معوقات الديمقراطية في العراق

  حسين جلوب الساعدي

 

 معوقات الديمقراطية في العراق

الديمقراطية البديل الذي لابد منه في العراق وأصبحت واقعاً لشكل نظام الحكم في الدستور والقرارات والبيانات والقوانين وخاضت تجربتها بعد سقوط النظام لكنها تواجه معوقات عدة تعرقل مسيرتها التكاملية وتجربتها الفتيه بحاجة لتشخصيها وثم علاجها لكي نساهم في بناء الحياة الديمقراطية واهم هذه المعوقات .

1. التجربة التاريخية للديمقراطية في العراق :

منذ تأسيس الدولة العراقية والحكومات المتعاقبة لم تخض تجربة الديمقراطية  فقد حاول المستعمر نقل التجربة الديمقراطية  الى العراق وفق تصوره لكنها واجهت معوقات لان التحول لم يكن طبيعياً والحركات التجربة تعتبره جزءاً من ادوات الاستعمار مما خاضت الديمقراطية  تجربة معقدة ساهم بالتعقيد طبيعة الشعب العراقي والقبلية والطبقية والزعامات الدينية والاحزاب والحركات والجيش وهيمنة الاقطاع وغياب وسائل التعبير الديمقراطي مما جعلت العراق يغرق في دوامة تبديل الحكومات والصراعات فزعماء الثورة العراقية اصروا على ان يكون العراق حكماً ملكياً والصراعات فزعماء الثورة العراقية اصروا على ان يكون العراق حكماً ملكياً مما لاقى قبول لدى الانكليز بتصور عدم معارضة الملكية مع الحياة الديمقراطية  على طريقة المملكة المتحدة البريطانية ولكن الملك اخذ مساحة واسعة في الحياة السياسية وفق الدستور ( باعتباره رئيس الدولة الاعلى ويعقد معاهدات ويختار رئيس الوزراء ويقبل استقالته ) وبعد اول محاولة لتأسيس مجلس النواب واجه المعارضة الشديدة من الزعامات الدينية في مقاطعة الانتخابات وحرمة المشاركة فيها وجعل أكثرية الشعب العراقي (الشيعة) خارج اطار العملية السياسية و الديمقراطية  ومما ادى الى تشكيل الحكومات على أساس طائفي وعمق الازمة اكثر لتظهر أثارها بعد ثمانين عاماً وفي نفس الوقت شهدت اجراء الانتخابات تزوير واسعة واخذ النواب يصلوا الى قبة البرلمان بدون علم ومعرفة المواطنين لهم وفي هذه الأجواء لم تشهد الحكومة ادنى استقرار فقد تعاقبت اكثر من (58) حكومة خلال (38) سنة ولم يكن سقوط الحكومات بادوات ديمقراطية وانما من خلال النفوذ والضغط على الملك ومن خلال المؤسسة العسكرية التي نشاء قادتها باجواء الاستبداد التركي فقد تولي منهم (39) حكومة من اصل (58) .

لم تنشئ الاحزاب وفق الادوات الديمقراطية   ولم تحمل في برنامجها المشروع الديمقراطي فهي اما احزاب تطالب بالمصالح والمكاسب الطائفية او القومية والدينية وان حاول البعض منهم المشاركة بالتاسيس للحياة الديمقراطية  (كالجمعية الاهالي) وحركة جعفر ابو التمن وغيرهم ولم يفلحوا نتيجة الاجواء الضاغطة من نفوذ زعماء الساسة على مشايخ القبائل وسيطرتهم على رأي المواطن الذي لم يجد من يدافع عنه في تلك الاجواء ويلاحظ في هذه المرحلة ضعف الحركة الوطنية وظهور التيار الشيوعي الذي لا يؤمن بالمبادئ الديمقراطية  ويؤكد على الثورة ومقاومة هيمنة الغرب وفق رؤية الصراع العربي الراسمالي والشرقي الاشتراكي وتنامت الحركة القومية التي اتصفت بالاحادية والالغاء والاقصاء لكل القوميات الاخرى في العراق مع النزعة الطائفية التي يحملها قادتها .

