العلاقات العراقية العمانية

(دور سلطنة عمان في المنطقة)

حسين جلوب الساعدي 

رئيس مؤسسة الهدى للدراسات

( ذات النفع العام)

بعد إن تعرضت منطقة الشرق الأوسط لإحداث وحوادث وثورات ونزاعات وخلافات ومحاور متصارعة وصراع طائفي وتطرف وعنف وارهاب وقتل وتهجير وزوال انظمه و.......

أصبح من الضروري قراءة الواقع السياسي وترتيب أوراق التهدئة والحوار وفتح أفاق الحلول والسعي للسلم وخصوصا بين  الدول التي تعاني من تلك ألازمه بكل أصنافها ويأتي العراق في المقدمة من حيث المعاناة والاهتمام والعمل.

فالعراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري الذي ترك أرثا كبيرا من الأزمات الإقليمية والدولية التي يستدعي جهدا من السياسية الخارجية في ترتيب ذلك الخروج منها .

إن ما يعاني منه العراق من تحولات في المنطقة كالحرب العالمية ضد داعش وانعكاسات الوضع الإقليمي على الوضع الداخلي وسير العلاقات الخارجية كالقتال في سوريا والتدخل التركي في المنطقة والعراق والحضور الروسي والتواجد الأمريكي والنفوذ الإيراني والانفعال السعودي الذي يصل مديات التدخل الصريح وهكذا فالمنطقة تلتهب والعراق في فوهة البركان تتقاذفه حممه ذات اليمين والشمال حتى أضحت مهمة الدولة العراقية صعبة للغاية في إنقاذ ما سيطر عليه داعش وحماية أبنائها من الإعمال الإجرامية وتكامل بناء الأجهزة الامنية وأصبح هاجس وحدة العراق وإعادة اللحمة الوطنية يؤرق كل المخلصين فأجرت عدة أعمال في سبيل ذلك من الاعتماد على التحالف الدولي وتهدئة المنطقة وفتح أفاق الحوار مع الدول الإقليمية والمجتمع الدولي للحصول على الدعم والبحث عن الحلول , وتأتي الدراسة والبحث في طبيعة الحكومات ومواقفها وتصنيفها وفهم مقاصدها وأدوارها لتجعلها في صميم برامجها الاستراتيجية ومبادرتها ومفردات خطابها .

وكان بين الدول التي أصبحت موضع اهتمام الحكومة العراقية في الانفتاح عليها والاستفادة من موقعها وإمكانيتها في المعادلة السياسية (سلطنة عمان) .

إن التوجه نحو العلاقات العمانية في هذه المرحلة لما تتمتع به من خصائص وما نأمل به من دور تقوم به وما نطمح إليه من أهداف مشتركه ومصالح متبادلة يوجب دراسة طبيعة العلاقات وافاق التعاون .

من ابرز خصائص السلطنة التي تجعلها من بين الدول التي تحظى باهتمام الدارسين والباحثين لإعطاء رؤية لمركز القرار يوافق برامج الخارجية العراقية :

تميزت السلطنة بمواقفها ورؤيتها ومبادرتها على درجه من الحيادية والقبول بين الإطراف وقد مكنتها من لعب دور الوسيط في بعض القضايا الجوهرية والمهمة في المنطقة وقبل تسليط الضوء على المهام التي نهضت بها والمبادرات التي خاضتها والوسطه التي ينظر إليها العراق تمعن النظر في الإبعاد السياسية والواقعية والفكرية والجغرافية التي فرضت عليها صورة الحيادية أو جعلتها تمارس الحيادية في المنطقة أو تكون عنصرا مهما في أجواء التهدئة التي تحتاجها المنطقة نظرا لمصالحها الوطنية أو تتسم في بعض البرامج  للدول المحيطة أو البعيدة وبدرجة عاليه من التوجس فهي غير راغبة إن تدخل بمطبات لا تجني منها المنفعة وتتجنب الأضواء في أدوارها خشية إن تكون عرضة لسهام الأعداء فالسلطنة دائما لا تبادر وإنما تستجيب حين يطلب منها الوساطة والتهدئة أو تنأى بنفسها عن بعض أوجه الصراع في المنطقة وذلك يعود لعدة أسباب من أهمها:

