حسين جلوب الساعدي
الدستور والشريعة الإسلامية
مفردتان لهما حضور في الساحة السياسية والثقافية في العراق .
الدستور والعملية الدستورية القضية الساخنة في الجواء الثقافية والسياسية وتفاعلاتها الإقليمية والدولية التي تراقب وتتدخل بشكل مباشر في تكوين العملية السياسية وفرض رؤائها من خلال مصادر نفوذها وتناقضات الواقع وتنوعه وتدافعات العملية السياسية المعقدة في العراق تلقي بضلالها على العملية الدستورية وتكوين لجانها وما يرافقها من مخاوف وتحديات داخلية في فرض الهيمنة أو الخروج منها او جراء عملية دستورية تعبر عن واقع الشعب العراقي ومكوناته وعن آمال العراقيين في إقرار الدستور يحترم الجميع واحد المفردات الدستورية وأهمها التي يكثر الجدل حول صياغتها وفهمها وإبعاد الشريعة الإسلامية وموقعها في الدستور العراقي .
وفي الأجواء طرحت عدة تصورات في هذه المسألة .
1. الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للدستور .
2. الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للدستور .
3. الإسلام دين الدولة الرسمي واحد مصادر التشريع .
4. لا يعتبر الدين والإسلام مصدر للتشريع قبل تأكيد احد التصورات المتقدمة نذكر جملة حقائق واقعية وموضوعية نتمنى النظر اليها بجدية بعيداً عن الشعارات والمزايدات بأسم الإسلام .
اولاً : الواقع السياسي في العراق المتنوع والمعقد والمتداخل والمتقاطع في بعض الأحيان ، بتنوعه في مكوناته السكانية عرب كرد تركمان وغيرها وبمذاهبه سنة وشيعة وباجتهاداته شوافع واحناف وحنابلة وصوفية وباجتهادات علماء الشيعة المستمرة والمتطورة منذ فتح باب الاجتهاد وباتجاهاته السياسية والدينية اسلاميون معتدلون مشاركون في العملية السياسية او مقاطعون مراقبون او متطرفون يخوضون عملية التكفير والقتل والابادة حتى الابناء الشعب العراقي الابرياء وليبراليون ووطنيون وقوميون وديمقراطيون وشبه عيون وغيرهم .
وباتجاهات ثقافية ومذاقات فنية متعددة والمعقد نابع التعقيد من عملية التدافع السياسي الذي يدور في الساحة من الشيعة الذين يعتقدون انهم الاكثرية مطالبين تجاوز العملية الاحصائية الى اقرار الاكثرية في الدستور والتحفظ ازاء الفيدرالية والتحرك في اطار الاستحقاقات الانتخابية والكرد ومطلب الفيدرالية وقضية
كركوك والحقوق الكردية والسنة والشعور بالتهميش والمطالبة بالدور الذي ينسجم مع تطلعاتهم التي ترفض الكثير من المبادئ السياسية والمتداخل في تدخل العامل الدولي والامم المتحدة في اقرار الديمقراطية وتدخل الدول الاقليمية المباشر والسافر الذي يمتد عمقه من العراق حتى القاهرة والرباط الى باريس وبرلين ومن البصرة والنجف حتى طهران الى اسلام أباد وبكين وموسكو.
والتداخل بالعمل في ساحة واحدة وهو العراقي الذي يعيش عملية التكوين وصراع النفوذ فيها الذي يصل حد التقاطع في بعض الاحيان والازدواجية في كثير من الاحيان .
هذا الواقع المعقد يلقي بضلاله على العملية الدستورية وعلى موقع الاسلام في الدستور الذي قد يرفض البعض بعض الصيغ انطلاقاً من رؤيته معتمداً على قانون ادارة الدولة الذي يشكل اطاراً للعملية الدستورية .
ثانياً : واقع الحركة الإسلامية في العراق والتحول في خطاباتها وادبياتها من المواجهة للاستعمار والصهيونية والهيمنة الليبرالية والمواجهة الدموية مع الحكام الى المراجعة ومشروع التطبيع لمحمد مهدي
شمس الدين والاسلاميون وخطاب المستقبل لمحمد حسين فضل الله والحركة الاسلامية من المواجهة الى المراجعة للدكتور كمال السعيد حبيب الى المشاركة كما في الاردن ومصر والجزائر وباكستان وافغانستان الى المصالحة في كل المجالات كما في فلسطين ولبنان والسودان والبوسنة وغيرها الى التيار المتطرف الذي تجاوز كل ادبيات الحركة الاسلامية ليندفع بشعارات احادية اطلاقية تكفر وتقتل وتنهب وتحرق كل شيء خارج اطارها مسلماً كان ام غيره طفلاً او شيخاً او امراة حتى اصبحت قضية عالمية لتكون مبرراً لمشروع عالمياً مكافحة الارهاب تنفق عملية مليارات الدولارات ويشترك فيه العالم وبعض الاسلاميون .
