أقامت مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية ندوة ثقافية حوارية بعنوان ( التعددية السياسية في العراق وأثرها في تشكيل الحكومة ) أدار الندوة الدكتور غانم حميد الزبيدي وقدمت ورقتين من قبل الدكتور وجدان فالح والدكتور حسن رشك وأفتتح الندوة الزبيدي بالتعريف بالتعددية السياسية ذكر في بداية حديثه نبذة مختصرة عن العمل السياسي في العراق وأثر التنوع القومي والديني والمذهبي في تأسيس الأحزاب وما صاحب هذا النشوء من تجاذبات سياسية وسرعة اقالة الحكومات في العهد الملكي ليتحول الزبيدي بعد ذلك الى فترة الحكم الجمهوري منذ تسلم عبد الكريم قاسم زمام الحكم وبعده عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف الى حكم البعث الذي حرم التعددية وطارد الحركات السياسية التي تخالف فكر حزب البعث فيما ذكر الزبيدي في معرض حديثه بأن للتعددية مرتكزات أولها , الأيمان بالاختلاف , والأيمان بتبادل المواقع , والأيمان بالمؤسسة بدل الفردية وأما التعددية الحزبية هو وجود عدة أحزاب ذات قوة متساوية وكل منها يمثل سياسة محددة أزاء القضايا المهمة وهناك عوامل كثيرة تؤدي الى ظهور التعددية في المجتمعات أولها هو الاختلاف الطبقي في البناء الاجتماعي ووجود وعي مختلف لهذه الطبقات العامل الثاني اختلاف التركيب العرقي والعقائدي والديني في المجتمع أضافة الى العوامل التاريخية والعامل المهم هو انقسام الآراء السياسية .
بعد ذلك جاء دور الدكتور حسن رشك الذي قدم ورقة بحثية حول الموضوع جاء فيها : يتميز العراق بوجود جماعات عرقية وأثنية ومذهبية ولغوية تشكل المجتمع لكن هناك ثلاث جماعات كبرى تسلط الأضواء عليها هم الشيعة والسنة والأكراد حسب تعبير رشك ويكمل حديثه وهذا لا يعني بقية الجماعات لا تبحث عن هويتها وأعتبر رشك في معرض حديثه بأن العراق قبلة الدنيا في الطوائف والأعراق ومدينة النجف الأشرف تعد عاصمة الشيعة الاثنى عشرية ومدرستهم المتجددة عبر الزمن ومدينة اور الأثرية التي خرج منها نبني الله ابراهيم الخليل ع في رحلة غيرت مبادئ العالم القديم وهي تمثل قبلة العالم المسيحي واليهودي وهي مقدسة لدى المسلمين لأنها من الديانات الإبراهيمية ويعد العراق مستقر لمرجعيات الطوائف الأخرى فهو مركز لمرجعيات الصابئة المندائيين والأيزيدين والمسيح الكلدان ومثل هذه التنوعات فرضت وجودها على تنوع نظام الحكم في العراق .
ويتحول رشك الى نوع نظام الحكم بعد أسقاط نظام الحكم السابق في عام 2003 فعد ترأس بول بريمر سلطة الاحتلال بدأ التفكير في أعادة شكل الدولة العراقية من دولة مركزية الى دولة اتحادية وطاف رشك بالتفاوض والاتفاق من قبل الجانب الأميركي و أقطاب المعارضة العراقية الذين كانوا في والخارج ذاكرا ً الكيفية التي تم فيها تقاسم السلطة بين مكونات الشعب العراقي . وفي مجمل حديثه أعتبر نظام الحكم في العراق ما بعد السقوط لم يؤسس الى ديمقراطية حقيقية وأنما أسس الى ديمقراطية توافقية حسب رأي رشك ويكمل بالقول وجدت الديمقراطية التوافقية وسيلة لإنجاح العمل الديمقراطي داخل المجتمعات المتنوعة لكن بشرطها وشروطها والمشكلة في الأحزاب التي تأسست داخل العراق هي أحزاب افقية وليس عمودية ضاربا ً مثل ببعض الأحزاب فهي لا تلزم بالانتماء الديانة أو المذهب ولكن بالممارسة نرى الأحزاب مشكلة على شكل ديني أو مذهبي ومنها مناطقي .ويخلص رشك حديثه أي حزب يروم تشكيل الحكومة عليه أن يجعل منها حكومة أئتلافية لكون لاوجود لحزب من الأحزاب يتمكن الفوز بالأغلبية التي تأهله بتشكيل الحكومة وعليه يكون مضطر الى الأئتلاف مع أحزاب أخرى وبهذه الحالة ذهبنا الى الديمقراطية التوافقية وهو أرضاء الأخرين وإكمال العدد المطلوب داخل البرلمان لتشكيل الحكومة الائتلافية ويعتبر رشك السبب بالذهاب الى هذه التوافقات هو المادة (76 ) من الدستور وعليه تنتج لدينا حكومة ضعيفة تنتج منها صراعات وتحميل المسؤولية على الطيف الذي شكل الحكومة ويختم رشك ورقته بأن اي حكومة أئتلافية فهي حكومة ضعيفة وغير قادرة على ادارة البلد بشكل صحيح .