وظهرت الحركة الاسلامية لطرح البديل الاسلامي في مواجهة الماركسية والرأسمالية والقومية مما غيبت تلك الأحزاب كل صور الديمقراطية  في ذهن المواطن .

والمواطن اما معبأ بالشعارات التحررية او مغيب ويعيش الفقر والحرمان والاضطهاد والاستغلال تحت رحمة الإقطاع وأصحاب الثروة والنفوذ حتى ثورة 14 تموز 1958 والمحاولة الديمقراطية  في تأسيس الأحزاب التي لم يفسح لها المجال بالمشاركة وانما ظهر الحزب الشيوعي الذي استغل تلك الظروف ليرفع شعاراته الاحادية الاطلاقية الالغائية والتيار القومي المصدر من مصر والشام وشعاراته المعادية وطائفيته المقيتة واعماله الاجرامية يبدأ بتأسيس ظاهرة القتل والابادة لكل رأي او صوت يعارضه وتفاقمت الازمة بعد استلامه للحكم عام 1963 وثم 1968 ليبدأ العراق مسلسل الرعب الدموي ومصادرة الحريات وابادة الانسان بشكل لم يشهده العالم واستحكمت حلقات التصفيه حين قيام الحروب العراقية الايرانية والثورة الشعبانية والمواطن موزع بين مقاتل في الحروب او في المنافي او في السجون او عاش العزلة وانساق وراء شعارات القومية العربية .

بعد هذا العرض السريع المقتضب جداً وتفاصيله غير غائبة عن ذهن المواطن العراقي ننتهي الى نتيجة ان الشعب العراقي لم يمر بتجربة الديمقراطية  لا من خلال الحكومات المتعاقبة ولا من الأحزاب المعارضة فتلك التركة التاريخية وما ساهمت في صياغة المواطن ليكون مقاتل في الحروب او شرطي او جلاد او مواطن يعيش التغيب او منساق بالاجواء التي صنعها الدكتاتور والقومية العربية .

فالديمقراطية  في العراق ظاهرة جديدة وغريبة وبحاجة ان تخوض تجربة طويلة تزيل الركام الذي خلفه تلك الحكومات وعلى المواطن والسياسي الذي يؤمن بالديمقراطية  ان يشارك في عملية التحول والتغيير الديمقراطي ويزيل تلك المعوقات عن حياة المواطن والتجربة .


 

2. ازمة الديمقراطية داخل الأحزاب العراقية تمثل احد المعوقات التي يوجهها المشروع الديمقراطي من حيث الذهنية التي يتصف بها اعضاء وقيادات الاحزاب او من حيث الخطاب الثقافي والسياسي الذي يصدر منها او من حيث تراكم  المسيرة التاريخية لها منذ تأسيسها وتجربتها في اجواء المعارضة والحكم وحتى في المشاركة الديمقراطية الجديدة . فقد ظهرت القيادات الحزبية نتيجة مبادرات شخصية او جماعية ترتكز في ظهورها على الانتماء الفكري الذي تندفع في الدفاع عنه او ترويجية والقدرة على نتاج الأفكار المؤدلجة او هضمها في الجيل الثاني منها والشخصانية في الظهور والتألق من حيث الموروث الاجتماعي والقدرة على الحركة حتى أصبحت تلك القيادات نتيجة استحقاق الجهد والتصدي نتيجة اجواء ديمقراطية حيث نجد اكثر قيادات الاحزاب العراقية في النصف الثاني في القرن الماضي كانت قائمة على تلك الحقيقة .

اما الاعضاء فقد كانوا من المعجبين والموالين لتلك القيادات ويكون مواقفهم بمقدار إعجابهم وحماسهم وولائهم لا بقدر عملهم وقوة شخصيتهم واستيعابهم لأفكار واحزابهم وان الطبيعة والقيادات التي تركزت على القيمومة الأبوية والقيادات الدينية والزعيم البطل المعجب به المقلد له حتى بالحركات .

وبين هيمنة القيادات واعجاب الاعضاء او شعور بعضهم بالإقصاء والتهميش ظهرت الطاعة العمياء او الانشقاق الذي تعرضت له جميع الأحزاب العراقية .

