دور المرجعية الدينية في بناء الدولة العراقية الجديدة

الباحث : د .مصطفى الناجي

كبير الباحثين في  مجلس النواب العراقي

المقدمة

         جاءت اهمية الشروع بدراسات تستند الى معطيات علمية واسس اكاديمية مجردة للوقوف على حقيقة دور المرجعية الدينية في بناء الدولة العراقية الجديدة ، خصوصا ان هذا الدور تطور بعد العام 2003  ثم تعقّد نتيجة الانفتاح السياسي والتعددية الحزبية ،فلقد ادى زوال القمع إلى إختلاف السياسة العراقية الحديثة إختلافا جذريا عن أنماط السياسات العامة السابقة، ومن هنا تعاطت المرجعية الدينية في كل حقبة تعاملاً مختلفاً حسب معطيات الواقع ، فالعصر الحالي  مختلف عن عصر ثورة العشرين، والمسوغات الشرعية التي جعلت الفقهاء انذاك يفتون بالجهاد غير متوفرة في حالتنا اليوم، ولذا أعتمدت المرجعية الدينية  وبشكل أساسي على قاعدة التزاحم بين المهم وألأهم والتي تجوز لنا دفع ألأسوء بالسيء حيث كان النظام البائد مصداقا لهذه القاعدة كما أن الأمة كانت على ألأعم ألأغلب مع أسقاط النظام الطاغوتي البائد، وعلى هذا الاساس مثّل العام 2003 علامة فارقة في دور المرجعية الدينية في العراق على طول تاريخها ، اذ اضطلعت بادوار سياسية وتأثير حاسم على عملية بناء الدولة العراقية الجديدة بالتصدي تارة بشكل مباشر عبر الفتاوى والبيانات وابداء المواقف،وبشكل غير مباشر تارة اخرى عبر مراقبة الاداء السياسي للكتل والاحزاب السياسية وتقديم النصح والارشاد او حتى بالنقد والتقريع،ولا شك ان هذا الدور قد برز وبشكل كبير وواضح بعد سقوط النظام السابق في نيسان 2003 بعد ان كان منحسراً ومقيداً بفعل السياسات الدكتاتورية من قبل الانظمة المتعاقبة على حكم العراق .

والبحث هذا(دور المرجعية الدينية في بناء الدولة العراقية الجديدة) يناقش فيما اذا كان للمرجعية الدينية في العراق دوراً في تاسيس الدولة بعد العام 2003 ، وفيما اذا كانت تملك سلطة تمارسها على سير العملية السياسية ، وما هي اسهاماتها في هذا المجال .

وسيقسم البحث الى  ثلاثة محاور رئيسية مع خاتمة لهذا البحث .

المحور الاول: الاطار المفاهيمي

المحور الثاني: سلطة ومهام المرجعية الدينية

المحور الثالث:دور المرجعية الدينية في بناء الدولة العراقية الجديدة  

اولاً:- تعريف المصطلح :

لفهم موضوع البحث واعطاء صورة ثلاثية الابعاد عن دور المرجعية استوجب ان نتعرف على ماهية المرجعية الدينية التي تعرف بانها "الجهة المتولية بشؤون الأمة لتدبير أحوالها وأوضاعها الدينية"([1])، والمرجع الديني هو" المجتهد العادل(*) ،الذي يرجع إليه الناس للفتوى لعباداتهم ومعاملاتهم"([2])، ويعرف (الشهيد الصدر) المجتهد بأنه، "الإنسان الذي اكتسب من خلال جهد بشري ومعاناة طويلة الأمد استيعاباً حياً وشاملاً ومتحركاً للإسلام ومصادره"([3]). والمرجع الديني في المذهب الشيعي الأمامي يعد نائباً للامام المعصوم في زمن الغيبة الكبرى وهذا الكيان الديني الذي خلفه الإمام الغائب جاء بحسب حديث الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه):""أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فأنهم حجتي عليكم وانأ حجة الله عليهم"([4]).

من جانب آخر يعرف الدكتور (حسن لطيف الزبيدي)  المرجعية الدينية بانها "كيان فقهي يحتل مساحة مهمة تربط المجتمع الشيعي بعلاقات وثيقة ، وتلزم الفرد الشيعي المتدين بالأحكام الشرعية بناءً على فتوى المجتهد"([5]) ، بمعنى ان المرجعية الدينية عن طريق الحوزة العلمية ومن خلال المجتهد الجامع للشرائط تقوم بإصدار الفتاوى والأحكام الشرعية ، وهذا الكيان الفقهي الذي يطلق عليه (المرجعية الدينية) هو ما يميز المجتمع الشيعي  بوجود آلية الاجتهاد لاستنباط الأحكام الفقهية وإصدار الفتاوى، إلا ان هذا التعريف وعلى الرغم من سعته، فهو غير كاف لتوضيح أبعاد واهمية المرجعية الدينية في الواقع الشيعي، اذ انه يتسم بالعمومية

 اولاً، ولم يحدد المساحة التي تحتلها المرجعية الدينية  في الواقع الشيعي، وحصر اهتمامها بعملية الفتوى، ولكننا نجد للمرجعية الدينية أبعاداً أخرى مهمة أكثر عمقاً سواء في المجال الفقهي على مستوى الفتيا، او في المجال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فالمرجعية الدينية بالنسبة للشيعة الامامية " أعلى سلطة روحية دينية شيعية في كل إنحاء العالم، وهي ترتبط ارتباطاً عقائدياً بالمذهب الشيعي الأمامي"([6])، وتضطلع هذه المؤسسة بأكثر من مهمة تتعدد بتعدد الأهداف التي تعمل على تحقيقها"فهي الحافظة للإسلام وكيان المسلمين وتدافع عن حقوقهم وترعى مصالحهم وتدير المدارس الدينية ومراكز التعليم والثقافة، وتعد الفقهاء ومراجع التقليد كما تنهض المرجعية بمهمة إعداد القادة القادرين على الوقوف دون انهيار وخراب المسلمين في العقيدة والفكر والمحافظة على هويتهم ودينهم والدفاع عنهم بما تملكه من سلطة روحية-دينية.

