التشريعات الجنائية لمكافحة الجرائم الأقتصادية في العراق

 

د. أميل جبار عاشور الراشدي

استاذ القانون الجنائي في جامعة ميسان / كلية القانون

 

المقدمة :

تعد الجرائم الاقتصادية من أهم وأخطر التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي بأسره، بما تشكله من أخطار تهدد كافة المؤسسات الدولية والوطنية والشعوب و الأفراد وسيادة الدول على الأموال الأمر، الذي أدى إلى العديد من النتائج السلبية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وباتت تلك الأضرار معوقاً أساسياُ لبرامج التنمية في الدول النامية . وتأتي أهمية دراسة الجرائم الاقتصادية في التشريع العراقي كونها أكثر التصاقاً بطبيعة التحولات الاقتصادية والاجتماعية وسياسات الإصلاح التي يشهده العراق، حيث اتجهت الرأسمالية المصاحبة لعملية الإصلاح نحو سعيها السريع لتكوين الثروة و بروز بعض الوسائل غير المشروعة للكسب مع ظهور الطبقات الطفيلية والتفاوت في توزيع الدخول. وتعددت صور الجرائم الاقتصادية المتمثلة في جرائم الاعتداء على المال العام، وجرائم التهرب الضريبي و الجمركي والرشوة والنصب والاحتيال والغش التجاري، ثم جرائم الملكية الفكرية وتلوث البيئة والجرائم الاقتصادية الأخرى التي تمثل انتهاكاً للسياسات الاقتصادية، وجرائم البورصات وسوق المال و المخدرات وغسل الأموال، ثم جرائم الاحتكار والمنافسة غير المشروعة، الأمر الذي ادى الى انخراط المستويات الإدارية العليا في ممارسة أفعال غير مشروعة وتزايد هذه الجرائم وانتشارها في المستويات الإدارية الدنيا، فقد لوحظ أن جرائم الرشوة طالت كافة المستويات والهيئات في الدولة، وترتبط صور الفساد والجرائم الاقتصادية ارتباطاً وثيقاً بمكونات البيروقراطية ومستوياتها المختلفة، حتى أصبحت إحدى آليات تسيير العمل، ونتيجة لتشابك العلاقات التبادلية في مؤسسات الدولة، ناهيك عن اتساع نطاق ممارسة الجريمة الاقتصادية، وظهرت أشكال أكثر تعقيداُ، ورغم تشديد المشرع الجنائي في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على الجرائم الاقتصادية وكذلك في قانون تنظيم التجارة العراقي رقم ۲۰ لسنة  ۱۹۷۰ المعدل ، فقد استمرت المظاهر السلبية بشكل كبير تؤدي بالنتيجة إلى التخريب الاقتصادي، مما جعل العراق في آخر الدول المتخلفة. ونظراً لأهمية الجريمة الاقتصادية، وخطورتها على النظامين السياسي والاقتصادي في العراق، لذا صار من الواجب تبصير المواطنين بها، لأن ضررها لا يقتصر على الدولة وحدها، بل على الفرد الذي يرتكبها أيضا وعلى المواطنين بصورة عامة، مما يقتضي تشديد العقوبات فيها، خاصة في الظروف الاستثنائية، في أوقات الأزمات الاقتصادية والحروب.

هدف البحث:

البحث يهدف الى القاء الضوء على الآثار الاقتصادية السلبية الناجمة عن هذه الجريمة والسبل الكفيلة بمكافحتها ، وبيان دور التشريعات الجنائية في الحد منها لبيان مدى كفاية ونجاعة التشريعات الجنائية النافذه في مكافحة جريمة الاقتصادية ، وبيان مواضع الخلل في تلك                التشريعات ، واقتراح التعديلات الضرورية لمعالجتها .

مشكلة البحث:

تعد الجريمة الاقتصادية من اخطر جرائم العصر على الاقتصاد وذلك بسبب الفساد الإداري والمالي المستشري في  العراق، لذا أصبحت تشكل التحدي الحقيقي أمام مؤسسات المال والاعمال ، وهي ايضاَ اختبار قدرة القواعد القانونية على تحقيق فعالية لمواجهة الأنشطة الجرمية ومكافحة أنماطها المستجدة، والنشاطات الاجرامية في هذه الجرائم تتلاقى فيها الجهود الشريرة لخبراء المال والمصارف ، إلى جانب جهود غير الخبراء من المجرمين ، ولهذا تطلبت مثل هذه الجرائم دراية ومعرفة وتحديد مسؤولية الجنائية لمرتكبيها لذلك وضع المشرع العراقي تشريعات جنائية وعقابية  صارمة بحق مرتكبيها للحد من هذه الظاهرة الخطيرة، فضلاً عن عقد العراق للعديد من الاتفاقيات الدولية في مجال تعاون جنائي دولي والإنابة القضائية وتسليم المجرمين وتعقیب تحرك الأموال المشبوهة دولية.

منهج البحث وخطته:

       سنعتمد على المنهج التحليلي الوصفي وذلك من خلال تحليل اهم اسباب انتشار الجريمة الاقتصادية وخصائصها وكيفية الخلاص منها ومحاربة مرتكبيها. وما من شك في أن الدراسة المقارنة للأنظمة القانونية في البلاد المختلفة تغدو ضرورة ملحة ، ومطلباً جوهرياً ولازماً للنظر في النظام القائم ابتغاء تمحيصه وتقييمه على ضوء تجارب الآخرين وخبراتهم، ومن ثم كان من الطبيعي أن تتجه دراستنا نحو المنهج المقارن ايضا ، اذ ستتم المقارنة بموقف بعض القوانين العربية  كالقانون المصري وبعض القوانين الاجنبية الاخرى.

       وبناء على ما تقدم سنقسم الدراسة على ثلاثة مباحث يخصص الاول: للاطار المفاهيمي للجريمة الاقتصادية، والثاني لبيان نطاق المسؤولية الجزائية عن الجرائم الاقتصادية، بينما خصصنا المبحث الثالث لجزاءات المقرر للجريمة الاقتصادية، ونلحق البحث في النهاية بخاتمة تتضمن ما نتوصل إليه من نتائج وما تسفر عنه هذه الدراسة من توصيات .

المبحث الأول : الإطار المفاهیمي للجریمة الاقتصادیة

       تعد الجریمة الاقتصادیة ناتجة عن القیود التي تضعها السلطة العامة، ونظراً للمخاطر التي تسببها، سعى المشرع العراقي إلى وضع آلیات لمكافحتها، وقبل التطرق إلى ذلك یجب بیان أو توضیح مفهوم الجریمة الاقتصادیة وخصائصها وهذا ما سنتناوله في هذا المبحث حيث سيكون محور المطلب الاول لتعریف الجریمة الاقتصادیة بينما  خصصنا المطلب الثاني الابراز بعض صور الجریمة الاقتصادیة في التشریع العراقي.

المطلب الأول  : ماهية الجریمة الاقتصادیة :

        لتعرف على ماهية الجريمة الأقتصادية لابد من بيان التعريفات القانونية والفقهية لهذه الجريمة، وكذلك بيان  الخصائص التي تتميز بها هذه الجريمة عن غيرها من الجرائم المعاقب عليها في التشريع العراقي.

اولا: تعرف الجريمة الاقتصادية :

       واذا اردنا أن نحدد مفهوم الجريمة الاقتصادية، فانه من الصعوبة وضع تعريف محدد للجريمة الاقتصادية حتى بالنسبة للدول التي سنت تشريعات مستقلة للجريمة الاقتصادية.  وذلك لان اهتمام هذه التشريعات لا يكون منصباً على وضع تعريف للجريمة الاقتصادية بقدر ما يكون أهتمامها منصبا على تحديد الجرائم التي تدخل في نطاق الجرائم الاقتصادية([1]). ويرجع سبب صعوبة اعطاء تعريف محدد للجريمة الاقتصادية الى ان هذه الجريمة تختلف في تعريفها ومفهومها من دولة الى اخرى استنادا إلى المصلحة التي يرعاها القانون ويحرص على حمايتها، وهذا بطبيعة الحال يختلف استنادا إلى السياسات والايدلوجيات المتبعة في كل نظام فما يعد جريمة في نظام اقتصادي معين قد لايعد جريمة في نظام اخر، وحتی ضمن الدولة الواحدة وفي ظل النظام الاقتصادي ذاته فأن فعلا معينة قد يكون جريمة في وقت معين وظرف معين ثم يصبح مباحأ في وقت أخر وظروف مختلفة، ولهذا يصف بعض العلماء والفقه الجريمة الاقتصادية بأنها جريمة متحركة عارضة تقع في زمن محدد وتعاقب بعقوبة محددة في ضوء الحالة الاقتصادية التي تعيشها البلاد مهما كان نظامها([2]), ونتيجة لذلك فقد ظهرت تعاريف عديدة لهذه الجريمة يمكن حصرها في اتجاهين: الأول توسع في مفهوم الجريمة الاقتصادية عرافها بالاعتماد على معيار التفرقة بين الموضوع المادي للجريمة والموضوع القانوني لها، فعرفت بأنها (كل جريمة يكون موضوع الوقية القانونية فيها هو حرص الدولة على تهيأة اكبر قدر ممكن من الرضا لاكبر عدد من الناس)([3])، وبناءاً على هذا المفهوم فان كل عملية استغلال موجهة ضد الذمة المالية لأحد الأفراد بمثابة جريمة اقتصادية كالسرقة والنصب، لأن موضوعها القانوني ذي طبيعة اقصادية ، أما الاتجاة الثاني فقد ضيق من مفهوم الجريمة الاقتصادية وقصرها على كل فعل غير مشروع مضر بالاقتصاد الوطني إذ نص على تجريمه في قانون العقوبات او في القوانين الخاصة بخطط التنمية الصادرة من السلطة المختصة([4])، وبالتالي فأن الجريمة الاقتصادية وفق هذا المفهوم في الجريمة الموجهة ضد ارادة الاقتصاد فقط والمتمثلة في القانون الأقتصادي والسياسة الاقتصادية أو كليهما معا ويدخل ايضا ضمن هذا المفهوم ما يسمى بفكرة النظام الأقتصادي العام . والاتجاه الأخير أوصت به الحلقة العربية الأولى للدفاع الاجتماعي في التوصية الأولى بقولها (تعد جريمة القصادية كل عمل او المتاع يقع بالمخالفة التشريع الأقتصادي اذا نص على تجريمة سواء في قانون العقوبات أو القوانين الخاصة بخطط التنمية الاقتصادية والصادرة عن السلطة المختصة لمصلحة التي ولا يجوز أن يكون محل جزاء غير ما نص على حظره والمجازاة عليه)([5]).

      ودون الدخول في تفصيلات أو جدل نظري حول ماهية الجريمة الأقتصادية أو تباین وجهات النظر القانونية والاقتصادية والاجتماعية في هذا المجال فإن لفظ الجريمة يشير إلى كل فعل يقترفة فرد أو مجموعة أفراد أو جهات وقابل للاتهام لخروجه من نطاق الضوابط القانونية والمعاييرالاجتماعية العامة الصالحة التي يقبلها الجميع ويلتزمون بها ويترتب عليها إضرار بالوضع الاقتصادي للبلاد، ويشير هذا الفهم المعنى الجريمة الاقتصادية إلى أن السلوك الاقتصاد للجرم يتحدد في إطار طبيعة السياق المجتمعي العام السائد في كل فترة زمنية. فالرشوة كسلوك إجرامي بالمنظور القانوني والاجتماعي قد تقنن تحت مسمی مختلف مثل (الاكرامية أو العمولة أو الهبة وتصبح مشروعة بالمنظور الاجتماعي).

ثانيا: خصائص الجرائم الاقتصادية :

       من المسلمات التي لا شك فيها أن الجريمة الاقتصادية تعد من أخطر الجرائم، وذلك لأن تأثيرها ممتد لأجيال متعددة وذات تأثير على أوسع نطاق من الشعب، وعلى هذا الأساس فان هناك خصائص تستقل بها الجريمة الاقتصادية عن غيرها من الجرائم الأخرى وهي ما سنتناوله في النقاط الاتية:

  1. أن الجريمة الاقتصادية تنهض لمواجهة حالات طارئة أو ظروف مؤقته بظواهر غير دائمة او انها تنهض بسبب التغيير الحاصل في النظام الاقتصادي والسياسي([6]).
  2. أن الجرائم الاقتصادية هي جرائم متحركة عارضة تقع في وقت محدد وبالمثل تكون عقوبتها محددة([7]).
  3. أن الجرائم الاقتصادية تخرج عن القواعد العامة في قانون العقوبات العراقي وبالأخص في أحكام المسؤولية حيث تجري المساءلة أحيانا عن فعل الغير وهي من جانب اخر تضعف الاعتداد بالركن المعنوي([8]) .
  4. أن الجرائم الاقتصادية تتمايز بطبيعتها المزدوجة فتشكل المخالفة الجنائية ومخالفة ادارية كما اذا وقع الفعل المخالف من موظف في المنشأة وكان الفعل مكونا لجريمة من الجرائم الاقتصادية([9]).
  5. تتسم الجرائم الاقتصادية بشدة عقوباتها بل انها قد تصل الى الاعدام في بعض البلدان ذات الاقتصاد الموجه عندما تقترف عمدا أو تخلف ضررا بليغا على اقتصاد الدولة([10]) .
  6. أن قاعدة الأثر المباشر للقانون الأصلح لا يعمل بها في الجريمة الاقتصادية فهي قوانين قابلة للتغير السريع وان كانت المرونة من مقتضياتها([11]).
  7. كما تتميز الجريمة الاقتصادية بخاصية التفويض التشريعي ومع أن هذا التفويض محدد في القانون العام بحيث لا يرد غالباً على المخالفات وفي غير ما يفرض قيوداً على الحرية الشخصية فالتشريعات الكمركية مثلا يتطلب التشريع في مجالها خبرة فنية قد لا تتوافر لدى السلطة المفوضة.

       ويلاحظ أن الجريمة الاقتصادية لا تقتصر على حماية السياسة الاقتصادية للدولة وحسب وانما تتعدى كل ذلك وتشمل الاقتصاد القومي بشكل عام وبذلك الفينا أن قانون العقوبات قد تناول بالنص الجرائم الموجهة ضد النظام المالي وتلك الجرائم الموجه ضد الملكية الخاصة والعامة فضلا عن جرائم الاضرار بالاقتصاد الوطني وجرائم الاضرار بالاموال العامة والجرائم المتعلقة بالعمل لدى الدولة([12]).

