نظــرة الـمرجعــــية الدينيــة

الى الشعائر الحسينية

د. حميد علي راضي الدهلكي

المقدمة

الشعائر في الإسلام وغيره من الأديان هي العلامات والدلالات التي تمارس لإحياء أمر الله ، وسنة نبيه ، وتطبيق شريعته ، وهي امور توقيفية وتستند إلى العقل والنقل السليمين لكي ننسبها إلى الله تعالى ولكي نميّزها ولاتختلط بالبدعة والطقوس والعادات  والممارسات التي لاسند ولامدرك شرعي معتبر لها ، ولايقبلها عقل سليم ومنطق حكيم يتطلع إلى روح الإسلام ، ومقاصد الشريعة وأهداف الرسالة .

وبسبب الجهل والعاطفة المفرطة وتعطيل العقل وتسطيح الوعي ومحاربته وتغليب الأوهام والأحلام والقصص والخرافات والروايات الضعيفة على المنطق والعقل والنقل المعتبرين ، بدأ الصراع منذ القدم بين مدرسة الوعي والتأصيل ، وبين مدرسة الجهل والتجهيل ، وامتد إلى يومنا هذا وسيستمر لتكون الغلبة لعاطفة الناس وسوادهم الأعظم ، ومن يقف وراء هذا الصراع من أفراد ومؤسسات ودول ومال واعلام لمحاصرة الفكر والوعي والبصيرة ومن يقف معه من الأنصار الواعين وهم قلة في معترك الحياة دائماً .

ونظرا لخطورة هذا الصراع بين العاطفة والفكر ، وخطورة السلوك الناتج منهما كان حريٌّ بأهل العلم والنظر من الباحثين والعلماء والمجتهدين والمراجع من موقف بأزاء ما يقال وما ينشر وما يمارس وما يُعرض وما يُتبنى من قبل مدرسة العواطف التي تسعى إلى تأجيج العاطفة وإفراغ الشعائر من محتواها وخزينها المعرفي لتبقى شِعاراً وإطاراً وشكلاً ومظهراً بعيداً عن المضمون والجوهر ، ومن المؤسف دخول الكثير من المفاهيم المغلوطة ، والممارسات الخاطئة بقصد أو بدونه إلى عالمنا وواقعنا لتحتل موقعاً متقدماً في صياغة مفاهيمنا ووعينا ، وبما أن هذه الأمور بدأت تشكل فهماً عقدياً سوف يترسخ ويتجذّر عبر الزمن ليشكل خطراً على مدرسة الفكر والوعي ، كان لابدّ من الوقوف الواعي والتصدي الشجاع وتبيان حقيقة الأمور وخلفياتها ، لكي لاتختلط المفاهيم ولاتُمارس البدع باسم الشعائر ، وكان للمرجعية رأي في ذلك رغم خطورته وتبعات التصدي له ، ولكن هذا جزء من مسؤوليتها واهتمامها لموقعها بوصفها الوكيل عن المعصوم ، وعليها تبيان الأحكام والمفاهيم إضافة إلى القيادة والتبليغ والإبلاغ ، وهي مهمة الرسل والانبياء ، ومن هنا كان هناك مراجع تصدّوا وبحزم لهذه الممارسات الخاطئة ودفعوا ضريبة تصديهم ثمناً غالياً ، اذ ضحوا بدمهم وسمعتهم وتسليط العوام عليهم وتسقيطهم والتشكيك بهم وكيل الاتهامات لهم وغيرها ، في حين سكت آخرون وبقي موقفهم غامضاً أو رمادياً ولاندري كيف نسوغ سكوتهم وكان عليهم تبيان الأحكام ، لأنه لا توجد واقعة الا ولله فيها حكم حتى أرش الخدش كما يقولون ، وهل تستقيم ممارسة الأمة الخاطئة بسكوت علمائها ومراجعها ؟ أو ليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة يجب ممارستها قدر المستطاع ؟ وعليه لانفهم حقيقة السكوت ووظيفة العالم والمرجع بيان الموقف العملي سيما لا وجود لظروف التقية حالياً .

لهذا نحن مع المرجعية الواعية والقائدة والمتصدية والمبلغة لامور الدين والدنيا لكي تكون مرجعية دينية لامرجعية شريعة ، لكي تؤسس لاسلام حركي كما أراده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرون (عليهم السلام)، وكما اراده الحسين (عليه السلام)  بقوله : إذا كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي فيا سيوف خذيني ، وهكذا كان الحسين يقتل في سبيل الله من أجل دين الله وشريعة رسوله عندما علم أنَّ دمه هو مهر ثورته التصحيحية فعندها سيعطيه ولايبالي ، ويضحي بنفسه وابناءه وأهل بيته وأصحابه من أجل إعلاء كلمة الله وشرعته ومنهاجه ، لكي تكون ثورته ومفاهيمها من الشعائر لأن حركته هي حركة الإسلام ، جاهد وكافح ليحيِّ السنة المضيّعة وليصحح الشريعة المبدّلة وليقيم العدل وينتفض ضد الظلم والظالمين والفاسدين ليصرخ في كربلاء لتبقى صرخته مدوية بصداها مع الزمن ، كل ذلك من أجل احياء شعائر الله واحياء أمره .

ولأَهمية هذا البحث الذي بحثه آخرون قبلي وأسهبوا فيه وسيعقب عليه العديدون بعدي لِجدواه وأهميته وخطورته كتبت هذه الوريقات لتكون مقدمة لبحث علمي تخصصي وتفصيلي للمفكرين والعلماء من رواد مدرسة الوعي والتغيير كتبت هذا لأضع لبنة في مسيرة البناء الشامخ الذي يحتاج إلى العديد والمزيد لتوضيح ثورة الحسين وامثالها بقيمتها المعرفية والموضوعية وبمبادئها الإنسانية ، والحضارية كما أرادها الحسين لنصدرها بحلتها الجديدة من خلال الممارسات الواعية والشعائر الإسلامية الأصيلة لا الشعارات الدخيلة بعيدة عن العنف والدم والمظاهر المقززة والعادات المنافية للشرع والمنطق ومن الله التوفيق .

 

المبحث الاول: مفهوم الشعائر

  • الشعائر لغةً

وردت لفظة الشعائر أو شعيرة في المعاجم اللغوية ، ففي كتاب العين وردت لفظة " الشعائر جمع شعيرة والشعيرة في اللغة تعني العلامة ، ويقال للرجل: أنت الشعار دون الدثار تصفه بالقرب والمودة ، وأشعر فلان قلبي هماً ألبسه بالهم حتى جعله شعاراً .... ويقال ليت شعري أي علمي ... وشعرته عقلته وفهمته والمشعر موضع المنسك من مشاعر الحج . وكذلك الشعار من شعائر الحج ... والشعيرة من شعائر الحج ([1]) .

لقد استخدم الفراهيدي لفظين مفردين للشعائر ، فتارة لديه اللفظ المفرد شعيرة ، وتارة أخرى شعار ، وأوضح معنى الشعيرة بقوله هي البدن([2]) ، وأشعرت هذه البدن نسكاً أي جعلتها شعيرة تهدى ، وأشعارها أن يوجأ سنامها بسكين فيسيل الدم على جانبها فتعرف أنها بدنة هدي . وسبب تسمية البدن بالشعيرة أو بالشعار أنها تشعر ـ أي تُعلم ـ حيث يعلم أنها بدن للهدي . والملاحظ من كلام الفراهيدي أن هناك معنى مشتركاً بين الألفاظ التي استعملت فيها كلمة شعائر حيث تستعمل بكثرة بمعنى العلامة والاستعلام . وفي الصحاح: جاءت الشعائر على أنها أعمال الحج ([3]) وكل ما جعل علما لطاعة الله ([4]). والمشاعر مواضع النسك ، والمشاعر الحواس ، والشعار ما ولي الجسد من الثياب فشعار القوم في سفر القوافل والحرب ، علامتهم التي يعرف فيها بعضهم بعضاً فالعرب كانوا يتخذون شعاراً لقوافلهم يعرف القوم بها أثناء المسير ، ولذا يقال أشعر القوم ، أي جعلوا لأنفسهم شعاراً، وشعار العسكر([5]) أن يسموا لها علامة ينصبونها ليعرف الرجل بها رفقته. وفي الحديث أن شعار أصحاب رسول الله (ص) كان في الغزو ( يا منصور امت ) وهو تفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة([6]) وعن الإمام الصادق (ع) قال: شعار المسلمين يوم أحد يا نصرالله اقترب ويوم الطائف يا رضوان ، ويوم حنين يا بني عبدالله ، ويوم الاحزاب حم لا ينصرون ، ويوم الفتح نحن عباد الله حقاً حقا ، ويوم تبوك يا أحد يا صمد ، ويوم صفين يا نصر الله ، وشعار الامام الحسين يوم كربلاء يا محمد (ص)([7]) .

أما في القاموس المحيط وردت لفظة أشعره الأمر أعلمه ، وأشعرها جعل لها شعيرة وشعار الحج مناسكه وعلاماته والشعيرة والشعارة والمشعر موضعها ... وشعائره معالمه التي ندب الله إليها وأمر بالقيام بها([8]) .

أما في معجم مقاييس اللغة فقد وردت لفظة الإشعار بمعنى (الاعلام عن طريق الحس ومنه المشاعر: المعالم واحدها مشعر وهي المواضع التي قد أشعرت بعلامات ومنه الشعر لأنه حيث يقع الشعور (يعني التحسس) ومنه الشاعر لأنه يشعر بفطنته بما لا يفطن له غيره)([9]) ومن قوله النبي (ص) للأنصار " أنتم الشعار والناس الدثار([10]) أي انتم الخاصة والبطانة ، وقد ضمن علماء اللغة المعنى القرآني للشعائر في معاجمهم اللغوية ، واستدلوا بها على بعض مداليها التي أشار إليها القرآن الكريم كما أشرنا إليه أعلاه وقد أشار صاحب مجمع البحرين لقوله تعالى (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير ...)([11]) .

وفيه أن الله تعالى قدر ذلك لأن في المعنى تعليلاً لكون نحرها من شعائر الله بمعنى أن نحرها مع كونها كثيرة النفع والخير وشدة محبة الانسان للمال من أول الدلائل على قوة الدين وشدة تعظيم أمر الله([12]).

وقد انعكست هذه الرؤيا أيضاً في أقول المفسرين مع ملاحظة إطلاق لفظة مفردة الشعائر أو تقييدها وهل كونها خاصة في مناسك الحج وأعماله أم انها تتعدى تلك الخصوصية إلى مفاهيم أعم وأشمل . وقد اختلف في المعنى المراد من لفظة شعائر الله فهي تأتي بمعنى شعائر الله أي عموم شعائره في جميع تكاليفه غير مخصوص بشيء معين ، وبذلك تكون لفظة شعائر الله هي دين الله ، وتأتي أيضاً لتؤكد معنى التكليف الخاص في شؤون الحج([13]) .

وفي دلالة هذين المعنيين جاءت أقوال المفسرين فالسدي([14]) يرى أن شعائر الله ، حرم الله . وقال ابن عباس([15]) شعار الله مناسك الحج ، وقال: عطاء بن أبي رباح([16]) شعائر الله جميع ما أمر الله به أو نهى عنه ([17]) ويرى الرازي أن شعائر الله هي أعلام طاعته وكل شيء جهل علماً من أعلام طاعة الله فهو من شعائر الله([18]) . قال تعالى (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله )([19]) أي علامة للقربة وقال تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب)([20]) ، وشعائر الحج معالم نسكنه ومنه المشعر الحرام ومنه إشعار السنام وهو أن يعلم بالمدية فيكون ذلك علماً على إحرام صاحبها وعلى أنه قد جعله هدياً لبيت الله([21]) ، وأما في قوله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله )([22]) فأنه يعني من معالم الله التي جعلها تعالى ذكره لعباده معلماً ومشعراً يعبدونه عندها ، إما بالدعاء وإما بالذكر وإما بأداء ما فرض عليهم من العمل عندها([23]) ، ويرى الرازي أن تحمل معنى الصفا والمروة على أنهما الجبلين يمكن أن يكونا موضعين للعبادات ، والسعي  بين هذين الجبلين من شعائر الله ، ومن أعلام دينه وقد شرعه الله تعالى لأمة محمد (ص) ولإبراهيم (ع) بأن جعل أفعالهما ـ هاجر وإسماعيل ـ طاعة لجميع المكلفين إلى يوم القيامة وآثارهما قدوة للخلائق أجمعين ليعلم أن الله لا يضيع أجر المحسنين([24]) .

وحدد القرطبي لفظة الشعائر بأنها كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم فيقال له شعائر([25]) . وقد أكدت القواميس الفقهية هذا المعنى الوارد للفظة الشعائر في مجالاته العامة والخاصة وذلك عندما أشارت للشعائر بأنها (ما ندب الشرع إليها وأمرنا بالقيام بها)([26]) .

والذي يبدو من مجموع أقوال اللغويين والمفسرين أن موارد استعمال لفظة (شعائر) جاءت دائماً في موارد الإعلام الحسي ، فالمعنى العام الجامع الذي يتفق عليه في حقيقة الشعائر يكمن في كونها ذات بعد إعلامي حسي وأن في ممارسة تلك الشعائر الدينية وإحيائها تعظيماً لتلك الأوامر الإلهية وأنها من تقوى القلوب لذا فأن في إحيائها أيصال رسالة إعلامية حسية معينة لمن يريد أن يستفيد من تلك الشعائر .      

المعنى الاصطلاحي :  الشعائر هي مظاهر ومعالم العبادة وممارستها من دعاء أو صلاة أو حج أو غيرها ، وهي أفعال لها دلالة رمزية وتؤدى على حقب زمنية محددة أو في مناسبات خاصة في الغالب.

2ــ معنى البدعة :

البدعةُ في اللغةِ : هي البدع بفعل شيءٍ على غير مثال سابق ، قال تعالى : "بديع السماوات والأرض " أي خالقهما على غير مثال سابق([27]).

البدعةُ في الشرعِ :هي مخالفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في العبادة ، والدليل على ذلك ماجاء في قوله تعالى:(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ          أَلِيمٌ ) ([28]) .

قال ابن مسعود ( رض ) : (اتبعوا ولاتبتدعوا فقد كُفيتم وكل بدعة ضلالة)([29]) .

