السلام عليكم ،،،

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير مرسل للعالمين محمد واله بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين .

ترتقي الامم بتعظيم العظماء من ابنائها وتنحدر اذا جهالهاسادوا .

نجتمع اليوم في رحاب مؤسسة الهدى العامرة لاستلهام العضة والعبرة من شخصية يحسبها البعض غائبة وهي في الحقيقة الحاضرة في عطائها وفي فكرها وفي استشهادها فهي حية مع الاحياء الذين عند ربهم يرزقون .

نجتمع اليوم في ذكرى استشهاد الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره فقد ولد الشهيد يوم 25 ذي القعدة عام 1353 هـ / 1934م وسط اسرة علمية  في مدينة الكاظمية (1)

استشهد في اليوم التاسع من شهر نيسان 1980 م فسبحانك من اله ما اعدلك .

عرف الشهيد بالذكاء والنبوغ والعبقرية منذ نعومة أظفاره , قال الشيخ النعماني (( ومما يجدر ذكره أن السيد الصدر كان قبل أن يتفرغ للدراسة في الحوزة العلمية قد تعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسات الحديثة في مدارس منتدى النشر الابتدائية في الكاظمية , فكان على رغم صغر سنه موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لما وجدوا فيه من ذكاء كبير ووعي مبكر ونبوغ حاد وقابليات عظيمة فائقة (2)

يقول الشهيد صدوقي : (( فلقد منَّ الله تبارك وتعالى على الأمّة الإسلامية بالعبد الصالح السيد محمد باقر الصدر الذي عمّ خيره وفضله الآفاق الإسلامية)) (3)

وإنّ النتاج الفكري للسيد الصدر بكل أبعاده المعروفة يظهر عمق وأصالة وحيوية وتجديد(4)  , لم يكتف السيد بأيداع  ما اكتسب في طيات الكتب أو حصره بمجموعة من طلابه ومريديه ، وإنما أطلقه إلى الهواء الطلق , إذ جعل تعاليم الإسلام فعلاً متحركاً في واقع الحياة لا طقوساً منحصرة في الزوايا , وبهذا حقق المرجع الشهيد قفزة كبرى في الوعي والانتماء والتحول وبذلك استحق أن يتبوأ مكانه السامي في المسيرة الإسلامية وقد وصفه السيد الخميني (قدس) , بأنه من مفاخر الحوزات العلمية ومراجع الدين  (1)

يقول الدكتور ( سليمان دنيا ) أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة  (( يحلو لي أن أشير إلى مفخرة من مفاخر المسلمين يحق لنا أن نعتز بها ونفاخر, تلكم هي كتب السيد محمد


 

(1) محمد باقر الصدر السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق – احمد عبدالله أبو زيد العاملي  ط1 – مؤسسة المعارف للمطبوعات : 1 / 95 , وظ. مباحث الأصول – كاظم الحائري : 29 وظ.  شهيد الأمة وشاهدها محمد رضا النعماني : 65 .

(2) ظ. شهيد الأمة وشاهدها – محمد رضا النعماني / نشر وتحقيق المؤتمر العالمي للامام الشهيد الصدر (قده) 1424 مطبعة شرعية ، قم المقدسة ، ط.2 : 35 ,

(3) شهيد يتحدث عن شهيد (( صحيفة الجهاد العدد  233  الإمام الشهيد محمد باقر الصدر , دراسة في سيرته ومنهجه )) .

(4) الشهيد الصدر الفيلسوف الفقيه , عبدالحسين البقال طهران 1-14 هـ  : 11 , ظ الإمام الشهيد ( محمد باقر الصدر ) الرمز والقضية (حسن السعيد ) من إصدارات المكتب الإعلامي لحزب الدعوة الإسلامية – تنظيم العراق  2009 م  : 18 .

(1) المصدر السابق  : 19 .