المطلب الثاني :صور الجرائم الاقتصادية في التشریع العراقي :

       مع اتساع حركة النشاط الاقتصادي برزت الحاجة الى تعدد وتنوع القوانين التي تشكل بمجموعها الإطار القانوني الذي يحكم العلاقات بين المصالح ويضمن الانسيابية لتلك الحركة في مواجهة كل الأفعال التي يمكن ان تؤدي الى تعطلها او ايقافها، وهذا من المفيد تسليط الضوء ولو بشكل مركز على بعض صور الجرائم الاقتصادیة في نطاق التشريعات العراقية ، وفيما يلي عرضا مكثفا لأهم هذه الصور:

  1. جرام التجسس الاقتصادي وسرقة الأسرار العلمية والأبحاث ذات الأهمية الصناعية كالاستيلاء على الممتلكات العلمية والتكنولوجية الذي يهدد أمن وسلامة المجتمع والقرصنة الصناعية التي تستهدف الكسب المادي والاستيلاء على حقوق وممتلكات الغير من خلال القوة، أما جرائم التجسس الاقتصادي فتقوم بها أحهزة مخابرات الدول الإجنبية الكبرى التي تقوم بتجميع البيانات والمعلومات المساعدة للشركات على المنافسة في الأسواق العالمية والاضرار بمركز الدولة الاقتصادي ، وقد عاقب المشرع في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، على جريمة الاضرار بمركز العراق الاقتصادي حيث نصت المادة (1و2/164م) من قانون هذا القانون على أنه " يعاقب بالإعدام. 1. كل من سعى لدى دولة أجنبية او لدى احد ممن يعملون لمصلحتها او تخابر مع أي منهما، وكان من شأن ذلك الاضرار بمركز العراق الحربي او السياسي او الاقتصادي، 2. كل من اتلف عمدا او أخفى او سرق او زور اوراقا او وثائق وهو يعلم أنها تصلح لاثبات حقوق العراق قبل دولة أجنبية او تتعلق بأمن الدولة الخارجي او اية مصلحة وطنية اخرى"([13]).
  2. ذاعة أخبار اوبيانات كاذبة أو ملفقة مغرضة من شأنها أضعاف الثقة المالية للدولة مثل إنتاج سلع غير مطابقة وجرائم نشر وقائع كاذبة بهدف إحداث انخفاض في قيمة العملة الوطنية وزعزعة الثقة السياسية في العملة والتحريض على سحب الأموال المودعة في البنوك أو الصناديق العامة أو بيع سندات الدولة وجرائم اتلاف ادوات الإنتاج وجرائم إفشاء حسابات العملاء و جرائم الإفصاح غير المشروع عن المعلومات المؤثرة في المركز المالي للدولة، فقد نصت المادة (180) من قانون العقوبات العراقي على أنه " يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على خمسمائة دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل مواطن اذاع عمدا في الخارج اخباراً او بيانات او اشاعات كاذبة او مغرضة حول الاوضاع الداخلية للدولة وكان من شأن ذلك اضعاف الثقة المالية بالدولة او النيل من مركزها الدولي واعتبارها او باشر بأية طريقة كانت نشاطا من شأنه الاضرار بالمصالح الوطنية. وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات اذا وقعت الجريمة في زمن الحرب"([14]).
  3. جرائم الاحتكار والمنافسة غير المشروعة التي شرعتها النظم الاقتصادية الرأسمالية متخذه عدة نماذج وأساليب منها الإغراق وشراء بعض المؤسسات التجارية للسلع المنافسة بسعر أعلى من السعر المعروض به ثم تخزينها فتشح في السوق ، كذلك اتفاق الشركات الاجنبية الكبرى المنتجة للسلع واحدة على تقسيم الأسواق فيما بينها بحيث لا تنافس في إحداهما الأخرى، ثم تقليد أو تزوير العلامات التجارية لشركة تنتج السلع ووضعها على سلعة من إنتاج شركة أخرى، وهذا مأكده قانون تنظيم التجارة رقم 20 السنة 1۹۷0، الذي رسم تنظيم سياسة العراق الاقتصادية ضمن أطار خطة التنمية القومية بما يكفل حماية وتطوير الاقتصاد القومي، وذلك بمنع الاحتكار والتلاعب بأسعار السلع ووضع التجارة الخارجية تحت سيطرة الدولة والاشراف على التجارة الداخلية وجعل دور القطاعين المختلط والخاص ومكملاً ومنسجماً مع متطلبات التنمية الاقتصادية وقد تضمن عقوبات على هذا النوع من الجرائم الاقتصادية للحد من عملية التخريب الاقتصادي([15])، فقد نصت المادة (11) الفقرة (4) حول اخفاء او اتلاق أو تخریب او تعطيل أو أحداث ضرر بالغ بوسائل الانتاج أو السلع أو الخدمات المقررة ووضع اليد عليها او جعلها غير صالحة للاستعمال، كما نصت (4 /11م) منه على "يعاقب على هذه الجريمة بالسجن أو المؤبد او المؤقت لمدة لاتقل عن خمسة عشر سنة وبغرامة لا تزيد عن خمسة الاف دينار ولاتقل عن الفي دينار اذا ارتكبت الجريمة ونجم عنها تخريب في الاقتصاد القومي وضرر بالغ بالمصلحة العامة"([16]).
  4. جريمة الاتجار غير المشروع بالأسلحة والتي تتصف بخاصية أنها نشاط سري ذو تكلفة اقتصادية كبيرة بالإضافة إلى ارباحها الضخمة التي تدرها عملية صفقات الاتجار غير المشروع بالأسلحة فان لها كذلك تأثيرها على القاعات المحلية والاقليمية وعلى قدرة الجماعات الإرهابية في تحقيق مآربها و تهديد السلام والأمن وتسهم في الاضطرابات السياسية التي تقع في مناطق عديدة من العالم([17]).
  5. جريمة الرشوة المحلية والدولية عند شراء مستلزمات أو في مناقصات و تدفع لقاء حكومة في دولة من الدول النامية بشراء معدات و تجهيزات تحتاجها من شركة دون الأخرى ، كذلك جرائم الرشوة والعمولات في حالات الأنشطة السياسية وأنشطة الجاسوسية الدولية.
  6. جرائم الاتجار في السلع والخدمات غير المشروعة كالمخدرات وأنشطة البغاء وشبكات الرقيق الأبيض و التجارة في العملات الأجنبية داخل الدول التي تفرض رقابة صارمة على التعامل في هذا النشاط ، كذلك جريمة الاتجار في الأعضاء البشرية من خلال عصابات محلية وعالمية تقوم بتوريد الأعضاء البشرية و تهدد كرامة الانسان و آدميته و تحوليه إلى سلعة([18]).
  7. جرائم غسل الأموال وتهريبها إلى الخارج وتحويل جزء من المساعدات والمعونات و القروض التي تقدمها الدول المانحة للمعونات الاقتصادية إلى حسابات مصرفية خارجية خاصة([19]).
  8. جرائم الاعتداء على المال العام من خلال الحصول على قروض من بنوك الدولة بقوائد منخفضة و تسهيل حصول رجال الأعمال من القطاع الخاص على قروض بالدوين تقديم ضمانات مقابل الحصول على جزء من القرض في صورة رشوة أو عمولة ثم من خلال الاستيلاء على بعض الممتلكات العامة حيث التزوير في الأوراق الرسمية أو استئجارها لفترة زمنية طويلة بمبالغ زهيدة.
  9. جرائم تلويث البيئة مثل دفن النفايات السامة وتهريب المواد النووية وجرائم تقدير التلوث و بيع الآلات والمعدات الملوثة للبيئة والحضور استخدامها وجرائم القضاء على التنوع البيولوجي وجرائم إبادة التنوع الثقافي([20]).

 

المبحث الثاني : نطاق المسؤولية الجزائية عن الجرائم الاقتصادية

      لغرض بحث نطاق المسؤولية الجنائية في الجرائم الاقتصادية سوف نقسم هذا المبحث الى مطلبين نخصصه الاول منه لبيان القصد العام في الجرائم الاقتصادية والثاني نتناول فيه القصد الخاص لهذه الجريمة الخطيرة.

المطلب الأول : القصد العام في الجرائم الاقتصادية :

     يقوم القصد العام بعنصرين العلم والارادة في الجرائم العمدية كافة وهذا هو شأن الكثير من نصوص التجريم الاقتصادية التي تشترط فيها ركن العمد بصورة صريحة، ومن ذلك على سبيل المثال المادة (۱۹۳) من قانون الكمارك رقم ۲3 لسنة ۱۹۸4 بنصها " يشترط في المسؤولية الجزائية توفر القصد الجرمي وتراعي في تحديدها النصوص الجزائية النافذة...." ([21])، هذا من جهة ومن جهة اخرى انه من غير المتصور ادانه شخص دون ثبوت العلم والارادة يقينا لا شكاً ولا افتراضاً لأن أي ادانه قائمة على افتراض مخالفة للقواعد العامة للاثبات، وهذا ما يتفق عليه الجميع([22])، ولكن ما مدى انطباق هذه القواعد على الجرائم الاقتصادية، للاجابة على ذلك ينبغي بيان كل عنصر من عناصر القصد الجنائي لهذه الجريمة على انفراد .

اولا :- العلم :

      أن العلم المحقق القصد الجنائي هو العلم بالوقائع والعلم بالتكييف القانوني، وهذا ما ينبغي توافرة ايضاً في الجرائم الاقتصادية([23])، ولكن ما مدى انطباق هذه القواعد على الجرائم الاقتصادية، هذا ما سنوضحه فيما يلي :

أ. العلم بالوقائع التي تقوم عليها الجريمة الاقتصادية :

       يرى البعض من الفقه ان العلم بالوقائع في الجرائم الاقتصادية يختلف عما هو عليه في الجرائم العادية، فالعلم في الجرائم الاقتصادية مفترض بدون أن يكلف الادعاء العام إثباته، ولكن للمتهم أن يثبت عكس ذلك، والسبب في ذلك هو خطورة هذه الجرائم وما تسببه من اثار وخيمة على المجتمع ككل، بالإضافة الى صعوبة اثبات العلم فيها والا أدى الى افلات العديد من مرتكبي الجرائم الاقتصادية من العقاب وتشجيع غيرهم على ارتكابها نظراً لضمان افلاتهم من العقاب([24])، وقد اخذ القضاء المصري بهذا الافتراض بقوله في احدى قراراته (أن علم المتهم بالغش فيما يصنعه يستفاد بالضرورة من كونه منتجا له على اعتبار بأن الصانع يعلم كنة ما يصنع ونسية المواد الداخلة في تكوينه ولا يقبل بجهله والا ادى الأمر الى تعطيل أحكام القانون)([25])، ومن التشريعات العراقية التي افترضت العلم بصورة صريحة قانون رسم الموازين والمقاييس والمكاييل التجارية رقم 42 لسنة ۱۹۷۸ المادة (۹) بنصها (اذا وجدت أداة وزن او قیاس او كيل في حوزة شخص يتعاطى التجارة او في محله المستعمل للتجارة فيعتبر ذلك الشخص حائزا على تلك الأداة الى أن يثبت العكس)([26])، وكذلك في قانون الكمارك العراقي رقم 23 لسنة 1984 المعدل في (2/۱۸6م) على أنه (...اما البضائع الممنوعة المعينة والبضائع الممنوعة والخاضعة لرسوم باهضه والتي لا يتمكن حائزها أو ناقلوها اثبات استيرادها النظامي بمختلف وسائل الإثبات التي تحددها دائرة الكمارك فتعتبر بحكم البضائع الداخلة تهريباً مالم يثبت العكس)، وكذلك المادة (۱۹۳) من نفس القانون (..... يعتبر فاعلاً أصلياً للجريمة كل من، 3- حائز المادة المهربة، 3- صاحب واسطة النقل التي استخدمت في التهريب وسائقها و معاونه، 4- صاحب او مستأجر المحلات التي أودعت فيها المادة المهربة أو المنتفع فيها.)([27])، وكذلك قانون الغابات العراقي رقم رقم 75 لسنة 1955، في المادة (14) حيث نصت على أنه (يقع تبعة اثبات كون أي منتوج غابة لم يأخذ بصورة تخالف القانون على من وجد النتاج في حيازته)([28])، كما ان هناك العديد من النصوص الواردة في التشريعات الاقتصادية العلم فيها مفترض بمجرد ارتكاب الفعل المادي المكون للجريمة، ومن هذه التشريعات تنظيم التجارة الداخلية والخارجية العراقي رقم ۲۰ لسنة ۱۹۷۰، فقد نصت المادة (۱۰) منه على (يعاقب بالحبس..... كل من احتكر او خزن او نقل أية سلعة أو خدمة من السلع و الخدمات المشمولة بهذا القانون أو وجدت في حيازته مواد مخزنة كل ذلك خلافاً لأحكام هذا القانون او أي بيان صادر يمقتضاه)([29])، وكذلك المواد (۱۸۱، ۱۸۲، ۱۹۱) من قانون الكمارك العراقي المشار اليه سلفاً، و كذلك المادة (57) من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم (۱۱۳) السنة ۱۹۸۲، وايضاً المادة (۳۰4) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.

      وعلى الرغم مما سبق بافتراض العلم بالجرائم الاقتصادية بموجب التشريعات العراقية، الا أن لمحكمة التمييز العراقية رأي مغاير في هذه السألة، اذ انها لا تفترض العلم بالجريمة الاقتصادية بل لابد من اثباته وقد جاء في أحد احكامها مهو نصه (... ولدی النظر الى الفقرة الحكومية المتعلقة بالمتهم (ن) وجد أن المذكور لم يكن حاضراً محل الحادث ولم يشترك بأي عمل من أعمال الجريمة التي ادين بها المتهمين (ج) و (ع) وفق قانون العقاقير الطبية ، لكن ادين بسبب كونه صاحب السيارة التي استعملت في الجريمة، وكون المتهمين من مستخدميه الأمر الذي يدل ان وقوع الحادث جری بعلمه وموافقته، وحيث أن الاستدلال ليس من دلائل الاثبات جزائياً تقرر نقض الفقرة الحكمية الصادرة بحق المتهم (ن) المبينة في قرار مديرية الكمارك والمكوس العامة...)([30])،  ونرى  بأنه حسناً فعلت محكمة التمييز، لأن الافتراض يجافي الواقع ويصطدم بمبدأ قرينة البراءة المؤسسة على الفطر منذ ولادة الانسان والممتدة طيلة مراحل حياة الإنسان، والتي تعتبر من أهم الضمانات الشخصية المنصوص عليها في العديد من الدساتير والمواثيق الدولية ، والتي يترتب عليها قاعدة مهمة في التشريع الجنائي، وهي أن كل شك في ثبوت التهمة قبل المتهم يجب أن يفسر لمصلحته، ولكن امام الاعتبارات التي دعت إلى افتراض العلم في الجريمة الاقتصادية، نرى اللجوء الى استخلاص العلم بدلا من افتراضه، وذلك عن طريق استظهاره من الظروف المحيطة بالواقعة، فاذا ما استخلصت المحكمة العلم من وقائع الدعوى كان قضائها سليماً واذا دفع المتهم بانتفائه فعلى المحكمة أن ترد عليه بأسباب صحيحة ومقبولة مستمدة من وقائع الدعوى، وفي هذه الحالة نستطيع الموازنة بين الطبيعة الخاصة بالجرائم الاقتصادية وعدم افلات مرتكبيها من العقاب وبين الحرص على عدم ادانة البريء([31]).

ب. العلم بعدم المشروعية في الجرائم الاقتصادية :

      أن القصد الجنائي هو ارادة الاعتداء على الحق الذي يحمية القانون، أي ارادة الثورة ضد احكامة، فأن وهذا ما يتطلب علما دقيقاً بالقانون، لأنه لا تثبت ارادة الاعتداء على الحق الا لمن علم بوجوده وبالحماية التي يقررها القانون، وتطبيقاً لذلك فانه لا يتوافر القصد الجنائي لدى من تهرب من الضريبة الا اذا علم أحكام القانون الذي يفرضها، ولا يتوافر لدي من صدر او استورد مواد يحظر القانون استيرادها او تصديرها الا اذا علم بهذا الحظر الذي يفرضه القانون، ولكن طيقاً للقواعد العامة ان العلم بالقانون الجنائي مفترض بقرينة غير قابلة لإثبات العكس ، وكذلك الحال بالنسبة للقوانين الجزائية الاقتصادية اذ لا يوجد نص يميزها عن غيرها اذ يفترض العلم فيها الى كل شخص خالف أحكامها وهذا الافتراض لا يقبل اثبات العكس، بحيث لا تكلف سلطة الادعاء العام بأثباته ولا يقبل من المتهم أن يقيم الدليل على خلافه ([32]).