وقال سفيان بن عيينة (رحمه الله) : (فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الميزان الذي تقاس عليه الأعمال فإن قبلها قبلناها ، وإن ردَّها رددناها ) .

إذن : إدخال شيء في الدين وليس له أصل من القرآن أو السنة المطهرة عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أو سنة الأئمة الاطهار "ع" ونضيفه وننسبه إلى الدين فهو بدعة ، نهى الإسلام عنها ، لأن كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة كفر ، وصاحبها في النار .

وبناء على التمييز بين الشعائر والبدع ، نلاحظ إن بعض الطقوس والعادات وغيرها والتي تُمارس من عموم الناس هي بدعة ، كالتطبير ، وضرب الظهور بالسلاسل وبآلات حادة وجارحة ، والمشي على الجمر أو النيران ، او المشي على الزجاج المهشم ، وتطيين الرؤوس وأمثالها ، فهي بدع لم يقم بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولاأحد من اهل بيته من الائمة المعصومين (عليهم السلام) ولم تقرها السنة المطهرة .

 

3ــ الشعائر مصطلح قرآني :

ذُكرت كلمة الشعائرِ في ثلاث سور قرآنية هي : (إنَّ الصفا والمروةَ مِنْ شعائرِ اللهِ فمنْ حجَّ البيتَ أو اعتمرَ فلا جناحَ عليه أن يطوّفَ بِهما ومَنْ تطوَّعَ خيراً فإنَّ اللهَ شاكرٌ عليمٌ )([30]) .

( ياأيها الذينَ آمنوا لاتُحلُّوا شعائر الله ولا الشهرَ الحرام ..)([31]) .

(ذلِكَ ومَنْ يعظِّمْ شعائِر اللهِ فإنِّها منْ تقوى القلُوبِ )([32]) .

(والبُدْنَ جعلناها مِنْ شعائرِ الله لكم فيها خيرٌ فاذكروا اسم الله عليها ..)([33]).

وفي جميع هذه المواطن جاءت لفظة الشعائر متعلقة بقضية الحج ، ولو رجعنا إلى أصل التشريع لوجدنا أن الصفا والمروة جبلان في مكة ، فرض الله تعالى على حجّاج البيت الذين يقصدون أداء فريضة الحج ، وعلى المعتمرين الذين يقصدون أداء العمرة التي يراد بها زيارة البيت ضمن مناسك مخصوصة ، أن يسعوا بين الصفا والمروة ، وهو السعي بين هذين الجبلين ، وقد كان المسلمون في بداية عهد التشريع يشعرون بالحرج من ذلك ، لأنهم يرون فيه مخالفة لعقيدة التوحيد في الفكر والممارسة ، لأنّ الأصنام كانت منصوبة عليهما .

كما ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) ، حيث روي عنه بعض أصحابه قال : " سألته عن السعي بين الصفا والمروة فريضة هي أم سنة ؟ قال (عليه السلام) : فريضة ، قلتُ : أليس اللهُ يقول : (فلاجناح عليه أن يطوّف بهما) ؟ قال (عليه السلام) : كان ذلك في عمرة القضاء وذلك أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام فتشاغل رجلٌ من أصحابه حتى أعيدت الأصنام ، قال : فانزل الله :( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ )([34]).

وجاء في حديث يرويه صاحب الكافي([35]) عن الامام الصادق (عليه السلام) : أنّ المسلمين كانوا يظنون أنّ السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون ، فأنزل الله عزّ وجل " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه "([36]).

وفي الدّر المنثور عن عامر الشعبي قال :" كان وثن بالصفا يُدعى إساف ووثن بالمروة يدعى نائلة ، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت يسعون بينهما ويومسحون الوثنين ".

فلما قَدِمَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا : يارسول الله ، إن الصفا والمروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنين ، وليس الطواف بهما من الشعائر!! فأنزل االله : ( إن الصفا والمروة ) الآية ..

فذِّكر الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه , إساف ، وأنثَّت المروة من أجل الوثن الذي كان عليه مؤنثاً  ــ نائلة ــ ([37])ـ

وهكذا نجد أن القضية تتصل باعتبار هذه الفريضة بعيدة عن خط الإيمان ، لأنها امتداد لأجواء الشرك والأصنام ، فجاءت هذه الآية لتضع القضية في موقعها الطبيعي من عقيدة التوحيد وشريعته ، لأنّ وجود الأصنام وعدم وجودها لايضر بذلك شيئاً ما دامت العبادة مرتبطة في وعي المسلمين ، وتفكيرهم بالله ، ومنطلقة من أمر الله ورسوله ، و كانت الكعبة البيت الحرام مطافاً للمسلمين قبل أن يفتح الله عليهم مكة مع وجود الأصنام التي نصبها المشركون فيها ، لأن المسلمين لم يحسبوا لها أي حساب في طوافهم وفي عبادتهم .

وهكذا الطواف حول ضريح الامام الحسين (عليه السلام) أو غيره من أضرحة الأولياء والصالحين ، لم يكن بنية الزائر أن يطوف حول القفص الحديدي أو الذهبي لكي يكون عمله من الشرك ، بل يطوف حول الحسين بثورته الخالدة ومبادئه الحقّة ، ويجدد العهد مع الله على الأهداف التي سار وضحى من أجلها الحسين (عليه السلام).

من هنا تُعَدُّ الشعائر معالم وعلامات للعبادة ، وكل عمل يراد به العبادة والتقرب إلى الله تعالى فهو من الشعائر شريطة أن لا يتصادم مع القرآن والسنة القطعية ، ولهذا تُعَدُّ الشعائر من المسائل المهمة في الفكر الإسلامي لأنها تدخل في عقيدة الانسان ومعتقده وتحدد مساره مع الله تعالى .

وعند الرجوع للآيات السابقة نلاحظ أن هناك نكتة مهمة وهي إضافة الشعائر إلى الله (من شعائر الله) ، فكل شعيرة نستطيع أن نضيفها إلى الله وورد ذكرها في القرآن ، كالصلاة والصيام والحج والأضحية ، وصلاة الجمعة ...الخ تُعَدُّ شعائر وهي مما يريدها الله سبحانه وتعالى ويحبها . ويطلب من العبد الإتيان بها وإحياءها ، لأنها علامة من علامات العبادة والتوحيد إلى الله تعالى ، وأما الشعائر التي لم تضف إلى الله تعالى ونشك في نسبتها إليه فعلينا أن نحتاط بنسبتها إلى الله وإلى الشريعةِ المقدسة ، إلّا أن يقوم دليل شرعي قطعي من القرآن أو السنة على عدّها شعيرة فيؤخذ بها ويومكن ممارستها وبدونه يجب الاحتياط بممارستها كي لانبتلى بالبدع والطقوس التي يمارسها الكثير من العوام من دون مدرك شرعي معتبر .

المبحث الثاني : منهجنا في البحث

أولاً : ان منهجنا وطريقتنا في البحث ، سيما في الأمور التي تخص الجانب العقدي والعبادي هي المستوحاة من إمامنا جعفر ابن محمد الصادق (عليه السلام) ، اذ رسم لنا خريطة الطريق وكيفية المسير في تطبيقها.

وتتلخص طريقة الامام الصادق ومنهجه بأن نعرض الحديث الوارد عن الائمة (عليه السلام) على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله نأخذ به ، وما خالفه فهو زخرف ، أو نضرب به عرض الجدار كما يقول بذلك (عليه السلام) .

يقول محمد التيجاني السماوي : إنّ أهل البيت (عليه السلام) يضعون ويرتبون القرآن في المرتبة الأولى ، والسنة النبوية في المرتبة الثانية ، ونعني بذلك أنهم يخضعون السنّة للمراقبة ويعرضونها على كتاب الله العزيز ، فما وافق كتاب الله قبلوه وعملوا به ، وماخالف كتاب الله تركوه ولم يقيموا له وزناً([38]).

والشيعة يرجعون في ذلك لى ماقرره اهل البيت (عليهم السلام) رواية جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي قال : " إذا جاءكم حديثٌ عني فأعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فأعملوا به ، وماخالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار "([39]).

وقد قال الامام الصادق (عليه السلام) مرات عدة : (مالمْ يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف"([40]).

وعلى هذا الاساس المتبنى بنى الشيعة الامامية فقههم وعقيدتهم ، وعليه فمهما بلغ الحديث بصحته سنداً ودلالةً وكان مخالفاً لكتاب الله فهو زخرف ويضرب به عرض الجدار ، وهذا هو المعيار والميزان الذي يقبل به الحديث أو يرفض ، وهو العرض على كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه .

ثانياً : منطق القرآن الكريم وهو كتاب هداية ودعوة هو : ( ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنّ ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين )([41]) .

وتوصيف القرآن الكريم واسلوب دعوته يمتاز بالميزات الآتية ومنها :

1ـ إنه وحيٌ سماويٌ .

2ـ دعوته ورسالته مبدئية غير براغماتية ولاميكافيلية ،أي لم تبن على المصالح ولاعلى الغاية تبرر الوسيلة.

3ـ دعوته ورسالته شاملة .

4ـ دعوته ورسالته واقعية .

5ـ دعوته ورسالته معتدلة (توازن بين الروح والجسد).

6ـ دعوته ورسالته وسطية .

7ـ دعوته ورسالته حوارية .

8ـ دعوته ورسالته انسانية .

9ـ دعوته ورسالته تسامحية ، تحترم الآخر ، وتنبذ العنف والتطرف .. الخ

هذه بعض ملامح دعوة القرآن الكريم مما يحتاجه الباحث في بحثه العلمي .

ومن خلال هذه العناوين والمفاهيم القرآنية نفهم أن روح الإسلام ومقاصد الشريعة تدعو إلى الوحدة والائتلاف وإيجاد المشتركات بين المسلمين لتوحدهم بحبل الله المتين لتجعلهم قوة عظمى أمام كل التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية ، وهذا يدعو رواد الاصلاح إلى تبني هذه المفاهيم لتوحيد الأمة.

المبحث الثالث : قيمة الحسين في الإسلام

1ـ ورد في صحيح الترمذي عن يعلى بن مرّة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :" حسين مني وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحب حسيناً ، حسينٌ سبطٌ من الأسباط "([42])(42).

2ـ وعن عبد الله بن مسعود قال :

إن رسول الله قال في الحسن والحسين (عليهما السلام) : ( هذان ابناي ، فمنْ أحبّهما فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد ابغضني ) .

3ـ وعن علي بن الحسين عن ابيه عن جده (عليهم السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ بيد الحسن والحسين وقال :

" منْ أحبني وأحبّ هذين وأباهما كان معي في درجتي يوم القيامة "([43]).

فالحسين (عليه السلام) هو ابن رسول الله وابن بضعته الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وابن علي (عليه السلام) خرج بثورته المباركة لتصحيح الانحراف الذي أصاب الأمة ، ولم يطلب بذلك جاهاً ولامالاً ولا ليتبوء منصباً سياسياً ، بل يريد احياء رسالة جدّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وإعادة القرآن منهجاً للمسلمين بعد أن تعطلت آياته وتوقفت أحكامه ، فخرج ليعلن ثورته بندائه الخالد : " إني لم أخرج أشراً ولابطرا ً ، ولامفسداً ولاظالماً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي وأبي "([44]).

انطلق الحسين (عليه السلام) لإعلان ثورته ، ومن خلال استقراء الكتب والحوارات والخطب والمراسلات ودراسة الأوضاع السياسية والاقتصادية والإجتماعية للمرحلة التي عاشها الحسين (عليه السلام) نلاحظ أهم أسباب خروج الامام الحسين (عليه السلام) ما يأتي :

1ـ الإستبداد والاستئثار بالسلطة ، فقد نشأت طبقة سياسية متميزة وحزب عشائري متفرّد هو الحزب الأموي فاستأثر بالسلطة والمال والإدارة وحرم بقيّة أبناء الأمة ، حتى غدت الدولة حِكراً للأمويين ، وملكاً خاصاً لهم .

2ـ القتل والإرهاب وسفك الدماء ومصادرة حقوق الناس والتنكيل بهم ومحاسبتهم على الظنَّة والتهمة ، فكانت سياسة الترغيب والترهيب هي السائدة في حينها .

3ـ العبث بأموال الأمة والدولة ونشوء طبقة رأسمالية إلى جانب الفقر والحاجة في ذلك المجتمع ، وعدم أهلية كثير من المتحكمين لإشغال المناصب وتولّي المسؤوليات .

4ـ الانحراف السلوكي ، فقد بدأ الإنحراف يدبّ في الحياة العامة ، ومظاهر الفساد الاجتماعي تظهر في سلوك الأفراد والجماعة .

5ـ غياب القانون وتحكِّم المزاج والمصلحة الشخصية للحاكم والولاة بدل الشريعة والقانون في مواقع خطرة مهمّة من حياة الأمة .

6ـ نشوء طبقة من وضّاع الحديث والمحرِّفين لسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والدّاسِّين عليها ، ونشوء فرق كلامية ، كالجبرية والمفوضة وغيرها ، لتبرير السلوك السياسي للسلطة والدفاع عنها .

وقد حفظ لنا التأريخ أرقاماً ووقائع تشهد بانحدار المجتمع وتباعده عن كثير من قيم الإسلام وقوانينه ، لهذه الأمور وغيرها انطلق الامام الحسين (عليه السلام) بثورته التصحيحية والتي دفع من أجلها دمه وابناءه وعشيرته واصحابه ، لكي يعود الإسلام من جديد ليقف أمام الجاهلية والعصبية والعشائرية([45]).

وبهذه المبادئ ولأجلها ثار الحسين (عليه السلام) ، ليرسم لنا النهج والطريق لمن أراد أن يسير بسيرته ويتخذ نهجه ، ولكن لهول الصدمة وشراستها وانتهاك الحرمات بشكل مخالف لكل القيم الانسانية لما الحقه بنو أمية بالحسين واهل بيته واتباعه وذبحوه كما تذبح الشاة ، انطلق قوم من العوام ليعبروا عن حزنهم وصدمتهم ، فبدأوا بممارسة عادات وتقاليد وطقوس هي بعيدة كل البعد عن منطق الشرع والعقل ، فظهرت هناك بدعة ضرب الرؤوس بالمدى ، وجلد الظهور بالسلاسل ذات الآلآت الجارحة ، والسير على الجمر والنيران ، وتطيين الرؤوس والجباه وامثال ذلك ، وقد شوهت وجه الثورة الحسينية العظيمة ، ثورة الاحرار على مدى العصور والامصار.