 

 

باقر الصدر التي ما أظن أن الزمان قد جاء بمثلها في مثل هذه الظروف التي وجدت فيها ))(2)

أما الدكتور شبلي الملاط  فقد اكد بأن السيد الصدر كان مجدداً بحق وفاتحاً لآفاق الفكر والمعرفة, خصوصاً في المجال الاقتصادي والاجتماعي والفلسفي ثم قال : (( ففي مقابل ثراء القانون الدستوري يبدو الاقتصاد وكأنه ليس من المواضيع المدرجة في علم الفقه , إذ لا توجد أي نظرية عامة في الاقتصاد ناهيك عن وجود نظرية كهذه في موضوع متخصص مثل المجال المصرفي ولهذا السبب تتسم كتابات محمد باقر الصدر في الاقتصاد والحقل المصرفي بأهمية بارزة فقبالة خلفية كلاسيكية لم يكن فيها وجود لعلم الاقتصاد , وعالم إسلامي لم يخرج مع حلول عام 1960 م بأي فكرة متساوقة ومتماسكة في هذا المجال أعد الصدر كتابين جديدين ومطوّلين عن الموضوع هما:  اقتصادنا ، والبنك اللاربوي في الإسلام )) (3) , إن فكر الشهيد الصدر وفّر علينا جهوداً عقلية هائلة لجهة اكتشاف الأدوات المنهجية الضرورية في الميادين الرئيسة للفكر الإسلامي )) (4)

نشاطه العلمي والفكري

 

تجاوز الصدر السلّم التعليمي ودرس أكثر أبحاث ( السطوح العالية)  مبكراً . وفي الحادية عشرة من عمره كتب رسالة في المنطق أثار فيها اعتراضات علمية على بعض كتب المنطق نالت إعجاب أساتذته ؛ هاجر إلى النجف في الرابعة عشرة من عمره وفي السابعة عشرة كتب تعليقةً على الرسالة الفقهية  للشيخ محمد رضا آل ياسين ، اطلع عليها أستاذه الشيخ عباس الرميثي فأقر له بالاجتهاد وهكذا سجّلت الحوزة العلمية في النجف الاشرف سابقة فريدة ، إذ أقرت بالفقاهة والاجتهاد لشاب في السابعة عشرة من عمره .

وقد آتاه الله القدرة فكتب في مجالات الفكر الإسلامي ، الفقهية منها والأصولية والتفسير والتاريخ ، كتب في شبابه كتاباً تناول به مشكلة من مشاكل تاريخنا الإسلامي , وهي مشكلة (فدك ) والخصومة التاريخية التي قامت بين الزهراء (عليها السلام ) والخليفة الأول .

الأمر الذي يجلب الانتباه إلى القدرة والمنهجية العالية التي توفَّر عليها شاب طموح في وسط ديني مكثف كالنجف , وهو في الثامنة عشرة من عمره , تميز بالكفاءة العالية في متابعة جزيئات الموضوع وما يتعلق به .

الأمر الآخر الذي يجلب الانتباه ,  هو ترضِّيه المستمر تقريباً على الخليفة الأول والثاني أينما ذكرهما في كتابه وهذا ليس من المألوف في الوسط التقليدي ، وقد كتب كتابه هذا في النجف وطبعه في النجف وليس في حاضرةً أخرى , وهذا يدل على منهجه التوحيدي الذي يؤمن أنّ امَّة الإسلام واحدة[إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ]الآية (90) من سورة الانبياء (21) .


 

(2) ظ. المقدمة التي كتبها ( د. سليمان دنيا ) لكتاب الشيعة وفنون الإسلام , للسيد ( حسن الصدر ) مطبوعات النجاح بالقاهرة ط 4  1967 : 7 .

(3) تجديد الفقه الاسلامي محمد باقر الصدر بين النجف وشيعة العالم ،شبلى الملاط  ، مكتبة الصدر ، ايران قم المقدسة .

(4) منهج الشهيد الصدر في تجديد الفكر الإسلامي ( عبدالجبار الرفاعي ) دار الفكر المعاصر – بيروت – لبنان ط1 محرم 1422 – 2001 م  : 11 .

