نقرأ في تاريخ العراق الإسلامي والحديث مكان وقعت فيه حوادث وكان حاضرة معروفة وهي (الزكية) التي تقع (5كم) شمال ناحية العزير جنوب اطلال المذار (عبدالله بن علي) واليوم تطلق على قرية بين الكسارة والجمشة وكانت جزءاً من ولاية ميسان وبعد تمصير البصرة وواسط الغيت ولاية ميسان ووزعت بينها فكانت الزكية تعد من البصرة . ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان ، قال: زكية: بفتح أوله ، وكسر ثانيه ، وتشديد ياء النسبة ، يقال زكا الزرع يزكو زكاء ، ممدود ، أي نما ، وغلام زكي وجارية زكية أي زاك: قرية جامعة من أعمال البصرة بينها وبين واسط ، وقد نسب إليها نفر من أهل العلم عداد هم في البصريين عن الحازمي ، ووصفه لها بأنها قرية جامعة يعني كبيرة . وقعت فيها عدّة حوادث، وذكرت في أكثر من مناسبة أهمّها ما جاء في تاريخ الطبري حوادث سنة (136) وحصلت البيعة لأبي جعفر المنصور بعد وفاة ابو العباس السفاح قال: لما حضرت أبا العباس الوفاة ، أمر الناس البيعة لعبد الله بن محمد أبي جعفر ، فبايع الناس له بالأنبار في اليوم الذي مات فيه ابو العباس . وقام بأمر الناس عيسى بن موسى ، وأرسل عيسى بن موسى إلى أبي جعفر محمد بن الحصين العبدي بموت أبي العباس ، وبالبيعة له ، فلقيه بمكان من الطريق يقال له زكيَّة ، فلما جاءه الكتاب دعا الناس فبايعوه ، وبايعه أبو مسلم ، فقال ابو جعفر: أين موضعنا هذا ؟ قالوا: زكيَّة ، فقال: أمر يزكى لنا إن شاء الله تعالى . وتظهر الزكية في احداث حركة محمد بن فلاح المشعشع عام (845 هـ) في محاربته للأمير إسبان بن قر يوسف حاكم بغداد زمن دولة الخروف الاسود فقد جاء في تاريخ المشعشع لجاسم شبر: (وفي سنة 845هـ وصل القائد (أسبان) إلى الحويزة ودخل (المشعشع) الدوب وهو موضع ذو قصب ومياه لا يقدر عليه وجاءت أكابر الحويزة إلى أسبان بمفاتيح البلد فدخل أسبان المدينة وأخذ مال الأمان ومن أهلها حتى لم يبق شيئاً من المال عند أحد ورحل عنها وجميع أهلها معه . وعبر شط العرب وحط على الزكية من البصرة ، ثم قبضوا على شخص أرسله المشعشع إلى البصرة وفي يده مكتوب إلى (غانم بن يحيى حاكم البصرة) ثم ورد ذكر الزكية في القرن العاشر حين سفر سيد سلطان علي إلى البصرة كما جاء في تاريخ العراق بين الاحتلالين قال: ( ثم ركب السفينة ومضى الى البصرة وفي طريقه مر بالمدائن ورأى طاق كسرى وقصر شاه زنان ، وزار سلمان الفارسي (رض) ثم عبر خليج العمارة فوصل الى زكية من طريق واسط وزار العزير(ع) ومن هناك وصل قلعة صدر السويب بعد أن مر من قلعة عجل ، وقلعة مزرعة ، ثم وصل شط البصرة وفي آخر صفر سنة 961 هـ دخل المدينة ) حيث كان خليج العمارة يبدأ من واسط القديمة وتمتد الاهوار حتى الزكية وهذا قبل تحول مجرى نهر دجلة الحالي الذي يمر بالكوت وعلي الغربي حين جرى عليه التغيير في القرن الحادي عشر . وفي احداث ثور علي بن عليان سنة 952 حين دخول العثمانيين للعراق فكانت أحدى محطات الجيش العثماني فقد جاء ( في رسالة أرسلها بكلربكي بغداد إياس باشا إلى حاكم الجزائر (إلى الشمال من البصرة) علي بن عليان التبعي الطائي في هذه السنة (1546م) يتوضح لنا شكل السياسة الجنوبية للدولة العثمانية : ((منذ مدة طويلة تربطنا وإياكم علاقات ودّية كبيرة وإننا على مقربة من بعضنا البعض ويرد الكفار - أي البرتغاليون- من مختلف المناطق بشكل مستمر وبأمان وطلب من السلطان سليمان قبل أيام أن أتوجه إلى البصرة وأقوم بفتحها وأتوجه منها إلى هرمز والهند ومحاربة البرتغاليين الضاليين وإنهاء جميع إداراتهم والقضاء عليهم . وقواتي على وشك التحرك وسنأتي عن طريق زكية ونملك كل المستلزمات من مدافع كبيرة وسفن وكل ما يلزم الجند وسنلتقي في القرنة ومنها سننطلق للسيطرة على البصرة عن طريق النهر والبر ). وبعد أن تلقى إياس باشا أمر التحرك نحو البصرة قام بتسيير أسطول مكون من (120) سفينة إلى زكية سلم قيادته إلى سنجق بكي ( أمير سنجق ) الموصل كما أرسل القوات البرية تحت إمرة علي الذي ينتسب إلى أسرة ذي قدر . وعندما وصلت هذه القوات إلى القرنة سيطرت على قلعة (عجلة) . ثم اصبحت نواحي البصرة حيث تحولت الى ولاية عثمانية وقسمت الى ثمانية سناجق ، وثلاث نواح ، وهذه السناجق هي : البصرة (مركز الإيالة ) ، شرش غراف صدر سويب ، زكية ، محرزي قبان ، قطيف . والنواحي هي عشار ، ناحية شمال خلق . وكذا كانت أحدى محطات الاستعداد لمحاربة حسين باشا آل أفرسياب عام 1076 ،ثم اندرست الزكية وقلقها واصبحت اطلال وظلت آثارها شاخصة وفي طريقها للاندراس بسبب التجريف الزراعي وبعد أن كانت ميدان قتال أبان الحرب العراقية الايرانية، ويقال كان يسكنها الصابئة وفيها مقربة لهم وفي أواخر العهد العثماني اصبحت الزكية ضمن املاك بيت المنديل ثم انتقلت إلى عائلة سليمان آغا عن طريق خالتهم الحاجة صفية زوجة ابراهيم المنديل النجدي، وهي اليوم ملكاً لهم ويسكنها الان النوافل وآل غري وهكذا تحولت الزكية جزءاً من ذاكرة ميسان التاريخية .