا "المبدأ" نتيجة تضامن الأسرة الدوليّة ضد الجرائم التي يستنكرها الضمير الإنساني العالمي، كجرائم الاتجار بالنساء والصغار والمخدرات. و"التعاون الدولي" ضد الجرائم التي تعطّل ديناميكيّة الحركة الاجتماعية الدوليّة في تخريب او تعطيل وسائل المخابرات والمواصلات الدوليّة([48])، وقد كان المشرّع العراقي أول المستجيبين لنداء التعاون الدولي لمكافحة الإجرام، فأقرَّ هذا "المبدأ" وأخضع الجرائم ذات الخطورة العالمية الى قانون العقوبات العراقي، بغض النظر عن مكان وجنسيّة مرتكبها في المادة (13) وقد أوردها على سبيل الحصر، وهي تخريب أو تعطيل وسائل المخابرات والمواصلات الدوليّة والاتجار بالنساء او بالصغار او الرقيق او المخدرات.

ولا نتفق مع الرأي القائل: إنّ هذه الجرائم وردت على سبيل المثال لا الحصر، والضابط في اتساعها لغير الجرائم المذكورة، هو تهديدها لنظام المجتمع الدولي([49]). ونرفض في الوقت ذاته وجهة النظر القائلة بأخذ المشرّع العراقي بازدواجية التجريم كشرط لتفعيل "الاختصاص الشامل"، والمفهوم من عبارة "جريمة" التي أوردها المشرّع بالنص، أي أن يكون الفعل معاقباً عليه في مكان ارتكابه ([50]). ولعلَّ الملاحظة الأولى، هي:-

 إنَّ القول بأنَّ الجرائم الواردة في المادة (13) على سبيل المثال، لا يستند الى تحليل منطقي للنصّ القانوني، الذي جاء بصياغة قانونيّة سليمة حددت الجرائم تحديداً واضحاً بعيداً عن الغموض والابهام، فلم يستخدم المشرّع أيّ عبارة تُفيدُ المثال، وإنَّ القول بخلاف ذلك، سيؤدي حتماً الى اللجوء للقياس – وهو ما يتعارض في الكثير من الأحيان مع جوهر العدالة الجنائيّة -. كما أنَّ القول بخلاف ذلك، يؤدي الى تنازع القوانين وهو ما لا يرغب فيه المشرّع.

 والى جانب ذلك، فإنَّ الصياغة التي اعتمدها المشرّع لم تحدد وجوب التجريم للفعل في مكان ارتكابه، وإنّما يكفي تجريمه وفق القانون الجنائي العراقي. ولو أراد المشرّع ذلك، لأتبعَ ذات الصياغة الواردة في المادة (10 من ق.ع.ع)، إذ اشترط ازدواجية التجريم للمواطن العادي عندما يرتكب جريمة في الخارج، بالقول: ((وكان ما ارتكبه معاقباً عليه بمقتضى قانون البلد الذي وقع فيه)). بينما جاءت الصياغة تُوحي بأنَّ هذه الجرائم هي من الجرائم ذات الخطر العالمي، أي أنَّها جرائم عالميّة ومجرّمة من قبل أغلب دول العالم؛ نظراً لعالمية خطورتها. ولكن هذا لا يعني أنّها مجرّمة من دول العالم كافة، فقد توجد دولة ما لا تجرّم الاتجار بالرقيق - مثلاً-، فهذا لا يمنع محاكمة من يتاجر بالرقيق وفق القانون الجنائي العراقي، إذا ما ارتكب في دولة أخرى تُجيز الاتجار به. لكن يؤخذ على المشرّع العراقي عدم مراعاته للعدالة الجنائيّة في جوانب عدّة، منها :-

