التنمية المستدامة واثرها في النمو الاقتصادي العراقي

كاظم عبادي حمادي الجاسم

جامعـــــــة ميســــان / كلية التربية

  تمهيد :   Introduction

ظهر مصطلح التنمية المستدامة بشكل كبيـر على الساحة العالمية في مجال البحوث العلمية من خلال ما طرح من موضوعات علمية فـي المـؤتمر العالمي الذي عقد في البرازيل عام 1992 في مدينة ريـودي جـانيرو  ،  حيـث سـلط الضـوء علـى هـذا المفهـوم بصـورة واضـحة لأول مـرة ، إذ نجـد إن المفهـوم قـد تم استخدامه قبل ذلك  فـي عـام 1987 مـن قبـل بعثـة (بريتلانـد) فـي تقريـر اللجنـة العالمية للبيئة المستدامة والذي يحمل عنوان( مستقبلنا المشترك والتنمية المستدامة) ([1]) .

ومن خلال بدء خطة التنمية المستدامة التي تمتد  لعام 2030 ، التي وافقت عليها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والبالغ عددها 193 دولة، من إعلان واحد و17 هدفاً من أهداف التنمية المستدامة والغايات التي جاءت من اجلها البالغة 169 غاية .

 وبناءً على الأهداف الإنمائية  للتنمية  المستدامة والتي توضح خطة التنمية المستدامة  التي تشمل نطاقاً وطموحاً لم يسبق لهما مثيل  إذ لا تزال أولوياتها تتمثل في القضاء على الفقر والصحة والتعليم والأمن الغذائي والتغذية ، على أن أهداف التنمية المستدامة البالغ عددها 17 هدفاً تضم أيضاً طائفة واسعة من الأغراض الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فضلاً عن وعدها بتشكيل جمعيات أكثر سلمية وشمولية  وقد  وضحت في مؤتمر قمة الأمم المتحدة للتنمية  المستدامة  عام 2015 .

مقدمــة عامة :

يعتبـر موضـوع التنميـة عامة ومنها التنمية المستدامة مـن بـين المواضـيع الهامـة التـي لقيـت اهتمام البـاحثين فـي الميـادين السياسـية والاقتصـادية والاجتماعيـة والبيئيـة ، حيث ظهر مصطلح (التنمية المستدامة) علي الساحة الدولية والمحلية لكي يجد طريقه وسط عديد من المصطلحات المعاصرة مثل العولمة ، صراع الحضارات، الحداثة، ما بعد الحداثة ، التنمية البشرية، البنيوية وغيرها من المصطلحات العالمية .

ظهـر عالميا بعـد الحـرب العالميـة الثانيـة وبـالأخص بعـد ظهـور الـدول المسـتقلة               حـديثا ، لـذلك اعتبـرت المنظمـات الدوليـة مثل هيئـة الأمـم المتحـدة ان هذا المصطلح يحتاج الى نظرة خاصة  باعتباره حـق وحتميـة علـى الـدول تحقيقه ، وقد اعتبر مـن الحقـوق والمطالب الاساسية التي تسـعى اليها كـل الـدول لتحقيقـه ، فقـد تطـور هذا المفهـوم مــن التنميــة الاقتصــادية إلــى تنميــة العنصــر البشــري ثم المستدامة ، فخــلال الخمســينيات اهــتم بمســائل الرفــاه الاجتماعي لينتقل خلال الستينيات إلى الاهتمام بالتعليم والتدريب ثم ظهـر مفهـوم التنميـة التكامليـة وتـأمين الحاجيات الأساسية للبشر، وفي منتصف السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات بزر مفهـوم التنميـة الشـاملة فــي جميــع الجوانــب الاقتصــادية والاجتماعيــة والسياســية والبيئيــة ، وفــي فتــرة التســعينيات ظهــر مصــطلح التنمية البشرية وصولا إلى مصطلح التنمية المستدامة الذي تطـور فـي الفكـر التنمـوي، فقـ د تعـددت وجهـات النظر المفكرين والباحثين ، حيث احتلت مكانا بـارزا علـى المسـتوى الـدولي والمحلـي، فهنـاك مـن يعتبـر أن انسانية وهناك مـن يعتبرهـا قضـية تنمويـة بيئيـة كنمـوذج بـديل ، واعتبر الـبعض التنمية المستدامة قضية أخلاقية وقضية مصيرية مستقبلية لأنها تفكر في مستقبل الأجيال القادمة.

وقــد اســتخدمت عبــارة التنميــة المســتدامة لأول مــرة علــم 198. فــي الاستراتيجية العالميــة للبقــاء مــن طرف الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة ثم تطور عام 1991 في برنامج الأمـم المتحـدة للبيئـة التنميـة ، وفي 1992 تم التأكيد على ضرورة اعتماد استراتيجية وطنية للتنمية المستدامة ، كمـا تـم تحديـد الأولويـات التنميـة المسـتدامة فـي 2002 فـي القمـة العالميـة للتنميـة المسـتدامة فـي جوهانسبورغ التــي تســير نحــو استكمال مشــاريعها فــي التنميــة بكــل أبعادهــا ٕ اجراءات لتحقيقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وذلك بوضع سياسات خاصة لذلك(*).

أهميــة الدراســة :

تكمن اهمية الدراسة في التعــرف علــى واقع التنميــة المســتدامة في العراق بعد عام 2003مع اعطاء لمحة عن واقعها قبل ذلك مع دراسة المعوقــات التــي تواجــه تحقيقها ، وأبعادهــا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية ، ومعرفــة مجمــل التحــديات التــي تقــف فــي وجــه تحقيــق التنميــة المستدامة في العراق ، وما هي السياسات المتبعة لتحقيقها ،  واهم المشاريع التنمويـة التـي تنصـب فـي إطار التنمية المستدامة ، ومعرفة الحلول الواجب توافرها لاتخاذها القرارات الصحيحة في تجاوز المعوقات التي تحول دون تنفيذها في ظل الواقع الحالي .

اسباب اختيار الموضوع :

مـن اسـباب اختيار الموضـوع هـو الرغبة والاهتمـام به مع تدريسه ضمن فقرات  مناهج الدراسات العليا لمادة لجغرافية الزراعية  والبحوث الجغرافية على مستوى الجامعات العراقية ، بالإضافة الى التعـرف علـى واقـع هـذا  المصطلح واهميته فضلا عن تجسيده على أرضية              الواقع ، وحب الاطلاع عليه باعتباره من الموضوعات الحديثة الظهور على ارض البحث الجغرافي المعاصر .

مشكلة الدراسة :

تتضمن مشكلة الدراسة مجموعة من التساؤلات الآتية :-

  1. الضعف في ادارة الموارد وبالذات راس المال والموارد الطبيعية من حيث الابداع والابتكار والخلق وانعكس هذا على عدم قدرة المؤسسات الابداعية  وتطوير القيادات في تنفيذ عملها .
  2. استغلال الموارد الطبيعة وفق نظرة قصيرة الامد وخاصة النفط .
  3. عدم وجود مؤسسات تعنى بعملیات التنمیة المستدامة في العراق.

وفي ضوء مشكلة الدراسة اعلاه يمكن الاجابة على الأسئلة السابقة  :-

  1. تسلیط الضوء على برامج التنمية المستدامة وماهي مستویات تنفیذها .
  2. ما هي طبیعة التنمیة المستدامة في العراق ؟
  3. هل هناك حسن استغلال للموارد المتوفرة في العراق في مجال التنمیة المستدامة ؟

منهجية البحث :

اعتمدنا في هذه الدراسة على عدد من المناهج منها المنهج التاريخي والمنهج التحليلي والوصفي، وذلك لتغطية متطلبات البحث ، فالمنهج التــاريخي لمعرفــة المحطــات التاريخيــة التــي ســاهمت فــي ظهــور  المصطلح ( التنمية المستدامة) محــل البحث ، والمنهج التحليلي في تفسير الظاهرة ومعرفة المتغيرات المتحكمة في حركة الظاهرة ، اما المنهج الوصفي الذي استخدم لوصف الظاهرة وأبعادها المكانية  ومدى تحقيقها بالنسبة للعراق .

محتوى البحث :

  • تضمنت الدراسة مفاهيم مصطلح للتنمية المستدامة عبر التاريخ.
  • تناول البحث واقع التنمية المستدامة بدءآ من تعريف التنمية المسـتدامة ، مراحل                   تطورها  ،  خصـائصها ، أشكالها ، نظرياتها ، مبـادئها ، أبعادها ( الاجتماعية والاقتصادية والبيئية  والتقني) ، دورها في النمو الاقتصادي العراقي ، مقارنة عامة في المفهوم  قبل وبعد عام 2003.
  • اختتمت الدراسة موضوع الآفاق المستقبلية لتحقيق التنمية المستدامة في العراق .

ويمكن اجمال متطلبات البحث من خلال تناول الموضوعات المذكورة آنفا على الشكل الآتي :-

اولآ :  ماهي التنمية المستدامة :

لقد شكّل الإنسان محور التعريفات المقدمة بشأن التنمية المستدامة، حيث تتضمن تنمية بشرية قائمة على تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم والرفاه الاجتماعي . وبحسب ماجاء في قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول العام 1983 برئاسة (برونتلاند) رئيسة وزراء النروج وعضوية (22) شخصية من النخب السياسية والاقتصادية الحاكمة في العالم ،على مواصلة النمو الاقتصادي العالمي دون الحاجة إلى إجراء تغيرات جذرية في بنية النظام الاقتصادي العالمي ، فقد صنفت التعاريف بشأن التنمية المستدامة إلى صنفين وهما: -

الصنف الأول ( تعاريف مختصرة ) :

سُميت هذه التعاريف بالتعاريف الأحادية للتنمية المستدامة، وفي الحقيقة أن هذه التعاريف هي أقرب للشعارات وتفتقد للعمق العلمي والتحليلي ومنها :-

  • التنمية المستدامة هي التنمية المتجددة والقابلة للاستمرار.
  • التنمية المستدامة هي التنمية التي تتعارض مع البيئة.
  • التنمية المستدامة هي التي تضع نهاية لعقلية لا نهائية الموارد الطبيعية.

الصنف الثاني ( تعاريف  شمولية ) ومنها :

  • التنمية المستدامة (Sustainable Development) تعرف بأنها التنمية التي تُلبي احتياجات البشر في الوقت الحالي دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تحقيق أهدافها، وتركز على النمو الاقتصادي المتكامل المستدام والإشراف البيئي والمسؤولية الاجتماعية.
  • التنمية المستدامة هي عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك الأعمال التجارية بشرط أن تلبي احتياجات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها.
  • عرف تقرير برونتلاند الذي أصدرته اللجنة الدولية للبيئة والتنمية في عام 1987 بعنوان ( مستقبلنا المشترك ) التنمية المستدامة بأنها التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون أن يعرض للخطر قدرة الأجيال القادمة على إشباع احتياجاتها .
  • تعرف منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التنمية المستدامة (الذي تم تبنيه في عام ١٩٨٩ ) كما يلي:

( التنمية المستدامة هي إدارة وحماية قاعدة الموارد الطبيعية وتوجيه التغير التقني والمؤسسي بطريقة تضمن تحقيق واستمرار إرضاء الحاجات البشرية للأجيال الحالية والمستقبلية  ) , إن تلك التنمية المستدامة في الزراعة والغابات والمصادر السمكية ،  تحمي الأرض والمياه والمصادر الوراثية النباتية والحيوانية ولا تضر بالبيئة وتتسم بأنها ملائمة من الناحية الفنية ومناسبة من الناحية الاقتصادية ومقبولة من الناحية الاجتماعية .

