الخطاب السياسي لدعـــــــاة إقليم الجنوب

 

حسين جلوب الساعدي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الفدرالية احدى المفردات السياسية لشكل نظام الحكم في العراق التي أخذت طريقها في الدستور وأبعادها الواقعية في تشكيل بعض الاقاليم باعتبارها الحل الأمثل لشكل نظام الحكم في العراق لانسجامها مع طبيعة المجتمع العراقي المتعدد والمتنوع وتجاوزاً لأزمة الادارة المركزية التي مهدت لظهور الدكتاتورية والعنصرية القومية والطائفية لكي ينعم العراق بالاستقرار السياسي عند إحتفاضه بخصوصيات مكوناته المتنوعة والاتفاق على المشتركات التي منها النظام الفدرالي الذي يعطي مساحة واسعة لادارة الاقليم مع الاحتفاظ بسيادة الدولة والقانون والسياسية الخارجية والأمن الوطني والثروة الوطنية وغيرها .

فقد كان خيار الفدرالية واقعاً سياسياً فرضته التجربة التي عاشها الشعب العراقي نتيجة سيطرة الأقلية وتهميش الأكثرية وتهديد القوميات الأخرى مما أوجدت وعياً مبكراً لاختيار الفدرالية يشكل نظام الحكم منذ مؤتمر أربيل عام 1993 ومؤتمر لندن 2003 وقانون إدارة الدولة العراقية المؤقت وأخيراً إقرارها في الدستور الذي حدد آليات واضحة لتكوين الاقاليم وذلك عندما الزم مجلس النواب بإعداد قانون يحدد الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم بالأغلبية البسيطة خلال مدة لاتتجاوز الستة اشهر من تاريخ أول جلسة له ( م/115) كما نص على إمكانية قيام إقليم في محافظة واحدة أو أكثر بناءً على طلب بالاستفتاء عليه يقدم باحدى الطريقتين .

الاولى: طلب من ثلث الاعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم .

الثانية: طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم .

وتكرسياً للنصوص الدستورية المشار اليها اعلاه طرحت تصورات ثلاثة في تكوين الاقاليم في الوسط والجنوب تمثل اولها بذكر اقليم الوسط والجنوب للمحافظات الشيعية التسعة وتضمن ثانيها فكرة أقليم مستقل لكل محافظة من المحافظات المذكورة في الوقت التي انطوى ثالثها على فكرة تكوين أقليم الجنوب لثلاث محافظات ( البصره ـ ذي قار ـ ميسان ).

وفي ضوء ما تقدم سبق لأبناء المحافظات الثلاث نشاطات مكثفة عبر المؤتمرات والملتقيات والبيانات المشتركة في المطالبة بإقليم الجنوب المحافظات الثلاثة وذلك للخصائص المشتركة للمنطقة الجنوبية والمتمثلة بـ :

اولاً : المسار التاريخي لجنوب العراق

جنوب العراق بمحافظاته الثلاث تمثل عمقاً حضارياً وثقافياً وسياسياً وتاريخياً للعراق جعلته يرسم مساراً تاريخيا له خصائصه الحضارية ، فالجنوب ظهرت في ربوعه حضارات متعددة كالسومرية والاكدية وحضارة ميسان وغيرها ، ومنذ تأسيس البصرة التي كانت قاعدة للأدارة والجيوش الاسلامية وحاضرة علميه تأسست فيها علوم اللغة والكلام والطب والهندسة ، وفي جنوب العراق قامت العديد من الدول والامارت كالدولة المزيدية والدولة الشاهينية ودولة البريديين ودولة المشعشعين ودولة آل افر سياب وإمارة المنتفج وإمارة آل عليان وغيرها . ومن الناحية الادارية كانت ولاية البصرة توازي ولاية بغداد من حيث أهمية موقعها المتميز وسعة امتداها الذي يشمل الجنوب كما كان ابناء الجنوب أول من طالب بإنشاء الاقاليم عند تأسيس الدولة العراقية كما جاء في الوثيقة التأريخية التي أرسلوها الى المندوب السامي البريطاني في العراق في الثالث عشر من كانون الثاني سنة 1921 .