 

 

أهم مؤلفاته وأبحاثه

كتب السيد الصدر مجموعةً من الكتب والأبحاث والتعليقاتاهمها :

فدك في التاريخ ، المعالم الجديدة في الاصول ، فلسفتنا ، اقتصادنا ، البنك اللاربوي في الاسلام ، الاسس المنطقية للاستقراء ، بحوث في شرح العروة الوثقى ، ودروس في علم الاصول .

كما ان له مجموعة من الابحاث تعالج موضوعات معاصرة مثل المادية التاريخية ، نضام الانتاج ، الحرية في القران الكريم وغيرها كثير .

و أسس السيد الصدر لأسلوب جديد في بناء الرسائل العلمية - المرجع الفقهي للجمهور-  في كتابه الفتاوى الواضحة (1)

 

 

الإصلاح في الحوزة العلمية

حاول السيد الصدر P-- إصلاح شؤون الحوزة العلمية , اهتماماتها , هيكلها الإداري , مناهجها الدراسية . ومهّد لمشروع إصلاحي  قطع في تنفيذه خطوات مهمة :

مارس دوراً مباشراً في اختيار وكلاء السيد ( محسن الحكيم -Q-) والسيد ( ابو القاسم الخوئي-Q- )  من بين من يقدّر فيهم وعياً دينّياً وحسّاً اجتماعياً (2)

وضع مخططاً تأسيساً لهيكل المرجعية التي عرّفها بقوله : (( إن أهم ما يميّز المرجعية الصالحة تبنيها للأهداف الحقيقية التي يجب أن تسير المرجعية في سبيل تحقيقها لخدمة الإسلام ، وامتلاكها صورة واضحة محدّدة لهذه الأهداف . فهي مرجعية هادفة واعية ، تتصرف دائماً على أساس تلك الأهداف بدلاً من أن تمارس تصرفات عشوائية وبروح تجزيئية وبدافع من ضغط الحاجات الجزئية المتجدّدة . وعلى هذا الأساس يكون المرجع الصالح قادراً على عطاء جديد في خدمة الإسلام وإيجاد تغيير أفضل لصالح الإسلام في كل الأوضاع التي يمتد إليها تأثيره   ونفوذه))(3)

ثم حدد هذه الأهداف , ووضع المخطط التفصيلي للجهاز المرجعي الضروري لتحقيق هذه الأهداف .

فقدم مشروعاً متكاملاً في إصلاح المرجعية لم تهضمه الأجيال التقليدية السائرة حتى يومنا هذا . أي بعد ما يقرب من نصف قرن (4)

وأما على مستوى التجديد في المناهج فقد كان دوره تأسيساً وبناءً أيضاً فقد كان دوره رئيساً في إنشاء كلية أصول الدين التي قامبتأسيسها السيد مرتضى العسكري رحمه الله في بغداد وصب السيد الصدر P-- جهده في صياغة منهجها التدريسي وألف بنفسه ثلاثة من كتبها الدراسية التي تُعد فتحاً جديداً في مجال الدراسات الانسانية الجامعية  .


 

(1)ظ.السيد الشهيد الصدر من فقه الأحكام إلى فقه النظريات ، صائب عبد الحميد  : 58 ، ظ . السيرة والمسيرة ، أبي زيد العاملي  : 1 / صفحات متعددة .

(2) السيد الشهيد الصدر من فقه الأحكام إلى فقه النظريات ، صائب عبد الحميد  : 57

(3) مباحث الاصول ، السيد كاظم الحائري : 5 / 92 .

(1) السيد الشهيد الصدر من فقه الأحكام إلى فقه النظريات ، صائب عبد الحميد  : 58 .

 

هذه المؤلفات هي ( المعالم الجديدة للأصول ، والاقتصاد الإسلامي ، وعلوم القران ) الذي وضع مخططه وكَتَب مباحثه الأولى ثم أوكل إلى السيد ( محمد باقر الحكيم رحمه الله) تدريسه وإكماله . وإتماماً لدوره في هذا المشروع البنّاء قد أسهم بشكل فعّال في مجلة رسالة الإسلام التي تصدرها هذه الكليةالعتيدة .