 الأولى: إنَّ الجرائم المشمولة بالاختصاص الشامل بعضُها مجرَّمٌ في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، وبعضها في قوانين جزائيّة أخرى، كقانون المخدرات وقانون مكافحة الاتجار بالبشر ((كالاتجار بالمخدرات والاتجار بالرقيق))، في الوقت الذي جاءت فيه صياغة النصّ (تسري أحكام هذا القانون......) والمقصود به قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، وهذ سيؤدي الى سريانه على "الجرائم الواردة فيه" دون الجرائم "الواردة في القوانين الجزائيّة المكمّلة". فكان من مقتضى العدالة أن يذهب المشرّع الى صياغة النصّ بأسلوب آخر، كأن يقول: ((وتسري أحكام هذا القانون والقوانين والنصوص الجزائيّة الأخرى على كلّ ........))، حتى يستوعب النصّ الجرائم الأخرى المشمولة بالاختصاص الشامل. وذات التحليل والنقد بخصوص المادة(16 من ق ع ع ) يصدق هنا فنحيل اليه تفادياً للتكرار.

الثانية: إنَّ المشرّع لم يظفر بالعدالة، حينما تغافل عن جرائم أخرى ذات خطر عالمي أيضاً، كجريمة القرصنة وجريمة استغلال بغاء الغير والاتجار بالأعضاء البشريّة وتهريب المهاجرين غير الشرعيين والاتجار غير المشروع بالأسلحة وجريمة الاتجار بالمطبوعات المفسدة([51])، وجرائم تلويث البيئة، وأن لا يقتصر على جرائم الاتجار بالمخدرات، وإنّما يشمل حيازة المخدرات أيضاً والمتاجرة بالأدوية الفاسدة؛ كون كلّ هذه الجرائم ذات خطر على الإنسانيّة، فتتحقّق فيها مسوّغات مبدأ "الاختصاص الشامل" الداخلية، بوصفها وسيلة لدفاع الدولة عن نفسها ضد خطر أن يتكرّرَ وقوع الجريمة داخل أراضيها. ومسوّغاته العالميّة، المتمثّلة بالمصالح المشتركة التي تهمُّ الجماعة الدوليّة، وما تقتضيه من وجوب معاقبة المجرمين الهاربين من وجه العدالة، وما تُشكله أفعالهم من خطر على تلك المصالح.

 والأهمُّ من ذلك، ينبغي أن لا تُشَمَل هذه الجرائم بالفقرة (1) من المادة (14) من قانون العقوبات والتي تمنع محاكمة المتهم في العراق، إذا سقطت الدعوى او العقوبة المحكوم بها قانوناً عنه بموجب قانون الدولة التي أرتكبت الجريمة على أقليمها؛ لكون المصالح المحميَّة في هذه الجرائم لا ينحصر نطاقها بدولة معيّنة، وإنّما هي ذات أهمية عالميّة، فحتى لو سقطت الدعوى او العقوبة بالتقادم -على سبيل المثال في الدولة التي ارتكبت فيها الجريمة - فينبغي أن لا يمنع ذلك من معاقبة المجرم في العراق؛ انطلاقاً من الخطر الذي يُشكّله على المجتمع العراقي من جانب، وحفاظاً على المصلحة الدوليّة المشتركة من جانب آخر.

الخاتمة

بعد أن أنهينا بحثنا هذا ينبغي أن نخرج بجملة من الأستنتاجات وطائفة من المقترحات :

أولاً : الأستنتاجات :

  1. أن مبدأ لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ورد بصياغة مرنة تسمح بالتجريم والعقاب من قبل السلطة التنفيذية لان المشرع استخدم عبارة ( بناءً على قانون ) فلم يعد التشريع في مجال الجرائم والعقوبات مقتصراً على السلطة التشريعية فقط.
  2. أن المشرع لم يأخذ بمبدأ المسؤولية الجنائية السلبية لمعاقبة من يرتكب جريمة بحق العراقي في الخارج مما يعد نقصاً تشريعياً يضر بالعدالة.
  3. أجاز المشرع معاقبة من يرتكب جريمة في الخارج أذا كان مرتكبها أجنبياً ثم أكتسب الجنسية العراقية أو أذا كان عراقياً ثم فقدها بعد أرتكابه الجريمة وهو في الحالتين ليس عراقياً والجريمة مرتكبة في الخارج.
  4. أجاز المشرع للمحكمة اعادة النظر بالعقوبة اذا صدر قانون اصلح للمتهم ولم يوجب ذلك على المحكمة.