  • اما تقرير اللجنة العالمية للتنمية والبيئة فقد اشار الى أن التنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر من دون النيل من قدرة الأجيال القادمة على تلبية إحتياجاتها".

 وعلى اساس التعاريف السابقة الذكر فان مصطلح التنمية المستدامة تعني نمطًا من التنمية لا تفرّط في استثمار مصادر الثروات الطبيعية التي ترتكز عليها التنمية الاقتصادية بصورة          عامة ، أي تنمية تعمل على تجديد الموارد والثروات وإعادة التصنيع بشكل يضمن بيئة نظيفة وصالحة لحياة الأجيال الحاضرة والقادمة .

ووفق تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية "ينبغي أن يكون الرجال والنساء والأطفال محور الاهتمام ، فيتم نسج التنمية حول الناس وليس الناس حول التنمية وذلك للأجيال الحاضرة والقادمة".

 وتعمل التنمية المستدامة لمواجهة التهديدات التي تواجه المحيط البيئي،  فهي عالمًا تزول فيه من مجتمعاتنا ظواهر الفقر واللامساواة والأنانيات ونهب الطبيعة وانحرافات التقدّم العلمي كي تتمكن الأجيال الحاضرة والقادمة من الاستفادة من موارد الطبيعة  .

مراحل التنمية المستدامة :

مر مفهوم التنمية المستدامة في العالم بعدة مراحل حتى بلغ ما يعرف اليوم بهذا المفهوم المتداول بين العلماء وهي([2]) :

المرحلة الأولى :

وفيها تنقل التنمية كل مجتمع الى عصر الصناعات والتقنيات النظيفة التي تستخدم  الى اقل ما يمكن من مصادر الطاقة والمارد الطبيعية للحفاظ على حصة الافراد في المستقبل . 

المرحلة الثانية :

وفي هذه  الحالة يتم السعي إلى  تحقيق  استقرار النمو السكاني ، والحد من ظاهرة الهجرة  الى المدن ومنع او تقليل ظاهرة الاكتظاظ السكاني فيها والتزاحم على الخدمات  والعمل على تلوث البيئة ويتم ذلك من خلال توفير كل متطلبات السكان في مناطق الارياف من وسائل ترفيهية وخدمات اجتماعية وصحية وتعليم .

المرحلة الثالثة :

        وفي هذه المرحلة تستطيع التنمية المستدامة سببا لتطوير  حياة المجتمعات الانسانية الى الافضل مع الاخذ في الحسابات نوعية وقدرة النظام البيئي السائد في المنطقة لاحتضان الحياة وامكانياته الطبيعية   . 

المرحلة الرابعة :

 وفي هذه المرحلة تكون التنمية المستدامة لها القدرة على الادارة المثلى للموارد الطبيعية  وذلك من خلال حصولها على  الحد الاعلى من منافع التنمية الاقتصادية ، بشرط المحافظة على خدمات الموارد الطبيعية  ونوعيتها .

في البداية يتوجب على الجميع الاعتراف بأن مفهوم التنمية المستدامة ، ظهر في العراق لأول مرّة بعد عام 2003وانحصر تداوله على شريحة صغيرة من المثقفين وعدد قليل من المثفين (التكنوقراط) اللذين روجوا لهذا المفهوم على  مستوى كبير في الاعلام وفي العديد من الوثائق الرسمية  ، ولكن في واقع الحال وبسبب الثقافة السائدة في المجتمع العراقي لم يتم تقبله من قبل شرائح واسعة من المجتمع العراقي وحتى المختصين في مجالاته العلمية ، ولا حتى من الطبقة السياسية الحاكمة لا كمفهوم ولا كممارسة. وإذا قارنا العراق مع الدول الصناعية المتقدمة فسوف يظهر لنا ان هذه الفترة الزمنية قصيرة جداً نسبياً لتقبل هذا المفهوم وتطبيقه في الواقع العملي([3]) .

وعلى اساس ذلك فان العراق قبل احداث عام 2003كانت التنمية المستدامة تعاني من امور كثيرة من اهمها معاناة الاقتصاد العراقي من ظروف غير طبيعية استمرت لأكثر من ثلاثة عقود بدءا من الحرب العراقية – الايرانية في بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي ثم  تلتها حرب الخليج الأولى عام 1991 وانتهت في الحصار الاقتصادي الذي تبعها واستمر لغاية حرب الخليج الثانية عام 2003والتي أسهمت في سقوط النظام السياسي في العراق.

كل هذه العوامل وغيرها أدت إلى تدهور كبير في مؤشرات التنمية المستدامة في العراق وخصوصا في الأوضاع  الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وانتهت بالأوضاع البيئية ، وتناقص مستمر في مصادر المياه المتجددة ،  والاستنزاف السريع للموارد الطبيعية ، وتدهور نوعية وجودة مياه الشرب  وارتفاع نسب التصحر، وانتشار كبير للوحدات السكنية العشوائية ، وانخفاض كبير في معدلات الإنفاق العام على الصحة والتعليم والسكن، وكثير من الامور الاخرى .

اما بعد احداث عام 2003فقد تحسنت الاوضاع الى نوع ما ولكن ليس الى ما توصلت اليه الدول المجاورة من اهتمامات  ما يخص سكانها ، الامر الذي ادى الى مرور البلد (العراق) في محنة كبيرة  من خلال استنزاف الموارد الاقتصادية الحالية لسد متطلبات مجموعة من الناس التي جاءت لنهب خيراته الحالية دون الحفاظ على حصة الاجيال القادمة وفي مقدمة هذه الثروات(  النفط ) حيث يتم تصدير كميات كبيرة منه دون الحاجة اليها من اجل اهداف غير اقتصادية لإشباع رغبات سياسية جاءت لنهب خيراته وهذا يعني إلقاء المسؤولية على أنماط النمو في العراق .

فعلى سبيل المثال تباين انتاجية العراق من النفط الخام  واسعار بيعه في الاسواق العالمية ومدى استفادت سكان العراق منه بين سنوات ما قبل عام 2003وما بعدها ، وما هي التغيرات التي  حدثت لصالح طبقات المجتمع السكاني ، فقد بلغ انتاج  النفط ما قبل عام 2003 الى 3.5 مليون برميل يوميآ  ، وفي عام 2003انخفض الى 1.5 برميل / يوم ثم ارتفع الى 2 مليون في عام 2009 والى 2.9 برميل عام 2012 وارتفع الى اكثر من 3.5 برميل يوميآ بعد عام 2014 ان هذا التفاوت في الانتاج واسعار بيعه ونسبة ما يشكله من قيمة الصادرات العراقية،  فقد كان يشكل حوالي 97 % من صادرات العراق الخارجية في كلا الفترتين ولكن دون الاستفادة منها لصالح السكان ، بالإضافة الى ذلك شهدت قيمة الصادرات النفطية ارتفاعا مستمرا خلال المدة (2004- 2010 ) وانخفضت فقط في عام 2009 نتيجة لتأثير الأزمة المالية العالمية التي أدت إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط ومن ثم انخفاض أسعاره ، إذ انخفض متوسط سعر النفط الخفيف من (92) دولار/ برميل عام 2008 إلى (60.5) دولار/ برميل في عام 2009 ، ثم عاد الى الارتفاع في ما بعد عام 2010 إلى (9 .67)  دولار/ برميل )([4]) .

 لذا تعد التنمية المستدامة الضابط الرئيس للسياسات الاقتصادية التي وصلت إليها العولمة  الاقتصادية في تعاملها مع البيئة والثروات الطبيعيّة على نحو بدأ يهدد شعور الإنسان بالأمان والاستقرار، بعدما كان يعتقد أن الأرض هي مصدر للثروات التي لا تنضب ، وطاقة للتجديد الطبيعي غير المحدود.

كما تمثل التنمية المستدامة ، فرصة جديدة لنوعيّة النمو الاقتصادي وكيفيّة توزيع منافعه على طبقات المجتمع كافة، وليس مجرّد عمليّة توسع اقتصادي، لا تمنع من ازدياد الفوارق بين دخول الأفراد والجماعات ، إن بين الدول المتقدمة والمتخلفة  أو داخل الدول النامية نفسها فان التنمية المستدامة تفرض نفسها كمفهوم عملي للمشاكل المتعدّدة التي تتحدّى البشرية ، وإنها تسمح بتقييم المخاطر ونشر الوعي وتوجيه العمل السياسي على المستويات المحلّية والإقليميّة والدولية([5]) .

        وعلى التنمية المستدامة ايضآ تحسين سبل الحصول على الخدمات الاجتماعية والأغذية والرعاية الصحيّة الإنسانية والتعليم وتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة  وتسيير الحكم الرشيد وتوسيع قدرة الحصول على تكنولوجيا المعلومات والاتصال والحصول على الأدوية لمكافـحة الأمراض المزمنة في العالم وما يمر فيها العراق من استفحال كثير من الامراض التي ادت الى ابتلاع اعداد كبيرة من سكان العراق نتيجة الاهمال الحكومي واستيراد النوعية الرديئة من الادوية والمستلزمات الطبية بالإضافة الى قلتها ، وفي مقدمة هذه الامراض المتفشية  مرض السرطان والايدز والسكري([6]) .

 وقد تناولت التعاليم الاسلامية في عدد من الآيات القرآنية الكريمة التي تعكس بشكل مباشر وغير مباشر دلالات  معبرة عن التنمية المستدامة بأبعادها المختلفة وفيما يلي بعض هذه الدلالات([7])

  • محدودية الموارد في الأرض وهذه حقيقة اكدها القرآن الكريم  في قوله تعالى : ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾([8]).
  • ضرورة المحافظة على الموارد والحيلولة دون فسادها واستنزافها لأنها محدودة وقابلة للنفاذ، وهذا واجب ديني في الديون الإسلامي، وذلك مصداقا لقوله تعالى : ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾([9]) ، وقوله تعالى :﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾([10]) .
  • إدارة الموارد واستغلالها برشد وعقلانية : يعد مبدأ الاعتدال والوسيط أحد المبادئ الرئيسة التي تقوم عليها سلوك الإنسان المسلم وذلك استجابة لقوله عز وجل : ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾([11]) ، وكذلك قوله تعالى :﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾([12]).
  • إشباع الحاجة دون هدر وإسراف : أمر الإسلام بإشباع الحاجات من الموارد دون إسراف أو تبذير وفي ذلك يقول الله عز وجل ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾([13]) ، وقوله تعالى ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾([14]).
  • البيئة والموارد ملك ومسؤولية الجميع : البيئة والموارد هي حق لجميع الناس، وبالتالي فإن واجب الجميع المحافظة عليها ، يقول تعالى : ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾([15]).
  • استغلال الموارد وفق أسس العدل والمساواة: وفي ذلك يقول المولى عز وجل ﴿ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾([16]) ، وفي قوله تعالى: ﴿ وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾([17]) ،وقوله تعالى: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾([18]).

