دراسة: الإيزديّة الماضي والحاضر المترنّح

حسين جلوب الساعدي

رئيس مؤسسة الهدى للدراسات

(ذات النفع العام)

 

 الإيزيدون من أقدم الجماعات الدينيّة العرقيّة والدينيّة في العراق، وعلى الرغم من أنّ جذور ديانتهم تعود إلى آلاف السنين في بلاد الرافدين، إلاّ أنّهم يمرّون اليوم بتحدّيات قد تعيد تشكيل هويّتهم على نحو غير مسبوق ([1]).

 وهم ذو جذور هندو أوروبيّة رغم أنّهم متأثّرون بمحيطهم الفسيفسائي المتكوّن من ثقافات عربيّة آشوريّة وسريانيّة، فأزياؤهم الرجاليّة قريبة من الزي العربي، أمّا أزياؤهم النسائيّة فسريانيّة([2]).

 يتكلّم الإيزيديون اللغة الكرديّة وهي لغة الأم، ولكنّهم يتحدّثون العربيّة أيضاً، خصوصاً إيزيديّة بعشيقة قرب الموصل، وصلواتهم وأدعيتهم والطقوس والكتب الدينيّة كلّها باللغة الكرديّة، ووطنهم هو (إيزديخان) أو مرگه الشيخان حيث موطن أمرائهم، والتي سُمّيت في كتب التاريخ بـ(مرج الموصل)، وقبلتهم هي لالش حيث الضريح المقدّس لـ(الشيخ أدي) بشمال العراق. ويعتبر الأمير تحسين بك من كبار شخصيات الديانة الإيزيديّة في العراق والعالم.

 

في الحقيقة أنّ الإيزيديّة ديانةٌ توحيديّة قائمة بذاتها تؤمن بالله والأنبياء، وهي غير الزرادشتيّة، بل إحدى أقدم الديانات الشرقيّة، وتعود في أصولها للسومريّة والبابليّة، وهي من الديانات التي تقول بالثثويّة: كالمجوسيّة، والمانويّة، والمزدكيّة، وترجع إلى الديانة البرهميّة التي منها ظهرت الزرادشتيّة التي ترجع إليها اليزيديّة ([3])، وهي شبه الوحيدة المحتفظة بطقوسها منذ آلاف السنين. وهي لا تمتّ ليزيد بن معاوية بصلة، فكلمة (أيزي) تعني (الخالق) أو (الروح الخالدة)، وحرف الدال للتنسيب مثل حرف الياء في العربيّة، و(أيزدان) في اللغة الكرديّة هي (مَن يعبدون الله)([4]).

تطوّرت هذه الديانة خلال آلاف السنين وساهم بتجديدها الشيخ الصوفي (عدي بن مسافر) المتوفّى عام 585 هجري، وقد حضي عدي بن مسافر الأموي باهتمام المؤرّخين ووصفوه بأنّه مؤسّس الطريقة العدويّة في بلد الهكارية في الموصل.

فقد ذكر ابن الأثير (ت630) في وفيات سنة (557 هـ): (توفّي الشيخ عدي بن مسافر الزاهد المقيم ببلد الهكارية من أعمال الموصل، وهو من الشام في بلد بعلبك، فانتقل إلى الموصل وتبعه أهل السواد بتلك النواحي وأطاعوه وأحسنوا الظنّ به، وهو مشهور جدّاً)([5]).

وقد ترجم له ابن خلّكان في وفيات الأعيان (681هـ) وقال: (العبد الصالح المشهور الذي تُنسب إليه الطائفة العدويّة، سار ذكره في الآفاق وتبعه خلق كثير وجاوز حسن اعتقاده فيه الحد حتى جعلوه قبلتهم التي يصلّون إليها)([6]).

وكذا ذكره أبو الفداء والذهبي وابن الوردي والمقريزي والحنبلي وغيرهم، وأكّدوا أنّ عدي بن مسافر أسّس طريقة خاصّة به وأحسن الناس الاعتقاد وجاوز الحدّ في الاتباع، ولم يذكر أحد منهم اسم الإيزيد واليزيديّة حتى وقت متأخّر، وأوّل مَن ذكر بأنّ لليزيديّة في أحداث سنة 914 هـ من تاريخ العراق بين احتلالين في حكم الأمير حسين بك الداسني على أربل، وهو أمير الإيزيديّة([7]).