ووقف علماؤنا الابرار ازاء هذه الممارسات التي تسيء إلى الإسلام الصحيح والمذهب موقفاً صريحاً وشجاعاً واعلنوا حكمهم الشرعي بلا تقية وبلا مجاملة لأحد .

المطلب الاول : بين الشعائر وإحياء الأمر

ذكرنا في التعريف أنَّ معرفة الشعيرة هي أن تضاف إلى الله تعالى ، وعلى منهجنا الذي تبنيناه وهو منهج الامام الصادق (عليه السلام) ، بطرح الشعيرة على كتاب الله تعالى ، لذا هل يوجد للشعيرة مستند ومدرك من الكتاب أو السنة المعتبرة لكي يؤخذ بها ، أو أنها زخرف ويضرب بها عرض الجدار ؟ .

ومن خلال الاستقراء لم نجد في تراث أئمتنا (عليهم السلام) شيئاً اسمه الشعائر أو الشعيرة ، بل وجدنا مفهوم إحياء الأمر ، وهو لسان العديد من الروايات عن أئمتنا (عليهم السلام) ونذكر للمثال روايتين للإختصار :

الاولى : عن عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول : رحم الله عبداً أحيا أمرنا ، فقلت له : وكيف يحيى أمركم ؟ قال (عليه السلام) : يتعلّم علومنا ويُعلِّمها الناس ، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا([46]).

الثانية : وررد في كتاب ( مستطرفات السرائر ص 626) رواية يُسأل فيها الإمام الصادق (عليه السلام) الفضيل عن الجلوس والحديث ، ونص الرواية بهذا الشكل :

عن أبي عبد الله ، قال لفضيل : تجلسون وتحدّثون ؟ّ! قال : نعم ، جُعلت فداك ، قال : إن تلك المجالس أُحبُّها ، فأحيوا أمرنا ، يا فضيل فرحم الله من أحيا أمرنا ، يا فضيل ومَنْ ذكرَنَا ، أو ذُكِّرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذُباب ، غفر اللهُ له ذنوبه .

ويلاحظ ان الامام (عليه السلام) إنما بادر وسأل الفضيل لعلمه لما لهذا الأمر من الأهمية حدوثاً وبقاءً ، فابتدأ الإمام سائلاً ( إنكم تجلسون وتحدّثون ؟ ) .. فإن الإمام لم يسأل عن شيءٍ آخر ، فيعلم أن نفس الجلوس وتحديث الناس في فضائل أهل البيت (عليهم السلام) أمر مهم وضروري ، اذ لايناسب أن يمتدح الإمام مجرد الجلوس والتحدث من دون أن يكون ذلك لأجل أنهم يذكرون ما فيه طاعة الله كذكر فضائلهم (عليه السلام) ، فإن نفس الجلوس والتحدث في أمور فيها طاعة الله تعالى ، كان موجباً لأن يقول الإمام (عليه السلام) أن تلك المجالس أحبّها ، ومن المعلوم ، انّ حب الامام (عليه السلام) في حد نفسه لمثل هذه المجالس يدعو لأن يعمل الانسان بكل ما أوتي من قوة لكي يحصل على حب الأمام (عليه السلام) ، إذ من المعلوم أن ما يحبه الامام هو محطُّ حب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحب النبي هو محطُّ حب الله تعالى ، وهو الغاية في عمل كل انسان ، أن ينال حب الله تعالى في عمله .

فإذن الجلوس والتحدث في امور الدين هو مما يحبه الامام (عليه السلام) ، ويكون هذا مقدمة لحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويكون هذا بدوره حباً لله تعالى ونيل القرب والقبول من الله تعالى .

من هنا يتضح الفارق بين إحياء الأمر وهو تدارس أحكام الشريعة ومفاهيم الإسلام والقرآن وأمثالها ومدايتها وتدريسها ، وبين ما ينسب من ممارسة الطقوس والعادات التي نشاهدها تمارس من العوام في أيام محرم الحرام وغيره كضرب الرؤوس بالمدى (التطبير) وضرب الظهور بالسلاسل ..الخ ، فهي أمور لا نستطيع أن ننسبها إلى الله تعالى ولا نتقرب إلى الله تعالى بممارستها ، ولابد للعالم الواعي أن يمارس دوره ويتخذ موقفاً حاسماً وواضحاً وصريحاً تجاه هذه الممارسات التي توهن الإسلام والمذهب وتصفه بصفات لاتليق بسمعته ، ونلاحظ أن هناك حديثاً يعطينا الموقف العملي تجاه هذه الممارسات وهو : عن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور العمي يرفعه قال :

( إذا ظهرت البدع في أمتي فعلى العالم أنْ يظهر علمه ، فإن لم يفعلْ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لايقبَل فيه صرْفٌ ولاعدْلٌ )([47]).

والرواية مرفوعة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهي مرسلة وهناك كلام في سندها ولكن السيد الخوئي (رحمه الله) في معجم الرجال يوثق هذه الرواية .

أما متنها ، فهو سليم موافق للقواعد في الدعوة إلى الله تعالى ووظائف العلماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعليهم أن يمارسوا دورهم لأنهم أمناء الرسول ، ووكلاء عن الامام المعصوم (عليه السلام) ، ولاتوجد تقية وأمثالها لكي يسكتوا ولم يحددوا الوظيفة العملية أزاء هذه البدع والممارسات الشاذة ، وهناك روايات عديدة تحدد وظيفة العالم العامل المخلص ووقوفه ضد البدع والممارسات المنحرفة منها :

1ـ عن النببي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : (إذا ظهرت البدع ، ولعن آخر هذه الامة أولها ، فمن كان عنده علم فلينشره ، فإنَّ كاتم العلم يومئذٍ ككاتم ما أنزل الله على محمد )([48]) .

2ـ وعن الصادقين (عليهما السلام) أنهما قالا : ( إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ، فإن لم يفعل سُلب نور الإيمان)([49]) .

3ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ )([50]).

4ـ وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم)([51]) .

5ـ وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إياكم والبدع ، فإن كلَّ بدعة ضلالة ، وكل ضلالة تسير إلى النار)([52]) .

6ـ وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (مَنْ غشّ من أمتي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، قالوا : يارسول الله ، وما الغش ؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أن يبتدع لهم بدعة فيعملوا بها)([53]) .

7ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال : (أيها الناس إنما بدء وقوع الفتى أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب الله ، يقلّد فيها رجال رجالاً على غير دين الله )([54]) .

8ـ وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله تعالى:(إنَّ الذينَ فرّقوا دينهم وكانوا شِيَعاً).

قال:(هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ، ليس لهم توبة ،أنا منهم بريء ،وهم براء)([55]).

وهناك العديد من الروايات تؤكد على مقاطعة أهل البدع والتصدي لهم ،وعدم معاشرتهم وعدم توقيرهم والعبس بوجوههم وعدم التبسم لهم ، بل والوقيعة بهم ، ومن هذه الروايات كمثال ، مايروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : (إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي ، فاظهروا البراءة منهم ، واكثروا من سبِّهم ، والقول فيهم والوقيعة ، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة )([56]) .

المطلب الثاني : نشأة الطقوس والعادات

يكفي ماكتبه ( عباس محمود العقاد ) في كتابه القيّم ( ابو الشهداء ) ، ويقول ( لكن حصل دخول كثير من الطقوس الغريبة مثل التطبير وادماء الرؤوس ، والضرب بالحديد والسلاسل والإدماء ، والمشي على النار ، والمشي على الزجاج المهشم ، والتطيين للرأس والملابس وبعض مايرد في التشابيه والتمثيل ...الخ ، ويقول بدأت هذه العادات وأخذت تتطور في مراحل تاريخية وتتعمق وكأنها جزء من العقيدة والدين ، وصار لها تأثير كبير في الأمة والافراد من جوانب متعددة )([57]) .

وعند متابعتنا واستقرائنا لهذه الطقوس والممارسات وجدنا أن الكثير من الباحثين والمحققين يرجعون ممارسة هذه الطقوس إلى الحقبة الصفوية والشاه اسماعيل الصفوي (1501- 1736م ) مؤسس الدولة الصفوية ، والمنتحل للمذهب الشيعي الإمامي مذهباً رسمياً وإلزامياً للبلاد ، وهو يجابه الحكم العثماني ، وقام بتعيين وزير للشعائر الحسينية ، ليذهب الأخير ويجول العالم وخصوصاً روما ، فوجد بعض المسيحيين يضربون أجسادهم ورؤوسهم بالسيوف والسكاكين حزناً على السيد المسيح فاستحسنه وكان أول من أدخله إلى الدولة الصفوية ، كما يذكر المفكر الإسلامي الكبير الدكتور ( علي شريعيتي الإيراني ) ، وهو أحد المقربين للسيد الخميني ، حيث استشهد على أيدي رجال المخابرات الشاهنشاهية قبيل انتصار الثورة الإسلامية في إيران([58]).

 ويذكر هذا المعنى مايقرره السيد محسن الأمين العاملي في كتابيه (أعيان الشيعة) ، (ورسالة التنزيه بأعمال الشبيه)([59]) .

* وينقل عن الشهيد مرتضى المطهري (رحمه الله ) في كتابه (الملحمة الحسينية ) والذي اغتالته منظمة (فرقان) بعيد إنتصار الثورة الإسلامية في ايران : يرى أن هذه العادات جاءت إلى التشيع من ( القوقاز) ودخلت للشيعة عبر الأتراك .

ويقول الشهيد مرتضى المطهري في كتابه القيّم (الملحمة الحسينية) ناقداً الخطباء الحسينيّن والطقوس والبدع ، فيقول : ( لقد حرفنا عاشوراء ألف مرة ومرة في عرضها ومقدماتها ومتنها وحاشيتها وتفسيرها وتحليلها بسبب العلماء والرواة ، وعلينا أن نبكي بسبب الأكاذيب التي ألصقها الخطباء بالواقعة ، إننا يجب أن نبكي على الحسين ولكن ليس بسبب السيوف والرماح التي استهدفت جسده ، بل بسبب الأكاذيب التي ألصقها الخطباء بالواقعة ، والواجب عدم الجلوس في مثل هذه المجالس ، لانه عمل محرم والواجب الشرعي يقتضي مقاومة هذا الكذب وفضحه ومحاربته)([60]) .

والملاحظ ان الصفويين كان لهم الدور الكبير في تحويل التشيع العلوي الأصيل المبني على المباديء والقيم والمحبة والإنسانية والتسامح والحوار للإمام علي (عليه السلام) وبدلته وقلبته إلى الخرافات والطقوس والاحقاد والغلو والتي ترسخت في المرجعيات الصفوية المعاصرة وحاشيتها الفاسدة والمفسدة .

المطلب الثالث : حكم الطقوس والعادات

كانت هذه العادات تقع أمام مرأى ومسمع من علماء ومراجع الدين ، وقسم منهم لازم الصمت تقية أو خوفاً من انقلاب عوام الناس ضده ، وقسم أخر صدح بكلمته وتحمّل ضريبة  موقفه هذا بالتكفير والزندقة والتسقيط وامثال ذلك ...

ولقد كانت حادثة تقديس فرس الحسين (عليه السلام) والتي بدأت في جنوب الهند من قِبل الفرقة الاسماعيلية والذين تحولوا إلى الشيعة الإمامية وشجعّوا التطبير على انه عادة ، إشتهر في الهند والباكستان لاحقاً المشي على النار حفاة الأقدام ، كما ذكر (علي محمد علي ) في كتابه ( الشعائر الحسينية ) ص47 ، وكانت لهذه الطقوس إنعكاسات سلبية من الفرق الإسلامية الاخرى حيث حصدت قتل الآلاف عام 1963م في لاهور ، مما جعل مراجع النجف الاشرف يصدرون الفتاوى في تحريم التطبير والضرب بالسلاسل آنذاك لحقن الدماء .

* ويقول ( هبة الدين الشهرستاني ) : إن العلماء بسبب خوفهم من العامة يقولون لهم عكس مايعتقدون ، فهم يجاملونهم في التطبير خوفاً من هياجهم عليهم ، وهذه تنعكس سلباً على الدين وتسهم في تخلفه وغلبة البدع وتحوله إلى وثنية تهزأ بها الامم([61]).

* وكان المرجع السيد ( محسن أمين العاملي ) قد أعلن تصديه لها وتحريمها وألّف ( رسالة التنزيه بأعمال الشبيه) في إعتبارها بدعاً ، وذكر الاحاديث الموضوعة لها ، ودور الخطباء إذ يقول : ( إنّ الكثير من القرّاء قد اختلقوا أحاديث في المصائب لم يذكرها مؤرخ ولامؤلف لما يرونه من تأثير عاطفي ، وهي من الأكاذيب الموضوعة ، و أنّ ما يفعله بعضهم من جرح أنفسهم بالسيوف من تسويلات الشيطان ، وينهى عنها الدين والله لايُطاع من حيث لايعصى )([62]) .

ولكن محسن الامين واجه حملة كبيرة وشرسة ضده ، اذ هاجمه الخطباء والعوام وهددوه وطردوه من الشام ، ونظمّت ضده الاشعار منها :

ياراكباً إذا مررت بجلقّ          فأبصق بوجه أمينها المتزندق

وكان الناس يشربون الماء ويلعنون الأمين ، وقد كتب ذلك على صناديق الماء في الشوارع والحسينيات ، وقال فيه فقيه الصفوية (نسلّط جمهورنا وعوامنا على الامين بحجة محاربته للشعائر الحسينية حتى يؤدبوه)([63]) .

* ولايخفى الصراع بين المرجعية الرشيدة والمرجعية الصفوية مما جعل الأمين يهجر الشام ويأتي إلى النجف الأشرف ، فصدرت فتاوى عدّة لتحريم التطبير سنة 1926م من جملة المراجع ، رغم همس البعض للأمين :( نحن نؤمن بحرمة التطبير لكننا لانعلنها للناس )([64]) .

* ويحدثنا الدكتور علي الوردي في كتابه (مهزلة العقل البشري) ص 299 مانصه (وإنني لاأزال أذكر تلك الضجّة التي أُثيرت حول الدعوة الاصلاحية للسيد محسن الامين قبل ربع قرن ولكنه صمد وقاوم فلم يهنْ ولم يتردد).