إن المتصفح والمتمعن في الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة يعجز أمام هذه الحقائق المدهشة التي نادت بالتنمية المستدامة قبل ما يقارب 14 قرن ونصف القرن ، حيث جاءت آيات واضحة ومحددة تتحدث عن محدودية الموارد ونبذ الفساد والتبذير والاسراف بالإضافة إلى أن الموارد مسؤولية وملكية الجميع الحاضر منها والاجيال القادمة  .

ثانيآ : خصائص التنمية المستدامة :

تتميز التنمية  المستدامة بمجموعة من الخصائص ذات العلاقة بالحفاظ على الموارد الطبيعة للاجيال الحاضرة وتحديد حصة منها للأجيال المستقبلية  ومن اهم هذه الخصائص هي([19]):-

  • هي تنمية يعتبر البعد الزمني هو الأساس فيها، فهي تنمية طويلة المدى بالضرورة، تعتمد على تقدير إمكانات الحاضر، ويتم التخطيط لها لأطول فترة زمنية مستقبلية يمكن خلالها التنبؤ بالمتغيرات .
  • أنها تقوم بتنمية تتجاوز معدلات النمو السكاني، حتى لا يعاني المجتمع من عجز، أو يلجأ إلى العوز، ويأخذ الفرد نصيبه من الناتج القومي، أو ما يسمى التنمية المستدامة للنمو الاقتصادي، وتتطلب ضرورة انخفاض معدلات استهلاك الموارد الطبيعية المتاحة لصالح ارتفاع معدلات النمو في جوانب أخرى كالصناعة والزراعة والتجارة.
  • هي تنمية ترعى تلبية الاحتياجات الحالية للأفراد وأيضاً احتياجات الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية للمجال الحيوي لكوكب الأرض، فهي تراعي الحفاظ على المحيط الحيوي في البيئة الطبيعية سواء عناصره ومركباته الأساسية كالهواء، والماء مثلا، أو العمليات الحيوية في المحيط الحيوي كالغازات مثلاً، لذلك فهي تنمية تشترط عدم استنزاف قاعدة الموارد الطبيعية في المحيط الحيوي  .
  • تشترط في الحفاظ على العمليات الدورية الصغرى، والكبرى في المحيط الحيوي، والتي يتم عن طريقها انتقال الموارد والعناصر وتنقيتها بما يضمن استمرار الحياة أو ما يسمى التنمية المستدامة للموارد البيئية. تنمية تضع تلبية احتياجات الأفراد في المقام الأول، فأولوياتها هي تلبية الحاجات الأساسية والضرورية من الغذاء والملبس والتعليم والخدمات الصحية، وكل ما يتصل بتحسين نوعية حياة البشر المادية والاجتماعية أو ما يسمى بالتنمية المستدامة للنمو الاجتماعي.
  • هي تنمية متكاملة تقوم على التنسيق بين سلبيات استخدام الموارد، واتجاهات الاستثمارات والاختيار التكنولوجي، ويجعلها تعمل جميعها بانسجام داخل المنظومة البيئية بما يحافظ عليها ويحقق التنمية المتواصلة المنشودة .

ثالثآ : اشكال التنمية :

تقوم التنمية بصورة عامةعلى ثلاث ركائز اساسية وهي الكفاءة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية والكفاءة البيئية (المستدامة) ، وتعتمد هذه  الكفاءات على الاستخدام الرشيد من خلال الأشكال الآتية :-

  1. التنمية الاجتماعية :

ان عملية نقل البضائع والسلع والأموال عبر الحدود بسرعة متزايدة يومًا بعد يوم، واستمرارها أيضًا في تحقيق فوائد لا تبرح تتعاظم لمن هم داخل دائرتها، هناك إدراك متزايد أن قطار الرخاء هذا يفوت معظم سكان العالم . والواقع أن معظم فوائد العولمة لا تصل إلى أكثر من نصف سكان العالم ، أي 3 مليارات شخص يعيشون على أقل من دولارين في اليوم. ولا يزال هناك ما يربو على مليار شخص يعيشون في حالة من الفقر المدقع، وملايين الأشخاص الذين يعيشون بلا عمل، وعدد متزايد من المجتمعات تتصدّع تحت وطأة ضغوط عنصرية أو عرقية أو اجتماعية. وقد اتسعت الفجوة بين أغنياء العالم وفقرائه، في الوقت الذي هدّدت الأزمات المالية في آسيا والمحيط الهادئ بطمس ما تحقّق طوال سنوات من النمو والتحسن . 

وعلى اساس هذه التشكيلة الاجتماعية فان التنمية المستدامة في العراق تحتاج الى تغيير كبير في الشخصيات السياسية التي نقلت اموال العراق الى الخارج دون الاستفادة منه في الاستثمار المالي الداخلي  بالإضافة الى تقليل او قطع  رواتب المتنفذين في السلطات الثلاث (رئاسة الجمهورية ، الوزراء ، البرلمان ) وما يلحق بهما من مستشارين ومدراء عامين وغيرهم ويشكلون نسبة ضئيلة من شريحة المجتمع وبرفاه اقتصادي كبير ، والفئة الثانية التي يتراوح مستواها المعاشي بين (5 – 1) ملايين دينار عراقي شهريآ وتشمل مجالس المحفظات ومن تبع لهم من القيادات العسكرية ، والفئة الثالثة التي يتراوح مستواها المعاشي بين               (5– 2) مليون دينار شهريآ وتشمل اساتذة الجامعات وبعض منتسبي الوزارات الانتاجية مثل النفط والكهرباء وغيرها ، والفئة الرابعة التي يحصل موظفيها بين  (0.5 – 1.5) مليون                دينار ، بحيث تشكل هذه الفئات مايقارب 15 % من سكان العراق ، والباقي تحت خط الفقر لأقل من 25 دينار  ويشكلون 10 % ناهيك عن 75 % من سكان العراق بلا عمل .

لذلك فعلى هذا الاساس فان عمل التنمية المستدامة في العراق ان تحفظ حقوق الحاضرين من السكان وتوفير حقوق الاجيال القادمة من الثروات الاقتصادية والمالية دون اللجوء الى القروض المالية من الخارج وتكبيل الاجيال القادمة لتسديدها كما تفعل الحكومات الحالية في العراق بعد عام 2003.

واشارة الى ذلك فقد اتفقت معظم دول العالم وخاصة النامية منها على إعلان  مؤتمر كوبنهاغن بشأن التنمية الاجتماعية ، الذي تضمّن  التزامات قطعية بالعمل بمزيد من الجد من أجل القضاء على الفقر، وتحسين الصحة والتعليم، والسعي إلى تحقيق العمالة الكاملة. كما اتفقت البلدان على برنامج عمل من مئة فقرة يحدد الاستراتيجيات والغايات والأهداف المتعلقة بتحسين نوعية الحياة بالنسبة إلى الناس في كل مكان ومن أهمها ([20]) .

  • القضاء على الفقر المطلق بحلول موعد يحدده كل بلد .
  • دعم العمالة الكاملة باعتبارها أحد الأهداف الأساسية للسياسة العامة.
  • تشجيع التكامل الاجتماعي القائم على تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها.
  • تحقيق المساواة والإنصاف بين المرأة والرجل.
  • الإسراع بخطى التنمية في جميع البلدان الأقل نموًا .
  • كفالة إدراج أهداف التنمية الاجتماعية ضمن برامج التكيف الهيكلي.
  • تهيئة "بيئة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وقانونية تمكن السكان من تحقيق التنمية الاجتماعية".
  • تمكين الجميع على قدم المساواة من الحصول على التعليم والرعاية الصحية الأولية.
  • تعزيز التعاون من أجل التنمية الاجتماعية بين دول العالم عن طريق الأمم المتحدة ([21]) .
  1. التنمية الاقتصادية :

قبل الدخول في مفاهيم التنمية الاقتصادية ، لا بد من توضيح بعض المصطلحات ذات العلاقة بالتنمية الاقتصادية ،  وخاصة النمو الاقتصادي والفرق او لتمييز بينه  وبين لتنمية  ، فالنمو يحدث تلقائيًا، بينما تحدث التنمية بفعل قوى وإجراءات تهدف إلى التغيير .

ويتفق أغلبية الاقتصاديين على أن النمو هو زيادة في السكان أو في الثروات المتاحة أو في أي مؤشر آخر وعلى نحو طبيعي ومن دون فعل أو تأثيرات مسبقة ، بينما تشمل التنمية لدى جميع الاقتصاديين النمو وتتضمنه وتمس الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات              والعادات ، وبالتالي فإن كلاً من التنمية والنمو الاقتصادي يتضمن الزيادة في الناتج القومي أو زيادة العناصر المستخدمة وزيادة كفاءتها الإنتاجية.

 فالتنمية تتضمن زيادة الناتج وزيادة عناصر الإنتاج وكفاءة هذه العناصر، بالإضافة إلى إجراء تغييرات جذرية في تنظيمات الإنتاج وفنونه، وغالبًا ما يكون أيضاً في هيكل الناتج وفي توزيع عناصر الإنتاج بين قطاعات الاقتصاد المختلفة.

وعلى هذا الأساس، فإن الدول المتخلفة تكون بحاجة إلى تنمية وليس إلى نمو فقط ، لأنها ليست بحاجة إلى زيادة في إنتاجها وزيادة في كمية الإنتاجية المستخدمة وكفاءتها فحسب، وإنما أيضًا إلى تغيير جذري في بنية هياكلها الاقتصادية والاجتماعية القديمة ([22]) ، بمعنى آخر هناك اختلاف بين مدلول التنمية الاقتصادية وغيرها من مصطلحات النمو الاقتصادي ،  فالنمو الاقتصادي هو معدل النمو في الناتج القومي الإجمالي  خلال  مدة زمنية معينة عادة تكون عامًا او اكثر  ،  وليس عبارة عن مجرد ارتفاع في دخل الفرد الحقيقي في إبان  مدة زمنية محدودة من دون أن يصاحب ذلك أي تغيرات  في البناء التكويني للبلد ، في حين أن التنمية الاقتصادية تعدّ عملية يزداد بواسطتها الدخل القومي الحقيقي للنظام الاقتصادي في غضون فترة زمنية طويلة نسبيًا .

 ويتبع هذا النمو زيادة في الدخل القومي وفي نصيب الفرد وتحسين مستواه الاقتصادي وقدرته الشرائية ، ومن خلال ذلك تتحسن أوضاع المواطنين وتتزايد قدرات الاقتصاد القومي ، مما يصاحب ذلك تغيرات بنيانية  تتمثل بزيادة التراكم الرأسمالي وترتفع معه نسبة مستويات الكفاءة الفنية ، بل الكفاءة الاقتصادية للمجتمع ككل وبذلك يكون التطور والنمو للدولة ولذلك تعد التنمية الاقتصادية عملية مستدامة .

