ظاهرة تغريب كليات القانون في جامعات العراق

قاسم هيّال رسن

كلية القانون /جامعة الكوفة

الملخص :

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد واله الطيبين الطاهرين ، الغرباء في الارضين

تعاني كليات القانون في جامعات العراق من ظاهرة التغريب ، رغم أن العراق مهد الحضارات ، وطُبق على ارضه أول قانون في العالم ، وسنتناول جوانب هذه الظاهرة ، من حيث معالمها وجذورها وآثارها وكيفية القضاء عليها.

والغاية من هذا البحث ، تمهيد العودة الى معين الفقه الإسلامي ، حيث ان تصحيح مسار التشريع في العراق ، معقود بذلك.

The Summary

       The colleges of law in Iraq's universities suffer from the phenomenon of Westernization, although Iraq is the cradle of civilizations and applied the first law in the world on his land. We will address the aspects of this phenomenon in terms of its features, roots, effects and eliminate it.

      The purpose of this research is to prepare for the return to the Islamic jurisprudence, as the correction of the legislation in Iraq, is dependent on it.

المقدمة :

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد واله الطيبين الطاهرين ، الغرباء في الارضين

من خلال دراستنا وتدّريسنا في عدة من كليات القانون في الجامعات العراقية ، لمسنا بوضوح ظاهرة التغريب فيها ، لإبعادها عن مسار الفقه الإسلامي.

وسيتم تناول هذه الظاهرة من جوانبها الاساسية ، حيث سنوضح معالمها ، من خلال استعراض المناهج الدراسية المعتمدة في كليات القانون ، في مرحلة البكالوريوس والدراسات العليا ، ومن خلال بحوثها القانونية ، وكذلك التنقيب عن جذورها ، وكيفية انتقالها الينا ، من خلال البحث في وجود أول كلية قانون في مجتمعنا الإسلامي ، وحلقات اتصالها بالعصر الحاضر ، عبر أجيال متعددة من طلبة القانون ، ثم توضيح أهم آثارها في مجتمعنا المسلم ، حيث لم ينحصر أثر ظاهرة تغريب كليات القانون ، داخل أروقتها ، بل توسّع ليشمل تغريب معظم مفاصل المنظومة القانونية في العراق ، تشريعا وقضاء وفقها.

وأخيرا سنقترح كيفية معالجتها ، من خلال بعض التطبيقات العملية ، لتمهيد العودة الى معين الفقه الإسلامي ، حيث ان تصحيح مسار التشريع في العراق ، لينسجم مع أصالتنا ، وليستجيب لمتطلبات مجتمعنا ، معقود بسرعة معالجة ظاهرة تغريب كليات القانون.

المطلب الأول : معالم ظاهرة تغريب كليات القانون :

إن أبرز معالم ظاهرة تغريب كليات القانون في الجامعات العراقية ، يتمثل في المناهج الدراسية ، وفي البحوث القانونية ، ونتناولهما تباعا ، فيما يأتي :-

الفرع الأول : المناهج الدراسية :

إن المناهج الدراسية في كليات القانون مناهج غربية حقا ، فلو ترجمت الى اللغة الفرنسية مثلا ، لخيل الى من يزور احدى كليات القانون ، بانه داخل الى كلية قانون في باريس ، فهذه المناهج تزخر بنظريات المدارس الغربية ، وتتغنى بأسماء فقهاء الغرب ، أمثال (بلانيول) و (سافيني) و (ديجي) وغيرهم الكثير.

فلا يوجد في مناهج كليات القانون ، عرض حقيقي لمباني ونظريات الفقه الإسلامي ، وايضا لا يوجد أدنى ذكر لعظماء الفقه الإسلامي ، فلا تشير هذه المناهج الى الإمام علي (عليه السلام) أو الإمام الصادق (عليه السلام) ، او الشيخ الطوسي أو العلامة الحلي أو السيد الخوئي ، أو فقهاء المذاهب الإسلامية الأخرى ، كفقهاء المذهب الحنفي ، أو المالكي ، أو الشافعي ، أو الحنبلي ، لقد تم إبعاد طالب القانون فعلا ، عن منابع الفقه الإسلامي ، في مراحل دراسته المختلفة ، وكما يأتي :-

