حسين جلوب
ان الإرهاب ظاهرة اجتاحت العالم وكانت البلاد العربية والإسلامية مسرحاً لعمله الإجرامي لوجود الأسباب والمبررات والحواضن له , فقد كان للاحتلال والأنظمة الدكتاتورية والحركة السلفية كلها روافد تغذي الإرهاب .
التقت النزعة الطائفية البغيضة مع الارهاب لتنتج العمليات الإرهابية وذاق العراق لوعة القتل والتشريد والتهجير , وأصبح مسرحاً للعمليات الإرهابية من مفخخات وانتحاريين وتفجيرات وعبوات ناسفة وقطع الطريق وإخافة الناس , استهدف المجتمع العراقي والدولة والحكومة بلا استثناء فقد كانت الأسواق والمدارس والأماكن العامة والدوائر الخدمية والحكومية والمؤسسات العلمية والثقافية والتجمعات الاجتماعية والشعائر الدينية والمساجد والحسينيات والكنائس كلها هدفاً للأعمال الإرهابية خلفت آلاف القتلى والجرحى من النساء والأطفال والشيوخ ومنتسبي الأجهزة الأمنية من الجيش الشرطة .
ان الإرهاب في العراق يعتبر من التحديات الخطيرة التي يتعرض لها كيان المجتمع والدولة والحكومة ومن الضروري وعي ذلك التحدي ومعرفة أسبابه لوضع الحلول والمعالجات وان يدرك الباحث السياسي والمراقب خطورته من خلال الوقوف على أسبابه وآثاره .
وهنا نعرض جملة من الأسباب التي أمست مصادر تغذي الإرهاب أو حواضن توفر الأجواء لنموه واستمراره وهي :
•طريقة التغيير في العراق التي جاءت من خلال قوات التحالف وبضربة عسكرية أسقطت النظام الدكتاتوري في العراق وأصبح تحت إدارة الاحتلال الأمريكي، وكان هناك اعتراض لدى البعض من هذه الطريقة كما كان هناك متضررين من عملية التغيير عبّر أولئك عن اعتراضهم بطريقة العنف والعمل المسلح لتكون تلك الأجواء حواضن للإرهاب ليذهب لأبعد من مقاومة الاحتلال في استهداف العملية السياسية ورجالاتها ومؤسسات الدولة ويشمل الحكم جميع الناس الذين تنفسوا نسيم الحرية بعد سقوط النظام المقبور .
•ثقافة العنف التي اجتاحت المجتمع العراقي اثر سياسة النظام المقبور وما قام به من حروب دموية ضد جيرانه إيران والكويت ثم الحروب الداخلية لإبادة الأكراد في شمال العراق وقمع الشيعة في الجنوب والوسط وعمليات القتل والتشريد والتهجير والترميل والسجن والإعدامات الجماعية والمطاردات كل ذلك وغيره جعل الفرد والمجتمع العراقي يعيش حالة من التوتر الدائم وترتسم على سلوكه وتصرفاته جمله من الانفعالات النفسية جرّاء سياسة النظام ,وأصبح العنف كسلوك وثقافة له مبرراته وأجواءه تلك الظاهرة أصبحت إحدى الأسباب .
•الثقافة الدينية المتطرفة التي اعتمدها الإرهاب والقاعدة والتي نجد في ثناياها الفتاوى والآراء لعلماء المسلمين في الحث على الجهاد والقتال ومحاربة الاحتلال والانحلال حسب وجهة نظرهم والحماس لتطبيق الشريعة بطريقة مرعبة دموية قائمة على أساس العنف والتكفير والتهديد والقتل والتفجير ,ان للشعار الديني مجالات واسعة في تحريك الإرهاب وإيجاد الحواضن والمنطلقات والغطاء الشرعي وذلك بتأسيس الدولة الإسلامية في العراق والتي ما برحت تعلن عن العمليات الإرهابية التي تقوم بها والممارسات المرعبة التي تمارسها في الكثير من مناطق العراق الغربية والوسطى .