* وقد أَفتى بحرمة التطبير صراحةً كثير من الفقهاء منهم المرجع المعاصر الشهيد السعيد محمد باقر الصدر (رض) حيث قال مانصه : (التطبير أمر لايجوز أبداً ويجب الإمتناع عنه ، إن ماتراه من ضرب الأجسام وإسالة الدماء هو من فعل عوام النّاس وجهالهم ولايفعل ذلك أي واحد من العلماء ويجب عليهم منعه وتحريمه)([65]) .

وكان هذا جواباً للتيجاني السماوي عندما سأله حينها .

كما قال تلميذ السيد محمد باقر الصدر محمد جواد مغنية (وقد تطرف البعض فأبدعوا في الطقوس بدعّا يمقتها الله والناس من ضرب أنفسهم وإسالة الدماء في بلدان استحكمت فيه هذه العادات)([66]) .

وهناك العديد من المراجع قد أفتوا بحرمة هذه الممارسات البعيدة عن الدين والذوق والمنطق ، نتركها توخياً للإختصار .

وآخرهم وليس أخيرهم المرحوم المجدّد والفقيه الواعي السيد محمد حسين فضل الله ( رحمه الله ) اذ قال : "إن التطبير يسيء إلى الإسلام بإعتباره يجعل من ذكرى عاشوراء مناسبة لتعذيب النفس وجلد الذات ، فيحرم التطبير لسببين : الأول : لحرمة الإضرار بالنفس والثاني : لأن ذلك يؤدي إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين"([67]).

وكان الشيخ محمد الخالصي رحمه الله من الروّاد للتصدي لهذه البدع ، وقد واجه تياراً  من أهل الخرافة والبدع وفيهم علماء ومراجع وقفوا ضده ، وضد مشروعه الإصلاحي ولكنه دوّن ذلك بدمه وحبره وعرقه فتحمل ماتحمل من الجهّال والمتخلفين .

ويقول السيد فضل الله في موضع آخر (نحن نشعر أن هذا يمثل مظهر تخلف في الوجه الشيعي الإسلامي ، ونحن نشعر أنَّ من واجبنا أن نفتي بذلك ، ونحن نعرف أننا سنواجه عناصر التخلف والعواطف الثائرة ، ونحن مستعدون لمواجهتها بكل قوة وصلابة)([68]).

* والسيد الخميني والسيد الخامنئي في ايران يحرمون التطبير بشكل واضح وصريح لمن أراد أن يعرف فتواهما بذلك ، وهناك مراجع آخرون من المتقدمين والمتأخرين يفتون بحرمة هذه الممارسات نتركها من أجل الاختصار .

المبحث الرابع : المرجعية والمنبر الحسيني

لما كان المنبر الحسيني اداة ووسيلة يطل من خلالها على الأمة ، وبالمقابل ان الأمة تُعَدُّ المنبر الحسيني ومايطرح بخلاله من أفكار ومفاهيم بأنه مرجعها وأهم مصدر من مصادر معرفتها ، فكان حريُّ بالمرجعية أن يكون لها دال على هذا المنبر ونظر وتوجيه ومنهج ، لما يطرح بخلاله وهو أحد مهام المرجعية وماينبغي لها أن تفعله .

ومن المفروض أن يكون المنبر منبراً إرشادياً لنشر تعاليم الإسلام ومفاهيمه المختلفة وبث معارفه في كل صفوف الشريعة ، فهو وسيلة للتبليغ ، وكان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يبلّغ احكام الإسلام ومفاهيمه ووعظه وإرشاده وغيرها عِبر هذا المنبر المبارك ، ولكن بمرور الأيام تحوّل هذا المنبر العام إلى منبر تخصصي لرواد وقراءة المقاتل والتعازي على وفيّات المعصومين وشهاداتهم وبالخصوص الامام الحسين (عليه السلام) وأصبح هذا العرف هو السائد في وسط جمهور الأمة ، وارتبط الناس بهذا المنبر إرتباطاً عاطفياً وحسيّاً لما فيه من ذكر المصائب والآلام التي حلّت بآل البيت (عليهم السلام) وأولادهم بشكل عام وعلى الإمام الحسين (عليه السلام) واهل بيته وأصحابه بشكل خاص .

من هنا أصبح المنبر الحسيني مسؤولية كبرى لمن يرتقيه ، ولمن يستمع ويتلقّى منه ، ولم يهتم مراجعنا العظام بشكل منظم ومدروس ومنهجي لقضية المنبر الحسيني إلا بإرشادات وإشارات عابرة من هنا وهناك ، رغم أهمية هذا الموضوع الحساس لأنه يدخل في تعليم الشخصية الإسلامية وتعلمها وبنائها ، ويعدّ مسؤولية كبرى لمن يرتقيه ويتحدث عبره ، ويؤسفنا أن نقول أن قضية إمتهان الخطابة من قبل رواد المنابر الحسينية أصبحت قضية احترافية ، يحترف بها البعض ، ليعيش حُراً طليقاً يحلِّق بافكاره ومتبنياته وعقائده لينقلها إلى الآخرين دون خضوعها إلى منهج أو مدرسة ، وصار المنبر مدعاة لدخول الكثير من الافكار والأمور والمسائل العقدية دون إخضاعها للبحث العلمي والموضوعي والنقدي ، والمشكلة الأخطر تلقي العوام هذه الأمور بوصفها مسلمات معتقدين أنها من متبنيات الإسلام ومفاهيمه .

ويُعَدُّ المنبر الناطق بإسم الدين ونقل مفاهيمه وتعاليمه وأحكامه ، لهذا ينبغي أن يقنن اثره بما يتماشى وروح ومقاصد الشريعة ، ونقل مفاهيم الإسلام صحيحة وغير منقوصة ، وسليمة من الغلط ، وخالية الغلو ، والكذب ، والبهتان ، والاحلام ، والسفسطة ، والدجل ، والحكايات ، والأساطير ، والاوهام ، وغيرها ، وبإختصار ينبغي أن يكون المنبر منبراً للوعي والإرشاد والاسهام بنهوض وعي الأمة وتوجيهها مع متطلبات الإسلام ومتبنياته ، للنهوض والارتقاء بمستواها الفكري والعاطفي ، لا أن يتحول المنبر إلى عَبرة  بلا عِبرة ، ومصدراً لتفريغ شحنات الحزن والأسى عبر اطوار النعي والصوت الشجي لما لهما من تأثير بتأجيج العواطف وتنبيه الوجدان والخواطر من خلال ماكتبه الشعراء ، وهذه كذلك (ماكتبه الشعراء) يحتاج أيضاً إلى تأمل وإعادة نظر وتقويوم وتقييم لكي تتماشى مع هدفية الإسلام وتطلعاته .

ويؤسفنا أن نقول الخطابة المنبرية ، خطابة إجتهادية فردية لم تخضع للدراسة والبحث ولا للتقييم والتقويوم ولا لمؤسسة معرفية ، وبقيت حرة وبعيدة عن أنظار المرجعية ، وهي تعيش سياستها الإحترافية الحرة بلا إملاءات أو ضغوط أو توجيه أو مراقبة أو رصد ، ولم تُعِر المرجعية اهتماماً للمنبر الحسيني ليكون في مصاف أهتماماتها مع شؤونها الأخرى ، لكي يتكامل المشروع المرجعي بكل أدواته وخطواته ، بل أن المراجع يستعينون برواد المنبر الحسني وخطبائه لاجل التبرك والتجمع لإحياء مناسبة دينية معينة ، أي أنهم يتعاملون مع هذا النمط ويهتمون به بشكل ثانوي وعابر .

ومن هنا أهتم بعض مراجعنا الإصلاحيين في تاريخنا المعاصر لقضية المنبر والخطابة الحسينية لتكون جزءاً من مشروعه المرجعي ، ولها نصيب واهتمام كبقية مايفكر به وما يريد انجازه .


المطلب الاول : الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) مع الشيخ احمد الوائلي

عندما ندرس تأريخ المنبر الحسيني وعلاقة المرجعية والمنبر لم نجد نصّاً جليّاً وواضحاً ومكتوباً بشكل أكاديمي وعلمي غير النص الذي كتب بين الشهيد الصدر (رضي الله تعالى عليه) وبين المرحوم الدكتور الوائلي عميد المنبر الحسيني (رحمه الله) ، وإن كان هنا غيره لوصل الينا ولو بشكل مجمل ، من هنا نتناول المشروع الخطابي للشيخ الوائلي مع متبني المرجعية الموضوعية للشهيد محمد باقر الصدر الذي يرى أن اهتمامه بالمنبر هو أحد أولوياته في تكامل مشروعه المرجعي ، لهذا يدخل الشهيد الصدر في هذا المشروع متبنياً ومنظراً من أجل تكامله وانجاعه([69]).

ويقول المؤلف ( السيد أحمد عبد الله ابو زيد العاملي ) ، من الهموم التي شغلت بال السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) قضية المنبر الحسيني ، وكان يدعو الشيخ أحمد الوائلي (رحمه الله) إلى تحمّل شيء من مسؤولية المنبر ، ولو بعمل بسيط يتطور بعد ذلك ، وبعد مداولات كثيرة إنتهى الأمر إلى أن السيد الصدر (قدس سره) قال للشيخ الوائلي (رحمه الله) مانصه :

" لك عليّ الأمور التالية : أن أدمج خطباء المنبر بالحوزة العلمية حتى يحصلوا ما يحصل عليه طالب العلم من مكاسب مادية وروحية وعلمية ، وبذلك تزول كثير من المشاكل عن طريقهم.

* أن أعمل على ايجاد صيغة تؤمِّن لهم ضماناً لأيام عجزهم لايتعرضوا لذل أو ضياع كما هو الوضع السائد .

* أن تكون لهم مؤسسة مركزية يصدرون عنها في مناهج موحدّة وتوجيهات تصدر لهم في ذلك ، وتعمل هذه المؤسسة على التعريف بهم في داخل العراق وخارجه ، مما يعطيهم زخماً ومكانة معترفاً بها ، وتكون المؤسسة تحت ظل المرجعية"([70]).

ومعلوم ان السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) يريد من الخطباء أن يكونوا ضمن مشروعه المتكامل (المرجعية المؤسسة) والتي لها هيكل تنظيمي ومهمات وأولويات ، كما هو مشروح في نظريتها المتبناة من قبله (قدس سره) ، ونلاحظ ان السيد الصدر يؤكد على قضية مهمة وهي ان الخطباء يُنظر لهم في العرف الحوزوي بأنهم من طبقة أدنى من طبقة العلوم الدينية وان الشهيد الصدر يستشعر معاناتهم وكيفية توفير لقمة العيش لهم مما اضطرهم إلى إمتهان الخطابة كوسيلة لتوفير مايحتاجونه من العيش ومتطلبات الحياة وبدونها سيبقون يعانون من الفقر والعوز ، لهذا كان الشهيد الصدر (قدس سره) مهتماً بدمجهم في النظام الحوزوي المؤسسي كي يحصلوا على المكاسب العلمية والمادية والروحية ، ويؤمِّنوا احتياجاتهم لكي يتفرغون للخطابة والوعظ والإرشاد ولكي يكونوا تحت اشراف المرجع وتوجيهاته وطموحاته الرسالية .

ونلاحظ ان الشهيد الصدر (قدس سره) يتبنى المشروع الخطابي ومايتعلق به من لوازم وواجبات على المرجعية بازاءه ، و ان للخطيب حقوقاً على المرجعية لابد من توفيرها ، كذلك عليه واجبات ملاقاة على كاهله لابد من القيام بها.

ولهذا يقول المؤلف (احمد عبد الله ابو زيد ) نقلاً عن الشهيد الصدر ومخاطبته للشيخ الوائلي :

" أما الذي عليك (الوائلي) فهو أن تضع خبرتك في هذا الميدان تحت ايدي طلاب هذه المؤسسة ، وتتعاون مع زملائك الذين تعرفهم بالكفاءة لسدّ الثغرات المحتملة ، وتقومون بأدوار تنويه عن هذه المؤسسة في المجتمعات ذات الشأن ، وفي الوقت ذاته أن تستمروا في تطوير أنفسكم"([71]).

وخلاصة القول أن الشيخ أحمد الوائلي (رحمه الله) وضمن اهتماماته بالمنبر الحسيني والخطابة الحسينية ، تحدّث في مجلس السيد الصدر (قدس سره) عن هموم هذا المنبر ، فرأى من إهتمامه وإصغائه لما يدور حول ذلك ما لم يره عند غيره من المراجع ، وسمع من الصدر تأكيداً على ذلك مما دفعه إلى معاودة الموضوع كلما دخل على السيد الصدر (قدس سره) ، ولكثرة ماعاودا طرق الموضوع فقد اشبعت جميع جوانبه تقريباً بالبحث([72]).

ويفهم من هذا ان الحاجة ماسّة لتطوير المشروع الخطابي وأن يكون ضمن المؤسسة المرجعية الموضوعية التي يتبناها الامام محمد باقر الصدر (قدس سره) ، وأن هموم المرجعية وهموم الخطباء الواعين واحدة ، ولهذا يحاولا معاً النهوض بهذا المشروع المهم والذي يمثل صلة الوصل بين المرجعية والخطباء من جهة ، وبين الخطباء والأمة من أخرى ، وعندها ستنقل كلمات الخطباء إلى الأمة محمّلة باهتمام المرجعية الرسالية وهمومها وماينبغي للأمة ان تعمله وتنجزه تجاه مراجعها وقادتها ، وهذا يؤكد على قوة الآصرة واندكاك الأمة بمراجعها عندما تشعر الأمة اهتمام مرجعها بها لحل مشاكلها وتذليل العقبات التي تقف حائلاً دون نموها وتطورها .

