الاتفاقية الأمنية تسابق المواقف وتسارع الزمن

المجموعة: مقالات رئيس المؤسسة كتب بواسطة: كاظم الرويمي

 

 

 

يمر العراق بمرحلة تكوين مستقبله السياسي وواقعه الاقتصادي والأمني، وعادة كل عملية تكوين تمر بمخاضات صعبة وولادة عسيرة ومواقف جريئة وحوار طويل وزمن صعب ومتسارع، ومن مفاصل تكوين المستقبل السياسي الاتفاقية الأمريكية العراقية التي أخذت أبعادها الواضحة في المحافل السياسية والأوساط الإعلامية ،حيث يعي العراق مبررات عدّة لتوقيعها ومحاذيرَ أخرى لرفضها وضغطاً سياسياً في الاتجاهين وتبايناً وتعدداً في المواقف، فقد جاءت المبررات من وحي الواقع العراقي حيث الأعمال الإرهابية وأجواء العنف التي تهدد إستقرار العراق الأمني وعدم جاهزية القوات الأمنية من جيش وشرطة وإستخبارات وعدم قدرتها على تحمل المهام الأمنية في وسطٍ سياسيٍ متناقض ومخاوف متبادلة، حيث النزعة الطائفية والعرقية والفئوية التي تهيمن على الإدارة السياسية للبلد مما نتج عن عدم ثقة متبادلة، فقد أعلن الكرد عن مخاوفهم من تجهيز الجيش العراقي وأفصح السنّة عن مخاوفهم من قيادة الأجهزة الأمنية وأظهر الشيعة عن قلقهم من مستقبل القوات المسلحة . 

كل هذهِ الأجواء تفرض حليفاً إستراتيجياً للعراق يكون صمام أمان يقف أمام تلك الممارسات ويبدد المخاوف، فكان خيار أكثرهم على وجود قوة قوية ترهب الجميع كالأمريكيين واقعاً هذا مبرر، والآخر العراق مهدد من جيرانه جميعاً اللذين لديهم نفوذ قوي داخل العملية السياسية وطبيعي  الإدارة السياسية منقسمة إقليمياً كذلك فأخذ البعض يتحمس لطرح الاتفاقية لحماية العراق من الآخرين.

ومبرر ثالث خروج العراق من البند السابع ليعود إلى الحضيرة الدولية بلا قيود، ومبرر رابع شرعية وجود القوات الأمريكية بعد نهاية التزام وجود القوات المتعددة الجنسيات وبقرار من الأمم المتحدة، وغيرها من المبررات التي تفرض نفسها على الواقع العراقي كالاقتصاد والعلم والتكنولوجيا والثقافة والخبرات وحاجة العراق الماسة لها.

يأتي الرأي الرافض بقوة يحمل مبررات وحلول أخرى منها رفضه للاحتلال والدعوة  لتكوين الدولة العراقية ذات السيادة المستقلة بعيداً عن هيمنة القوى الأخرى، والمبرر الثاني هو القلق من الالتزام بمعاهدة طويلة الأمد تلزم العراق وتقيده سياسياً لمدة (90 عاماً) والساحة السياسية في تقلبات مستمرة و العراق يبحث عن مصالحه المستقبلية التي قد تكون في مواقع أخرى غير أطراف الاتفاقية ،والمبرر الثالث  الاتفاقية تمثل مفصلاً تاريخياً كبيراً يجب  يكون عليها إجماعا وطنياً والذي يصعب تحقيقه في هذه المرحلة طبعاً.

ويأتي المبرر الرابع  الاستعجال في توقيعها بصيغتها بين الدولة العراقية والحكومة الأمريكية الراحلة لهي مجازفة في مستقبل العراق ويجب التأني حتى نهاية الانتخابات الأمريكية وما تفرزه من مستجدات على الساحة العالمية، وكذا يجب التأمل كثيراً بإثارة الأزمة المالية الأمريكية وتداعياتها العالمية. 

ويركز الرافضون على مبدأ أساسي وهو يجب أن تكون الاتفاقية بإرادة وطنية بعيداً عن الضغط والتهديد.

هذهِ الآراء المتجاذبة جعلت أمريكا تبدي تنازلات كثيرة وتنفي بعض التسريبات لكنها أخيراً أعلنت التنازلات الكثيرة  والتي وصلت إلى حد لا يمكن التزحزح عنه وان الأمريكيين غيرُ مسؤولين عن الوضع الأمني في العراق مستقبلاً.

ويبقى الأمر بحاجة إلى دبلوماسية عالية وذهنية وقادة في جمع الآراء والمواقف والتوجهات لتنتج اتفاقية أو معاهدة أو قرار ويرتكز الأمر على ان  تكون الاتفاقية في إطار أو رعاية الأمم المتحدة أو مجلس الأمن ليكون غطائها دولي عالمي وليس ثنائي أو أحادي وكذلك يجب ان تطرح بنود الاتفاقية بكل وضوح للعراقيين وان تخرج البنود والمواقف من الغرف المظلمة إلى دائرة الضوء لتنكشف القضايا على حقيقتها، ونتمنى على الرافضين والمؤيدين ان  يجعلوا مصلحة العراق الوطنية الهدف الأسمى والقصد الأول في كل مواقفهم ومشاريعهم ولنساهم جميعاً في تكوين مستقبل العراق0

 

حسين جلوب الساعدي

جريدة المرحلة العدد 15