والذي أجمع عليه المؤرخّون والباحثون والدارسون وأتباع الإيزديّة أنّ عدي بن مسافر هو مجدّد الديانة الإيزيديّة، والذي يبالغ الإيزيديّة بالاعتقاديّة والتقديس، حتى قالوا إنّه عرج إلى السماء، ومن أدعيتهم: (آمين آمين تبارك الدين الله أحسن الخالقين).

 وهم يحلّلون تعدّد الزوجات وشرب الخمور، وعطلتهم الأسبوعيّة يوم الأربعاء، ولديهم أعيادهم الخاصّة: رأس السنة أوّل أربعاء من شهر نيسان الشرقي، وعيد الجماعيّة يحجّون فيه إلى منطقة لالش، حيث المكان المقدّس قبر الشيخ عدي، ويتشاركون مع المسلمين والمسيحيين في عيد الخضر الذي يُدعى لديهم عيد (خدر الياس)، ومعتقداتهم غالبيّتها شفهيّة، وهناك محاولات لجمعها في كتاب مقدّس يمكن الحلف عليه.

يسكن غالبيّة المجتمع الإيزيدي في محافظتي نينوى ودهوك في شمال العراق، كوردستان الجنوبيّة (كوردستان العراق). ففي محافظة دهوك نجدهم يتمركزون في مجمع شاريا ومجمع خانك  ومنطقة ديربون. أمّا في محافظة الموصل فهم يتواجدون في قضاء الشيخان وبعشيقة وبحزاني وشنكال وزه مار والقوش. 

وفي تركيا وسوريا وجورجيا وأرمينيا. وكذلك في الدول الأوربيّة وأمريكا الشماليّة، كما أنّ التخالط الاجتماعي بين الإيزيديين والأقوام التي جاورتها جعل من بعض العادات والتقاليد والأعراف أن تتشابه، ولا يشترط أن تذوب الواحدة في الأخرى، بل يمكن أن تتفاعل مع بعضها البعض بشكل إيجابي.

فهنالك العديد من العادات والتقاليد التي تشترك فيها الإيزيديّة مع المسلمين، وأخرى تتشابه مع المسيحيين من الذين يجاورونهم في مناطق السكن القريبة من البعض، كما هو الحال في ناحية بعشيقة التي تمثّل روعة التعايش الأخوي فيما بين المسلمين والمسيحيين والإيزيديين، حيث يختلط صوت الآذان بصوت الناقوس والدفوف ورجل الدين الإيزيدي.

تاريخ الإيزيديّة

تعدّ الإيزيديّة حلقة شبه مفقودة في سلسلة الديانات الشرقيّة الهندوأريّة القديمة، حيث كانت وما تزال ضحيّة الكتّاب المغرضين وأهوائهم ومصالحهم الطائفيّة التعصّبيّة الضيّقة، فما من دين جنى عليه التاريخ وجهله الناس واختلفوا في نشأته وظهوره وحركة تطوّره التاريخي ومعرفة أصله كالديانة الإيزيديّة.

 اختلف الكتّاب والباحثون حول أصل وتسمية الإيزيديّة، فهناك مَن يُرجع أصلهم إلى الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، وهناك مَن يرى بأنّها تنتسب إلى يزيد بن أنيسة الخارجي، وآخر يقول بأنّ تسميتها جاءت نسبة إلى مدينة يزد الإيرانيّة، وهناك مَن يرى بأنّ الإيزيديّة إنّما هي تطوّر للديانة الزرادشتيّة، وآخرون يربطون بين الإيزيديّة والمثرائة و...

يبدو أنّ هذا الاختلاف في تسمية الإيزيديّة جاء إمّا عن قصد ([8])، وخاصّة بالنسبة إلى أصحاب الرأيين الأوّل والثاني، وذلك لكي يؤكّدوا على أنّ الإيزيديّة فرقةٌ إسلاميّة منشقّة، ولا يكتفون بهذا (أي جعل الإيزيديّة فرقة إسلاميّة منشقّة)، وإنّما يذهبون إلى أبعد من هذا، وهو عروبة الإيزيديّة.

