أقامت مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية ندوة حوارية بعنون (ايران من الثورة الى الدولة , مجالات النجاح والتحديات ) , قدمها غازي جلوب الزركاني وبدأها بتقديم التعازي الى ذوي الشهداء واهالي ميسان ودعوة الحضور الى قراءة سورة الفاتحة على أرواح شهداء سرايا السلام الذين سقطوا دفاعا ً عن الوطن ضد الزمر الإرهابية في سامراء , وأفتتح الزركاني الندوة بالقول ما الدوافع من وراء هذا العنوان الذي يطرح اليوم هو: "ايران من الثورة الى الدولة" خصوصا ً ونحن نمر الأن بحالة صراع دولي وإقليمي , وبعد ذلك ذكر الزركاني السبب من تناول هذه التجربة : أول الدوافع التي تدفعنا لدراسة هذه التجربة هي تجربة بناء دولة وكون تجربتنا تعاني جملة من التحديات وفيها كثير من التلكؤ , والأمر الثاني هو تسليط الضوء على التجارب المماثلة لوضعنا , وكذلك الاستفادة من الأخطاء , وهناك أمر مهم يجب أن نؤكد عليه وهو النزعة الإنسانية التي أصل لها الله سبحانه وتعالى ووضعها في وجداننا , والثورة الإسلامية في ايران تُعد من الثورات التي تعزز المفهوم الإنساني ومما يدعونا لدراستها والاهتمام بها كونها تجربة اسلامية حققت جملة من النجاحات وعلى كل الأصعدة رغم التحديات الجمة التي واكبت مسيرة الثورة وبناء الدولة في ايران .
بعد ذلك قدمت ورقتان بحثيتان ابتدأها (حسين جلوب الساعدي) رئيس مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية أشار في بداية بحثه الى الإرث الثقافي والسياسي الشيعي في ايران قائلا ً : ايران بلد كبير من حيث المساحة والسكان والتنوع وهي من البلدان في مرحلة التقسيم الحديثة لم تخضع الى عملية تقسيم واسعة كما حصل في تركيا , وفي ايران خصوصية أخرى هي دولة شيعية وتحمل أرث كبير في موضوع التشيع منذ بداية حركة السرب داران والحركة الصوفية وتحولها الى دولة شيعية وأخذت ايران تمثل التشيع في العالم الإسلامي وقامت على نظام اعتمادها على المراجع والفقهاء كمشرفين أساسيين لإدارة البلاد تحت عنوان شيخ الإسلام , بعد ذلك يتحول الساعدي الى جذور الثورة الإسلامية ويبدأها في مجيء الغرب وتركيزه على أسقاط الخلافة في تركيا وأضعاف الأزهر في مصر بتحويله الى مؤسسة حكومية وفي العراق أعتبر الغرب عنصر القوة هو الشعب العراقي لذلك أعدت برامج المحن لهذا الشعب وأما في ايران عنصر القوة هم العلماء ولذلك في مجيء رضا شاه أول ما أستهدف العلماء منع ارتداء العمامة وبعد ذلك برنامج (خلع حجاب) وأوجب على كل شخصية بحضور الاحتفال هو وزوجته وهي سافرة الذي أعده من أجل هذا البرنامج وبعد ذلك حاول محاصرة الحوزة العلمية وبسبب الضغط بدأت مظاهر الانحلال المبرمجة من قبل الدولة ,وإزاء هذا كان لعلماء ايران مواقف وأوقفت السلطة منهم العديد ليقبعوا في غياهب السجون وأستشهد منهم العديد وقسم أخر تم استبعاده , بعد ذلك يتحول الساعدي الى دور الأمام الخميني والثورة في ايران قائلا ً : من العلماء الذين تصدوا لممارسات الشاه الأمام