دور المرجعية المعاصرة في انجاح العملية السياسية

 

السيد محمد ابراهيم الناجي

المقدّمة

    المرجعية هي الامتداد الحقيقي للإمامة، والمرجع هو نائب الامام المعصوم  عليه السلام في عصر الغيبة ومهمته ربط البشرية بعالم الغيب لكي تتكامل في حركتها التاريخية لتؤدي ما عليها من تكاليف الهية متمثلة بالعبودية المطلقة للَّه تعالى، تلك العبودية هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق السعادة والسلام والوئام في جميع أنحاء الحياة.

وعلى ضوء ذلك تتحدد مسؤولية المرجعية بالمحاور التالية:

أولاً: المحافظة على العقيدة والشريعة من التحريف والتزييف؛ برفد المجتمع بعلماء ومبلغين، وبعبارة اخرى المحافظة على استمرار التفقه في الدين، ومن أهم آلياته الحفاظ على كيان الحوزة العلمية.

ثانياً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثالثاً: تقرير المفاهيم والقيم الاسلامية في واقع الحياة وجعلها حاكمة على الفرد والمجتمع والدولة.

والمرجعية على اختلاف افرادها متفقة على هذه الأهداف، وهي مطابقة لسيرة المعصومين :، وهذه الأهداف مرتبة بالتسلسل من حيث الاهم والمهم، فالمحور أو الهدف الأول أهم من المحور أو الهدف الثاني وهكذا، ففي حال التزاحم يقدّم الأول على الثاني والثاني على الثالث، وبالتالي يصبح أهم هدف لاينبغي التخلي عنه هو المحافظة على العقيدة والشريعة من التحريف بالمحافظة على كيان الحوزة لكي ترفد الامة بفقهاء وعلماء باستمرار.

وقد جاهدت المرجعية على طول التاريخ من أجل تحقيق هذه الأهداف بمختلف الأساليب والوسائل المشروعة، وقد تنوعت أدوارها ليكمل بعضها بعضاً، فمن جاهد لتقرير المفاهيم والقيم الاسلامية في واقع الحياة وجعلها حاكمة على الفرد والمجتمع والدولة، وعمل في المجال السياسي؛ انما تبنى ذلك بعد مراحل من العمل أولها تكوين مجموعة من المبلغين والعلماء تعتمد على قاعدة يُتصور آنها قادرة على أحداث التغيير، ومن جهة اخرى انّ مثل هؤلاء المراجع انّما دخلوا في المجال السياسي المباشر أو غير المباشر بعد أن اطمأنوا انّ غيرهم من المراجع لازال يعمل على رفد المجتمع بالفقهاء عن طريق رفده لحركة التفقه واشرافه على المدارس الدينية العلمية.

وفي المقابل فانّ المرجعية التي ركزت على المحافظة على كيان الحوزة والمحافظة على إستمرار التفقه في الدين، انّما استمرت على ذلك لعلمها بانّ بعض المراجع أو وكلائهم قد تصدّوا للمجال السياسي أو تصدوا للعمل على تحكيم المفاهيم والقيم الاسلامية.

واذا أمعنا النظر في حركة المرجعية نحو إقامة دولة إسلامية نجد انّها ابتدأت بالمطالبة باصلاح أوضاع الدولة في علاقاتها مع الأجانب وفي علاقتها مع أفراد الشعب، واصلاح بعض المسائل الاجتماعية، فلو استجابت الدولة لذلك وأصلحت أوضاعها لاستمرت في الحكم، والمطالبة باقامة دولة اسلامية انما جاءت كنتيجة لتطور الاوضاع وتغير حركة الناس والنظام.

  وفي هذا البحث اتحدث عن دور مرجعية السيد السيستاني ودورها في انجاح العملية السياسية . وذلك من خلال عدة خطوات

الاولى :    تحكيم الاسلام سلمياً

تقرير المفاهيم والقيم الاسلامية في واقع الحياة وجعلها حاكمة على الفرد والمجتمع والدولة من الاهداف التي جاهد من أجلها جميع المراجع بلا استثناء ولكنهم اختلفوا في اسلوب التحكيم ولكنّ اغلبهم تبنى ذلك سلمياً، بل انّ بعض تبنى الجهاد المسلح على مستوى النظرية ولم يعمل من أجلها في الواقع

امّا المرجع السيستاني فانّه يرى انّ الشعب هو الحاكم وقد ادلى برأيه الذي نقله نجله السيد محمد رضا: »يجب أن تحكم بلادنا على أيدي شعبها، وعلى أيدي أفضل أبنائها، وعلى العراقيين أن يختاروا من يحكمهم«.

و المرجع السيستاني بهذا الكلام الموجز وضع نظرية شاملة حول الحكم ومن أهم معالمها:

أولاً: انّ الشعب هو صاحب الحق في الحكومة بمعنى إن الشعب العراقي بعربه واكراده وتركمانه، وبشيعته وسنته وبقية الديانات والطوائف هو صاحب الحق في الحكومة، وينبغي ان تكون الحكومة ائتلافية في بداية تأسيسها.

ثانياً: ان شخص الحاكم وأجهزة الحكم ينبغي أن يكونوا مختارين من قبل الشعب العراقي، فمن يختاره الشعب سيكون حاكماً بمعنى - رئيساً للجمهورية - دون النظر الى انتمائه الديني أو المذهبي أو القومي.

ثالثاً: ان يكون الحاكم أفضل العراقيين.

وللأفضلية مجالات عديدة تتعلق بشخصه وصفاته وخصائصه الفردية والاجتماعية ومنها:

 -1المعرفة والاطلاع.

 -2الكفاءة الادارية.

 -3حسن الاخلاق.

 -4الاخلاص.

 -5النزاهة.

 -6سعة الصدر.

 -7مشاركة العراقيين في آمالهم وآلامهم.

 -8الاهتمام بشؤون المسلمين.

و المرجع السيستاني يرى انّ الانتخابات هي الكفيلة باختيار الحاكم واجهزة الحكم، وبما انّ الأغلبية تنتمي الى الاسلام فمن الطبيعي أن تختار الاغلبية حاكماً مسلماً، وبما انّ المجلس سيحدد الدستور، فانه سيكون مستنداً الى القرآن والسنة لانّ الشعب المسلم سيختار من يؤمن بذلك.

والنتيجة ستكون تحكيم الاسلام سلمياً دون الحاجة الى المقاومة العسكرية أو الجهاد المسلح.

وهذا الرأي هو رأيه الثابت حتى في عهد النظام البائد، ولكن لم يعلن عنه، لانّ الاعلان عنه لا يحقق أي مكسب في الواقع، فالنظام لا يعترف بالرأي الآخر، ولا يؤمن بأيّ لون من ألوان الحرية، ووصل به الأمر الى قتل المقربين اليه لمجرد شكوك تعتريه، وبالتالي فليس من العقل المطالبة بتحكيم الاسلام عن طريق الانتخابات، وليس من العقل ابداء وجهات النظر التي لا تحقق شيئاً على أرض الواقع.