       الا ان جانباً اخر من الفقه يرى أن الأفتراض الذي لا يقبل اثبات العكس في القوانين الجزائية الاقتصادية لا يتماشى مع مقتضيات العدالة، فإذا كان تطلب العلم بالقوانين الجزائية لا يثير صعوبة في الحالات الأعم لأن مرتكب الجريمة غالباً ما يعلم بتجريم القانون لأن الأحكام التي ينص عليها القانون تتفق وتعاليم الأخلاق والتي يشارك الجاني غيره من أبناء المجتمع في العلم بها، ولكن هذا القول لا ينطبق على عدد غير قليل من الجرائم الاقتصادية، فكثيراً ما يجرم القانون أفعالاً لا تناقض مع تعاليم الأخلاق او قيم المجتمع ولا تنطوي على اهدار للعدالة، وانما تستهدف النص عليها مجرد تنظيم بعض المصالح تنظيماً يستهدف سياسة معينة لا تعني قواعد الأخلاق او مقتضيات العدالة في شيء بالاضافة الى ان هذه القوانين قد يعجز المواطن العادي عن فهمها لو طلع عليها لما فيها من مجالات فنية تحتاج في كثير من الأحيان الى متخصصين أوالى خبرة في المسائل الاقتصادية والتجارية([33])، كما أن هذه القوانين كثيرة ومتنوعة، سريعة التطور والتغير مما يتعذر الالمام المخاطبين بها وبفحواها او مما يرد عليها من تعديل بالحذف أو بالإضافة، وبالتالي فان افترض العلم فيها بقرينة قاطعة لا تقبل اثبات العكس امر غير مقبول، ولقد دعى المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات على ذلك في التوصية الثالثة بنصها على "ان كثرة التعديلات التي تدخلها الدولة على النصوص التي تتوسل بها لحماية المصالح الاقتصادية يتطلب الدقة في صياغة هذه النصوص كما يتطلب ايصالها الى الجمهور بكل وسائل الاعلام فلا يكتفي بنشرها في الجريدة الرسمية"([34]).

        وبالمقابل فان هناك من يرى أن اعطاء حق للدفع بالجهل بقواعد قانون العقوبات الاقتصادي يؤدي الى تعطل نصوصها واهدار المصالح والحقوق التي يحرص المشرع على حمايتها لان القوانين الاقتصادية تهدف إلى حماية مصالح جوهرية للدولة وتقوية هذه المصالح التي يستهدفها الشارع تؤدي الى تعطل احكام القانون الأمر الذي يتناقض ومصلحة المجتمع اذ لا يتاح للقوانين الاقتصادية التطبيق السليم الشامل على النحو الذي تقتضيه احكامه([35]).

        وامام وجاهة هذه الحجج ولتحقيق الموازنة بينها نرى الأخذ بخصوص العلم بالنصوص الجزائية الاقتصادية بما اخذت به بعض التشريعات([36])، فيما يتعلق بالعلم بالقانون الجزائي بصورة عامة والتي رفضت افتراض العلم وفسح المجال للادعاء بالجهل به كعذر ينفي القصد الجنائي، ولكن لا يقبل كل ادعاء بالجهل بالقانون، وانما يميز بين ثلاثة أنواع، 1- نوع لا يعتد به، 2-ونوع يجوز أن يعتد بها القاضي لتخفيف العقوبة، 3- ونوع يجوز أن يعتد به للإعفاء من العقوبة، ومعيار التفرقة بين هذه الأنواع هو اهمية الاسباب التي يتذرع بها المتهم للاعتقاد بشرعية فعله، فإذا كانت غير كافية فلا اعتداد بها ويتعرض المتهم لعقوبة جريمة كاملة، واذا كانت كافية جاز للقاضي أن يعتد بها لتخفيف العقاب او الاعفاء منها كلية، ومعيار التفرقة بين هذه الحالات هو درجة كفاية هذه الأسباب يقدرها القاضي حسب خطيئة المتهم.

ثانياً :- الإرادة :

        من أجل أكتمال القصد الجنائي المحقق للمسؤولية الجنائية عن الجريمة الاقتصادية يجب أن يكون إلى جانب العلم ارادة متجهة إلى الفعل المكون للجريمة والى نتيجة هذا الفعل والى كل واقعة تحدد دلالة الفعل الإجرامية وتعد جزء من ماديات الجريمة، وبالتالي فإن عناصر القصد الجنائي يجب أن تمتد في الأصل الى كافة الوقائع التي تتكون منها ماديات الجريمة ولا يخرج من نطاقها واقعة إلا في حالات استثنائية تقتضيها طبيعة الواقعة أو فكرة القصد([37])، ولكن هناك جانب من الفقه من يهمل دور الارادة  في الجرائم الاقتصادية، ولا يتطرق الا لعنصر العلم وكأن هذه الجرائم لا تقوم الا بالعلم، سواء قبلت الارادة النتيجة ام لم تقبلها، وهناك من يرفض ذلك ويرى أن هذا لا يتماشى مع المبادئ الأساسية للقانون الجنائي، لأن نصوص التجريم تنطبق على نشاط او ظواهر ايجابية لا على حالات نفسية ساكنة، ولان القصد الجرمي في جوهر وضعاً مخالفا للقانون ونشاطاً نفسياً يصفة الشارع بالإجرام، فهذا يعني أنه لا يمكن أن يقوم العمد على مجرد العلم بل لابد من اتجاه ضد القانون ومن نشاط نفسي يهدف الى غاية غير مشروعة، وهذا الاتجاه او النشاط النفسي هي الإرادة التي تحرك الشارع تجاههاً وسبغ عليها وصف الإجرام اذا انحرفت، إما العلم فهو حاله ساكنة مستقرة لا قيمة لها بدون الارادة([38]).

       كما أن النصوص التي اغفلت ذكر الارادة لا يعني أهمال دورها في قيام المسؤولية الجزائية، فهي محور المسؤولية الجزائية واساسها تقوم وجوداً وعدماً فيها فإذا لم تكن ارادة الجاني دور في فعله أو تصرفه فلا محل للقيام لهذه المسؤولية، وان كل ما هناك ان النصوص التي لم تذكر الارادة تفترضها بمجرد علم الجاني وقيام الدليل على ارتكابه الفعل الذي ينهي عنه القانون أو عدم القيام بالأمر الذي يفرضه القانون، وان للجاني أن يدفع عنه هذا الافتراض وبالتالي المسؤولية الجنائية اذا ثبت أن هذا الفعل كان نتيجة قوة قاهرة أو ظرف الاكراه أو غير ذلك من الأعذار([39]).     

       وعند تتبع التشريعات الاقتصادية العراقية نجد أن العديد من النصوص هذه التشريعات التي ذكرت العلم دون الإرادة ومع ذلك فأن هذا لا يعني قيام المسؤولية الجزائية بدون الإرادة، فهي مفترضة بعلم الجاني، ولكن الذي يلاحظ على أغلب هذه النصوص، انها اما ان تجرم الافعال دون أن تشترط تحقق النتيجة وبالتالي عدم اشتراط اتجاه الارادة اليها، ويطلق الفقه على هذا النوع من الجرائم بجرائم الخطر، واغلب الجرائم الاقتصادية من هذا النوع([40])، وعلة ذلك هو حرص المشرع على قمع أي تهديد قد يلحق بالنظام الاقتصادي دون ان يوقف توقيع العقاب على تحقق ضرر فعلي لابل أن هذا الضرر قد لا يتحقق ولا يؤثر في النظام الاقتصادي اما لصغر حجم الجريمة او لقوة اقتصاد الدولة، ومع ذلك يعاقب مرتكبها على مثل هذه الأفعال لقطع كل سبب يخل بالنظام الاقتصادي، ومن هذه التشريعات ما نص عليه قانون مزاولة مهنة الصيدلة والاتجار بالأدوية والمواد السامة رقم (33) لسنة ۱۹51، المادة (14) حيث نصت على بأنه ( يعاقب ..... من باع أو عرض شيئاً من الأدوية والمستحضرات الطبيعية و الكيميائية والنباتات الطبيعية الفاسدة او التالفة مع علمه بفسادها او تلفها"، وكذلك والمادة (65) من نفس القانون حيث نصت على انه "يعاقب كل من غش او قلد شيئاً من المستحضرات الطبيعية او الادوية ...... مع علمه بغشه او تقليده)([41]).

      كما قد شترطت بعض النصوص التشريعية على وجوب تحقق النتيجة او تشترط احتمال حدوثها لقيام الجريمة وتوقيع العقاب على الجاني، ولكن لا تشترط امتداد الارادة اليها، ومن هذه النصوص المادة (۳۰4) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة  1969 ، وذلك بقولها (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل من أذاع بطريقة من طرق العلانية وقائع ملفقة او مزاعم كاذبة وهو يعلم بتلفيقها او بكذبها وكان من شأن ذلك أحداث هبوط في اوراق النقد الوطني.......)، وكذلك المادة (466) من القانون نفسه بقولها (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل من تسبب في ارتفاع او انخفاض اسعار السلع او الاوراق المالية المعدة للتداول او اختفاء سلعة من السلع المعدة للاستهلاك بإذاعته عمدا وقائع مختلفة او اخبارا غير صحيحة او ادعاءات كاذبة او بارتكاب أي عمل آخر ينطوي على غش او تدليس)([42])، وايضاً المادة  (10) من قانون تنظيم التجارة العراقي رقم ۲۰ لسنة ۱۹۷۰ بقولها (يعاقب بالسجن المؤبد، او المؤقت لمدة لا تقل عن عشر سنوات، وبغرامة لا تزيد على (مائتان وخمسين) الف دينار، ولا تقل عن (واحد وخمسين) الف دينار،  كل موظف او مكلف بخدمة عامة اتخذ قرارا ادى الى الاضرار بالاقتصاد القومي والمصلحة العامة مع علمه بذلك او بقصد تحقيق مصلحة شخصية ويعتبر شريكا كل من انتفع فعلا من ذلك القرار مع علمه بانه قد صدر خلافا للقانون)([43]).

المطلب الثاني : القصد الخاص في الجرائم الاقتصادية :

       في جميع الجرائم العمدية يشترط توفر القصد العام هذا هو الاصل([44])، الا ان هناك أحوال خاصة لا يكتفي فيها المشرع بالقصد العام بل يتغلغل في نوايا الجاني وينظر الى الغاية التي يرمي لها او الدافع الذي يحمله على اقتراف الجريمة، ويسمي الفقه هذه الغاية او هذا الدافع بالقصد  الخاص ، وهذا ما نصت عليه المادة (۳۸) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، على أنه(لا يعتد بالباعث على ارتكاب الجريمة مالم ينص القانون على خلاف ذلك)، وبناء على ذلك اذا ما اعد القانون بالباعث على الجريمة يصبح عنصراً فيها، وتكون له أهمية في وجود الجريمة بحيث تنتفي الجريمة بانتفائه، كما وتكون له أهمية لوجود الجريمة بوصف معين فهي تتحقق بالقصد العام ولكن توافر القصد الخاص يغير وصفها إلى ما هو اشد اوالی ماهو أخف، وتكون له مثل هذه الأهمية عندما يتطلب المشرع امتداد عناصر القصد العام الى وقائع لاتعد من اركان الجريمة                    (الغاية او الهدف) وقد يعبر عنه المشرع صراحة مثل تقديم مستندات او وثائق مزورة بقصد التهرب من الرسوم الكمركية والضرائب، واحيانا يستعمل كلمة (عمداً) للدلالة عليه وان كانت هذه الكلمة قد تدل في بعض الأحيان على القصد العام، الا ان التمييز بين ما اذا كان المراد بها قصداً عاماً او خاصاً هو الرجوع الى طبيعة الجريمة والنظر في حكمة العقاب عليها، واحيانا يستعمل المشروع عبارة عامة تدل عليه كقوله (بنية الأضرار) او (سوء القصد) او (بقصد الغش) فكلها تعبر عن معنى واحد تقريباً، واحيانا اخرى لا ينص القانون على القصد الخاص صراحة، ومع ذلك يجب القيام الجريمة توافر قصد من نوع معين أي انصراف ارادة الجاني إلى نتيجة معينة بحكم طبيعة الجريمة وهذه الطبيعة تتبين من مقارنة الجريمة بالجرائم التي قد تتشابه معها ومن حكمة التشريع ومن التطور التاريخي للعقاب على الجريمة وهكذا([45]).

        ومن خلال ملاحظة النصوص الجزائية للقوانين الاقتصادية لوجدنا أن هناك العديد من الجرائم الاقتصادية تتطلب قصداً خاصاً اكثر من الجرائم العادية، ويعلل الفقه ذلك هو أن النشاط الاقتصادي يهدف دائماً إلى تحقيق الربح والمنافع الاجتماعية، وبالتالي فان أي تجريم في هذا المجال انما يهدف الى منع الحصول على الكسب الغير مشروع، بالإضافة الى ان اغلب القوانين الاقتصادية تجرم افعالا عادة ما تكون مشروعة اذا لم تكن بقصد تحقيق الكسب الغير مشروع، ولهذا كله نجد أن القصد الخاص میدانا واسعاً في الجرائم الاقتصادية وهذا ماهو خلاف الأصل في القانون الجزائي الذي يغلب عليه الصفة الموضوعية ولا يعتد بالباعث الا على سبيل الاستثناء لانه مسألة متعلقة بالجانب الشخصي([46])، ومن أمثلة النصوص الاقتصادية التي تتطلب القصد الخاص المادة (57) من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم (113) لسنة 1982 المعدل بقولها (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة من يثبت عليه أمام المحاكم المختصة ارتكاب احد الأفعال الآتية: 1- من قدم عن علم بيانات او معلومات كاذبة او ضمنها في تقرير او حساب او بيان بشان الضريبة او أخفى معلومات كان يجب عليه بيانها قاصداً بذلك الحصول على خفض او سماح تنزيل من مقدار ضريبة تفرض عليه او على غيره او استرداد مبلغ مما دفع عنها)، وكذلك المادة (58) من نفس القانون بنصها بأنه (يعاقب... من يثبت عليه امام المحاكم انه استعمل الغش أو الاحتيال للتخلص من اداء الضريبة المفروضة ... )، وكذلك المادة (۱۳) من قانون تنظيم الخدمات الصناعية رقم (۱۳۰) لسنة ۲۰۰۰ بنصها (... اذا قدم صاحب المشروع مستندات مزورة او غير حقيقية.. قصد الخداع او التمويه ...(، وايضاً المادة (16) من نفس القانون بنصها بأنه).... اذا قام صاحب المشروع او احد عماله بغش او احتيال او تضليل بقصد الحصول على أجور غير مستحقة خلافا لحقيقة الأمر (، وكذلك نص المادة (۱۹۲) الفقرة 11 من قانون الكمارك رقم (23) لسنة 1984 المعدل بنصها ).....من درج معلومات غير حقيقية عن البضائع المصرح عنها في بيانات الادخال او الاخراج بقصد التهرب من الرسوم الكمركية او الرسوم والضرائب الأخرى .... (، والمادة (15) من قانون تنظيم التجارة العراقي رقم (۲۰) لسنة ۱۹۷۰ المعدل بنصها على) يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات او بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبغرامة..... من قام بصنع مادة منع صنعها او غير شكل مادة بقصد التهرب من القيود المفروضة على استعمالها او استعملها خلافا لاي بيان او امر صادر بشان طريقة استعمالها ... ). وهكذا نجد أن المشرع في النصوص السابقة لم يكتف بتوافر القصد العام لقيامها بل يتطلب الى جانب ذلك ارتكاب الجريمة بقصد خاص بحيث يؤدي تخلفه في هذا النوع من الجرائم الى أنتفاء الجريمة المحددة بالنموذج القانوني لها وان كان هذا لايعني اباحة الفعل المرتكبة اذا ما كان ينضوي تحت نص عقابي اخر([47]).

