بمناسبة صدور كتابه- التفكيك والتلقي بين النظرية والممارسة- احتفت مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية بالباحث الدكتور (علي حسن هذيلي) وقد تضمن البرنامج ورقتين: أحداهما تحليلية نقدية قدمها الناقد الأستاذ الدكتور "عباس عودة شنيور"، والثانية تعريفية قدم فيها الدكتور هذيلي رؤيته للتفكيك والتلقي، وأهم ما أراد أن يقوله في كتابه هذا. وقد أدار الجلسة الدكتور عامر زغير بعد أن رحب بالحاضرين، شاكرا حضورهم ومشاركتهم فعاليات مؤسسة الهدى، وهي تحتضن مبدعي المحافظة، وتحتفي بهم.
قدم أ. د. عباس عودة شنيور ورقة نقدية تحدث عن المناهج النقدية وانبهار الدارسين العرب بها، وقد حدد شنيور ثلاث سمات منهجية تستحق الإثارة في كتاب الدكتور هذيلي، لا لكونها المهيمنة الكبرى على الكتاب فحسب، بل لتميزه وإبداعه في توظيفها:أولاً: كسر الصنمية المنهجية: جاء فيها شاع في الأوساط الثقافية، لاسيما الأكاديمية: أن المؤلف ينبغي أن يلتزم منهجاً واحداً محدداً في عمله، ولا يحق له اعتماد منهجٍ آخر، لأنه سيتهم بالخلط والارتباك وعدم الانضباط. كما شاع ان المنهج الجديد غالباً ما يجبُّ ما قبله من المناهج، فاعتماد منهج سابق بوجود منهج أحدث، قد يعد تخلفاً ورجعية، وانسلاخاً عن اشتراطات الحداثة. أما هذيلي، فيقول: "إن النص هو الذي يقترح طريقة تلقيه" و"الطريقة بعدئذ لا تفرض على النص بل تنبع منه". والناقد الدكتور هذيلي، وإن سبقه آخرون كثر في كسر الصنمية المنهجية بهذا المعنى، إلا أن له فضيلةً مهمة هي الإعلان النظري عنها بعد أن تفشت هذه الصنمية لدى كثيرين.ثانياً: مساءلة المناهج النقدية: في زعم الدكتور شنيور إن الميزة الأهم في كتاب (التفكيك والتلقي)، أن الناقد هذيلي قد وضع المنهجين- التفكيك والتلقي- على طاولة التشريح، دون أن يعير اهتماما لكل هالات التقديس التي احيطا بها، ولم يرعَ فيهما إلاّ ولا ذمة، ولم تهُلْه عفاريتهما. وحاكم مقولاتهما ومفاهيمهما دون أن يجرّه السياق العام للمشهد الثقافي المتردد وغير الواثق، لأداء فروض الطاعة والخضوع والتبجيل، منطلقاً من موهبة بارعة في الإمساك بالتناقضات، ومعتمدا مشاكسة فطرية في رفض التبعية.. معبراً بذلك عن أصالة وإبداع فريدين يستحقان أن نعتز بهما ونفخر، لاسيما في تفكيكه لمقولات التفكيكية، وتحليله لمفاهيمها. فقد عرض المنهج التفكيكي كاشفا عن تناقضاته وتهافته وعبثيته، وسخريته من العقل البشري، من خلال مناقشة مفاهيمه غير مكتف بالطبقة الخارجية منها، وإنما الغوص إلى أعمق طبقاته. ثالثا: السمة الأدبية: بسبب كثرة التنظيرات النقدية واقتراب العملية النقدية كثيرا من العلمية الموضوعية افتقد الناقد روحه الأدبية، بما أحال النقد الى مدونة جافة مملة، ينفر منها القارئ، ويتجنبها. وإذا كان النقاد الأدباء قليلون أو نادرون فإن د. هذيلي واحد من أولئك النقاد الأدباء الذي يمتع القارئ من حيث ينفعه، و من حيث يمتعه، بما يوفره في نصه النقدي من سمات وخصائص تمنحه أدبية عالية. فإلى جانب اللغة الجميلة، هناك الأسلوب الواضح الذي لا تكلف فيه ولا تصنع، ولا تقعر. وإلى جانب منطقية الفكرة وعلميتها، لا يعدم القارئ توظيفه لأساليب أدبية تستفز مشاعر القارئ سلباً وإيجاباً. وإلى جانب هذا وذاك، يجد المدقق في عمله هذا أو أعماله الأخرى مغزى عاما مهيمناً يمكنني تحديده بكشف الزيف وتعريته، كما يمكن للقارئ أن يؤشر بعض آلياته الأدبية في منجزه النقدي: فالسرد يأخذ حيزاً واضحا لاسيما في افتتاحياته. كما وظف أسلوبه الساخر في كثير من المواقف النقدية، ولا نعدم حماسة واضحة في مناقشته للآراء، ومحاكمته للأفكار، يبدي فيها شخصية قوية اصيلة، لا تنقاد بسهولة لكل ما يقال، ولا تمنح رضاها مجاناً.