وقد استطاع المرجع السيستاني بموقفه الحكيم ان يحافظ على الحوزة العلمية في العراق، لانّ أي موقف معارض للنظام سيؤدي الى القضاء على جميع العلماء في الحوزة ابتداءً بالطلبة الناشئين وانتهاءً بالمراجع، ولا ثمرة في إراقة الدماء الاضافية، فقد استطاع بهذا الموقف الحكيم من ارسال المبلغين الى جميع انحاء العالم وأسس الكثير من المؤسسات الثقافية والفكرية والأدبية لنشر منهج أهل البيت :.

الثانية : التأكيد دور الامة في اتخاذ القرار

أكّد المرجع السيستاني على دور الامة في اختيار الحاكم وفي اتخاذ القرار فقال: »يجب أن تحكم بلادنا على أيدي شعبها، وعلى أيدي أفضل ابنائها، وعلى العراقيين أن يختاروا من يحكمهم«.

ولهذا نجده يؤكّد على اجراء الانتخابات في جميع المجالات، ولم يتحمس لتطبيق أمر كتحمسه لتطبيق أو اجراء الانتخابات ورفض تأجيلها، وهذا التأكيد هو تفعيل لدور الامة في إختيار من يحكمها، وقد أكّد على الرجوع الى الشعب العراقي في جميع القضايا التي يمكنه المشاركة فيها، وقد ترك كثيراً من القضايا لتحسم من قبل الامة ولم يتدخل من موقعه لحسمها لأنه يفضل تبني الامة للقرار لتطبقه باختيارها قبل أن تطبق قرارات فوقية ليؤكّد على شخصيتها في رسم مستقبلها.

ولهذا اعتبر انّ سلطات الاحتلال لا تتمتع بأية صلاحية، وأوكل الأمر الى الامة، وهذا يظهر من جوابه عن السؤال الآتي:

»اعلنت سلطات الاحتلال في العراق أنها قررت تشكيل مجلس لكتابة الدستور العراقي القادم، وأنها ستعين أعضاء هذا المجلس بالمشاورة مع الجهات السياسية والاجتماعية في البلد، ثم تطرح الدستور الذي يقرّه المجلس للتصويت عليه في استفتاء شعبي عام.

نرجو التفضّل ببيان الموقف الشرعي من هذا المشروع وما يجب على المؤمنين أن يقوموا به في قضية اعداد الدستور العراقي«.

فأجاب سماحته: »ان تلك السلطات لا تتمتع بأية صلاحية في تعيين أعضاء مجلس كتابة الدستور، ولا ضمان ان يضع هذا المجلس دستوراً يطابق المصالح العليا للشعب العراقي ويعبّر عن هويته الوطنية التي من ركائزها الاساس الدين الاسلامي الحنيف والقيم الاجتماعية النبيلة، فالمشروع المذكور غير مقبول من أساسه.

ولابدّ أولاً من اجراء انتخابات عامة لكي يختار كلّ عراقي مؤهّل للانتخاب من يمثله في مجلس تأسيسي لكتابة الدستور، ثم يجري التصويت العام على الدستور الذي يقرّه هذا المجلس.

وعلى المؤمنين كافة المطالبة بتحقيق هذا الأمر المهم والمساهمة في انجازه على أحسن وجه.

أخذ اللَّه تبارك وتعالى بأيدي الجميع الى ما فيه الخير والصلاح، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته«.

 25ربيع الثاني  1424ه’

وأصدر مكتب سماحته بياناً موجهاً الى كوفي عنان الأمين العام للامم المتحدة يتأسف فيه على مقتل ممثله الشخصي في العراق وعدد من العاملين معه، وتطرق الى دور الامم المتحدة فقال: »نأمل ان تتولى دوراً مركزياً في اقامة الأمن والاستقرار في العراق خلال المرحلة الانتقالية، وتقوم بالاشراف على الخطوات اللازمة لتمكين العراقيين من أن يحكموا بلدهم بأنفسهم وتعود اليهم السيادة عليه«.

    22جمادي الآخرة  1424ه’

وفي لقاء سماحة السيد الرئيس الدوري لمجلس الحكم العراقي عدنان الباچه‏چي، أكّد سماحته على موقفه من الآلية المذكورة في اتفاق  11/15لتشكيل المجلس الوطني الانتقالي لا يضمن أبداً تمثيل العراقيين فيه بصورة عادلة، موضحاً انّ الالية المثلى لذلك هي الانتخابات التي يؤكّد العديد من الخبراء امكانية اجرائها خلال الأشهر القادمة بدرجة مقبولة من المصداقية والشفافية.

واضاف سماحته انّ المجلس الوطني الانتقالي اذا تم تشكيله بآلية لاتحظى بالشرعية المطلوبة فانه لن يكون بمقدوره ولا مقدور الحكومة المنبثقة منه القيام بالمهام المقررة لها، والتقيد بالجدول الزمني المحدد للفترة الانتقالية، وسوف يبرز من جراء ذلك مشاكل جدية، وسيزداد الوضع السياسي والأمني تأزماً.

و أكّد سماحته على انّ القانون الموقت لأدراه الدولة العراقية والاتفاقية الأمنية يجب أن يعرضا على ممثلي الشعب العراقي في المجلس الوطني الانتقالي للتصديق عليها.

من البيان الصحفي الصادر من القسم الاعلامي بمكتب سماحة السيد السيستاني بتاريخ  11ذي القعدة  1424ه’ .

وسأل جمع من المؤمنين مكتب سماحته عن موقفه من قانون ادارة العراق للفترة الانتقالية.

فأجاب: »انّ أيّ قانون يعدّ للفترة الانتقالية لن يكتسب الشرعية الاّ بعد المصادقة عليه في الجمعية الوطنية المنتخبة.

ويضاف الى ذلك انّ هذا القانون يضع العوائق أمام الوصول الى دستور دائم للبلد يحفظ وحدته وحقوق أبنائه من جميع الأعراف والطوائف«.

    / 16المحرم الحرام /  1425ه’

وكتب مكتب سماحته رسالة الى رئيس مجلس الأمن الدولي جاء فيها: »انّ هذا القانون الذي وضعه مجلس غير منتخب وفي ظل الاحتلال وبتأثير مباشر منه يقيد الجمعية الوطنية المقرر انتخابها في بداية العام الميلادي القادم لغرض وضع الدستور الدائم للعراق.

وهذا أمر مخالف للقوانين ويرفضه معظم أبناء الشعب العراقي، ولذلك فانّ أيّ محاولة لاضفاء الشرعية على هذا القانون من خلال ذكره في القرار الدولي يعدّ حلاً مضاداً لارادة الشعب العراقي وينذر بنتائج خطيرة.

يرجى إبلاغ موقف المرجعية الدينية بهذا الشأن الى السادة أعضاء مجلس الأمن المحترمين«.