وعلى هذا الاساس تعرف التنمية الاقتصادية بوجه عام على أنها العملية التي يحدث من خلالها تغير شامل ومتواصل مصحوب بزيادة في متوسط الدخل الحقيقي للفرد  وتحسن في توزيع الدخل لصالح الطبقة الفقيرة وتحسين في نوعية الحياة العامة وتغير في هيكلية الإنتاج . 

ووفق هذا التعريف فإن التنمية تحتوي على عدد من العناصر أهمها:-

  • الشمولية تعني تغير شامل ينطوي ليس على العامل الاقتصادي فقط، وإنما أيضًا الثقافي والسياسي والاجتماعي .
  • حدوث زيادة مستمرة في متوسط الدخل الحقيقي فترة طويلة من الزمن، وهذا يوحي بأن التنمية عملية طويلة الأجل .
  • حـدوث تحسن فـي توزيع الدخل لصـالح الطبقة الفـقيرة والتخفيف من ظاهرة الفقر.
  • ضرورة التحسن في نوعية السلع والخدمات المقدمة للأفراد.

واشارة الى ذلك فقد دلت التجارب والدراسات المختلفة على نظرية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أن رأس المال يعدّ أحد أهم العناصر اللازمة توافرها لتحقيق القدر من التنمية ، مع الأخذ في الاعتبار أهمية العناصر الأخرى([23]) .

وأبرز ما تنطوي عليه عملية التنمية هو إحداث تغيير جذري في هيكلية المجتمع على المستويات الاقتصادية والاجتماعية كافة ، من أجل القضاء على مسببات التخلف بالقدر الذي يعالج أسباب الفقر، ويضمن حق المحتاجين في الموارد المتاحة في المجتمع الحالي والمستقبلي ، وتوفير الضمانات الاجتماعية وتقديم الرعاية الصحية والتعليمية وغيرها

وترى أوساط الأمم المتحدة أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية من أكبر الأسباب في إشعال الصراعات. ومن ثم يترتب على استراتيجيات التنمية السعي إلى تحقيق التوزيع العادل للدخول والعوائد الاقتصادية والثروات للحيلولة دون تفجّر تلك  الصراعات وخاصة الداخلية منها، وهذا هو مقصد التنمية الاقتصادية لتطوير البلد وتحقيق اهدافها الرئيسة([24]).

وتتمثل هذه الاهداف بالآتي :-

  • زيادة الدخل القومي والارتقاء بمستوى معيشة الإنسان وتقليل الفجوة الداخلي
  • تعديل تركيبة هيكل الاقتصاد القومي لمصلحة قطاعات الصناعة والتجارة والزرعة ، وتلك الأهداف هي في واقع الأمر بمنزلة علاج للمشكلات الناتجـة من الخصائص الأساسية التي تتمثل باقتصاديات الدول الفقيرة .
  • معالجة العجز في رأس المال نتيجة ضعف التراكم الرأسمالي بسبب نقص المدّخرات، وميل معدلات التبادل التجاري لغير صالحها، ما يجعل هذه الدول عرضة للتقلب الاقتصادي وتأثرها بالدورات الاقتصادية العالمية.
  • العمل على تطوير ومعالجة الخلل البنائي لأفراد المجتمع من حيث انخفاض مستوى الدخل ، وسوء توزيع العاملين في القطاعات الاقتصادية، وضعف الإنتاجية وانتشار الفساد الإداري، وعدم الشفافية، واختلال آليات السوق في غياب القوانين المضادة لعملية الاحتكار السلعي ، ثم الطغيان السلطوي والاستبداد بالمناصب الادارية الفعالة في الدولة .
  • تواجه بعض الدول الغنية بالموارد والفريدة بالموقع وذات الموروث الثقافي والحضاري (ومنها العراق) ولكنها فقيرة بفعل الفساد السياسي والاستبداد وتحالف رأس المال غير المنتج مع غاسلي الأموال والمهربين والمتهربين ، لا بد من سياسات وإجراءات يتعيّن على الدول انتهاجها كأساس لتحقيق أهداف التنمية ([25]) .
  1. التنمية المستدامة :

ان موضوع التنمية بمختلف مفاهيمه العامة  لما له  من أهمية بالغة على المستوى العالمي. وقد لوحظ في الفترة الأخيرة إهتمام دولي متزايد نحو الحاجة إلى التنمية المستدامة للوصول إلى مستقبل  دائم ، وذلك بعد أن كان العالم يتجه نحو مجموعة من الكوارث البشرية والبيئية المحتملة ، فالاحتباس الحراري والتدهور البيئي وتزايد النمو السكاني والفقر وفقدان التنوع البيولوجي  واتساع نطاق التصحّر.... ، وما إلى ذلك من المشكلات البيئية لا تنفصل عن مشكلات الرفاه البشري  وعن عملية التنمية الاقتصادية بصورة عامة ، إذ إن الكثير من الأشكال الحالية للتنمية ينحصر في الموارد البيئية التي يعتمد عليها العالم ، فالارتباط الوثيق بين البيئة والتنمية أدى إلى ظهور مفهوم التنمية المستدامة عام 1980 ([26]) ، حيث أصدر الاتحاد الدولي  لصيانة الطبيعة (برنامج الأمم المتحدة للبيئة والصندوق العالمي للحياة البرية) وثيقة سميت الاستراتيجية العالمية لصيانة الطبيعة  ،  وقد تضمنت بدايات لفكرة التنمية المستدامة ، بمعنى التنمية التي تحافظ على العمليات البيئية العاملة في نظم الإنتاج المتجدد، أي هي التي تهيئ للنظم البيئية في الزراعة والمراعي والمصايد والغابات ، والقدرة المتصلة على العطاء ، والتي تحافظ على ثراء الأنواع وثراء التنوع الوراثي في كل نوع [34]. العام 1987، تم، بموجب تقرير اللجنة الدولية للبيئة والتنمية "مستقبلنا المشترك"، دمج الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في تعريف واحد. وأشار التقرير ألا يكون الهم الأول تعظيم الإنتاج إلى أقصى حد، إنما يكون صون القدرة على الإنتاج في المدى الزمني الممتد  ( أي الحفاظ على حصة الاجيال القادمة) وهذا ما تعنية التنمية المستدامة وقد اقرتها وفق ما جاء في المبدأ الرابع في مؤتمر ريو دي جانيرو لعام 1992 إلى أنه([27]) ، ( لكي تتحقق التنمية المستدامة ينبغي أن تمثّل الحماية البيئية جزءًا لا يتجزأ من عملية التنمية ولا يمكن التفكير فيها بمعزل عنها ) ،  وتم التأكيد على هذا المعنى من خلال المبدأ الثالث حيث تم تعريف التنمية المستدامة ( بأنها ضرورة إنجاز الحق في التنمية، بحيث تتحقّق على نحو متساو الحاجات التنموية لأجيال الحاضر والمستقبل ) (*) .

رابعآ: أبعاد التنمية المستدامة :

لقد ذكرنا آنفاً أن  فكرة التنمية المستدامة والتي تم التصديق عليها رسمياً في مؤتمر قمة الأرض الذي عقد في مدينة ريو دي جانيرو عام 1992 ، حيث أدرك القادة السياسيين – في هذا المؤتمر- أهمية فكرة التنمية المستدامة ، لا سيما أنهم قد أخذوا في اعتبارهم أنه ما زال هناك جزء كبير من سكان العالم يعيشون تحت ظل خط الفقر، وأن هناك تفاوتاً كبيراً في أنماط الموارد التي تستخدمها كل من الدول الغنية وتلك الفقيرة، منها ، إضافة إلى أن النظام البيئي العالمي يعانى من ضغوط حادة ، كل هذه الأمور استدعت ضرورة الى إعادة توجيه النشاط الاقتصادي بغية تلبية الحاجات التنموية الماسة للفقراء ومنع حدوث أضرار سلبية من دورها أن تنعكس على البيئة العالمية، وبالفعل استجابت الدول سواء النامية أو الصناعية، واقترحت البلدان النامية صياغة ما يسمى عهد جديد من النمو لمعالجة قضايا الفقر والمشاكل التي تعانى منها الدول الأقل فقراً ، وأما بالنسبة للدول الصناعية  فقد ارتأت ضرورة بذل الجهود المضنية من أجل زيادة الطاقة والمواد الفعالة والكافية إضافة إلى إحداث تحول في النشاط الاقتصادي لتخفيف حدة الثقل من على كاهل البيئة .

ومن خلال ما تقدم  لموضوع للتنمية المستدامة يمكن استخلاص أهدافها، وأبعادها، والتي يمكن إجمالها على النحو التالي: -

1.البُعد البيئي :

تهدف التنمية المستدامة إلى تحقيق العديد من الأهداف البيئية، وتتمثل فيما يلي:

  • الاستخدام الرشيد للموارد الناضبة ، بمعنى حفظ الأصول الطبيعية بحيث نترك للأجيال القادمة بيئة مماثلة حيث أنّه لا توجد بدائل لتلك الموارد الناضبة والتعويض عنها في المستقبل .
  • مراعاة القدرة المحدودة للبيئة على استيعاب النفايات.
  • ضرورة التحديد الدقيق للكمية التي ينبغي استخدامها من كل مورد من الموارد الناضبة، ويعتمد ذلك على تحديد قيمتها الاقتصادية الحقيقية وتحديد سعر مناسب لها بناءً على تلك القيمة.
  • الهدف الأمثل للتنمية المستدامة هو التوفيق بين التنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة مع مراعاة حقوق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية خاصة الناضبة منها ، مع الاخذ بنظر الاعتبار أن يقدمه كوكب الارض مقارنة بما يؤخذ منه بالفعل، ولكي يتم ذلك هناك حاجة إلى أدوات قادرة على متابعة حركة البضائع والخدمات البيئية في الأنظمة البيئية والاقتصاديات الإنسانية ، والتي تحتاج الى متابعة لحركة رأس المال في الأسواق الاقتصادية العالمية لضمان جزء من ارباحها واستثماراتها للأجيال القادمة ([28]) .
  1. البُعد الاقتصادي:

تهدف التنمية المستدامة بالنسبة للبلدان الغنية إلى إجراء تخفيضات متواصلة في مستويات استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية والتي تصل إلى أضعاف أضعافها في الدول الغنية مقارنة بالدول الفقيرة، من ذلك مثلاً يصل استهلاك الطاقة الناجمة عن النفط والغاز والفحم في الولايات المتحدة إلى مستوى أعلى منه في الهند بمقدار (33) مرة .