وقد كانت مؤلفات السيد الشهيد الصدر تتحرك معه في سلّم مواجهة الواقع ,والإرتفاع بمستوى الوعي الجماهيري إلى درجة أرفع . وفي الحساب الدقيق اجتمع عطاؤه لله في عقدين من الزمن عاشهما بين شبابه المبكر واستشهاده المبكر(1)

هما عقدان من الزمن  في حياة مفكر نابغة مزدحمان بألوان النشاط والهموم كساها جميعاً كسوة النظرية المعمقة المتماسكة فعلى مستوى الأبحاث الفرعية في علم أصول الفقه قدم كثيراً من هذا النتاج الفكري الإبداعي  (2)

وعلى مستوى مباحث الدراية يؤسس لنظرية تعويض الأسانيد لأول مرة تأسيسا ًعلميا ً متكاملا ً (3)

وعلى مستوى الفقه وضع الأسس العلمية المتينة لفقه حي يتجاوز المنحى الفقهي التقليدي الفقه الفردي إلى فقه المجتمع .

     وهناك النظرية القرآنية في خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء , وعلى مستوى نظرية المعرفة جاء كتابه الأسس المنطقية وفي النهاية قدم السيد الصدر مشروعا فكرياً  يحتل مواضع مهمة في السبق والتأسيس والابتكار على امتداد المساحات وتنوع الاتجاهات .

ويمكن أن نقدم خلاصة لما تقدم لنقف على معالم شخصيته :

فهو نابغة نبغ في علوم الشريعة والفلسفة، لا يجارى في التوسع والاستيعاب الفكري والإحاطة بأقوال العلماء .

فيلسوف مجتهد بشهادة العلماء الكبار . وقد سبق في عصره كل من امتدت يده إلى الفلسفة .

مثقف كبير يقرأ منذ صغره لكبار كتاب العالم , وربما تتعجب وهو يحدثك عن أدباء مصر أو منارة الإسكندرية و يحدثك عن أهل الإشراق و العرفان كأنه منهم.

فقيه معاصر بكل ما للكلمة من معنى إذ يطل على كل المحتويات والموضوعات الجديدة ليقدم لها حكمها وهو قادر على التصالح مع التغيّرات السريعة .

لا يرفض الجديد بل يستوعبه ويستفيد منه ويجري الإحكام الشرعية عليه

يقترح دائما أحكاما ً لموضوعات لم تحدث بعد , فإذا حدثت لا يرتبك الناس في التعاطي معها

راهب من رهبان آل محمد على طريقة جدّه موسى بن جعفر -D- . يعمل بصمت , ويهرب من السُمعة والجاه , ويحب أن تكون جميع أعمالة بعيدة عن أي شبهة  (1)


 

(1) المصدر نفسه : 59 .

(2) منهج الشهيد الصدر في تجديد الفكر الإسلامي : 31-32 .

(3) الجديد في علمي الدراية والرجال عند الشهيد الصدر ، ثامر العميدي ، العدد الثالث مجلة قضايا الإسلامية 1417 هـ  :  109 ـ 168 .

(1) الجديد في علمي الدراية والرجال عند الشهيد الصدر ، ثامر العميدي ، العدد الثالث مجلة قضايا الإسلامية 1417 هـ  : 163 .

 

 

عالِمٌ إصلاحي مجدّد ولاشك لو أنّه بقي لأَسهمَ إسهاماً فاعلا ً في إصلاح الحوزة , وبرمج لها واقعها ليدفعها إلى التطوّر . بل التفوّق خصوصا ً في ظل جمهورية إسلامية لها تأثيرها ودورها في التطبيق .

أما زهده في الدنيا ، وتقشفه فهو معلوم لدى من عايشه .

أمّا عبادته وتقواه , فقد بلغا مرتبة عالية من التعلق بالله ومحبته والذوبان في الإسلام والدفاع عن تعاليمه المقدسة .

أما الوفاء لأهله وأرحامه وأصدقائه ومعارفه وطلّابه فيتجسد بعطفه على طلّابه وتعامله معهم بروح أبوية تجعلهم مأسورين لأخلاقه .

احترامه لزوّاره ومريديه . وهي حالة عالية يصعب على أيِّ إنسان أن يصل إليها .