    17ربيع الثاني  1425ه’

وقد اتبع مراجعنا العظام سيرة المعصومين فجعلوا للامة دوراً أساسياً في تقرير مصيرها، وهذا ما نراه واضحاً في تصريحات ومواقف المرجع السيستاني في أغلب المجالات، فقد أوكل الأمر الى الامة في اختيار الدستور وفي اختيار شكل الحكم وفي اختيار الحاكم، وحتى الاشتراك في الانتخابات من قبل الحركات والتيارات لم يتدخل في تحديد أسماء المرشحين بل أكّد على التقوى والنزاهة والكفاءة، وحث أيضاً على محاولة الاشتراك في قائمة واحدة ولم يترك الأمر للأهواء الشخصية والرغبات الانانية.

 الثالثة : تحديد الموقف من القوات الأمريكية

سئُل السيد محمد رضا السيستاني عن رأي الامام والده حول القوات الأمريكية فأجاب: »مضى على فتوى تحريم التعاون مع الأمريكيين سبعة أشهر«  2003 / 4 / 15م.

وأعلن مصدر مقرب للامام السيستاني: »ان سماحته يحمّل قوات التحالف مسؤولية انعدام الأمن والفوضى في العراق«.

واعترض على الكثير من الممارسات ومنها محاصرة مدينة النجف ومحاصرة مدينة النجف القديمة التي تضم مرقد أمير المؤمنين .

واسهم في حلّ الازمتين بين القوات الأمريكية وجيش المهدي.

وشدّد على اجراء الانتخابات في وقتها المقرّر لكي تصبح السيادة كاملة وحث على انتخاب الصالحين والاكفاء.

ويؤكد أنه لايحق لأحد حتى الأمريكيين أن يتدخلوا في تعيين مصير الشعب العراقي.

وانّ سماحته يعتقد بأنّ الأمريكيين يريدون الايحاء بأنّ الشعب العراقي عاجز عن إدارة شؤونه بنفسه وبحاجة الى وصاية، وانه يصرّ على أنه لا يحق لأي قوة أجنبية لاسيما الأمريكان التدخل في شؤون العراق وعلى الشعب أن يقرر مصيره بنفسه دون أي تدخل أجنبي.

لمحات عن شخصية المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني، للسيد محمد صالح الغروي

    ورفض التعاون مع الأمريكان، ورفض أي لقاء معهم، ورفض استقبال جميع المسؤولين الذين أرادوا مقابلته.

وموقفه هو الأقرب لمنهج أهل البيت : الذين صمتوا أمام الكثير من انحرافات حكام زمانهم، ولكنهم وقفوا علناً أمام تحديات الكفّار واليهود والنصارى لبلاد المسلمين، ورفضوا اللجوء اليهم لانقاذهم من جور الحكومات المحلية.

وفيما يلي نستعرض جواب سماحة السيد عن سؤال وجّه اليه من قبل جمع من المؤمنين يستنكر ويشجب أساليب قوات الاحتلال في التعامل مع الحوادث الواقعة.

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

مكتب سماحة آية اللَّه العظمى المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني )دام ظله(

السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته وبعد..

إنكم على علم بالأساليب القاسية التي تستخدمها قوات الاحتلال في المصادمات المستمرة منذ عدة أيام في مناطق من بغداد وفي عدد من المحافظات في الغرب والوسط والجنوب والتي أسفرت لحد الآن عن وقوع أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف المدنيين، وقد حدثت أيضاً ممارسات مؤسفة حيث تعرض عدد من المراكز والمؤسسات الحكومية للنهب والسلب واستولى على عدد آخر منها بعض المجموعات المسلحة مما خلق حالة من الفوضى والانفلات الأمني في عدد من المدن ومازال الوضع يسير من سي‏ء الى أسوء، فما هو الموقف بأزاء كل ما يجري؟

   جمع من المؤمنين

الجواب: بسمه تعالى

»اننا نشجب أساليب قوات الاحتلال في التعامل مع الحوادث الواقعة، كما ندين التعدّي على الممتلكات العامة والخاصة وكل ما يؤدي الى الاخلال بالنظام، ويمنع المسؤولين العراقيين من اداء مهامهم في خدمة الشعب.

وندعو الى معالجة الامور بالحكمة وعبر الطرق السلمية والامتناع عن أي خطوة... تؤدي الى المزيد من الفوضى واراقة الدماء.

وعلى القوى السياسية والاجتماعية أن تسهم بصورة فعّالة في وضع حدّ لهذه المآسي، واللَّه ولي التوفيق«.

    16صفر  1425ه’

فقد اعترض سماحته على أساليب قوات الاحتلال وشجب ممارساتها، وهو الشخصية الوحيدة التي تصدت لذلك، ولم نسمع أي تصريح من مسؤولي الحركات والاحزاب يشجبون فيها هذه الممارسات وخصوصاً من الحركات والاحزاب التي تصنف نفسها على الثوريين.

 الربعة : العمل على حقن الدماء والوقاية من الفتن

بعد سقوط النظام كان أغلب السياسيين بما في ذلك أعضاء حزب البعث يتوقعون الانتقام من البعثيين واجتثاثهم، بل ان البعض يتوقع انّ المعارضين لهم سينتقمون حتى من نسائهم وأطفالهم، ولكن الحكمة التي تصرف بها المرجع السيستاني حالت دون ذلك.

ولو ترك الأمر للمعارضين الغاضبين لقتلوا دون رحمة كل من ينتمي الى حزب البعث لانّ المرتكزات الذهنية ترى انّ البعثي لا يصل الى درجة عضو فرقة الاّ اذا كان مجرماً وقاتلاً.

وقتل البعثيين سيؤدي الى فتن عشائرية أولاً، وسيقوم البعض بتصفية حساباته الشخصية تحت ذريعة الاقتصاص من البعثيين.

وفيما يلي نستعرض فتاوى المرجع السيستاني هذا المجال:

س :1من تأكد دوره المباشر في قتل الابرياء - باعتراف منه أو بغير ذلك - هل تجوز المبادرة الى القصاص منه.

ج: القصاص انما هو حق لأولياء المقتول بعد ثبوت الجريمة في المحكمة الشرعية، ولا تجوز المبادرة اليه لغير الولي، ولا قبل الحكم به من قبل القاضي الشرعي.

س :2هل يكفي كون الشخص عضواً مهماً في حزب البعث السابق أو من المتعاونين مع أجهزة النظام الأمنية بصورة أو بأخرى في جواز قتله.

ج: لا يكفي، وأمر مثله موكول الى المحاكم الشرعية، فلابد من الانتظار الى حين تشكيلها.

س :3بعد سقوط النظام وقعت أعداد هائلة من ملفات الأجهزة الأمنية في أيدي بعض المؤمنين، هل يجوز نشر ما تضمنتها من أسماء عملاء النظام والمتعاونين معه؟

ج: لا يجوز ذلك، بل لابد من حفظها وجعلها تحت تصرف الجهة ذات الصلاحية.