من هنا نلاحظ ان الحديث الذي دار بين مرجعية الصدر (قدس سره) وبين عميد المنبر الحسيني الدكتور احمد الوائلي (رحمه الله) يمثل أفكاراً مهمة كانت مختزنة في ذهن الشهيد الصدر تتلخص في عناوين رئيسة ، يمكن اجمالها بما يأتي :

المطلب الثاني : تقعيد المنبر

بمعنى أن يصدر المنبر عن قواعد وعلم ، إذا تناول آية مفردة من مفردات خطابه ، فيكون خطيب المنبر الحسيني مثل طالب العلم الفاضل إذا عالج مفردة في موضوع شرعي حيث يعالجها بمنهجية وموضوعية ، فمثلاً إذا عالج مسألة فقهية نظر في دليلها ، فإذا كان من غير القرآن الكريم يبدأ بتوثيق الدليل من حيث السند ، ثم يبدأ بتقييم الرواية وتحقيقها من حيث عدم الزيادة والنقص والتحريف ، ثم ينتقل إلى ألفاظها ، ويسأل هل هي مما لايحتمل إلّا معنىً واحداً ، أو يحتمل اكثر من معنى ؟ فيصنفها إلى نصٍّ وظاهر أو مؤول ، ثم يجمع الروايات حول الموضوع ليرى مدى تأثيرها في دلالات الرواية على المعنى المراد أو الحكم المراد ، ثم يبحث عمّا يعارضها ويعمل فيها وسائل التعادل والتراجيح ...الخ.

وبإختصار على الخطيب أن يسلك مسالك الفقيه في معالجة مايطرحه على المنبر من عقيدة أو أحكام([73]).

هذه هي طريقة البحث العلمي والموضوعي والمنهجي المتبع في استنباط احكام شرعية فرعية تلزم المكلف تبعاً لتقليده لمرجعه ، وإذا كان إستنباط احكام فردية وفرعية يولي لها المنهج الحوزوي هذا الاهتمام من الدقة والفحص والتمييز والاستنباط ، فما بالك في استنباط قضية عقدية تخص مجموع الأمة ، فمن المفروض أن تكون اكثر دقة واكثر موضوعية ، وأدق منهما ، لأنها سوف تؤسس إلى عقيدة يلتزم بها أتباعها فيتحاكموا اليها ، ويحاكموا الآخرين على طبقها ، فلا يمكن أن يستهان بطرحها بشكل بسيط وساذج من دون علم ودراية وتحقيق .

وما يؤسفنا جداً أن المنابر الحالية بعيدة بأكثرها عن هذا المنهج العلمي ، اذ نلاحظ أن الخطباء ، ورواد المنابر يطرحون مايشاؤون بدون وازع ورقيب ، ويهتمون بالمتن من دون ملاحظة السند ، ومعلوم ان دراسة الرواية سنداً مالها وماعليها مقدم على دراستها من حيث المتن ، ولايصار إلى درستها متناً ما لم يتيقن أو يطمئن إلى صحة سندها .

وبعد صحة سندها ، يصار الأمر إلى دراسة متنها ليرى هل ينسجم مع ظواهر القرآن الكريم ومقاصد التشريع أم لا ؟ ولهذا نلاحظ أن الكثير من الخطباء سيما المعاصرين منهم عدم مهنيتهم وكفاءتهم العلمية التخصصية في نقل الرواية ودراستها وفهمها سنداً ودلالة .

ولهذا نلاحظ ان الشهيد الصدر (قدس سره) يؤكد على قضية المنهج العلمي في دراسة الرواية سيما إذا كانت تهتم لتأسيس قاعدة عقدية سوف تلتزم بها الأمة وتؤمن بها وتدافع عنها ، من هنا تأتي خطورة ما يطرح من قبل خطباء وروّاد المنبر الحسيني ورواده.

المطلب الثالث : إثراء مادة المنبر

بمعنى تنويع مضامين المنبر والتماس المواد المشوّقة للسامع ، والتي يجب أن تأخذ بالحسبان الاختلاف في مستوى المستمعين ومداركهم في الوقت نفسه ، والظروف المحيطة بالمنبر ، وبذلك يحافظ على رعيل المنبر وروادّه ، ويعمل على زيادة عددهم من الناحية الكمية ،          ويعمل على الإرتفاع بمستواهم تدريجياً ، وذلك في قوالب تتناغم مع أمزجتهم ، لأنهم من شرائح غير متجانسة من النواحي كافة ، وذلك كله في إطار أجوائنا العقدية والشرعية ، فهي الهدف الأساسي([74]).

وخلاصة مايراد من هذه النقطة أن يخاطب الخطيب جمهوره بما يتناسب مع فهمهم ومداركهم كما جاء في ألسنة آحاديث عديدة عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين : (نحن معاشر الانبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم)([75]) ، إضافة إلى تلوّن الحديث وتنويعه ليكون شاملاً وعاماً لكل ابواب المعرفة بلغة سهلة مفهومة وبألفاظ بسيطة وبمعانٍ عميقة .

المطلب الرابع : العمل على الإرتقاء بالمنبر حتى يصل إلى مستوى مرجع متجول

والإرتقاء بالمنبر حتى  يصل إلى مستوى مرجع متجول يرجع إليه الجمهور للتعرف على كثير ممّا يهمّه ، من قريب أو بعيد ، من حكم شرعي أو عقيدة .

وبتعبير آخر ، الطموح إلى جعل المنبر مكتبة متنقلة ترتقي بمقدار ماتؤدِّي المطلوب للجمهور على نحو موسوعي لايصل إلى حدود التخصص ، وإذا قدّر له ذلك فهو فتح في آفاقنا المعرفيّة وبذلك يكون المنبر مؤهلاً للخوض في الأفكار العامة ، وليس دخيلاً عليها ، مع لفت النظر إلى أنه سائر فعلاً إلى هذه المرتبة رغم الثغرات التي تحوطه ، وذلك كله لالتفاف الناس حوله بدافع من العقيدة وطلب الأجر .

ويقول الشهيد الصدر (قدس سره) ، وهذه الأمور الثلاثة فيها تفاصيل كثيرة وشعب دار حولها كثير من النقاش ، وخصوصاً من ناحية أن ماهو قائم بالفعل يمكن تهذيبه ، أو ماهو مؤمّل وممكن في حدود الإمكانات المتاحة([76]).

هذا ما له صلة بالمضمون الثقافي للمنبر ، أما الجانب المتحرك في أفق المنبر (وهو الخطيب) فإنه وإن كان ليس بعيداً عن الذهن عند بحث المضمون ، كان الشهيد الصدر (قدس سره) يرى أنه العنصر المؤثر فيه والروح الحقيقية له .

ولهذا استأثر بحصة من البحث لاتقل عن حصة مضمون المنبر في الحديث الذي جرى بين الشيخ الوائلي ( رحمه الله ) وبين السيد الصدر (قدس سره) من حيث مايجب أن يحمله الخطيب من مؤهلات وما يتصف به من صفات ، وكان أهم ما أنتهت إليه الآراء ما يأتي :

المطلب الخامس : مواصفات الخطيب الحسيني

اولاً : أن  يكون رعيل الخطباء قسماً من الحوزة لا قسيماً لها

بمعنى أن يسير هؤلاء الخطباء على مايسير عليه طلّاب الحوزة العلمية من خطوات في المنهج والمضمون ، وفي سلوكهم وهديهم والتزامهم بأجواء الحوزة ، وإذا قدّر لهم أن يتصفوا بذلك ، فستحصل للخطيب منهم أمور أهمها : الثقة بنفسه وانه بمستوى أداء الرسالة علميّاً وستتغير النظرة إليه عند الجمهور من كونه مجرد ذاكراً يمارس موضوعاً يتصل بالعواطف عند محبّي آل البيت (عليهم السلام) إلى كونه من أهل العلم الذين يقومون بما يقوم به ممثلو العلماء في البلدان ، غاية ما في الأمر أن الممثلين (الوكلاء) ثابتون في مكان محدد وهؤلاء الخطباء متجولّون ، وبذلك سيكون الخطباء مشمولين بكل ما للحوزة وطلابها من حقوق ورعاية وغطاء مادي من الحقوق الشرعية حتى لايتعرضوا للضياع في أيام العجز والشيخوخة ، إلى غير ذلك من مكاسب([77]).

وبهذه الملاحظة سينظر إلى الخطيب نظرة احترام من قبل طلبة الحوزة بوصفه قسيماً لهم وعالماً مثلهم بل يمتياز عنهم ، أن ماعندهم عنده ، وماعنده ليس عندهم ، فلاينظر اليه بأنه بدرجة دنيا وثانوية ويؤتى به للإستماع إلى خطابه لأجل التبرك والبركة كما هو الآن في بيوتات المراجع وعلماء الدين ، وبهذا ستكون نظرة الحوزة إليه نظرة العالم والخطيب ، ونظرة أخرى من قبل عموم الأمة بأنه خطيب وعالم يمثل الحوزة ومرجعيتها ، وعندها يأخذون منه ومن أطروحاته بإطمئنان وتصديق ، لأنه عالم عامل ضمن منظومة المرجعية واهتمامها وغاياتها .

ثانياً : يتعين على الخطيب ان يحقق إتقان الآليات ذات العلاقة بفن الخطابة الحسينية

فإن الخطيب إضافة إلى ترسّمه المنهج الحوزوي عليه أن يحقق اتقان الآيات ذات العلاقة بفن الخطابة الحسينية لأن ذلك من أول شروط المنبر الناجح ، على أن تكون هذه الأمور مسايرة للتطور أداءً ومضموناً ، ومنسجمة مع ضوابطنا الشرعية والأخلاقية ، وحاملة لسمات عقيدتنا في خطوطها العامة ، ومتصفة بالبعد عن المبالغات والتهويلات ، الامر الذي يجعلها مستساغة ، وبالإختصار أن تكون على وفق المواصفات السليمة .

إن هذه الآليات المذكورة هي العنصر الفاعل في جذب الجمهور إلى المنبر ، ومن ثمّ مخاطبته وفق المستويات التي يخضع لها ، من حيث الزمان والمكان والهويّة ، وغير لك ممّا يحدّد آفاق المستمعين .

وينبغي ان لايحرص الخطيب على مجرد إرضاء المستمعين بالنزول إلى مستواهم ومايتوقون إليه ،خصوصاً إذا كان يؤدي إلى الهبوط بمستوياتهم ، ولابد من محاولة الإرتقاء بهم تدريجياً وبهدوء.

إن بعض تلك الممارسات حتى لو كانت سائغة شرعاً ، لكنّها إذا كانت تؤدي إلى مايهبط بجمهورنا ، فينبغي الإبتعاد عنها ، إن عملية الإنتقاء هنا ضرورية ينبغي أن ترضي مزاجنا الديني ، وإن كانت لاترضي الخطيب أو الجمهور ، ذلك أن الخطيب حامل رسالة ، والرسالة تبنّي ، وإن كانت عملية البناء متعبة تكلف جهداً ومعاناة([78]).

من هنا تقع المسؤولية  الكبرى على الخطيب الواعي الذي يريد أن يغير الناس ، وعليه أن ينقل لهم تصور الإسلام ومتبنياته وروحه ومقاصده  ، بغض النظر عن قناعة الجمهور وعدمها ، لانه سفير أليهم وعليه تحمُّل أتعاب وتبعات السفارة ، وأن مهمته مهمة الأنبياء والمرسلين إلى قومهم ، وعليه أن يكون بمستوى المسؤولية بأن يكون أميناً وصادقاً بما يطرح ويتبنّى مماشاة مع الإسلام وأهدافه لامدارة للعواطف ولعقول العامة وإرضائهم ليكرس جهلهم وبساطتهم وسذاجتهم واستدرار عطفهم .

ثالثاً : انتقاء المؤهلين لممارسة الخطابة

وانطلاقاً من ذلك لابُد من عملية إنتقاء لمن يمارس الخطابة ، بمعنى أنه ينبغي أن لايكون الباب مفتوحاً أم من يريد سلوك هذا الطريق ما لم يحمل المؤهلات ولو بالحد الأدنى ، وليس من المحتَّم دخوله هذا المسلك ، بل يمكن تيسير السبيل أمامه إلى أداء رسالته عن طريق الحوزة التي لاضرورة فيها للشروط المطلوبة من الخطيب مما سيشار إليه ، وبذلك سيحقق للمنبر ما هو ضروري له ولطالب أداء الرسالة ما يحفظ له مكانته ولا يعرّضه للضياع لفقدان الشروط المنبرية المفروض أن تتوفر لديه ، وفي المقابل يكون الكثيرون ممن يمارسون الخطابة ولا تتوفر لهم الظروف المطلوبة عرضة للضياع وإهدار العمر في ما لايعود عليهم بالمطلوب([79]).

المطلب السادس : مايحتاجه الخطيب

1ـ حسن المظهر ووجاهته في حدود معقولة ، وينبغي أن لايتصف الخطيب بما يغاير ذلك.

2ـ أن يكون ممن رزقه الله تعالى صوتاً جيداً وقابلاً للتكيف مع الحالات المطلوبة في الاداء ، لان حاجته لذلك شديدة ، بحكم كون الصوت الجيّد عامل جذب مهمّاً للجمهور .

3ـ أن يكون ذا حافظة سليمة لخزن المعلومات وليس من المبتلين بعكس ذلك .

4ـ أن تكون عنده موهبة حُسن الإختيار ، سواء كانت ذاتية أم مكتسبة ، مع قدرة على التحرك بهذه الموهبة في المواقف المطلوبة .

5ـ كونه من ذوي السمعة الحسنة ، ومن دون ذلك يفقد التأثير ولايعتنى بقوله .

6ـ أن يكون قد إجتاز مدّة من التدريب والتلمذة تحقق له النضج في الخطابة والتحلّي بخواص المنبر التي يكتسبها من مجموعة وليس من واحد ، لأنها قد لاتكون مجموعة عند واحد ، فيأخذ من كل منهم ماهو متميز به .

هذا أقل ماينبغي أن يكون عنده الخطيب ليكون مؤهلاً للقبول في ما يمارسه من عمل المنبر ، وحتى نكون قد أخترنا للمنبر من هو مؤهل ومهيّأ لاداء هذه الرسالة وإلا فليس من الصحيح أن نضعه في غير مكانه فنسيء له من ناحية ولرسالته من ناحية أخرى .

هذه هي ابرز الأمور التي بقيت لنا مما دار حوله حديث السيد الصدر ( قدس) كما يقول عميد المنبر الحسيني الدكتور أحمد الوائلي (رحمه الله ) ، وهناك أمور أخرى نتركها تتعلق بالجانب الآلي والتطبيقي نتركها لمحلها([80]).