  1. البُعد الاجتماعي:

إنّ عملية التنمية المستدامة تتضمن تنمية بشرية تهدف إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم، فضلاً عن عنصر المشاركة حيثُ تؤكّد تعريفات التنمية المستدامة على أنّ التنمية ينبغي أن تكون بالمشاركة بحيث يشارك الناس في صنع القرارات التنموية التي تؤثر في حياتهم، حيث يشكل الإنسان محور التعريفات المقدمة حول التنمية المستدامة، والعنصر الهام الذي تشير إليه تعريفات التنمية المستدامة – أيضاً – هو عنصر العدالة أو الإنصاف والمساواة ، وهناك نوعان من الإنصاف هما إنصاف الأجيال المقبلة والتي يجب أخذ مصالحها في الاعتبار وفقاً لتعريفات التنمية المستدامة، والنوع الثاني هو إنصاف من يعيشون اليوم من البشر ولا يجدون فرصا متساوية مع غيرهم في الحصول على الموارد الطبيعية والخدمات الاجتماعية، والتنمية المستدامة تهدف إلى القضاء على ذلك التفاوت الصارخ بين الدول .

كما تهدف التنمية المستدامة أيضاً – في بعدها الاجتماعي- إلى تقديم القروض للقطاعات الاقتصادية غير الرسمية، وتحسين فرص التعليم، والرعاية الصحية بالنسبة للمرأة ، وتقوم مشاريع التنمية في الدول الآسيوية ومنها العربية  ،الى تقديم المساعدات والمنح والقروض الى هذه الدول من خلال استثمارها بصور صحيحة وقد بلغ عدد الدول المستفيدة من العون ما يقارب  13. دولة ([29]) .

  1. البُعد التكنولوجي:

تستهدفُ التنمية المستدامة تحقيق تحولاً سريعاً في القاعدة التكنولوجية للمجتمعات الصناعية، إلى تكنولوجيا جديدة أنظف، وأكفأ وأقدر على الحد من تلوث البيئة، كذلك تهدف إلى تحولا تكنولوجيا في البلدان النامية الآخذة في التصنيع، لتفادي تكرار أخطاء التنمية، وتفادي التلوث البيئي الذي تسببت فيه الدول الصناعية، ويشكل التحسن التكنولوجي الذي تستهدفه التنمية المستدامة، وسيلة هامة للتوفيق بين أهداف التنمية والقيود التي تفرضها البيئة، بحيث لا تتحقق التنمية على حساب البيئة.

خامسآ : نظريات التنمية المستدامة :

في ظل هذه المفاهيم ظهرت آراء مختلفة متعددة منذ زمن بعيد من طرف علماء الاقتصاد والبيئة والاجتماع ، وعلى أفكار آراء استدامة البيئية فعلماء الاقتصاد يرون ضرورة الاهتمام بالجانب البيئي والأخلاقي ويؤكد علماء الاجتماع على طلبات البيئة التي تحددها الثقافة وركز على الاستدامة في النظم الثقافية والبشرية .

أما علماء البيئة والموارد والأحياء فأشاروا إلى أن المحيط الحيوي هو الذي يحتاج إلى أن يكون مستداما ،وهناك من ذهب إلى اقتراح استدامة التقييم الدولي للثروة وإعادة توزيعها لتصبح التنمية المستدامة واقعية على المستوى العالمي ويرى علماء الجغرافية  ان التنمية  المستدامة  من خلال نظرية الحتمية الجغرافية والتي يرى روادها أن كل البلاد المتخلفة تقع إما في المناطق شديدة الحرارة أو شديدة البرودة و أن الغالبية العظمى منها تقع في المنطقة المدارية في إفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية و بالتحديد في نصف الكرة الجنوبي ، و تتسم كثير من البلدان التي تقع في النطاق المداري بالتخلف و بخاصة في المجالات الزراعية و الصحية و التعليمية مع معاناة بعضها من سوء التغذية و تفشي الأمراض و الأوبئة المختلفة ، بينما تقع معظم الدول المتقدمة في المناطق المعتدلة و الحقيقة أن وقوع الدول النامية في المناطق المدارية أمر قد يساعد على التخلف لهذه الدول نتيجة عوامل مختلفة منها ارتفاع درجة الحرارة و الرطوبة مما يحد من نشاط الأفراد ومعدل إنتاجهم ، ومما يؤثر على حالتهم الصحية و قدرتهم على تحمل مشاق العمل  وبالتالي يتم تباين التوزيع في الثروات الاقتصادية ، ويحتاج الى معالجة اقتصادية ويتم هذا من خلال ما تؤكد عليه نظريات التنمية الاقتصادية المعاصرة  .

وبما ان التنمية المستدامة تشمل أبعاد مختلفة اقتصادية وبيئية واجتماعية وحتى سياسية مما ادى إلى ظهور زوايا الإطار النظري ووجهات نظر مختلفة تفاعلت فيما بينها وتداخلت لتفضي في الأخر إلى ظهور هذا المفهوم .   ومن بين هذه النظريات نجد مجموعة من النظريات المهتمة في دراسة التنمية المستدامة ومن اوسعها حيث قسمت النظريات الى ثلاث مجاميع رئيسة لامجال للتحدث عنها بالتفصيل في هذا البحث  وانما الاكتفاء بالاشارة  اليها  وهي ([30]) : - 

  1. النظريات ذات النزعة البيئية .
  2. النظريات ذات النزعة الاقتصادية .
  3. النظريات الداعية للعدالة في توزيع الثروة والتنمية .

سادسآ: دور التنمية المستدامة في النمو الاقتصادي العراقي :

  تواجه التنمية المستدامة في العراق مجموعة من العقبات تحول دون مساهمتها في النمو الاقتصادي ومن ابرز هذه العقبات هي :-

  1. نضوب الموارد الطبيعية بالنسبة إلى الناتج القومي الإجمالي، فقد تم نفاذ ما نسبته 19%  من الموارد الطبيعية نسبةً إلى الناتج القومي الإجمالي خلال المدة 2010-2014، وهذه نسبة كبيرة جعلت العراق يصنف وفقاً لهذا المؤشر ضمن المجموعة الدنيا لدول العالم .
  2. اما الادخار الصافي المعدل ، فبدلاً من أن يحقق العراق حجماً كبيراً في الادخار الصافي المعدل بشكل يتناسب مع ثروته الهائلة من النفط والموارد المعدنية والثروات الطبيعية الاخرى وعلى أقل تقدير بشكل يعادل لحجم النضوب الذي  تعاني منه الموارد الطبيعية ، فهو يحقق ادخارا صافياً معدلاً بنسبة (- 2.6%) من الدخل القومي الإجمالي خلال المدة 2005-2014 ، وهذا يعني إن المدخرات الوطنية الصافية والإنفاق على التعليم أقل واستنزاف الطاقة والغابات أكبر وكذلك الأضرار الناجمة عن انبعاثات الغازات والجسيمات تكون أكبر، وبناء على هذا تم إدراج هذا المؤشر ضمن المجموعة الدنيا ايضاً .
  3. رصيد الديون الخارجي حيث لم يذكر التقرير رصيد الديون الخارجي كون البيانات بهذا الخصوص لم تتوفر له ، لكن وفقاً لمصادر أخرى، إن حجم الرصيد القائم للدين الخارجي قد شكل ما نسبته 34% حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية عام 2015 .
  4. معدل الانفاق على البحث والتطوير، فقد شكل الإنفاق على البحث والتطوير ما نسبته صفر % من الناتج القومي الإجمالي للمدة 2003-2014، وهذا ما انعكس على نظرة المجتمع لنوعية التعليم، حيث لم يشعر بالرضا على نوعية التعليم سوى 45% من المجيبين                    بالرضا ([31]) .
  5. كما لم يصنف العراق أيضاً ضمن تقرير الابتكار العالمي الذي يعد الابتكار عنصراً أساسياً للحافظ على النمو والإنتاجية المطلوبة لتلبية الطلب المتزايد، حيث يعد الابتكار احد العناصر المهمة في إضفاء سمة الاستدامة على الاقتصاد (النمو الاقتصادي الطويل الأجل)، وذلك من خلال تأثيره(الابتكار) على أربع قنوات وهي تعميق رأس المال أي الاستثمار بالأصول غير الملموسة بالإضافة إلى الملموسة، وزيادة القوى العاملة ورأس المال البشري، ونمو إنتاجية الشركات، وتحويل الهياكل الاقتصادية   .
  6. اما عن مدى تحقق التنمية المستدامة من عدمها وهو تركز الصادرات، فكلما كانت الصادرات مركزة كلما يدل ذلك على عدم تحقق التنويع الاقتصادية بل اعتماده على مادة واحدة ، وهذا ما يعني عدم تحقيق الاستدامة الاقتصادية ،بسبب اعتماد العراق حاليآ منذ عام 2.3 وللوقت الحاضر على  الصادرات النفطية واهمال قطاعات الزراعة والصناعة والتعدين والاعتماد المباشر على سد احتياجاته على الاستيراد الخارجي مما اثر هذا على اعاقة مساهمة التنمية المستدامة في النمو الاقتصادي العراقي خلال الوقت الراهن .

ومن خلال متابعة دليل تنوع  مشاركة الصادرات السلعية في التجارة الخارجية للبلد نلاحظ ان العراق بلغ مؤشر (هرفندال – هيرشمان )( *) حوالي (0.97) ما بعد عام 2014 وهذا يدل على اعتماد العراق على سلعة احدة في التصدير وهي الصادرات النفطية  .

أي إن العراق يعاني من تركز الصادرات وخصوصاً إذا ما علمنا إن هذا التركز هو سلعة ريعية مثل النفط وليس صناعية أو زراعية التي تسهم في زيادة النمو الاقتصادي بشكل حقيقي وتخفيض البطالة، فالسلعة الريعية تترك آثاراً سلبية على الاقتصاد برمته وينتقل أيضاً إلى مجالات الحياة الأخرى كالسياسية والاجتماع وغيرها .

وفي ظل المعطيات أعلاه تبين أن العراق لم يحقق الاستدامة الاقتصادية بل يعاني من تناقض كبير بين ما يمتلكه من موارد هائلة وما حققه من إنجازات ضئيلة جداً، حيث يستنفذ موارده بشكل استهلاكي لا يضف طابع الاستدامة على اقتصاده فهو ينتج الموارد الطبيعية ليستهلكها اليوم دون الاهتمام بماذا سيحصل غداً .