المبحث الثاني : خصوصية الجزاء المقرر للجريمة الاقتصادية

      لتمكين القاضي الجنائي من تفريد العقاب على الجرائم الاقتصادية تلجأ اغلب التشريعات إلى وسائل متعددة، منها الأخذ بنظام العقوبات التخييرية، فيختار القاضي بين الحبس والغرامة، ويحكم بعقوبة تكميلية أو يعزف عنها أذا كان الجزاء الأصلي من وجهة نظره کافياً، ومنها أيضاً تعيين حد أعلى وحد أدني للعقوبة، والملاحظ في الجرائم الاقتصادية أنه يغلب أن يكون الفارق بين الحدين كبيرة بحيث تتسع معه سلطة القاضي التقديرية لمواجهة الظروف المختلفة التي تحيط بالجريمة ومرتكبها. ومن وسائل تفريد العقوبة ما يواجب على القاضي من أخذ الجاني بالشدة، كالنص على ظروف مشددة في بعض الجرائم، أو على نظام عام التشديد كنظام العود، أو على تعدد العقوبات بتعدد الجرائم مطلقأ، أو تعددها بتعدد الأفعال ولو في جريمة واحدة، وعلى العكس قد تكون وسائل تفريد العقوبة ما تقضي الى تخفيفها كالنص على ظروف مخففة ، وبهذه الوسائل يستطيع القاضي أن يزن العقوبة المناسبة لظروف الجريمة ومرتكبها بما يحقق العدالة([48]).

       وتتحدد خصوصية الجزاءات الجنائية للجرائم الاقتصادية في الظروف المشددة والذي يكون موضع دراستنا في المطلب الأول، في حين يكون مطاف الثاني والاخير في هذه الدراسة الظروف المعفية والمخففة لهذه الجرائمة في المطلب الثاني على النحو الاتي :

المطلب الأول : الظروف المشددة في الجرائم الاقتصادية :

      قد يجد القاضي الجنائي من ظروف القضية المعروضة عليه ما يدعو إلى أخذ المتهم بالشدة عند تطبيق العقوبة القانونية عليه، فيحكم عليه بالعقوبة التي يراها ملائمة في حدود ما يبين القانون حدا أقصي للعقوبة، وفي بعض الأحوال يجعل القانون من ظروف خاصة سببة قانونية لتشديد العقوبة أكثر من الحد الأقصى المقرر للأحوال العادية، فينص على عقوبة خاصة لبعض الجرائم إذا توافر فيها سبب من هذه الأسباب التي يعتبرها موجبة للتشديد، وقد يصل الأمر في بعض الأحوال أن يجعل القانون في بعض الظروف الموجبة للتشديد وجهاً لتغير وصف الجريمة من جنحة إلى جناية، هذه الأسباب عموماً تسمى ب(الظروف المشددة)، وهي لا تكون الا بنص القانون، ومن أجل ذلك تسمي بالظروف المشددة الخاصة وهي نوعان في الجرائم الاقتصادية (1.الظروف الشخصية، 2. والظروف المادية)([49]), وفيما عدا الظروف المشددة الخاصة ينص القانون على أسباب عامة تكون شاملة للجرائم كافة أو لطائفة منها معينة ويدخل في هذه المجموعة : تخريب الاقتصاد المضاد لسياسة الدولة الاقتصادية ،والعود، والمساهمة الجنائية ، وعليه سوف نتعرض للحديث عن جزاء المشداد نظراً للظروف الشخصية في الفرع الأول، والجزاء المشدد نظراً للظروف المادية في الفرع الثاني، كما بين العود الجرمي كظرف مشدد للعقوبة في الجريمة الاقتصادية في الفرع الثالث، على النحو الآتي:

الفرع الأول : الظروف الشخصية المشدد للعقوبة :

         يقصد بها كل ما يتعلق بالركن المعنوي أو بعلاقة الجاني بالمجني عليه أو بالبواعث على ارتكاب الجريمة، وبصفة عامة تلك التي تتعلق بشخصية الجاني، وما تشكله من خطورة كبيرة ناتجة عن الإرادة الجرميه للجاني مثل (العمد والقصد والخطأ)([50]),لا يتقيد الركن المعنوي في الجرائم الاقتصادية بنفس الأحكام المقررة في القانون الجنائي التقليدي ويمكن تبرير ذلك بأن للقوانين الاقتصادية أهمية تقضي اليقضة في مراعاتها وإغلاق الباب أمام أسباب الخروج عليها والا تعذر تنفيذ السياسة الإقتصادية ، لهذا فإن القانون الجنائي الاقتصادي لا يتطلب أحياناً إثبات القصد الجرمي بل إنه يفترض توفره من مجرد وقوع الجريمة وعلى الفاعل أن يثبت عدم توافر هذا القصد أو قيام سبب يحول دون قیام مسؤوليته عن الفعل، وبعبارة أخرى يتمسك القانون بالركن المعنوي ولكنه يفترضه تسهيلاً لإثبات الجرائم الاقتصادية، إذ أن القانون الجنائي الاقتصادي على نقيض القانون الجنائي التقليدي، ذلك أن إثبات سوء النية لا يقوم على تحليل نفسية الجاني بل يستدل عليه من سلوكه المادي، فلا أهمية لنفسية الجاني، كما أنه قد يحدث أن لا يترك القانون الركن المعنوي أي مكانة، فالحاجة إلى الفعالية التي يجب أن يحققها النظام العام الاقتصادي في القانون الجنائي تؤدي في الحقيقة إلي زيادة الجرائم المادية، ذلك أن طبيعة بعض الجرائم وخطورة نتائجها على الأمن العام والمصالح الاقتصادية للبلاد حذت بالمشرع الجنائي إلى أعتبار بعض التصرفات ومسك بعض الأشياء في حالات معينة وأماكن معينة تشكل قرينة على اقتراف جرائم، وينبغي على من وجه اليه الاتهام عبء الإثبات أن يثبت عدم ارتكابه لها، وهذه القرينة تشكل خروجاً عن المبادي التقليدية للقانون الجنائي التقليدي، ذلك أن مجرد العلم بعدم مشروعية الواقعة المجرمة يكون الركن المعنوي ذلك أن خصوصية هذه الجرائم هي التي دفعت بالمشرع الجنائي إلى إعتبار القصد الجزائي في هذه الجرائم مفترض حتى لا يقال بأن الركن المعنوي قد أهمل نهائيا([51]).

      وباللجوء إلى التشريعات الاقتصادية في بعض الدول العربية نجد أن بعضها أعتد بالركن المعنوي حيث شدد العقوبة إذا ارتكبت الجريمة الاقتصادية عن قصد، وعاقب بدرجة أخف إذا ارتكبت عن غير قصد نتيجة إهمال أو قلة احتراز. فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بالظروف الشخصية التي تتصل بالجانب المعنوي مثل القصد والعمد والخطأ أخذ التشريع السوري بنفس المفهوم المحدد في القواعد العامة من حيث تدرج العقوبة، إذ ميز المشرع السوري الاقتصادي في قانون العقوبات الاقتصادي بين الوقائع الثلاث، حيث عاقب على الخطأ الجزائي بدرجه اخف من العقوبة المقررة في حالة القصد، ويشددها إذا ارتكبت عمده، ومن هذا القبيل ما نصت علية               المادة (9) من قانون العقوبات الاقتصادي حيث عاقبت (بالحبس من ستة أشهر إلى السنتين من أفشى قاصدأ معلومات بأي صورة من شأنها تخفيض الإنتاج أو تفویت فرص اقتصادية على البلاد، كالمعلومات بالعروض والمناقصات والمزايدات والتصاميم والخطط والأسعار، واذا كان الفاعل متعمداً فيعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة)، كذلك أن المشرع السوري تنبه في قانون العقوبات الاقتصادي إلى خطورة الأضرار الناجمة عن الخطأ غير القصدي فعمد الى تنقيح قانون العقوبات الاقتصادي، وأدخل العقاب على جرائم الإهمال وقلة الاحتراز؛ في أغلب فصوله انطلاقا من أن الخطأ الذي يرتكبه الفاعل بما يورثه من ضرر يعرض الاقتصاد الوطني للخطر نتيجة إهمال أو قلة احتراز، يعد عملا آثمة، ومن هذا القبيل ما نصت علية المادة (7) من قانون العقوبات الاقتصادي السوري والتي نصت على أنه: (....... 2- ويعاقب الفاعل بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات إذا كان الجرم ناجمة عن الإهمال أو قلة الاحتراز)([52]).

        أما بالنسبة للمشرع العراقي فقد أخذ بعكس ما جاء بالتشريع السوري حيث لم يفرق بين عنصر العمد والقصد والخطأ، إذ ركز على الجرائم الاقتصادية المقصودة وشدد على عنصر العمد كأساس للجريمة الاقتصادية، ومن الأمثلة على ذلك ما تضمنته المادة (۲۱) من قانون حماية وتنمية الانتاج الزراعي رقم 71 لسنة ۱۹۷۸ اذ نصت على انه (( يعاقب... عن الضرر كل موظف او مسؤول باشر في الحاق ضرر بالغ بالمشروع او بالإنتاج الزراعي او مخالفة الخطة المقررة له)). ومثال ذلك أيضاً ما نصت عليه المادة (16) من قانون تنظيم التجارة العراقي رقم (۲۰) لسنة  ۱۹۷۰ المعدل على أنه يعاقب ب(الحبس مدة لا تزيد على سنتين ولا تقل عن سنة و بغرامة لا تزيد على خمسمائة دينار ولا تقل عن مائتي وخمسين دينار او بإحدى هاتين من خالف أي بيان او اوامر او تعليمات وفقاً لأحكام هذا القانون ...) وكذلك المادة (۷4) من قانون البنك المركزي العراقي رقم 64 لسنة 1976 (الحبس مدة لا تزيد على سنتين ... كل من خالف احكام الفقرة (6) من المادة السادسة و الثلاثين من هذا القانون). ويظهر من هذه النصوص أن المشرع لم يحدد ما اذا كان يشترط لتحقق الجريمة ثبوت العمد او الاهمال([53]).

       وتلمس هذا الاتجاه ايضا في أحكام القضاء العراقي، فنرى العديد من القرارات تحدد المسؤولية الجنائية عن الجرائم الاقتصادية بمجرد مخالفة نص المادة دون ذكر درجة الخطأ العمدي وغير العمدي، ومثال ذلك ما قضت به محكمة الجزاء الخاصة بقانون تنظيم التجارة في بغداد (بادانة المحكوم ( م، ج ) وفق المادة (16) من قانون تنظيم التجارة رقم ۲۰ لسنة ۱۹۷۰ وتحديد عقوبته بمقتضاها والحكم عليه بدفع غرامة قدرها مائتي دينار وعند عدم الدفع حبسة حبساً شديد لمدة سنة ونصف واعتباراً جريمته جنحة عادية غير مخلة بالشرف"، كما قضت محكمة الجزاء الخاصة في محافظة میسان بإدانة التهم كل من (أ ، ر، ل) وفق المادة (16) من قانون تنظيم التجارة رقم ۲۰ لسنة ۱۹۷۱ المعدل بالقانون رقم 118 لسنة 1974، وتحديد عقوبته بمقتضاها والحكم عليه بدفع غرامة وعند عدم الدفع حبسه لمدة سنة واعتبار الجريمة جنحة مخلة بالشرف وذلك الوجود نقص في منسفة العجين الموجودة في مخبزه). بهذا يتضح مما سبق من القرارات سالفة الذكر انها تقف عند مخالفة النص القانوني دون ان تشترط درجة معينة للخطأ وهذا ما تقتضيه كما قلنا طبيعة الجريمة الاقتصادية وتوفير حماية فعالة لسياسة الدولة الاقتصادية([54]).

الفرع الثاني : الظروف المادية المشدد للعقوبة :

      يقصد بها ما كان خارجة عن شخص الجاني ومتعلق بالجانب المادي للجريمة فيجعله أشد خطرة مما لو تجرد من هذا الظرف حيث يفترض ازدیاد خطورته، ويترتب على ذلك أن الظروف المادية تتصل بالفعل ويفترض تغيراً في مقدار خطورته على نحو يجعله أكثر خطورة وقد يرجع إلى ارتكابه في مكان معين أو إلى وقوعه في زمان معین([55]), ومن الظروف التي يمكن اعتمادها كظروف مشددة مادية في الجرائم الاقتصادية هي: تعدد المساهمين في الجريمة الاقتصادية ، وصفة مرتكب الجريمة الاقتصادية، والعود، وذلك على النحو التي:

اولاً: تعدد المساهمين في الجريمة الاقتصادية :

       يقصد بها ارتكاب الجريمة الواحدة من قبل أكثر من شخص خططوا ودبروا لها، ووزعوا الأدوار فيما بينهم فوقعت الجريمة ثمرة لهذا التنفيذ الجماعي، وليس هناك ما يمنع تصور ارتكاب الجريمة من عدة أشخاص، وهنا نكون بصدد تعدد الجناة. والمساهمة الجنائية بهذه الصورة تعبر عن خطورة إجرامية كبيرة على المجتمع حيث تعبر عن اتفاق أو توافق إرادات جنائية آثمة على ارتكاب جريمة واحدة وفي الجرائم الاقتصادية هي كذلك، حيث يعتبر تعدد المساهمين ظرفة مادية مشددة للعقوبة([56]).

       وتتميز التشريعات الاقتصادية عن الأحكام العامة في التشريعات العقابية في العقاب الذي تفرضه على المساهمين بالجريمة، فقد قامت بالمساواة ما بين كافة المشتركين بالجريمة الاقتصادية من حيث العقوبة سواء أكان الفاعل أصلياً أم شريكاً، وهذا ما نصت عليه التوصية الثالثة من توصيات المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات الذي عقد في روما عام 1953، وجاء فيها ما يلي (تتطلب المعاقبة على الجرائم الاقتصادية توسع في فكرة الفاعل وأشكال الإسهام الجنائية). ولعل الحكمة التشريعية في تشديد العقوبة عن طريق المساواة بين كافة المساهمين بالجريمة الاقتصادية في توصيات مؤتمر قانون العقوبات السادس ، يرجع لما لهذه الجرائم من أهمية وخطورة على السياسة الاقتصادية للدولة وما تنم عنه من خطورة إجرامية في نفس المساهمين بارتكابها بحيث يدرك كل من يساهم في ارتكابها بشدة العقوبات التي ستفرض عليه وأنه سيعاقب بنفس عقوبة الفاعل الأصلي([57]).

