النفط هو مركز الطاقة والطاقة منتجة للثروة والثروة سببا ً للقوة ومن يملك الطاقة والثروة والقوة فقد حجز له ُ مكاننا ً في صنع التوازنات الدولية ويعد العراق من أهم البلدان النفطية في العالم , وكثر الكلام واللغط عن صيغة عقود الخدمة النفطية (التراخيص النفطية ) وهي نوع جديد من التعاقدات النفطية .
ادار الندوة الدكتور حسن رشك وقدم نبذة مختصرة عن النفط العراقي من وقت اكتشافه واستخراجه الى حين بدأ جولات التراخيص البترولية وأعتبر رشك في مطلع حديثه حكاية الاتفاقات والتآمرات الدولية بالحزينة منذ زمن ويضيف رشك قائلاً : عندما علم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني باحتمال وجود نفط في ولاية الموصل سجلها باسمه في دائرة الأملاك العثمانية وتعاقد مع الشركة التركية العثمانية الإنكليزية لاستثمار النفط فيها وبكفالة البنك الألماني ولكن نشوب الحرب العالمية الأولى حال دون تنفيذ ذلك العقد , بعد ذلك يتحول رشك الى ما بعد احتلال العراق من قبل بريطانيا عام 1971م وكيف سارعت بريطانيا مساومة الحكومة العراقية المشكلة بعد عام 1921 م حول استثمار النفط العراقي , ويشير رشك الى اصطدامها بمفاوض عنيد يعرف اللعبة الاستثمارية هو وزير المالية العراقية أنذاك (ساسون حزقيل ) وعندها همست بريطانيا بأذن ياسين الهاشمي لشطب أسم حزقيل من الوفد المفاوض ولكن الأصوات الوطنية حالت دون ذلك كجعفر أبو التمن ورفاقه ولوحت بريطانيا بورقة ألحاق ولاية الموصل بتركيا أو القبول بعقد الاستثمار النفطي , فكان خيار الحفاظ على وحدة الوطن أهم من التخلي عن جزء من ثروته , وبالفعل عقدت اتفاقية الامتياز النفطية عام 1925 م بشروط مجحفة ولمدة 75 عاما ً , واستعرض رشك في مقدمته كثير من القضايا التاريخية التي تخص النفط العراقي وتكالب القوى الخارجية عليه ويوضح دخول فرنسا على الخط واتفاقية الخط الحمر التي تمنع الشركات الأخرى من الاستثمار وجعله حكرا ً على الشركات البريطانية الفرنسية وكيف تعارضت هذه الأتفاقية مع مبادئ الرئيس الأمريكي (ولسن) والذي كان سبب بتدخل الجيولوجي الارمني كالوس كولنبكيان ليعيد توزيع الحصص بين الشركات الفرنسية والأمريكية والبريطانية بنسب متساوية و5 % منحت له مكافأة على هذا التوافق من النفط العراقي دون أن يدفع فلسا ً واحدا ً ومات في أسبانيا ولم تطأ قدماه ارض العراق , بعد ذلك يشير رشك عدد من محطات التاريخية المهمة في تاريخ النفط العراقي ومن أهمها وبعد نجاح ثورة 1958 م قانون 80 لسنة 1961 م والذي يعد الركيزة الأساسية لعودة الثروة النفطية الى العراق حسب تعبير رشك ومن المحطات الرئيسية التي ذكرها مدير الندوة حسن رشك بعد تأميم النفط عام 1972 م لغاية 1975 م تم تحويل حصت كولبنكيان الى حساب صدام حسين في البنوك السويسرية ولا أحد يعلم الى هذا اليوم مصير الأموال والكيفية التي تم صرفها والتصرف فيها , بعد ذلك يذكر رشك الحرب العراقية الأيرانية وكيف استنزفت كل الثروة العراقية فيها وحل شركة النفط العراقية ومصادرة موجوداتها المالية من قبل صدام حسين , ويستعرض رشك دخول العراق في متاهة الحصار بسبب غزو الكويت من قبل صدام , وبعد سقوط النظام البعثي حصلت عدد من الضغوط وبصور شتى لدفع العراق على التعاقدات النفطية بصيغة عقود المشاركة حتى يمنح لتلك الشركات الأمريكية والغربية الاحتياطات النفطية ولكن أصوات المواطنين وكوادر وزارة النفط وموقف رئيس وزراء العراق نوري المالكي حال دون تمرير التعاقدات النفطية وقد صدمت الشركات النفطية بصيغة التراخيص النفطية وهي نوع جديد من التعاقدات النفطية .