ثانياً : المقترحات :

  1. تعديل نص المادة (1) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 بحذف عبارة (بناءً على قانون) واستبدالها بمفردة ( بقانون ) لكي يحصر التشريع في نطاق الجرائم والعقوبات في نطاق السلطة التشريعية فقط.
  2. أضافة مادة قانونية الى الاختصاص الشخصي الوارد في المادة (10) من ق ع ع ليشمل مبدأ المسؤولية الجنائية السلبية لمعاقبة من يرتكب جريمة بحق العراقي في الخارج ويدخل العراق دون معاقبة من قبل الدولة التي ارتكب الجريمة على اقليمها
  3. الغاء الفقرة الواردة في المادة (10) من ق ع ع الخاصة بمعاقبة من يرتكب جريمة ثم يكتسب الجنسية العراقية أو يفقدها بعد أرتكابه لها لعدم تماشيها مع العدالة. والاستعاضة عنها باتفاقيات دولية.
  4. تعديل الفقرة (4) من المادة (2) من ق ع ع ليوجب على المحكمة اعادة النظر بالعقوبة المحكوم بها على ضوء القانون الجديد الاصلح للمتهم.

المصادر

أولاً : القرآن الكريم

ثانياً : الكتب العامة :

  1. د. أحمد عبد الظاهر، رجعيّة القانون الاصلح للمتهم في القانون الجنائي الدستوري، دار النهضة العربية، القاهرة، ط2، 2013.
  2. د. حميد السعدي، شرح قانون العقوبات الجديد- دراسة تحليلية مقارنة في الأحكام العامة "الجريمة والعقاب والمسؤولية الجنائية"، ط2، ج1، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1976.
  3. د. ذنون احمد، شرح قانون العقوبات العراقي، دراسة مقارنة، ج 1، ط1، وزارة الاعلام، 1977.
  4. رامي سليمان عبد الرحمن، سريان القانون الجنائي من حيث المكان (دراسة مقارنة)، دار الاسراء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 2005.
  5. د. سمير عاليه، أصول قانون العقوبات، القسم العام (معالمه – نطاقه – تطبيقه – الجريمة – المسؤولية – الجزاء) دراسة مقارنة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1996، ط1.
  6. د. عصام عفيفي حسين عبد البصير، مبدأ الشرعية الجنائية - دراسة مقارنة في القانون الوضعي والفقه الجنائي الاسلامي، دار النهضة العربية، القاهرة، من دون تاريخ نشر.
  7. عقيل عزيز عودة، نظرية العلم بالتجريم، أطروحة دكتوراه، كلية القانون، جامعة بغداد، 2007.
  8. د. علي حسين الخلف، د. سلطان الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، الدار العربية للقانون، بغداد، د.ت.
  9. د. غالب الداودي، شرح قانون العقوبات العراقي القسم العام، ط1، دار الطباعة الحديثة، البصرة، 1968.
  10. د. كامل السعيد، شرح الاحكام العامة في قانون العقوبات- دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2009، ص (96).
  11. د. محمد معروف عبد الله، نحو قانون عقوبات عراقي جديد، مطبعة شهاب، أربيل، 2010.
  12. د. محمود محمود مصطفى، نموذج لقانون العقوبات، ط1، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، 1976.
  13. د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم العام، المجلد الأول، منشورات الحلبي الحقوقيّة، بيروت، من دون تاريخ نشر.
  14. د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم العام، النظرية العامة للجريمة والنظرية العامة للعقوبة والتدبير الاحترازي، دار النهضة العربية، القاهرة، ط6، 1989.
  15. د. محمود نجيب حسني، الفقه الجنائي الاسلامي الجريمة، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2007.
  16. منذر كمال عبد اللطيف التكريتي، السياسة الجنائية في قانون العقوبات العراقي دراسة مقارنة ، دار الرسالة للطباعة ، بغداد ، 1978.
  17. د. نظام توفيق المجالي، شرح قانون العقوبات القسم العام- دراسة تحليلية في النظرية العامة للجريمة والمسؤولية الجزائية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2010.