الخميني وقبله كانت الحركة الوطنية والتي دعمت من قبل مجموعة من العلماء منهم ابو القاسم كاشاني وعبدالله البهبهاني في قضية ثورة مصدق وكانت ايران في وقتها تعيش شوط من الفقر والبأس من قبل الغرب وكان الشاه أداة بيد أمريكا وإسرائيل وفتح الشاه سفارة للكيان الصهيوني ودعمه , وبدأ الأمام الخميني بمواجهة هذه السياسة حتى حصلت أحداث 15 خرداد 1962 على أثرها أبعد الأمام الخميني الى تركيا ومن تركيا أنتقل الى النجف الأشرف وأستمر في عمله وكان الأمام يرفع شعار قيام الدولة الإسلامية ونظر لهذا الأمر في بحوثه الفقهية وخارجها بمعنى أسس الى رؤيا كاملة بأن الدولة تكون إسلامية قائمة على ولاية الفقيه وأن الفقيه يشرف على أدارة الدولة , بعد ذلك يذكر الساعدي انتصار الثورة الإسلامية والى الكيفية التي تم فيها أدارة الدولة واختيار شكل النظام الذي يقود الدولة وعمد الى تنصيب زعيم الحركة الوطنية مهدي بزركان بمنصب رئيس الوزراء وحول اختيار شكل الدولة ونظامها الى الاستفتاء ولم يفرض نفسه أو يفرض شكل النظام الذي يقود الدولة وحصل الاستفتاء وجاءت النتيجة 90 % طالبوا بالجمهورية الإسلامية , وفي أطار التحديات يبدأها بالاغتيالات التي أطالت عدد من العلماء وأهمها بهشتي زهراء ويذكر الباحث بأن الغرب وامريكا بدأوا بعملية تصفية كبيرة جدا ً على حد تعبيره في بداية الثورة الإسلامية حتى عبر عنها السيد الخامنئي بأحدى كلماته بأن بهشتي زهراء هي دولة بكاملها حكومة بكاملها من رئيس الجمهورية الى رئيس الوزراء الى الوزراء وأعضاء مجلس الشورى والعلماء وبدأت الاغتيالات التي تشبه اغتيالات داعش التي جيء بها للعراق , ويشير الساعدي الى الصلاة وكيف تتناثر أجسام العلماء مع المصلين ويذكر الباحث دستغيب وصدوقي ومدني والقاضي وأشرف أصفهاني وهؤلاء كلهم علماء مجتهدين , ويتناول الساعدي كثير من الاغتيالات التي أخذت أكثر قيادات الثورة وبعد ذلك يتحول الساعدي الى التحدي الكبير وهو الحرب التي شنتها امريكا وبإدارة وقيادة رامسفيلد وشاركه بها دول الخليج متوهمين بانهم ممكن أن يسقطوا الثورة الإسلامية وجاءت بعد ذلك صفحات الحصار المتنوعة وبين كثير من حلقات التحدي والمؤامرات التي حاولت أسقاط الثورة في ايران , ويشدد الساعدي على انها نجحت رغم كل ما ذكر من تحديات وبدأ بناء الدولة الاقتصادي والثقافي ويشير الساعدي في هذا الموضوع الى تأسيس وزارة تعنى بالأعمار وتحول المقاتلين الى بُنات وهؤلاء عندما يدخلوا مدينة أو منطقة يحولوا ملامحها بشكل كامل وما أكملت ايران هذه التجربة حتى أصبحت تكتفي بشكل ذاتي وحقيقي وبدأت الصناعة الإيرانية والتي غزت العالم وتطرق الباحث الى جوانب عديدة التي شملها التطور وبالخصوص في المجال الثقافي , وفي نهاية حديثه ينوه الساعدي الى دور ايران في دعم العراق في مواجهة عصابات داعش التكفيرية المتوحشة التي أرادت القضاء على الشعب العراقي ونسيجه الاجتماعي ذاكراً دعمها في مجال الأسلحة والمعدات والاستشارة الميدانية .