ولغرض تسليط الضوء على هذا الموضوع البالغ الأهمية استضافت مؤسسة الهدى الدكتور (صباح عبد الكاظم شبيب) الأختصاصي النفطي في العقود النفطية ومستشار وزارة النفط القانوني .
أبتدأ شبيب حديثه بالشكر الى مؤسسة الهدى لأقامتها هذه الندوة المهمة واستضافته لألقاء بحثه الذي ضمنه مقدمة تاريخية حول العقود مع شركات النفط الأجنبية منذ أكتشاف النفط في العراق والى يومنا هذا . وبعد ذلك بين شبيب الخطوات حول البدء بجولات التراخيص النفطية ومنها تحديد الجهة التي تقوم بالأعداد والتحضير لجولات التراخيص وتنفيذها , التعاقد مع استشاري عالمي , والتأهيل المسبق لشركات النفط الدولية . بعد ذلك يعرف الباحث دائرة العقود والتراخيص البترولية التي تأسست في 22 / 7 / 2007 استنادا ًالى موافقة مجلس الوزراء وهي دائرة مركزية مهامها تنظيم وادارة وتنفيذ جولات التراخيص والتفاوض مع الشركات وأعداد ومتابعة تنفيذ عقود الخدمة بالتعاون مع الشركات الاستخراجية ودوائر الوزارة ذات العلاقة وتم اختيار كادرها على اسس مهنية ومن خلال الاختبار العام والتخصصي حسب تعبير شبيب , وتم التعاقد مع الاستشاري العالمي
Gaffney Cline & Associate) )عام 2008 لتقديم الخبرة والمشورة في مجال تنظيم وتنفيذ جولات التراخيص والمشاركة في إعداد العقد النموذجي مبلغ العقد (3 ) ملايين دولار حقق أكثر من ( 100 ) مليون دولار من بيع حقائب المعلومات الى الشركات المتنافسة سجلت أيرادا ً الى الخزينة العامة.
بعد ذلك يتحول شبيب الى التأهيل المسبق وهو دراسة الوثائق التي قدمتها شركات النفط الاستخراجية العالمية , واعلنت جولة التأهيل الأولى بتاريخ 9 / 1 / 2008 ومن خلال وسائل الأعلام وقدمت في حينها ( 120 ) شركة ومن مختلف الجنسيات وثائقها الأصلية , وشكلت لجنة تأهيل رئيسية ولجان فرعية وكذلك أخذ بنظر الاعتبار المعيار القانوني والمالي والفني ومعيار الصحة والسلامة والبيئة والتدريب.