ثالثاً : المجلات:

  1. د. نظام توفيق المجالي، الشرعية الجنائية كضمان لحماية الحرية الفردية (دراسة في التشريع الأردني)، مجلة الحقوق، السنة الثانية والعشرون، العدد الرابع، جامعة الكويت، 1998.

رابعاً : القوانين:

  1. الدستور العراقي الدائم لسنة
  2. قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.
  3. قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971.
  4. قانون الكمارك رقم 23 لسنة 1984 المعدّل.
  5. قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدّل.
  6. قانون العقوبات الأردني 16 لسنة 1960المعدل بقانون رقم 49 لسنة 2007.

خامساً : المراجع الانكليزية:

  1. Kai Ambos, "General principles of criminal law in the Rome Statute", Criminal law Forum, Vol 10, N1,Kluwer Academic Puplishers, 1999. http//www.department–ambos.uni-geottingen.de. in 2/1/2017. And
  2. see Iryna Marchuk, fundamental Concept of Crime law, A Comparative Law Analysis, Springer, 2015. http//Link.Springer.com. in 2/1/2017

 

 

([1]) د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم العام، النظرية العامة للجريمة والنظرية العامة للعقوبة والتدبير الاحترازي، دار النهضة العربية، القاهرة، ط6، 1989، ص (70).

 

 

(2)Kai Ambos, "General principles of criminal law in the Rome Statute", Criminal law Forum, Vol 10, N1,Kluwer Academic Puplishers, 1999, p15. http//www.department–ambos.uni-geottingen.de. in 2/1/2017. And see Iryna Marchuk, fundamental Concept of Crime law, A Comparative Law Analysis, Springer, 2015, p12. http//Link.Springer.com. in 2/1/2017. 

 

 

([3]) د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم العام، النظرية العامة للجريمة والنظرية العامة للعقوبة والتدبير الاحترازي، المرجع السابق، ص(72).

 

 

 ([4])د. سمير عاليه، أصول قانون العقوبات، القسم العام (معالمه – نطاقه – تطبيقه – الجريمة – المسؤولية – الجزاء) دراسة مقارنة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1996، ط1، ص (49).

 

 

([5]) د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم العام، النظرية العامة للجريمة والنظرية العامة للعقوبة والتدبير الاحترازي، المرجع السابق، ص (75).

 

 

 ([6])المادة (1) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.

 

 

([7]) منذر كمال عبد اللطيف التكريتي، السياسة الجنائية في قانون العقوبات العراقي دراسة مقارنة ، دار الرسالة للطباعة ، بغداد ، 1978،ص42.

 

 

([8]) المادة (19/ ثانياً) من دستور العراق النافذ لسنة 2005.

 

 

([9]) المادة (61) من دستور العراق النافذ لسنة 2005.

 

 

([10])  د. غالب الداودي، شرح قانون العقوبات العراقي القسم العام، ط1، دار الطباعة الحديثة، البصرة، 1968، ص (28).

 

 

([11]) د. نظام توفيق المجالي، الشرعية الجنائية كضمان لحماية الحرية الفردية (دراسة في التشريع الأردني)، مجلة الحقوق، السنة الثانية والعشرون، العدد الرابع، جامعة الكويت، 1998، ص (165).

 

 

([12]) د. نظام توفيق المجالي ، المرجع السابق، ص (166).

 

 

([13]) د. محمود نجيب حسني، الفقه الجنائي الاسلامي الجريمة، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2007، ص(66).

 

 

([14]) د. محمود نجيب حسني، الفقه الجنائي الاسلامي الجريمة ، المرجع السابق، ص(52).

 

 

([15]) د. عصام عفيفي حسين عبد البصير، مبدأ الشرعية الجنائية - دراسة مقارنة في القانون الوضعي والفقه الجنائي الاسلامي، دار النهضة العربية، القاهرة، من دون تاريخ نشر، ص (94).

 

 

([16]) د. حميد السعدي، شرح قانون العقوبات الجديد- دراسة تحليلية مقارنة في الأحكام العامة "الجريمة والعقاب والمسؤولية الجنائية"، ط2، ج1، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1976، ص (69).