ثانياً: سلطة ومهام المرجعية الدينية

والحديث عن (سلطة) المرجعية الدينية يتعلق بما تمارسه من تأثير على المجتمع والسؤال الذي نحاول الاجابة عليه هو:هل للمرجعية الدينية سلطة؟واذ كانت هناك سلطة فأيَ نوع من السلطات هي التي تمارسها؟

ولكي نميز نوع السلطة التي تمارسها المرجعية الدينية لابد لنا من معرفة معنى(السلطة) وفق المفهوم السياسي ، فالسلطة كما يراها (برتراند رسل) مقترنة بالتأثير ، فهي" إحداث تأثير مقصود" وكذلك هي"قدرة شخص ما على التحكم في ردود فعل شخص آخر" كما يراها (روبرت دال) وكلاهما يربطان بين السلطة وبين التأثير عبر العلاقات التي تقوم بين الافراد وبين المجتمع [7].

وبناءاً على ذلك يمكن القول ان التعاريف السابقة وإن اختلفت في الصياغات ،الا انها تتفق على مضامين متشابهة ، وهي وجود التأثير في ممارسة السلطة سواء من قبل فرد او جماعة، وعلى هذا يمكن القول ان للمرجعية الدينية سلطة، وهذه السلطة لا تشمل الجوانب الروحية فقط، بل يمكن لها ان تمتد لتشمل كل ما يتعلق بالنشاط الانساني في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية،وهنا ,يمكن القول ان للمرجعية الدينية سلطة دينية ودنيوية (دينية – سياسية) تستند الى النصوص المروية عن ائمة اهل البيت عليهم السلام ووجوب طاعتها، وهي تمارس هذه السلطة من خلال تمتعها بصلاحية الاجتهاد والتصدي لانحراف المجتمع والحفاظ على الافراد امام التحديات، فالمرجعية امتداد للامامة،كما كانت الامامة امتداداً بدورها للنبوة([8]).فهي مارست وتمارس بالفعل سلطة وتأثيراً على الافراد والجماعات من خلال:-

  1. تلجأ المرجعية الدينية في أوقات معينة كالأزمات السياسية والامنية  وغيرها إلى إصدار فتاوى يمكنها إحداث تأثير واسع في الوسط الاجتماعي، والادلة في هذا المجال كثيرة وليس آخرها الفتاوى المتعلقة بالانتخابات وفتوى الجهاد الكفائي.
  2. مما لاشك فيه إن المرجعية الدينية تأثيراً واسعاً في عملية اتخاذ القرارات بالنسبة لصانعي القرار بشكل مباشر من خلال اتباعها او بشكل غير مباشر من خلال نفوذها وتأثيرها حتى على غير المقلدين، وهذا النوع من التأثير رغم ارتباطه بمدى استجابة صانعي القرار،الا انهم عادة ما يتظاهرون بعدم مخالفتها.

   بعبارة اخرى ان المرجعية الدينية تمثل سلطاناً دينياً واجتماعياً وسياسياً على الافراد والجماعات الذين يمنحونها الامرة والقيادة في امور دنياهم لما لهم من ثقة ورضا بكل ما تتخذه من قرارات تخص الشأن العام ، فتحصل المرجعية على الطاعة وهذا ما يمنحها السلطة،على الرغم من ان المرجعية الدينية ليست "(دولة) ولا (حكومة) وانما هي نظام للعمل في الامة في ظل حكومة قائمة، شرعية او غير شرعية، والمرجعية وفق هذا الوصف انما تمارس بعض الادوار والنشاطات التي تشبه دور النظام السياسي وذلك لملىء الفراغ الديني والشرعي، عندما تتخلى الدولة عن واجباتها او تعجز عن القيام بها او تنحرف وتتعدى حدودها المرسومة لها في نظر الشرع"([9]). وعلى هذا الاساس تصدت المرجعية الدينية لملىء الفراغ السياسي الذي تركه سقوط النظام السابق جرّاء انهيار الدولة العراقية في نيسان 2003، ومن ثم سعيها لبناء الدولة العراقية الجديدة.

ثالثاً: المرجعية الدينية وتحديات بناء الدولة

           لم تكن المرجعية الدينية بمنأى عما يجري حولها وإن كانت تعاني الحصار في اغلب اوقاتها، غاية الامر ان دورها بعد سقوط النظام العراقي العام2003 اصبح بارزاً واتسع هذا الدور ليشمل الجانب السياسي ، وهو امتداد لادوارها السابقة قبل ذلك ، فمع انهيار العراقية بكافة مؤسساتها السياسة والامنية وغيرها، وحاولت القوات الامريكية والحاكم المدني (بول بريمر) ان تملأ الفراغ الناشىء عن اسقاط الدولة من خلال صياغة نظام عراقي جديد وفق رؤية امريكية تشمل هيكل ومضمون الدولة على مقاسات الدول المحتلة،ولم تكن المرجعية تقف موقف المتفرج تجاه هذا الخطر،ولعبت تلك الظروف دورها في ان تتصدى المرجعية الدينية لملء الفراغ واستطاعت ان تبلور مشروع سياسي لمرحلة جديدة في حياة العراقيين ، وعلى هذا الاساس ساهمت المرجعية الدينية بشكل اساسي في بناء الدولة العراقية الجديدة بعد العام 2003 من خلال مشروعها السياسي  عن طريق المطالبة بالتمثيل الشعبي من خلال الانتخابات العامة والمباشرة،كذلك دعواتها لسن دستور عراقي لا يخالف ثوابت الاسلام ولا ينأى عن مدنية الدولة الجديدة ثم اصرارها بطرحه على الاستفتاء الشعبي،فضلا عن حفاظها على وحدة العراق ووحدة التشيع كما سنراه في متن البحث، كل ذلك كان بمثابة ملامح واضحة ومعايير ثبتتها المرجعية الدينية في النجف الاشرف كأسس وثوابت للمشروع السياسي في بناء الدولة والنظام في العراق.