ثانياً: الطبيعة الجغرافية :

جنوب العراق يحتفظ بخصائص تعكس صورة متجانسه ومتميزه في طبيعته حيث تنتهي منه أكبر عملية تفريع لنهري دجلة والفرات مكونة طبيعة زراعية واروائيه حتى تصب في منخفض الاهوار الواسع الذي يمثل عاملاً مشتركاً في طبيعة الجنوب ، وفي الجنوب تتجمع مياه دجلة والفرات بعد تسطحها في الاهوار بشط العرب مما جعل الجنوب يمثل طبيعة جغرافية واحده من حيث اهواره المشتركة بين المحافظات الثلاث وسهله المتجانس في زراعته وطبيعة العيش فيه ودرجة حرارته وثرواته الطبيعة .

ثالثاً: الثروة الاقتصادية

يشكل الجنوب النافذة الوحيدة التي يطل بها العراق على البحر فالبصرة هي الميناء الوحيد للتصدير والاستيراد وكذلك الثروة النفطية المشتركة في المنطقة الجنوبية التي تمثل 70% من احتياط العراق ، والاراضي ، الخصبة التي تمتد على مساحات واسعة من أراضي المحافظات الثلاث وبساتين النخيل التي تمتد بامتداد الانهار لتجعل الجنوب متميزاً بوفرة خيراته وثرواته الطبيعية التي تشكل ارضية خصبة لأقليم متجانس اقتصادياً .

رابعاً : الطبيعة السكانية

يتصف الجنوب بمحافظاته الثلاثة بطبيعة سكانية متجانسة وصبغة ثقافية واحدة تجعله حالة منسجمة تعبر عن هوية واحدة ، فالجنوب يرتكز في ثقافته وتكوينه الاجتماعي على القبلية   ( العشائرية ) ومذهب أهل البيت إضافة الى التفاعل مع الاحزاب السياسية والافكار الثقافية الجديدة والقديمة ، فالجنوب بقبائله كان عباره عن عدة أحلاف عشائرية ترتبط بعلاقات ود واحترام وانسجام وهموم مشتركة في أكثر مراحل تاريخ العراق حتى انعكست على طبيعة التكوين السكاني ، فالتداخل بين عشائر الجنوب واضح حيث لم تجد عشيرة في جنوب العراق ما لم تتصل باخرى بنوع من العلاقة كالجوار والمصاهرة والحلف والتعاون الخ .

وأكثر أبناء الجنوب هم من شيعة أهل البيت (ع) ومرتبطون بالمرجعية الدينية مما شكل لديهم ثقافة دينية متقاربة ومنسجمة .

خامساًً: اللام والآمال :

من المقومات الأساسية لتلاحهم أبناء الجنوب ما تعرضوا له من دمار شامل واضطهاد دائم وقتل وابادة وتهجير وتدمير مزراع النخيل وتجفيف الاهوار وتعطيل الحياة الزراعية وغيرها وما تعرضوا له من تصفية جسدية ومقابر جماعية وهجرة مليونية وتميز طائفي جعلت ابناء الجنوب يحتفظون في ذاكرتهم تلك اللام والمحن لتكون حافزاً قوياً ليجتمعوا في بلورة اطاراً مشتركاً يرسم آفاق وآمالاًَ لحياة جديدة وليستفيدوا من خصائص نظام الحكم في العراق الجديد ومنها الفدرالية ناظرين إليها بايجابية عالية لتعويض سنين الحرمان من خلال تأسيس أقليم الجنوب بمحافظاته الثلاثة .

اذاً لجنوب العراق خصائص تاريخية وطبيعة جغرافية وحياة اجتماعية وصبغة ثقافية وهموم واللام وآمال واحده وثروة طبيعية وطاقات بشرية تعتبر عناصر قوة وانسجام واندفاع لتشكيل أقليم الجنوب .