•خوف الدول الإقليمية من التحولات التي تترقبها المنطقة بعد التغيير في العراق فكان القلق والهواجس والمخاوف التي يعيشها بعض الدول من الديمقراطية والمشاركة وحقوق الإنسان والانتخابات الحرّة كلها تجعل الدول تغذي الإرهاب من اجل إسقاط التجربة في العراق ،بعضها قام بفتح المعسكرات للاستقطاب والتدريب وإرسالها إلى العراق، والبعض أمدّها بالمال والرجال وتوفير الدعم اللازم في إعمالهم الارهابية , والآخر مدّ الإرهاب بالسلاح وصارت حدوده منفذاً لإيصال السلاح إلى التنظيمات الإرهابية والميلشيات المسلحة , فيما ظل البعض يوفر المكان الآمن للقيادات المجرمة ليعطيهم الدعم السياسي , وترى ان الدول الإقليمية تقوم بأدوارها تلك رغم العداء بينها إلا أنها اجتمعت على دعم الإرهاب في العراق .
•رفض الديمقراطية المعبّرة عن إرادة الشعب وتنوعه وحضوره في الواقع السياسي ،فقد برزت المكونات السياسية والاجتماعية بحجمها الطبيعي من خلال نتائج الانتخابات التي أعطت الحجم الطبيعي لكل مكون أو حزب مما أدّى بالبعض رفض هذا النظام لأنه يعتبره تقليل من دوره في الحياة السياسية أو انه يؤدي إلى إضعافه مستقبلاً ويغير قاعدة الحكم في العراق من الهيمنة إلى الديمقراطية والمشاركة ,إن الإطراف المتضررة من التحول الديمقراطي اتكأت على الإرهاب لإسقاط العملية السياسية وعودة الدكتاتورية من جديد وتحت مسميات دينية وطائفية مما جعلهم في توتر دائم وأصبحت بعض المناطق حاضنة للإرهاب على أساس هذه العقيدة .
•النزعة الدينية والانقسام الذي أصيبت به مكونات الشعب العراقي حيث أصبح التنوع عنصر إثارة بدل إن يكون عامل إثراء، لتكوّن الأمّة العراقية وأبناء الدولة , فقد أخذت مكونات العراق وأطيافه تعبر عن وجودها وترسم آمالها وتبحث عن مكانتها في أجواء ذاتية ومحاصصة سلبية وتعتمد على العنف في تحقيق مطالبها، ولذلك اعتاد أبناء الشعب العراقي على حدوث الانفجارات والعمليات الإرهابية بعد كل حاله من الاختلاف والتقاطع بين المكونات السياسية المعبرة عن المكونات الاجتماعية الدينية والقومية .
•الصراع الطائفي الذي تمتد جذوره في تأريخ العراق الإسلامي والحديث والمعاصر , حيث ان المذاهب الإسلامية تعيش حالة من الصراع والتنازع والاختلاف في أجواء سياسية ذاتية ومحيط إقليمي يغذي هذا لصراع وتوازن قوى ضاغطة باتجاهات عدّة لتزيح كفة الصراع ،مما جعل الكثير من الأحداث الإرهابية التي تعرّض لها العراق ذات طابع طائفي .
•حالة الفقر والعوز والتخلّف والحرمان التي عاشها العراق اثر الحروب الخارجية والداخلية والتي قام بها النظام المقبور والحصار الذي دام أكثر من عقد من الزمن ومخلّفاً نقصأً بالخدمات وتضيق بالجهات، وعوز مادي وانكسار نفسي ،وفي هذه الحالة تأتي الشعارات الدينية المزيّفة لتستغل الشباب وتجعلهم وقوداً لنارهم فتكون حالة الفقر أحد الأسباب التي يعتمد عليها الإرهاب .
إن هذه الأسباب تدخل وتجتمع في الكثير من الأحيان حتى توجد ظروف معقدة تمنع السياسي والمفكر والمصلح والمخلّص من الحديث بصوت عال رافض أو مشخّص الواقع أو واضعاً حلولاً لذلك .