       ويشترط لتحقيق جريمة الاشتراك توافر القصد الجنائي لدى الشريك، أي أن يكون الجاني عالماً بالجريمة التي ترتكب، وقاصدأ بعلمه المشاركة في ارتكابها، ولا يكفي مجرد العلم بالجريمة لوقوع الاشتراك الجرمي، بل يجب فوق ذلك أن تتجه نية الجاني إلى المساهمة في الجريمة، ولخطورة الجرائم الاقتصادية عوقب مرتكبها كالمحرض والمساعد بنفس عقوبة الفاعل الأصلي، هذا وقد قررت معظم التشريعات الاقتصادية الحديثة كمبدأ عام على المساواة في العقاب بين الفاعل والشريك والمحرض والمتدخل أو أي صورة من صور المساهمة الجنائية الأخرى، ويسري هذا المبدأ على جميع الجرائم الاقتصادية سواء كانت جرائم خطرة تأخذ وصفاً جنائية أو جرائم بسيطة جنحية، إذ أن جميعها تستجوب تشديد العقوبة في جميع الحالات، ومن بين التشريعات التي أخذت بمبدأ المساواة في العقاب بين المحرض والمتدخل والشريك والفاعل الأصلي، ما أخذ به المشرع السوري حيث نصت المادة (32) من قانون العقوبات الاقتصادي على أنه (يعتبر المحرض والمتدخل والشريك بحكم الفاعل)([58]), وفي الاتجاه ذاته سار المشرع العراقي إلى التشديد في العقوبة في الاشتراك الجرمي في الجرائم وتطبيقاً لذلك فقد نصت المادة (60) من قانون الاثار العراقي رقم (59) لسنة 1936المعدل على فرض عقوبات مشددة على شريك او المحرض او المساعد وبنفس العقوبة الفاعل الاصلي حيث نصت (يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن ستة سنوات من سرق أثراً في حيازة المديرية ويغرم بمبلغ يعادل ستة اضعاف القيمة المقررة للاثر المسروق..... ويعتبر الشريك المتدخل أو المحرض في حكم الفاعل الاصلي.....). هذا يعني ان جميع الاشركاء بارتكاب الجرائم الاقتصادية هم عرضة للمسؤولية الجنائية بغض النظر عن ادوارهم في الجريمة([59]).

ثانياً: صفة مرتكب الجريمة الاقتصادية :

        تعد الجرائم الاقتصادية ذات جسامة خاصة تستدعي التشديد إذا وقعت من موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة أو ذي منصب قيادي ولقد اهتم المؤتمر السادس للأمم المتحدة للوقاية من الجريمة المنعقد في كاراكاس عام 1980، بجرائم أصحاب النفوذ الاقتصادي والسياسي وهؤلاء على نوعين :( 1- رجال الأعمال الذين يمارسون نفوذهم بالتعاون مع رجال السلطة، 2-ورجال السلطة أنفسهم الذين يسيئون استعمال مراكزهم السياسية والإدارية ويوظفونها لمصالحهم الشخصية)،  ولاحظ المؤتمر أن هؤلاء الأشخاص يرتكبون جرائم الرشوة وتقاضي العمولات والاشتراك في الجرائم المنظمة الاتجار بالمخدرات والأسلحة والرقيق الأبيض والاعتداء على البيئة، كما يرتكبون جرائم الغش في الحسابات وفي المعاملات المصرفية والمخالفات الجمركية، والتهرب من الضرائب، وتهريب الأموال وتداول العملات الأجنبية وتهريبها، والاحتيال للحصول على اعتمادات مالية، كذلك الاستثمار غير المشروع لليد العاملة، مع فرض شروط عمل مرهقة عليها، والتسبب في إفلاس بعض الشركات عن طريق المزاحمة غير المشروعة أو عن طريق الاحتكار، ومن الأمثلة التشريعية على ذلك ما جاء في نص المادة (25) من قانون العقوبات السوري والتي نصت على أنه (يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة من يعمل في الدولة ويلتمس أو يقبل هدية أو منفعة أو وعد بأحدهما لنفسه أو لغيرة ليقوم بعمل من أعمال وظيفته أو ليعمل عملا منافية لوظيفته أو يدعي أنه داخل في وظيفته أو يهمل أو يؤخر ما كان عمله واجبا عليه...... )، كذلك ما جاء في نص المادة (4) من قانون قمع التهريب السوري حيث نصت على أنه (إذا كانت البضاعة موضوع التهريب أو الشروع فيه من المواد المخدرة يحكم بالأشغال الشاقة من خمس سنوات إلى عشرين سنة، وبغرامة .... وتضاعف العقوبة إذا كان الفاعل من العاملين في الدولة....) ([60]).

    أما بالنسبة للمشرع العراقي لقد نص في المادة (10) من قانون التنظيم الاقتصادي لسنة 1970المعدل، على الجرائم التي يمكن أن ترتكب من قبل الموظفين بقولها تعتبر الجرائم المنصوص عليها في المواد المبينة أدناه من قانون العقوبات إذا كانت تتعلق بالأموال العامة جرائم اقتصادية، وتطبق عليها العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون أي قانون العقوبات القسم العام وهذه الجرائم هي : (جرائم المتعهدين، جرائم النيل من مكانة الدولة المالية، جرائم تخريب إنشاءات المياه العمومية، جرائم الحريق وطرق النقل والمواصلات والغش والتي تشكل خطرا شامل، الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة الرشوة والاختلاس واستثمار الوظيفة وإساءة استعمال السلطة، والجرائم المتعلقة بالثقة العامة كتزييف النقود والمسكوكات والطوابع، جرائم التزوير، جرائم السرقة والاحتيال وإساءة الائتمان، جرائم الغش في نوع البضاعة والمضاربات غير المشروعة والإفلاس). نلاحظ من نص المادة سابقة الذكر أن تلك الجرائم هي في أغلبها جرائم يرتكبها موظفون، وإذا رجعنا إلى قانون العقوبات القسم العام فإننا نجد أن عقوبة أغلب هذه الجرائم هي الأشغال الشاقة المؤقتة([61]) .

ثالثاً: العود :

      لقد حدد المشرع الجزائي العراقي في صلب المواد (139) و (140) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، قواعد عامة للتشديد في حال خلو النص القانوني من تحديد مقدار التشديد الذي يستلزمه إذا توافرت شروط التكرار الجرمي، حيث عدت المادة (139) حالة العود على كل (اولاً: من حكم عليه نهائياً لجناية وثبت ارتكابه بعد ذلك وقبل مضي المدة المقررة لرد اعتباره قانوناً جناية او جنحة، ثانياً : من حكم عليه نهائياً وثبت ارتكابه بعد ذلك وقبل مضي المدة المقررة لرد اعتباره قانوناً اية جناية او جنحة مماثلة للجنحة الاولى.....). الغاية من تشديد العقاب على الجاني العائد لردعه وتقويم سلوكه وتهذيب اخلاقه وتعليمه حرفة يكتسب منها بعد مغادرته السجن، وكذلك كي لا يعود الى مسرح الجريمة مرة اخرى فأذا ما غادر الجاني السجن بعد انتهاء محكوميته وقد عاد مرة ثانية وثالثة الى ارتكاب الجريمة فمن المنطقي جوز المشرع للمحكمة أن تشدد العقوبة على المتهم العائد([62]).

     أما فيما يتعلق بالجرائم الاقتصادية يتجلى الاختلاف في آثار العود بين كل من القانون العام وقانون العقوبات الاقتصادي، حقيقة يغلب أن تضاعف عقوبة الجريمة الاقتصادية في حالة العود، كما هو الشأن في القانون العام، ولكن في بعض الأحوال قد ينص على تشديد العقوبة لأكثر من الضعف أو الحكم بعقوبة تكميلية، أو على وجوب الحكم بهذه العقوبة التي تكون تخيرية في غير حالة العود، وقد يكون تطبيق العقوبة جزئياً أو مؤقتاً فيصبح كلية أو بصفة مستديمة في حالة العود، وفي حالات كثيرة ينص القانون على الحبس والغرامة ويختار القاضي أيهما، فإذا عاد المحكوم عليه إلى ارتكاب جريمة أخرى تطبيق العقوبتان([63]).

       ومن الأمثلة التشريعية على تشديد العقوبة من حيث مقدراها في حالة العود في الجرائم الاقتصادية ما جاء في نص المادة (20) من قانون قمع الغش والتدليس السوري حيث نصت على أنه (يعتبر عائدأ كل من حكم عليه تطبيقاً لهذا القانون وارتكب خلال السنة التي تلي التاريخ الذي أصبح فيه الحكم نهائي جنحة جديدة تقع تحت طائلة أحد نصوص هذا القانون، ويجب في حالة العود فيها عداً ما نص عليه في المادة (16) من هذا القانون تطبق عليه عقوبة الحبس فيها، وكذلك الإعلان المنصوص عليه في المادة (18) ولا يمنع ذلك الحكم من إغلاق المحل نهائياً على نفقة المحكوم عليه مع مصادرة جميع أدوات التجارة أو الصناعة)([64]).

       وقد نص المشرع المصري في قانون سوق رأس المال على عقوبة أو جزاء العود حيث نص في المدة (69) من القانون ذاته على أنه (يجوز فضلاً عن العقوبات المقررة للجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة، الحكم بالحرمان من مزاولة المهنة أو بحظر مزاولة النشاط الذي وقعت الجريمة بمناسبته، وذلك لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات، ويكون الحكم بذلك وجوبية في حالة العود). نلاحظ من خلال المادة سابقة الذكر ان المشرع المصري اعتبر عقوبة الحرمان من مزاولة المهنة أو حظر مزاولة المهنة جوازية من خلال ذكر عبارة يجوز في بداية نص هذه المادة، ولكن في حالة العود جعلها عقوبة تكميلية وجوبية ويستدل على ذلك من خلال عبارة ويكون الحكم بذلك وحوبية في حالة العود([65]).

     وفي الاتجاه ذاته سار مشرع الجنائي الفلسطيني في تشديد العقوبة في حالة العود الجرمي فعلى سبيل المثال نصت المادة (28) من قانون مزاولة مهنة تدقيق الحسابات حيث نصت على أنه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة مالية لا تزيد على 500 دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا، كل من زاول المهنة دون الحصول علي الرخصة المقررة بمقتضي أحكام هذا القانون أو زاول المهنة خلال مدة إيقاف رخصته أو بعد شطب اسمه من سجل المدققين المزاولين، وفي حالة العهد يعاقب بالعيشين مع)([66]).

المطلب الثاني : الظروف المعفية والمخففة للعقوبة في الجرائم الاقتصادية :

      لاحظنا في المطلب السابق بأن المشرع الجنائي قد نهج سياسة تشديد مقدار العقوبة وهذا هو السائد في الجرائم الاقتصادية وهذا ما نؤيده أو نميل إليه، وعلى الرغم من ذلك إلا أن المشرع قد تبنى خصوصية على مستوى تخفيف مقدار العقوية وهذا ما نلاحظه في الأعذار القانونية المعفية من العقاب، والأعذار المخففة للعقوبة .

       وعليه سوف نتحدث في هذا المطلب عن الأعذار القانونية المعفية من العقاب في الجرائم الاقتصادية الفرع الأول والأعذار المخففة العقوبة في الجرائم الاقتصادية الفرع الثاني، وقف تنفيذ العقوبة في الجرائم الاقتصادية الفرع الثالث، وذلك على النحو الآتي:

الفرع الأول : الأعذار القانونية المعفية من العقاب في الجرائم الاقتصادية :

      يقصد بها الأسباب التي تعفي المجرم من العقاب، على الرغم من بقاء الجريمة وقيام المسؤولية عنها. فهي تشبه موائع العقاب لأنها مثلها تعفي الفاعل من تحمل العقاب. ولا يجوز فرضها أو تطبيقها إلا بنص القانون وفي حالات محلده. وهناك آثار للأعذار المعفية من العقوبة فبالإضافة إلى رفع العقوبة عن الجاني، إلا أنه لا يستفيد بالإعفاء إلا من توافر فيه سبيه، فلا يستفيد به غيره من الفاعلين معه أو الشركاء وان الفاعل وإن رفعت عنه العقوبة يبقى مسؤولاً مدنياً عن الضرر الناتج عن فعله لذلك يشمل هذا الإعفاء العقوبات الأصلية والتبعية والتكميلية على السواء، أما المسؤولية المدنية لتعويض عن الضرر تبقى قائمة([67]).

      وفي الاتجاه ذاته سار المشرع العراقي في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 في المادة (128) حيث نصت على أن (إذا توافرت أعذار شخصية معفية من العقاب .... في حق أحد المساهمين فاعلاً او شريكاً في ارتكاب الجريمة فلا يتعدى أثرها إلى غير من تعلقت به). أما بالنسبة للتشريعات الاقتصادية وإن لم يكن هناك نص على ذلك يجب الرجوع الى القواعد العامة التي أجازت توقيع العقوبات التكميلية والتبعية الأخرى كما هو منصوص عليه في المادة سابقة الذكر. لكن نظرا لطبيعة الجرائم الاقتصادية وان كان هناك إعفاء لبعض العقوبات إلا أنه يجب أن لا يتم استبعاد بعضها الآخر، فعلى سبيل المثال كأن يقوم أحد الأشخاص بالتبليغ عن وجود جريمة أنتاج سلع أو مواد مخالفة للقانون في مصنع تجاري على الرغم من أنه شريك في هذا المصنع أو المحل هنا وان وجب إعفاء ذلك الشريك من الغرامة الجنائية أو الحبس أو العقوبتين معا إلا أنه لا يجوز إعفاءه من عقوبة أو جزاء غلق المنشأة أو المصنع إذا كان ذلك يضر بالمصلحة العامة، لأن هذا الأمر هنا يؤخذ به اعتبارات المصلحة العامة وليس المصلحة الشخصية وهي بذات الوقت تدابير تتطلبها سياسة العقاب على الجرائم لا يجوز أن يشملها العذر المحل من العقاب ويدخل في ذلك أيضأ سحب التراخيص والحكم بإزالة المخالفة والحكم بالتعويض وغيرها من الجزاءات غير الجنائية الأخرى([68]).