 ويكفي أن نأتي برأي السيّد سعيد الديوه جي حول هذا الموضوع عندما يقول: (إنّ الإيزيديّة حركةٌ سياسيّة خالصة، جعلت لها صبغة دينيّة تسير تحتها لتعيد الحكم إلى الأمويين).

 أمّا أصحاب الآراء الأخرى فربّما جاءت آراءهم بهذا النحو حول الإيزيديّة؛ لعدم اطّلاعهم على نصوص الديانة الإيزيديّة المقدّسة، خاصّة وأنّ هناك تشابهاً في بعض المسائل ما بين الإيزيديّة والزرادشتيّة والمثرائيّة، أو أنّ ذلك التشابه بين الإيزيديّة والديانات الأخرى قد قادهم إلى تلك الآراء. 

لذا فإنّ أيّة دراسة أو بحث عن الإيزيديّة ستكون ناقصةً ومبتورة إذا لم تعتمد على النصوص الدينيّة الإيزيديّة، باعتبارها مادّة غنيّة لا يمكن الاستغناء عنها عند الكتابة عن الإيزيديّة؛ إذ تتبيّن في تلك النصوص نظرة الإيزيديّة إلى الخالق والتكوين والخير والشر... إلى آخره.

 كما يجب معرفة جذور الأعياد والمناسبات الدينيّة الإيزيديّة؛ لأنّ جذور بعضها موغلة في القِدم وترجع إلى زمن السومريين؛ لأنّ الدراسة والتعمّق في تلك النصوص الدينيّة ومعرفة جذور بعض أعياد الإيزيديّة يُظهر بوضوح أوّلاً عدم صحّة الآراء المذكورة سابقاً حول تسمية الإيزيديّة، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك نصٌّ ديني باسم (قة ولي هةزار وئيك ناظة) أي: قول ألف اسم واسم، يظهر فيه بشكل واضح وجلي اسم (ئيزي)، وهو اسم من أسماء الله الحسنى، وهذا مقطع من ذلك النص الديني:

سلتان ئيزي ب خؤثادشايّة

هةزار وئيك ناظ ل خؤدانايّة

ناظيَ مةزن هةر خوداية

وترجمتها:
السلطان (ئيزي) نفسه هو الله

أعطى لنفسه ألف اسم واسم

والاسم الأعظم هو الله

 

أمّا كلمة (ئيَزي) فإنّها تقال لتلك الجماعات، أو ذلك القوم الذي يؤمن بـ(ئيَزي).

كما يقول عن عراقة وقِدم الديانة الإيزيديّة البحّاثة والعالم اللغوي الكوردي مسعود محمد عند تحليله لكلمة الإيزيديّة والداسنيّة ما نصّه: (.... على كلّ حال فإنّ الإيزيديّة هم من بقايا أقدم المجموعات الساكنة في المناطق التي سكنت في القسم الإيراني والهندو إيراني، بمعنى أنّهم من أقدم الأقوام الكورديّة، ويسبق معتقدهم (افيستا)، لا بل أقدم من (فيدا) الهندي.

 ولو تمكّن الإيزيديون من الاحتفاظ بعقائد ما قبل الزرادشتيّة، لكان معتقدهم نموذجاً لجميع الشعوب الهندو أوربيّة.

وكذلك اكتشف أحد خبراء الآثار واللغات القديمة (السومريّة والبابليّة والآشوريّة)، بأنّ كلمة (إيزيدي) تعني: الروح الخيّرة والغير متلوّثين، والذين يمشون على الطريق الصحيح.

أمّا د. خليل جندي فيقول: (يلاحظ عند الإيزيديّة تعدّد الآلهة poltheism، وترتبط جذور هذه الظاهرة باعتقادنا بالمراحل الأولى من تاريخ البشريّة البدائي عندما كانت الأفكار الغيبيّة البسيطة تسيطر على أفكار المجموعات البشريّة، وهذا بلا شك دليلٌ على قِدَم وعراقة هذه الديانة.

يظهر ممّا سبق بأنّ الديانة الإيزيديّة من الديانات القديمة التي ترتكز أسسها على الإيمان الصادق والقلب الصافي، وهي ليست ديانة تبشيريّة توسّعيّة بمعنى يولد الإيزيدي من أب وأم إيزيديين، ولا تقبل في صفوفها مَن كان على دين آخر.