وانطلاقاً مما تقدم بادرت الوجوه الخيره من أبناء البصرة وذي قار وميسان من قوة دينية وسياسية واجتماعية وثقافية لطرح فكرة إقامة اقليم الجنوب معبرين عن آمال الجماهير الصابرة من أبناء المحافظات الثلاث ومستندين الى مجموعة من المبررات التالي ذكرها :

1. أن اقليم الجنوب ( البصرة والناصرية وميسان ) يمثل قوة ساندة لدور المرجعية في تعدد مراكز التأثير والاستقطاب وحيث أن امتداد المرجعية الذي لا يحد بحدود أقليمية او دولية لأن مهمتها رعاية المسلمين وضمان مصالحهم في جميع أنحاء العالم .

2. ان اقامة اقليم واحد للشيعة من شأنه ان يكرس الانقسام الطائفي ويهدد الوجود الشيعي خارج الاقليم ويثير مخاوف الكتل والمكونات الاخرى للشعب العراقي . كما يثير حفيظة دول  الجوار بوصفه مدعاة لمشروع تقسيم العراق على اساس طائفي ، في الوقت الذي يختزل فيه تعدد الاقاليم ومنها اقليم الجنوب تلك المخاوف والتداعيات باعتباره قائماً على اسس جغرافية وسكانية وادارية .

3. ان تعدد الاقاليم في الوسط والجنوب يعطي فرصة اكبر لتقسيم الثروة والنمو الاقتصادي وفرص الاستثمار وتوفير الخدمات .

4. ان تعدد مراكز القرار يوفر فرصة اكبر لإدارة ألازمات والحد من تأثيرها كما يعطي فرصة اكبر لتمثيل الأقاليم في المجلس الاتحادي للأقاليم .

5. ان تعدد مراكز القرار يمثل قوة وطنية في الحد من تدخل الحكومة المركزية ويوسع دائرة التاثير قرارات الحكومة المركزية ، كما يحد من خطر تدخل المؤسسة العسكرية .

6. ان تعدد الأقاليم يحد من ظاهرة الاستئثار بالسلطة ومراكز القيادة على اساس مناطقي ومن ثم يوفر تمثيلاً سياسياً متوازناً بين ابناء الوسط والجنوب .

7. ان تعدد الاقاليم يوسع من دائرة التخصص العلمي والاداري والهيئات العلمية والمشاريع التنموية ويعزز روح الوطنية ويقلل من مخاوف التأثيرات الإقليمية والدولية .

8. ان تعدد الأقاليم يوسع من دائرة التخصص العلمي والاداري ويخلق الطاقات السياسية والإدارية كفوءة قادرة على المشاركة في الاشراف على المشاريع ( اضافة تعدد الوظائف ) .

9. ان إقامة إقليم الجنوب يشكل استقطاباً لابناء المحافظات الثلاث وعقولها العلمية وشخصياتها السياسية بوصفها من اكثر المحافظات طرداً لسكانها نتيجة تمركز فرص العمل والتنمية في المراكز الاخرى . وهكذا يكون هذا الاقليم املاً لابنائه في العودة لديارهم واهلهم لمشاركتهم في البناء والاعمار والتقدم .

10.    ليس من شأن اقليم الجنوب تمزيق وحدة الصف الوطني لما يشكله من دعامه اساسية لتكريس الوحدة الوطنية من خلال وضع حد للصراع الطائفي وقطع الطريق امام تقسيم العراق على اساس طائفي .

ان هذه الافكار والاراء والتصورات ليست الا مقترحات واثارات لا تتخطى المبادرة نضعها بين ايدي ابناء محافظتنا العزيزة واخواننا في جنوب العراق لاثرائها بالحوار والملاحظة وحملها مشروعاً عملياً لاقامة اقليم الجنوب لنكون معاً في حياة يسودها التعاون والمحبة والعطاء والبناء .