وبعد ذلك قدم الدكتور وجدان فالح ورقته البحثية حول الموضوع وكانت بعنوان ( طبيعة الخارطة الحزبية في العراق أثرها في تشكيل الحكومة العراقية ) مبتدئا حديثه قائلا ً : دائما ً تكون الأحزاب السياسية هي نتاج خريطة المجتمع أو طيف المجتمع لكل مجتمع تقسيمات متطرقا ً الى تشكيل أول حكومة في العراق عام 1921 م وكيف كان يراعى فيها التنوع الموجود في الشعب العراقي ويذكر فالح في ملخص ورقته التنوع الموجود في بنية الشعب العراقي ويعتبر بأن طبيعة تنوع الشعب العراقي هو من أسهم في وجود تنوع حزبي داخل الدولة العراقية فنجد بأن الكرد لديهم أحزابهم الخاصة كذلك الشيعة والعرب السنة لديهم أحزابهم الخاصة أضافة الى الأحزاب الأخرى التي وصفها الباحث ذات الباع الطويل ضاربا ً مثل في الحزب الشيوعي والأحزاب القومية العربية فهذه الأحزاب ممكن أن تستقطب طيف منوع ويذكر فالح بأن هناك عامل أخر أسهم بنشوء التعددية الحزبية في العراق فبعد التأسيس كان هناك أحزاب معروفة منها أحزاب السلطة التي كان يترأسها دائما ً نوري سعيد فكلما تكون انتخابات يتألف مع مجموعة من شيوخ العشائر المتنفذين والشخصيات ليشكلوا حزب يسموه حزب السلطة الى ان حدث انقلاب عام 1958 حسب تعبير فالح ويعتبر هنا بدأت عملية الفوضى بقوله بعد أن كان المجتمع منضبط تحت المؤسسات تحول الأمر الى مؤسسة عسكرية تحكم الدولة بالكامل وهذه المؤسسة نقلت صراعها من داخل ثكناتها الى المجتمع وبهذا أسهمت بطريقة أخرى في أنشاء طبقات اجتماعية جديدة ويمر الباحث على حكم بيت عارف ويتحول الى حكم البعث بعد أنقلاب عام 1968م . بعد ذلك يتحول الى سقوط النظام عام 2003 م ويذكر عدد الأحزاب التي تجاوز عددها حسب إحصائية مركز العراق ( 570 ) حزب في سنة واحدة يعني بداية عام 2004 م ومن جهة ثانية التيارات الدينية في العراق وبالخصوص المعروفة ظهر المقلدين على أعتبارهم تيار يمثل توجه ساسي لهذا المرجع ومثل هذا ظهر بقوة ويمتلك ساحة جماهيرية كبيرة.
ويعتبر فالح أن أول تأسيس سياسي وطائفي وعرقي هو تأسيس مجلس الحكم وبجهود بول بريمر وبايدن حولوا التنوع في المجتمع العراقي الى صراع سياسي داخل المجتمع العراقي وبعد مجلس الحكم تم تشكيل حكومتين برئاسة الدكتور اياد علاوي والدكتور ابراهيم الجعفري اول حكومتين طائفيتين بامتياز حسب تعبير فالح مذكرا ً بأن عندما ذكرت اسماء الوزراء كان يشار الى أن هذا سني وهذا شيعي وغير ذلك ويتحول الباحث الى الدستور العراقي بأنه لا يوجد فيه فقره تشير الى وجود ديمقراطية توافقية لكن يوجد شيء يثبت بأن العراق مقسم طائفيا ً وحسب ما موجود في المادة ( 29 ) حول تشكيل الجيش العراقي والقوات الأمنية . معتبرا ً كتابة الدستور العراقي جاء بمواد فضفاضة وتأخر أقرار قانون الأحزاب العراقية لسنة 2014 م فوضى الأحزاب هي من شكل حكومة نوري المالكي الأولى والثانية وحكومة العبادي مشبها ً تشكيل الحكومة في العراق بالحالة الإيطالية معتبر إيطاليا لا يوجد فيها حزب حاكم وأنما أئتلافات حاكمة لذلك عمر الحكومات في إيطاليا يكون قصير فقط برسكوني بفعل إمكانيته المالية . ويختم فالح بأن التعددية السياسية في العراق دائما ً يكون أثرها سيء والسبب لم يستطيع أي رئيس حكومة مهما كان أسمه أن يقود الدولة باتجاه بر الأمان مهما كان لديه قوة في تشكيل حكومته واذا نريد أن تكون حكومة قوية يجب أن يكون هناك تحالف للأقوياء وأشار الباحث الى الخارطة السياسية الجديدة ودور الحشد الشعبي المتمثل بتحالف الفتح بتشكيل الحكومة وأعتبر التوافقات السياسية تجمعات مصلحة وليس لديها برنامج حكومي فعند اختلافهم سوف يتشظون . وحضر الندوة الأستاذ مرتضى علي حمود عضو مجلس محافظة ميسان والدكتور عامر زغير عميد كلية القانون وعدد من الأساتذة والمهتمين بالشأن السياسي والإعلاميين ومراسلي القنوات الفضائية والصحف .