أقامت مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية (ذات النفع العام ) ندوة بحثية برؤية أكاديمية حول ظاهرة الفساد في العراق , قدمت في الندوة ثلاث أوراق بحثية مختلفة العنوان الأولى قدمها (أ.م.د معن عبود علي) بعنوان (الفساد الاقتصادي ) والثانية قدمها (م.د اميل جبار عاشور) مشاركة مع( أ.م.د محمد سلمان محمود ) بعنوان (المواجهة القانونية لظاهرة الفساد في العراق) والثالثة قدمها (م.د وجدان فالح حسن ) بعنوان (الفساد السياسي: دراسة في المفهوم والانواع والحلول المقترحة . (

قدم الندوة (الدكتور حسن رشك) وافتتح الندوة بقراءة سورة الفاتحة على أرواح الشهداء , مرحبا ً بالحضور وكذلك رحب بالوفد الأكاديمي من جامعتي طهران والشهيد بهشتي مشيدا ً بدور مؤسسة الهدى برصدها ومتابعتها للظواهر التي تمس حياة الشعب لتضع الحلول المناسبة لمواجهة أي ظاهرة أواي تحدي يقف بوجه مسيرة الدولة .

وبعد ذلك تطرق رشك الى الظاهرة التي سيتم تناولها اليوم هي ظاهرة الفساد الإداري والمالي والتي أتسعت وتوغلت في مؤسسات الدولة العراقية , معرفا ً ظاهرة الفساد بأنها سوء استخدام المنصب داخل السلطة لأغراض تغليب المصلحة الخاصة لصاحب المنصب على حساب المصلحة العامة لعموم الشعب , معتبرا ً العراق في طليعة البلدان التي أستشرى فيها الفساد , ويشير رشك الى إحصائيات صندوق النقد والبنك الدولي وحجم الأموال المهربة من العراق منذ عام 2011 وحتى عام 2016 بحدود ( 65 ) مليار دولار أي ما يعادل ( 56 % ) من النتاج المحلي الإجمالي للعراق , وكذلك يشير الى ديوان الرقابة المالية الذي قدر الأموال المهدورة سنويا ً بحدود ( 40 ) مليار دولار تهرب الى خارج البلد , وأعتبر رشك بأن هذه الممارسات عرضت قادة البلد الى الإساءة وأصبحوا ضربا ً للأمثال السيئة في العراق وخارجه ويضيف بأن الإدارة الأمريكية اتخذت قضية الفساد وسيلة سياسية لضرب معارضي توجهاتها السياسية في العراق واقرب دليل على ذلك قرار الخزانة الأمريكية الأخير ليعكس هذا التوجه ويصب في أطار توجهاتها المستقبلية. 

ويجمل رشك في معرض تقديمه عدد المدانين في شبهات الفساد في أروقة القضاء العراقي وصل العدد (1824 ) مدان قضائياً منهم خمسة وزراء وسبعة بذات الدرجة صدرت بحقهم أحكام قضائية . 

وقدم (أ.م. د معن عبود علي) ورقته البحثية التي جاءت بعنوان (الفساد الاقتصادي ) وتناول في بداية حديثة مفهوم الفساد الاقتصادي معرفاً بأنه مخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في مؤسسات الدولة وبالأخص مخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية , عادا ً جوهر الفساد الاقتصادي هو الفشل في معالجة المشاكل الاقتصادية وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين في العراق والتي تتركز في تجارة السلاح , وغسيل الأموال والتهريب , والتهرب الضريبي وشراء أدوية وأغذية غير صالحة و السمسرة والرشوة . 

وتناول علي أهم أسباب الفساد الاقتصادي وهي : عدم الاستقرار السياسي المتمثل بالحكم الرشيد والصالح , ضعف سيادة القانون . وغياب المحاسبة الرادعة , البيروقراطية الشديدة وتخلف الإجراءات الإدارية يضاف لها المحسوبية , عدم التخطيط السليم لأداره المؤسسات الاقتصادية , انحلال المنظومة القيمية . 

وبعد ذلك يشير الى الأثار الاقتصادية واهمها : تخفيض الاستثمار والتأثير عليه ,تقليل المنافسة والكفاءة (بيع المناصب ) , تخفيض الإيرادات العامة , تشويه نظام الأنفاق , تفاقم الفقر والشعور بعدم المواطنة والأخلال بالعدالة الاجتماعية , تدهور السوق المالية , ارتفاع تكلفة الفرصة البديلة , هجرت الكفاءات وسيادة التخلف والجهل . 

