الأمةُ الإسلامية والقضيةُ الفلسطينيةُ المركزيّة

المجموعة: مقالات رئيس المؤسسة كتب بواسطة: hussen

الأمةُ الإسلامية والقضيةُ الفلسطينيةُ المركزيّة       

  الحلقة الثالثة

حسين جلوب الساعـــــــــــــدي

بعد أنْ أضحتْ القضيّةُ الفلسطينيّةُ وجدانيةً عقائديةً إنسانيةً عادلةً، ودخلت في وجدان الأمّة من المسارب السبعة التي ذكرناها في الحلقة السابقة (مكانة القدس والوعي التاريخي للصراع وطبيعة الشخصية اليهودية الغادرة وجمع اليهود بعد وعد بلفور والاحتلال والعدوان والمجازر والتهجير والروابط الإسلامية مع الشعب الفلسطيني المسلم)، تأتي الملاحظة في مسيرة الأمّة للقضية الفلسطينية والهزائم التي عانى منها رؤساءُ العرب والتحدي الصهيوني المستمر وعمليّة الاستسلام والخضوع والتطبيع مع الكيان الغاصب أين دور الأمّة الإسلامية في هذه المسيرة؟ وهل كانت الأمّة الإسلامية غائبةً أو مُغَيبّةً. وما الظروف التي افقدتها دورها؟

ما الجديدُ في مسيرةِ القضية الفلسطينية لتقودَ الانتصارَ وتُحرج العالمَ والأنظمةَ في التعاطي معها؟

إنَّ الإجابةَ على هذه الأسئلة تأتي من خلال طرح رؤيةٍ تاريخيةٍ لتكونَ مُقدّمةً لدراسة القضيّة بكل أبعادٍ، قائمةً على تحقيب سير الأمّة وظروفها وأحوالها وحكّامها وظهور مستجدات في الساحة الإسلامية التي أنتجت المقاومةَ لتقودَ الانتصارَ ويُمكن اجمالها في الحقب التالية :

  1. بدأت ملامحُ الحقبة الاولى من القرار الصهيوني في المؤتمر الخامس في بازل عام( 1901)، لشراء الأراضي الفلسطينية لتصبح وقفاً لليهود وتوظيف اليهود فقط في الاستثمارات الصهيونية وعلى هذا الاساس وصلت دفعات من الصهاينة الى فلسطين حتى عام( 1914 )، للعمل والاستثمار حوالي (40,000 )، يهودياً لتكون نسبة اليهود( 6% )، وادّعاء أنّ فلسطينَ فارغةٌ من السكّان ثم قام الصهاينة بتأسيس مدينة تل ابيب عام( 1909 )، ومخصّصة لليهود فقط .

في هذه الحقبة كانت الخلافةُ العثمانيةُ مترهلةً الإدارة ولا تُدرك المخاطرَ وغير قادرة على وعي ومعرفة المخاطر التي تحيط بالأمة وتعيش أوجّ صراع الحركة الدستوريّة والنقاش على موقع الخليفة في الدولة وتشهد تصفيات بين الدستورييّن وأنصار الملك

أمّا الأمّة فقد كانت متوسّدة التراب، وتعيش البؤس والحرمان والفقر والجهل وتنامي الشعور القومي والمطالبة بالحقوق ورواج الهويات الفرعية الموزعة على طول الخلافة العثمانية وعرضها. ولم تشعر في عمل الصهاينة في هذه المرحلة يعني أمّة منحدرة منفصلة بعضها عن البعض ولم تلحظْ ما يجري في فلسطين حتى يكونَ لها موقف .

  1. عند اندلاع الحرب العالمية الاولى عام( 1914)، تعاني الأمّة من انقسام وضياع وصارت في مواجهة الدول الاستعمارية المحتّلة ومن مظاهر الانقسام في الأمّة اعلان الثورة العربية ضد الدولة العثمانية عام( 1916) والدعوة لاستقلال المقاطعات العربية التي تخضع للحكم العثماني .

واتفاقيات الحماية البريطانية مع أمراء الخليج في عمان والإمارة العربيّة المتصالحة والبحرين وقطر والكويت وآل سعود .

وحركة الجهاد في العراق عام (1914)، للدفاع عن البلاد الإسلامية ومحاربة الكفّار

وفي جانب آخر كانت ايران تعاني من تمدّد الروس من الشمال وتقدم الانكليز من الجنوب والشاه القاجاري لاحولَ له ولا قوّة .

مسلمو الهند قبل التقسيم وافغانستان تحت الاحتلال البريطاني .

امّا مصر والسودان فَتَحْتَ الاحتلال البريطاني وليبيا الاحتلال الايطالي والمغرب العربي تحت الاحتلال الفرنسي والاسباني .

وتقدمت فرنسا لأسقاط الإمارات والدول الإسلامية في مالي والنيجر وتشاد والسنغال وساحل العاج وهكذا. فأيُّ أمّة تعي مخطط اليهود؟ وأيُّ موقفٍ يمكن أنْ يصدر منها؟ وهي ترزح تحت الاحتلال وتعاني الانقسام ومضطربة الحال .