فقد حقن دماء الناس ومنع من الفتن، وكان هذا الموقف قد اسهم في احلال واقرار السلام في العراق، ومنع البعثيين من ردود الأفعال وخصوصاً في المناطق الشيعية، ولولا هذا الموقف لكان رد الفعل هو القيام بعمليات قتل وتفجير لن تتوقف بل تتوسع بمرور الزمن.

ومن الآثار الايجابية لهذه المواقف:

 -1إحلال الأمن والسلام.

 -2منع الفتن بين العشائر.

 -3عودة بعض البعثيين الى رشدهم.

 -4توجه أبناء البعثيين نحو المشاركة في المراسم الدينية، والتأثر بالقيم الاسلامية.

 -5سد الطريق أمام مثيري الفتن.

  -6الحيلولة دون تدخل الأمريكان في الشؤون الاجتماعية.

 -7إثبات عدالة الاسلام ومراجعه.

 -8وهو في جميع الاحوال دعوة الى الالتزام بالمفاهيم والقيم الصالحة.

وارجاء القضية الى القاضي الشرعي والى المحكمة الشرعية أو محاكم الدولة من شأنه أن يحقن دماء الأبرياء ويحفظ حقوق الناس، فقد تكون عقوبة البعض هي الجلد أو السجن أو الغرامة، وقد تكون بعض التقارير أو المعلومات كاذبة فيحكم القاضي ببراءة البعض.

اضافة الى ذلك فلو أصدرت المحكمة حكم الاعدام ببعض المجرمين فلا يبقى مجال للفتن العشائرية، فالدولة مسؤولة وليست العشيرة التي ينتمي إليها منفذ حكم الإعلام.

الخامسة :   إخماد الفتن الطائفية

أُريد للعراق أن يكون مرتعاً خصباً للفتن الطائفية، وأُريد للعراقيين أن يكونوا وقوداً لها، فبالفتن يتراجع كل شي‏ء؛ ابتداءً بالعقيدة والشريعة ومروراً بالسلوك وانتهاءً بالتراجع الاجتماعي والاقتصادي والعمراني، لانّ الفتن تسلب الأمن والاطمئنان وتوتر العلاقات الاجتماعية، وتخلق الاضطراب في العقول والقلوب والمواقف، وتنهك القوة وتشيع ثقافة وروح التدابر والتقاطع والتناحر، والاخطر من جميع ذلك تعرض الأرواح البريئة للقتل.

ولكن شاء اللَّه تعالى وببركة مراجعنا العظام وعلى رأسهم المرجع السيستاني أن تخمد الفتن وتموت في مهدها، على الرغم من إرتفاع كثير من الأصوات الداعية للفتنة من خلال وسائل الاعلام المسموعة والمرئية، بل حاول بعض الخطباء إثارتها من على منابر الوعظ والارشاد.

وقد قام البعض بممارسات أريد منها الايقاع بين الشيعة والسنة وبقية المذاهب والطوائف الاّ أنها لم تفلح في اثارة الفتنة ببركة وعي الامام السيستاني وحرصه واخلاصه.

وقد كان واعياً ويقظاً لجميع المؤامرات المحاكة ضد وحدة العراقيين بل وحدة المسلمين في جميع أنحاء العالم، وكان يحذر باستمرار من الفتن، ويتابع الأحداث فيصدر البيان تلو البيان للحيلولة دون الوقوع في شراك الفتن، فقد حذّر من الفتن في بداية سقوط النظام، واستمر على ذلك.

ففي بداية السقوط حدثت بعض الممارسات المخلة بالأمن والاستقرار، فاوصى سماحته »بلزوم حفظ النفس المحترمة، وصيانة الممتلكات العامة والنظام، ورص الصفوف ونبذ الخلافات والفتن الطائفية والعرقية«.

ولولا تحذير سماحته من الفتن لقام بعض الشباب المتحمس بحمل السلاح لحفظ الأمن وبالتالي سيصطدم مع شباب آخرين مسلحين أيضاً وبالتالي ستقع الفتنة، ولكن بتوجيهات سماحته تم تطويق الفتنة وانهائها في مهدها.

وفي شهادة آية اللَّه السيد محمد باقر الحكيم أصدر مكتب سماحته بياناً يحذر فيه من الفتنة: »انّ هذه الجريمة الوحشية والجرائم التي سبقتها في النجف الأشرف وسائر مناطق العراق يقف من ورائها من لا يريدون اعادة الأمن والاستقرار لهذا البلد الجريح ويسعون في زرع بذور الفتنة والشقاق بين ابنائه، ولكننا على ثقة بانّ الشعب العراقي يعي هذه الحقيقة وسيقف صفاً واحداً دون تحقيق مآرب الاعداء«.

بيان مكتب سماحة السيد  2رجب  1424ه’

وبعد الاعتداء الآثم على زوار الامام الحسين  والامام الكاظم عليهما السلام في  10محرم  1425ه’ لم يحمّل السيد السيستاني أي جهة المسؤولية، وانّما حمّل قوات الاحتلال مسؤولية اللأمن ومسؤولية إهمال الرقابة على الحدود، وقد أصدر مكتب سماحته بياناً جاء فيه: »واننا في الوقت الذي نحمّل قوات الاحتلال مسؤولية ما يلاحظ من التسويف والمماطلة في ضبط حدود العراق ومنع المتسللين، وعدم تعزيز القوات الوطنية المكلفة بتوفير الأمن وتمكينها من العناصر الكفوءة وتأمين حاجاتها من الأجهزة والمعدات اللازمة للقيام بمهامها؛ ندعو جميع ابناء الشعب العراقي العزيز الى مزيد الحذر والتنبه لمكائد الأعداء والطامعين، ونحثهم على العمل الجاد لرص الصفوف وتوحيد الكلمة في سبيل الاسراع في استعادة الوطن الجريح سيادته واستقلاله و استقراره«. } (  Pبيان صادر بتاريخ  10محرم  1425ه’ .  {Pفقد حمّل سماحة السيد قوات الاحتلال مسؤولية الاخلال بالأمن، واعتبر الجريمة مخططاً لها من خارج العراق، ولم يحمل أي طائفة أو فئة عراقية المسؤولية، وحث على رص الصفوف وتوحيد الكلمة، وربط بين السيادة والاستقرار.

ولولا حكمة المرجع السيستاني لحدثت فتنة طائفة، لانّ المتحمسين للرد بالمثل كانوا كثيرين، ومعهم بعض المغرضين الذين يريدون للفتنة أن تقع.