والعراق عاش تلك المخاضات ويصورها الواضحة القانية الدموية وبتفاعلاتها السياسية ومنها العملية الدستورية في العراق الحركة الاسلامية في العراق من مشروع الدولة الاسلامية وولايه الفقيه والحرب العراقية الايرانية لتحرير العراق واقامة الدولة الاسلامية الواحدة التي تجتمع مع الدولة المنقذة بوحدة الولاية وحدة الدولة على رأي فقائها الى المراجعة وايقاف الحرب
والاخفاق في عدم اسقاط النظام المقبور من خلال الحرب الخارجية او من خلال المعارضة الداخلية التي تجلت صورها في الانتفاضة الشعبانية وما بعدها وظاهرة التيار الديني بقيادة المرجع الشهيد محمد صادق الصدر (قدس سره )
فتراجعت عن المشروع في اقامة الدولة الإسلامية الى الاعتماد على التعامل الدولي والمشاركة في المشروع الدولي في إسقاط النظام وإقامة النظام الديمقراطي ولتحق الجميع بذلك حتى أولئك الذين بحت اصواتهم بالشعارات ضد امريكا عدوة الشعوب والشيطان الاكبر على ما يصفون وحتى اولئك الذين حملوا السلاح واصحاب مشروع المقاومة ولما يشوف بالمنخل عمه العماه .
واود ان اسجل هنا ملاحظة وهي ان الحركة الاسلامية والتيار الاسلامي رغم امتدادها الواسع في اوساط الشعب العراقي لم يظهر لديها خطاباً ثقافياً وفكرياً محدداً ولم يفلحوا في بلورة مشروعاً سياسياً يعبر عن وجهة نظرهم بشكل محدد سوى الشعارات والمزايدات والكذب والتضليل وان ما أنتجته الانتخابات لا يمثل انسجاماً سياسياً في الخطاب الثقافي والسياسي الإسلامي
وإنما هو تحالف سياسياً لا يؤمنوا بكل طموحات الإسلاميين إضافة لما يظهر في عملية المقاطعة لدى بعض إطراف التيار الإسلامي للعملية السياسية في ظل المحتل .
وهذه الحقيقة تلقي باثارها على العملية السياسية الدستورية .
ثالثاً : الفهم الموضوعي للاسلام : ندفع بعيداً عن شعاراتنا الجزئية لفهم الإسلام ونبتعد عن فهم روح الإسلام واحكامه ومفاهيمه نرفع شعار حاكمية الإسلام بعيداً عن فهم الإسلام وحركته الزمانية والمكانية وأدوات البحث والتنظير الإسلامي ( الاجتهاد ) من خلال المعطيات العلمية في بلورة النظرية في اطار النص والقواعد الفقهية والاصولية وعملية تفريغ المسائل على ضوء الاصول فقد ندفع للالتزام بالجهاد متغافلين شروطه واحكامه ومتناسين الصلح والمصالح وضرورات الاحكام وغيرها ونتائج العمل واثاره ومنافعه واضراره وغيرها في الشروط الموضوعية لحركة هذا الحكم في الواقع وقد ندفع في تطبيع الشريعة متجاهلين أحوال الناس وشروط الحدود والقصاص والديات وغيرها .
وان موضوع الزمان والمكان يفعل دوره في مباني الفقهاء وفتاوي وارائهم الفقهية وكذلك تطبيع القواعد الفقهية لاضرر ولا
ضرار وقاعدة لا يكلف الله نفساً الا وسعها وتطبيق مقاصد الشريعة والأحكام وفهم الواقع الذي اثر في التنظير والتفكير والأحكام .
وكذا منطقة الفراغ وملئها باجتهادات الفقهاء وما نحتاجه من اعمال وضروريات على ضوء الاسلام .
هناك قضايا منصوص عليها في الأحكام الشرعية والموقف العلمي ازاء واضح وثم هناك قضايا فنية تنظيمية اكتشفها الإنسان بالتجربة والعمل واهما علم الإدارة وعلم الاقتصاد والسياسية والعمل الحزبي والقضايا التي يحتاجها الإنسان ويتعامل معها فكل يوم وما يسخر به الواقع من جديد في عالم النظم والحياة التي قد لا نجد نصاً صريحاً ناظر اليها كالعلمية الدستورية وتبويب الدستور وتشكيل الحكومة وهيئاتها وتعدد الوزارات والمديريات النابعة من حاجة الناس هذه القضايا كيف نتعامل معها المسلم يمكن التنظير اليها بلحاظين الاول عندما تريد اقامة حكومة اسلامية متكاملة ويكون استنباط الاحكام والمقدمات التي يعتمد عليها القضية بافتراضات ان المجتمع إسلامي وان الدولة يراد لها ان تكون إسلامية وان الاقرار والقبول والتعامل والتعاطي مع معطيات الأحكام اسلامياً بحتاً .
والثاني : يكون البحث على ضوء يراد للإسلام حضور ومشاركة وانسجام مع واقع متعدد ومتنوع يكون الإسلام احد مفرداته والقضايا المطروحة فيكون التنظير على أساس التوافق وكيف يكون الإنسان المسلم اسلامياً في أجواء بعض مفرداتها غير إسلامية على ضوء تلك المقدمات يأتي الحديث عن اختيار احد الصيغ المتقدمة فالصيغة الأولى فهي إقامة الحكومة الإسلامية التي يثار حولها في الواقع العراقي الكثير من الملاحظات والصيغة الثالثة درجت عليها كل الدول الإسلامية وغاب الإسلام في الكثير من ممارسة الدول والصيغة الرابعة لالغية للاسلام ذو الحضور القوي في الساحة .
اما الصيغة الثانية هي الأنسب اذا تمكن الإسلاميون في اثباتها في الدستور .