1- إن سلطنة عمان ذات عمق وجذور ضاربه في التاريخ من خلال المراحل والأطوار التي مرت بها فقد كان تاريخها السياسي ذا طابع مستقل منذ فجر الإسلام وأخذت ملامح الاستقلال تبدأ بالوضوح بعد توجه حركة الاباضية من ألبصره لتستقر في عمان وتؤسس نظام الإمامة فيها ثم أصبحت منطلقا لحركة الاباضيه في الحجاز والمغرب العربي والشرق الإفريقي .

وبتعاقب الأسر الحاكمة في عمان من أئمة الشورى والنبهانية واليعربية أو البو سعيدي أو في فترة قابوس كانت تتمتع باستقلالية عن محيطها الإسلامي حتى إذا نشب خلاف أو قتال بين قبائلها يتصف بالشأن الداخلي ولم تتعد مؤثراته على تكوين وتماسك كيان الوجود الاباضي الذي ظل بعيدا عن المؤثرات من المحيط الإسلامي.

وحتى مواجهة الغزو الخارجي والتحدي الداخلي كانت عمان عنوانا بارزا من حيث الوجود والهوية والاعتزاز والاستقلال فقد واجهت الغزو البرتغالي ودخلت معه في حروب وحركات تمرد في عام 1519م و 1522م و 1526م وما قامت به من تحالف مع البريطانيين والهولنديين لضرب التواجد البرتغالي وما حرصت عليه من إقامة علاقات هادئة مع إيران وما انتهت إليه من توثيق التعاون مع بريطانيا في كل هذه المراحل كانت عمان تحظى بالخصوصية والبقاء في مكونها الاجتماعي والمذهبي ورؤيتها السياسية المستقلة .

وأزداد الشعور بالانتماء بعد انفتاحها على شرق إفريقيا والهند والسند فقد أصبحت جميع منطقة إفريقيا الشرقية 1741م – 1783م تحت نفوذ سلاطين عمان وظل نفوذها في زنجبار وتنزانيا حتى عام 1964م .

إن تأثيرات الحركة التاريخية تلك حاضرة في الوجدان العماني الجمعي الذي وفر مناخا مفعما بالزهو والاعتزاز والاعتماد على النفس يجذر نزعته الاستقلالية في الشعور والتفكير والممارسة .

2- بعد ان استقر المذهب الأباضي في عمان منذ القرن الثاني وأصبح الحاكم فيها حتى اليوم .

ولما كان الصراع الدائر في المنطقة ذا صفة طائفية وان الاصطفاف والتحشد والمواقف الدولية يأخذ فيه البعد الطائفي كالحرب في اليمن والقتال في سوريا والنزاع في العراق والاختلاف السعودي الإيراني والتحشيد للمعركة كلها ذات إبعاد طائفيه ولما كانت عمان بين المحيط السني والشيعي المتصارع .

فهي غير معنية بهذا الصراع ولا تريد الخوض فيه فتظل على حياد بعيدا عن المعترك الطائفي .

3- رغم نفوذ وهيمنة المذهب الاباضي فيها توجد فيها مظاهر التعدد والتنوع فإنها مجتمع متعدد على المستويات العرقية والثقافية والمذهبية وخصوصا في العاصمة وكذا كانت ولازالت عرضة للتحولات التي تجري في المنطقة فقد عانت من حرب أهلية في ظفار التي اندلعت سنة 1964م لتميز أهل ظفار من حيث الانتماء المذهبي والبعد الجغرافي والخصوصية القبلية .

فقد كانت تجمع مختلف المشارب والأغراض إلا أنها أصبحت ماركسية الاتجاه بعد مؤتمر 1968م الذي لعبت فيه اليمن الجنوبي دورا فاعلا في دعم الثورة .

