المفكر الشهيد عز الدين سليم" محطات من حياته"

الشهيد عبد الزهراء عثمان مفكراً وقائداً وداعيةٍ وسياسياً وشهيداً .

حياة الشهيد في عطاءه الفكري وسيره الحركي وجهاده المتواصل مر بمحطات كان لها الأثر الكبير في تاريخ الحركة الإسلامية في العراق منذ بداية تأسيسها ومراحل جهادها وتحولاتها الداخلية وتأثيرها في العراق والعالم الإسلامي .

فقد واكب الشهيد بداية انطلاق الدعوة الإسلامية فالتقت مع روحه وفطرته الايمانية الغارقة بالطيب والالفة والمحبة والرصانة والهدوء التي اكتسبها في بيئته الريفية ومحيطة الاجتماعي في ناحية الهوير التي عرفت بطيبة أهلها واجواء الالفة والتعاون والانبساط في الحياة.

وأضافت عليه حياته العائلية ومضيف والده العامر الذي يقصده الناس لقضاء حوائجهم الاجتماعية ويقام به المجالس الحسينية والذكر والعبادة رصانة وذكاءاً في معرفة مزاج وطباع الناس وروح الدعابة ومراعاة المشاعر التي يتمتع بها وقد لاحظت هذه الصفة بوضوح في طبيعة تعامله مع الناس وروح الضيافة التي انفرد بها في المهجر وفتح باب بيته في طهران وتخصيص سرداب البيت للضيافة واكاد اقصع بان لم يكن قادم الى طهران او انقطع به الطريق والا ويجد بيت أبو ياسين مؤواً له وهذه الصفة اكتسبها من تلك البيئة وذلك المضيف (مضيف الحاج عثمان) وفي مقتبل حياته تربى تربية إسلامية ايمانية وروحية في منطقة الهوير (الجزائر) التي تعد مركز علمياً وايمانياً ذو اثر في حركة التشيع وكانت في يوماً من الأيام مدرسة علمية شيعية يقصدها الطلاب والعلماء .

اولاً : انتماء الشهيد عز الدين سليم للدعوة (1961 – 1975) وجهاده في العراق : انفتح الشهيد على مدرسة الدعوة منذ بداية مرحلة التأسيس فانتمى عام 1961 للدعوة وهي لم تكتمل بعد ملامحها التنظيمية والحركية ونضجت أهدافها ورؤيتها الفكرية ومهمتها الإسلامية .

كان لقاءه مع الدكتور جابر العطا في القرنة وهو يدخل دار المعلمين في البصرة له الأثر في انتماءه وقيادته للعمل في شمال البصرة وكان هو مجموعة من الدعاة (السيد بعد الملك الموسوي وعبدالامير المنصوري) اول حلقة للدعوة في شمال البصرة (الجزائر) .

ثم ينتقل الى البصرة ويلتصق بالشهيد عارف البصري الذي كان يشرف على تنظيمات مدينة البصرة .

وبعد انتقال الدعوة الى المرحلة التنظيمية بعد عام 1963 تشكلت لجنة عمل البصرة ليكون احد أعضاءها .

وواصل سيره الحركي وتألقه الفكري ونشاطه الإسلامي في انحاء البصرة واحياءها حتى تعرض للاعتقال ومن ثم اضطر للهجرة الى الكويت ليواصل عمله من هناك .

ثانياً : عز الدين سليم ونشاطه في الكويت (1975 – 1980) الذي اتسم بطابع العمل الفكري والحركي حيث شارك بالتدريس في المدارس الكويت وكان احد أعمدة دار التوحيد الثلاثة (المرحوم الدكتور داود العطار والمرحوم السيد هاشم الموسوي والشهيد عز الدين) الذين اثروا المكتبة الثقافية في كتابات دار التوحيد ليتم توزيعها في العالم العربي والإسلامي ومن الكويت كان على اتصال وثيق ومستمر مع القائد الشهيد محمد هادي السبيتي ليمثل خطة الفكري ورؤيته السياسية واساليبه التنظيمية حيث ظهر ثنائية جماعة محمد هادي السبيتي ويمثله عز الدين سليم والشيخ علي الكوراني من جهة وجماعة الآصفي والفقهاء من جهة أخرى .

وبعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران هاجر اليها تاركاً الكويت .

ثالثاً : الشهيد عز الدين في ايران (1980 – 2003) وهي أطول سنين عمره الحركي وعطائه الفكري الذي دام اكثر من عشرين سنه عاصر وعايش كل تقلبات وارهاصات ومفارقات ومناكفات المعارضة الإسلامية في ايران التي ترفع عنها الشهيد وارتفع عن كل الأساليب الهابطة التي كانت تستخدم في أجواء المنافسة بين الأطراف داخل الدعوة وخارجها ومن ابرز مواقفه واراءه ومشاريعه في تلك المحطة من عمره ما يلي :

أ‌- مثل الشهيد عز الدين سليم مدرسة الشهيد محمد هادي السبيتي في ايران ليكون احد اطراف الانشقاق الحقيقي داخل الدعوة الذي كان ذو ابعاد فكرية وتنظيمية وذاتية،

فكرية تمثلت بمشروعية العمل وموقع الفقيه في الدعوة .

وتنظيمية في اعادة بناء التنظيم في المهاجر والموقف من المؤتمر .

وذاتية التي اتسم بها بعض قيادات وشخصيات الدعوة في تقديم النزعات الذاتية على رؤية العمل فقد خاض الشهيد مواجهة تلك التوجهات داخل الدعوة ليعلن عن تأسيس (الدعوة الإسلامية) التي تميزت بالرصانة الفكرية والنظرة الداعية لطبيعة التحرك .