يستحي دائماً من أساتذته حتى ولو كان رأيه مخالفاً لرأيهم . ومع ذلك فهو يتنازل لأجل صونهم وحقهم .

مهتماً جدّاً بقضاء حوائج أصدقائه وطلبته  .

يهتم كثيراً بالدرس والنقاش الحر , بأخلاق يَسودها التواضع , يحترم النقاش , لا يستعلي على أحد بل يُشعر محاوره بأنّه مساوٍ لهُ ثم يبدأ بحل الإشكالات بشكل هادئ لطيف (2)

أقـوال العلماء فيه .

الدكتور ( زكي نجيب محمود ) في رسالة شخصية وجهها إلى الشهيد الصدر قال يصف بعض مؤلفات الصدر: (( إذا اجتمعت هذه الأنجم الثلاثة فلسفتنا , اقتصادنا , الأسس المنطقية للاستقراء , في سماء ، وجدتها في حياتنا الفكرية يندر ما تجد ما يعادلها قيمة في محاولتها لهدايتنا على الطريق الصحيح ))(1)

ثميقول : (( إن إعدام مفكر ساهم في تنمية العقل العربي والإسلامي ، يثير لدينا مشاعر التقزّز والاشمئزاز . فالدول المتقدمة تكرم افذاذها , أما العراق فيعدم مفكريه )) (2)

كَتَب الدكتور(3)( أكرم زعيتر ) تعريفاً مكثفاً بكتاب ( فلسفتنا ) جاء فيه: (( وبعد فإنّ كتاب فلسفتنا هو دراسة موضوعية في مقترن الصراع الفكري القائم بين مختلف التيارات الفلسفية وخاصة بين الفلسفة الإسلامية والمادية الديالكتيكة الماركسية . وهذه الدراسة تتّسم بالدفاع المنطقي الحار عن الميتافيزيقة الإلهية , حتى يمكن القول إن الكتاب جهد فلسفي منطقي موفق لنسف الأسس الفلسفية للإلحاد .

وإنني أعتقد أنّ  المادّيةالديالكتية الماركسية لم تُجابه بمناقشات فلسفية واعية فاهمة , ولم تقرع بردود علمية من قبل كتّاب العرب المتفلسفين , و جوبهت و قرعت بهذا الكتاب  , أجل انه لم ينازلها منازل عربي ، أو مسلم عنيد ، حسب اطلاعي مثل محمد باقر الصدر))(4)


 

(2) ظ. خفايا  وأسرار من سيرة محمد باقر الصدر ، الشيخ عفيف النابلسي: 163 .

(1) مصادر الدراسة عند الشهيد محمد باقر الصدر , صادق جعفر الروازق : 181 .

(2) المصدر  نفسه : 4 / 331 .

(3) ظ. جريدة الحياة البيروتية العدد 43 .

(4) السيرة والمسيرة ،  أبو زيد العاملي: 1 / 346 .

 

 

 

ويقول السيّد ( أبو القاسم الخوئي-Q- ) : ((السيد الصدر مظلوم لأنه ولد في الشرق ولو كان مولوداً في الغرب لعلمتم ماذا يقول الغرب فيه  , هذا الرجل عجيب في ما يتوصل إليه , وفي ما يطرحه من نظريات وأفكار ))(5)

ويقول السيّد (روح الله الموسوي الخميني) : السيد محمد باقر الصدر الذي كان عقلاً إسلامياً مفكراً, وأنا أرجو أن يُقبِل المسلمون على مطالعة كتب هذا الرجل العظيم, حشره الله تعالى مع أجداده العظام , وحشر أخته المظلومة مع جدتها ))(6).

ويقول السيد موس الصدر : (( على الزعيم السياسي أن يرى لليوم وللغد ولما بعد الغد. وهذا متوفر في السيد محمد باقر الصدر . وحسبه أنه استطاع أن يضع حلولاً لأمور بقيت عالة مائة وخمسين عاماً تهيّب الفقهاء من الدنو منها))(7).