ويتناول علي في ورقته البحثية المخالفات الرقابية المشتركة لمؤسسات الدولة في تقارير ديوان الرقابة المالية السنوية مؤكداً انه تم تثبيت عدد من المخالفات الرقابية المشتركة لمؤسسات الدولة في تقارير ديوان الرقابة المالية الاتحادي للفترة من عام 2014 ولغاية 2012 ولوحظ تكرار هذه المخالفات من قبل مؤسسات الدولة وأهمها : وجود عدد من الشركات ودوائر الدولة لم تقدم بياناتها المالية الى الديوان لتدقيقها وبيان الرأي فيها وهو خلاف قانون الادارة المالية رقم 95 , تعدد مصادر التمويل لعدد من الشركات العامة والدوائر الممولة مركزيا ً, اجراء المناقلات وتدوير المبالغ المتبقية من المصارف المستحقة غير المدفوعة من سنة الى اخرى ودون استحصال الموافقات الاصولية , وجود ارصده مدينه ودائنة لأغلب التشكيلات ومنذ سنوات سابقة ولم يتم معالجة هذه الحالة لحد الأن ويشدد على أن أكبر فساد في الدولة هو في بيع العملة من قبل البنك المركزي العراقي 

وجاءت الورقة الثانية بعنوان ( المواجهة القانونية لظاهرة الفساد في العراق)قدمها (الدكتور اميل جبار عاشور) واستهل حديثه بالقول أن ظاهرة الفساد أصبحت من القضايا الراهنة على الساحة الدولية والمحلية باعتبارها تشكل عائق أساسي للتنمية في مختلف مجالاتها , معتبراً جرائم الفساد الإداري والمالي هي أخطر أنواع الفاسد على الأطلاق , ويضيف بأن هذه السلوكيات الإجرامية أصبحت ظاهرة متعددة الجوانب , ويؤكد عاشور على أن ظاهرة الفساد الإداري بالغة التعقيد والتشابك ومتعددة المستويات ويجب معرفة ماهيتها وتشخيص كافة جوانبها قبل البحث عن سبل مكافحتها . 

ويتناول الباحث أنواع جرائم الفساد الإداري ويقسمها من حيث حجمها الى جرائم الفساد الصغيرة وجرائم الفساد الكبيرة ويعتبر الأولى انها ما يطلق عليها بجرائم الفساد للدرجات الوظيفية الدنيا , وهذه تمارس من فرد واحد دون التنسيق مع الأخرين وهذه تنتشر بين صغار الموظفين عن طريق أستلام الرشاوي من الأخرين على حد تعبيره , ويعرف عاشور النوع الثاني من جرائم الفساد وهو فساد منظم وهو على نوعين جرائم الفساد القطاع العام وجرائم الفساد القطاع الخاص والأول يكون أخطر تأثيره لأنه يشمل الفساد المستشري في الإدارة الحكومية وجميع الهيئات العامة ويعد من أكبر معوقات التنمية وفيه يتم استغلال المناصب العامة لأجل الأغراض والمصالح الشخصية , وأما الثاني فساد القطاع الخاص ويشمل استغلال نفوذ القطاع الخاص للتأثير على مجريات السياسة العامة للدولة بأستعمال مختلف الوسائل من الرشوة وهدايا وهذا من أجل تحقيق عدد من المصالح ومنها مثلاُ الأعقاء من الضريبة . 

ويتناول عاشور في ورقته التشريعات الجنائية لجرائم الفساد الإداري بالقول قد أعطى المشرع الجنائي في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل لهذه الجرائم أهمية خاصة , رغم أنه لم يسميها بجرائم الفساد الإداري , وانما دلت الأفعال المرتكبة على اعتبارها كذلك نظرا ً لما تنطوي عليها هذه الجرائم من فساد ومنها الجرائم المنصوص عليها في المواد ( 223 , 234, 271 , 272 , 275 , 276 , 290, 293 , 296 ) وأية جريمة أخرى يتوفر فيها الظرف المشدد من المادة (135 ) ويذكر عاشور جوانب عديدة في بحثه منها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الاداري والإجراءات والعقوبات الجنائية لجرائم الفساد الإداري بأنواعها ويختم حديثه بتوجيه الشكر الى الحضور ومؤسسة الهدى لأتاحه الفرصة له بتناول قضية مهمة تشغل الشارع العراقي . 