  • المرجعية والمشروع السياسي

         استشعرت المرجعية الدينية ان اي نظام سياسي مقبل للعراق يجب ان يكون نواته الاغلبية، وهذه الاغلبية لابد لها من ان تكون جماعة سياسية واحدة كي تكون قادرة على حمل هذا المشروع والايفاء بإلتزامات المرحلة السياسية المقبلة،فالوحدة المحقِقة للاغلبية هي المرتكز الاول لمشروع المرجعية الدينية في بناء الدولة العراقية الجديدة،وهكذا كان – ولا زال-  لوجود المرجعية الدينية اجمالاً الدور الاكبر في الحفاظ على وحدة التشيع،والدفاع عن حقوق الشيعة في العراق وخارجه، وان شعور المجتمع الشيعي في العراق بوجود  المرجعية، جعلهم  يطمئنون على حركتهم الرسالية تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً،لان المرجعية تمثل الجهة التي تضفي صبغة شرعية على كل موقف يقوم به اتباع اهل البيت[10]، فضلاً عن  ان السير  خلف هذه المرجعية يحفظ توجهاتهم السياسية، ومن هنا ارتكز التحرك السياسي لدى الشيعة في العراق دوماً على المرجعية الدينية منطلقاً واستمراراً، خصوصاً ان التاريخ السياسي لشيعة العراق جعلهم مترابطين مع توجهات المرجعية ومؤمنين بتوجهاتها، مما قد ولّد ثقافة لديهم تنتهي الى الولاء لهذه المؤسسة المؤثرة والفاعلة في توجيه الامة الشيعية توجها سياسياً فاعلاً [11]

        من هنا كان للمرجعية الدينية بعد  العام 2003 الدور الكبير في توحيد شيعة العراق، ورص صفوفهم وقيادتهم الى المرحلة التي تحولوا فيها من اغلبية عددية مهددة ومشردة ومحاربة لقرون من الزمان،الى اغلبية سياسية  تحكم العراق وتنصف الاقليات وتراعي حقوق الديانات الاخرى،لان ائمة اهل البيت عليهم السلام  هم من اوصى باحترام الاقليات والحكم العادل، ولهذا وجدنا المرجعية الدينية هي اول المنتقدين للاداء الحكومي  في بعض مفاصله ، رغم ان شكل ومظهر القيادات الحاكمة هي قيادات شيعية في الاعم الاغلب،وهي نفسها الداعية الى ان يكون سنة العراق كنفس الشيعي( لا تقولوا اخواننا بل قولوا انفسنا) [12]على حد تعبير السيد علي الحسيني السيستاني ، وهي نفسها التي وقفت تدافع عن المسيحيين والصابئة، بل هي نفسها وقفت تحّرم مقاتلة الاكراد الذين حوربوا بيد نظام يدعّي انه منتمي مذهبياً الى انتماء الكرد المذهبي [13].

         ان موقف المرجعية الدينية في الدفاع عن حقوق شيعة العراق لم ينطلق من ابعاد طائفية بقدر ما هو منطلق من استحقاقات طبيعية تتماشى وطبيعة التعاطي السياسي الديمقراطي في ضرورة ان يكون للاغلبية الدور الاكبر في رسم ملامح المشروع السياسي دون اقصاء او ابعاد لباقي المكونات، وفي نظرة متوازنة تحفظ للدولة والنظام السير وفق اليات النظم الدستورية،لكون هذه الاغلبية العددية – السياسية يقع على عاتقها قيادة البلاد بحكم ثقلها  , وكانت المرجعية الدينية في مقدمة الداعين الى رفض المحاصصة الطائفية او العرقية بوصفها طريقاً لتمزيق العراق،وتأصيل الفوارق الطائفية والاثنية، وتقسيم المجتمع الى فئات تتمايز بالدين والعرق والقومية ، ولهذا كان السيد علي الحسيني السيستاني  واضحاً في رسالته التي ارسلها الى الاخضر الابراهيمي ممثل الامين العام للامم المتحدة ، اذ يؤكد فيها"ان هذا القانون- قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية- الذي يعهد بمنصب الرئاسة في العراق الى مجلس يتشكل من ثلاثة اشخاص – سيكون احدهم من الكرد والثاني من السنة العرب والثالث من الشيعة العرب- يكرس الطائفية والعرقية في النظام السياسي المستقبلي للبلد ويعيق اتخاذ اي قرار في مجلس الرئاسة الا بحصول حالة التوافق بين الاعضاء الثلاثة وهي ما لا تتيسر عادة من دون قوة اجنبية ضاغطة"[14]

وفي هذه الرسالة جملة مضامين اهمها:-

  • ان مجلس الرئاسة المزمع ايجاده يتقاطع مع الاطر الديمقراطية في التعاطي السياسي .
  • انه يكرس للطائفية من خلال توزيع المناصب على تلك الاسس الطائفية .
  • ان مجلس الرئاسة حتى وان تعاطينا معه طائفياً فان فيه تجاهلاً واضحاً للاغلبية الشيعية، لان مجلس الرئاسة موزع بالتساوي بين الشيعة والاكراد والسنة .
  • انه يوفر فرصة مناسبة للهيمنة الامريكية من خلال استخدام الضغط لايجاد حالة من التوافق بين اعضاء الرئاسة ، وهذا الانسجام سيكون بالتاكيد لصالح الجانب الضاغط وهو الادارة الامريكية .

      ويمكن تفسير الرفض هذا لقانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية يأتي من باب ان لايكون هنالك تمييز غير عادل لشريحة معينة على حساب بقية شرائح الامة ،ومن هنا وجدت المرجعية  في اعطاء حق الاعتراض المذكور في القانون لسلطة الائتلاف تعديا صريحا على حقوق اكثرية الشعب العراقي.ولذا جاء تحفظ السيد السيستاني على فقرة حق الاعتراض متماشيا مع مايدعو اليه من احلال السلم والعدالة الاجتماعية لكافة مكونات الشعب العراقي وان لايكون لفئة ما امتياز غير واقعي على بقية الفئات ،من جانب آخر فإن رفض المرجعية الدينية للمشروع الامريكي يأتي – ايضاً- بسبب  قناعتها بان ما ستفرضه الادارة الامريكية لن ينسجم مع الواقع العراقي ومطالب الشعب بايجاد نظام ديمقراطي قائم على اسس صحيحة ، ولذلك لم تقف المرجعية الدينية بالضد من المشروع الامريكي للعراق فحسب، بل طرحت مشروعاً يقوم على اسس الانتخابات  للجنة كتابة الدستور – كما سنراه لاحقاً- ،وكل ذلك جرى بمعطيات سلمية وديمقراطية، اذ انها طلبت من العراقيين الخروج الى الشوارع للمطالبة بحقوقهم من خلال لافتات ترفع فيها تلك المطاليب كي تمنع على المحتل ان يعيد صياغة العراق وفق رؤيته ووفق المؤثرات التاريخية.