وحينما قام البعض بقتل بعض أبناء الطائفة الشيعية أو أجبر بعضهم على سب أمير المؤمنين  عليه السلام أو البصق على صورة تمثله، كادت أن تقع فتنة عمياء يقتل فيها الابرياء وينجو فيها المجرمون؛ تدخل المرجع السيستاني محذراً من الفتنة على الرغم من تحمّس بعض الشباب للقصاص دون أن يدركوا أنّ المجرمين مجهولون.

فالذين قاموا بهذا العمل القبيح من المجهولين، فهم كاشخاص لا تعرف اسماءهم وصورهم، وهم كانتماء لا يعرف انتمائهم المذهبي، فلا يوجد مذهب في العصر الراهن يجوّز سبّ الامام علي  أو البصق على صورة تشير اليه، فجميع المذاهب تدّعي حبّ علي  وحبّ أهل البيت :، وبالنتيجة فانّ الذي يمارس مثل هذه الأعمال ليس بمسلم، أو مسلم وصل به الانحطاط الى التمرد على المقدسات الاسلامية خدمة لجهات مجهولة تعادي الاسلام بلا فرق بين عدائها للشيعة وعدائها للسنة، لانّ الامام علياً  عليه السلام لم يحارب أبناء المذاهب أو أئمة المذاهب، بل حارب أئمة اليهود وفتح حصونهم.

وحينما اعتدي على بعض الكنائس استنكر المرجع السيستاني هذا الاعتداء، ودعا الى الوحدة والتلاحم، واستطاع أن يخمد الفتن في مهدها.

 السادسة :  وحدة العراق

على الرغم من تعدد الأديان والمذاهب والقوميات الاّ أنّ العراق أرضاً وشعباً بقي موحداً، وبقي أبناؤه إخواناً متحدين، ولم تنجح مؤامرات التمزيق والتقسيم المتكررة لوعي العراقيين واخلاصهم الوطني، ولدور العلماء والمراجع في التأكيد على الوحدة والتلاحم وعلى الحيطة والحذر من المؤامرات، ومن هؤلاء العلماء والمراجع سماحة السيد السيستاني حيث كان يؤكد على وحدة العراق في بياناته وفي لقاءاته وفي توجيهاته القيمة.

ففي لقائه مع عدنان الباچه‏چي تطرق الى: »ضرورة الحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً«.

 11ذي القعدة  1424ه’

وأكّد القسم الاعلامي في مكتب سماحة السيد على »أن يتوفر للفريق الدولي الاجواء الملائمة لانجاز عمله ليتيسر التوصل الى الطريقة المثلى لتمثيل العراقيين، بجميع شرائحهم وطوائفهم تمثيلاً حقيقياً في المجلس الوطني القادم«.

    14ذي الحجة  1424ه’

والبيان يدعو الى أن يكون ممثلوا الشعب العراقي من جميع الشرائح والطوائف ليتم تحقيق الوحدة الوطنية.

وبعد احداث محرم الدامية اصدر مكتب سماحة السيد بياناً دعا فيه الى رص الصفوف وتوحيد الكلمة.

وكان سماحة السيد يرى أنّ قانون ادارة العراق للفترة الانتقالية يضع »العوائق امام الوصول الى دستور دائم للبلد يحفظ وحدته وحقوق ابنائه من جميع الأعراق والطوائف«.

    16محرم  1425ه’

وفي رسالة موجهة من مكتب سماحة السيد السيستاني الى السيد الأخضر الابراهيمي جواباً على رسالة منه تستوضح موقف المرجعية الدينية من الدور القادم للأمم المتحدة في العراق؛ حذّرت من التكريس الطائفي والعرقي وقد جاء فيها »انّ هذا القانون الذي يعهد بمنصب الرئاسة في العراق في مجلس يتشكل من ثلاثة أشخاص، سيكون أحدهم من الكرد، والثاني من السنة العرب، والثالث من الشيعة العرب؛ يكرس الطائفية والعرقية في النظام السياسي المستقبلي للبلد، ويعيق اتخاذ أي قرار في مجلس الرئاسة الاّ بحصول حالة التوافق بين الأعضاء الثلاثة، وهي ما لا تتيسر عادة من دون وجود قوة أجنبية ضاغطة - كما وجدنا مثل ذلك في حالات مماثلة - والاّ يصل الأمر الى طريق مسدود ويدخل البلد في وضع غير مستقر وربما يؤدي الى التجزئة والتقسيم لا سمح اللَّه تعالى«.

    27محرم  1425ه’

وهذا التحذير منطقي ولربما هنالك مؤامرة لتقسيم العراق على أساس طائفي وعرقي ولذا حذّرت الرسالة منها، واعتبرت هذا التقسيم تكريساً للطائفية.

السابعة :   تجاوز الأزمات

امتاز الامام السيستاني بقدرته الفائقة على تجاوز الأزمات برعايته لجميع اطراف النزاع الطارئ بسبب التعددية الدينية والمذهبية والمرجعية، حيث انطلق ليغيّر واقعاً ونفوساً وجدت اجواءً جديدة من الحرية المطلقة والانفتاح المطلق على العالم بعد كبت دام طويلاً، انطلق سماحة السيد ليثير عناصر الخير والصلاح في النفوس ويطارد عناصر الشر بالدعوة بالحكمة والموعظة الصالحة.

وقد عالج الكثير من الأزمات بالحكمة والموقف الواعي، ومن أهمها الأزمات الناجمة عن الاختلاف في الانتماء أو الاختلاف في الولاء أو الاختلاف الشخصي الناجم عن المنافسة أو ما شابه ذلك.

وفيما يلي نمعن النظر في بعض المواقف واسلوب سماحة السيد في علاج الأزمات، فقد وردت على مكتب سماحته بعض الاسئلة التي تعبر عن خلافات واضحة عولجت بحكمة.

حيث سئل عن الامام الراتب في المسجد الذي يمارس يومياً اقامة الجماعة فيه لجمع من المؤمنين هل يجوز الزامه بترك محرابه في الحالات التالية:

 -1إذا رغب في ذلك متولي المسجد؟

بسمه تعالى: لا يتمتع بأية صلاحية لذلك.

 -2إذا كان هناك من هو أفضل منه فقهاً وأحسن منه قراءة؟

ج: يستحب له أن يقدم الافضل، ولا يجوز الزامه بذلك.

 -3في ظهر يوم الجمعة لغرض إقامة صلاة الجمعة في المسجد؟

ج: هذا لا يسوّغ الزامه بترك اقامة الظهر، وان كان ينبغي له فسح المجال لاقامة الجمعة اذا كان واثقاً من توفر الشروط فيها.

 -4اذا كان هناك جمع من المؤمنين في المنطقة غير واثقين بأهليته؟

ج: على هؤلاء أن لا يقتدوا به وليس لهم الزامه بترك إمامة الجماعة.

 -5اذا كان جمع من المؤمنين في المنطقة يعتقدون بعدم أهليته للإمامة ويسوقون أدلة على ذلك؟

ج: يمكنهم رفع الأمر الى الحاكم الشرعي، فاذا ثبت عنده عدم أهليته اتخذ الاجراء المناسب واللَّه العالم.