  1. في مرحلة البكالوريوس ، يدرس طالب القانون منهجا دراسيا ، مكونا من حوالي (40) مادة دراسية في أربع سنوات ، منه ثلاث مواد في الشريعة الإسلامية ، وهي : (مدخل الشريعة الاسلامية والاحوال الشخصية واصول الفقه) ، والمادة التي تقترب من الفقه الإسلامي ، هي مادة الأحوال الشخصية فقط ، فلا يدرس طالب القانون الفقه الإسلامي ، فيما يتعلق بالقانون الدستوري أو الجنائي أو الإداري ، أو المدني أو التجاري ، أو غيرها من فروع القانون المختلفة.

كما أن المواد الثلاث اعلاه ، عادة ما تكتب بيد غير المختصين بالفقه الاسلامي حقيقة ، فلم تعد من قبل الاسماء المعروفة بالثقل العلمي في الفقه الاسلامي.

فعلى الرغم من نص المادة (2/أولا) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 : (الإسلام دين الدولة الرسمي ، وهو مصدر أساس للتشريع) ، ونص الفقرة (أ) منها : (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام) ، وعلى الرغم من ان المادة (1) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 ، جعلت مبادئ الشريعة الاسلامية ، المصدر الرسمي الثالث للقضاء ، الا ان طالب القانون يتخرج من مرحلة البكالوريوس ، وهو لم يدرس كتابا أصليا واحدا في الفقه الاسلامي ، ولم يطلع على مبانيه ونظرياته ، ولا منهجيته في البحث والتنقيب ، ولا طرق فقهائه في التعبير.

  1. وفي مرحلة الدراسات القانونية العليا في الفرع الخاص ، فالحال أسوء بكثير ، حيث كان منهج السنة التحضيرية للفصل الأول في مرحلة الدكتوراه([1]) ، منهج السنة النبوية من كتاب (منهاج الوصول الى علم الاصول) للدكتور الشيخ (احمد كاظم البهادلي) ، بحوالي (50) صفحة فقط ، في تعريف السنة وتقسيمها وحجيتها ، مع تسليم جميع الطلبة بعدم ثمرة هذا الموضوع بالنسبة للباحث القانوني ، لعدم تعلقها بالفقه الإسلامي ، كما انهم يعلمون بكل هذه الامور مسبقا ، حيث درسوها ضمن مادة مدخل الشريعة الإسلامية واصول الفقه في مرحلة البكالوريوس ، فكانت مادة الشريعة الإسلامية ، في أعلى مرحلة دراسية ، مجرد اسقاط فرض.

أما في مرحلة الدراسات القانونية العليا في الفرع العام ، فالحالة مزرية بحق، حيث لا توجد مادة الشريعة الإسلامية ، أصلا كمادة منهجية ، سواء في مرحلة الماجستير أو الدكتوراه ، فهل الفقه الإسلامي عقيم فيما يتعلق بقضايا العلاقات الدولية أو الدستور او العقوبات او التنظيم الإداري ؟ ، رغم أنه أدار خلافة إسلامية ، كانت تضم أكثر من (40) دولة ، بحسب التقسيم الدولي المعاصر.

الفرع الثاني : البحوث القانونية :

ومن معالم ظاهره تغريب كليات القانون ، هيمنة الفقه الغربي وتقنيناته ، على معظم بحوث تخرج طلبة البكالوريوس في المرحلة الرابعة ، بل وعلى معظم رسائل واطاريح الدراسات  العليا ، لذا يتحاشى من يرغب في الكتابة في الفقه الإسلامي ، ردود الفعل السلبية من قبل الاستاذ المشرف أو لجنة  المناقشة ، فأن نجح الطالب بعد جهد طويل في إقناع أستاذه المشرف ، في الكتابة المقارنة بين القانون والفقه الإسلامي ، جاء البحث سطحيا جدا في التطرق الى الفقه الإسلامي ، وذلك لقصور الطالب ، بل وأحيانا أستاذه المشرف ، في هضم الفقه الإسلامي ، لذا تتصف عموما بحوثنا القانونية الاكاديمية المقارنة بالفقه الاسلامي ، بعدة صفات([2]) ، لعل  ابرزها ، ما يأتي :-