فاصبحَ العالمُ الاسلاميُ على أساسِ ما جاء في اتفاقية سايكس بيكو مُقسّمًا بين الدول الاستعمارية وذهب الوعود للشريف حسين ادراج الرياح .

  1. وعد بلفور عام( 1917)،  وتعهدت بريطانيا بأنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وتنفيذًا لهذه التعهدات قامت باحتلال فلسطين عام( 1918 )، واستقبال الموجة الثالثة للمهاجرين اكثر من( 35,000)، يهوديًا لتزداد نسبتهم سنة( 1919)، الى( 12% )، ملكية الارض الى( 3% )،أي أنّ اليهود أخذوا يضم اراضي فلسطين وطرح  فلسطين دولة يهودية .

ولم نجد ردود فعل اتجاه القضية الفلسطينية على مستوى الأمّة سوى بيانات هنا وهناك يطلقها بعض شيوخ الازهر مثل الشيخ محمد مصطفى المراغي والشيخ محمد رشيد رضا والشيخ محمد عبد المجيد سليم ومحمد شلتوت وخطابات وبيانات الشيخ عبد الكريم الزنجاني والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في العقد الثالث والرابع من القرن العشرين ، ولم تتحول بعدُ القضية الفلسطينيّة الى مستوى اهتمام الأمّة الغارقة بمشاكلها المعيشيّة وسيطرة الاحتلال يعني أنّها تغفو على الهموم وتغط بالنوم

  1. طور جديد دخلت القضيّة الفلسطينيّة في وعي الأمّة بحركة عزّ الدين القسّام (1928)، الى شهادته (1935)، واستمرار ثورته حتى عام( 1939) .

عزّ الدين القسّام عالم أزهري من بلدة جبلة في لواء اللاذقية داعية مجاهد ثائر بدأ حركته الجهادية في سوريا لمحاربة الفرنسيين عام( 1918 )، وانتقل الى بيروت ثم صيدا واستقر في حيفا (1922 )،إمامًا في مسجد الاستقلال وكانت عقلية القسّام منصبّة على بناء الأمّة والنهوض بالمجتمع من خلال المدارس التي افتتحها والخطب التي يُلقيها في المساجد وبعد أنْ درس الاوضاع في فلسطين التي كانت تحت الاحتلال البريطاني وزيادة الهجرة اليهودية أعلن انّ الاحتلال البريطاني أساس البلاء في فلسطين وهو الذي يرعى اليهود في فلسطين .

وأخذ يجوب القرى والأرياف والمدن لإعداد لثورة وتكوين تنظيم سرّي باسم (عصبة القسّامية)، واتصل بأمين الحسيني لإعلان الثورة فأجابه ان القضيّة الفلسطينيّة تحل بالوسائل السلميّة اي أن كان القسام يعتمد على الأمّة والثورة والحسيني، والمجلس الفلسطيني يعمل بالطرق السلمية والمفاوضات والبيانات .

وأخذت العصبة القسّاميّة بإعداد المقاتلين وتوفير السلاح وتوسيع دائرة الاتصال بالشخصيّات وشيوخ العشائر والذي له استجاب الامير راشد الخزاعي في عجلون من الاردن فأمده بالمال والسلاح والرجال وأخذت مجاميع القّسام بشن عمليات على اليهود والاحتلال الانكليزي حتى كانت المعركة التي استشهد فيها عام (1935)، تستمر بإعلان الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) بقيادة الشيخ فرحان السعدي خليفة عز الدين القسام بقيادة الأمّة .

في هذه المحطّة كان اولَ عملٍ ملهمٍ للأمة للقيام بالثورة حتى أصبحَ عنوان الثوار للقضية الفلسطينية، وتفاعلَ المسلمون مع هذا الحدث السريع ولم يرتقِ لمستوى قضيّة بحجم الأمّة الإسلامية والقضيّة الفلسطينية الّا بعد حين لأنّها كانت جميعها وكلها تحت الاحتلال وقضية الاستعمار .

  1. المحطة التالية إعلان دولة اسرائيل وحصول بعض الدول على الاستقلال وإن كان شكلياً وخروج الاحتلال البريطاني من فلسطين الى ان تكون دولتين دولة اسرائيل والدولة الفلسطينية ومن المفارقة في هذا انَّ جميع الدول الاوربية وامريكا وروسيا اعترفوا بدولة اسرائيل واصبحت عضوًا في الامم المتحدة والدولة الفلسطينية لم تحضَ بالاعتراف وظلت قضيّة حل الدولتين أحد الخدع التي تطلقها الامم المتحدة في اوقات الازمات لحد هذا اليوم .

وفي حرب (1948)، قائد الجيش الاردني غلوب باشا البريطاني ودخلت الجيوش العربية ومجاميع المجاهدين من الإخوان المسلمين في معارك عديدة بهزيمة الجيوش العربية امام جيوش اسرائيل المدعومة من بريطانيا والتي تفوقهم بالعدة والعدد حيث كان اليهود جيشهم (107,000)، والجيوش العربية لا تتجاوز( 20,000)، وكان اليهود مدعومين من الجيوش البريطانية.