وبهذه الأجوبة الحكيمة استطاع علاج الكثير من الأزمات، ولم يتركها للأهواء والرغبات والتقديرات الخاطئة، ومثل هذه الامور تتكرر في أكثر من مسجد، وقد استطاع سماحته وضع حد لها وعلاجها بحكمة، وهي ليست مجرد استبدال إمام مسجد بآخر أفضل منه أو أحسن منه قراءة، بل هي أزمة خلافات بين طرفين أو جماعتين لهما امتداد في أغلب مناطق العراق، ومعناه استبدال طرف بآخر، واستبدال جماعة بأخرى، وهذا الاستبدال يؤدي الى تنافر القلوب وتباعدها ومن ثم تباعد العلاقات وتقاطعها وخلق أزمات دائمة بسبب جهل البعض وتربص المغرضين واستثمارهم كل ثغرة للنفوذ منها من أجل بلبلة الافكار والتصورات وخلخلة العلاقات.

وكان سماحته يواجه الأزمات بحكمة، ويقلل من قيمة الاشاعات التي توحي بوجود أزمات مستفحلة، لأنّ الاشاعات والتهويلات تؤدي الى القلق والاضطراب وفقدان الطمأنينة، وتؤدي الى تضخيم الاخطاء والى حدوث بلبلة إجتماعية وسياسية؛ قد تكون مقدمة للفتن، وعلى سبيل المثال حينما اشيع بانّ سماحة السيد يتعرض لمحاصرة، فانّ مجرد هذه الاشاعة أو مجرد تضخيمها يؤدي الى اشاعة القلق والاضطراب الاجتماعي، ويؤدي الى خلق جو متأزم يكثر فيه القيل والقال، ويستثمر من قبل أعداء الدين وأعداء علماء الدين لتمرير مؤامراتهم في تمزيق الصفوف واشاعة الفرقة بين أبناء المذهب الواحد.

في تلك الأجواء عالج سماحة السيد الأزمة بوعي وحكمة وبيّن المقربون اليه ان سماحته إحتجب استنكاراً للانفلات الأمني، وموقف الاحتجاب هو أفضل المواقف في مواجهة أزمة تحدث وسط غياب سلطة مركزية.

وأول خطوات انهاء الازمة أو التقليل من أثارها الاجتماعية والسياسية صرّح السيد محمد رضا السيستاني انّه »لا صحة للتهديدات التي قيل أنها طالت ولدي، لكن هناك مخاطر جدية بسبب الإنفلات الخطير في الوضع الأمني، ومن الطبيعي أن تكون هذه المخاطر بقدر أهمية الشخصية التي تواجهها«.

وفوت الفرصة على وسائل الاعلام المعادية فلم تستطع إثارة فتنة أو خلق أزمة فقال: »لم يحصل شي‏ء بالشكل الذي ذكرته وسائل الاعلام، وفي كل ا لمراحل الانتقالية تشهد المجتمعات هذا النوع من البلبلة والاضطرابات، إلاّ أن صفنا واحد، ولا أعداء لنا«.

واستطاع احتواء جميع الأزمات التي تخلقها وسائل الاعلام المغرضة أو تضخم الأحداث الواقعة أو تصرفها عن هدفها وقصدها، وقد وضع قاعدة أساسية في معرفة رأيه من بين الآراء المنسوبة اليه.

وجهت اسئلة لمكتب سماحته ومنها: »تنشر وسائل الاعلام المختلفة بين الحين والآخر تصريحات سياسية لأشخاص تطلق عليهم عناوين متفاوتة ك )ممثل السيد السيستاني( و)مساعده( و)الناطق باسمه( وما يشبه ذلك.

هل أنّ هذه التصريحات تعبّر - بوجه - عن آراء سماحة السيد مدّ ظله أو لا؟

فكان الجواب: »لايعبّر عن وجهات نظر سماحة السيد مد ظلّه الاّ مايصدر موقعاً ومختوماً بختمه الشريف أو مكتوباً ومختوماً بختم مكتبه دام ظله(، وأمّا ما عدا ذلك فانما هي وجهات أنظار أصحابها«.

    20شعبان المعظم  1424ه’

وفي أجواء أزمة النجف الاولى نشرت وسائل الاعلام تصريحاً على لسان أحدهم، حمّل فيه عناصر جيش المهدي مسؤولية الاعتداء الذي تعرض له الحرم الحيدري الشريف.

وكان السؤال الموجّه الى سماحته من قبل جمع من المؤمنين هو: هل ماذكره السيد يمثل وجهة نظركم.

وكان جواب المكتب: »ما ذكره لا يمثل وجهة نظرنا وليس لدينا أي معلومات عن الجهة التي استهدفت الحرم المقدس العلوي وانتهكت حرمته، وقد تكرر منا أنه لا يمثل وجهة نظر سماحة السيد دام ظله في القضايا السياسية ونحوها الاّ ما يصدر منه مباشرة أو من مكتبه في النجف الأشرف«.

    5ربيع الثاني  1425ه’

واستطاع بهذا الجواب إسكات جميع الأبواق الاعلامية المغرضة والتي تريد إدامة الازمة وخلق أزمات جانبية داخل المجتمع الشيعي، وكان جوابه واعياً لحجم الازمة وتداعياتها وآثارها، وهو جواب واقعي ينسجم مع الظروف التي يعيشها العراقيون.

وبهذا الجواب فوّت الفرصة على وسائل الاعلام المعادية، وفوّت الفرصة على الذين يعملون من أجل إدامة الازمة، أو إنهائها لصالح القوات الأجنبية.

وكذلك منع من التصريح باسمه وأوكل كل شخص الى نفسه، فالذي يصرّح بتصريح فهو يمثل نفسه وان كان وكيلاً أو معتمداً أو مقرباً، ولكل شخص حرية التعبير عن رأيه.

واستطاع بوعيه الثاقب وبروحه الأبوية انهاء أزمة النجف وانهاء العمل العسكري وانهاء جميع ألوان العنف بانفتاحه على جميع الشرائح والطبقات الاجتماعية والسياسية.

  الثامنة :  إحترام قوانين الدولة وممتلكاتها

سئل عن رأيه بقيام بعض الناس »باستخدام بعض الممتلكات المسروقة من الدوائر الحكومية كمولدات الكهرباء والسيارات في إطار الخدمة العامة، فهل يجوز لهم التصدي لذلك كتصرف شخصي«.

فأجاب: لا يجوز.

وسئل: »ما تقولون فيمن اقتحم المقرات الحزبية التابعة للنظام السابق وحولها الى مساجد وحسينيات«.

فأجاب: إذا مست الحاجة الى اتخاذ بعضها بصورة موقتة مراكز لتجمع المؤمنين لأداء شعائرهم الدينية ونحو ذلك، فلابأس به مع مراجعة الوكيل المعتمد في المنطقة، ولا يترتب عليها أحكام المساجد والحسينيات.