       وفي الاتجاه ذاته سار المشرع الأردني بالأخذ بالأعذار القانونية المعفية من العقاب في معظم التشريعات الاقتصادية كمبدأ عام فعلى سبيل المثال ما أخذ به المشرع الأردني في قانون الجرائم الاقتصادية رقم (11) لسنة 1993 في المادة (7) حيث نصت على أنه (يعفى من العقوبة المقررة للجرائم التي يكون محلها مالا عامة والمعاقب عليها وفقاً لأحكام هذا القانون كل من بادر من الشركاء من غير المحرضين على ارتكابها بتبليغ السلطات المختصة بالجريمة قبل اكتشافها وأدى هذا التبليغ إلى رد المال محل الجريمة). والحكمة التشريعية من هذه المادة أو من هذا الإعفاء، واضحة وجلية، إذ أن الإعفاء من العقوبة في مثل هذه الحالات يكون بمثابة مكافأة يقررها المشرع مقابل خدمة أداها مرتكب الفعل للمجتمع؛ لأنه كشف أمر الجريمة وأعان على القبض على من ساهم فيها وأدى إلى استرداد المال وعودته إلى خزينة الدولة، فهذا الإعفاء تشجيع لكل من ارتكب مثل هذه الجرائم على عدم المضي قدماً، وأن هناك سبيل للتوبة، وسبيل للإعفاء من العقوبة في الوقت ذاته، وهذا يكمن في إبلاغ السلطات عن الجريمة قبل اكتشافها، وهذا يعني أن هناك مجموعة من الشروط لا بد من توافرها حتى يتحقق الإعفاء من الجريمة، وهذه الشروط هي([69]):

  1. إخبار السلطات المختصة أو الاعتراف بالجريمة :- الأصل أن الاعتراف يعتبر من أهم الأدلة الجنائية ولا يؤثر في الصفة غير المشروعة للفعل، إلا أن السياسة الجنائية تقرر إعفاء المتهم من العقاب إذا اعترف بجريمته أو أبلغ عنها. ولكن يشترط هنا أن يكون الجاني هو الذي بادر بالإخبار، ويقصد بالمبادرة بالإخبار، السلوك الإرادي المنفرد الذي بمقتضاه أن يكون الجاني هو أول من بادر من الجناة بالإخبار. كما يستوي أن يكون الإخبار شفوية أو كتابة ولا يلزم أن يكون الإخبار هو الوسيلة لعلم الحكومة بالجريمة. فيتحقق سبب الإعفاء ولو كانت السلطات لديها معلومات عن الجريمة إلا أن التحقيق لم يبدأ بعد. ويشترط أيضأ للإعفاء من العقاب صور الإخبار قبل الشروع في التحقيق، والمقصود بالتحقيق في هذا الصدد ليس التحقيق القضائي بمعناه الضيق الذي يتولاه قاضي التحقيق، وإنما التحقيق بمعناه الواسع الذي يشمل إجراءات الاستدلال.
  2. أن يكون محل الجريمة مال عامة وفكرة المال العام من الأفكار التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام السياسي والاقتصادي السائد في الدولة، ومنعة لأي خلط أو اجتهاد في هذا الموضوع فقد قام المشرع العراقي بتعريف المال العام. وذلك في المادة (65) من قانون الجرائم الاقتصادية حيث نصت على أن (تشمل عبارة الأموال العامة لأغراض هذا القانون كل مال يكون مملوكة أو خاضعة لإدارة أي جهة من الجهات التالية أو لإشرافها : الوزارات والدوائر والمؤسسات الرسمية العامة، مجلسا الأعيان والنواب، البلديات والمجالس القروية ومجالس الخدمات المشتركة، النقابات والاتحادات والجمعيات والنوادي، البنوك والشركات المساهمة العامة ومؤسسات الإقراض المتخصصة، الأحزاب السياسية، أي جهة يتم رفد موازنتها أو أي جزء منها من موازنة الدولة، أو أي جهة ينص عليها القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة). وتطبيقا لهذا الشرط كأحد شروط الإعفاء من العقوبة، نصت المادة (7/أ) من القانون ذاته عليه يقولها (( يعفى من العقوبة المقررة للجرائم التي يكون محلها مالاً عاما...). نلاحظ من خلال نص المادة سابقة الذكر أن المشرع حصر تطبيق الإعفاء في الجرائم الاقتصادية إذا كان محل الجريمة مالأ عام، ويعود السبب في ذلك أن الجرائم الاقتصادية أيا كان نوعها تمس في الأصل الأموال العامة، لذا فإن تشجيع الجاني بوجود الإعفاء في مجال الجرائم الاقتصادية التي يكون محلها المال العام يكون له أثر كبير على حماية الاقتصاد الوطني؛ نظرا لطبيعة هذه الجرائم التي ترتكب بدافع الطمع والكسب غير المشروع، لذا أحسن المشرع الجنائي بأدخال هذا العذر المعفي من العقاب في مجال الجرائم الاقتصادية التي تعتبر جرائم اموال، وفي حال رجاع هذه الاموال يجب الحكم بعذر معفي من العقاب.
  3. تمكين السلطات القبض على الجناة، الإعفاء من العقاب هنا جوازي إذا حصل الإبلاغ بعد الشروع في التحقيق وأدى ذلك إلى القبض على الجناة. لذا لا يكفي مجرد الإعلام بأسماء الجناة الآخرين، بل يلزم أن يكون هذا الإخبار قد أدى إلى القبض أو سهل ذلك بالنسبة لغيره من مرتكبي الجريمة، وإذا عدل المعترف عن اعترافه بعد تسهيل القبض على باقي المجرمين فهذا العدول لا تأثير له، إذ ليس من مستلزمات الاعتراف في مثل هذه الحالة أن يصر عليه المعترف إلى النهاية، بل يكفي أن ينتج ثمرته وهي تسهيل القبض على باقي الجناة حتى ولو عدل عنه بعد ذلك. ولقد أخذ مشرعنا العراقي بذلك الشرط في المادة (59) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 حيث نصت على أنه (يعفى من العقوبات ....... كل من بادر بأخبار السلطات العامة بوجود اتفاق جنائي وعن المشتركين فيه قبل وقوع أية جريمة من الجرائم المتفق على ارتكابها وقبل قيام تلك السلطات بالبحث والاستقصاء عن اولئك الجناة،أما إذا حصل الأخبار بعد قيام تلك السلطات بذلك فلا يعفى من العقاب إلا إذا كان الأخبار قد سهل القبض على اولئك الجناة )، نلاحظ من خلال هذا النص أن المشرع العراقي جعل شرط الإعفاء من العقوبة بعد العلم بالجريمة هو تمكين السلطان من القبض على الجناة أو الحصول على الأموال، أما إذا لم يمكن من القبض على الجناة أو الحصول على المال فإن الإعفاء يكون هنا جوازية متروكة للمحكمة.
  4. أن يؤدي التبليغ إلى رد المال العام ، إن الهدف الأساسي هو الحفاظ على المال العام، فكيف لنا ألا نحكم بالعذر المحل إذا أدى التبليغ إلى إرجاع هذا المال العام، ولكن إذا لم يؤدي هذا التبليغ إلى إعادة المال العام، فلا مجال التطبيق العذر المحل هنا، ومثال ذلك أن يقوم بالإبلاغ بأن المال قد تم تهريبه من قبل أحد الشركاء إلى خارج البلاد ولم ينتج عن هذا الإبلاغ إعادة لهذا المال فلا نفع من ذلك ولا عذر محل يطبق على هذه الحالة. وهو ما نصت علية المادة (7) من قانون الجرائم الاقتصادية الأردني سابقة الذكر.أما بالنسبة للمشرع العراقي فقد أخذ بذلك الشرط في المادة (47) من قانون مكافحة غسيل الأموال رقم (39) لسنة 2015، حيث نصت على أنه (يعفى من العقوبة المنصوص عليها في هذا القانون كل من بادر بابلاغ اي سلطة مختصة بوجود اتفاق جنائي لأرتكاب جريمة غسل اموال وتمويل الارهاب وعن المشتركين فيه قبل وقوع الجريمة وقيام السلطات المختصة بالبحث والاستقصاء عن اولئك الجناة. وللمحكمة الأعفاء من العقوبة او تخفيفها اذا حصل البلاغ بعد وقوع الجريمة بشرط أن يسهل القبض على الجناة وضبط الأموال محل الجريمة). وهناك صورة أخري لرد المال الذي يعتبر سبب معفية من العقوبة ولكن يجب رده خلال مدة محددة وهو ما نصت علية المادة (27) من قانون العقوبات الاقتصادي السوري بقولها (يعفی من العقوبة من هرب أمواله قبل تاريخ صدور هذا المرسوم التشريعي إذا أعادها خلال ستة أشهر من تاريخ تحريك الدعوى بحقه)([70]).

 

الفرع الثاني : الأعذار القانونية المخففة من العقاب في الجرائم الاقتصادية :

        يقصد بها الظروف والدوافع التي ترافق الجريمة والتي من شانها العمل على تخفيف العقوبة المقررة على الجاني المتهم، وهذه الظروف والدوافع نص عليها المشرع في متن القانون حسب الحالات التي وردت فيها حتى لا يتم التوسع فيها أو التغاضي عنها. وهي على نوعين فإما أن تكون أعذار قانونية مخففة فيجب على القاضي أن يحكم بها متى توافرت، واما أن تكون أسباب مخففة تقديرية تترك لتقدير القاضي. ومن هذه الاعذار المخففة للعقوبة ما نصت علية المادة (409) من قانون القوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، على أنه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته او احد محارمه في حالة تلبسها بالزنا او وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال او قتل احدهما او اعتدى عليهما او على احدهما اعتداء افضى الى الموت او الى عاهة مستديمة....)، هذا في الوقت الذي أن القتل العمد كعاقب عليه بموجب المادة(405) بالسجن المؤبد أو المؤقت. وأعمال العذر المخفف ينصب على العقوبة الأصلية، ويمتد كذلك إلى العقوبة الفرعية ( التبعية ). ولكن العذر المخفف لا يؤثر كقاعدة عامة في العقوبة الإضافية التكميلية إذ هي مرتبطة بالجريمة التي لا تتغير أحكامها بالعذر. ومن تطبيقات الأعذار القانونية المخففة العامة عذر الاستفزاز ، وعذر الإصابة بعاهة عقلية. فمن كان حين اقتراف الفعل مصاباً بعاهة عقلية وراثية أو مكتسبة أنقصت قوة الوعي أو الاختيار في أعماله، يستفيد قانوناً من إبدال عقوبته أو تخفيضها على النحو المنصوص عليه قانونا. كما يعتبر عذرا مخففأ عامأ أيضأ صغر السن وحالة التسمم الناتجة عن قوة قاهرة أو حدث طارئ إذا أضعف وعي الفاعل أو إرادته إلى حد بعيد. لا يوجد في تشريعاتناً الاقتصادية ما ينص على مثل هذه الأعذار المخففة وهنا في حال عدم وجود نص يجب الرجوع إلى الأحكام العامة في ذلك([71]).

      ولا يوجد في التشريعات الاقتصادية ما ينص على مثل هذه الاعذار المخففة وهنا في حالة عدم وجود نص يجب الرجوع الى الاحكام العامة في ذلك، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود أعذار خاصة في نطاق الجرائم الاقتصادية، فقانون غسيل الاموال العراقي رقم (39) لسنة 2015 الذي نصت فيه المادة (47) على أنه (يعفى من العقوبة المنصوص عليها في هذا القانون........ او تخفيفها اذا حصل البلاغ بعد وقوع الجريمة بشرط أن يسهل القبض على الجناة وضبط الأموال محل الجريمة) ،كما يعتبر عذر قانونية مخففة كذلك إذا كان الضرر الناتج عن الجريمة أو النفع الذي قصد الفاعل الحصول عليه تافهاً مثل تفاهة المال الذي تم الحصول علية بارتكاب الجريمة. وكذلك في حالة ما إذا قام الجاني بإزالة الضرر كله قبل إحالة الدعوى إلى المحكمة، وذلك برد المال موضوع الجريمة إلى صاحبه، وتعويضه عن الضرر الناجم عن الاستيلاء على هذا المال([72]).

       يمكن القول أن عدم تخفيف العقوبة إذا ارتكبت الجريمة بباعث دنيء هو ما نميل إليه ، إذ ليس العبرة بمقدار الهدف الذي حصل عليه الجاني من ارتكاب الجريمة، ولكن العبرة هنا بالنية أو الإرادة ذاتها والتي تعتبر في تلك المقام معبرة عن خطورة إجرامية كامنة في نفس المجرم، فعلی سبيل المثال جريمتي الاختلاس والرشوة باعتبارهما من الجرائم الاقتصادية، فإذا ارتكبت جريمة اختلاس أو رشوة وكان المال المتحصل منها النية فلا عبرة لذلك في تخفيف العقوبة بل يجب معاقبة الجاني عن جريمة مكتملة لجميع أركانها، وخاصة أن هذا النوع من الجرائم تشكل خطرة كبيراً على اقتصاد الدولة مما يستجوب تشديد العقاب عليها ونأمل من المشرع العراقي أن يضع نصاً خاصاً يعتبر فيه ارتكاب الجريمة بباعث دنيء ظرفاً مشدداً في حال إقرار قانون خاص بالجرائم الاقتصادية.

      اما عن سبب التخفيف العقوبة في الجرائم الاقتصادية فقد يجد القاضي الجنائي في الدعوة التي ينظرها أن ظروف الجريمة أو المجرم تستدعي الرأفة و تخفيف العقاب إما بالنزول عن الحد الأدنى المقرر قانونا واما بالاستعاضة بعقوبة أخف، ويلجى القاضي إلى ذلك بمقتضي سلطة يخولها المشرع له بنص خاص، وقرر المشرع ذلك بالنسبة للجنايات والجنح دون المخالفات؛ لأن الحد الأدنى لعقوبتي الحجز والغرامة في المخالفات غاية في التخفيف ولا تلتزم المحكمة ببيان موجبات الرأفة، بل يكفي أن تقول في حكمها أن هناك ظروف مخففة وتشير إلى النص الذي تستند إليه في تقدير العقوبة([73]).

      ويترتب على الأسباب المخففة للعقوبة تغيير من طبيعة الجريمة فتجعلها جنحة بدلا من جناية، وليس المحكمة وهي تستعمل الرأفة أي سلطة في حق العقوبات التبعية كالحرمان من الحقوق أو تخفيفها، غير أن الأسباب المخففة يجوز أن يكون لها تأثير مباشر على العقوبات التبعية، فإذا استبدل القاضي بعقوبة الجناية عقوبة الجنحة، وحكم بالحبس بدلا من السجن أو الأشغال الشاقة فأن المحكوم عليه لا يحرم من الحقوق والمزايا التي كان يحرمها حتما لو أن القاضي حكم بعقوبة الجناية ولم يرى استعمال الأسباب المخففة. أما بالنسبة لتأثيرها على العقوبات التكميلية فيجب التفرقة في هذا الخصوص بین العقوبات التكميلية الاختيارية والعقوبات التكميلية الوجوبية فبالنسبة للعقوبات التكميلية الاختيارية فالقاضي حر بالحكم بها أو باستبعادها، غير أنه إذا حكم بها ليس له أن يخفض من مدتها أو مقدارها، أما بالنسبة للعقوبات التكميلية الوجوبية كالرد والغرامة فيجب على القاضي أن يحكم بها كما هي واردة في القانون ولا يجوز له أن يعفي منها أو ينقص من مدتها أو مقدارها([74]).

     أما في نطاق الجرائم الاقتصادية، فإن التشريعات شبه مجمعة على عدم الأخذ بها لطبيعة هذه الجرائم وآثارها السلبية على الاقتصاد الوطني، بل تراها تنص صراحة بالحظر على المحاكم تطبيق الأسباب المخففة ومن الأمثلة التشريعية الاقتصادية التي تنص على حظر الأخذ بالأسباب المخففة التقديرية ما جاء في نص المادة (4/ج) من قانون الجرائم الاقتصادية الأردني والتي نصت بقولها (لا يجوز للمحكمة استعمال الأسباب المخففة التقديرية لتنزيل العقوبة عن الحد الأدنى المقرر اني من الجرائم المنصوص عليها في المادة (3) من هذا القانون)([75]).