  1. عدم الموازنة الحقيقية بين الفقه القانوني الغربي والفقه الاسلامي ، حيث يتم التعمق في الاول ، اما الثاني فنصيبه الاشارة والتسطيح ، فالغرض من التعرض للفقه الاسلامي ، غرض جمالي شكلي ، فلا يعامل الفقه الاسلامي كند للفقه القانوني الغربي.
  1. عدم الرجوع الى المصادر الام في كل مذهب ، والاكتفاء بالمصادر المعاصرة ، التي تنقل عن المصادر الاصلية ، لان الباحث في القانون عادة ما يكون عاجزا عن التواصل مع اللغة الفقهية ، المتداولة بين فقهاء المسلمين.
  2. محاولة تطويع نصوص الفقه الاسلامي ، بأدنى اشارة او قرينة ، كي يكون مؤيدا وتابعا للفقه القانوني الغربي ، مع ان الفقه الاسلامي له خصائصه ونظرياته المستقلة.

كما أن بعثات طلبة الدراسات العليا في القانون ، غالبا ما توجه الى الغرب ، خاصة فرنسا ، وذلك كي يستمر مسلسل التبعية ، ويعود طالب القانون الى العراق ، وهو يحمل شهادته العليا الغربية ، ولا ينفك عن التغني بأمجاد الفقه الغربي وإـنجازاته.

المطلب الثاني : جذور ظاهرة تغريب كليات القانون :

إن ظاهرة تغريب كليات القانون في العراق ، أثمرت عن تخطيط طويل المدى ، حيث يحدثنا التاريخ الموثق ، ان اول كلية قانون في الوطن العربي ، تم افتتاحها في مصر باسم مدرسة (الإدارة والالسن) في عام 1868م ، وهي كلية قانون بالمعنى الكامل ، لكن تم إخفاء معناها ، تحت أسم لم يكن لمنهاجها منه نصيب ، استنباتا للفكر القانوني الغربي ، وحذرا في الوقت نفسه ، من أن تلقى المدرسة ، مقاومة الأزهر الشريف ورجال الشريعة([3]).

فلم يراد ان ينتبه المجتمع المصري المسلم ، الى ثمار هذه المدرسة ، والتي خططت لإضعاف الفقه الإسلامي ، وهي نواة كلية الحقوق في جامعة القاهرة ، وكانت عمادتها مقصورة على الأجانب ، فلم يتول عمادتها مصري حتى عام 1926م ، أي لمدة (58) عاما ، ولهذا الأمر دلالته العظيمة ، في المنهج الذي تدرسه للطلاب ، والصنف المتخرج منها ، والذين أصبحوا فيما بعد أصحاب الكلمة والمشرعين في البلاد([4]).

ومن الطبيعي جدا ، ان يسعى كل عميد أجنبي لترسيخ مناهج الغرب ، وتهميش دور الفقه الإسلامي ، ليقوم بإنشاء جيل بعد جيل من خريجي القانون العرب ، الذين يحملون التبعية للغرب.

وبعد ان شاع القانون الغربي في مصر ، فقها وقضاء وتشريعا ، تم السماح لاحد المصريين ان يكون عميدا لكلية الحقوق ، وكان الغرب على يقين ، من ان هذا العميد المصري ، سيخدم القانون الغربي بشكل أقوى من العميد الغربي نفسه ، لأنه من حيث الظاهر عميد عربي ، لكن باطنه غربي بحت.

وفي عام 1917 ، تخرج (عبد الرزاق أحمد السنهوري) من مدرسة الحقوق ، وحصل على شهادة (لسانس) الحقوق ، ثم سافر الى ليون في فرنسا عام 1921 ، وخلال السنوات الخمس التي أمضاها السنهوري هناك ، تبحر في علوم القانون الغربي ، من حيث أصوله الرومانية وتقنيناته الحديثة ، ونهل من منابع الثقافة الفرنسة والأوربية ([5]).