  • وحدة الموقف والقرار

       بالاضافة الى ما قدمناه،فان النقطة الجوهرية هي وحدة الموقف في النجف الاشرف واحترام قرار المرجع الاعلى لتأتي رؤية الجميع منسجمة وغير متباينة معه، فان هذا ابرز اسرار سير العملية السياسية  في العراق  وتمكن الشيعة من ان يعبروا حاجز التحديات نحو بناء الدولة العراقية  رغم الصعوبة وبعض الاخفاقات اللاحقة لهذه العملية ،وان انسجامهم الكبير جعل الامة تعرف كيف تستجيب لتوجيهات المرجعية بمركزية موحدة تسهل عملية انقياد الامة نحو ثوابتها، وتعرف كيف تتخذ خطواتها مرحلة مرحلة ، من خلال محورية مرجعية السيد السيستاني، فالموقف من الانتخابات وضرورة ان تكون لجنة كتابة الدستور منتخبة ، فضلاً على الدعوة الى المشاركة الواسعة فيها، كانت فيها المرجعية منسجمة بشكل كبير وفق نظرية(الايقاع) ،اذ انسجمت المواقف واتحدت لتكون موقفاً واحداً ، وحتى بالنسبة لفتوى الجهاد الكفائي في حزيران 2014 لم تنفرد المرجعيات الاخرى في النجف الاشرف بمواقف مباينة عن المرجعية العليا ، بل سرعان ما  حصل الاجماع بين المراجع باصدار فتاوى وبيانات تساند فتوى السيد السيستاني وتدعهما .

  • : المرجعية خيمة للجميع

    وهو المرتكز الثاني لمشروع المرجعية الدينية في بناء الدولة العراقية الجديدة،تمكنت المرجعية الدينية في النجف الاشرف ان تكون حاضنة لجميع القوى السياسية الشيعية ، بل خيمة لجميع العراقيين ، وان تكون بمسافة واحدة من الجميع بالقدر الذي يجعل كلمتها نافذة ومؤثرة وغير منحازة، مع ان لهذه القوى السياسية توجهات عديدة، ورؤى مختلفة وخلفيات وايديولجيات في الفكر السياسي الشيعي متباينة  كاد ان يستغل لخلق حالة من الاضطراب، الا ان المرجعية حملت روح الابوة للجميع، مما سهل خلق خيمة مرجعية دينية ابوية تشمل الجميع وتوحد نوعاً ما جهود كل القوى السياسية الشيعية في الاسس والمشتركات السياسية ، وبنفس الامر وبذات المنهج والحكمة تم التعامل مع جميع الكتل السياسية واحزابها، ولم تهتم المرجعية لمن يدعي انه اقرب اليها من سواه، ولم تتأثر بالاجواء الاعلامية التي اطلقتها بعض القوى وتخلت عنها القوى الاخرى في مراحل مختلفة من عمر العملية السياسية بعد 2003م ، بل اتزنت رؤيتها ورسمت خط التواصل مع جميع القوى بما تراه مناسباً حافظاً لطبيعة علاقة المرجعية مع جميع القوى السياسية التي تنتمي اليها ، المرجعية منعت- بسلوكها العملي- ان يدعي احد حق الارتباط او التمثيل من القوى السياسية بها دون غيره او يصادر الاخرين او يصور للامة هذه المدعيات[15]، وعلى هذا الاساس اوصدت المرجعية ابوابها – ايضا- منذ العام 2013 والى حد هذا الوقت بوجه جميع السياسين العراقيين تعبيرا عن عدم رضاها عن الاداء الضعيف في مكافحة الفساد الاداري والمالي .

  • المرجعية الدينية والانتخابات

    يعد الدور الذي قامت به المرجعية الدينية في حفظ وحدة التشيع في العراق، هو الدور نفسه الذي قامت به في حفظ وحدة العراق ارضاً وشعباً ومكتسبات ومكونات، بل هو نفس الدور الذي قامت به في الضغط على الادارة الامريكية من اجل ان يكون الشعب العراقي هو الوحيد الذي يقرر مصيره ومستقبله السياسي ،  عبر اجراء انتخابات حقيقية تقوم عبرها بالتعبير عن هويته ويتبين من خلالها الاغلبية التي يجب ان يكون لها الدور المحوري في ادارة الدولة مع بقية المكونات، وبهذه الطريقة نجحت المرجعية في ان تحافظ على حقوق العراقيين كل بحسب وزنه الاجتماعي ، وبشكل ديمقراطي "للوصول الى معالجة تمذهب الدولة "[16].

    ففي رسالة التي ارسلها السيد السيستاني الى رئيس مجلس الامن الدولي حذّر فيها من الاشارة الى قانون ادارة الدولة في قرار مجلس الامن المرقم(1546 ) اذ اكد "ان هذا القانون – قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية- الذي وضعه مجلس غير منتخب وفي ظل الاحتلال ، وبتأثير مباشر منه، يقيد الجمعية الوطنية المقرر انتخابها في بداية العام الميلادي القادم لغرض وضع الدستور الدائم للعراق،وهذا امر مخالف للقوانين ولا يرتضيه معظم ابناء الشعب العراقي، ولذلك ان اي محاولة لاضفاء الشرعية على هذا القانون من خلال ذكره في القرار الدولي يعد عملا مضاداً لارادة الشعب العراقي ، وينذر بنتائج خطيرة"[17].

   وقد برزت مرجعية السيد السيستاني منذ الأيام الأولى للاحتلال كمرجعية ذات قوة كبيرة تسمح لها بالتأثير القوي على الراي العام في العراق، وهذا ما أدركه جميع المهتمين بالشأن السياسي ومنهم القوات المحتلة. إذ بدأت تصريحاته  تشكل عقبة كبيرة أمام سلطات الاحتلال لمطالبته بانتخابات حرة ونزيهة ومباشرة تقرر مصير وشكل الدولة العراقية الجديدة ،ففي رده على سؤال من وكالة( رويترز) حول تصورات المرجعية الدينية لمستقبل الحكم في العراق،اجاب السيد السيستاني :"أن الحكم في العراق يجب أن يكون للعراقيين بلا أي تسلط للأجنبي والعراقيون هم الذين لهم الحق في اختيار نوع النظام في العراق بلا تدخل الأجانب"[18].

