القائد المفكر ... مسيرة رجل العطاء والصمت

القائد المفكر

مسيرة رجل العطاء والصمت

السيد هاشم الموسوي

حسين حلوب الساعدي

السيد هاشم الموسوي عالم عامل مفكر حركي منظر قائد مربي مزج الفكر بالعمل والوعي بالحركة والتنظير بالالتزام والموقف بالمبادرة والتواضع بالقيادة والصمت بالصمود والاستمرار والمواصلة في الطريق الذي اختاره والدرب الذي اختطه لم تهزه المحن التي احيطت بالحركة الاسلامية ولم تبهره بهارج الدنيا واطماعها ولم تثن عزيمته امزجة التدافع والصراع كان شخصية اسلامية ملتزمة بل مثل شاخصاً يستدل به في مسيرة الحركة الاسلامية التي تعرضت لكثير من حالات الارباك والارتباك .

فقد كانت محطات حياة السيد الفقيد تعبر عن وعيه وعلمه مواقفه وتعكس الشخصية القيادية التي يتمتع بها في تحديد مسارات العمل حين تكون في مفترق طرق صعبة.

الولادة والتكوين القيادي :

البيئة والظروف والتحديات والاحساس بالواقع والتفاعل ازهاء او معها تساهم في ولادة وتكوين الشخصية القيادية في حياة الامة .

فالبيئة التي ولد فيها الفقيد مثلت الارض الصالحة لبذرة لولادة ونمو وتكوين الشخصية القيادية ولد السيد هاشم الموسوي عام 1939م في بيئة غارقة بالجمال والعطاء والبساطة والخير في بساتين النخيل من (ابي الخصيب) حيث تنوع التمر الذي اعطى لاهالي البصرة حلاوة الألفة والمحبة والطيبة وما كانت تحوية تحت ظلالها من انواع الفاكهة من الاعناب والتفاح والبرتقال والخوخ والمشمش التي يصفها الفقيد بقولة تعالى (وقطوفها دانية) فقد كانت جنة الله في ارضه حسب تعبيره التي امتزجت بروحه ومشاعره واحاسيسه وانعكست على اخلاقه وسلوكه لتضفي عليه الهدوء والسكينة والتواضع والمحبة .

أما الظروف التي ساهمت في تكوين شخصيته القيادية والشروط اللازمة لظهورها بقول الفقيد (في هذه المرحلة – مرحلة التكوين والولادة القيادية – تتفاعل ظروف عوامل موضوعية – كثيرة كالظلم والتسلط والحرمان والفقر والاستعباد والتخلف والفساد والانحطاط العقائدي والاخلاقي والاجتماعي ... الخ مع الاحساس الانساني الرافض فتبدا هذه العوامل السلبية تؤثر في نفسية الامة ووعيها تثير لديها الاحساس بالالم والنزوع الى الخلاص ... ولكون مثل هذه الحالات حالات الاحساس والنزوع الى الخلاص – لا تحدث لدى كل الافراد الذين يعانون المأساة ويعيشون الام التردي .

بل يتركز هذا الاحساس في طلائع وافراد متناثرين هنا وهناك على مساحة وجود الامة ويبقى هذا الاحساس والشعور بمرارة الواقع الفاسد احساساً سلبياً يحتاج الى عملية تكييف وتحويل حركي ليتمكن من التعبير الايجابي عن ذاته والانقضاض على الواقع الفاسد والعمل على تغييره وعندئذ تبدأ مرحلة اختيار التاهيل القيادي الذاتية تبدأ المؤهلات القيادية عند الفرد بالتبلور بالبروز والظهور كطلائع مؤهلة بين صفوف الامة تمارس مثل هذه العملية - عملية التكثيف والتكييف الحركي لطاقات الامة والجماعة ، وتوجيهها باتجاه اهدافها - تتجه الانظار والاحاسيس والامال صوب هذه الطليعة فتكثف الطاقات والامكانات شيئاً فشيئاً من حولها حتى تكتسب هذه الطليعة ثقة الامة والجماعة المتحركة من حولها فتتركز شخصية الامة وامالها في هذه الطليعة باعتبارها – المعبر عن ارادة الامة والمترجم لمحتوى ضميرها)  حيث شخص الظروف التي تساهم في تكوين الشخصية القيادية .