وتأكيدا لذلك ، يقول الأستاذ (ادوار لامبير) ناظر (عميد) مدرسة الحقوق الخديوية بمصر سابقا ، والأستاذ المشرف على رسالتي السنهوري في الدكتوراه ، في تقديم رسالته الثانية في ليون عام 1926 : (لقد وجدت ضالتي المنشودة أخيرا على يد السنهوري – وهو من أنبغ تلاميذي الذين درسّت لهم خلال حياتي العملية كأستاذ - أنه تلميذ قد أثبت فعلا أنه جدير بأن يكون أستاذا ... أن أبني (جاك لامبير) – الى جانب دراسته للقانون والفقه المقارن عن طريق الدراسات التأريخية التي أعتمدت عليها – يتابع أيضا دراسته للغة العربية الفصحى التي بدأها منذ أكثر من أربع سنوات ... وان التعاون الصادق بينه وبين زملائه من المسلمين الدارسين بمعهد القانون المقارن في ليون أمثال السنهوري – هو الذي أعتمد عليه لكي يعطي دفعة علمية حقيقية لأبحاث المركز الشرقي للدراسات القانونية والاجتماعية)([6])

ثم نقلت تجربة التبعية الغربية ، التي ولدت في مدرسة (الإدارة والالسن) في القاهرة ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، الى العراق ، عن طريق الدكتور عبد الرزاق السنهوري ، حيث حضر الى العراق على رأس وفد قانوني ، منهم الأستاذ (زهير جرانه) لتدريس القانون الدستوري والإداري ، والأستاذ (عبده حسن الزيات) لتدريس تاريخ القانون والقانون الدولي  العام ، والأستاذ (حسين فهمي) لتدريس المالية والاقتصاد([7]).

وأحتفظ السنهوري لنفسه بمنصب عمادة كلية الحقوق في بغداد ، في العام الدراسي (1935–1936) ، وقام بالعديد من الإصلاحات الإدارية ، مثل وضع نظام الكلية رقم (8) لسنة 1936 ، وقام بتدريس مادة أصول القانون ، وألف كتابين لطلبة الكلية ، واصدر مجلة القضاء العراقية على أسس جديدة([8]) ، وكذلك بدأ السنهوري ، بدعوة من حكومة العراق وطلب من وزير العدل فيها رشيد عالي الكيلاني ، وضع مشروع القانون المدني العراقي([9]), وقد اجتمعت لجنة إعداده ، يوم الثلاثاء 11 شباط 1936([10]).

وعندما عاد السنهوري من بغداد الى القاهرة في عام 1936 ، أخذ معه العشرة الأوائل من أبناء كلية الحقوق ببغداد ، والحقهم بكلية الحقوق بالقاهرة ، ليكونوا تحت إشرافه ، فكانوا نواة الأساتذة العراقيين ، الذين اضطلعوا بتدريس القانون في العراق فيما بعد ، حيث اصبحوا اساتذة القانون في جامعة بغداد([11]) ، ومن هؤلاء الطلبة العشرة ، الدكتور صلاح الدين الناهي([12])، ومحمد طه البشير وعبد الرحمن حمود وعبد الرحمن البسام([13])، وهم أساس الفقه القانوني العراقي الحديث ، وأساتذة أساتذة الجيل القانوني المعاصر.

لكن دور اساتذة القانون المصريين استمر في كلية الحقوق ببغداد ، حتى بعد مغادرة السنهوري ، حيث قدم الدكتور محمود عزمي , وتولى العمادة عام 1936-1937 ، وقدم الأستاذ عبد الحميد الوشاحي , وتولى العمادة بين 1940-1941 , والدكتور حامد زكي , وتولى العمادة بين عامي 1942-1943 , والدكتور عبد الحكيم الرفاعي , وتولى العمادة بين عامي 1945-1947, وكان استاذا لمادة المالية العامة والتشريع المالي ، ثم قدم الدكتور محمد عبد الله العربي , وتولى العمادة بين عامي 1948-1949 وبين عامي 1952-1955 ،  وهو استاذ للتشريعات المالية ايضا , وقد أرسل في بعثة إلى أوربا وعاد عام 1924 منها ، بعد أن أتم دراسته القانونية والاقتصادية في جامعة أكسفورد وفي جامعة ليون بفرنسا ، وتم نشر رسالته للدكتوراه من قبل المعهد الفرنسي للقانون المقارن([14]).

