التواصل والحوار شرط اساسي للبناء والثقافة

 

حسين جلوب الساعدي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

( إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ )

( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ )

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )

في الكون والحياة سنن حقيقية ثابتة يتعاطى الانسان معها في كل يوم وملازمة للحياة في كل لحظة واهم هذه الحقائق الكونية التنوع في الحياة بكل جانب منها حتى في نفس الانسان الواحدة فيها نزعات ومشاعر وافكار متنوعة .

التنوع في الارض في جبالها وسهولها وغاباتها ونباتها والوان التربة فيها وطبقاتها وما تنتجه من فاكهة وخضر ونبات وازهار بالوان زاهية تبعث في النفس الارتياح والانشراح وتملي الفؤاد بازكى الروائح والذها تنوع في الوان الجبال سود وحمر وصفر تنوع في النبات في الاشجار المثمرة وانواعها المتعددة وباشجار الزينة وبجمالها المتنوع وباشجار الغابات واخشابها المتنوعة بالجودة والقوة والقيمة والاستخدام ، تنوع في الوان الغيوم في سماء الكوكب الحي ابيض واسود وحمر وغيرها وبما تحوية من ماء وبخار واثر من ما ينزل في الارض ليسقيها ويبعث الحياة والحيوية في اجناسها وانواعها واصنافها واقسامها تنوع في اشكال الطيور وتكيفها وعيشها وعشها ومواطنها وحجمها تنوع كل ما حولنا يزخر بالتنوع ، الناس متنوعون باجناسهم ولغاتهم واصولهم والوانهم وافكارهم ومشاعرهم وسيرتهم وعطائهم وبطولهم بقصرهم بقوتهم بذكائهم بغبائهم بملبسهم بذوقهم كلهم باشكالهم بما يصدر منهم .

وفي اجواء الحياة المتنوع يثر العطاء ويزداد النشاط والتفكير وتتكامل الصور بالتواصل بينهما وينتج التوازن بالتواصل بينها ويظهر الجمال بالتواصل بين الوانها واجناسها وبالتواصل بين مواد البناء والابنية تظهر المدينة وبالتواصل بين الماء والنبات والانسان تنتج الحياة وبالتواصل يتم اعمار الارض وسعادة الانسان .

 

 

 

 

كيف يتم التواصل :

التواصل بين الاشياء ينبعث من سر الوجود الذي اودعه الله سبحانه وتعالى فيه (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ) (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً )

فاسرار الطبيعة وما فيها من توازن دقيق بين عناصرها سر يزداد اكتشافه في كل يوم بهر علماء الطبيعة الاحياء والفيزياء والرياضيات ادى لقطع جملة في علماء واذعنوا امام الحقيقة ان لهذا الكون خالقاً ومدبراً خلق كل شيء بقدر موزون وامنوا به كما هو موجود في كتاب( الله يتجلى في عصر العلم ) وكتاب ( الاسلام يتحدى ) وكتاب ( التكامل في الاسلام ) وغيرها اما التواصل بين الثقافات والحضارات الافكار والاراء والاجتهادات والمذاهب والاديان والعادات والتقاليد والاعراف والازياء وغيرها في حياة الانسان وقد يكون باستخدام ادوات الارغام المباشر وغير المباشر لكن ابرز ادوات التواصل واشرفها وافضلها واقدسها يتم من خلال الحوار واحترام الراي الاخر وخلق مناخات الحوار وتمييز القضايا بالتداول والتعاطي والنقد واحترام متبادل وخلق مناخات الحوار واجواء تفعيله وتنشيطه وازالة العقبات التي تقف دون الحوار والتواصل التي تميت الابداع والتجديد والتنوير ومواكبة الحياة الزاخرة بالجديد واهم هذه العقبات الاستبداد بالرأي والجهود والاطلاقية بالتفكير واستخدام اسلحة فتاكة تميت الحقيقة اهمها التكفير والتضليل التي رافقت تاريخ المسلمين والعراقيين في نشوب المعارك بين الاشاعرة والمعتزلة في بغداد والقتال بين الحنابلة والاشاعرة والحروب بين السنة والشيعة والصراع بين القوميات والاثنيات العرقية والقبلية وما يرافقها من قتل وابادة وتشريد وتهجير واضطهاد ودمار ادت الى تخلف المسلمين الذي كان اسؤهم حظاً والشيعة الذين كانوا غرض لسهام الطائفية العمياء والدكتاتورية الحمقاء والفتاوي الرعناء التي قتل فيها المسلمين وممارسات البعث العنصرية التي اماتت الابداع والثقافة في بلد كان قبلة للعالم في العلم والمعارف ومهبط الانبياء ومثوى الاوصياء وعش العلماء ماتت بعد ان ساد الفكر الواحد الاهوج وساد الحزب الواحد الارعن وساد الجهلة حتى اصبح المثقف في العراق يعاني من عزلة داخلية او التفكير بالهجرة الى الخارج او الموت المحتوم الذي ينتظره برصاصة المجرمين او بحبال المشنقة التي اعدها الجلاوزة هناك ماتت الثقافة والابداع في العراق .

ونحن كمثقفين في ميسان لا نختلف في تشخيص تلك الحقيقة بل نلنا من الظلم والاضطهاد دوما ما هو اكبر واكثر .

دعوني ايها الاخوة من مثقفين ميسان وفنانوها ان نشخص بعض القضايا الثقافية لنكون معاً في اثراءها والاضافة اليها والتحاور حولها لنستطيع بلورة مشروع ثقافي ليجعل الثقافة تحيي من جديد في ظل عراقنا الجديد .