وعندما ما نقترب من واقع الاحزاب العراقية نجدها في ثلاثة أصناف من التيارات الفكرية المتناقضة المتصارعة المتقاطعة وهي :

·        التيار القومي والتيار الماركسي والتيار الاسلامي : فدراسة واقع تلك التيارات على ضوء الممارسة الداخلية او الحركة الخارجية نجده تفقد مقومات الحياة الديمقراطية .

·        التيار القومي  ذو الطابع العنصري الطائفي وذو النزعة الاستبدادية الذي سعى لاقصاء جميع القوى السياسية الأخرى ليؤسس لاكبر دكتاتورية شهدها التاريخ ويقوم باوسع عملية تصفية جسدية وانسانية عاشها العراق لتنتج هجرة مليونية ومقابر جماعية وسجون مظلمة حتى غاب الرأي الاخر وأسست لواقع الهزيمة الشخصية التي ما برح المواطن العراقي يعاني من أثارها في فهمه للعمل الحزبي والسياسي . ولم نشهد التيار القومي واتجه في احدى ممارساته للقيم الديمقراطية الحرة وان كان يملأ الساحة ضجيجاً في شعاراته التحريرية والوحدة العربية وانتخاباته (بنعم) او (لا) والثنائية تعني الهلاك لمن يدلي بها  لتكون نتائج الانتخابات 99.99% واخيراً 100% وبالنتيجة يسجل على التيار القومي جملة قضايا منها يعتبر حاضنة تاريخية لظهور الدكتاتورية الشخصية والحزبية والأحادية في العمل الحزبي والعلمانية المعادية للدين والقيم الاجتماعية النبيلة وعدم احترام الاغلبية العربية الشيعية التي عانت من الاقصاء والابادة والحرمان ومحاولات الابادة الكردية وحملة التعريب للتركمان والتشضي والتمزق والصراع على السلطة والاستئثار بالسلطة باي وسيلة كانت والتحادر نحو الولاءات البلدية والقروية وعدم المصداقية في شعاراته فالعقلية القومية داخل تيارها لم تنفتح على الممارسة الديمقراطية حتى شكلت عائقاً في طريقها وبعد طرح المشروع الديمقراطي في العراق لم يسجل لها حضور فيه ولم تنسجم مع اجواءه ومشاريعه حتى ظلت تغذي الارهاب والعنف والصراع وان تحرر بعض الافراد ومنا لا يشكل تحولاً في مسيرتها .