وهناك توصيفات تضاف إلى الخطيب المؤهل نتركها للإختصار ، وأن هناك ملاحظات نتحفظ عليها على مؤهلات الخطيب ومنها موهبة صوته وجماله ، اذ الإسلام يريد منّا علماء لنشر رسالته وان المهم أن يطرح الإسلام بمادته ومفاهيمه واحكامه ومواعظه وغيرها من قبل العالم ، سواء كان خطيباً له صوت جميل أو لا ؟ من هنا إهتمت بعض الدول والتفتت إلى هذه الناحية في لبنان وايران ، وعموماً بالخطيب بأن يعطي مجلسه ومحاضراته قبل قارئ التعزية أو الرادود أو المنشد ، وبتعبير أدق أن العالم المحاضر له دور رئيس واساسي ، وقارئ المصيبة والرادود أو المنشد أو المدّاح له دور ثانوي ومكمّل ، ومن هنا ازدادت عندهم القاعدة العلمائية التبليغية ، بفصلهم بين المبلّغ وقارئ التعزية ، أما في العراق وامثاله فاقتصر ذلك على الخطيب الذي يفترض فيه الجمع بين صفة العالمية إضافة لجمال الصوت وامثاله . لهذا انحسرت القاعدة التبيليغية واصبحت احترافية على بعض رواد المنبر الحسيني وباسماء معدودة وشخصيات معروفة .

وهكذا كانت المرجعية الرشيدة المتمثلة بالسيد محمد باقر الصدر (قدس سره) مهتمة بأدق التفاصيل للمشروع الخطابي في إعداد الخطباء الواعيين والرساليين وتهيئهم وجعلت ذلك من اولويات مشروعها المرجعي المؤسسي والحضاري ، والذي نتمنى أن يرى النور يوماً على أرض الواقع .

وان إهتمام الشهيد الصدر بهذا المشروع الخطابي لم يأت لرغبة شخصية بل جاء منسجماً مع متطلبات الإسلام ولوجود الحاجة التي تحتمها الظروف الموضوعية والعوامل الضاغطة ، ونظراً لدراسته واقع الحياة في الماضي وماتحتاجه المرحلة ومايستشرفه المستقبل ، من هنا وضع لبنات مشروعه مع المرحوم الدكتور الوائلي ، وفعلاً كما كان يتوقع ويتوجس خيفة من انفلات المنبر الحسيني وكيف بدأ ، يرتقي المنبر الآن من قبل أُناس بدأوا يسيؤون للمنبر والإسلام  ومن خلال ما يطرحون وما يتبنون من أفكار ، ولابد أن نشير إلى ظهور حركة فكرية لها متبنياتها واطروحتها ومنهجها ودعمها وارتباطها وتطرفها لتؤدي دورها بشكل مدروس وهادف من أجل إضعاف الثورة الحسينية وأهدافها وتحويلها إلى فلكلور شعبي وعادات وطقوس وشعارات وليست شعائر بعيدة عن روح ومقاصد الشريعة ، يمكننا توصيف هذه الحركات وهذه الجماعات من خلال ممارستها بما يأتي :

المبحث الخامس : حركات وتوجهات مشبوهة

1ـ إنها تتبنى فكراً عقائدياً خليطاً من النسق الأصولي والإخباري ، وتتبنى الكثير من أفكار الحجتية ومدرستهم .

2ـ مطابقة أو تشابه اسلوبها لاساليب الوهابية في المبالغة بتعظيم الصحابة وبالمقابل تبالغ هذه الحركة وتغالي بأهل البيت إلى حد التأليه ، وتكفير اعدائهم ونعتهم بصفات البكرية والعمرية ، بل وتكفير ممن لاينسجمون معهم في المبادئ والمتبنيات ويسمونهم بالبترية .

3ـ سب المخالفين لأهل البيت عندهم واجب ، ويخرجون بسبّهم عن الذوق الأخلاقي إلى درجة الطعن حتى بشرف وعرض بعض نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعض صحابته (صلى الله عليه وآله وسلم) .

4ـ لايؤمنون بالتقية في إظهار هذه العقائد بل يروّجون لهذه العقائد المنحرفة عِبر فضائياتهم.

5ـ فكر اتباع هذه المدرسة او الحركة أو الخط ، فكر طقوسي ـ عاطفي ، فهم يقدّسون الطقوس ولايهتمون بالعمق والجذور ، ويرفعون مقام اللطم والتطبير وامثاله إلى درجة عقدية ويعتقدون أن من يقوم بهذه الطقوس يوجب دخول الجنة بغض النظر عن عمله حسب زعمهم وعقيدتهم المنحرفة .

6ـ أضافت هذه الحركة إلى التشيع مفهوم (  التأسي ) بعد مفهومي ( التولي والتبري ) ، لذلك لم يوافقهم علماء الشيعة ، بل انكروا هذه الممارسات وحرّم الكثير منهم هذه الطقوس وعدّها من البدع .

7ـ بسبب تطرف رواد هذه الحركة وهذا الخط ، يُعدّون بل يؤمنون بانحراف كل عالم ينتقد التطبير وامثاله ، لهذا تطاولوا على مراجع الأمة وعلمائها وقادتها امثال السيد الخامنئي وفضل الله وحسن نصر الله والشيخ الوائلي والشهيدين الصدرين (قدس سرهما) وامثالهم وحكموا عليهم بالإنحراف والإبتعاد عن عقيدة التبري التي يؤمنون بها ضد من يخالف أفكارهم ومعتقداتهم .

8ـ يُعَدّ فكر هذه الحركة وهذا الخط من أخطر الافكار على التشيع المعاصر لانه يصادر الخطاب الاعلامي الشيعي بضخامة مصادر تمويله وسطوة فضائياته وخطورة ارتباطه الخارجي ، وكثرة اتباعه من الجهلة وعوام الناس الذين يتحركون بالعاطفة وتعطيل العقل وهذا مايعدّه هذا الخط لعوام الأمة لكي تتحول هذه الأمة إلى أمة نائمة ، باكية ، حزينة ، مسكونة بالحزن السرمدي ، لتعطيل عقلها ومنعه من النمو والابداع والتفكير في الآفاق .

9ـ بهذه التوصيفات وغيرها تدعو هذه الحركة وهذا الخط إلى بث الفرقة بين المسلمين وتأليب إعداء أهل البيت على الشيعة عامة ، ليقابلوهم برد الفعل المشابه ويزيد عليه قتلاً وتفجيراً وانتهاكاً وتسفيراً وتهجيراً وانتهاكاً للحرمات والاعراض والأموال والدماء ، فهي حركة مفرقة للأمة لاتدعو إلى السلم والتعايش المجتمعي ولاتؤمن بالحوار والرأي الآخر ، ولاتؤمن بحرية المعتقد وأمثاله ، وتقدم دماء شيعة أهل البيت على طبق لاعداء الإسلام لإثارة أضغانهم وحقدهم وزيادة عداوة أعدائهم ومعارضيهم .

لهذا يحتاج إلى التصدي المرجعي لهم من جانب ، ومن عموم العلماء والمفكرين والقادة لتوضيح خطرهم على الإسلام والمسلمين من جانب آخر ، للحيلولة دون انتشارهم وتمددهم في الساحة الإسلامية ، لأنهم يضربون الإسلام بالعمق بإسم هذه الشعارات التي يدّعون أنها من الإسلام ، والإسلام منها براء.

المطلب الاول : الإرشاد والتصدي

وهكذا اهتم الشهيد الصدر ( قدس) بقضية الخطباء والمنبر بوصفها جزءاً من مشروعه المرجعي المتكامل وقد اوضحنا بعض جوانبه من خلال التفاهم بين الشهيد الصدر وعميد المنبر الحسيني الشيخ الوائلي (رحمه الله) ، ولم يقتصر توجه المرجعية ويتوقف عند الشهيد الصدر ومشروعه الإسلامي ، بل نلاحظ أن المرجع السيد علي السيستاني نشر توصيات عبر موقعه للخطباء وما ينبغي لهم الالتزام به بتأكيده على توصيات عامة من المرجعية الدينية العليا للخطباء والمبلغين في شهر محرم الحرام لعام 1438م ، نذكرها كما جاء نصه من الموقع :

بسم الله الرحمن الرحين

" وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ، يطل علينا شهر محرم الحرام ونستذكر من خلاله أعظم حركة قادها المصلحون في مجال تطوير المجتمعات وبعث ارادة الأمم وإصلاح الاوضاع ، الا وهي الحركة الحسينية المباركة ، واستذكاراً لهذه الحركة المباركة يلقى على عواتقنا نحن اتباع الامام الحسين (عليه السلام) مسؤولية كبرى وهي مسؤولية الحفاظ على استمرار هذه الحركة وترسيخ آثارها وأبعادها في النفوس والقلوب ، ولايخلو إنسان حسيني من نوع من المسؤولية سواء كان عالماً دينياً أو مثقفاً أو متخصصاً في مجال من مجالات العلوم المادية والإنسانية المختلفة ، فكل منّا يتحمل مسؤولية الحفاظ على هذه الثورة الحسينية المباركة من خلال اصلاح نفسه واهله واسرته ، ومن خلال قيامه بتوعية المجتمع الذي حوله بأهمية هذه الحركة وعظمة هذا المشروع الحسيني الاعلامي لحركة عاشوراء ولمشروع سيد الشهداء (عليه السلام) ، ولذلك نحتاج أن نتوقف قليلاً لنتسائل : هل المنبر الحسيني يقوم بتجسيد هذه المسؤولية وتفعيلها بما ينسجم مع مقتضيات الزمان ومستجدات العصر بحيث يحقق الآثار الحسينية الشريفة في النفوس والقلوب؟ .

وانطلاقاً من هذه النقطة نستذكر بعض الارشادات والنصائح لكل من يعلو منبر سيد الشهداء (عليه السلام) :

1ـ تنوع الاطروحات : فإن المجتمع يحتاج إلى موضوعات روحية وتربوية وتاريخية وهذا يقتضي أن يكون الخطيب متوافراً على مجموعة من الموضوعات المتنوعة في الحقول المتعددة تغطي بعض حاجة المسترشدين من المستمعين وغيرهم .

2ـ أن يكون الخطيب مواكباً لثقافة زمانه ، وهذا يعني استقراء الشبهات العقائدية المثارة بكل سنة بحسبها واستقراء السلوكيات المتغيرة في كل مجتمع وفي كل فترة تمر على المؤمنين ، فإن مواكبة مايستجد من فكر أو سلوك او ثقافة تجعل الالتفات حول منبر الحسين (عليه السلام) حيّاً جديداً ذا تأثير وفاعلية كبيرة .

3ـ تحري الدّقة في ذكر الآيات القرآنية أو نقل الروايات الشريفة في الكتب المعتبرة ، أو حكاية القصص التاريخية حيث أنّ عدم التدقيق في مصادر الروايات أو القصص المطروحة يفقد الثقة بمكانة المنبر الحسيني في أذهان المستمعين .

4ـ أن يترفع المنبر عن الاستعانة بالاحلام وبالقصص الخيالية التي تسيء إلى سمعة المنبر الحسيني وتظهره أنه وسيلة إعلامية هزيلة لاتنسجم ولاتتناسب مع المستوى الذهني والثقافي للمستمعين.

5ـ جودة الإعداد بأن يعني الخطيب عناية تامة بما يطرحه من موضوعات من حيث ترتيب الموضوع وتبويبه وعرضه ببيان سلس واضح وإختيار العبارات والأساليب الجذابة لنفوس المستمعين والمتابعين ، فإن بذل الجهد الكبير من الخطيب في إعداد الموضوعات وترتيبها وعرضها بالبيان الجذاب سيسهم بتفاعل المستمعين مع المنبر الحسيني .

6ـ إن تراث أهل البيت (عليهم السلام) كله عظيم جميل ولكن مهارة الخطيب وإبداعه يبرز باختيار النصوص والأحاديث التي تشكل جاذبية لجميع الشعوب على اختلاف أديانهم ومشاربهم الفكرية والاجتماعية انتهاجاً لما ورد عنهم (عليهم السلام) { لو عرف الناس محاسن كلامنا إذا لاتبعونا} ، ومحاسن كلامهم هو تراثهم الذي يتحدث عن القيم الانسانية التي تنجذب اليها كل الشعوب بمختلف توجهاتهم الثقافية والدينية .

7ـ طرح المشاكل الاجتماعية الشائعة مشفوعة بالحلول الناجعة ، فليس من المستحسن أن يقتصر الخطيب على عرض المشكلة ، كمشكلة التفكك الأسري ، أو مشكلة الفجوة بين الجيل الشبابي والجيل الاكبر ، او مشكلة الطلاق أو غيرها ، فإن ذلك مما يثير الجدل دون مساهمة من المنبر في دور تغييري فاعل ، لذلك من المأمول من رواد المنبر الحسيني استشارة ذوي الاختصاص من أهل الخبرة الاجتماعية وحملة الثقافة في علم النفس وعلم الاجتماع في تحديد الحلول الناجعة للمشاكل الإجتماعية المختلفة ليكون عرض المشكلة مشفوعة بالحل عرضاً تغييرياً تطويرياً ينقل المنبر من حالة الجمود إلى حالة التفاعل والريادة والقيادة في إصلاح المجتمعات وتهذيبها .

8ـ أن يتسامى المنبر الحسيني عن الخوض في الخلافات الشيعية سواء في مجال الفكر أو مجال الشعائر ، فإن الخوض في هذه الخلافات يوجب إنحياز المنبر لفئة دون أخرى أو اثارة فوضى اجتماعية أو تأجيج الانقسام بين المؤمنين ، بينما المنبر راية لوحدة الكلمة ورمز للثورة الحسينية الذي يجمع قلوب محبي سيد الشهداء (عليه السلام) هي مسار واحد وتعاون فاعل .

9ـ الاهتمام بالمسائل الفقهية الابتلائية في مجال العبادات والمعاملات من خلال عرضها بإسلوب شائق واضح يشعر المجتمع بمعايشة المنبر الحسيني لواقعه وقضأياه المختلفة .

10ـ تركيز اهمية المرجعية والحوزة العلمية والقاعدة العلمائية التي هي سرُّ قوة المذهب الامامي ورمز عظمته وشموخ كيانه وبنيانه .

نسأل الله تبارك وتعالى للجميع التوفيق لخدمة طريق سيد الشهداء (عليه السلام) وأن يجعلنا جميعاً وجهاء بالحسين (عليه السلام) في الدنيا والآخرة .