كما إن للحركة السلفية صراعاً وقتالاً ونفوذاً في السلطنة منذ ظهور الحركة ألوهابيه أصبحت عمان مسرحا للقتل حتى قتل سلطان بن احمد في محاربة ألوهابيه عام 1804م وكسبت ألوهابيه مريدين لها في السلطنة وسيطرت على جزء من أراضيها ويستمر نفوذ الحركة الوهابية الذي يؤرق عمان من تنامي النفوذ أو القيام بإعمال تهدد الأمن والاستقرار وخصوصا بين القبائل والمجاميع السنية .

 

كما شهدت السلطنة نشاط الحركة القومية وأثارها وكان أبرزها ثورة ظفار وتنامي الشعور القومي في المنطقة .

هذه الحقائق بجملها تعد فرعاً من الممهدات والتحديات والتعاطي معها ومؤثراتها على الشؤون الداخلية أورث  الدبلوماسية العمانية هذه الجفلة والتوجس والحذر المفرط الذي اَتصفت به معظم مقارباتها الاقليمية وعلاقاتها الثنائية لتكرس نزعة الانكفاء على الذات والعمل في الخفاء والاستتار وراء الحيادية والابتعاد عن النزاعات الاقليمية .

4- بحكم الجغرافية والتاريخ والتحولات في المنطقة في كونها دولة خليجية تربطها مع إيران مصالح إدارة مضيق هرمز ومصالح اقتصادية وسياسية أخرى ولديها معاهدات وثيقة مع بريطانيا وأمريكا جعلتها تأخذ مساحة متفردة في بيان خيارها الاستراتيجي إزاء القضايا المحيطة بها وممارسة الاستقلالية في القرارات والمواقف والمبادرات بعيدا عن الأجواء المنفعلة في المنطقة وفي نفس الوقت جعلت لنفسها مساحه من الاتصالات والتواصل مع قضايا المحيط الإقليمي لكي لا تصاب بالعزلة.

لذلك اشتركت في تأسيس مجلس التعاون الخليجي وانخرطت في الانشطة ألاقتصادية والاجتماعية لكنها تتعاطى في القضايا السياسية بطريقتها الخاصة وخصوصا تلك المرتبطة بالأمن الإقليمي حيث أنها لم تتعاط من موقفها مع دول الخليج إزاء الحرب الايرانية العراقية الداعم للعراق وظلت علاقتها مع إيران وثيقة جدا لم يعكرها لهيب الحرب الذي وصل سناه لجميع دول الخليج واحتفظت بعلاقات متوازنة في الحملة العسكرية لتحرير الكويت حيث شاركت في الحملة العسكرية ولم تقطع خطوط الاتصال مع صدام حسين حيث قام وزير خارجيته طارق عزيز بزيارة خاضها إلى مسقط في ذلك العام .

ويبرز موقف السلطنة المتفرد في عام 2007 حين أعلنت انسحابها من مشروع الوحدة النقدية الخليجية ثم أعلنت رفضها لمشروع الاتحاد الخليجي وأطلق وزير خارجية السلطنة تهديدا بالانسحاب من المجلس إذا أعلن الاتحاد معللا ذلك لحماية المنطقة من ألعسكره والاستقطاب الامنيه والبعد الحقيقي الابتعاد عن سياسة الدول الأعضاء ذات الصراعات الطائفية والعداوات الاقليمية ثم تؤكد هذه الحقيقة في توثيق علاقتها مع إيران وعقد اتفاق تعاون عسكري عام 2010 ثم تقوم بمبادرة الوساطة بين الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة وإيران من جهة أخرى لإطلاق سراح المحتجزين من الطرفين وقد تكللك المساعي بالنجاح وفيما بعد تصبح نافذة لإعطاء رسالة بحق إيران في الاستخدام السلمي للبرنامج النووي ثم تبدأ باستضافة جولات المفاوضات حول البرنامج النووي بين إيران ومجموعة ( 5+1) التي انعقدت في مسقط وأفضت إلى اتفاق الإطار الذي تم توقيعه .