والإيزيديّة ديانةٌ توحيديّة، أي تؤمن بالله الواحد الذي لا شريك له، ويظهر ذلك واضحاً في نصوصها الدينيّة المقدّسة، على سبيل المثال عندما يشهد الإيزيدي يقول:

 

شة هدا ديَني من ئيَك ئة للا

طاووس مةلةك حة ق حةبيب ئةللا.

وترجمتها:

أشهد أنّ الله هو الواحد الأحد،

وطاووس الملائكة حقّاً حبيب الله.

وللإيزيديّة فلسفتها ونظرتها الخاصّة بها إلى مسألة التكوين والخير والشر.

وتؤمن الإيزيديّة بتناسخ الأرواح أي: أنّ الأرواح بعد موت صاحبها تنتقل إلى أجسام أخرى مرّات عديدة، وقد تظهر بصفات أخرى. وبيوم الآخرة والقيامة تنظر الأرواح إلى الأديان السماويّة والرسل والأنبياء نظرة احترام وتقدير.

أمّا بخصوص المجتمع الإيزيدي فإنّه ينقسم إلى ثلاث طبقات دينيّة هي: (الشيخ ـ البير ـ المريد)، ظهرت هذه الطبقات على يد الشيخ أدي، حيث عند مجيئه إلى لالش من الشام رأى أنّ العقيدة الإيزيديّة قد أوشكت على الانقراض نتيجة للاضطهادات الدينيّة عليهم، فحاول إحيائها، ووفّق في ذلك بعد أن أضاف وحذف منها أموراً بمقتضى التطوّر الزمني، فأوجدَ طبقة الشيوخ بجانب طبقة البيرة التي كانت تقوم بالواجبات الدينيّة قبل حلوله في لالش، وأوكلهم وظائف وواجبات دينيّة لنشرها بين الإيزيديّة([9]).

تعدادهم:

ليست هنالك إحصاءات دقيقة ورسميّة بعدد الإيزيديّة، ولكن على ضوء نتائج تعداد سكّان العراق عام 1947 بلغ عدد نفوس الإيزيديين 33.000 نسمة ([10])، وأنّ نسبة الزيادة في عدد السكّان بين عامي 1924ـ 1947 لا تزيد على 2و1% سنوياً، وهي نسبة منخفضة، والسبب يعود إلى تدمير قرى الإيزيديّة وتشريدهم.

 ولكن بين عامي 1947ـ 1957 بلغت نسبة الزيادة في عدد سكّان الإيزيديّة في العراق 7%، وهي نسبة مرتفعة قياساً بالنمو السكّاني لشعب العراق التي بلغت في نفس الفترة 4%، وأنّ هذه الزيادة في نسبة نمو عدد الإيزيديين في هذه الفترة تعود إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي ونجاح العمليّة الإحصائيّة، حيث يعتبر الإيزيديون من الشعوب التي تتمتّع بخصوبةٍ عالية.

ولكن إذا ما عرفنا بأنّ نفوسهم في العراق كان يربو على المليون نسمة في القرن الحادي عشر الهجري، والآن وفي العراق لا يتجاوز عددهم  650000 نسمة، فإنّ هذا التناقص في عددهم بعد ثلاثة قرون كان بسبب حملات الإبادة الجماعيّة التي تعرّض لها المجتمع الإيزيدي، والتي تجاوزت (72) حملة عسكريّة قضت على مئات الآلاف من خيرة الشباب الإيزيدي وسبي عشرات الآلاف من النساء، وخاصّة في فترة الحكم العثماني.

الإيزيديّة فصول من الصراع:

مثّلَ وجود الإيزيديّة ظاهرة متميّزة في صلتهم وصمودهم وخوضهم أوجه الصراع، ومكّنهم من إبقاء طبيعة المنطقة الجبليّة وقوّة الشكيمة في مواجهة التحدّيات، حتى وصفهم لونكيرك: (اليزيديّة الغلاظ الذين وقفوا بوجه كلّ إنسانٍ وكلّ حكومة)([11]).

 واستغلّ العثمانيون تلك القوّة في حروبهم عند دخولهم العراق، فقد اعتمد عليهم السلطان العثماني في إضعاف الصورانيين، فأمر بتنصيب حسين بك الداسني أميراً وحاكماً على أربك وهو أمير اليزيديّة ([12]).