       وفي سؤال لوكالة ( اسوشيتد برس الأمريكية) عن ماهية الحكومة في العراق ما بعد صدام وكيف يجب أن يتم تشكيلها وهل ستلعب المرجعية دور فيها؟ فكان الجواب :"شكل النظام الحكم في العراق يحدده الشعب العراقي وآلية ذلك أن تجري انتخابات عامة لكي يختار كل عراقي من يمثله في مجلس تأسيسي لكتابة الدستور ثم يطرح الدستور الذي يقرره هذا المجلس على الشعب للتصويت عليه والمرجعية لا تمارس دوراً في السلطة والحكم".[19]

    وعلى هذا الاساس امكن القول ان  الفراغ السياسي الذي حدث بعد الاحتلال لم تكن له اثار كبيرة على تماسك الشعب وطاعته للقيادة الدينية، واخذت توجيهات المرجعيات في الايام التي تلت احتلال العراق تجد صداها لدى الجماهير، بل ارغمت الادارة الامريكية على الفقبول بالانتخابات كألية وحيدة لاي خطوة مقبلة في بناء الدولة.

  • المرجعية الدينية والدستور العراقي 2005م.

     يعد الدستور القانون الاعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة، ونظام حكمها، وشكل حكومته، وتنظيم سلطاته العامة، كونه عقداً اجتماعياً اسس لحماية حرية المواطنين وحقوقهم، و ضمان المساواة والعدالة بين أفراد المجتمع ، ولا يختلف اثنان على اهمية الدستور والحاجة له بعد الفراغ وسيادة الدكتاتورية في العراق عبر تاريخه الطويل، ولاهمية هذه الوثيقة تصدت المرجعية الدينية في النجف الاشرف لضمان المعايير والاسس التي يطالب بها  اغلبية ابناء الشعب العراقي والتي يجب ان يتضمنها الدستور العراقي الجديد.

      ومن اجل إلقاء الضوء على دور المرجعية في الدستور العراقي بعد العام 2003 سنعرض، لأهم ردود الأفعال والضغوطات التي مارستها المرجعية الدينية متمثلة بالمرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني على الحكومة وقوات الاحتلال من اجل الوقوف بوجه القوى الخارجية ومنعها من تبني إيديولوجيات دخيلة على المجتمع العراقي وبالتالي وضع قوانين مخالفة لتوجهات وفلسفة المجتمع ،وتأسيساً على هذا الأمر فقد رجعت الأكثرية الشيعية الى السيد علي الحسيني السيستاني ليحل ما قد يلتبس عليها، وبالتالي وجد نفسه في موقع مسؤولية عظمى تملي عليه واجبات كبيرة اهمها الاشتراك في رسم السياسة العامة ومما يتعلق بها من خلال التدخل في وضع بصماته على اهم وثيقة تحكم الحياة العامة  والملامح الرئيسية لشكل وطبيعة الدولة والنظام السياسي، الا وهي الدستور، ففي رد على سؤال(صحيفة الواشنطن بوست)عن دور المرجع السياسي ؟اجاب مكتبه:

     بأن" سماحة السيد لا يطلب موقعاً في الحكم والسلطة ويرى ضرورة ابتعاد علماء الدين عن مواقع المسئوليات الادارية التنفيذية"[20].

      أي ان السيد علي السيستاني لا يرى ضرورة في ان يكون الحكم في العراق حكماً اسلامياً صرفاً، ولكن المسألة الاهم في نظره هي حماية الدين، ولا سبيل لذلك بالقوة ولكن عن طريق السياسة واستخدام السلاح نفسه الذي دخلت به القوات الاجنبية العراق وهو سلاح الديمقراطية.

    ولاجل التعرف بشكل ادق على اسهامات المرجعية الدينية في سن الدستور العراقي لبناء الدولة العراقية الجديدة ، يجب علينا  الوقوف على رأي المرجعية الدينية العليا وردورها على اسئلة الصحف الاجنبية حول شكل النظام العراقي المقبل ومالذي تريده المرجعية من الدستور العراقي المراد سنّه؟

     فبعد ان عمدت السلطات الامريكية الى تشكيل (مجلس الحكم الانتقالي)* و(اللجنة الدستورية التحضيرية لكتابته) في العام 2003 والتي تألفت من 25 عضواً بناءا على عدد اعضاء المجلس اذ اقترح كل عضو في مجلس الحكم مرشحاً لعضوية اللجنة وعدم تمتعها بتفويض واسعٍ بل اقتصرت مهمتها على تقديم توصيات حول كيفية صياغة آلية الدستور"[21].

    لقد كان هذا الموقف محط سخط المرجعية ورفضها بوصفها المسؤول الأول إمام الشعب ، وهي القيادة الوحيدة في فترة الفراغ السياسي والدستوري ما بعد سقوط النظام السابق عام 2003، لذا بدأت المرجعية باستخدام أسلوب الردع عن طريق الفتوى التي توجهها للجماهير، مستفيدة بذلك من التجارب السابقة التي واجهتها المرجعيات الدينية في التعامل مع المحتل البريطاني والنظام المستبد في الظروف التي يعمد الاحتلال فيها إلى وضع قوانين ممكن إن ترسم سياسة العراق المستقبلية.