وفي إحداث اليمن لها موقفها الخاص فقد رفضت المشاركة في عملية عاصفة الحزم بقيادة السعودية واظهرت استقلالية اكثر في دائرة الأجواء السياسية المتوترة واختارت السعي إلى حل دبلوماسي للصراع  وأعلن وزير الخارجية العماني ( إن سلطنة عمان هي دولة السلام ولا يمكن إن نعمل على تحقيق جهود السلام ثم تكون في الوقت نفسه جزاء من الحملة العسكرية )

ثم كانت المبادرة العمانية التي أخذت مدى واسعا إقليميا ودوليا وبالذات السلطنة جهدا متميزا ونظرة موضوعيه في حل ألازمه اليمنية التي أفرزت شكلا متميزا بخارطة الاصطفاف الإستراتيجي في منظومة التحالفات ألاستراتيجيه الحاكمة لأمن الخليج والمنطقة .

إن هذه المواقف وغيرها كالقتال في سوريا تعطي للسلطنة وصفا متميزا في استقلالية القرار والعقلانية والحياد والموضوعية في أجواء هذا العرض ما هو الغرض الذي تحققه من خلال تعميق العلاقات العمانية العراقية التي يمكن إجمالها في ثلاثة أجمالات :

1- الوساطة لما تملك السلطنة من حيادية وموضوعية وعلاقات ودية في المنطقة وتتصف به من مصداقية واستقلالية في القرار يمكن إن تكون وسيطا مقبولاً يسعى بين العراق وبعض الإطراف في المنطقة كالوساطة بين العراق والسعودية ودول الخليج في قضايا مختلفٌ عليها منها مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع الإرهاب أو التدخل في الشأن العراقي وزيادة تصدير النفط وغيرها من القضايا .

2- التهدئة يمكن إن يكون للسلطنة دور في تهدئة الأجواء الملتهبة والإحداث متعدده في المنطقة وذلك لأنها لديها المخاوف والمخاطر في امتداد الفكر التكفيري إليها أو انتقال القاعدة من اليمن إلى ضفار التي تحتفظ بذاكرة التمرد أو تجدد خلافها مع السعودية والإمارات حول واحة البر يمي أو لكونها مسؤوله عن مضيق هرمز الذي يعد احد مواردها ألاقتصادية يلقي ما يجري في المنطقة بآثاره المخيفة على سير السفن في المضيق وهذه القضايا وغيرها تجعل السلطنة في أجواء ضرورة التهدئة في المنطقة الذي يلتقي هذا مع السياسية العراقية التي تحرص على تخفيف الاحتقان والصراع في المنطقة .

 

3- توثيق العلاقات وتبادل المصالح بين البلدين وذلك في المجالات التالية :

1- إنعاش التعاون في مجال  الاتصالات ألحديثة والدعوة الى إقامة مراكز بحوث مشتركة في ميادين التقدم العلمي والتكنولوجي .

2- توسيع التعاون في ميادين السياحة بين البلدين فهي مجال يمكن ان يتوجه اليه العراقيون إلى السلطنة لما تتواجد فيها من طبيعة واثار وجمال يجذب السائح العراقي .

3- التعاون في مجال المواصلات البحرية والموانئ فللسلطنة خبرة في بناء كاسر الأمواج في الموانئ العراقية لخبرة السلطنة العتيدة في هذا الاختصاص لأنها تستقبل أمواج المحيط العاتية .

4- التعاون في مجال دعم الشباب في التنمية حيث تعد السلطنة ابرز الدول الناجحة ببرامج التنمية.

5- التعاون في مجال الرياضة والقوات والإعلام وإقامة المعارض التجارية والثقافية ومعارض الكتب.

أن مثل هذه الأفاق والنشاطات تفتح المجال واسعا بين البلدين تجعل العلاقة منتجه في مجال الوساطة والتهدئة والتعاون .

 

 

مؤسسة الهدى للدراسات الإستراتيجية

ذات النفع العام

 

21/2/2016