بعد ذلك قًدمت ورقة بحثية أعدها الدكتور علي حسن هذيلي ولعدم تمكنه من الحضور بسبب السفر المفاجئ قدمها الدكتور غانم حميد الزبيدي تحدث فيها عن ولاية الفقيه مذكرا ً بأن الحديث عن هذا الموضوع يعني الحديث عن ايران ويشير الزبيدي الى انجازات الثورة في ايران وعن انتصارات الإسلام ومن ينتصر الى ايران يعني ينتصر الى ايران على حد تعبير الزبيدي ويواصل الحديث عن ولاية الفقيه بالقول بان ولاية الفقيه هي المذهب السياسي المتكفل بتطبيق الإسلام ونقله من بطون الكتب الى واقع حي على الأرض معتبراً اي تقصير فيه هو تقصير في حق الإسلام والمسلمين ويواصل الزبيدي معتبراً ولاية الفقيه خصوصية تمتاز بها عن غيرها فهي تستنهض القيادة الدينية في العالم الإسلامي وتعمل على تحريك الأمة من خلالها معتبرها القيادة الطبيعية المتمثلة بالإسلام كرسالة والمسلمين كأمة ويشير الزبيدي بأن مفهوم ولاية الفقيه يعتبر مفهوم محفوف بالمخاطر في الوقت الحاضر على حد قول الزبيدي ورغم النجاحات التي حققتها ايران لكن يبقى هذه المفهوم سيء السمعة عند بعض الأوساط وعادة ً كل ذلك بسبب الجهل وسوء الفهم , ويشير الزبيدي الى أصل الحكومة الإسلامية هي أقامة العدل ورفع الظلم ولا يوجد تضييق حاد على بعض الممارسات الإنسانية , ويبين أهمية الحاكمية في الإسلام ويشير الى النسخ التي سماها بالأسلاموية مثل القاعدة وداعش وغيرها التي تطبق الإسلام ولكن بطرق جبرية تعسفية , وفي معرض حديثه ينوه الزبيدي على أن ولاية الفقيه هي شكل من أشكال الحكومة الإسلامية ويؤكد على أن ولاية الفقيه هي الشكل الحقيقي للدولة الإسلامية , وبعد أن أكمل الزبيدي تقديم ورقته البحثية عقب الدكتور عباس عودة الحميداوي بمداخلة جاء فيها : في بداية الأمر اشاد بمؤسسة الهدى لأختيارها للموضوعات المهمة معتبرا ً موضع الندوة حساس وخطير وتناول الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية في ايران معتبرها تمثل النجاح ومؤتمر وارشو الذي يمثل التحديات وكذلك اعتبر أهمية الموضوع كون العصر سحق هويات هذه المجتمعات بدءاً من القومية التي سُحقت لذاتها الى الوطنية التي ترتمي دائما ً في احضان الاستكبار العالمي ويؤكد الحميداوي على أن خطورة الموضوع تكمن بسحق كل الهويات وبقت فقط هوية الدين التي مازالت صامدة وعندما نتحدث بموضوع من هذا النوع فهناك من يواجهك من بيئتك ومن خارجك والأعلام كله يوجه ضدك ويسلط ضدك والأن من يتحدث عن الثورة الإسلامية والموقف الإسلامي يتهم لذلك البعض يخفي هذا الانتماء الروحي للمقاومة والإسلام وكثير من المثقفين يدعي العلمانية وهو اسلامي هنا تكمن الخطورة على حد تعبير الحميداوي.
وشارك الحضور بعدد من المداخلات التي تؤكد على الحفاظ على الهوية الإسلامية والوقوف مع ايران معتبرين هذه الوقفة هي مع الإسلام واشار البعض الى التحديات والأستهداف الذي يطال ايران معتبريه هو استهداف للإسلام .
ويبقى الأهم في الموضوع هو تسليط الضوء على تجربة ايران وما حققته من نجاحات وعلى كافة المستويات ورغم التحديات الجمة التي وقفت حيال العلماء في قيام الدولة الإسلامية في ايران .