لكن سرعان ما انقلب عليه السلطان فدعاه إلى استانبول فأمر بقتله، وأصدرَ شيخ الإسلام ابن السعود فتوى بقتلهم فهاج عليهم الكرد وغيرهم ([13]).

ثمّ أصدرَ علماء الدولة العثمانيّة من المذاهب الإسلاميّة بأنّ قتالهم جهادٌ، والمقتول في جيوش المسلمين شهداء، ثمّ ذكروا أسباب الفتوى بالكفر، فصمدوا أمام الجيوش العثمانيّة عدّة مرّات منها: سنة 1716ـ 1127، وحوادث 1717، وحوادث 1734.

 ورغم تكرار الحوادث والمعارك ظلّت الأمارة الإيزيديّة قائمةً بأمارتها ورجالاتها وحصنها القديم جبل سنجار. وبعد تلك الفتاوى والحروب وصفهم سليمان باشا بـ(عَبَدة الشيطان)([14]).

فيما مارس ولاة العثمانيين نفس الأساليب مع القبائل والأمارات العربيّة والكرديّة: (بابان، واليزيديّة، والمنتفق، والخزاعل، وزبيد، والدليم، وربيعة، وبني لام، وشمر، وعزة، والعبيد، والطفير).

وعند قراءة حوادث السنين في العهد العثماني يظهر الاضطراب في جميع أنحاء العراق، والحروب قائمة وبذرائع شتّى فجعلت الشعب العراقي بأكمله يعيش حالة من الحذر والشك بكلّ مبادرات الحكومة، وانعكست تلك الذهنيّة على الإيزيديّة في رفضهم لقبول قانون التجنيد الإجباري([15])، ورفضهم التعليم ودخول أبنائهم للمدارس.

الانتهاكات التي تعرّض لها الإيزيديّة:

 إنّ الشعب العراقي بجميع فئاته وأطيافه ذاق الأمرّين طيلة حكم الطاغية صدام. والإيزيديّة هي إحدى هذه الفئات التي ذاقت هذه المرارة وعانت من النظام السابق من شتّى أنواع سياسات التمييز والتفرقة العنصريّة والقمع والاضطهاد والإبادة، بسبب انتمائهم القومي في كونهم كورداً، وبسبب انتمائهم الديني في كونهم إيزيديّة.

 كما كان يفرض عليهم النظام التزامات وواجبات دون أن يكون لهم حقوق، فقد حُرموا من حقوقهم القوميّة والدينيّة والثقافيّة والسياسيّة... ومن تلك الانتهاكات التي تعرّض لها الإيزيديّة هي:

1. التهجير القسري:

تعرّض الإيزيديون إلى حملات ظالمة في عهد النظام السابق منذ العام 1969، حيث تمّ ترحيلهم من قراهم إلى قرب الحدود السوريّة ومصادرة أراضيهم. ثمّ ليطال الترحيل أكثر من 150 قرية أواسط السبعينات، حيث صودرت آلاف المنازل وأُسكِن فيها عشائر عربيّة، ونُفي أهلها إلى مجمّعات سكنيّة أشبه بمعسكرات الاعتقال لها مدخل واحد للتفتيش([16]).

2. تقييد حرّية التعبير عن الدين أو العقيدة

وقع على الإيزيديّة اضطهادٌ آخر من الناحية الدينيّة، فقد حُرموا من حقوقهم الدينيّة، وحقّهم في تعليم وتدريس دين آبائهم وأجدادهم أو ممارسة طقوسهم الدينيّة.

كما تعرّضوا إلى حملات إبادة في سبعينات القرن الماضي، حيث اقترفَ النظام السابق أخطاءً تجاه المجتمع الإيزيدي، بعد أن اعتبرهم جزءاً من الشعب العربي وفي نفس الوقت تصرّف معهم على أنّهم أكراد؟! وكان القصد من وراء تصرّف النظام هو كونهم يدينون بالإيزيديّة، وليس لأنّهم جزءٌ من الشعب الكردي، وإنّما كان يقصد به ضرب الإيزيديّة كديانة ولكن بسلاح القوميّة.

كما حاول النظام إيجاد الحلول النهائيّة لفناء الديانة الإيزيديّة في العراق، عندما وقّع طه الجزراوي (طه ياسين رمضان) على قرارٍ بترحيل الإيزيديّة من سنجار إلى قرى تابعة إلى منطقة حضر، حيث تمّ توزيع كلّ عشرة بيوت إيزيديّة على قرية عربيّة وإجبارهم على التزاوج فيما بينهم، وذلك كان أخطر مخطّط واجهه الإيزيدي.