      أما بالنسبة للمشرع العراقي حيث لا يوجد هناك أي نص في التشريعات الاقتصادية العراقية يمنع الأخذ بالأسباب المخففة التقديرية وهنا يتم الرجوع إلى الأحكام العامة في ذلك، لكن نأمل من المشرع في حال إقرار قانون خاص بالجرائم الاقتصادية أن يأخذ بما جاء به المشرع الأردني في نص المادة سابقة الذكر بأن ينص صراحة على عدم الأخذ بالأسباب المخففة التقديرية حتى لا يدع مجالا للرجوع إلى الأحكام العامة في ذلك الشأن([76]) .

الخاتمة

اولاً : الخلاصة

     بعد ان انتهينا من بحثنا الموسوم دور التشريعات الجنائية العراقية في الجرائم الاقتصادية فقد توصلنا إلى جملة من النتائج والتوصيات لعل من أهمها ما يأتي :

  1. أن من أهم الأسباب وراء تنامي الجريمة الاقتصادية في العراق هي التحولات المجتمعية وسياسات الإصلاح وما صاحبها من الإفراط التشريعي وارتجالية القرارات وتدني الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العراق والتراجع الوظيفي لدور الدول والحكومات في إدارة النشاط الاقتصادي وتوجيهه وضعف دور مؤسسات المجتمع المدني وتهميشها . كذلك تزايد الفوارق الطبقية وضعف التوجيه الديني وأساليب التنشئة الاجتماعية والسياسية والدينية.
  2. كما أظهرت الدراسة أن المناخ الاقتصادي والسياسي قد ساهم في تنامي الجريمة الاقتصادية في العراق بالإضافة إلى ظهور التحالفات بين القيادات السياسية وجماعات الإجرام المنظم مع قصور النظم والقوانين المحلية في مكافحة هذا النوع من الجرائم، ، ليس ذلك فحسب بل ساهمت عملية تحرير التجارة الدولية وانفتاح العراق على أسواق المال العالمية في سهولة انتقال الأموال وعناصر الإنتاج لسهولة ارتكاب هذه الجرائم وصعوبة تحقق من مرتكبها.
  3. أن المسؤولية الجنائية للجريمة الاقتصادية في صورة العمد، العلم بالوقائع فيها كعنصر من عناصر القصد الجنائي - مفترض، والعلة في ذلك ترجع الى صعوبة اثباته في هذه الجرائم، وبالتالي فأن هذا الافتراض سوف يخفف العبء عن كل المحاكم الجزائية لان عبء الاثبات سيلقى على عاتق المتهم، كما وان هذا الافتراض سيسهم في تحقيق الردع العام والردع الخاص عندما سيعلم مرتكب الجريمة والجمهور بأن أحد الأشخاص قد ادين لمجرد ارتكاب الفعل المحظور، وهذا كله من شانه الارتقاء بمستوى العناية و الحفاظ على الصالح العام وتفادي الدفوع غير الجدية التي كثيرا ما يتفنن في اختلاقها المتهمون، ولكن بالقابل أن هذا الافتراض كما رأينا يصطدم بمبدأ قرينة البراءة لذلك فضلنا اللجوء الى استخلاص العلم بدلا من افتراضه لتفادي هذه العقبة .
  4. اما بالنسبة للعلم بالقوانين الجزائية الاقتصادية فهو مفترض أيضا كغيره من القوانين الجزائية الاخرى وبقرينة غير قابلة لإثبات العكس ولكن هذا كما رأينا لا يتناسب مع طبيعة الجريمة الاقتصادية المتنوعة والمتجددة اذ ليس من العدالة ان يعاقب شخص ارتكب جريمة يتعذر معها العلم بأنه يخالف قانونا.
  5. تتنوع الجزاءات الجنائية في الجرائم الاقتصادية من حيث تفوق كما ونوعاً الجزاءات المفروضة في الجرائم العادية الأمر الذي يقودنا إلى القول بعدم التقيد بالعقوبات التقليدية الموجودة في قانون العقوبات القسم العام، ويرجع ذلك التنوع إلى خطورة هذه الجرائم على الاقتصاد الوطني العراقي الأمر الذي يحتم تنوع هذه الجزاءات حتى تكون قادرة على مواجهة أي اعتداء على ذلك الاقتصاد. وتختلف أنواع هذه الجزاءات من جريمة إلى أخرى فالجزاءات المفروضة ليست واحدة لكل جريمة اقتصادية وإنما تختلف تبعا لنوع الجريمة وطبيعتها، فهناك جزاءات مقيدة أو سالبة للحرية وجزاءات مالية كالمصادرة والغرامة الجنائية والغرامات النسبية وجزاءات ماسة بالحقوق كجزاء غلق المحل والمنع من ممارسة المهن والوظائف ونشر وتعليق الأحكام .
  6. اعتبار الجرائم الاقتصادية من قبيل الجرائم المادية إذ لا يعتد بالركن المعنوي في تشديد العقوبة أو تخفيفها حيث ساوى المشرع بين الجرائم العمدية أو تلك التي ترتكب بطريق الخطأ أو الإهمال أو قلة الاحتراز، كذلك شددت العقوبة إذا حدث عن ارتكاب الجريمة الاقتصادية نتائج ضارة وفي الوقت ذاته عاقبت عليها دون انتظار لتحقق النتيجة بوصف الجرائم الاقتصادية من جرائم الخطر.
  7. فيما يتعلق بالظروف المعفية للعقوبة في الجرائم الاقتصادية اشترط المشرع شروطأ معينة للإعفاء من المسؤولية الجزائية، أما بالنسبة للمسؤولية المدنية فتبقى قائمة ولا يجوز الإعفاء فيها، وكذلك الأمر بالنسبة للظروف المخففة للعقوبة في الجرائم الاقتصادية اشترط المشرع

شروطا خاصة لكي يتم أعمالها، مع استبعاد المشرع الظروف المخففة التقديرية بشكل كامل في نطاق الجرائم الاقتصادية.

ثانيا : التوصيات :

وفي ختام هذه الدراسة فإنه من المفيد أن أتقدم ببعض التوصيات، آملا من مشرع العراقي مراعاتها ومنها:

  1. سن قانون عقوبات اقتصادي خاص بالجرائم الاقتصادية في العراق يضم أنواع هذه الجرائم ووضع أحكام وتطبيقات خاصة له، والعمل على جعله قانوناً متطوراً يشمل تطبيقه على الجرائم التي تقع داخل الدولة، والتي تقع في الخارج على اعتبار أن هنالك جرائم اقتصادية عابره الحدود.
  2. إنشاء محاكم اقتصادية للنظر في جميع الجرائم الاقتصادية في العراق، والاهتمام بالقاضي ورفع كفاءته بالشكل الذي يجعله قادرا على تحقيق العدالة، وذلك عن طريق تأهيل قضاة مختصين وتدريبهم على التعامل مع الجرائم الاقتصادية.
  3. الإبقاء على العقوبات السالبة للحرية وليس فقط التركيز على العقوبات المالية أو المدنية والإدارية والاقتصادية والتأديبية، والقول بالتقليل من دور العقوبات السالبة للحرية وعلى الأخص عقوبة الحبس قصير المدة، فإن ذلك يفقد قانون العقوبات الاقتصادية القيمة الردعية له خاصة أن بعض مرتكبي الجرائم الاقتصادية لا يهابون دفع الغرامات أو التعويضات مهما بلغت قيمتها في سبيل ردعهم، لذا يجب الإبقاء عليها.
  4. عدم التقيد بمقدار الغرامة كما هو وارد في بعض نصوص الجرائم الاقتصادية بالحد الادني والحد الأعلى لها، بل يجب تقديرها على أساس كل جريمة وما تشكله من خطر وضرر على اقتصاد الدولة، كذلك يجب مراعاة ظروف مرتكب الجريمة من حيث امكانية دفعه لهذه الغرامة حيث أن هناك بعض الغرامات تكون مرتفعة جدا، وإذا تم تقسيطها على مرتكب الجريمة، سيبقى طول حياته يدفع أقساطأ للدولة نتيجة الغرامة المحكوم بها عليه؛ الأمر الذي يدفعه إلى ارتكاب جرائم أخرى من أجل تأمين القسط ادفع هذه الغرامة، ذلك عدا عن الجزاءات الاقتصادية والمدنية والإدارية والتأديبية التي تفرض عليه. لذا فالغرامات المرتفعة لا تؤدي إلى حل مشكلة بل تؤدي إلى تعقيدها في بعض الأحيان، الأمر الذي يدفعنا إلى القول بضرورة إعمال قاعدة تناسب الغرامة مع طبيعة الجريمة وخطرها ، وعلى العكس من ذلك قد نحتاج إلى فرض غرامات مرتفعة خاصة إذا كان مرتكب الجريمة شخص معنوية، لذا فإن إعمال قاعدة التناسب ضرورة تتطلبه السياسة العقابية الحديثة.
  5. النظر إلى العقوبة في الجرائم الاقتصادية ليس فقط من حيث شدتها وقسوتها بل يجب البحث في مدى فعاليتها في تحقيق الردع العام والردع الخاص، ويكون ذلك من خلال الإحاطة بمجموعة من الضمانات تكفل عدم عودة مرتكب الجريمة الاقتصادية الى ارتكاب جرائم أخرى، كأن يتم إخبار مرتكب الجريمة الاقتصادية بالجزاء الذي سيقع عليه في حالة العود أي إخباره بالعقوبات التي ستقع عليه إذا عاد إلى ارتكاب الجريمة مرة أخرى، ويكون ذلك من خلال القضاء نفسه أو من خلال كوادر أمنية متخصصة في ذلك، ويكون عن طريق عقد دورات توجيه وتوعية وتبصير للمجرم من خلال لجان متخصصة بهذا الشأن.
  6. عقد مؤتمرات دورية تقوم على أساس التوعية والتوجيه ونشر التعاميم عن طريق لجان مختصة بمكافحة الجرائم الاقتصادية والاتصال مع التجار الذين تربطهم علاقة قوية بتلك القوانين، إذ أن هذه القوانين يصعب الإلمام بها لأنها متطورة وعرضه للتغيير والتبديل باستمرار، ويعتبر هذا الأسلوب وسيلة لمكافحة هذه الجرائم اذ لا يستطيع أي شخص أن يدفع بعدم العلم بجزاء مخالفة القوانين الاقتصادية، الأمر الذي يجعل عليه رقابة دائمة من خلال تلك اللجان .

لقد قدمنا بحثاً متواضع عن دور التشريعات الجنائية العراقية في الجرائم الاقتصادية ، آملين أن نكون قد أضفنا شيئا جديداً للقانون.

  

المصادر

1.الكتب :

  1. احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، ج1، القاهرة، دار النهضة العربية،1981.
  2. أنور محمد صدقي المساعدة، المسؤولية الجزائية عن الجرائم الاقتصادية. دار الثقافة للنشر والتوزيع ، ۲۰۰۷.
  3. ايهاب عبد المطلب، العقوبات الجنائية في ضوء الفقه والقضاء، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، ط1، 2009.
  4. جمال ابراهيم الحيدري، أحكام المسؤولية الجزائية، مكتبة السنهوري، بغداد، ط1، 2010، ص 76-80.
  5. جمال عبد الباقي الصغير، النظرية العامة للعقوبة، دار النهضة العربية، القاهرة، ط٢، ١٩٩٧.
  6. رمسيس بهنام، النظرية العامة للقانون الجنائي، الطبعة الثالثة، منشأة المعارف، مصر، 1997.
  7. عالية سمير ، المدخل لدراسة الجرائم الاعمال المالية والتجارة دراسة مقارنة، المؤسسة الجامعة للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت، ط٢، ٢٠٠٨.
  8. عبد الرؤوف مهدي، شرح القواعد العامة لقانون العقوبات- الجريمة المسؤولية، جامعة المنصورة، القاهرة، دط، 1983
  9. عبود السراج، شرح قانون العقوبات الاقتصادي في التشريع السوري والمقارن، مطبعة طربين، دمشق، دط، 1986.
  • العريان محمد علی ، عملیات غسيل الأموال وآليات مكافحتها، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2009.
  • علي حسين الخلف، د. سلطان الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، مطابع الرسالة، الكويت، 1982.
  • علي عبد القادر القهوجي، قانون العقوبات، الدار الجامعية، بيروت، 1994.
  • فخر عبد الرزاق الحديثي ، أصول الاجراءات في الجرائم الاقتصادية . بغداد . ۱۹۸۷ .
  • ..............................، قانون القوبات الاقتصادية، ط٢، بغداد،١٩٨٦.
  • ..............................، شرح قانون العقوبات، القسم العام، مطبعة الزمان، بغداد، 1992.
  • القاضي جلال هاشم طبانه، الجرائم الاقتصادية في التشريع العراقي والظروف المشددة لها، مطعبة السنهوري ، ط1، 2015.
  • ماهر عبد شويش، الأحكام العامة في قانون العقوبات، القسم العام، الموصل، دار الحكمة للطباعة، 1990.
  • محسن ناجي، الاحكام العامة في قانون العقوبات، شرح على متون النصوص الجزائية، ط1، 1974.
  • محمد سليمان حسن، الصلح وأثره على الجريمة الاقتصادية، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، 2007.
  • محمد عبد العزيز محمد السيد الشريف ، مدى ملاءمة الجزاءات الجنائية الاقتصادية، دار النهضة العربية، ط2، القاهرة، 2006-2007.
  • محمود محمود مصطفى، الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن الجزء الأول، الأحكام العامّة والإجراءات الجزائية، دار ومطابع الشعب، ط1، 1979.
  • محمود نجيب حسني، النظرية العامة للقصد الجنائي- دراسة تأصيلية مقارنة للركن المعنوي، دار النهضة العربية، الطبة الثالثة، القاهرة، 1988.
  • مصطفى العوجي، المسؤولية الجنائية في المؤسسة الاقتصادية، مؤسسة نوفل، بيروت، الطبعة الاولى، 1982.
  • منصور القديدي جراي، خصائص الجريمة الاقتصادية، مذكرة تخرج المعهد الأعلى للقضاء، تونس السنة الجامعية، 2008.
  • نائل عبد الرحمن صالح، الجرائم الاقتصادية في التشريع الأردني، دار الفكر للنشر، ، عمان، ط 1، ج1 ، 1990.
  • هشام ابو الفتوح، النظرية العامة للظروف المشدد دراسة في القانون المصري المقارن والشريعة الاسلامية الغراء، الهيئة العامة للكتاب، ط٢، ١٩٨٢.

2.الابحاث :

  1. ابراهيم علي محمد علي، الاثار الاقتصادية لجريمة غسيل الاموال ودور القوانين العقابية في مكافحتها، بحث منشور في مجلة تكريت للعلوم الادارية والاقتصادية، ٢٠١٣.
  2. رضا عبد السلام، المحددات الاقتصادية للجريمة، مجلة الحقوق، البحرين ، العدد الأول، 2011.
  3. كريم سلمان اسود التميمي، المسؤولية عن النتيجة المتجاوزة في قانون العقوبات العراقي، بجث منشور في مجلة كلية مدينة العلم الجامعة، 2014.