اهمها :

1.التعددية الثقافية ، العراق يزخر بالثقافة المتنوعة بل مصدر الهام التنوع في تاريخه ، استطيع القول ان اكثر الاديان كان مصدرها العراق واغلب المذاهب الاسلامية في شرق الارض وغربها كانت في العراق وتعايشت الاراء والمذاهب في فترة الازدهار في القرن الرابع والخامس الهجري في العراق ، ومتعدد الثقافات الان وطنية وقومية وقبلية ومذهبية ولبرالية وشيوعية وديمقراطية وغيرها وكلها تعيش في العراق تبحث عن هويتها المفقودة وحقها المنشود الذي اضاعه طاغية العراق ، وبعد سقوطه اقرت التعددية كمبدأ اساسي في العمل السياسي وقانون ادارة الدولة العراقية وفي ادارة الدولة التي نعيشها توازنتها واتفاقيتها في التوزيع لتضمن الحقوق لكل مكونات الشعب العراقي ونحن في ميسان لدينا ثقافات متعددة وانتماءات متنوعة وافكار واراء وولاات متعددة ايضاً وطموحات متعددة يجب احترام هذه التعددية واقرارها كمبدأ اساسي في عملنا الثقافي لان اللون الواحد من التفكير يعني الجمود واللون الواحد من الاداء يعني الغباء وموت الابداع والمبادرة هنا هي يجب ان نحترم التعددية ونمد جسور التواصل عبر القاء والحوار لخلق مناخات ثقافية ورؤى تجديدية واعمال ابداعية .

2.في الواقع الثقافي العراقي هناك ازمة وهي صراع الهويات والثقافات بين مكونات الشعب ايها الاخوة الاعزاء ان المشاريع السياسية وقانون او دستور الدولة في اقرار التعددية والتوازن في اقتسام السلطة لا يحل مشكلة بل يعمق عملية الصراع بين الاطراف لكن فك الصراع والتنازع بين القومية والعنصرية والمذهبية والاتجاهات الثقافية والاجتهادات الفقهية يتم من خلال بلورة مشروعاً ثقافياً عراقياً ميسانياً يحول التواصل بين المثقفين بانواعهم واتجاهاتهم ومذاقاتهم بحيث يجمعها في ظل سماء واحد وفي دائرة واحدة وهي خارطة العراق اولاً وخارطة الجنوب وميسان ثانياً .

3.غياب المؤسسة الثقافية ذات الابعاد والافاق الواسعة في بلورة مشروع ثقافي يجد فيه المثقفين دورهم ، اعلموا ايها الاخوة ان في ميسان لا توجد مديرية للثقافة ولادائرة تعني بالشؤون الثقافية بل ان ميسان قد طالها النسيان والاهمال وضاع المثقف فيها ويحتضر الفن والفنان المبدع لعدم وجود معهد يحتضنهم وينمي طاقاتهم ويرعى نتاجاتهم ويرفع الظلم والحيف عنهم لذا يجب المطالبة لوزارة الثقافة والتربية ومجلس المحافظة بفتح مديرية الثقافة في ميسان او دائرة للشؤون الثقافية بااشراف المحافظة ومجلسها المؤقر ، كما يجب المطالبة بفتح معهد للفنون يدرس فيها انواع الفنون واهمها .

4.ادعوا المثقف في ميسان للتواصل والتعاون لصنع الواقع الثقافي ثم حقيقة يجب ان لا تغيب عنا جميعاً وهي ان تحقيق الواقع الثقافي هو بايديكم انتم عبر التواصل والتعاون وبلورة المشاريع والافكار والمطالبة المستمرة في تحقيقها وخلق اجواء ثقافية تعكس النشاط الثقافي في ميسان لاننا نعيش ظروفاً استثنائية تأسيسية يجب ان نضحي في وقتنا وجهدنا لنحقق الواقع الذي ينتج الحق والمشاريع التي تخدم واقعنا الثقافي يجب ان نتواصل عبر اللقاءات والملتقيات والمبادرات والندوات لكي يعلن المثقف والفنان عن جهده وابداعه .

5.مؤسسة الهدى للدراسات في ميسان من المؤسسات  الثقافية التي تسعى لاشاعة الحوار واحترام الرأي الاخر وتؤمن بالتنوع الفكري والثقافي وتهدف ايضاً الى اشاعة الثقافة السياسية والوطنية الملتزمة وكذلك على بلورة منهج علمي في حياة الناس يقوم على الحوار واحترام الرأي الاخر واحترام الانسان وحقوقه لتحقيق وارساء قواعد الحرية والمسؤولية والعدالة والالتزام بالحياة الدستورية وذلك من خلال نشر الكتاب وتوفيره وكذلك اصدار مجلة علمية متخصصة وعقد المؤتمرات والندوات العلمية ذات الافكار الاستراتيجية وعقد الصلات مع كافة المفكرين والمثقفين والمراكز العلمية والثقافية التي تجمي نفس

الاهداف كما تؤمن بالاشتراك في كل الاعمال والمبادرات التي تؤمن بمبدأ التنوع الثقافي والفكري وتمد جسور التواصل عبر الحوار لذا نعلن امام المثقفين في ميسان ان مؤسسة الهدى هي للجميع وبخدمة الجميع لكي تكون جزء من الحالة الثقافية في ميسان .

ويحذوني الامل على ان الواقع الثقافي في ميسان رغم المعانات التي ذكرناها هنا ان  تشهد حركة ثقافية وابداعية لا يوجد نظيرها في المحافظات الاخرى وبحاجة ان نرفع صوتنا عالياً بما يصدر منا في وسائل الاعلام .

 

اتمنى ان نلتقي مرات ومرات لكي نسهم جميعاً لبناء الواقع الثقافي                   في ميسان ...