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين([81]).

المطلب الثاني : ماينبغي تبنيه من رسالة الحسين الاصلاحية

إن الامام الحسين (عليه السلام) أعلن في بيان خروجه وأكّد بكلمة صريحة (إني لم أخرج أشراً ولابطراً ولامفسداً ولاظالماً وإنما خرجتُ لطلب الاصلاح في أمة جدي ..) وكان يرى ان الاصلاح هو الوسيلة الانجع لتغيير السنّة وتبديل الشريعة ، وبنفس الاثر الاصلاحي للإمام الحسين (عليه السلام) علينا أن ننهض لإصلاح واقع الأمة وانتشالها من وضعها المزري والمهزوم وإعادتها إلى صوابها وإلى سنة نبيها محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن كثر الغلو ، وبرز من شوّه الإسلام باسم الدين من الدواعش وغيرهم ، نريد التأكيد على المعطيات الآتية لنضع لبنة في البناء الكبير والشامخ لكي يكمّل غيرنا الدرب الصعب المستصعب والذي لايسلكه إلا نبي أو وصيّ نبي أو رجل أمتحن الله قلبه للايمان .

وبعد أن تأكد لنا إن هذه الممارسات والطقوس ليست من الشعائر بل هي شعارات ، وإنها من البدع والتي لم يرد عليها دليل صحيح من القرآن والسنة ولم يفعلها أحد من الأئمة (عليه السلام) ولامن العلماء الواعين الذين يعدّون الشعائر وإحياء الأمر اموراً توقيفية لابد لها من دليل معتبر كالأذان والإقامة والصلاة والحج والصوم و ... نقف الآن أمام مسؤولية خطيرة لتصحيح المسار ، وإصلاح ما أصاب هذه الممارسات والتي ابتعدت عن الشريعة وأبعدت الشباب عن دورهم الحقيقي في المواجهة والتصدي والتطور والنمو والبناء ، وماخلفته هذه الممارسات من نتائج سلبية وتركت أضراراً خطرة على الفرد والأمة ، وتحول الإسلام إلى عادات وطقوس فارغة ، ولايفوتنا أن نؤكد الدور  البريطاني كما لاحظناه في الوثائق البريطانية من دعم السفير البريطاني في بغداد للتطبير وتبرعه بالأكفان البيضاء ، والسكاكين فضلاً عن دعم مواكب التطبير بالمال والسكر والرز وغيرها من السفارة البريطانية في وقت كانت الحاجة الماسة إليها وسط أزمة عاشتها البلاد كما تذكر الوثائق .

* ونحن بأمس الحاجة الملحة والضرورية والفاعلة إلى القيام بما يأتي :

أولاً : يجب علينا جميعاً أداء مسؤولياتنا بالنصح والإرشاد ورفع المستوى الثقافي والتوعوي لأجل تحصين المسلمين من قبل الدعاة الواعين لرسالتهم ولدورهم الإصلاحي ، ويتضامن معهم العلماء والمرجعيات الرشيدة وفضلاء الحوزة والمفكرون والكتاب لمواجهة موجة الانحراف والبدع والأكاذيب .

ثانياً : النهوض بالمنبر وتحويله من منبر يناغم العاطفة ويخاطب العقول الساذجة البسيطة لاستدرار عواطفها إلى منبر حر واعٍ يحمل رسالة الوعي والعقل والإصلاح ، ولكي يمازج هذا الوعي المنبري بين العاطفة والعقل لينتج لنا السلوك الإسلامي الواعي .

ثالثاً : تنقية الموروث الإسلامي من الدس والكذب وفضح الاحاديث التي رواها الوضّاعون والكذّابون وعزلها في كتب خاصة باسم الاحاديث الموضوعة ، كي يصفى التراث منها ، وأن يتم الإبلاغ والتبليغ عنها بشكل جماعي لانخبوي فقط ، لكي تعم الحقيقة ولكي نقضي على هذا التسطيح العقلي .

رابعاً : نحتاج إلى شجاعة مرجعية تكون مسؤولة أمام الله وأمام الناس وأن تتكلم وتفتي بضرس قاطع بحرمة مزاولة هذه الطقوس والعادات والتي أساءت للإسلام وإلى المسلمين ، بحيث ينظر اليهما من قبل المتربصين والمغرضين والأعداء ، أنه إسلام قتل وذبح وتعذيب للنفس وارهاب ودموية وغيرها ، والإسلام بريء من كل هذا .

خامساً : على المرجعية أن تشير إلى حرمة النظر إلى الفضائيات وأمثالها من التي تثير الفرقة وتوجد العداوة بين المسلمين ، وتعتدي على مقدسات الآخرين ، وهذا مايثير الخلاف بين المسلمين وإضعافهم وهدر طاقاتهم واموالهم وإثارة الأحقاد والإحن فيما بينهم .

سادساً : ان مسألة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) تمثل ( عصب الإسلام ) ، فبتركها سوف تتعطل وتشل حركة الإسلام وتتوقف حدوده وأحكامه ، وهي فريضة مقدسة اعتمدها الامام الحسين (عليه السلام) في انطلاق ثورته ، ويجب ممارستها على كل مسلم عاقل بالغ قادر ... وإن مسألة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية تضامنية يجب على الجميع القيام بها ضمن امكاناته ومتبنياته وتوجهاته ، فهي قضية عامة وتخص المسلمين جميعاً وعليهم الدفاع عن إسلامهم ومبادئهم وعقائدهم الحقّة بالتغيير باليد أو اللسان أو القلب .

سابعاً : على المنبر نشر مفاهيم الإسلام التي تدعو إلى أنسنة المجتمع وبث روح الاخوة والتعاطف والتسامح ونبذ الافكار الخلافية الهدّامة التي تؤدي إلى بث الفرقة والتناحر والإقتتال والتحارب .

ثامناً : دراسة الحسين (عليه السلام) وأمثاله بوصفه اسلاماً حركياً ، يجسّد واقع الإسلام على الارض ، اذ الإسلام هو ( محمدي الوجود ، حسيني البقاء ) ، وأن ندرس الحسين وتعريفه للآخرين كما عرّفه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال : ( حسين منيّ وأنا من حسين ) ، وعلينا أن لانفرغ ثورة الحسين من محتواها لنجعلها أيام حداد وحزن وبكاء وممارسات وعادات تتكرر سنوياً ، بل هو محطة وعي ومدرسة مراجعة وتصحيح واصلاح للذات والمجتمع تمدها دائماً بالوعي والبناء والتطور .

تاسعاً : علينا تطوير أساليب الوعي والتثقيف ، بحيث لانحصرها فقط في المنبر والوعظ والإرشاد وامثالها ، بل نتعداها بإبتكار اساليب حديثة واعلامية أخرى مستفيدين من المسرح والتمثيل والفضائيات المسؤولة والمعتدلة ، والمسيرات المنظمة والمؤثرة وإلى المؤتمرات العلمية المثمرة ، والحوارات البنّاءة ، والمسابقات في التأليف والتدوين ، ونشر ثقافة الحسين (عليه السلام) عبر السمعيات والمرئيات للأطفال وعبر برامج الصور المتحركة ...الخ بما يتناسب وفئاتهم العمرية .

كل هذا امتداد لثورة الحسين (عليه السلام) والتي هي ثورة الإسلام الخالد ، التي أراد لها الحسين أن تستمر لكي يحفظ دين جده (صلى الله عليه وآله وسلم) .

عاشراً : توجيه وزارتي التربية والتعليم العالي بتضمين المواد الدراسية لهذه الشعائر وأهميتها بما يمنع من المساس بها ، فضلاً من تشذيبها من كل الأعمال والافعال التي تسيء إليها .

إحدى عشرة : التأكيد على ضرورة تفعيل المادة (10) من الدستور بما يضمن ممارسة الشعائر الدينية بحرية دون المساس بقدسيتها ، او النيل منها ، مع ضرورة أن تكون هذه الشعائر منسجمة مع خط الحسين (عليه السلام) وما أراده من نهضته .

إثنتا عشرة : تضمين القوانين في العراق مواد أو نصوصاً قانونية تضمن محاسبة من يحاول المساس بهذه الشعائر ، أو منعها ، أو الإساءة إليها ، و تحاسب في الوقت ذاته من يحاول دس بعض الأفكار التي لاتنسجم مع الخط الحسيني والمساس بأصول العقيدة ، ورجالات الفكر والإصلاح والروّاد الذين بذلوا مهجهم لتنقية ما أصاب هذهِ الشعائر من بدع أو ممارسات خارجة عن الإسلام ولاتنسجم مع مقاصد الشريعة .

ثلاثة عشر : توجيه وزارة الخارجية العراقية بأخذ دورها في إبراز أهمية الشعائر الحسينية والحفاظ عليها من خلال :

1ـ إصدار قرار من منظمة التعاون الإسلامي بحرمة المساس بهذه الشعائر والتأكيد على أنّ نهضة الحسين (عليه السلام) إنما جاءت لأجل الأمة الإسلامية جمعاء لا لمذهب أو لطائفة معينة ، لأن الحسين (عليه السلام) إبن الإسلام وصحابي وإبن رسول الله وسبطه وريحانته ، فنهضته وثورته من أجل الاسلام والمسلمين جميعاً .

2ـ إصدار قرار أُممي من الأمم المتحدة يتضمن عدّ الشعائر الحسينية من التراث الإنساني ، لأن ثورة الحسين جاءت لإعادة الإعتبار الى كرامة الإنسان وتحريره ، ورفض الظلم ، وإقامة العدل ، وتحقيق المساواة وغيرها ، وهذه مبادئ أهمية وإنسانية جسدّها الحسين (عليه السلام) في نهضته وثورته .

من هنا لو طرح مشروع الحسين كما يريده هو ، لا كما يريده الذين يعتاشون على ثورته ، بممارسة هذه الطقوس والعادات والتي تسيء إلى الحسين ونهجه لرأينا التغيير والانقلاب في حياة المسلمين ، لأن الحسين ابن الإسلام وتلميذ القرآن ، وجاء لنصرتهما معاً .

بهذه الروح وبهذا الوعي نستطيع أن نصف الممارسات الواعية بانها شعائر لاننا نستطيع أن ننسبها إلى رضا الله تعالى وهي احياء لأمر الله لإعلاء كلمته ونشر دينه .

الخاتمة :

" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّه وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ"([82]).

إن السبب الذي دعاني لطرح هذا البحث هو لأهميته من جانب وخطورته من جانب آخر ، سيما وأن هذه العادات والطقوس بدأت تدخل صلب العقيدة وتؤثر على متبنيات واعتقاد معتنقيها ، لهذا أوضحنا بشكل مبسط جداً بعض الإثارات حول هذا الموضوع والذي يحتاج إلى تفصيل وتحليل اكثر ، وعليه نتمنى أن نكون قد وضعنا قدماً في المسيرة الإصلاحية الطويلة والشاقة والمتعبة والتي تحتاج إلى تقييم وتقويوم ، ولو طرحت ثورة الحسين ونهضته بإسلوبها العلمي والموضوعي وبمبادئها الانسانية والإسلامية لرأينا الفتح الحسيني وتصدير ثورته وتبنيها من كل الشعوب والطوائف بغض النظر عن إنتمائهم المذهبي والعرقي ، لأن الحسين (عليه السلام) قصة الإنسانية المعذّبة التي تجد فيه المنقذ والمحرر والبلسم الشافي والدواء المعافي لآلامها ومحنتها.

 