وسئل: »يقوم بعض الناس بشراء المواد الغذائية والمواد الاولية من المعادن وغيرها، ثم تهريبها الى خارج البلد مما يخلف أضراراً شديدة للاقتصاد الوطني«.

فأجاب: هذا غير جائز.

وسئل: »هل يجوز لمن يقع شي‏ء منها - من مقتنيات المتحف العراقي - في يده أن يحتفظ به لنفسه أو يمنحه لغيره«.

فأجاب: لا يجوز، بل لابدّ من إعادته الى المتحف العراقي.

وسئل عن استحواذ البعض على الممتلكات العامة.

فأجاب: لابد من التحفظ عليها، ويرجح أن يكون ذلك بجمعها في مكان واحد باشراف لجنة مختارة من أهالي المنطقة، لكي يتسنى تسليمها الى الجهات ذات الصلاحية لاحقاً.

وكان المرتكز الذهني عند المعارضين للنظام البائد هو جواز الاستيلاء على أموال الدولة، فبعضهم يرى جواز الاستيلاء على أموال الدولة، مطلقاً، والبعض الآخر يرى جواز الاستيلاء للاستفادة من هذه الأموال في العمل السياسي أو الجهادي المعارض للنظام، ولا غرابة في الأمر فقد استولى المعارضون على بعض دوائر الأحوال المدنية والجوازات أبان أحداث شعبان، واستولوا على الأسلحة وعلى بعض الممتلكات ايماناً منهم بجواز ذلك.

  التاسعة : حماية سلطة القانون

سئل عن جواز التعامل بالاسلحة ولاسيما شراؤها بحجة الدفاع عن النفس، وعن جواز حملها لغير الجهات المسؤولة عن حفظ الأمن.

فأجاب: الأسلحة المنهوبة من مراكز الجيش ونحوها تبقى ملكاً للدولة، ولا يجوز التعامل بها، بل لابد من جمعها وحفظها باشراف لجنة من أهالي المنطقة لتسلم الى الجهة ذات الصلاحية لاحقاً، وليس لغير الجهات المسؤولة عن الأمن حمل الأسلحة وإطلاق العيارات النارية من دون ضرورة تقتضيه.

ف المرجع السيستاني يرى ضرورة حماية سلطة القانون وإسنادها لانّ التعامل بالاسلحة من قبل المواطنين سيؤدي الى ضعف السلطة بفقدان هيبتها، وبالتالي فانّ ذلك يخلق أجواءً للازمات والاضطرابات والنزاعات والفتن، فتزداد الجرائم كالسرقات والاعتداء على أموال وأعراض وأرواح الناس، ولا ضرورة لحمل السلاح في ظل سلطة القانون، فهو الذي يحدد الحقوق والواجبات، ويعطي لكل حقّ حقّه..

وحمل السلاح يؤدي الى انعدام الأمن وانعدام السلام وشعور المواطنين بالخوف والاضطراب، ويفسح المجال للقتلة والمجرمين لتشكيل عصابات النهب والسطو والاعتداء، بل يبرر للقوات الأجنبية البقاء الدائم في العراق تحت ذريعة حماية القانون والأمن.

ومن مصاديق حماية سلطة القانون، ما ورد في جواب لسماحة السيد على سؤال تقدّم به جمع من المؤمنين في ناحية جصان الحدودية.

وفيما يلي نص السؤال وجوابه:

   بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه ربّ العالمين وصلّى اللَّه على رسوله محمّد وآله الطاهرين.

سماحة آية اللَّه العظمى السيد علي الحسيني السيستاني »دام ظله«

السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

يقوم الكثير من الأخوة من أبناء الشعب الإيراني بالتوجه الى زيارة العتبات المقدسة في العراق، قسم منهم يدخل الأراضي العراقية من نقطة دخول رسمية ولكن هناك الكثير منهم يدخل الى العراق من نقاط غير رسمية بواسطة مهربين ايرانيين ثم يقوم مهربون عراقيون بنقلهم الى داخل الأراضي العراقية وهم كثيراً ما يتعرضون لعدة أنواع من المخاطر سواء على دمائهم وأعراضهم وأموالهم فما رأي‏سماحة السيد بالتعامل مع كل من هؤلاء الزائرين ومع المهربين علماً أنهم يفرضون على كل زائر بدفع مبلغ مالياً كبيراً مقابل إيصالهم عبر الحدود واركابهم في سيارات تنقلهم الى كربلاء أو النجف فما حكم المال المأخوذ منه. أفتونا مأجورين... وفّقكم اللَّه تعالى لأعلاء كلمة الإسلام والمسلمين... والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

الجواب:

بسمه تعالى

يحرم دخول الأراضي العراقية من عبر المنافذ الغير الرسمية كما يحرم أخذ المال على عمليات التهريب وتسهيلها، واللَّه العالم.

    14ذي الحجة  1424ه’

  العاشرة : التأييد المشروط للحكومة

أجاب مكتب سماحة السيد عن سؤال تقدم به جمع من المؤمنين حول الموقف تجاه الحكومة العراقية التي تم تشكيلها بمساعي الأخضر الابراهيمي »ان سماحة السيد دام ظله سبق أن أكّد مراراً على ضرورة أن تكون الحكومة العراقية ذات السيادة منبثقة من انتخابات حرة نزيهة يشارك فيها أبناء الشعب العراقي بصورة عامة.

ولكن لأسباب كثيرة معروفة تم استبعاد خيار الانتخابات... وهكذا آل الأمر الى التعيين لتشكيل الحكومة الجديدة من دون أن تحظى بالشرعية الانتخابية بالاضافة الى أنّه لم يتمثّل فيها جميع شرائح المجتمع العراقي وقواه السياسية بصورة مناسبة.

ولكن مع ذلك فالمؤمل أن تثبت هذه الحكومة جدارتها ونزاهتها وعزمها الأكيد على أداء المهام الجسيمة الملقاة على عاتقها وهي:

 -1استحصال قرار واضح من مجلس الأمن الدولي باستعادة العراقيين السيادة على بلدهم سيادة كاملة غير منقوصة في أيّ من جوانبها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، والسعي البليغ في ازالة آثار الاحتلال من كافة جوانبه.

 -2توفير الأمن في كافة ربوع البلد، ووضع حدّ لعمليات الجريمة المنظمة وسائر الأعمال الإجرامية.

 -3تقديم الخدمات العامة للمواطنين وتخفيف معاناتهم فيما يمس حياتهم اليومية.

 -4الاعداد الجيد للانتخابات العامة والالتزام بموعدها المقرر في بداية العام الميلادي القادم، لكي تتشكل جمعية وطنية غير ملزمة بأي من القرارات الصادرة في ظل الاحتلال ومنها ما يسمى بقانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية.