ويقول السيد علي الخامنئي : (( يحق لكل مَجمع علمي أن يرفع رأسه فخوراً بما قدّمه إنسان كبير كهذا العالم الجليل . كان دونما تردّد نابغة وكوكباً ساطعاً . فهو - من الناحية العلمية - جمع في رجل واحد الشمول والعمق والإبداع والشجاعة العلمية . ويُعد مؤسساً وصاحب مدرسة في علم أصول الفقه وفي الفقه والفلسفة وما يرتبط بهذه العلوم بما كان يمتلكه من كفاية غير اعتيادية , ودأب قلّ له نظير , جعل منه عالماً متمتعاً في ألوان الفنون ولم ينحصر ذهنه البحاث ورؤيته الثاقبة في آفاق علوم الحوزة المتداولة . بل أحاط بالبحث والتحقيق كل موضوع يليق بمرجع ديني كبير في عالمنا المتنوع المعاش خالقاً من ذلك الموضع خطاباً جديداً وفكراً بكراً وأثراً خالداً )) (2).

المنهج عند السيد الصدر

من غير الممكن ولوج مسائل التجديد ومعرفة إنفرادات السيد الشهيد , في الفقه والأصول والاجتماع والسياسة , من دون التعرض ولو اقتضاباً لقواعد المنهج الذي اعتمده في استنطاق النصوص واستقراء الحياة واندفاعاتها اللّامتناهية لأكثر من اعتبار .

يقول  السيد الصدر : اقصد بالمنهج (( مجموعة القواعد والأدوات التي أستخدمها لتقديم رؤية إسلامية متكاملة تضع الإسلام - كدين ونظام حياة وعقيدة - في مصاف العقائد والأفكار والنظريات المعاصرة . فالمنهج الذي اعتمده الصدر يرمي إلى إبقاء الإسلام في الساحة فكراً وعلماً وطريقة وحياة تفضي بالإنسان إلى التفاعل بين إيمانه وعمله . فيظفر بالسعادة في الحياة الدنيا والثواب في الحياة الآخرة , وينتهي الصدر إلى أن المنهج : جملة الأدلة على ما هو حق وحقيق . (( وصحة الاستدلال ترتبط إرتباطاً أساسياً بصحة المنهج الذي يعتمد عليه ))(1).

فاولى السيد الصدر المنهج عناية خاصة انتهت الى توليد منهج في الاستدلال على آرائه بتناول أبرز قواعده في كتابة الأسس المنطقية للاستقراء 

ولذلك يلجأ السيد الصدر إلى العلم والفلسفة في بناء منهجه الإسلامي , ساعياً إلى اكتشاف الأساس المنطقي المشترك للعلوم الطبيعية والإيمان بالله .


 

(5) السيرة والمسيرة ،  أبو زيد العاملي : 1/  15         .

(6) صحيفة نور ( فارسي ) 14-280 نقلاً عن السيرة والمسيرة : 12 .

(7) الإمام موسى الصدر / محطات تاريخية  ، اصدار مركز الامام موسى الصدر للابحاث والدراسات ، بيروت ط. 2 سنة 1422 هـ / 2002 م : 49 .

(1) من نداء الإمام الخامنئي إلى المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر ، نقلاً عن السيرة والمسيرة ، م 16 .

(2) موجز في أصول الدين ، محمد باقر الصدر ط2 - بيروت - دار الزهراء - 1987 : 21 .

 

 

 

لقد أراد أن يخاطب العقول النيّرة خطاباً عقلياً مقنعاً . ولجأ إلى الاستدلال منهجاً في إثبات العقيدة الإسلامية إيماناً بالله وبالرسول 8-- وبالرسالة . وميّز بين الدليل متنقلاً من الفطرة أو البديهية إلى الإدراك والتصديق بالدليل الفلسفي . واظهر طول باع في تتبع مراحل المعرفة من الحسي والتجريبي إلى العقلي . وبعد أن توقف السيد الصدر عند رفض المادية الجدلية والوضعية المنطقية , انتهى إلى تركيب منهج يعتمد على الحس والتجربة كبدايات للاستدلال , وهذا هو الاستقراء ، وعلى العقل والاستنتاج في تنظيم الروابط والعلاقات الذهنية , وهذه طريقة الفلسفة(1) .