فقد عاش ظروفاً تركة تكوين الدولة العراقية وتداعياتها وما عاصره من احداث وحراك فكري وسياسي اثرت في تكوين شخصيته القيادية بدءاً من تأسيس الدولة التي كان الدور الريادي للمرجعية والعلماء في تكوينها من مواقفهم في حركة الجهاد وثورة العشرين ورفض التبعية ومقاومة الاحتلال وما لاقوه من ظلم وتهميش وما تعرض له الشعب العراقي والشيعية بالخصوص من حرمان واستعباد وتهميش وتمييز طائفي  .

وظهرت احداث هزة وجدان الامة الاسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية واعلان الدولة الصهيونية عام 1948 الذي مثل تحدٍ أثار مشاعر الامة التي اوجدت تساؤلات كبيرة عن دور اللامة الاسلامية .

وكذا التحدي الفكري والثقافي المتمثل بانتشار الحزب الشيوعي والاستجابة الواسعة له وهو يحمل في برامجه وشعاراته العداء للدين والقيم الاجتماعية وظهور الفكر القومي والعلماني الذي اخذ يعمل على تجزئة المجتمع والامة الاسلامية ويحاصر الاسلام وينأى بعزله عن الحياة المدنية والسياسية وما رافقته من انحطاط حضاري يعيش ظروفه المسلمون وما رافقه من استلاب وانبهار وانسلاخ وانجذاب وتقليد حضاري اصيب به المجتمع الاسلامي وما ظهر من اتباع للسياسيين والاحزاب والمثقفين والاعلام للغرب والشرق واضحوا دعاة متحمسين للنظام الرأسمالي والشيوعي وغياب المشروع الحضاري للاسلام واندثار نظام الحكم في الاسلام فأمسى دعاة الاسلام محاصرين متهمين بالرجعية والتخلف.

في هذه الاجواء انبثق تأسيس حركة اسلامية تسعى لبناء المجتمع الاسلامي واعادة تكوين الاسلامية وتهدف لاقامة الدولة الاسلامية.

وقد امده اخلاصه ووعيه وحبه للعلم والمعرفة الذي جعله على درجة عالية من الثقافة والنشاط الثقافي ان يحتل موقعاً قيادياً وهو في بداية العقد الثالث من عمره.

فقد تدرج السيد الفقيد في المستوى الفكري والثقافي حتى وصل الى المستويات العالية من الثقافة الحزبية ليصل الى مستوى الاصالة الفكرية والابداع حيث يكون الداعية ذا عقلية مبدعة يستطيع ان يحكم الافكار بمقياس الاسلام وان يستنبط الافكار من مصادرها.

فقد مارس الدور القيادي في عالم التنظير والتفكير ليسد الفراغ الكبير الذي حصل في الدعوة بعد شهادة الرعيل الاول من مفكري الدعوة ليواصل العطاء الفكري في اتجاهين :

الاول : الثقافة الخاصة متمثلة باصدار نشرة الحزب السرية (صوت الدعوة) بعد اعتقال الشهيد محمد هادي السبيتي واصل السيد هاشم الموسوي اصدارها من العدد (31 حتى 45) التي كانت من نتاجه الفكري وفقد سد فراغاً كبيراً في الثقافة الخاصة .

وبعد سقوط النظام الدكتاتوري حاول ان يعيد اصدار (صوت الدعوة) فاصدر العدد (46) ان السيد أبا عقيل اخر مفكري الدعوة الذي يمتلك العلم والوعي والهمة في اثراء مسيرة الحركة الاسلامية بالفكر والمعرفة.

والثاني : العطاء الفكري في خط الشهيد محمد باقر الصدر فهي مدرسة متكاملة في فتح ابواب الفكر والتأمل والانتاج والعمل وقد برز في ارجائها مفكرون كبار استطاعوا اثراء مسيرة الحركة الاسلامية في التعريف بالاسلام وطرحه بأسلوب حضاري يقوم عليه بناء المجتمع وتنظيم الدولة وينظم العلاقة الحسنة بين البشر كما ساهم المفكر في اطار هذا الاطار بالدفاع عن الاسلام ورد الشبهات التي اثارتها الماركسية والمادية والوجودية والرأسمالية في مجال الفلسفة والمنطق والاقتصاد والسياسة والتربية.