ب‌- تأسيس اول مؤسسة إعلامية للدعوة بإصدار مجلة الجهاد ومن ثم جريدة الجهاد .

ت‌- تأسيس المركز الإسلامي السياسي الذي كان يصدر التقرير السياسي الشهري عن العراق والعالم الإسلامي واستمر بالصدور لأكثر من عشر سنوات .

ث‌- المشاركة بتأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ليكون عضو في الإدارة المركزية فيه وقد دفع ضريبة وعيه بضرورة إيجاد خيمة تلتقي بها القوى الإسلامية في المهجر حيث كانت الدعوة والسيد الحكيم على طرف نقيض في إدارة المعارضة لكن الشهيد كان ينظر الى المجلس الأعلى الخيمة التي تجمع الجميع .

ج‌- تأسيس اتحاد القوى الإسلامية ينتخب اميناً له .

ح‌- المشاركة في مؤتمرات المعارضة بقوة وفعالية منذ مؤتمر نصرة الشعب العراقي عام 1987 ومؤتمر أربيل عام 1992 واجتماعات دمشق وبيروت ثم المشاركة في مؤتمر لندن (2002) الذي اتخذ قرار اعتماد العامل الدولي في اسقاط النظام واتذكر حين توجه الى لندن قال : (انا مضطر للذهاب الى مؤتمر لندن كاضطرار اكل الميته والمهم خلاص الشعب العراقي من النظام الصدامي ومن ثم لكل حداث حديث) .

خ‌- اهم اراءه السياسية لمستقبل الحركة الإسلامية والعراق :

1. الاعتماد على الداخل ودعم الحركة الإسلامية في الداخل ليكون عمل المعارضة داعماً للعمل الإسلامي في العراق وليس قائداً له .

وهذه احد اراء السبيتي في بداية المواجهة مع النظام الدكتاتوري .

2. مشروعية العمل الإسلامي نابعة من تعاليم الإسلام واحكامه وطبق فتوى احد العلماء وليس تنحصر في الفقيه داخل الدعوة فقط .

3. حقوق الشيعة السياسية والمدنية والخلاص من النظام الطائفي في العراق وان يأخذ الشيعة دورهم السياسي ومكانتهم بالدولة ووجودهم بنسبتهم السكانية كأكثرية .

4. الفيدرالية في العراق الولايات بعدد محافظات العراق .

5. توحيد المعارضة العراقية في رؤية واحدة واطار واحد وكان المجلس الأعلى ومن ثمة اتحاد القوى الإسلامية .

6. ترشيد حركة السيد الشهيد محمد الصدر بالمعرفة والثقافة ودعمها بدل مما مهاجمتها واتهامها .

7. الاعتماد على العامل الدولي في اسقاط النظام الدكتاتوري والانفتاح على جميع اطراف المعارضة السياسية غير الإسلامية .

وكانت تلك الآراء مصدر نقد واعتراض عند الكثير لكن الشهيد واصل طرحها حتى أتت ثمارها في العملية السياسية في العراق ليلتحق الجميع بآرائه الحصيفة .

رابعاً: العودة الى العراق (17/5/2003 حتى شهادته 17/5/2004) سنة كاملة حيث كان يحمله القدر ان يدخل العراق في يوم 17/5/2003 ليكون يوم شهادته 17/5/2004 في هذه المحطة من عمره كانت له أدوار ومبادرات واراء :

1. مشاركته في مجلس الحكم ثم رئيساً له ليشارك في جميع قرارات مجلس الحكم .

2. تأسيس البيت الشيعي في العراق مع المرحوم الدكتور احمد الجلبي ليكون رئيساً له .

3. التأكيد ان المرجعية دورها الريادي والقيادي يجب ان يكون محفوظاً ومحترماً لا نتخذها أداة في منافساتنا السياسية ومناكفاتنا الحزبية وعلينا ان نكون بكامل الوضوح والصراحة معها في طرح قضايا العراق .

4. الدعوة لدولة الانسان التي يجتمع في ظلها جميع أبناء الشعب العراقي .

5. العراقيون في الداخل والاعتماد عليهم لوجود طاقات يجب اكتشافها وفتح المشاركة لها .

6. طمئنة السنة الذين يشعرون بالخوف والهلع من التحول واستيعابهم في اطار الدولة بكل صدق وصراحة .

7. اجراء المصالحة الوطنية بكل وضوح وكان يعترض على رفض المصالحة الوطنية من قبل بعض الأطراف وكان يقول (ان المصالحة الوطنية لا يمكن تاجيلها او الالتحاق بها وانما يجب ان تكون المبادرة من الشيعة الضحية) .

وغيرها التي تجدها مبثوثة في خطاباته وبياناته .

وهو يعيش أجواء التفائل بان يساهم في بناء الدولة العراقية وكان اخر لقاء معه قبل استشهاده بليلة كان يقول (نحن على خير والان نؤسس لدولة ان يكون للشيعة دوراً سياسياً بعد الحرمان الطويل لكن توجد عقبات كثيرة يجب تجاوزها) .

في هذه الأجواء كان الاستكبار العالمي والمخابرات السورية وبقايا المخابرات العراقية تخطط لضرب رموز الحركة الإسلامية والقيادات العراقية فكان استهدافه في سيارة مفخخة صبيحة 17/5/2004 لتعرج روحه الى عالم الملكوت محملة بجراحات المسيرة وجسمه مضمخ بالدماء والجراحات على ايدي الإرهاب والاستكبار العالمي .

رحم الله الشهيد عبد الزهراء عثمان (عز الدين سليم) والسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .

حسين جلوب الساعدي

17/5/2023