 

 

([17]) . الآية (15) من سورة الإسراء.

 

 

([18]) د. حميد السعدي، المرجع السابق، ص (72).

 

 

([19]) الآية (6) من سورة النور.

 

 

([20]) الآية (4) من سورة النور.

 

 

([21]) د. محمود نجيب حسني، الفقه الجنائي الإسلامي الجريمة، المرجع السابق، ص (185).

 

 

([22]) د. علي حسين الخلف، د. سلطان الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، الدار العربية للقانون، بغداد، د.ت، ص (65).

 

 

([23]) د. كامل السعيد، شرح الاحكام العامة في قانون العقوبات- دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2009، ص (96).

 

 

([24]) د. كامل السعيد، شرح الاحكام العامة في قانون العقوبات- دراسة مقارنة ، المرجع السابق، ص (94).

 

 

([25]) الفقرة (أ) من المادة (153) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.

 

 

([26]) المادتان (300) و(305) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971.

 

 

([27]) الفقرتان تاسعاً وعاشراً من المادة 19 الدستور العراقي النافذ لسنة 2005.

 

 

([28]) د.أحمد عبد الظاهر،رجعيّة القانون الاصلح للمتهم في القانون الجنائي الدستوري،دار النهضة العربية،القاهرة، ط2،2013،ص 165.

 

 

([29]) د. حميد السعدي، المرجع السابق، ص (87).

 

 

([30]) د. نظام توفيق المجالي، شرح قانون العقوبات القسم العام- دراسة تحليلية في النظرية العامة للجريمة والمسؤولية الجزائية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2010، ص (109).

 

 

([31]) د. محمد معروف عبد الله، نحو قانون عقوبات عراقي جديد، مطبعة شهاب، أربيل، 2010، ص (18).

 

 

([32]) د. كامل السعيد, المرجع السابق، ص (101).

 

 

([33]) المادة (9) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.

 

 

([34]) المادة (9) من قانون العقوبات الأردني 16 لسنة 1960المعدل بقانون رقم 49 لسنة 2007.

 

 

([35]) د. كامل السعيد، المرجع السابق، ص (116).

 

 

([36]) د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم العام، المجلد الأول، منشورات الحلبي الحقوقيّة، بيروت، من دون تاريخ نشر، ص (201) وما بعدها.

 

 

([37]) د. محمود محمود مصطفى، نموذج لقانون العقوبات، ط1، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، 1976، ص (31).

 

 

([38]) عقيل عزيز عودة، نظرية العلم بالتجريم، أطروحة دكتوراه، كلية القانون، جامعة بغداد، 2007، ص (103).

 

 

([39]) الفقرة (4) من المادة (358) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971.

 

 

([40]) البند أولاً من المادة (21) من الدستور العراقي الدائم لسنة  2005.

 

 

([41]) المادة (245الى 248) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971.

 

 

([42]) رامي سليمان عبد الرحمن، سريان القانون الجنائي من حيث المكان (دراسة مقارنة)، دار الاسراء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 2005، ص (144).

 

 

([43]) د. ذنون احمد، شرح قانون العقوبات العراقي، دراسة مقارنة، ج 1، ط1، وزارة الاعلام، 1977، ص (60).

 

 

([44]) د. محمود محمود مصطفى، المرجع السابق، 1976، ص(31).

 

 

([45]) د. رامي سليمان عبد الرحمن، المرجع السابق، ص (126).

 

 

([46]) المادة (12) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.

 

 

([47]) المادة (6) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971، والمادة 253 من قانون الكمارك رقم 23 لسنة 1984 المعدّل. والمادة 70 من قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدّل.

 

 

([48]) د. ذنون أحمد ، المرجع السابق، ص (62).

 

 

([49]) د. حميد السعدي, المرجع السابق، ص (113).

([50]) د. رامي سليمان عبد الرحمن، المرجع السابق، ص (197).

 ([51]) د. رامي سليمان عبد الرحمن، المرجع السابق، ص (178).