وعدّ السيد الصدر الاستدلال الذي مارسه الفكر البشري ينقسم على قسمين: الاستنباط: (( كل استدلال نتيجة مقدماته )) . والاستقراء : (( كل استدلال تجئ نتيجته أكبر من مقدماته )) , ولكل منهما دليله ومنهجه الخاص وطريقه المتميز (2)

في الدليل العلمي الاستقرائي , يمهّد السيد الصدر لدليله بلغتنا ثلاثة أمور - على طريقة الغزالي وديكارت - فالوضوح أولاً في عرض الدليل , وتتبع نتائجه وتحديد خطواته ثانياً ببساطة وإيجاز , والتحقق ثالثاً من صحة المنهج أو الوثوق بالنتائج التي تؤدي إليها على نحو مانحى أبو حامد الغزالي في كتابة ( المنقذ من الضلال ) , عندما حدّد اليقين بأنه : (( هو الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافاً لا يبقى معه ريب ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم))(3)

في الدليل الفلسفي , لا يعبأ الصدر- كثيراً - بتاريخ الفلسفة- كمرجع - لبناء الثقة بمعلومات العقل ويحاكمها على وجهين : الوجه الأول يتصل بالثقة بمبادئ الرياضة غير المرتبطة بالإحساس والتجربة (4)والوجه الثاني انتقاد الوضعية المنطقية (*)

 

ورفض المذهب التجريبي واثبات المذهب العقلي . وهو يكرّس القسم الرابع من كتابة الأسس المنطقية للاستقراء لإختبار مقدمات المعرفة البشرية ويركّز بصورة خاصة على هدم  المنطق الوضعي التجريبي بإثبات إمكان - الاستدلال استقرائياً - على القضية الأوّلية النظرية ، في أثناء علاقة اللزوم بين الموضوع والمحمول . مثال : الكل - بطبيعته -يستلزم أن يكون أعظم من الجزء . وإن اشتراك الزوايا في صفة إنها قائمة , ليست بطبيعته إنها متساوية . فهناك إذن موضوع يستلزم بطبيعته صفة معينة ولا ينفك عنها بحال من الأحوال ، وعلاقة الّلزوم الذاتي هذه بين الموضوع والمحمول يمكن - من ناحية مبدئية - الاستدلال عليها استقرائياً (1)


 

(1) الأصولية الإسلامية العربية المعاصرة , الدكتور حسن سعيد , مركز دراسات الوحدة العربية , الطبعة الثانية : 2005م : 277  .

(2) الأسس المنطقية للاستقراء / محمد باقر الصدر / بيروت / دار التعارف /1990 : 5 .

(3) المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال / محمد الغزالي أبو حامد تحقيق جميل صليبا وكامل عياد ، ط8 بيروت دار الأندلس 1993 : 82 .

(4) موجز في أصول الدين: 51 .

(*)الوضعية المنطقية او التجريبية العلمية : هي نهج في المعرفة التي تتميز بها الرياضيات والعلوم بالوضوح , الإنسان الباطني , القابلية للفحص , التكافؤ , الدقة الموضوعية  , أي باختصار : تكوين المعرفة انطلاقاً من أحكام التجربة .

 

(1) ظ. الأسس المنطقية للاستقراء ، السيد الصدر : 434 – 435 .

 

 

 

وما يطمح أن ينتهي إليه السيد الصدر من جملة تشريحاته وانتقاداته للمنطق الوضعي , تسويغ الثقة بالاعتقاد بالمعلومات الفعلية , على الرغم من عدم ارتباطه بالإحساس والتجربة , فمن الطبيعي أن نسلّم أن بالإمكان أن نثق أحياناً بالمعلومات العقلية التي يعتمد عليها الدليل الفلسفي(2) .

إن السيد الصدر يُعنى عناية خاصة بمقدمات دليله الفلسفي أو القضايا البديهيات التي يستقيم عليها الدليل . فهي مثبتة بالشعور الفطري الصادق بذاته , وبالاستقراء العلمي الثابت بالتجربة (3) .