3.الرسائل والاطاريح :

  1. اميل جبار عاشور، المسؤولية الجنائية عن تلويث الهواء في العراق، اطروحة دكتوراه ، جامعة اوتارا المالزية، 2017.
  2. عبد الرؤوف مهدي ، المسؤولية الجنائية عن الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن ، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة 1974.
  3. عبد اللطيف عبد الجبار، الجرائم الاقتصادية في التشريع العراقي، رسالة ماجستير ، جامعة بغداد، ١٩٧٧.
  4. القوانين :
  5. قانون الاثار العراقي رقم (59) لسنة 1936المعدل.
  6. قانون البنك المركزي العراقي رقم 64 لسنة 1976.
  7. قانون الجرائم الاقتصادية رقم (11) لسنة 1993.
  8. قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969.
  9. قانون الغابات العراقي رقم رقم (75) لسنة 1955.
  10. قانون الكمارك العراقي رقم (23) لسنة 1984.
  11. قانون تنظيم التجارة الداخلية والخارجية العراقي رقم (۲۰) لسنة ۱۹۷۰.
  12. قانون تنظيم الخدمات الصناعية رقم (۱۳۰) لسنة ۲۰۰۰.
  13. قانون حماية وتنمية الانتاج الزراعي رقم (71) لسنة ۱۹۷۸.
  • قانون رسم الموازين والمقاييس والمكاييل التجارية رقم (42)لسنة ۱۹۷۸.
  • قانون ضريبة الدخل العراقي رقم (۱۱۳) السنة ۱۹۸۲.
  • قانون مزاولة مهنة الصيدلة والاتجار بالأدوية والمواد السامة رقم (33) لسنة ۱۹51.
  • قانون مكافحة غسيل الأموال رقم (39) لسنة 2015.

4.المواقع الالكترونية :

  1. رامي يوسف محمد، المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جرائم الاقتصادية، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطني في نابلس، وقت الزيارة 1/5/2018، منشورة في الموقع الالكتروني ، https://www.scholar.najah.edu/sites/default/files/all-thesis/the_penal_responsibility.

2 . مراد زياد امين تيم ،جزاء الجريمة الاقتصادية، رسالة ماجستير ، كلية الدراسات العليا في

    جامعـــة النجاح الوطـــني في نابلس، وقت الزيارة 1/5/2018، منشورة في الموقع الالكتروني،  https://www.scholar.najah.edu/sites/default/files/all-thesis/the_      penalties _ in_economical_crimes.pdf.

 

 

([1]) د. محمد عبد العزيز محمد السيد الشريف ، مدى ملاءمة الجزاءات الجنائية الاقتصادية، دار النهضة العربية، ط2، القاهرة، 2006-2007، ص2.

 

 

([2]) د. محمد سليمان حسن، الصلح وأثره على الجريمة الاقتصادية، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، 2007، ص3 3.

 

 

([3]) د. أنور محمد صدقي المساعدة، المسؤولية الجزائية عن الجرائم الاقتصادية. دار الثقافة للنشر والتوزيع ، ۲۰۰۷، ص94.

 

 

([4]) د. فخر عبد الرزاق الحديثي . أصول الاجراءات في الجرائم الاقتصادية . بغداد . ۱۹۸۷ . ص6.

 

 

([5]) د. محمود محمود مصطفى، الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن الجزء الأول، الأحكام العامّة والإجراءات الجزائية، دار ومطابع الشعب، ط1، 1979، ص 8.

 

 

([6]) د. مصطفى العوجي : المسؤولية الجنائية في المؤسسة الاقتصادية، مؤسسة نوفل، بيروت، الطبعة الاولى، 1982 ، ص49.

 

 

([7]) د. محمد عبد العزيز محمد السيد الشريف ، مدى ملاءمة الجزاءات الجنائية الاقتصادية، المصدر السابق، ص6.

 

 

([8]) د. فخر عبد الرزاق الحديثي، أصول الاجراءات في الجرائم الاقتصادية ، المصدر السابق . ص7.

 

 

([9]) د. محمد عبد العزيز محمد السيد الشريف ، مدى ملاءمة الجزاءات الجنائية الاقتصادية، المصدر السابق، ص9.

 

 

([10]) د. منصور القديدي جراي، خصائص الجريمة الاقتصادية، مذكرة تخرج المعهد الأعلى للقضاء، تونس السنة الجامعية2001 - ٢٠٠٠، ص2.

 

 

([11]) د. محمود محمود مصطفى، الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن، المصدر السايق، ص 10.

 

 

([12]) القاضي جلال هاشم طبانه، الجرائم الاقتصادية في التشريع العراقي والظروف المشددة لها، مطعبة السنهوري ، ط1،2015، ص 27.

 

 

([13]) قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.

 

 

([14]) القاضي جلال هاشم طبانه، الجرائم الاقتصادية في التشريع العراقي والظروف المشددة لها، المصدر السابق، ص63-65.

 

 

([15]) المصدر السابق، ص 67-69.

 

 

([16]) قانون التنظيم التجارة رقم 20 لسنة 1970 المعدل.

 

 

([17]) عبد الرؤوف مهدي ، المسؤولية الجنائية عن الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن،رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة1974، ص ١٧.

 

 

([18]) القاضي جلال هاشم طبانه، الجرائم الاقتصادية في التشريع العراقي والظروف المشددة لها، المصدر السابق، ص87-95.

 

 

([19]) العريان محمد علی ، عملیات غسيل الأموال وآليات مكافحتها، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2009، ص46.

 

 

([20]) د. اميل جبار عاشور، المسؤولية الجنائية عن تلويث الهواء في العراق، اطروحة دكتوراه ، جامعة اوتارا المالزية، 2017، ص78.

 

 

([21]) قانون الكمارك رقم ۲۲ لسنة ۱۹۸4.

 

 

([22]) د. رضا عبد السلام، المحددات الاقتصادية للجريمة، مجلة الحقوق، البحرين ، العدد الأول، ص13.

 

 

([23]) رامي يوسف محمد، المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جرائم الاقتصادية، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطني في نابلس، وقت الزيارة 1/5/2018، منشورة في الموقع الالكتروني https://www.scholar.najah.edu/sites/default/files/all-thesis/the_penal_responsibility.

 

 

([24]) د. أنور محمد صدقي المساعدة، المسؤولية الجزائية عن الجرائم الاقتصادية، المصدر السابق، ص98.

 

 

([25]) نقض مصري ۱۳/ ۱۹۹۹ مجموعة احكام النقض، س ۲۰، ع 1. ص 56.

 

 

([26]) قانون رسم الموازين والمقاييس والمكاييل التجارية العراقي رقم 42 لسنة ۱۹۷۸.

 

 

([27]) قانون الكمارك العراقي رقم 23 لسنة 1984.

 

 

([28]) قانون الغابات العراقي رقم رقم 75 لسنة 1955.

 

 

([29]) قانون تنظيم التجارة الداخلية والخارجية العراقي رقم ۲۰ لسنة ۱۹۷۰.

 

 

([30]) قرار رقم ۷۰ كمارك / 1964 في 1 / 7/ ۱۹۷4، قضاء محكمة تمييز العراق، المجلد الثاني ، مطبعة الادارة المحلية، بغداد ،۱۹۹۸.

 

 

([31]) د. عبد الرؤوف مهدي، شرح القواعد العامة لقانون العقوبات- الجريمة المسؤولية، جامعة المنصورة، القاهرة، دط، 1983، ص55.

 

 

([32]) د. محمود نجيب حسني، النظرية العامة للقصد الجنائي- دراسة تأصيلية مقارنة للركن المعنوي، دار النهضة العربية، الطبة الثالثة، القاهرة، 1988، ص 78.

 

 

([33]) د. رمسيس بهنام، النظرية العامة للقانون الجنائي، الطبعة الثالثة، منشأة المعارف، مصر، 1997، ص 922.

 

 

([34]) عبد اللطيف عبد الجبار، الجرائم الاقتصادية في التشريع العراقي، رسالة ماجستير ، جامعة بغداد، ١٩٧٧، ص ٦٤.

 

 

([35]) المصدر اعلاه، ص 117.

 

 

([36]) ومن هذه التشريعات قانون العقوبات السويسري فقد نصت المادة ۲۰ على انه ( يجوز أن تخفف العقوبة وفقا لتقدير القاضي بالنسبة لمن ارتكب جناية او جنحة معتقدا بناءً على اسباب كافية أن من حقة اتیان فعله )، وقانون العقوبات اليوغسلافي أذ نصت المادة ۱۰ منة على انه (للمحكمة أن تخفف العقوبة التي توقعها على مرتكب جريمة جهله ، لاسباب تبرر ذلك ، الصفة غير المشروعة لفعله ولها إن تعفية كذلك من العقوبة اطلاقا ) ، انظر: د. محمود نجيب حسني ، النظرية العامة للقصد الجنائي،  المرجع السابق . ص ۱۷5.

 

 

([37]) د. أنور محمد صدقي المساعدة، المسؤولية الجزائية عن الجرائم الاقتصادية، المصدر السابق، ص 222-229.

 

 

([38])Jean pradel، Droit pénal général، traité de droit pénal et de science criminelle comparée، Tome1، 12em édition، cujas، 1999، Paris، p 369 .

 

 

([39]) د.علي عبد القادر القهوجي، قانون العقوبات، الدار الجامعية، بيروت، 1994، ص215-217.

 

 

([40]) القاضي جلال هاشم طبانه،  الجرائم الاقتصادية في التشريع العراقي والظروف المشددة لها، المصدر السابق، ص 33.

 

 

([41]) عبد اللطيف عبد الجبار، الجرائم الاقتصادية في التشريع العراقي، المصدر السابق، ص ٦9.

 

 

([42]) قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.

 

 

([43]) قانون تنظيم التجارة العراقي رقم ۲۰ لسنة ۱۹۷۰.

 

 

([44]) د. كريم سلمان اسود التميمي، المسؤولية عن النتيجة المتجاوزة في قانون العقوبات العراقي، بجث منشور في مجلة كلية مدينة العلم الجامعة، 2014، ص 5-7.

 

 

([45]) د. جمال ابراهيم الحيدري، أحكام المسؤولية الجزائية، مكتبة السنهوري، بغداد، ط1، 2010، ص 76-80.

 

 

([46]) د.علي حسين الخلف،د.سلطان الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات،مطابع الرسالة،الكويت، 1982، 233-238.

 

 

([47]) عبد اللطيف عبد الجبار، الجرائم الاقتصادية في التشريع العراقي، المصدر السابق، ص 74-78.

 

 

([48]) مراد زياد امين تيم ،جزاء الجريمة الاقتصادية، رسالة ماجستير ، كلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطني في نابلس، وقت الزيارة 1/5/2018، منشورة في الموقع الالكتروني، https://www.scholar.najah.edu/sites/default/files/allthesis/the_penalties_in_economical_crimes.pdf.

 

 

([49]) د.جمال عبد الباقي الصغير، النظرية العامة للعقوبة، دار النهضة العربية، القاهرة، ط٢، ١٩٩٧، ص ٤٤-٥٦.

 

 

([50]) د. فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات، القسم العام، مطبعة الزمان، بغداد، 1992، ص 55.

 

 

([51]) د. ماهر عبد شويش، الأحكام العامة في قانون العقوبات، القسم العام، الموصل، دار الحكمة للطباعة، 1990، ص 67.

 

 

([52]) د. هشام ابو الفتوح، النظرية العامة للظروف المشدد دراسة في القانون المصري المقارن والشريعة الاسلامية الغراء، الهيئة العامة للكتاب، ط٢، ١٩٨٢، ص٩٨.

 

 

([53]) د. فخري عبد الرزاق الحديثي، قانون القوبات الاقتصادية، ط٢، بغداد،١٩٨٦، ص٦9.

 

 

([54]) القاضي جلال هاشم طبانه، الجرائم الاقتصادية في التشريع العراقي والظروف المشددة لها، المصدر السابق،ص 67-95.

 

 

([55]) د. احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، ج1، القاهرة، دار النهضة العربية،1981، ص 49.

 

 

([56]) رامي يوسف محمد، المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن جرائم الاقتصادية، المصدر السابق، ص 49.

 

 

([57]) د. ايهاب عبد المطلب، العقوبات الجنائية في ضوء الفقه والقضاء، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، ط1، 2009، ص174.

 

 

([58]) د. أنور محمد صدقي المساعدة، المسؤولية الجزائية عن الجرائم الاقتصادية. المصدر السابق، ص 190.

 

 

([59]) د. محسن ناجي، الاحكام العامة في قانون العقوبات، شرح على متون النصوص الجزائية، ط1، 1974، ص263.

 

 

([60]) د. عالية سمير ، المدخل لدراسة الجرائم الاعمال المالية والتجارة دراسة مقارنة، المؤسسة الجامعة للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت، ط٢، ٢٠٠٨، ص٦.

 

 

([61]) القاضي جلال هاشم طبانه،الجرائم الاقتصادية في التشريع العراقي والظروف المشددة لها، المصدر السابق، ص 68-77.

 

 

([62]) د. علي حسين الخلف، د. سلطان الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، المصدر السابق، ص 448.

 

 

([63]) د. نائل عبد الرحمن صالح، الجرائم الاقتصادية في التشريع الأردني، دار الفكر للنشر، 1990، عمان، ط 1، ج 1، ص186.

 

 

([64]) د. أنور محمد صدقي المساعدة، المسؤولية الجزائية عن الجرائم الاقتصادية، المصدر السابق، ص308.

 

 

([65]) د. نائل عبد الرحمن صالح، الجرائم الاقتصادية في التشريع الأردني، المصدر السابق، ص 188.

 

 

([66]) د. عبود السراج، شرح قانون العقوبات الاقتصادي في التشريع السوري والمقارن، مطبعة طربين، دمشق، دط، 1986،ص150.

 

 

([67]) د. محسن ناجي، الاحكام العامة في قانون العقوبات، المصدر السابق، ص266.

 

 

([68])القاضي جلال هاشم طبانه،  الجرائم الاقتصادية في التشريع العراقي والظروف المشددة لها، المصدر السابق، ص 133.

 

 

([69]) د. أنور محمد صدقي المساعدة، المسؤولية الجزائية عن الجرائم الاقتصادية، المصدر السابق، ص313.

 

 

([70]) المصدر اعلاه، 316.

 

 

([71]) د. علي حسين الخلف، د. سلطان الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، المصدر السابق، ص 454.

 

 

([72]) ابراهيم  علي محمد علي، الاثار الاقتصادية لجريمة غسيل الاموال ودور القوانين العقابية في مكافحتها، بحث منشور في مجلة تكريت للعلوم الادارية والاقتصادية، ٢٠١٣، ص ٥.

 

 

([73]) د. أنور محمد صدقي المساعدة، المسؤولية الجزائية عن الجرائم الاقتصادية، المصدر السابق، ص314.

 

 

([74]) د. علي حسين الخلف، د. سلطان الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، المصدر السابق، ص 454.

 

 

([75]) د. عبود السراج، شرح قانون العقوبات الاقتصادي في التشريع السوري والمقارن، المصدر السايق،ص 220.

 

 

([76]) عبد اللطيف عبد الجبار، الجرائم الاقتصادية في التشريع العراقي، المصدر السابق، ص 88.