   لذا فقد رد السيد علي السيستاني على الاستفتاء الموجه له في14 ربيع الأخر سنة 1424 والخاص باعلان سلطات الاحتلال تشكيل مجلس كتابة الدستور وانها ستعين اعضاء هذا المجلس بالتشاور مع بعض الجهات بما يلي:

      " إن تلك السلطات لا تتمتع بأية صلاحية في تعيين أعضاء مجلس كتابة الدستور كما لا ضمان إن يضع هذا المجلس دستوراً يطابق المصالح العليا للشعب العراقي ويعبر عن هويته الوطنية التي من ركائزها الأساس الدين الإسلامي الحنيف والقيم الاجتماعية النبيلة ، فالمشروع المذكور غير مقبول من أساسه ولابد أولا من إجراء انتخابات عامة لكي يختار كل عراقي مؤهل للانتخاب من يمثله في مجلس تأسيسي لكتابة الدستور ثم يجري التصويت العام على الدستور والذي يقره هذا المجلس وعلى المؤمنين كافة المطالبة بتحقيق هذا الأمر المهم والمساهمة في انجازه على أحسن وجه، ..."[22].وورد ذات المضمون ايضاً في رده الى مجموعة اسئلة من (صحيفة سان فرانسيسكو) بالقول"... ضرورة إن يعتمد في كتابة الدستور القادم على آلية الانتخاب دون تعيين، وانه لا شرعية لأي دستور يكتب بأيدي أشخاص معينين سواء من قبل السلطة الاحتلال أو أعضاء ما يسمى بمجلس الحكم او غيرهم. "[23]

     كما يمكن تلمس الاصرار المرجعي وجوب ان تكون اللجنة المكلفة بكتابة الدستور منتخبة من قبل الشعب وان تشترك الامم المتحدة بالاشراف على هذه العملية من خلال رده على مجموعة اسئلة توجهت بها اليه صحيفة (لوس انجلوس).[24] إن النظرة التحليلية لما تقدم يبين النقاط الاتية:-

1-ان وجود السلطات الاجنبية وجود غير شرعي وكل ما يصدر عنها من قرارات ليس شرعياً بالنتيجة ، وقد اجاب السيد السيستاني عن شرعية وجودها في استفتاء اخر لصحيفة اساهي اليابانية عن تعريف السيستاني لقوات التحالف( فقال: انها قوات احتلال كما اقر بذلك مجلس الحكم)[25].

2-يمكننا الاستنتاج بأنه لم تكن هناك ثقة كاملة باعضاء مجلس الحكم وان كانوا اسلاميين ظاهراً او انهم من الممكن ان يتعرضوا لضغوط تجبرهم على تبني منهجاً معيناً قد يخدم اطرافاً لها نوايا سيئة تجاه العراق.وهذا واضح من تحفظ السيد السستاني عن الاجابه بشأن شرعية مجلس الحكم.

3-رفض اي مشروع بديل للانتخابات العامة.مع الاشارة الى امكانية اعتماد اشراف الامم المتحدة في هذا الموضوع

  • تعبئة وتوجيه الرأي العام لليقظة والمطالبة بتحقيق تلك المطالب، وهذا ما حدث فعلاً حيث خرجت مظاهرات كبيرة في عموم البلاد تطالب بالانتخابات لتشكيل مجلس تأسيسي لكتابة الدستور في كانون الثاني/ يناير 2004.[26]

لقد كانت فتاوى المرجع السيد السيستاني عبارة عن محددات لجميع القوى في العملية السياسية فنادراً ما كنا نرى إن يتم تجاوز فقرة من الفقرات التي يجيب فيها السيد السيستاني سواءاً من قبل الطبقة السياسية العراقية،ام من قبل سلطات الاحتلال الامريكي  وخصوصاً الاسئلة التي كانت تتعلق بالدستور والانتخابات.ومن هنا يتضح لنا التأثير الواضح للمرجعية الدينية في صياغة وتثبيت الدستور بما يتلائم ولو نسبياً مع الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للعراق.

الخاتـمـة

        شكلت المرجعية الدينية في النجف الاشرف ومازالت جزءا مهماً من تاريخ العراق المعاصر وعضواً فاعلاً في التركيبة المؤثرة في مجرى الاحداث العراقية وصانعاً لبعضها ، وخصوصاً في بناء الدولة العراقية الجديدة بعد العام 2003،و يمكن استنتاج ما يلي:

  1. امتلاك المرجعية الدينية في النجف لعمق تاريخي وتراثي يمتد الى اكثر من الف عام وهو ما اعطاها الكثير من مصادر القوة على الفعل والاستجابة للاوضاع العامة والتقلبات السياسية والاجتماعية التي تحصل في العراق.
  2. ان المؤسسة الدينية لم تكن بعيدة ومنفصلة عن الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي بل هي متصلة فيه من خلال التواصل المباشر مع الجمهور بكل فئاته.
  3. لقد كان للمرجعية الدينية دور فاعل في أحداث العراق والمنطقة قبل سقوط النظام لا يمكن لأحد إن يتجاهله، إلا إن تنامي دورها الأساس والرئيسي في الشؤون العامة ظهر بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003، و ظهرت الأصوات الشعبية تطالب بإشراف ورعاية المرجعية الدينية في النجف الاشرف للعملية السياسية في العراق وعدم ترك الأمور بيد الاحتلال تلك التيارات السياسية المختلفة، وفعلا دعت المرجعية الدينية إلى اخذ رأي الشعب في كل الأمور التي تخص البلد ابتداء من الدعوة لتشكيل حكومة عراقية وإنهاء سلطة الاحتلال المؤقتة، ثم الدعوة لكتابة دستور دائم للبلاد من قبل العراقيين، والدعوة أيضا لإجراء انتخابات حرة ونزيهة لانتخابات أعضاء المجالس المختلفة، ( مجلس النواب، ومجالس المحافظات والاقضية والنواحي)، لذلك كان– ولا يزال- للمرجعية الدينية في النجف الاشرف دور مهم في المرحلة الراهنة لأجل تشخيص نقاط القوة والضعف في الأداء السياسي لتلك التيارات والأحزاب السياسية العراقية، ثم تصاعد هذا الدور وبشكل لافت للنظر بعد دخول تنظيم داعش الإرهابي للعراق وسيطرته على أجزاء مهمة في الموصل والانبار وكركوك وصلاح الدين، وخاصة فتوى الجهاد الكفائي لصد التنظيمات الإرهابية والدفاع عن الوطن والمقدسات وأخرها الوقوف مع الشعب في مطالبته بالتغيير ومحاسبة المسؤولين المقصرين والفاسدين وتوفير الخدمات للشعب.
  4. استطاعت المؤسسة الدينية احداث تغيير حقيقي في قدراتها السياسية واساليب عملها وخطابها الموجه وما تقدمه من طرح فكري ومعالجات وحلول لكثير من القضايا العامة اثر على درجة الوعي الشعبي بحجم حقوقهم في الدولة العراقية وطبيعة واقعهم السياسي وحقهم في رسم معالم الدستور والمشاركة في الانتخابات.
  5. ان المرجعية الدينية كيان قوي وفاعل ومؤثر في الواقع العراقي ولا يمكن لاي حكومة التغافل عنه او عدم التعاون معه.
  6. ان الخصوصيات المجتمعية والقيمية التي يتميز بها الشعب العراقي، جعلته يخرج عن أغلب المعادلات السياسية التي عمد منظرو السياسة المعاصرة إلى وضعها، فعجز المنظومات الفكرية والفلسفية الغربية من وضع أطر نسقية تنظم العلاقة بين الدين والدولة، دفع هذه المنظومات إلى إصدار قرار (حتمي) يقر بهذا الفصل، في العراق الوضع قد اختلف كثيرا، فنجاح المرجعية الدينية من الــ(التدخل- واللا تدخل) في العملية السياسية، بطريقة ذكية وذات بعد إداري جديد، بعيدا عن المفهوم الوظيفي تم من خلاله طرح مفهوم العلاقة، بين الدين والدولة بثوبها وحلتها الجديدة.
  7. لقد كانت مرجعية السيد علي السيستاني ترى بان الامور ستتحسن عند اجراء الانتخابات حيث سيأخذ كل ذي حق حقه، إلا أن ظهور تقصير واضح من قبل الذين تصدوا للعمل السياسي في العراق من مختلف المكونات، من خلال ظهور التقسيم الطائفي- المحاصصة الطائفية- للحكم في العراق وليس على أساس الكفاءة والمؤهلات، كذلك استشراء الفساد المالي والإداري في اغلب مفاصل الدولة وعلى مختلف المستويات، الذي أدى إلى سوء الخدمات وتزايد مستويات الفقر وسرقة المال العام، ودخول المجموعات الإرهابية (تنظيم داعش الإرهابي) والاستيلاء على مساحات واسعة من العراق، وعلى الرغم من التحذير المستمر للمرجعية الدينية للسياسيين من خطورة هذه الأمور على مستقبل العراق، إلا إن الوضع بقي على حاله ولم يتغير، بل زاد من سوء الأمور إلى الأزمة الاقتصادية لانخفاض أسعار النفط، كل هذا قاد المرجعية إلى تصاعد دورها في الأمور السياسية للبلاد، وعدم ترك الأمور بيد السياسيين الحاليين.
  8. بعد وصول التنظيمات الإرهابية إلى المناطق المقدسة والأهلة بالسكان، وقتلها الآلاف من العراقيين في الموصل وصلاح الدين على أساس طائفي، وعدم وجود قوات عسكرية نظامية من الجيش والشرطة قادرة على وقف تقدم الإرهاب، أدركت المرجعية الدينية خطورة الوضع الأمني الحالي، واحتمال انجرار البلاد للحرب الأهلية الشاملة، لذا جاءت دعوة المرجعية الدينية لكل العراقيين إلى الجهاد الكفائي للدفاع عن الوطن والمقدسات، وتشكيلها لقوات الحشد الشعبي ودعمهم بالمال والسلاح، إذ إن تخاذل السياسيين والانقسام بين الكتل والأحزاب السياسية، دفعها لان تأخذ زمام المبادرة في الدفاع عن الوطن والمقدسات والشعب.
  9. واخيراً فقد كان – ولا زال- للمرجعية الدينية في النجف الاشرف الدور الاكبر والابرز في رسم ملامح الدولة العراقية الجديدة من خلال محددات وضعتها منذ بداية انطلاق العملية السياسية، وهي الانتخابات ، وكتابة الدستور من خلال لجنة منتخبة ، والامة هي التي تقرر مصيرها، والاحتكام الى الاغلبية ،وبناء الدولة على اسس المهنية والكفاءة،فضلاً عن تصدي المرجعية لملىء الفراغ منعاً من انحراف المجتمع.

المصادر

  • د.جودت القزويني، المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الامامية:دراسة في التطور السياسي والعلمي، دار الرافدين،ط1، بيروت،2005.
  • حامد الخفاف، النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية، دار المؤرخ العربي، بيروت، لبنان، 2007.
  • حسن العلوي الشيعة والدولة القومية، دار روح الامين، ط1، ايران، 1426هــ .
  • د. حسن لطيف الزبيدي، موسوعة الاحزاب العراقية ، مؤسسة المعارف ،بيروةت،2007.
  • د.حسن لطيف الزبيدي، موسوعة الأحزاب العراقية، مؤسسة المعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، 2007.
  • مجموعة باحثين، الاجتهاد واشكاليات التطور والمعاصرة، ط1، معهد الرسول الاكرم، بيروت،1432هـ- 2003م.
  • محمد تقي الحكيم، الاصول العامة للفقه المقارن، ط1، دار الاندلس، بيروت 1963.
  • محمد جواد مغنية، فقه الامام جعفر الصادق،ج6، دار القلم، بيروت، 1975.
  • محمد باقر الصدر، خلافة الانسان وشهادة الانبياء، دار التعارف، بيروت،(د.ت).
  • محمد باقر الصدر ، الاسلام يقود الحياة - المدرسة الاسلامية – رسالتنا، ط2، مركز الابحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر ، مطبعة شريعت ، قم ، 1424هـ.
  • محمد باقر الحكيم، موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ، ج3،الإمام الحكيم ،ط1، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم ،النجف الاشرف، 2005.
  • محمد بن الحسن الحر العاملي، وسائل الشيعة (ج8)، باب صفات القاضي، المكتبة الاسلامية، طهران ، 1375 هـ ش.
  • محمد صادق الهاشمي ، رؤية في الحشد الشعبي :خط المقاومة في العراق ،التأسيس والاستشراف، مركز العراق للدراسات ، بلا تاريخ.
  • أ.د صادق الاسود ،علم الاجتماع السياسي اسسه وابعاده، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي،جامعة بغداد،كلية العلوم السياسية،1990.

 فاضل الربيعي، احتلال العراق وتداعياته عربياً واقليمياً، بحوث ومناقشات الذروة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005.