 إلاّ أنّ إيزيديّة سنجار سرعان ما توصّلوا إلى خطورة المخطّط، والتي أدّت إلى رفضهم بالإجماع بقبول تنفيذ الخطّة، والإصرار في الرفض حتى سقوط النظام دون استكمال مخطّطه الدنيء لكي يصل عن طريقها إلى حبل المشنقة .

3. تدمير القرى الإيزيديّة: قامت السلطات العراقيّة إبّان حكم حزب البعث بتدمير العديد من القرى الإيزيديّة في سنجار وشيخان وتل كيف والقوش، ففي سنجار تمّ تدمير أكثر من 360 قرية عائدة للإيزيديين، وكذلك محلّة البرج في مركز القضاء، وتمّ إسكان أهاليها في 12 تجمّعاً قسرياً عام 1975.

كذلك تمّ تدمير قرى الإيزيديّة في منطقة تل كيف والشيخان والقوش ودهوك وقاييدة عام 1984- 1987، وقد شملت قرى القاييديّة التي كانت بمستوى مدن صغيرة.

 وفي إحصاء عام 1977 تمّ تسجيل كافّة الإيزيديين كعربٍ بقرار من السلطات العراقيّة، حيث اعتبرت سلطة البعث كلّ الإيزيديين عرباً بدون أن تسأل إيزيدياً واحداً عن رأيه أو موقفه من هذه المسألة

4. سياسة التعريب

انتهج النظام السابق سياسة التعريب بحق الإيزيديّة لتجريدهم من هويّتهم القوميّة وطمس معالم قوميّتهم، فقام النظام بترحيل الإيزيديين قسراً من قراهم ومناطق سكناهم الأصليّة، وتمّ إسكانهم في مجمّعات قسريّة محرومين من أرض آبائهم وأجدادهم، ومن الخدمات أيضاً.

وهذه المجمّعات كانت عبارة عن سجن كبير، وتمّ توطين العرب محلّهم، وقام النظام بتسمية هذه المجمّعات بأسماء عربيّة، حتى أنّ الإيزيدي كان يستأجر أرضه من غيره.

 وبقي الإيزيديّة محرومين من الانتفاع بأرضهم وأملاكهم طيلة أكثر من (35) سنة، وحتى في التعداد السكّاني مُنع على الإيزيديين كتابة قوميّتهم الحقيقيّة.

 

 

5. عمليات الأنفال وحملات الإبادة

لم يسلم الإيزيديون من حملة الأنفال إذ قُتل منهم الآلاف، فضلاً عن حملات التعريب ومسح قرى بكاملها. ففي هذه الحملة السيّئة الصيت عام 1988 غُيّبت العديد من عوائل أنصار الشيوعيين وبيشمركة الأحزاب الكرديّة من سكّان بعشيقا وبحزاني ودوغات وسنجار وكر ساف وخور زان ومل جبرا وباعذرا وخانك، وعددهم تجاوز الـ(200) عائلة غالبيّتهم من الأطفال والنساء، بحجّة أنّ الإيزيديين عربٌ ولا يشملهم قرار العفو .

كما أنّ العديد من الإيزيديين قد سُجنوا وأُعدموا؛ لأنّهم عارضوا سياسات النظام ورفضوا التنازل عن حقوقهم وقاوموه، وانضمّوا إلى صفوف (البيشمركه)، وانخرطوا في صفوف المعارضة.

6. مصادرة أملاكهم

مرّت مناطق الإيزيديّة بظروفٍ صعبة وشاقّة إبّان النظام السابق من خلال وضع آليات وبرامج تخطّط للنيل من مجتمعهم، من ضمنها تغيير ديموغرافيتها مع سلب الملكيّة الإيزيديّة وتسليمها للعرب، وهناك الكثير من المناطق التي سُلبت من أصحابها بهدف تعريب مناطق الإيزيديّة وفرض العروبة على أهاليها.