 

منهجه في الفقه وأصوله

وللسيد الشهيد منهجه المميز في الفقه واصوله فالذي يبتغيه من منهجه الفقهي : إخضاع الحياة المعاشة إلى أصول التشريع الإلهي , ليس من منظور انتفاعي مصلحي , بل من منظور الحكم الشرعي . فالإنسان كعبد لله تفرض عليه تبعيّته للشريعة التي أنزلها المولى (تعالى) على رسوله -8-تقضي بتعيين الموقف العملي في كل شأن من شؤون الحياة وهذه وظيفة الفقه ,الذي هو عملية استنباط الحكم الشرعي .

وبعد أن رسم السيد الصدر حدوداً للفقه , وعيّن دلالة الاستنباط , لجأ إلى التاريخ يحاول تسويغ الحاجة إلى الاجتهاد - وهو إحدى مراحل الفقه المتقدمة - فالاجتهاد « أصبح - في المصطلح الجديد - بعيداً عن الجهد الذي يبذله الفقيه في استخراج الحكم الشرعي من أدلته ومصادره , فلم يعد مصدراً من مصادر الاستنباط , بل هو عملية استنباط الحكم من مصادره التي يمارسها الفقيه »(4)

 

وخير من يحدد معالم مدرسة السيد الشهيد العلمية والفكرية هو السيد محمود الهاشمي حفظه الله يقول اشتملت مدرسة الصدر على معالجة شعب المعرفة الإنسانية كافة , فهي مدرسة متعددة الأبعاد والجوانب ولم تقتصر على الاختصاص بعلوم الشريعة الإسلامية , من فقه وأصول فحسب , بل اشتملت على دراسات في المنطق والفلسفة والعقائد وعلوم القران والاقتصاد والتاريخ والقانون والسياسة المالية والمصرفية ومناهج التعليم والتربية الحوزوية ومناهج العمل السياسي وأنظمة الحكم الإسلامي وغير ذلك من حقول المعرفة الإنسانية والإسلامية المختلفة (1)

 

إنّ الدقة في البحث والتحليل وشمولية المعالجة أهم ما ميز بحوث السيد الشهيد فلم يكن يتعرض لمسألة من المسائل وبخاصة في علم الأصول , إلا ويذكر فيها من الصور والمحتملات ما يبهر العقول . وهذا ما نجده في حلقاته الثلاث في علم الأصول , لا سيما مباحث القطع , فقد اشتملت على نكات دقيقة وتخريجات جديدة لم يُلتفت إليها من قبل.


 

(2) موجز في أصول الدين ، السيد محمد باقر الصدر: 51 .

(3) الأصولية الإسلامية العربية: 278 .

(4) المصدر نفسه :33 .

(1) الامام الشهيد محمد باقر الصدر سمو الذات وخلود العطاء ، مجموعة كتّاب وباحثين ،ط1, 2000م , الغدير للدراسات والنشر : 13.

 

 

وفي مجال الإبداع والتجديد يتمتع السيد الصدر بقدرة على التجديد ، استطاع أن يحدد المذهب الاقتصادي الاسلامي وقدم أطروحه في (البنك اللاربوي) ، و المنهج الموضوعي التوحيدي في التفسير , ورسم دراسته في الأسس المنطقية للاستقراء, عالج الثغرات التي كان يعاني منها المنطق الاستقرائي ، وقدم تفسيراً جديداً مخالفاً لأرسطو وبرتراند رسل , سمّاه (المذهب الذاتي)(2).

ومع ذلك مجتمعاً نكون امام قمة شامخة رسمت لطلاب الحق درباً واضح المعالم ، جديرٌ  بالمتابعة والدراسة والاعتبار .

فسلام عليك ابا جعفر شاهداً وشهيداً وداعياً الى الله بكل ما اوتيت من قوة وجدت بنفسك راضياً والجود بالنفس اسمى غاية الجود .

 

 

 

 

 

 

الدكتور

سلمان كاظم السدخان

9/4/2015

 

 

 

 

 

 


 

(2) المصدر نفسه : 16 .