  • علي الغروي، التنقيح في شرح العروة الوثقى (التقليد)، ط1، مؤسسة تراث الامام الخوئي، ايران، 1412هـ.
  • علي محمد رضا كاشف الغطاء، باب مدينة علم الفقه، دار الزهراء، بيروت 1405هـ- 1985م.
  • الموقع الرسمي لسماحة السيد علي السيستاني.

 

 

([1]) علي محمد رضا كاشف الغطاء، باب مدينة علم الفقه، دار الزهراء، بيروت 1405هـ- 1985م،ص358.

 

(*) الاجتهاد ماخوذ من الجهد وهو بذل الوسع للقيام بعمل ما، ولا يكون الا بالأشياء التي فيها ثقل فيقال:
 اجتهد فلان في رفع حجر ثقيل ولا يقال اجتهد في حمل ورقة مثلاً اما معنى الاجتهاد التام هو ان يبذل الوسع في الطلب بحيث يحس من نفسه بالعجز عن مزيد الطلب والمجتهد في اصطلاح الفقهاء هو الذي يعرف اصول الشريعة بكاملها وما تنطوي عليه من احكام ويملك القدرة التامة على استنباط هذه الاحكام وردها الى اصولها أي الادلة الشرعية وهي اربعة، الكتاب، والسنة، والاجماع، والعقل، فالمجتهد اشبه
بمن يعرف ان في هذه الارض نوعاً خاصاً من المعادن ويعرف ايضاً الوسيلة الى استخراجه وتصنيفه والانتفاع به: ينظر محمد تقي الحكيم، الاصول العامة للفقه المقارن، ط1، دار الاندلس، بيروت 1963، ص563؛ وانظر ايضاً محمد جواد مغنية، فقه الامام جعفر الصادق،ج6، دار القلم، بيروت، 1975، ص379.

 

 

([2])مجموعة باحثين، الاجتهاد واشكاليات التطور والمعاصرة، ط1، معهد الرسول الاكرم، بيروت،

1432هـ- 2003م، ص344.

 

 

([3])محمد باقر الصدر، خلافة الانسان وشهادة الانبياء، دار التعارف، بيروت،(د.ت)، ص23.

 

 

([4])محمد بن الحسن الحر العاملي، وسائل الشيعة (ج8)، باب صفات القاضي، المكتبة الاسلامية، 

طهران ، 1375 هـ ش ، ص101.

 

 

([5]) د. حسن لطيف الزبيدي، موسوعة الأحزاب العراقية، مؤسسة المعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، 2007 ،ص 534.

 

 

([6])علي الغروي، التنقيح في شرح العروة الوثقى (التقليد)، ط1، مؤسسة تراث الامام الخوئي، ايران، 1412هـ، ص16.

 

 

([7]) أ.د صادق الاسود ،علم الاجتماع السياسي اسسه وابعاده، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي،جامعة بغداد،كلية العلوم السياسية،1990،ص128.

 

 

([8])محمد باقر الصدر ، الاسلام يقود الحياة - المدرسة الاسلامية – رسالتنا، ط2، مركز الابحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر ، مطبعة شريعت ، قم ، 1424هـ ، ص15.

 

 

([9])محمد باقر الحكيم، موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ، ج3،الإمام الحكيم ،ط1، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم ،النجف الاشرف، 2005، ص77.

 

 

([10]) د.جودت القزويني، المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الامامية:دراسة في التطور السياسي والعلمي، دار الرافدين،ط1، بيروت،2005 ،ص195 .

 

 

([11])محمد صادق الهاشمي ، رؤية في الحشد الشعبي :خط المقاومة في العراق ،التأسيس والاستشراف، مركز العراق للدراسات ، بلا تاريخ، ص17.

 

 

([12]) موقع سماحة السيد السيستاني، في كلمة القيت بالنيابة عنه في الملتقى الاول لعلماء السنة والشيعة في العراق في مدينة النجف الاشرف عام 2007.

 

 

([13])صدرت هذه الفتوى بتاريخ 5/7/1965م

 

 

([14])رسالة السيد السيستاني موجهة الى الاخضر الابراهيمي بتاريخ 9/3/2004 م ، موقع السيد السيستاني.

 

 

([15])محمد صادق الهاشمي،مصدر سبق ذكره، ص 32.

 

 

([16]) حسن العلوي الشيعة والدولة القومية، دار روح الامين، ط1، ايران، 1426هــ ، ص325.

 

 

([17])البيان بتاريخ 6/6/2004م.موقع السيد السيستاني.

 

 

([18])حامد الخفاف، النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية، دار المؤرخ العربي، بيروت، لبنان، 2007، وثيقة رقم 2، ص10.

 

 

([19])المصدر نفسه، وثيقة رقم 7، ص18.

 

 

([20])حامد الخفاف، المصدر السابق ذكره ص28.

 

(*)مجلس الحكم الانتقالي، هو الذي شكلته سلطات الاحتلال الاميركي من 25 عضواً كانت حصة الطائفة الشيعية 13 عضو وهم ابراهيم الجعفري، احمد البراك، احمد الجلبي، اياد علاوي، حميد مجيد موسى، عبد الكريم المحمداوي، عقيلة الهاشمي، موفق الربيعي، وائل عبد اللطيف، رجاء الخزاعي، عزالدين سليم، محمد بحر العلوم، وعبد العزيز الحكيم، والسنة 5 اعضاء، عدنان الباججي، غازي عجيل الياور، محسن عبد الحميد، نصير الجادرجي، سمير الصميدعي، الاكراد، 5 اعضاء، جلال الطلباني، مسعود البارزاني، محمود عثمان، صلاح الدين بهاء الدين، دارا نور الدين.

 

 

([21])د.حسن لطيف الزبيدي، العراق والبحث عن المستقبل، مركز العراقي للبحوث والدراسات ، العراق، الطبعة الأولى، النجف الاشرف، بيروت، 2008،، ص178.

 

 

([22])حامد الخفاف، مصدر سبق ذكره ص31.

 

 

([23])المصدر السابق، ص40.

 

 

([24])المصدر نفسه ، وثيقة رقم 17، ص36.

 

 

([25])حامد الخفاف، مصدر سبق ذكره، ص40.

 

 

([26]) فاضل الربيعي، احتلال العراق وتداعياته عربياً واقليمياً، بحوث ومناقشات الذروة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005، ص284.