ويذكر شبيب بعد ان تم تطبيق كل الشروط المذكورة تأهلت (35 ) شركة نفط من مختلف الجنسيات وأعلنت نتائج التأهيل في وسائل الاعلام المحتفلة بتاريخ 13 / 4 / 2008 وتم في حينه تقديم أيضاح الى الشركات غير المؤهلة عن أسباب عدم التأهيل ويؤكد شبيب بانه لا يجوز لغير الشركة المؤهلة الاشتراك بجولات التراخيص , ويضيف شبيب استناد جولات التراخيص وعقود الخدمة الى النصوص التشريعية وذكر شبيب المادة 111 من الدستور التي نصت على النفط والغاز هو ملك الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات وقد نص موديل عقد الخدمة في مقدمته على كافة موارد النفط والغاز ضمن الاراضي والمناطق والمياه الاقليمية للعراق يمتلكها الشعب العراقي وبما ان الحكومة العراقية هي ممثل الشعب العراقي لها الحق وحدها في استكشاف وتطوير واستخراج واستغلال واستخدام هذه الموارد الطبيعية , وكذلك يؤكد شبيب على ان كل الموجود من مواد في الحقول النفطية هي ملك الشعب العراقي . وحول أدارة جولات التراخيص يوضح شبيب هذا الأمر المهم ووفق المادة (112 ) من الدستور والتي نصت ( تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة ) وهذا دليل على أن الحكومة الاتحادية هي التي تقوم بإدارة واستخراج النفط والغاز ومن بين أساليب الإدارة هو التعاقد مع الغير حسب ما ذكر شبيب , والذي شدد على ان لا يجوز لغير الحكومة الاتحادية القيام بإدارة قطاع الاستخراج النفطي , وايضاً جاء في نفس المادة الدستورية المذكورة(تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معا ً برسم السياسات الاستخراجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز ) ويذكر شبيب أهم الأسس القانونية لجولات التراخيص والصلاحيات القانونية الخاصة بشركة النفط الوطنية , ويوضح شبيب بأن بعد صدور قرار من مجلس الوزراء بالمصادقة على عقود كل جولة وحسب النصوص توفر غطاء قانوني لجولات التراخيص وعقود الخدمة لذلك فأن كل من يعترض على قانونية الجولات وعقودها عليه أن يعترض أمام مجلس النواب أو مجلس الوزراء على حد قول شبيب .
وتم اختيار مناطق التعاقد وفق أسس أهمها التوزيع الجغرافي لتشمل جميع المحافظات قدر الإمكان ونوع المشاريع سواء كانت رقعا ً استكشافية أو حقول نفطية أو غازية وحجم الحقول وموقعها ونوع الحقول ونوع النفط .
ويتحدث شبيب في معرض بحثه عن استمرار فعاليات الجولات سنة كاملة ابتداء ً من أعلان الحقول الى يوم المنافسة وتتضمن مؤتمر صحفي لمعالي وزير النفط تحضره وسائل الأعلام لأعلان الحقول المشمولة , ومؤتمر الترويج بمشاركة شركات الوزارة الاستخراجية والدوائر ذات العلاقة وقد حضر مؤتمر الترويج للجولة الرابعة عام 2011 م بعض اعضاء مجلس النواب من اللجان ذات العلاقة والمحافظون الذين تقع ضمن محافظاتهم الرقع الاستكشافية المعلنة .
ويطوف شبيب في جولات التراخيص ويبين أهميتها ومن خلال اللجان المتخصصة وحسب ما ورد في الدستور العراقي ويذكر الموقف الإنتاجي للحقول المتعاقد عليها ومبررات بعض الجولات وأسباب تراجع الإنتاج في بعض الجولات . ويخلص شبيب في نهاية بحثه بالقول : مهما قيل ويقال وسيقال عن جولات التراخيص البترولية وعقود الخدمة فأنها ستبقى ممارسة عراقية مهنية تحصل للمرة الإولى في العراق والمنطقة ولا يوجد فيها أي تدخل من أية جهة كانت عظمت ايرادات الدولة من خلال زيادة إنتاج النفط الخام وجلبت الخبرة المفقودة في الصناعة النفطية الاستخراجية .
وحضر الندوة عدد كبير من المتخصصين في المجال النفطي والقانوني واثيرت عدة تساؤلات حول مبالغ المنافع الاجتماعية وعائداتها وانحسار المساحات الزراعية والتلوث البيئي وعدم انعكاس استخراج النفط على المحافظات المنتجة بشكل ملحوظ وكذلك حضرت الندوة أعضاء مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الأعلام .
وفي نهاية الندوة قدمت شهادة تقديرية من مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية للباحث الدكتور صباح عبد الكاظم شبيب . وقام برعاية الندوة والأشراف عليها الأستاذ حسين جلوب الساعدي رئيس مؤسسة الهدى .