والورقة الثالثة قدمها (الدكتور وجدان فالح حسن ) بعنوان ( الفساد السياسي: دراسة في المفهوم والأنواع والحلول المقترحة) وقسم ورقته الى ثلاث محاور الأول مفهوم الفساد السياسي وعرفه على أنه فساد الطبقة السياسية والحكام وقادة الأحزاب وأعضاء الحكومة أيا ً كان موقعهم أو انتمائهم السياسي حين يقوم هؤلاء بالتواطئ واستغلال مواقع النفوذ السياسي لتوجيه القرارات والسياسات والتشريعات لتحقيق مصالح خاصة بالطبقة المذكورة والثراء غير المشروع من قبل السلطة أو الحصول على أموال غير قانونية لزيادة النفوذ المالي والاجتماعي مشيرا ً الى استخدام السياسيون الفاسدون مؤسسات الدولة وآليات السلطة لتحقيق مكاسب شخصية وتعظيم ثرواتهم ومنح مناصريهم وظائف حكومية كبيرة لا توافق مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم

وفي المحور الثاني يتناول مظاهر الفساد السياسي في الحالة العراقية ويجملها في مجموعة من النقاط : التربح من المنصب الحكومي عبر استغلال السلطة الممنوحة للمسؤول بموجب الدستور, الاستئثار بالسلطة والمناصب لغايات حزبية وفئوية بعيداً عن الكفاءة والأهلية , المحسوبية والمنسوبية في أحاله المشاريع الحيوية والاستراتيجية لغايات حزبية أو فئوية قرابيه , التستر على المجرمين او استغلال السلطة العامة لمنع السلطات من تطبيق القانون وتهريب المجرمين وتبرئتهم من التهم الموجهة اليهم , استغلال موارد يوفرها المنصب والصلاحيات الممنوحة فيه لأغراض شخصية أو حزبية , التزوير في الانتخابات البرلمانية , التبعية الحزبية القائمة على الانقياد الأعمى وغير العقلاني لصالح الفئة أو الحزب او الطائفة او العرق والابتعاد عن كل ما يمكن أن يخدم مصلحة البلاد , ويتناول حسن مجموعة من الأمثلة والشرح للنقاط التي ذكرها في مفهوم مظاهر الفساد السياسي ويقدم في المحور الثالث مجموعة من الحلول اهمها : تشريع او تعديل القانون الانتخابي الحالي ( قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2013 ذاكرا ً عدد من السلبيات في هذا القانون قائلا ً يمكن ان نؤشر الى أولها وهو ايجاد نسب لأفشال الانتخابات في حالة الأحجام عن التصويت من قبل الناخبين فمن غير الممكن ان تقرر نسبة تكاد معدومة او قليلة جدا ً قد تكون 2% من عدد من يحق لهم المشاركة في الانتخابات مصير 98 % المتبقين من أبناء البلد الذين يحجمون عن التصويت بسبب عدم قناعتهم بنتائج الانتخابات ويشدد على الاستعاضة عن نظام سانت ليكو (1,9 ) والذي عبر عنه بسيء الصيت , ويقترح في هذا الأمر الى تقسيم الدوائر الانتخابية الكبيرة الى دوائر فرعية أو جزئية صغير ة يوزع المرشحين في القوائم على اقسام فيها , وكذلك يقترح حسن تعديل قانون الأحزاب الحالي (قانون رقم 36 لسنة 2015 ) وتشريع قانون خاص بمكافحة الفساد , متابعة المسؤولين العراقيين وذممهم المالية ومنع الترشيح لكل مزدوج الجنسية , تعديل الدستور وتحويل النظام البرلماني المشوه الحالي الى نظام حقيقي يكون فيه ( رئيسا ً للوزراء ) بدلا ً من ( رئيس مجلس الوزراء ) , ضمان استقلالية القضاء وابعاد كل من له علاقة بالأحزاب او يتعامل معهم او يشرعن فسادهم وعدم محاسبتهم , ويختم حسن بحثه بالقول هذا جزء بسيط من الحلول التي من الممكن ان نسوقها ازاء مشكلة متوغلة في داخل مؤسسات الدولة العراقية على امل ان يتحقق جزءا منها بغية القضاء على هذه الأفة الخطيرة مستقبلا ً . 

وحضر الندوة عدد من الباحثين والمهتمين بمكافحة الفساد والقضاء عليه وكذلك حضر عدد من مدراء دوائر الدولة وممثلي مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الأعلام .