المطلب الثالث : آثار ظاهرة تغريب كليات القانون :

لا يقتصر أثر ظاهرة تغريب كليات القانون ، على أساتذتها وطلبتها ، بل يمتد بعد ذلك ، ليشمل المجتمع بأكمله ، من خلال تبني المنظومة القانونية الغربية ، في التشريع والقضاء         والفقه ، ومن أهم آثارها([15]) ، ما يأتي :-

  1. ضعف ثقتنا بأنفسنا ، حيث فقدنا مصدر اصالتنا وقوتنا ، واصبحنا تابعين للنظام القانوني الغربي.
  2. التلبس في حالة الازدواجية ، لأننا نؤمن بمبادئ السماء في العقائد والعبادات ، ونطبق قوانين الغرب المادية في المعاملات ، وهذه الازدواجية المقيتة ، تضطر المسلم الملتزم ، الى الانطواء ، والى الهروب من ساحة العمل والابداع ، خوفا من الارتطام بالحرام الشرعي ، بينما في الغرب ، نجد تفجر الطاقات عندهم ، لأنهم يطبقون في حياتهم ، ما يؤمنون به.
  3. لم تستطع القوانين الغربية بعث الطمأنينة والسعادة في مجتمعنا الاسلامي ، رغم تطبيقها ، لما يقرب من القرنين من الزمن ، كونها لا تمت الى واقعنا الاجتماعي ، لأنها فرضت بالهيمنة والقوة ، والدليل على عدم ملائمة التقنينات الغربية ، لمجتمعنا المسلم ، انتشار ظاهرة التحايل عليها ، للتخلص من تطبيقها ، وهذا دليل على فساد هذه التقنينات ، حيث يقول الأستاذ السنهوري : (فتحايل الناس على حكم قانوني ومضيهم في ذلك دليل على فساد هذا الحكم ، فأولى بالمشرع إعادة النظر فيه عند تنقيح تشريعه)([16]).

المطلب الرابع : معالجة ظاهرة تغريب كليات القانون :

لقد بذلت جهود جبارة ، في جعل أكثر الشعوب العربية والإسلامية ، تنظر نظرة عدم اكتراث الى الإسلام ، وجميع ما يمت اليه ، وما ينبثق عنه ، وجعل هذه الشعوب تنظر نظرة احترام وإكبار الى كل ما هو مستورد من الخارج ، وهذه حقيقة واقعة ، ظاهرة للعيان ، لا يستطيع أحد إنكارها ، وإن كان فيها من المرارة والأسى ما فيها([17]).

لكن مع كل ذلك يمكن إزالة ظاهرة تغريب كليات القانون ، من خلال تبني التطبيقات العملية لمقاومتها ، ومن هذه التطبيقات ، مقترح إنشاء (حلقة وصل بين الحوزة العلمية وكليات القانون) من أجل القيام بما يلي :-

  1. إعداد مناهج جديدة من قبل فقهاء الحوزة العلمية ، الحاصلين على مرتبة الاجتهاد ، وبالتعاون مع أساتذة القانون ، للمواد الشرعية الحالية في كليات القانون ، وهي مواد (مدخل الشريعة الإسلامية والأحوال الشخصية وأصول الفقه).

وإضافة مناهج دراسية أخرى من الفقه الإسلامي ، تمكن طالب القانون من تذوق وفهم الفقه الإسلامي من منابعه الأصلية ، وخاصة في مجال المعاملات المالية ، لأننا نجد أن حصر دراسة الفقه الإسلامي في مجال الأحوال الشخصية ، تحجيم له ، لان ابرز إنتاجاته وابداعاته كانت في مجال المعاملات المالية ، وذلك لقلة النصوص الشرعية التعبدية ، فلجأ الفقهاء إلى الاجتهاد والاستنباط من القواعد العامة.

