المجموعة: دراسات الزيارات: 2615

دراسة : الكاكائيّة الأخيئيّة والفتوّة والسلام

 

حسين جلوب الساعدي

رئيس مؤسسة الهدى للدراسات

( ذات النفع العام)

الكاكائيّة: هي إحدى الجماعات والفِرق التي تنتشر في شمال العراق، شأنها شأن الشبك والإيزيديّة، ويختلف المؤرّخون والباحثون حولها اختلافاً كبيراً بسبب الغموض والسرّية والرمزيّة التي تحيط بها عقائدهم، إضافة إلى تداخل الأديان والمذاهب في عقائدهم.

 أصل التسمية جاءت نسبة إلى كلمة (كاكه) الكرديّة وتعني (الأخ الأكبر)، وبهذا تكون الترجمة الحرفيّة لكلمة الكاكائيّة أي بمعنى الأخيّة.

واللغة الكاكائيّة هي اللغة الكرديّة، لكن باللهجة الكورانيّة المشهورة بـ(ماجو)، وشعائرهم وطقوسهم الدينيّة مدوّنة بها. ويعتبرون أنّ طريقتهم تقوم على أربعة أركان: الطهارة، الصدق، الفناء، العفو.

ففي الطهارة يتحتّم على كلّ واحدٍ منهم أن يكون طاهراً، أي نظيفاً في الظاهر والباطن، ويجاهد النفس بجعلها نظيفة، سواء في الجسم، أم الروح، أم اللباس، أم الفكر، أم العمل.

 أمّا الصدق فهو السبيل الصحيح، والقيام بما أمرنا الله به. كذلك فإنّ الفناء في الله بمعنى الابتعاد كلّياً عن التكبّر والغرور والأنانيّة وهوى النفس، والرذائل الأخلاقيّة، لكي يتمّ التسامي إلى الحقّ تعالى. والعفو هو الإحسان حيث يجب على كلّ إنسانٍ مدّ يد العون والمساعدة للمحتاجين، لكي يكسب رضا الله ومحبّته.

ويقولون: إنّ مَن يستند إلى هذه الأركان الأربعة في حياته، يصل إلى مرحلة الفناء في الله، وتستجاب دعواته، وينال لطفه ورحمته.

وتجمع هذه الطريقة بين التصوّف وبعض الأفكار الفلسفيّة من الأديان والمعتقدات الأخرى كمثال تناسخ الأرواح....

كما أنّ الكاكائيّة ما هم إلاّ جماعة أو عشيرة كرديّة موطنها الرئيس هو مدينة كركوك، وعلى ضفاف نهر الزاب الكبير في منطقة الحدود العراقيّة الإيرانيّة. وتسكن أغلبها في كردستان الجنوبيّة وخصوصاً في كركوك وخانقين ومندلي وجلولاء وأربيل والسليمانية وهورامان. وكذلك في كردستان الشرقيّة: في قصر شيرين وصحنة كرماشان وسربيل زهاو.

 كما لهم وجودٌ ملحوظ في تلّعفر([1])، والساكنون منهم في كردستان الشرقيّة يُسمّون (أهل الحقّ). ويُطلق عليهم أيضاً: الصارليّة، واليارسانيّة، فهم مجموعةٌ من فرقة (أهل الحق) المنتشرة على الشريط الحدودي الإيراني العراقي في كرمانشاه، وحتى ماكو في شمال إيران وجبال البرز.

ومن مزاراتهم: مزار سلطان إسحاق في جبل هورامان، ومزار سيّد إبراهيم بين مقبرة الشيخ عمر والباب الأوسط ببغداد. ودكّان داود، وصاحب المزار المذكور كان خليفة السلطان إسحاق، ويقع بين سربيل وباي طاق في كهفِ جبلٍ.

 ومزار زين العابدين في داقوق، أصل محلّه كنيسة. ومزار أحمد في كركوك، بمحلّة المصلّى. ومزار عمر مندان في كفري، وهو غير عمر مندان الواقع على طريق كركوك ـ أربيل.

تعدادهم :

لا يُعرف لهم عدد حالياً، لكن عدّهم الكرملي في عام 1928 بحوالي عشرين ألف نسمة. لهم في كركوك 60 بيتاً، وعلى نهر الزاب 480 بيت، وفي خانقين نحو 560 بيت.

تاريخ الكاكائيّة:

الكاكائيّة طريقةٌ صوفيّة ظهرت إلى الوجود على شكلها الحالي في القرن السابع الهجري على يد فخر العاشقين سلطان إسحاق البرزنجي المولود سنة 671 للهجرة.

 وسلطان إسحاق هو مؤسّس ومجدّد هذه الطريقة الصوفيّة، والتي ظهرت بوادرها في القرن الثاني للهجرة على يد قطب العارفين عمرو بن لهب الملقّب بـ (بهلول). 

وكلمة (يارسانيّة) تتشكّل من (يار) و(سان) في الكرديّة والفارسيّة، وتعني الأولى (صديق أو محبوب)، أمّا الأخرى فتعني (الشاه أو السلطان)، فيكون معناها أتباع أو أصدقاء سلطان إسحاق.  

وأصل مذهبهم محلّ خلاف واسع، فإضافة إلى الرأي الذي ذكرناه، هناك مَن يعتبرهم بقايا جماعة الفتوّة وتنظيمها التي شجّعها الخليفةُ الناصر لدين الله (ت 622هـ)، بعد أن جعل من نفسه الفتى الأوّل، ثمّ تقلّد رئاستها خلفاؤه.

 والكلمة الكرديّة (كاكا: الأخ) كانت وراء القول في صلة الكاكائيّة بالفتوّة، المعروفة بالأخيّة أحياناً([2]).

