ضمن نشاطها الأسبوعي وتزامنا ً مع مولد نبي الرحمة محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وأله وسلم ) أقامت مؤسسة الهدى للدراسات الإستراتيجية ندوة فكرية شارك فيها أربعة باحثين . وأفتتح الندوة الدكتور عباس محيسن أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة ميسان بورقته البحثية وكانت حول النظرة الغربية لشخصية الرسول الأعظم ( ص) مشيرا ً فيها الى الدراسات التي خصت شخصية النبي (ًص) وقد وقع أختيار الباحث على كتاب بعنوان (الخالدون مائة ) للكاتب الأمريكي (مايكل هارت) الذي أعتبر منهجه مختلف عن كثير من المناهج ومنها العربية ذاكرا ً نبذة عن حياة هارت الفيزيائي الفلكي والحاصل على شهادة الدكتوراه في القانون والرياضيات مبينا ً الاختلاف حول توجهه الديني بين اليهودية والمسيحية فيما أعتبره محيسن ومن خلال قراءته لحياته يميل الى المسيحية أكثر من اليهودية .
وبعد ذلك ذكر صدور الكتاب لأول مرة عام 1978 وحُدث عام 1992 وتضمن الكتاب مائة شخصية مختلفة سياسية ودينية وفيزيائية وكيميائية وطبية وبذل جهدا ً طويلا ً من أجل الوصول الى الشخصية التي تستحق تسليط الضوء عليها وكان هناك نزاع وتصور لدى المراقبون ربما سيكون بطرس الأكبر أو شخصية أخرى ألا أنه وضع شروطا ً قبل ذلك لاختيار الشخصية أولها أن تكون الشخصية حقيقية غير مجهولة وثانيا ً أن تكون عميقة الأثر ثالثا ً أن يكون لها تأثير عالمي وليس إقليمي رابعاً أستبعد كل من كان على قيد الحياة خلال فترة تأليف الكتاب . فيما يؤشر محيسن بأن تسلسل الشخصيات لم يتبع التسلسل الزمني أنما أتبع درجة التأثير والتأثر بعد جهد طويل توصل الباحث الى أن الشخصية الأولى التي تستحق أن تكون في مؤلفه هي شخصية النبي محمد (ص) وقد أعطى هارت جملة تبريريات على حد تعبير محيسن لماذا أختار شخصية النبي (ص) ومن جملة المؤهلات أن الرسول كان دوره أخطر وأعظم في نشر الإسلام من دور السيد المسيح (ع) والثاني كان الرسول رجلا ً عمليا ً على خلاف السيد المسيح حيث كان زوجا ً وأبا ً ويعمل في التجارة ويرعى الأغنام ويحارب ويصاب الى أن توفى ثالثا ً كان أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ رابعا ً تمكن من عمل الامتزاج بين الدين والدنيا خامسا ً أن أثر محمد (ص) مازال متجددا ً وفي ختام حديثه أعترض محيسن على ما جاء بكتاب هارت والذي وصف النبي فيها أمي لا يقرأ ولا يكتب معتبره وقع بخطأ مستدلا ً بعدد من النصوص القرآنية والروايات منها كتاب معاني الأخبار للشيخ الصدوق .
وقدم السيد خليل الشوكي أستاذ القانون في جامعة ميسان ورقته بعنوان (النبي الأكرم (ص) رجل الحرية والسلام أم رجل الحرب والدماء ) وابتدأ الشوكي حديثه بأن هذا العنوان يتناغم مع الصيحات التي ينادي بها المتأثرين بزمننا هذا أو شعار الحرب والقتال البعيدة كل البعد عن الإنسانية وينسبوها للنبي (ص) مؤكدا ً على أنه في هذا الوقت القصير لا يمكن تغطية الموضوع بشكل مفصل عن شخصية النبي (ص) فهو يقول هذه الشخصية كتبت عنها الأقلام زهاء 1400 عام ولا زالت طرية وحية يرتوي منها المحققين ولم تدرس الدراسة العلمية الموضوعية إلى زممنا هذا . وتحول الى معاناة النبي في بداية الرسالة عندما كان في مكة المكرمة فهو سيطر على النفوس المتعطشة للحرية والسلام في فطرتها السليمة وأمن معه الكثير من الذين اضطهدوا وأوذوا تحت وطأة السياط والعبودية وشخصية النبي لما جاء وظهر بالدعوة الإسلامية أحدث تغييرا ً ديموغرافيا ً في المنطقة وتغيير فسيولوجي في نفوس القوم آنذاك غير التركيبة النفسية لقريش التي عرفت بالغارة والعنف وؤد البنات إلى مجتمع متلاحم أستطاع أن يبني دولة أسلامية هيمن من خلالها على أعظم دولتين في ذلك الزمان وهما الدولة الساسانية الفارسية والدولة البيزنطية الرومية .