انّ الحكومة الجديدة لن تحظى بالقبول الشعبي الاّ إذا أثبتت - من خلال خطوات عملية واضحة - أنها تسعى بجد واخلاص في سبيل انجاز المهام المذكورة«.

   من بيان صادر بتاريخ  14ربيع الثاني  1425ه’

والبيان لا يعبّر عن تأييد المرجعية للحكومة مباشرة، بل أوكل أمر التأييد الى الشعب العراقي، وجعل التأييد مشروطاً بالنقاط التالية:

 -1إزالة آثار الاحتلال.

 -2توفير الأمن.

 -3تقديم الخدمات العامة للمواطنين.

 -4الاعداد الجيد للانتخابات العامة والالتزام بموعدها.

وهذه الشروط ستحقق السعادة لجميع العراقيين على إختلاف أديانهم ومذاهبهم وطوائفهم، وتمنحهم الحرية الكاملة ضمن الدستور والقانون.

الحادي عشر : التأكيد على إحترام حقوق غير المسلمين وقوانينهم

الاسلام دين الرحمة والتسامح جاء لهداية الانسانية من خلال الآيات والبينات الواضحة، ولهذا فان جميع قادة الاسلام وأئمة المسلمين تعاملوا مع الناس جميعاً بالرحمة والتسامح واتبعهم في ذلك نوابهم وهم الفقهاء والمراجع العظام، فقد اوجبوا إحترام حقوق غير المسلمين وقوانينهم.

وقد حث المرجع السيستاني على إحترام ومراعاة حقوق غير المسلمين واحترام قوانين الدول غير الاسلامية ما دامت غير مخالفة للشريعة الاسلامية.

وأول خطوة خطاها هي الحكم بطهارة أهل الكتاب، فقال: »أهل الكتاب من يهود ومسيحيين ومجوس طاهرون ما دمت لاتعلم بنجاستهم، وتستطيع أن تعمل بهذه القاعدة في معاشرتك لهم واحتكاكك بهم«.

(  Pالفقه للمغتربين وفق فتاوى سماحة السيد السيستاني، للسيد عبدالهادي الحكيم:76.

 وبهذا الحكم أمكن الغاء الحواجز النفسية والاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين، وساهم في تعميق الأواصر والعلاقات والتعاون على أعمال الخير.

والخطوة الثانية جواز اقامة علاقات الصداقة مع غير المسلمين »يحق للمسلم أن يتخذ معارف وأصدقاء من غير المسلمين، يخلص لهم ويخلصون له، ويستعين بهم ويستعينون به على قضاء حوائج هذه الدنيا«.

الفقه للمغتربين: 207 .

    وتترتب على هذه العلاقات ممارسات ومواقف ومنها جواز التهنئة بالمناسبات

»يجوز تهنئة الكتابيين من يهود ومسيحيين وغيرهم، وكذلك غير الكتابيين من الكفار بالمناسبات التي يحتفلون بها أمثال: عيد رأس السنة الميلادية، وعيد المسيح  7وعيد الفصح«.

الفقه للمغتربين: ص .208

وأوجب إحترام قوانين غير المسلمين ومنها قوانين الدول غير الاسلامية

الفقه للمغتربين:   .

تدخّل رجال الدين في الجوانب

الثاني عشر : تحديد الوظائف الادارية والتنفيذية

سُئل المرجع السيستاني عن حدود وظيفة رجل الدين في الوقت الحالي، وهل له أن يتدخل في الأمور الإدارية؟

فأجاب: لايصح ان يزج رجال الدين في الجوانب الادارية والتنفيذية، بل ينبغي أن يقتصر دورهم على التوجيه والإرشاد والاشراف على اللجان التي تشكل لإدارة أمور المدينة وتوفير الأمن والخدمات العامة للأهالي.

لم يحرّم المرجع السيستاني دخول رجال الدين في السلك الاداري، بل يرى عدم صحة ذلك، لانّ مهمة رجل الدين هي الارشاد والتوجيه والاصلاح بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانّ له بهذه المسؤولية قدسية خاصة في قلوب الناس، وبهذه القدسية يستطيع التأثير عليهم واصلاحهم وقيادتهم نحو الاستقامة، وهذه القدسية ستتضاءل ان دخل في السلك الاداري والتنفيذي وهذه حقيقة أثبت الواقع صحتها، ولا ضرورة لهذا العمل والذي هو من اختصاص الاداريين وهم كثرة في هذا الوقت، بل انّ خريجي الجامعات العاطلين عن العمل يعدّون بالآلاف، فهؤلاء أولى بالعمل في اختصاصهم، وفيهم العديد من المتدينين والمخلصين وأصحاب الكفاءة.

والامور الادارية والتنفيذية لاتخلو من أخطاء مقصودة أو غير مقصودة، وهذه الاخطاء ستنعكس على جميع رجال الدين، واضافة الى ذلك فانّ »رضى الناس غاية لاتدرك«، و»انّ صاحب الحاجة أعمى« ولايستطيع الاداري والتنفيذي أن يرضي جميع الناس وبالتالي ستتناوله السهام بالنقد والتجريح، بل ستعمّم ذلك الى بقية رجال الدين، وبالنتيجة يفقد رجل الدين قدسيته واحترامه، ولا يبقى لديه أي تأثير على عقول وقلوب الناس.

ومن ناحية أخرى فان مسؤولية ووظيفة رجل الدين هي الارشاد والتوجيه والاصلاح، وحل المشاكل والصعوبات التي تواجهها الناس، وهذه المسؤولية تتطلب أن يكون رجل الدين عارفاً بجميع شؤون الحياة، وعارفاً بالاساليب الناجحة للاصلاح والتغيير، وكل ذلك يستلزم أن يتفرغ للبحث والدراسة ومتابعة الأحداث والأوضاع الاجتماعية، بحيث لايبقى له مجال أو فراغ لكي يعمل عملاً إدارياً أو تنفيذياً.

والعمل المناسب له هو العمل المنسجم مع دوره ومسؤوليته، فيمكن أن يعمل كمعلم أو مدرس أو قاضي أو مدير أوقاف أو ما شابه ذلك، ومع ذلك فالتفرغ للدرس والتدريس والتبليغ والارشاد والتأليف أولى من غيره.

وقد دلّت التجارب على صحة نظر الامام السيستاني، فقد لاحظنا ذلك في واقعنا، فجميع رجال الدين الذين عملوا في السلك الاداري توجهت اليهم سهام التجريح واغلبها بدون حقّ، لانّ الناس يحمّلون المسؤولية لرجل الدين الاداري والتنفيذي قبل كل شي‏ء.

الثالثة عشر : الموقف من الارهاب وفتوى الجهاد

حافظ السيد السيستاني على العراق بإنجاح العملية السياسية عن طريق افتائه بوجوب الانتخابات ، والحذر من الفتن والاختل

افات وتتوج كل ذلك بفتوى الجهاد التي اوقفت زحف الارهاب وحولته من مهاجم ومبادر الى مدافع .