 وهناك مَن يعتقد أنّها قبيلةٌ كرديّة مسلمة تأثّرت بالأديان الأخرى، ودخل إليها مزيجٌ من الأفكار والعقائد المستمدّة من التصوّف والتشيّع الغالي والمسيحيّة والفارسيّة، وهي ليست ديناً أو مذهباً خاصّاً ولكنّها خليطٌ من الأديان والمذاهب.

وآخرون يقولون بأنّهم: (اختاروا النصرانيّة على كلّ دين سواه). كما أنّ آخرين يُسقطون البعد الديني الإيزيدي عليها، والمتمثّل بوجود مركز رئيس الملائكة في عقائدهم.

وبحسب تقرير للاستخبارات البريطانيّة، كان سلطان إسحاق متأثّراً بنِحلة دينيّة قديمة كانت مزدهرةً، يُدعى صاحبها بابا خوشين.

ولعلّ الآراء المتباينة التي ذهبت في تفسير الكاكائيّة، مردّها ما عزاه بعضهم إلى (أنّهم يخفون رأيهم الديني على كلّ إنسان)، إضافة إلى تداخل الديانات في مذهبهم.

الانتهاكات التي تعرّض لها الكاكائيّة

لقد تعرّض الكاكائيّة لعددٍ من الانتهاكات شأنهم في ذلك شأن باقي أطياف الشعب العراقي، والذين تمّ محاربتهم على أساسٍ قومي مذهبي، حيث عانوا من التهميش، فضلاً عن تطبيق العديد من السياسات التي ساهمت في تقويض حرّياتهم العقائديّة، فضلاً عن سلب ممتلكاتهم وأراضيهم وترحيلهم قسراً.

ومن الانتهاكات التي تعرّض لها الكاكائيّة على يد النظام البائد والتي حدّثنا عنها شيخ عشيرة الكاكائيّة السيد عدنان فتاح خليل الآغا الكاكائي،وهو من مواليد عام 1937 في قرية (طوبزآوا) التابعة لقضاء داقوق ضمن محافظة كركوك، وضمن ما ذكره ([3]) هو:

1. تصفية القرى التابعة لهم

حيث كان يبلغ عدد قراهم 25 قرية، ولم يبقَ منها سوى 7 أو 8 فقط بعد تعرّض سكّانها إلى العديد من الضغوط، بعد الاستيلاء على أراضيهم الزراعيّة وفق قرار 824 والذي تمّ بموجبة استملاك 38 ألف دونم للعرب.

2. مصادرة أراضيهم الزراعيّة

حيث تعرّضت أراضيهم وبمساحات كبيرة إلى الاغتصاب والحجز والمصادرة. فخلال الفترة من عام 1973 وحتىعام 1994 استولى النظام البعثي على (150) ألف دونم من أراضي أبناء الكاكائيّة، ومنحها للعرب الوافدين.

 وفي السبعينات من القرن الماضي، تمّت مصادرة وإطفاء (100) ألف دونم من أراضينا الزراعيّة الخصبة. في إطار قانون الإصلاح الزراعي ذكرَ أنّهم الآن يعملون على استردادها رويداً رويداً في إطار القانون الجديد.

3. سياسة التعريب

حيث تمّ إجبارهم على تغيير قوميّتهم إلى العربيّة إبّان حكم البعث، وفق ما عُرف  وقتذاك بـ(تصحيح القوميّة).

4. تقييد حرّية التعبير عن العقيدة

لدى الكاكائيّة العديد من المزارات منها: مزار سلطان إسحاق في جبل هورامان، ومزار سيد إبراهيم، بين مقبرة الشيخ عمر والباب الأوسط ببغداد. ودكّان داود، وصاحب المزار المذكور كان خليفة السلطان إسحاق، ويقع بين سربيل وباي طاق، في كهفِ جبلٍ.

ومزار زين العابدين في داقوق، ومزار أحمد في كركوك، بمحلّة المصلّى. ومزار عمر مندان في كفري، وهو غير عمر مندان الواقع عل،ى طريق كركوك ـ أربيل.

 وفيما يخصّ مزار سيد إبراهيم الذي يعتبر من أهمّ المزارات بالنسبة للكاكائيّة، وهو إبراهيم بن محمد بن إسحاق بن عيسى بن علي بن يوسف بن منصور بن عبد العزيز بن عبد الله، بن الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق عليهم السلام.

 فقد حدّثنا الشيخ عدنان([4]) عن حادثة تؤكّد عدم تمتّع جميع مكوّنات الشعب العراقي بالحرّية، فيما يخصّ ممارسه طقوسهم، والحيلولة دون تهيئة وبناء أماكن العبادة لأغلب أطياف الشعب العراقي..

 وتتلخّص الحادثة في قيام الشيخ بتقديم طلب إلى الأمانة العامّة الشريفة من أجل إعادة ترميم المزار، لكنّ النظام البعثي رفض ذلك حتى أنّه لم يبدِ أيّ استعدادٍ للقيام بتولّي مهمّة ترميمه، ورغم ذلك ظلّ الشيخ عدنان يحاول جاهداً الحصول على الموافقات الرسميّة، خاصّة وأنّ المساحة المحيطة تتقوّض شيئاً فشيئاً بعد أن أصبح الناس يأخذون من الأراضي المحيطة به ويبنون عليها المحلّات.

 واستمرّت محاولته حتى طالت 13 سنة، إلى أن حصل على الموافقات أخيراً والذي مكّنه من ترميم وتوسيع المزار في عام 2002.

 



 

 

 

 

 



([1] ) موسوعة اللغات العراقيّة: 203.

([2])  الصلة بين ال: 1/518.

([3]) لقاء مع خليل الآغا.

([4]) لقاء مع الشيخ عدنان.