 حيث قام النظام بجمع الإيزيديّة في مجمّعات تفتقر لأبسط مستلزمات الحياة العصريّة، كما قام بمصادرة الملكيّة الخاصّة بالإيزيديّة في العديد من المناطق وتسليمها إلى العرب، كمركز سنجار والقرى المجاورة لها، وجعل تلك الملكيّة ضمن حدود مركز القضاء مثل: ملكيّة قرية النصيريّة، والشهابيّة، وكوه كمك، وتوزيع قسم منها من قِبل بلديّة سنجار في ذلك الوقت إلى العرب والبعثيين.

 كذلك مصادرة ملكيّة الإيزيديّة في مجمّع سيبا شيخدر وتسليمها لعرب الشمر، مع بقاء تلك الأراضي بأيديهم إلى هذا اليوم، فضلاً عن مصادرة ملكيّة الإيزيديّة في مجمّع كرعزير وتسليمها لعشيرة الخواتنة وإلى هذا اليوم.

 كذلك مصادرة ملكيّة الإيزيديّة في قرية تلبنات القديمة من قِبل حسين كامل، واستغلاله لأغراض التصنيع العسكري وإلى هذا اليوم، ومصادرة ملكيّتهم في بعشيقة وشيخان وتسليمها إلى العرب .

7. حرمانهم من العمل والتعليم

تشكّل نسبة الإيزيديين في محافظة نينوى حوالي 90% من مجموع نفوسهم في العراق، بينما تسكن البقيّة منهم في محافظة دهوك.

وبعد سبعينات القرن الماضي انتشر الإيزيديون في محافظات العراق المختلفة طلباً للعيش، بعد أن تمّ تجميعهم في مجمّعات قسريّة تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة العصريّة للعيش الكريم، وصودرت أراضيهم وممتلكاتهم وتمّ إسكان المسلمين العرب محلّهم.

 ففي سنجار تمّ تجميع الإيزيديين من 160 قرية في 13 تجمّعاً سكّانياً، ممّا سبّب في هجرة الكثيرين لطلب الرزق والعيش في محافظات أخرى بعد سنين من الاستقرار على أرضه ومسكنه، وهم يمارسون العمل الزراعي وتربية الحيوانات.

 وكان ذلك عاملاً آخر في تفكير الحكومة آنذاك في تذويب الإيزيديين فيما بين بقيّة شرائح المجتمع العراقي بهدف تحويل ديانتهم عبر هذه الأساليب. إضافةً إلى غياب مشاريع استراتيجيّة تستوعب البطالة والعدد الهائل من العمالة الماهرة في حقل العمل، ممّا أدّى إلى الهجرة المستمرّة من مناطقهم إلى أماكن بعيدة، وبالتالي التأثير السلبي على مستقبل التعليم ولعدّة أجيال، وقد ترتّب على ذلك تخلّفٌ اقتصادي واجتماعي وعلمي.

وقد تعرّضوا لأنواع الاضطهاد من قِبل الإرهاب وداعش، وصدرت بحقّهم الفتاوى الباطلة وحُكموا عليهم بالكفر، وإجبارهم على ترك عقائدهم، بعد هدم قراهم وسبي نسائهم وقتل أبنائهم.

 

 

 

الفصل السابع: الكاكائيّة الأخيئيّة والفتوّة والسلام

 

 



([1])  الأقلّيات في العراق، الذاكرة، الهويّة، التحدّيات: 86.

([2])  الإيزيديّة: 203.

([3])  الأديان والمذاهب بالعراق: 75 ـ 76.

([4])  عدي بن مسافر مجدّد الديانة الإيزيديّة: 49.

([5])  الكامل في التاريخ: 11/108.

([6])  وفيات الأعيان وأنباء الزمان: 1/316.

([7])  تاريخ العراق بين احتلالين: 4/54.

([8])  الأديان والمذاهب بالعراق: 75 ـ 76.

([9])  اليزيديون في حاضرهم وماضيهم: 74 ـ 83.

([10])  العراق الجديد: 110.

([11])  أربعة قرون من تأريخ العراق الحديث: 21.

([12])  تاريخ العراق بين احتلالين: 4/54.

([13])  نفس المصدر: 4/55.

([14])  تاريخ العراق بين احتلالين: 6/131 و375 .

([15])  اليزيديون في حاضرهم وماضيهم: 164.

([16])  الأقلّيات في العراق الذاكرة، الهويّة، التحدّيات: 97.