الحلول المقترحة

هنالك مجموعة من  الحلول والمقترحات يمكن ايجازها في عدة نقاط  ومن خلالها أن تسهم في تحقيق الاستدامة الاقتصادية وكما يأتي:-

  • تنويع مصادر الطاقة أي اللجوء إلى استخدام الطاقة المتجددة إلى جانب الطاقة الاحفورية (*) ، للتقليل من سرعة نضوب الطاقة الاحفورية ، وتحقيق العدالة الاجتماعية ما بين الأجيال الحالية واللاحقة من حاجتها الى الطاقة الاحفورية لأنها ثروة وطنية عامة للجميع.
  • الاستثمار في رأس المال البشري وذلك من خلال الاهتمام بالتعليم والصحة وهذا بالاشتراك مع النقطة الأولى بحيث يؤدي إلى تقليص انبعاثات الغازات من الأصل من ناحية ومعالجتها من ناحية أخرى .
  • وضع سياسة كفيلة بمعالجة الديون المتراكمة كأن يتم وضعها تحت المراقبة على ألا تتجاوز قيمتها نسبة ما ، وذلك من خلال تقليص الإنفاق الاستهلاكي الكمالي وزيادة كفاءة الإنفاق الاستثماري مع فرض الضرائب القليلة التي تتلائم مع ظروف الفرد والبلد .
  • الاهتمام بمسألة الابتكار وذلك من خلال زيادة مخصصات البحث والتطوير في كافة المجالات، إذ إن الاهتمام بالابتكار، وكما ذكرنا آنفاً، يؤدي إلى تحقيق النمو الاقتصادي الطويل الأجل وهو الهدف من الاستدامة الاقتصادية .
  • العمل على تحقيق التنويع الاقتصادي وذلك من خلال الاهتمام في القطاعات الاقتصادية المختلفة كالزراعة بشقيها الحيوانية والنباتية، والصناعة بشقيها الاستخراجية والتحويلية ، والتجارة بشقيها الداخلية والخارجية، والسياحة بكل فروعها، وغيرها مت الانشطة الاقتصادية الفعالة في المجتمع .
  • كل ما تقدم يحتاج إلى بناء مناخ استثمار جاذب يحفز ويشجع المستثمرين على القدوم برؤوس أموالهم للاستثمار في البلد والتركيز والعمل بشدة على سحب الاموال العراقية المستثمرة في الخارج والمهربة من قبل السياسيين خاصة بعد احداث عام 2003.

سابعآ : واقع التنمية المستدامة ما قبل احداث 2003وما بعدها :

        بعد الاطلاع على واقع التنمية المستدامة في العراق من خلال دراسة المراحل التي مرت به التنمية المستدامة وعلى اساس ذلك فان التنمية المستدامة في العراق كانت غير معروفه بهذا المصطلح على الرغم من انها مطبقة في كثير من المؤسسات الاقتصادية ما قبل عام 2003.

بعد اكثر من15 عام من ( السيطرة او الاحتلال)  الأمريكي - البريطاني للعراق ، شهدت البلاد تراجعًا في كافة الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية وتدمير للبنية الأساسية ، ومنها التنمية المستدامة بكافة فروعها الرئيسة المعروفة آنذاك .

وسوف نوضح بعض الفوارق المتعلقة بمفهوم التنمية المستدامة  بين المدة ما قبل عام 2003 وما بعدها من خلال اجراء بعض المقارنات العامة ذات العلاقة بالموضوع ونضرب بعض الامثلة لبعض الظواهر المتفشية في المجتمع  ومن اهمها :-

  • ادت العوامل السياسية والاقتصادية خلال العقود الثلاثة الأخيرة فضلا عن تخبط سبل المعالجة مما ادى الى تراجع كبير في مؤشرات التنمية المستدامة في العراق الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة إحداث تطور كبير في حياة الإنسان العراقي في الأجل القصير ، ففي العراق الجديد بعد عام 2003صدر عن الاجهزة الحكومية المعنية بالشأن لاقتصادي وبالتعاون مع منظمات وشركات دولية ، عددً كبيرً من الخطط الوطنية الكلية والاستراتيجيات القطاعية والتي تبشر بتنمية اقتصادية وبشرية مستدامة تخرج العراق من واقعه الاقتصادي الذي كان يعيشه قبل احداث عام 2003، ومن اهمها وليس الحصر، خطة التنمية الخمسية واستراتيجية مكافحة الفقر ( وزارة التخطيط ) واستراتيجية التربية والتعليم العالي عن وزارتي التربية والتعليم العالي، واستراتيجية الطاقة الوطنية عن وزارة النفط واستراتيجية تنمية القطاع الخاص من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء وهكذا ... ولكن هذه المضامين والاستراتيجيات والخطط لتوجهات التنمية المستدامة  لم يتم اصلاً تنفيذ أي منها  ، مما يدعو إلى الاعتقاد بأن الجهات التي اصدرتها لم ترتقي بعد إلى مستوى المؤسسات الاقتصادية المهنية الفاعلة([32]).
  • ارتفاع معدل وفيات الأطفال تحت سن خمس سنوات ، وزيادة نسبة السكان الذين لا يحصلون على مياه شرب صحية ، وكذلك الذين لا تتوافر لديهم مرافق كافية للصرف الصحي ، بالإضافة الى قلة كوادر الرعاية الصحية الاولية ونسبة التطعيم ضد الأمراض المعدية وخاصة لدى الأطفال ، فقد تعاني هذه الظواهر الصحية في الوقت الحاضر من تدهور كبير في معظم محافظات العراق ولا سيما المحافظات الجنوبية ، ويعود السبب في ذلك الى الاهمال الحكومي للمؤسسات الصحية والبيئية في العراق ، بالإضافة الى التهديدات العشائرية والحزبية لكثير من الكوادر العاملة في العراق ، وفي مقدمتها الاطباء والمهندسين واساتذة الجامعات  والاقتصاديين  وغيرهم من المواطنين ذو النفع العام  والحس الوطني في جميع مجالات العمل المؤسسي ، الامر الذي ادى الى هذا التدهور الصحي والبيئي  والاقتصادي في العراق وخاصة بعد احداث عام2003.
  • اما في جانب مفهوم الأمن في التنمية المستدامة والذي يطلق عليه بالأمن الاجتماعي وحماية الناس من الجرائم، فالعدالة والديمقراطية والسلم الاجتماعي تعتمد جميعا على وجود نظام متطور وعادل من الإدارة الأمنية التي تحمي المواطنين من الجريمة ، ولكنها بنفس الوقت تثير القلق الاجتماعي لكثير من طبقات السكان وعدم حمايتهم من ذلك حيث تتفشى الرشوة والعلاقات الاجتماعي  والعشائرية وتسلط الحزبية  واللاقانون في كثير من الامور عند معالجة ما يحدث في المجتمع من فساد او حوادث ، وخاصة في مؤسسات الدولة الرسمية ، فالأمر واضح من خلال سياق الكلام عن مفهوم التنمية المستدامة في العراق ما بين عام 2003وما سبقه من استقرار في النظم الامنية بكافة مستواها باستثناء بعض الجوانب الامنية ولأسباب سياسية معروفة من خلال موقف الشخص من افكار الحزب الحاكم في العراق آنذاك .
  • هناك علاقة عكسية واضحة ما بين النمو السكاني والتنمية المستدامة ، فكلما زاد معدل النمو السكاني في دولة ما أو اية منطقة جغرافية معينة زادت نسبة استهلاك الموارد الطبيعية ونسبة التصنيع والنمو الاقتصادي غير المستدام ، مما يؤدي في النهاية إلى كل أنواع المشاكل البيئية وبالتالي تقليل فرص تحقيق التنمية المستدامة ، وما يلاحظ في العراق بعد احدث عام 2003حيث نلاحظ العكس من ذلك زيادة في النمو السكاني مقابل قلة النمو الصناعي من خلال تعطيل الصناعات داخل العراق لأسباب غير معروفة الامر الذي ادى الى كثير من البطالة وضنك العيش  لفئات كثيرة من الشعب .
  • هناك فجوة كبيرة تفصل العراق عن الدول المجاورة له في معظم مؤشرات التنمية المستدامة في الوقت الحالي بعد ان يشكل المراتب الاولى بين دول الجوار .

فعلى سبيل المثال بدأت ظاهرة الفقر تستفحل في العراق منذ تسعينات القرن الماضي نتيجة للحروب التي خاضها النظام السابق والحصار الاقتصادي الذي فرض عليه منذ عام 1991 والذي أدى الى توقف عملية التنمية وتدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية للكثير من العراقيين  ، والحقيقة أن جذور الفقر في العراق  لا تتشابه مع جذوره في أية دولة أخرى إذ أن سبب ارتفاع نسبة الفقر في العراق هو ليس ضعف الإمكانات والموارد المادية للدولة كما هو الحال في معظم الدول التي ترتفع فيها هذه النسبة ، بل إن الحروب التي خاضها النظام السابق وسياساته الرعناء وسيطرته على موارد الدولة دون توزيعها بشكل عادل وعدم وضع الاستراتيجيات الكفيلة بتخفيف نسبة الفقر كلها أسباب أدت إلى ارتفاع نسبة الفقر في              العراق ،  فقد شهد حجم الناتج المحلي الإجمالي تراجعا كبيرا  من 9.15 مليار دينار عراقي عام 1988 إلى 5,3 مليار دينار عراقي عام 1994( بأسعار عام 1980) مما قاد إلى انخفاض كبير في متوسط حصة الفرد من الناتج التي بلغت حوالي (564) دولار في مطلع التسعينات ثم تراجعت إلى نحو(161) دولار في منتصف التسعينات وبعد أن كان العراق في قمة السلم بين البلدان النامية في هذا المؤشر، أصبح دخل الفرد الحقيقي الشهري في عام 1993 أقل من دخل العامل الزراعي غير الماهر في الهند التي تعد من أفقر بلدان العالم، , وقد أشارت تقديرات منظمة الغذاء والزراعة الدولية في عام 1995 إلى انخفاض مستويات الدخول والمعيشة لثلثي سكان العراق،وأصبح دخل الأسرة يقارب ثلث دخلها مقارنة بعام 1988([33])  .  

  • تواجه التنمية المستدامة حاليآ عدة تحديات في جوانب عديدة أهمها النمط الريعي للاقتصاد العراقي، وارتفاع نسب البطالة والفقر وضعف مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي ، وكانت هذه الحالة ضعيفة جدآ ما قبل احداث عام 2003على الرغم من انخفض رواتب الموظفين في الدوائر الرسمية .

اما ما يخص مشاركة المرأة في العمل في كافة ميادين الحياة فهي من اساسيات ومؤشرات تطبيق التنمية المستدامة في العراق ولكن نلاحظ بان هذه القرة اصبحت ذات فارق كبير بين ما قبل عام 2003وما بعده فقد كانت هنالك مشاركات كبيرة بين الرجل المرأة  قبل عم 2003وخاصة في مجال التربية والتعليم والصحة وفي كثير من المؤسسات الحكومية        (رغم انخفاض الرواتب) في تلك الفترة ولكن بعد احداث عام 2003فقد وصلت نسبة المشاركة الى اقل من 25%  وبشكل  خاص بعد عام 2008 حيث بلغت نسبة البطالة عند النساء الى (74.9 %) أي إن انخفاض نسب مشاركة المرأة والتي هي في سن العمل ما هو إلا إعلانا ضمنيا على ارتفاع معدلات البطالة بين النساء في سن العمل وتدني مساهمتها في النشاط الاقتصادي  لذا تعد البطالة في صفوف المتعلمين فهي إشارة إلى الإخفاق في تحويل المكاسب التعليمية الى تمكين اقتصادي([34]) .

  • قلة الفساد الاداري وخاصة في المؤسسات الرسمية ما قبل احداث عام 2003في حين يشكل النسبة الكبيرة في مؤسسات الدولة الرسمية حاليآ ، مما اصبح التحدي الأبرز الذي يواجه الحكومة العراقية في الوقت الحالي ويؤثر سلبيا على مؤشرات التنمية المستدامة فقد بلغ اوجها في جميع مؤسسات الدولة الرسمية بحيث وصل الفساد الى التعليم والصحة والقضاء وهذه من اساسيات التدهور المؤسساتي في الدولة  والذي يعيق تطبيق التنمية المستدامة .