المصاد ر  والهوامش

  1. الفراهيدي 1/251
  2. البدن : البدنة ناقة أو بقرة ، الذكر والأنثى فيه سواء ، يهدى الى مكة ، والجميع البدن ، ينظر الفراهيدي : العين 8/51
  3. الجوهري 2/ 699
  4. القونوي : انيس الفقهاء 1/ 140
  5. الجوهري : 2 /699 : وينظر ، ابن منظور : لسان العرب 3 / 413
  6. الهيثمي : المسند 2/ 700 : وينظر الضحاك : الآحاد والمثاني 5/ 283
  7. النمازي : مستدرك سفينة البحار 5/417
  8. الفيروز آبادي : 2/ 60
  9. ابن زكريا : 3/ 193 - 194
  10. احمد ابن حنبل : المسند 3 / 246 : وينظر ابو الحسين : معجم الصحابة 2/104 ابن عبد البر : الاستيعاب 2/ 804 : المقدسي : الاحاديث المختارة 8/ 244
  11. سورة الحج : الآية 36
  12. الطريحي 2 / 514- 515
  13. الرازي :التفسير الكبير 11 / 101
  14. السدي : إسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي القريشي ، المفسر المعروف من مصنفي الشيعة من اصحاب السجاد والباقر والصادق (عليهم السلام) توفي سنة (127 هـ / 746م ) ينظر ، ابن سعد : الطبقات 6/ 323 : البخاري : التاريخ الكبير 1/ 361 : الصفدي : الوافي بالوفيات 9/85 : الداودي : طبقات المفسرين 1 / 15 : النمازي : مستدرك سفينة البحار 8 : 201
  15. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، كنيته أبو العباس ولد قبل هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) اللهم علمه الحكمة ، توفي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو ابن أربع عشرة سنة ، مات سنة (68هـ / 688م) بالطائف وقيل سنة (70هـ / 690م) وصلى عليه محمد بن الحنفية وقبره بالطائف مشهور يزار ، ينظر : ابن حبان : الثقات 3/208 : ابن عساكر : تاريخ مدينة دمشق 29/ 285 : الذهبي : تذكرة الحفاظ : 1 / 40
  16. عطاء بن ابي رباح : ابو محمد القرشي مولاهم ، المكي ، واسم أبي رباح اسلم ، ولد في خلافة عثمان وقيل في خلافة عمر ، احد الاعلام مفتي اهل مكة ومحدثهم القدوة العلم ، سيد التابعين علماً وعملاً واتقانا في زمانه مات سنة (114هـ / 733م) وقيل (115هـ / 734م) بمكة ، ينظر ابن سعد : الطبقات 5/ 467 : الذهبي : تذكرة الحفاظ 1 / 98 : ميزان الاعتدال 3/ 70 : ابن حجر العسقلاني : تقريب التهذيب 1/ 674 .
  17. ابن عطية : المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 2/ 146.
  18. التفسير الكبير 4 / 177 : وينظر ، القونوي : انيس الفقهاء 1/ 140 .
  19. سورة الحج : الآية 36 .
  20. سورة الحج : الآية 32 .
  21. الرازي : التفسير الكبير 4 /143 .
  22. سورة البقرة : الآية : 158 .
  23. الطبري : جامع البيان 2 / 44 .
  24. التفسير الكبير 4 / 144 .
  25. الجامع لأحكام القرآن 12 / 56 : وينظر ، ابن عطية الأندلسي : المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 4 / 121 .
  26. سعدي ابو حبيب : القاموس الفقهي 197 : وينظر أحمد فتح الله ، معجم الفاظ الفقه الجعفري 245 .
  27. البقرة :117.
  28. الفرقان : 63.
  29. البيهقي في الجامع لشعب الايمان ج3 ص506 ح2024 ، والطبراني في المعجم الكبير ج9 ص154 ح8770
  30. ( البقرة : 158)
  31. (المائدة : 2)
  32. (الحج : 32)
  33. (الحج : 36)
  34. تفسير الميزان :1/384 (البقرة : 158)
  35. الكليني ج4 ص245
  36. التفسير الصافي ـ للفيض الكاشاني ج1 ص206
  37. السيوطي ـ عبد الرحمن جلال الدين ، الدّر المنثور في التفسير بالمأثور،ج1 ص385 ، دار الفكر 1993م ـ 1414 هـ .
  38. المكتبة العقائدية / الشيعة هم أهل السنة ( تحقيق مركز الأبحاث العقائدية) لـ محمد التيجاني السماوي ص 391
  39. تفسير أبي الفتوح : 3/392 باختلاف يسير
  40. الكافي : ج1/ ص69 ح4
  41. (النحل : 125)
  42. الفيروز آبادي / فضائل الخمسة ج 1 ص311 ، الاصبهاني / حلية الأولياء وطبقات الاصفياء ،ج3ص201، دار الكتاب العربي ( بيروت ) ط الخامسة 1407 هـ .
  43. الخوارزمي / مقتل الحسين / ج1 ص88، الأشر : شديد المرح . البَطِر : شديد السرور بما عنده من نعمة.
  44. سبط ابن الجوزي / تذكرة الخواص / ط مكتبة نينوى الحديثة (طهران) / ص233.
  45. انظر الطبري ص320/ تاريخ الأمم والملوك ج7 ص104 .
  46. عيون اخبار الرضا (ع) للشيخ الصدوق (رحمه الله ) ج2 ص276.
  47. محمد بن يعقوب الكليني ، الاصول من الكافي ج1 باب البدع والرأي والمقايس ، ح2 ص54 وسائل الشيعة (الاسلامية) الحر العاملي ج11ص511 أخرجه الربيع في مسنده (رقم 943) ، والدليمي في الفردوس (1/321 رقم1271).
  48. علاء الدين الهندي ، كنز العمال ، ج1 ح903 ص179.
  49. الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، ج11 ، كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، باب 40 ح1 ص 510.
  50. علاء الدين الهندي ، كنز العمال ، ج1 ح 1151 ص 219.
  51. المصدر السابق ، ج1 ح 1112 ص221.
  52. المصدر السابق ، ج1 ح 1113 ص221.
  53. المصدر السابق ، ج1 ح 1118 ص222.
  54. (الانعام 159).
  55. علاء الدين الهندي ، كنز العمال ، ج1 ح2987 ص 223
  56. الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، ج11 ص 508 ح1
  57. العقائد ، ابو الشهداء ، ص230
  58. علي شريعتي ت 1977 ، التشيع العلوي والتشيع الصفوي ص 67
  59. الأمين ، أعيان الشيعة ج 41 ص160
  60. مطهري ، الملحمة الحسينية ، 1/13
  61. هبة الدين ، مجلة العالم ، ص 266
  62. محسن الامين ، رسالة التنزيه ، ص 101
  63. هبة الدين ، مجلة العالم ، ص 266
  64. الحسني ، ثورة التنزيه ، ص203 ، جعفر الخليلي ، هكذا عرفتهم 3/ 207
  65. محمد باقر الصدر ، مجموعة استفتاءات ، ص45
  66. محمد جواد مغنية ، الشيعة في الميزان ص98
  67. فضل الله ، الندوة ، ص52
  68. فضل الله ، بينات ، الشعائر
  69. المصدر : محمد باقر الصدر : ( السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ) تأليف : أحمد عبد الله ابو زيد العاملي ج3/ ص495ـ500 ط1/1428هـ ـ 2007م ، بيروت / مؤسسة العارف للمطبوعات .
  70. المرجع السابق ص496
  71. المصدر السابق / نقلاً عن (تجارتي مع المنبر) تأليف : الدكتور أحمد الوائلي ، الناشر : انتشارات الشريف الرضي ، قم / ايران ، 1998م
  72. المصدر السابق ص 496
  73. المصدر السابق : ص 496
  74. المصدر السابق : ص496
  75. قوائد العقائد ، مسألة الحقيقة والشريعة ، ج1 ص 113
  76. المصدر السابق : ص497
  77. المصدر السابق : ص497
  78. المصدر السابق : ص 498
  79. المصدر السابق : ص498
  80. احمد عبد الله ابو زيد العاملي / محمد باقر الصدر / السيرة الذاتية في حقائق ووثائق . ج3 ص498 ، مؤسسة العارف المطبوعات ، بيروت ، لبنان ط. 1428ـ 2007م
  81. http:www.sistani.org/Arabic/25463
  82. يوسف : 108

 

[1] . الفراهيدي 1/251

 

[2] . البدن : البدنة ناقة أو بقرة ، الذكر والأنثى فيه سواء ، يهدى الى مكة ، والجميع البدن ، ينظر الفراهيدي : العين 8/51

 

[3] . الجوهري 2/ 699

 

[4] . القونوي : انيس الفقهاء 1/ 140

 

[5] . الجوهري : 2 /699 : وينظر ، ابن منظور : لسان العرب 3 / 413

 

[6] . الهيثمي : المسند 2/ 700 : ونظر الضحاك : الآحاد والمثاني 5/ 283

 

[7] . النمازي : مستدرك سفينة البحار 5/417

 

[8] . الفيروز آبادي : 2/ 60

 

[9] . ابن زكريا : 3/ 193 - 194

 

[10] . احمد ابن حنبل : المسند 3 / 246 :  وينظر ابو الحسين : معجم الصحابة 2/104 ابن عبد البر : الاستيعاب 2/ 804 : المقدسي : الاحاديث المختارة 8/ 244

 

[11] . سورة الحج : الآية 36

 

[12] . الطريحي 2 / 514- 515

 

[13] . الرازي :التفسير الكبير 11 / 101

 

[14] . السدي : إسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي القريشي ، المفسر المعروف من مصنفي الشيعة من اصحاب السجاد والباقر والصادق (عليهم السلام) توفي سنة (127 هـ / 746م ) ينظر ، ابن سعد : الطبقات 6/ 323 : البخاري : التاريخ الكبير 1/ 361 : الصفدي : الوافي بالوفيات 9/85 : الداودي : طبقات المفسرين 1 / 15 : النمازي : مستدرك سفينة البحار 8 : 201

 

[15] . عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، كنيته أبو العباس ولد قبل هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) اللهم علمه الحكمة ، توفي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو ابن أربع عشرة سنة ، مات سنة (68هـ / 688م) بالطائف وقيل سنة (70هـ / 690م) وصلى عليه محمد بن الحنفية وقبره بالطائف مشهور يزار ، ينظر : ابن حبان : الثقات 3/208 : ابن عساكر : تاريخ مدينة دمشق 29/ 285 : الذهبي : تذكرة الحفاظ : 1 / 40

 

[16] . عطاء بن ابي رباح : ابو محمد القرشي مولاهم ، المكي ، واسم أبي رباح اسلم ، ولد في خلافة عثمان وقيل في خلافة عمر ، احد الاعلام مفتي اهل مكة ومحدثهم القدوة العلم ، سيد التابعين علماً وعملاً واتقانا في زمانه مات سنة (114هـ / 733م) وقيل (115هـ / 734م) بمكة ، ينظر ابن سعد : الطبقات 5/ 467 : الذهبي : تذكرة الحفاظ 1 / 98 : ميزان الاعتدال 3/ 70 : ابن حجر العسقلاني : تقريب التهذيب 1/ 674 .

 

[17] . ابن عطية : المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 2/ 146.

 

[18] . التفسير الكبير 4 / 177 : وينظر ، القونوي : انيس الفقهاء 1/ 140 .

 

[19] . سورة الحج : الآية 36 .

 

[20] . سورة الحج : الآية 32 .

 

[21] . الرازي : التفسير الكبير 4 /143 .

 

[22] . سورة البقرة : الآية : 158 .

 

[23] . الطبري : جامع البيان 2 / 44 .

 

[24] . التفسير الكبير 4 / 144 .

 

[25] . الجامع لأحكام القرآن 12 / 56 : وينظر ، ابن عطية الأندلسي : المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 4 / 121 .

 

[26] . سعدي ابو حبيب : القاموس الفقهي 197 : وينظر أحمد فتح الله ، معجم الفاظ الفقه الجعفري 245 .

 

[27] . البقرة :117.

 

[28] . الفرقان : 63.

 

[29] . البيهقي في الجامع لشعب الايمان ج3 ص506 ح2024 ، والطبراني في المعجم الكبير ج9 ص154 ح8770

 

[30] . ( البقرة : 158)

 

[31] . (المائدة : 2)

 

[32] . (الحج : 32)

 

[33] . (الحج : 36)

 

[34] . تفسير الميزان :1/384 (البقرة : 158)

 

[35] . الكليني ج4 ص245

 

[36] . التفسير الصافي ـ للفيض الكاشاني ج1 ص206

 

[37] . السيوطي ـ عبد الرحمن جلال الدين ، الدّر المنثور في التفسير بالمأثور،ج1 ص385 ، دار الفكر 1993م ـ 1414 هـ .

 

[38] . المكتبة العقائدية / الشيعة هم أهل السنة ( تحقيق مركز الأبحاث العقائدية) لـ محمد التيجاني السماوي ص 391

 

[39] . تفسير أبي الفتوح : 3/392 باختلاف يسير

 

[40] . الكافي : ج1/ ص69 ح4

 

[41] . (النحل : 125)

 

[42] . الفيروز آبادي / فضائل الخمسة ج 1 ص311 ،الاصبهاني/حلية الأولياء وطبقات الاصفياء ،ج3ص201، دار الكتاب العربي ( بيروت ) ط الخامسة 1407 هـ .

 

[43] . الخوارزمي / مقتل الحسين / ج1 ص88، الأشر : شديد المرح . البَطِر : شديد السرور بما عنده من نعمة.

 

[44] . سبط ابن الجوزي / تذكرة الخواص / ط مكتبة نينوى الحديثة (طهران) / ص233.

 

[45] . انظر الطبري ص320/ تاريخ الأمم والملوك ج7 ص104 .

 

[46] . عيون اخبار الرضا (ع) للشيخ الصدوق (رحمه الله ) ج2  ص276.

 

[47] . محمد بن يعقوب الكليني ، الاصول من الكافي ج1 باب البدع والرأي والمقايس ، ح2 ص54 وسائل الشيعة (الاسلامية) الحر العاملي ج11ص511 أخرجه الربيع في مسنده (رقم 943) ، والدليمي في الفردوس (1/321 رقم1271).

 

[48] . علاء الدين الهندي ، كنز العمال ، ج1 ح903 ص179.

 

[49] . الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، ج11 ، كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، باب 40 ح1 ص 510.

 

[50] . علاء الدين الهندي ، كنز العمال ، ج1 ح 1151 ص 219.

 

[51] . المصدر السابق ، ج1 ح 1112 ص221.

 

[52] . المصدر السابق ، ج1 ح 1113 ص221.

 

[53] . المصدر السابق ، ج1 ح 1118 ص222.

 

[54] . (الانعام 159).

 

[55] . علاء الدين الهندي ، كنز العمال ، ج1 ح2987 ص 223

 

[56] . الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، ج11 ص 508 ح1

 

[57] . العقائد ، ابو الشهداء ، ص230

 

[58] . علي شريعتي ت 1977 ، التشيع العلوي والتشيع الصفوي ص 67

 

[59] . الأمين ، أعيان الشيعة ج 41 ص160

 

[60] . مطهري ، الملحمة الحسينية ، 1/13

 

[61] . هبة الدين ، مجلة العالم ، ص 266

 

[62] . محسن الامين ، رسالة التنزيه ، ص 101

 

[63] . هبة الدين ، مجلة العالم ، ص 266

 

[64] . الحسني ، ثورة التنزيه ، ص203 ، جعفر الخليلي ، هكذا عرفتهم 3/ 207

 

[65] . محمد باقر الصدر ، مجموعة استفتاءات ، ص45

 

[66] . محمد جواد مغنية ، الشيعة في الميزان ص98

 

[67] . فضل الله ، الندوة ، ص52

 

[68] . فضل الله ، بينات ، الشعائر

 

[69] . المصدر : محمد باقر الصدر : ( السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ) تأليف : أحمد عبد الله ابو زيد العاملي ج3/ ص495ـ500 ط1/1428هـ ـ 2007م ، بيروت / مؤسسة العارف للمطبوعات .

 

[70] . المرجع السابق ص496

 

[71] . المصدر السابق / نقلاً عن (تجارتي مع المنبر) تأليف : الدكتور أحمد الوائلي ، الناشر : انتشارات الشريف الرضي ، قم / ايران ، 1998م

 

[72] . المصدر السابق ص 496

 

[73] . المصدر السابق : ص 496

 

[74] . المصدر السابق : ص496

 

[75] . قوائد العقائد ، مسألة الحقيقة والشريعة ، ج1 ص 113

 

[76] . المصدر السابق : ص497

 

[77] . المصدر السابق : ص497

 

[78] . المصدر السابق : ص 498

 

[79] . المصدر السابق : ص498

 

[80] . احمد عبد الله ابو زيد العاملي / محمد باقر الصدر / السيرة الذاتية في حقائق ووثائق . ج3 ص498 ، مؤسسة العارف المطبوعات ، بيروت ، لبنان ط. 1428ـ 2007م

 

[81] . http:www.sistani.org/Arabic/25463

 

[82] . يوسف : 108