وخلص الشوكي بالقول أن النبي (ص) منع أصحابه عن التفاخر عند انتصارهم بالمعارك ويقول لهم أنتم لم تقتلوا أحد ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذين قتلهم ويستشهد بقول الله تبارك وتعالى ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"( الانفال 17
وقدم الشوكي عدد من الأدلة والبراهين التي تثبت بأن النبي رجل الحرية والسلام ورحيم القلب ويسامح وكريم ويتصف بكل الصفات الإنسانية الحميدة التي عرفت عنه .
وجاءت ورقة الأستاذ حسين جلوب الساعدي رئيس مؤسسة الهدى بعنوان ( ابعاد السيرة النبوية ) وبارك الساعدي في مقدمة حديثه الحضور بمناسبة المولد النبوي الشريف معربا ً عن سعادته وشاكرا ًحضورهم . وبدأ بالقول لأن ورقتي فهم أبعاد السيرة وجوانبها التي ممكن الاستفادة منها ومن القضايا التي تكون مورد للبحث والاهتمام ومجال للاستنباط في قراءة السيرة معتبرا ً السيرة النبوية جزء من التشريع والتشريع مصدره الله سبحانه وتعالى والمصدر الأول القران الكريم أما كلام النبي وما يصدر عن النبي فهو كذلك تشريع لأنه من الله ألا أنه بالمعنى وليس بالفظ ليس لفظ الله الا أن المعاني المتجسدة في شخص النبي ويؤكد الله هذا المعنى بقوله ("وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى"( وهذه المكانة لسنة النبي وسيرته في مصادر الاستنباط والتذكير وحياة النبي أذا كانت بهذا التفكير وهذا البعد حظيت بالاهتمام ومن اليوم الأول دعى النبي للإسلام أستدل بسيرته ( الست أنا الصادق الأمين ) أذن سيرته وشخصيته أصبحت موضع اهتمام منذ البداية ويذكر الساعدي في معرض حديثه على أن الاهتمام بكتابة السيرة يجب أن يكون في بعدين بعد تاريخية وحياته والوقائع التي مر بها والبعد الثاني طريقة حياته .
ويختتم الساعدي حديثه عن البعد الأخلاقي والتربوي للنبي (ص) يقول سؤلت عائشة زوجة النبي عن أخلاقه قالت كان خلقه القرآن وكان يقول أنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وعندما نطل على السيرة ونقرئها نستفيد منها مفاهيم أخلاقية وتربوية وتهذيب النفس وإدارة المجتمع وبنائه والى الكثير الذي يمكن أن نستفيد منه ونستنبطه وأما البعد الإنساني يقول الساعدي : لا أعتقد دين من الأديان ولا نبي من الأنبياء ولا رسالة من الرسالات كرمت الأنسان مثل ما كرمه الله ورسوله.
أما الدكتور علي حسن هذيلي فكانت ورقته تتعلق (ببلاغة النبي وفصاحته) منوها ً بأن بحثه يتكون من محورين الأول يخص بلاغة الرسول (ص) وفصاحته والثاني أبداع الرسول للمفاهيم بمعنى كان يأتي بمفاهيم جديدة وكان يغير مفاهيم السابقين أو أعادة النظر في ما قاله الآخرون وهذه القدرة عند الرسول أتت بسبب كون الإنسان في الجاهلية كان يعبد الصنم لذلك المفاهيم لديهم كانت متحجرة بقياس الإنسان المسلم الذي كان يرى بعين الله فان مفاهيمه تتجاوز النسبي إلى ما هو مطلق وبالتالي له القدرة على تجديد المفاهيم .
ويقول هذيلي في ما يخص بلاغة الرسول وفصاحته وأستدل بعدد من الأحاديث النبوية معتبرا ًالمتكلمين ثلاثة أنواع الأول يتحدث للخاصة والثاني يتحدث لعوام الناس وحسب قابليته وهناك من يتحدث للاثنين في وقت واحد أي للفيلسوف والإنسان العادي والاثنين يفهموه بشكل واضح وجلي وقرأ عدد كبير من أحاديث الرسول (ص) التي يفهمها الخاصة والعامة معتبرا ً الرسول الكريم هو الشخص الوحيد الذي يخاطب الخاص والعام في وقت واحد .
وبعد أكمال تقديم الأوراق البحثية عقب عدد من الحضور على الباحثين وطرحت عدد من الأسئلة حول المواضيع التي طرحت وجرى النقاش والرد عليها من قبل مقدمي البحوث وحضر الندوة الأستاذ ناظم الساعدي عضو مجلس النواب العراقي وعدد من الأساتذة والباحثين وأعضاء منظمات المجتمع المدني والطلاب الكليات وعدد من الشخصيات المهتمة في البحث العلمي .