ثامنا : الافاق المستقبلية للتنمية المستدامة في العراق :

من خلال الاطلاع على بعض تجارب العالم وخاصة التي مرت بأزمات اقتصادية أو سياسية  نتيجة الحروب  او الكوارث الطبيعية  وكيفية التخلص منها ، فعلى الحكومة العراقية ان تواجه هذه المشكلات التي تمر بها حاليآ ، ويتم ذلك من خلال مجموعة من النقاط يمكن تلخيصها بالاتي([35]) :-

  1. خلق اقتصاد متنوع مستقر عن طريق :-
  • زيادة مساهمة القطاعات الانتاجية في الناتج المحلي الاجمالي (GDP)(*) .
  • خفض نسبة الديون الديون العامة وتقليص نسبة العجز للناتج المحلي الاجمالي .
  1. تحقيق النمو المستدام من خلال النقاط الآتية :-
  • رفع معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الى 10 % كبداية انطلاق للنمو الاقتصادي .
  • رفع معدلات النمو القطاعي للزراعة والصناعة باعتبارها من القطاعات الانتاجية في المجتمع .
  • زيادة مشاركة المرأة والعنصر الشبابي في سوق العمل من اجل خفض معدلات الفقر في العراق .
  1. توفير فرص العمل للشباب وخاصة خريجي الكليات من اجل المساهمة في تطور البلد عبر الآتي :-
  • خفض معدلات البطالة .
  • مضاعفة معدلات الانتاجية في القطاعات العامة والخاصة .
  • تشجيع وتوفير فرص عمل للعاملين بعد تأهيلهم وتدريبهم لتنمية المهارات الفنية .
  1. زيادة نصيب الفرد العراقي من الناتج الاجمالي الحقيقي ويتم من خلال :-
  • خفض معدلات النمو السكاني لتقليل عدد السكان لرفع نصيب الفرد الشهري والسنوي .
  • تحسين المستوى الاقتصادي للسكان من خلال زيادة القدرة الشرائية لهم .
  1. مساهمة القطاعات الاخرى في زيادة دخل الفرد الشهري من خلال مشاركة :-
  • مشاركة قطاع السياحة الترفيهية والديونية في الناتج الملي الاجمالي .
  • مساهمة الصادرات غير النفطية في معدلات النمو الاقتصادي مثل قطاعات الخدمات والزراعة والصناعة والتجارة

ان تنفيذ هذه المبادئ والاهداف والافاق المستقبلية بحاجة الى وضع سياسي مستقر وآمن  يستطيع من خلاله التغلب على الازمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، علمآ بان العراق يمر بازمات متفاوتة من حيت التأثيرات الداخلية والخارجية ومن اهمها الحزبية والمحاصصة السياسية وعدم الاستقرار ومواقف دول الجوار والتاثيرات الاجنبية وغيرها مما احاطت بصعوبة التنفيذ والعمل في التكهن المستقبلي ، لذا فعلينا ان نطرح بعض الفقرات الآتية منها :-

  1. وضع سياسات تنموية وخطط وبرامج تنفيذية تدمج مع الخطط  القصيرة الاجل ومنها الخطة الخمسية  .
  2. على الحكومة المركزية (الدولة) ان تبني على عاتقها الاشراف والمتابعة والتنفيذ .
  3. دعم القطاع الزراعي وتنميته كون توفر معظم مقوماته الإنتاجية بالإضافة الى انه أسرع النشاطات  الاقتصادية  في توفير الاستيرادات ويساعد  على تحقيق الأمن الغذائي ، وذلك بفسح المجال  للمستثمرين (الأجنبي والخاص) من خلال استراتيجية تنموية واضحة .
  4. الاهتمام بالقطاع الصناعي التحويلي من خلال تشخيص المعوقات والمشكلات التي تواجه هذا القطاع وتقويم  الأداء لمنشآته ، ومن ثم وضع الآليات المناسبة للنهوض به  وهنا ينبغي إشراك القطاع الخاص على وفق مبدأ الشراكة والخصخصة .
  5. ضرورة استثمار الغاز الطبيعي واستغلاله أسوة بالدول المنتجة والمصدرة له مثل (ايران، قطر، السعودية، مصر) من قبل الشركات الأجنبية .
  6. استكمال متطلبات البنى التحتية لتأمين القاعدة الأساسية لبناء الاقتصاد العراقي.
  7. إعادة النظر بقانون هيئة الاستثمار والتشريعات والإجراءات المعمول بها حاليا مع تبني سياسة استثمارية واضحة، وعقلانية مشجعة لجميع الأطراف .
  8. إعادة النظر في السياسة التجارية، والحد من سياسة الإغراق السلعي التي يتعرض لها البلد ولاسيما من دول الجوار والعمل على حماية المنتج المحلي والمستهلك في آن واحد.
  9. تفعيل دور أكبر للمصارف التجارية (الحكومية، والأهلية) والمؤسسات المالية، واعتماد التقنيات الحديثة وأجهزة الصراف الآلية والالكترونية مما يسهل العمل بها في الزمان والمكان.
  10. تفعيل قطاع السياحة في العراق ولاسيما السياحية الديونية، ووضع آلية وضوابط لتنظيم دخول الوافدين وإعطاء اهتمام أكثر لمنطقة الأهوار في جنوب العراق بعد ضمها إلى التراث العالمي.
  11. تمكين القطاع الخاص من القيام بدور فاعل في عملية التنمية من خلال تعزيز بيئة الاستثمار، وتسهيل الإجراءات، وتقديم الدعم المطلوب .

                          

 

الخلاصة والاستنتاجات

إن التنمية المستدامة هي التنمية ذات القدرة على الاستمرار والاستقرار من حيث استخدامها للموارد الطبيعية ، والتي تتخذ من التوازن البيئي محور أساسي لها بهدف رفع مستوى المعيشة من جميع جوانبها مع تنظيم الموارد البيئية والعمل على تنميتها ، فهي تتطلب  تغييرات في محتوى النمو بحيث يصبح اقل مادية في استخدام الطاقة وأكثر عدالة للمحافظة على راس المال لتحسين توزيع الدخل وتخفيض الأزمات الاقتصادية , فالتنمية المستدامة لا يمكن حصرها في الحدود الضيقة للنمو الاقتصادي ، بل هي مفهوم واسع يستوجب أبعاد سياسية واجتماعية وبيئية إلى جانب البعد الاقتصادي ، فهي تنمية تفاعلية حركية تأخذ على عاتقها تحقيق الموائمة والموازنة بين أركانها الثلاث  (السكان ، الموارد البيئية ، التنمية الاقتصادية)  وللتنمية المستدامة جوانب ايجابية وسلبية  ، فتتميز الجوانب الايجابية  بانها تضمن التقدم المادي الكبير والتحسن في مستوى المعيشة وتؤدي إلى التقدم التكنولوجي والتوزيع  العادل للثروات الاقتصادية بين السكان. 

أما عن الجوانب السلبية ، فهي تضمن كسر حاجز الرغبات وأيضا التقدم السريع في التكنولوجيا في الدول المتقدمة مع  بقاء الدول المتخلفة (النامية)  تابعة لها دائما، وكذلك تدمير للبيئة عن طريق التلوث الهوائي والمائي .

ومن خلال الاطلاع على ماسبق في البحث يستنج الباحث مجموعة من الخصائص والصفات للتنمية المستدامة ومن ابرزها مايأتي  :-

  1. التنمية المستدامة تعني إحداث تغيرات في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، المتمثلة في زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي وكذلك الحفاظ على الموارد الطبيعية سواء كانت متجددة أوغير متجددة بالاستغلال العقلاني لها.

    أما الحياة الاجتماعية فتتمثل بتحقيق العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع والبيئة بتحقيق التوازن البيئي لينعكس على الجانب الاجتماعي للمجتمع .

  1. التنمية المستدامة هي تنمية دائمة حاضرة ومستقبلا تلبي أماني وحاجات الحاضر والمستقبل ، فالدولة تسعى لتحقيق التنمية في جميع القطاعات لتغطية الحاجيات المتزايدة للمجتمع مع الاعتماد على المشاريع والطرق والآليات لضمان حاجيات الأجيال المستقبلية
  2. التنمية المستدامة هي تنمية شاملة ومسؤولية مشتركة وذلك في جميع قطاعات الدولة وتقع على عاتق الدولة بمختلف مستوياتها المساهمة في عملية اتخاذ القرارات .
  3. يعتبر مصطلح التنمية المستدامة مصطلح عالمي ، وذلك من خلال الدراسات السياسية والاقتصادية والثقافية التي ساهمت في ادراج مفهوم يجسد التنمية المستدامة.
  4. للتنمية المستدامة أبعاد بيئية واجتماعية واقتصادية متشابكة ومتداخلة مع بعضها البعض في إطار تفاعلي يتسم بالضبط والتنظيم والترشيد.
  5. للتنمية المستدامة أهداف تسعى لتحقيقها من خلال آليات فعالة ومبادئ تقوم عليها.
  6. للتنمية المستدامة طرق عقلانية لاستغلال الموارد سواء كانت متجددة أو غير متجددة لضمان تحقيق التوازن بين مختلف الجوانب.
  7. وجود علاقة تكاملية بين البيئة من ناحية والتنمية من ناحية أخرى وهذه العلاقة طردية إذ ترتبط بينهما علاقة تكاملية وتوافقية لتحقيق تنمية شاملة في جميع القطاعات المختلفة .

مصادر البحث

  1. أمارتيا - التنمية حريّة - ترجمة شوقي جلال- سلسلة عالم المعرفة ، الكويت – مايس ، 2004 .
  2. بارق شُبّر – سياسات التنمية المستدامة في العراق بين التمنيات وفشل الانجاز – مقالة منشورة بتاريخ 9 / اذار / 2017 على الموقع   الالكتروني http://burathanews.com .
  3. باسم سيفي - حول استراتيجية الطاقة الوطنية  -  مقالة منشورة  في مجلة قضايا استراتيجية  ، العدد 5  - 2016 .
  4. تقرير اللجنة العلمية للبيئة والتنمية- مستقبلنا المشترك - الامم المتحدة  ، نيويورك ، 1987 .
  5. تقرير مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية في كوبنهاغن (الدانمرك) للمدة 6 - 12آذار 1995 .
  6. تقرير الصندوق العالمي لحماية الطبيعة (WWF) ، تشرين الأول 2006 .
  7. تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية ، الابتكار الخارق والنمو الاقتصادي ، 2011 .
  8. تقرير منظمة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا )  ، عمل المرأة في المنطقة العربية ، وقائع وآفاق - الأمم المتحدة ، نيويورك  2012 .
  9. حنان عبد الخضر هاشم - واقع ومتطلبات التنمية المستدامة في العراق، إرث الماضي وضرورات المستقبل - مركز دراسات الكوفة، العدد 21 .
  10. جميل طاهر - مفهوم وأبعاد التنمية الاقتصادية العربية - مجلة شؤون عربية - العدد 75، 1993 .
  11. دوجلاس موسشيت- مبادئ التنمية المستدامة - ترجمة بهاء شاهين  -  القاهرة ،2000.
  12. ريمون حداد - نظرية التنمية المستدامة ، برنامج دعم الأبحاث في الجامعة اللبنانية - بيروت، 2006 .
  13. سعيدي يحيى - نظريات التنمية المستدامة – جامعة المسيلة .  2010 .                                                   
  14. شرف شمس الديون - تمويل التنمية في ضوء السياسات الاقتصادية واستراتيجيات النمو ، دراسة حالة لبعض الدول الأعضاء في

     اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا الإسكوا ( (ASCWA حزيران 2005 .