 وكانت نتيجة حرب(1967) هزيمة للجيوش العربية وكذا حرب اكتوبر(1973 )ولم يسجل انتصار الّا في معركة السويس التي قامت بها المجاميع المجاهدة من شباب محمد التابع للإخوان بقيادة حافظ سلامة .

إنّ تلك الأحداث والهزائم المتوالية أدخلت القضية في وجدان الأمّة وتفاعل المسلمون معها واصبحت جزءا من خطاب القادة والرؤساء العرب واعتبار القضية الكبرى وخرجت من قضية إسلامية مقدسة الى عربية قومية .

مع هذا تفاعلت معها الأمّة الإسلامية فقد صدرت الفتاوي من النجف الاشرف وقم المقدسة والازهر الشريف لكن هذه الفتاوى لم تأخذ طرقها الى تعبئة الأمّة وإنمّا هي خطابات تمنع الانظمة امتداد اثرها للأمّة الإسلامية .

فقد اخذت هذه الاحداث الكبرى لوعي الأمّة والاطلاع وتتبّع أحداث فلسطين ولكنّها لم تدخل ارادة الأمّة إنمّا خاضعة للخطابات القوميّة .

  1. مرحلة التطبيع مع اسرائيل بعد حرب (1973 )، التي استمرت حتى ثورة سيف القدس فقد كان اول من سارع للتطبيع الاردن ثم مصر ثم استطاعت اسرائيل للنفوذ للدول العربية بشعاراتها الخدّاعة كالحوار بين الديانات الابراهيمية وخلق عدو وهمي (الشيعة وايران) ثم صفقة القرن ثم اعلان القدس عاصمة اسرائيل وتسابق حكّام العرب للتطبيع والتحقت الجميع بمصر ولله در الشاعر احمد مطر كيف استشرف حال حكام العرب بعد اتفاقية كامب ديفد .

في قصيدته (الثور والحظيرة) التي ختمها بقوله (لم يرجع الثور، ولكن ذهبت وراءه الحظيرة) فقد التحق بالتطبيع سلطنة عمان والبحرين وقطر والمغرب والامارات العربية وفتحت السفارات الاسرائيلية فيها وبادرت للتطبيع السعودية والسودان وموريتانيا وكذا العراق في طريق التطبيع بعد ان اصبح قائم للأعمال لدولة اسرائيل في العراق غير مقيم فتحت المراكز والمؤسسات في كردستان واعلان السفارة الافتراضية حسب تصريح  نتنياهو .

في مثل هذه التطورات وتسارع وتيرة التطبيع اكتمال وعي الأمّة الإسلامية في فهم أبعاد القضيّة الفلسطينيّة وخيانة حكّام العرب على طول الخط .

  1. الطور الجديد من الصحوة واليقظة الى النهضة والثورة بقيام الجمهورية الإسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني(رحمه الله)؛ حيث شهد العالم الاسلامي تحولًا كبيرًا اتجاه القضيّة الفلسطينيّة والقضايا الأخرى فقد شهدت الأمّة صحوةً بعد غفوةٍ طويلةٍ أيقظتها الثورة لتعلنَ قطع العلاقات مع اسرائيل وغلق السفارة في طهران وفتح السفارة الفلسطينية وتسمية الشارع باسم فلسطين ثم اعلنت الثورة انّ العدو الاول هو اسرائيل وقد عانت ايران وشعبها العديد من الضغوطات وما زالت لكي تتراجع عن موقفها لكنّها واصلت دعمها ومساندتها للقضية الفلسطينية وبعد تأسيس قوى المقاومة في فلسطين بادرت الجمهورية الإسلامية لدعمها من دون تمييز او فرض ارادة كما كانت وما زالت الدول العربية في دعمها تطلب الهيمنة وفرض سياسة البلد التي منها الاستسلام والتطبيع .

وبعد الصحوة حصلت القضية على مستوى العالم الاسلامي اتجاه فلسطين وأخذت المقاومة تتسع وتنتصر في لبنان عام (2006)؛ حيث سجّلت اول انتصار على اسرائيل واطلاق ثورة الحجارة والحروب المتتالية والتحمت الحركات والاحزاب الإسلامية وجميع مؤسسات والمرجعيات الدينية مع القضية .

من خلال هذا السرد التاريخي نريد القول إنّ القضية الفلسطينية انتصرت حينما عادت لأحضان الأمّة الإسلامية وحينها اتسع الاهتمام بها على مستوى الأمّة .

فأن التّحول الجديد في انتصار القضية يعود لانتصار الجمهورية الإسلامية وظهور شخصية مجاهدة استطاع ان يوظّف الصحوة واليقظة الى ثورة وهو الشهيد  الذي كان حاضراً في كل محطات المواجهة حت بعد شهادته .

حسين جلوب الساعدي

30/5/2021