·        التيار الماركسي : بدأ في حركة على اساس الصراع الطبقي ومحاربة الاستعمار والاستعمار والتعجيل بالحركة الديالكيتية والحكم على جميع الافكار بالاخطاء محاربة الدين وعادات الشعوب مما اتصفت بطابع الاحادية بالتفكير وان مسيرتها التاريخية اتسمت بالانقياد التام للسياسة السوفيتية والتأكيد على السرية مع تغيب الديمقراطية كممارسة داخل الحزب والانقسامات التي ارفقت احركة الماركسية في العراق منذ نشأتها وعندما شهد فسحة الديمقراطية بعد انقلاب 1958 اظهر الحزب الشيوعي تطرفاً في محاربة القوى السياسية العراقية وشعاراته الاحادية مما كان احد الاسباب في اسقاط التجربة وبعد ظلها يعيش المعارضة وذكريات الماضي حتى السقوط المسكر الاشتراكي فأفل نجمة وقل صيته ولم يسجل تاريخه ممارسة ديمقراطية داخل الحزب او خارجه فالذهنية الماركسية واحزابها تشكل احد المعوقات للديمقراطية وان مشاركتها في المشروع الجديد وتفاعلهم مع اجواءها يتصف عض التحولات في منهجها وان لم يصرحوا به لكن الاسم والتاريخ والذهنية ظلت تحاصرة في الحياة الديمقراطية ، والتيار الاسلامي ينطلق في الدعوة للاسلام بقيادة عقيدة ونظام ورسالة وحياة ودفاع عنه ضد التيارات الوافدة ومواجهة الغزو الثقافي موجات التحلل الاخلاقي ، فالفضاء الفكري الحركي الذي ساهم في تكوين برنامجه السياسي يعتمد على تلك القضايا وكان المفكر الاسلامي السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) لديه موقفاً صريحاً في الديمقراطية في رفضها باعتبارها نظاماً مادياً خالصاً اخذ فيه الانسان على ضوء الحريات الاربعة ( السياسية والاقتصادية والشخصية والفكرية ) منفصلاً عن مبدئه واخرته محدوداً بالجانب النفعي من حياته المادية ويركز السيد الشهيد على موضوع الاخلاق في الحياة الديمقراطية بعد ربطها بالرأسمالية بشكل وثيق ويقول : ( ان الاخلاق اقصيت من الحساب ولم يلحظ لها وجود واعلنت المصلحة الشخصية كهدف اعلى والحريات جميعاً كوسيلة لتحقيق تلك المصلحة فنشأ في ذلك ما ضج به العالم الحديث من محن وكوارث ومآسي ومصائب )               ( لمزيد من التفصيل راجع بحث الديمقراطية والرأسمالية للسيد الشهيد الصدر (قدس) المدرسة الاسلامية ص 37-50 ) ، وبعد ان تنامى التيار الاسلامي العراقي في اجواءه العقائدية وقيمة الاخلاقية بعيداً عن المارسة الديمقراطية مع اجواء انتصار الثورة الاسلامية التي رافقتها الاعلان عن اعدام الدعاة والشهيد الصدر والهجرة الواسعة لقيادي واعضاء الحركة الاسلامية واعلان الكفاح المسلح والجهاد ضد الطاغية وما افرزته من ظهور العشرات للحركات الاسلامية ذات الطابع العسكري في فكرها واداءها مع برزو ظاهرة الانقسام والانشقاق في اوساط الاحزاب الاسلامية التي شغلتها صراعات داخلية ومنافساتها الشخصية عن تكوين نفسها بما ينسجم مع اجواء ومبادئ الديمقراطية الجديدة وحتى بعد الانفراج والمشاركة السياسية تشكيل الحكومة نجد اكثر قادة الحركات لم ترد لفظة الديمقراطية في خطاباتهم ولم نقرأ عنها في ادبياتهم في رفضها وقبولها سوى ما ظهر من تحول جريء من قبل جماعة التيار الاسلامي الديمقراطي ومجلة الاسلام والديمقراطية ، وصدر بقلم الاستاذ ضياء الشكرجي في  كتابه " الديمقراطية رؤية اسلامية " كما ان الشهيد عز الدين سليم ادرك ضرورة الحديث بهذا الموضوع فكتب بحثه " الاسلام والديمقراطية نقاط الالتقاء والافتراق " وكتب الاستاذ عادل عبد الرحيم " مستقبل الديمقراطية في العراق " لكن هذه الرؤية والافكار لم تشكل تياراً اسلامياً ديمقراطياً وانما ظلت في دوائر خاصة بحاجة لتوسيع وإثراءها بالحوار والتطوير في رفضها او قبولها ، اذاً التيار الإسلامي لم يتقرب من الديمقراطية لا من حيث الممارسة داخل مكوناته واحزاب وان ظهرت بعض المبادرات كما ذكرنا

 واخيراً نود ان نسجل عائق اخر يشترك فيه جميع الأحزاب العراقية وهو طائفيتها في تكوينها وبرنامجها السياسي وامتدادها فنرى ان الاحزاب موزعة على مناطق جغرافية ومذهبية وقومية وهذا اكبر عائق في تنامي المخاوف وعدم الثقة بينها وان فوز احدها في الانتخابات يعني اضطهاد الطوائف الأخرى ولم نشهد حزباً عراقياً يجتمع في ظله جميع مكونات الشعب العراقي ينطلق من أفكار ورؤى عراقية ويكرس المشتركات بين جميع المكونات سوى حزب الامة العراقية ( مثال الالوسي ) الذي لا يعني شيئاً في الوقت الحاضر في مقاييس الموازنة السياسية داخل الأحزاب .

لذا من الضروري المراجعة والصراحة في التعاطي مع تحولات الساحة السياسية لتكون الأحزاب جزاءاً من المشروع الوطني الذي إحدى مفرداته الديمقراطية وليس عائقاً إمامه .