بعد أن انتهى الدكتور شنيور من ورقته عقب عليها هذيلي متفقا مع أغلب ما جاء فيها، إن لم نقل كله، لا سيما قضية أن المناهج يسد بعضها نقص بعض، ومن ثم، فنحن بحاجة لها كلها، لأن كل منها يركز على جانب من جوانب النص، ثم تحدث هذيلي عن أهم ما توصل إليه في بحثه، ولخصه في نقطتين:
أولا: أراد هذيلي أن يثبت ان التفكيك نظرية غير قابلة للتطبيق، وهو يؤكد ما ذهب إليه من مقولات النظرية ذاتها وهي التي تدعي أن الدال يقول الشيء ولا يقوله في آن، وكذلك من انعدام الدراسات التطبيقية التفكيكية، وما وجد من دراسات تُعَد على الأصابع، فهو ليس من التفكيك في شيء، بل هو يتبع مناهج تسبق التفكيك، مناهج تؤمن بوجود علاقة بين الدال والمدلول، وبناء على وجود تلك العلاقة هي تكتب نصوصها النقدية التطبيقية. ومن ثمة فإن القول بأن التفكيك، قوض الفلسفة الغربية أو الإنسانية إن هو إلا أكذوبة كبرى صدقها أولئك الذين لم يقرأوا التفكيك، فضلا عن أولئك الذين قرأوه، ولكن يبدو أن الدعاية التي صاحبت التفكيك كانت أكبر منهم، ولنتذكر أن مبدع التفكيك يهودي، نعم يهودي ونظريته صدى لمقولة الفوضى الخلاقة التي تبنتها السياسة الأمريكية، وطبقتها في الشرق الأوسط.
ثانيا: بيّن هذيلي أن التلقي يدرس الطريقة التي يقرأ بها الناقد النص، أو الطريقة التي يفهم بها القارئ النص، ومن ثم فهو نظرية في الفهم، أو فهم الفهم، ولكن هذه المقدمة تحتاج إلى تفريق بين منطقة اشتغال ياوس ومنطقة اشتغال آيزر بوصفها الناقدين الذين ابدعا هذه النظرية، أو كان لهما الدور الكبير في الانتقال بالعملية التحليلية من المؤلف والنص إلى القارئ، وقد لاحظ هذيلي أن أغلب الدارسين، لا يفرق بين جهود ياوس وجهود آيزر، ويعدان الاثنين واحداً، والحال أن كل منهما يشتغل في منطقة، والجمع بينهما لا يمكن أن يكون، فياوس يشتغل على النصوص النقدية التي قرأت نصا ما، ما يعني أن عمله ينتمي إلى نقد النقد، أما آيزر، فيشتغل على النص الإبداعي، ويدّعي أن فيه فراغات ووظيفة القارئ أن يملأ تلك الفراغات، ومن ثمة فهو يشترك مع المبدع في كتابة النص وابداع المعنى، ما يعني أن عمل ياوس ينتمي إلى التأويل، وما يستتبع ذلك من مرجعيات... 

وشارك عدد من الحضور في النقاش والتعقيب وطرح مجموعة من الأسئلة التي رد عليها هذيلي وفي نهاية الندوة أعرب الحضور عن شكرهم الى الجهد الكبير الذي قدمه هذيلي وقدمت مؤسسة الهدى للباحث شهادة وهدية تقديرية لجهودة الكبيرة في تأليف كتابه المذكور .