وبادر المفكرون لإحياء الفكر الاسلامي الاصيل وتنقيته من الخرافات والموضوعات والتسطيح وكان في مقدمتهم المفكر والمرجع الشهيد محمد باقر الصدر والمرجع السيد محمد حسين فضل الله والمفكر الشيخ محمد مهدي شمس الدين والمحقق العلامة السيد مرتضى العسكري والاستاذ الدكتور عبد الهادي الفضلي والشيخ محمد مهدي الاصفي وغيرهم من المفكرين الذين اثروا المدرسة بنتاج فكري رصين واصيل ومؤثر وتكاملت الحركة الاسلامية معهم في غزارة الانتاج ووضوح الرؤيا وامتداد التأثير حتى اصبح نتاجهم يعبر عن مدرسة الوعي.

واصل السيد هاشم الموسوي التأليف بيد انه بأسلوب اخر من خلال دار التوحيد في الكويت ومؤسسة البلاغ في طهران التي تأسست عام 1982 في تسيير الثقافة من خلال تاليف كتب صغيرة تنشر وتوزع على جميع انحاء العالم الاسلامي وقد كانت ترصد القضايا الثقافية ليكتب حولها ثم توزع وكان من ابرز الكتاب ثم اصبح الوحيد الذي يكتب فيها فقد كتب اكثر من 120 كتاباً في الفكر والعقيدة والسيرة والتربية والادب والاخلاق وقد ترجمت اكثرها الى الانكليزية والفرنسية والروسية والتركية والكردية والالمانية والسواحلية والاردية وغيرها.

وانتشرت كتبه في 8 ملايين ونصف المليون نسخة في انحاء العالم الاسلامي وبـ27 لغة مختلفة بحسب احصاء اولي اجرته مؤسسة البلاغ وكانت مؤلفاته في الفكر الاسلامي ولم تحمل اسماً للمؤلف اذ كان يكتفي الراحل بوضع عبارة (لجنة التاليف) او (من اصدارات دار البلاغ) بدلاً عن اشهار اسمه واعلانه وللفقيد الكبير عدة مؤلفات حملت اسمه منها : تفسير القران الكريم، التشيع نشوؤه ... معالمه، النظام الاجتماعي في الاسلام، اهل البيت في القران، منهج الفقه الاسلامي، الثقافة السياسية الاسلامية. وقد ترك الموسوي من المخطوطات التي لم تطبع حتى الان وهي مشاريع فكرية عديدة.

فقد اوجدت كتبه تياراً فكرياً في العالم الاسلامي وقد كانت تطبع وتوزع على جميع المشتركين في مؤسسة البلاغ وكانت السودان وحدها اكثر من (36) الف مشتركاً ومثله في الجزائر وهكذا وكان من بين كتبه في التعريف بالتشييع واهل البيت (عليهم السلام) باسلوب علمي موضوعي حتى اوجدت تحولاً كبيراً في احترام مدرسة اهل البيت (ع) او الانتقال اليها.

وكذا سد فراغاً كبيراً في مجال تدريس مادة التربية الاسلامية من الابتدائية حتى الثانوية وقد اختار مواضيع قرانيه وعقائدية ومن السيرة والاداب والاخلاق برؤية اسلامية حتى اعتمدت في اكثر من (2000) مدرسة في العالم حسب احصاءات مؤسسة البلاغ.

وترجمت الى العديد من اللغات واعتمدت في المدارس الاسلامية من مختلف المذاهب وكان لي صديق الدكتور محمد شمس الاعظم من بنغلادش شجعته على ترجمة التربية الاسلامية وترجمها ودرست في المدارس البنغلادشية فقد ادى السيد هاشم الموسوي (رحمه الله) دوراً كبيراً في التعريف بالإسلام ونشر الفكر والثقافة والتربية الاسلامية على المستوى العالمي من دون ان يذكر اسمه على كتبه فقد كان ترابياً متواضعاً صامتاً لانه يحمل هماً وهدفاً كبيراً وهو التعريف بالإسلام.