في أطار برنامجها الأسبوعي أقامت مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية ندوة حوارية بعنوان ( العلاقات العراقية ـــ الأمريكية ) استضافت فيها الدكتور وجدان فالح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في كلية العلوم السياسية / جامعة ميسان , الذي قدم ورقة بحثية في الموضوع وأدار الندوة الدكتور حسن رشك الذي أبتدأ الندوة بدعوة الحضور بقراءة سورة الفاتحة على أرواح الشهداء ,وبعد ذلك افتتح رشك الندوة بكلمة مقتضبة أشار فيها لأهمية العلاقات التي تنتهجها البلدان للحفاظ على كينونتها واستقلالها والحفاظ على مواردها وجلب الاستثمار وتنمية مجالاتها الاقتصادية فضلا ً عن ترويج بضاعتها وإيجاد الأسواق الخارجية لها , وتجنب البلاد الويلات والحروب والابتعاد عن سياسة المحاور مشيرا ً على أن هناك صراع بين اللاعبين الدوليين يتطلب الى وجود سياسة محددة تحكم العلاقات القائمة بين الحلفاء والخصوم ويختتم رشك مقدمته بالقول العلاقات الدولية ترتكز على التنافس والصراع والسياسة الخارجية للبلد هي أحد أهم الركائز, ويشير رشك كذلك بأن الأمر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي يتطلب وضع قواعد جديدة في الساحة الدولية ونتعامل معها بحذر , بعد ذلك قدم الباحث الدكتور وجدان فالح عرضا ً وافيا ً عن تاريخ العلاقات العراقية قائلا ً : أمريكا بنظامها الاتحادي الفدرالي الحالي أولت اهتماما ً بالعراق منذ أن كان العراق تحت السيطرة العثمانية ففي عام 1900 بدأت بحملات تبشيرية في الديانة المسيحية للاستفادة من وضع جنوب العراق المتردي بسبب سيطرة العثمانيين ليتم نشر الديانة المسيحة داخل هذه الأراضي وينبه الباحث بالقول على الرغم من معاناة المجتمع من الجهل والأمراض والفقر ألا أنه لم يتقبل هذه الأفكار والتوجهات بالإضافة الى كون الدولة العثمانية تدين في الدين الإسلامي ويطوف فالح بتاريخ العلاقات العراقية الأمريكية من 1900 الى تأسيس الدولة العراقية وصولا ً الى عام 1954 عندما وقع العراق مع امريكا اتفاقية الأمن المتبادل وبعد لك عام 1955 تطورت هذه الاتفاقية الى أنشاء حلف بغداد منوها ًعلى أن العلاقات اتسمت في تلك الفترة بنوع من التواصل والودية واستمرت الاتصالات والزيارات في زمن (أيزنهاور) وفي زمن (ترومن) ويعتبرها فالح هذه فترة المد في العلاقات ومن ثم يتحول فترة الجزر على حد تعبيره بعد قيام ثورة 14 تموز عام 1985 ومجيء عبد الكريم قاسم الى السلطة وأول عامل قام به هو الانسحاب من الاتفاقية الثنائية والانسحاب من اتفاقية المساعدات الاقتصادية الأمريكية وبعد ذلك أنسحب من حلف بغداد لتشهد العلاقات تأزما ً كبيرا ً وما زاد من حدة التوتر هو قيام حكومة عبد الكريم قاسم تأميم كل عمليات نفط شركة نفط العراق التي كانت متألفة من مجموعة من الشركات الأمريكية والأوربية , ويتحول فالح الى الفترة التي تلت حكومة عبد الكريم قاسم معتبراً الانقلاب الذي أطاح بعبدالكريم قاسم جاء بتخطيط أمريكي مشيرا ً الى أن العلاقات بعد الإطاحة بقاسم شهدت تطور لغاية 1986 معتبراً هذه التحولات أدت الى مد وجزر بالعلاقة بين البلدين , ذاكرا ً السبب الرئيسي لانهيار كل العلاقات بعد توقيع الاتفاقية الأمنية مع الاتحاد السوفيتي السابق عام 1972 وتأميم النفط وكذلك حرب 1973 واستخدام النفط كسلاح في المعركة وفي هذه المرحلة انتهت العلاقات وأصبحت صفر . 