  1. عثمان محمد غنيم ، وزميلته - التنمية المستديمة فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها - عمان ، 2007 .
  2. فلاح خلف الربيعي – ظاهرة البطالة في العراق ، الاسباب وسبل المعالجة – مقالة منشورة في صحيفة الصبا الالكترونية ، 2010
  3. محمد عبد الفتاح القصاص - حين تنفصل التنمية عن العدالة الاجتماعية - مجلة بدائل، العدد الثامن 2007 .
  4. محمد عبد القادر - مفهوم التنمية الاقتصادية – القاهرة ، 1999 .
  5. منظمة الاقطار العربية المصدرة للنفط ( اوابك )- التقرير الإحصائي السنوي ، الكويت 2011 .
  6. Anne Osborn Krueger - Trade Policy and Economic Development - American Economic Review, National Bureau of Economic Research, Massachusetts , (Vol 87) March 1997 .         
  7. Brown Lester Russell - Eco Economie une autre Economie est possible Seuil – Paris   
  8. . Burgnmeir Beat – Economie du development durable - Paris, 2004

 

 

([1]) تقرير اللجنة العلمية للبيئة والتنمية بعنوان مستقبلنا المشترك  - الامم المتحدة  ، نيويورك ، 1987 ، ص12 .

 

(*) تضمن هذا المصطلح مسميات كثيرة  للتنمية  المستدامة منها ،التنمية المستمرة ، التنمية المتواصلة ، التنمية المتداعمة ، القابلة للاستمرار ، وغيرها .

 

 

([2]) حنان عبد الخضر هاشم - واقع و متطلبات التنمية المستدامة  في العراق ، ارث الماضي و ضرورات المستقبل – بحث منشور في مجلة مركز دراسات الكوفة  ، العدد 21  ، 2011  - ص  245  .

 

 

 ([3])بارق شُبّر – سياسات التنمية المستدامة في العراق بين التمنيات وفشل الانجاز – مقالة منشورة  بتاريخ 9/ اذار/2.17 على الموقع الالكتروني http://burathanews.com .

 

[4])) أ.  منظمة  الاقطار العربية المصدرة للنفط (اوابك) - التقرير الإحصائي السنوي ، الكويت – 2011 .

      ب. فلاح خلف الربيعي– ظاهرة البطالة في العراق ،الاسباب وسبل المعالجة – مقالة منشورة في صحيفة الصبا الالكترونية،2010 

 

[5])) ريمون حداد - نظرية التنمية المستدامة ،  برنامج دعم الأبحاث في الجامعة اللبنانية - بيروت،2006، ص 4 .

 

[6])) أمارتيا - التنمية حريّة -  ترجمة شوقي جلال- سلسلة عالم المعرفة ، الكويت – مايس ، 2004- ص 7 – 10 .

 

[7])) عثمان محمد غنيم ، وزميلته- التنمية المستديمة فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها -عمان  ، 2007- ص90 .

 

 

([8]) الحجر الآية :2.

 

 

([9]) الأعراف الآية: 56.

 

 

([10]) القصص الآية : 77.

 

 

([11])  الفرقان الآية : 67 .

 

 

([12]) الإسراء الآية : 29 .

 

 

([13])  الأنعام الآية :141.

 

 

([14])  الأعراف الآية 31 .

 

 

([15])  المائدة الآية :2.

 

 

([16])  الأنعام الآية :141.

 

 

([17]) الإسراء الآية :26. 

 

 

([18])  البقرة  الآية : 6.

 

[19])) جميل طاهر - مفهوم وأبعاد التنمية الاقتصادية العربية - مجلة شؤون عربية - العدد 75، 1993 -  ص19 –20 .

 

[20])) تقرير مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية في كوبنهاغن ( الدانمرك ) للمدة 6 - 12  آذار 1995- ص 5- 12  تشكلت هذه اللجنة بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول العام 1983 برئاسة ( برونتلاند ) رئيسة وزراء النروج وعضوية             (22) شخصية من النخب السياسية والاقتصادية الحاكمة في العالم، وذلك بهدف مواصلة النمو الاقتصادي العالمي من دون الحاجة إلى إجراء تغييرات جذرية في بنية النظام الاقتصادي العالمي .

 

[21])) نفس المصدر السابق - ص 13 – 30 .

 

[22])) محمد عبد القادر- مفهوم التنمية الاقتصادية – القاهرة ، 1999 - ص 17 .

 

 

([23] (Burgnmeir Beat – Economie du development durable - Paris, 2004– P. 72 -82

 

 

([24]( Brown Lester Russell - Eco Economie une autre Economie est possible  Seuil - Paris,2003 -  p . 122-132 .   

 

 

(1)Anne Osborn Krueger - Trade Policy and Economic Development - American Economic Review, National Bureau of Economic Research, Massachusetts , ( Vol 87 ) March 1997, p. 14-18 ..

 

[26])) دوجلاس موسشيت - مبادئ التنمية المستدامة - ترجمة بهاء شاهين- القاهرة ،2000 - ص 17 .

 

[27])) تقرير اللجنة العالمية للتنمية والبيئة - مستقبلنا المشترك – مصدر سابق - ص 1.8 .

 

 (*) ويعدّ العدل الاجتماعي إحدى ركائز التنمية المستدامة التي ترفض الفقر والتفاوت البالغ بين الأغنياء والمدقعين، وهذا  هو المفهوم الأول للعدل الاجتماعي هو العدالة بين الأجيال. إن صون النظم البيئية المتجددة يحفظ للأراضي الزراعية والمراعي والغابات والمصايد قدرتها على الإنتاج المتواصل ،  وتحتاج الإدارة الرشيدة لموارد الفحم و النفط والغاز الطبيعي وخامات المعادن إلى الضبط الاجتماعي الذي يقاوم الإسراف في الوقت الحاضر وضمان حصة المستقبل . والمفهوم الثاني للعدل الاجتماعي هو العدل بين أهل الجيل الحاضر ويفي باحتياجاته المشروعة والحفاظ على حصة  الجيل المقبل للاطلاع  راجع المصدر الاتي :-  محمد عبد الفتاح القصاص- حين تنفصل التنمية عن العدالة الإجتماعية- مجلة بدائل، العدد الثامن 2007- ص14-15.

 

[28])) تقرير الصندوق العالمي لحماية الطبيعة (WWF) ، تشرين الأول 2006 - ص 24 - 25 .  

 

[29])) شرف شمس الدين - "تمويل التنمية في ضوء السياسات الاقتصادية واستراتيجيات النمو ، دراسة حالة لبعض الدول  الأعضاء في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا الإسكوا ( (ASCWA حزيران 2005.

 

[30])) دراسة الدكتور سعيدي يحيى - نظريات التنمية المستدامة – جامعة المسيلة . 2010 .حيث قسم هذه النظريات الى ثلاث مجامع من اهمها : -

  • أ‌. ذات النزعة البيئية وتشمل نظريات ( جيمس لوفلوك ، حقوق الكائنات غير البشرية ، المتشائمة ، المتفائلة ، الامريكية المحافظة ، النضوج ، برانت ومورس ، الحالة الثابتة المستقرة ، نادي روما (حدود النمو) .
  • ب‌. ذات النزعة الاقتصادية وتشمل نظريات ( تعديل السوق ، الاستدخال ، حقوق الملكية ، الموارد الناضبة ، القيمة الاقتصادية الكلية ، الاقتصاد الآيكولوجي ، النمو الداخلي ) .
  • ت‌. الداعية للعدالة في توزيع الثروة والتنمية وتشمل النظريات ( التنمية المتراكمة ، مراكز النمو، الاستقطاب العكسي ، القلب والاطراف ، التحيز الحضري ، النظام العالمي ، النمو الاقتصادي الامثل )

 

[31])) تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية ، الابتكار الخارق والنمو الاقتصادي -  ص 26 – 30 . 

 

( *) ان قيمة مؤشر (هرفندال – هيرشمان Herfindahl -Hirschman Index  ) تتراوح ما بين (. – 1) أي كلما اقتربت من الصفر دل ذلك على عدم تركز الصادرات بل تنوعها  والعكس صحيح أي كلما اقتربت قيمة المؤشر من الواحد كلما دل ذلك على تركز الصادرات على سلعة واحدة وعدم تنوعها .

      وهو مقياس مقبول و شائع لتركيز السوق، ويتم حسابه من خلال تربيع حصة سوق كل شركة منافسة في السوق ، ومن ثم تجميع الأرقام الناتجة والتي يمكن أن تتراوح من ما يقرب من (الصفر إلى 10) كما تستخدم وزارة العدل الأمريكية مؤشر هرفندال هيرشمان لتقييم قضايا الإندماج المحتملة .  

 

( * ) الطاقة الاحفورية  هى الطاقة الناتجة من مواد مستخرجة من باطن الارض ومن هنا جاءت التسمية ( الطاقة الاحفورية) اى الناتجة عن الحفر والتنقيب فى باطن الأرض ، ويعنى بها فى المقام الاول( النفط والقحم  والغاز) وترجع نشأة هذه المواد الى المخلفات العضوية الحيوانية والنباتية الى طمرت فى باطن الارض فى العصور الجيولوجية السحيقة منذ مئات الملايين من السنين ثم بمرور الزمن وتحت تأثير العوامل المختلفة من حرارة وضغط تحولت تلك المواد عبر سلسلة من التفاعلات الكيمائية الى الصورة الموجودة عليها الان.

 

[32])) باسم سيفي - حول استراتيجية الطاقة الوطنية - مقالة منشورة في مجلة قضايا استراتيجية ، العدد 5 - 2016.

 

[33])) عدنان فرحان الجوارني - التنمية المستدامة في العراق ، الواقع والتحديات –  بحث منشور في شبكة الاقتصاديين العراقيين على الموقع الالكتروني http://iraqieconomists.net -  ص  27 - 28 وطبع بعد ذلك كتاب بنفس العنوان  عبر دار مركز العراق للدراسات الاقتصادية ، 2015  .

 

[34])) تقير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا ) ، عمل المرأة في المنطقة العربية ، وقائع وآفاق - الأمم المتحدة ، نيويورك  2012 - ص 8 .

 

[35])) حنان عبد الخضر هاشم -  مصدر سابق- ص 257 .

 

(*) يرمز للناتج المحلي الإجمالي (Gross Domestic Production (GDP .