ويعود الباحث ليتحدث عن مرحلة جديدة من العلاقات حيث كان عام 19799 هو بداية عودت العلاقة بشكل جديد بين العراق وأمريكا مع قيام الثورة الإسلامية في أيران , يؤكد الباحث على أن النظام العراقي أنذاك تعاون مع أمريكا للقضاء على الثورة في أيران ويعرض مجموعة من الوثائق والشهادات التي تثبت ما ذكره ويضيف الباحث بأن أمريكا أبان الحرب العراقية الإيرانية زودت العراق بكافة أنواع الأسلحة والأنظمة والتعاون الاستخباري , وينوه الباحث بان تحرير الفاو على حد تعبيره عام 1986 كان بخطة أمريكية في العراق ويؤكد الباحث على أن هذا كلام القادة العسكريين ومعزز بالوثائق حسب أدعاء الباحث ويمر الباحث على العلاقات الى أن تدهورت بشكل عام بعد غزو العراق للكويت وقطع العلاقات بصورة كاملة وما حدث بعد ذلك من قيادة أمريكا تحالف دولي تم بموجبه تحرير دولة الكويت , فيما جرت محاولات لأعادة العلاقات بين البلدين ولكن أحداث 11 ايلول ( سبتمبر) 2001 قضة على كل المساعي لذلك . 

يتحول الباحث بعد ذلك الى العلاقة بين الدولتين بعد عام 20033 واصفها بأنها علاقة ما بين دولة ومجموعة من الأشخاص مشيرا ً الى بداية مجلس الحكم وتقسيم العراق الى مكونات أثنية وقربت أمريكا البعض واستبعدت أخرين حسب رأي الباحث , ومن جهة أخرى وصف العلاقات القائمة بين البلدين في الوقت الحاضر بأنها علاقات أملاء الأوامر بمعنى أن السفير الأمريكي ليس معني بالشأن الدبلوماسي والمحافظة على العلاقات وما يتوجب على السفير من واجبات القيام بها وإنما هذا السفير عمله هو الإملاءات والأوامر فهو من يعطي المواصفات التي يجب أن تكون في شخص رئيس الوزراء ويخاطب فالح الحضور أنتم على معرفة بما تقوم به أمريكا من إملاءات في هذه الأيام بخصوص الحشد الشعبي وغيرها . 

 ويختم فالح محاضرته بالتأكيد على عدم جدية امريكا في علاقاتها مع العراق والدليل على ذلك عدم تسليح العراق بطائرات أف 16 الا في عام 2015 ويتساءل الباحث من عام 2003 ولغاية 2015 لماذا لم يتم تسليح العراق , بينما الملف الأمني كل المناطق كانت تحت سيطرة أمريكا ولكنها لم تكن جادة بالقضاء على الإرهاب وحتى في قضية داعش اشار الباحث في تأخرهم وتباطؤهم في دعم القوات المسلحة العراقية مذكرا ً بيوم اجتياح الموصل من قبل زمر داعش الإرهابية بتاريخ 10 / حزيران /2014 ووجود مذكرة من العراق يوم 11/ حزيران من نفس العام تطلب من الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل ولكن أمريكا لم تعر أهمية لتلك المذكرة ومن فضح هذا الأمر هو (جون مكين) وفي ختام حديثه يوصف الباحث العلاقة بين البلدين عبارة عن شخص يمتلك سلطة عليا وشخص يتلقى الأوامر فقط. 

 وحضر الندوة عدد من المهتمين بالشأن السياسي والأمني وكانت أكثر المداخلات والتساؤلات تنصب وتطالب بأن يكون العراق دولة ذات كيان مستقل ودولة ذو سيادية تتعامل معه الدول وبالخصوص الكبرى ومنها أمريكا ضمن الأعراف الدبلوماسية والاتفاقيات الدولية السائدة والمصالح المشتركة .

وهذه التطلعات هي حق مشروع لكل شعوب العالم وتتحقق عندما تكون علاقة الشعب بقيادته السياسية مبنية على الثقة والاختيار السليم ويكون الشعب فعلا ً هو مصدر السلطات , وتنافس القوى السياسية يكون ضمن أطار تقديم افضل الخدمات للشعب والقضاء على كل معانته والابتعاد عن سياسة المحاور والإملاءات والتدخل الخارجي , بهذا سيتجاوز الشعب العراق كل أطماع الدول بخيراته وأراضيه والمساس بسيادته والعراق يمتلك كل المقومات التي تجعل منه دولة يحسب لها العالم الحسابات فشعبه النسبة العالية فيه من الشباب وفيه ثروات كثيرة ويمتلك عمق تاريخي غير موجود في كل العالم وحتى التنوع الاثني الذي يتكون منه الشعب العراقي لم يكن عائقا ً لتحقيق وحدة العراق والرفاه والسلم المجتمعي اذا ما تحققت العدالة في توزيع الثروات وبشكل عادل .