  1. التعاون في المجال التشريعي ، من خلال إعداد مقترحات القوانين ، أو تعديلها ، ولعل من أبرزها التعاون على تطبيق المادة (2/أولا/أ) من الدستور النافذ ، وذلك من خلال رصد وجمع المواد القانونية المخالفة لثوابت أحكام الإسلام في تشريعاتنا الحالية ، ومن ثم إعداد البديل المناسب لها ، حسب ضوابط الفقه الإسلامي.
  2. التعاون في المجال الفقهي ، من خلال تشكيل مركز بحثي متخصص ، وظيفته إعداد البحوث المشتركة بين فقهاء الحوزة العلمية وبين أساتذة القانون ، والتي تهدف الى استكشاف قوة وعمق الفقه الإسلامي ، في إعطاء الحلول والمعالجات الناجحة ، مقارنة بحلول الفقه القانوني الوضعي.

وتقديم الاستشارات الفقهية ، فكثير من طلبة القانون ، بل وأساتذتهم يحتاجون أثناء مسيرتهم العلمية ، إلى التعرف على موقف الفقه الإسلامي من مسألة ما ، فبدلا من ترك البحث مباشرة لصعوبته ، أو البحث السطحي والحصول على نتيجة خاطئة ، بالإمكان الحصول على الجواب الشافي من خلال المركز البحثي المقترح.

واتاحة فرصة الإشراف المزدوج على بحوث الدراسات العليا ، وخاصة المقارنة مع الفقه الإسلامي ، من خلال مشرف مختص بالقانون ، وآخر مختص بالفقه الإسلامي ، وكذلك إشراك الفقهاء المجتهدين من الحوزة العلمية ، في لجان مناقشة طلبة الدراسات العليا ، نعم يصطدم هذا المقترح بالتعليمات الجامعية النافذة التي تشترط اللقب العلمي في الإشراف والمناقشة ، لكن هذا لا يعني التسليم لهذا الواقع ، فميزة القانون الوضعي هو التغيير والتعديل ، بحيث يجاري التطور في المجتمع ، فيمكن السعي لإقناع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، من خلال إيجاد استثناء على التعليمات النافذة ، وإعفاء فقهاء الحوزة العلمية من حمل اللقب العلمي في مجال الإشراف والمناقشة ، حيث ان المقدرة العلمية لا تقاس باللقب العلمي ، فاللقب العلمي كاشف عنها ، وليس مؤسسا لها.

  1. التعاون في المجال القضائي ، وخاصة في مجال تفعيل وإنجاح المادة (92/ثانيا) من الدستور، والتي تنص على أن : ( تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة ، وخبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء القانون يحدد عددهم ، وتنظم طريقة اختيارهم ، وعمل المحكمة ، بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب) ، فتنسيق العمل بين فقهاء الإسلام وفقهاء القانون ، له ابلغ الأثر في الحفاظ على المصالح العليا للمجتمع ، وصيانة الدور الخطير للمحكمة الاتحادية العليا ، وحمايته من جميع أشكال الضعف والتصدع.

الخاتمة

من أهم النتائج والتوصيات ، ما يأتي :-

أولاً : النتائج :

إن كليات القانون في جامعات العراق , بل عموم المنظومة القانونية فيه ، ترضخ تحت الإحتلال القانوني الغربي ، رغم أن العراق مهد الحضارات ، وطبق على ارضه أول قانون في العالم.

ثانياً : التوصيات :

من السنن الطبيعية في المجتمعات ، ان الجسم الغريب فيها ، سيزول يوما ، وان طال الزمن ، فلنسعى جاهدين ، للرجوع الى أصالتنا.

خاصة وإن انتصار التيار الغربي ، في فرض ثقافته وقوانينه ونظمه السياسية والاجتماعية ، لم يكن انتصارا ساحقا ، بل كان أمرا عارضا ، أملته ظروف سياسية عارضة ، لأن الشعوب الإسلامية ظلت ترفض الانسلاخ عن جلدها الإسلامي ، وتتوق الى العودة الى قانونها الإسلامي ونظمها الإسلامية وقيمها الإسلامية ، لاسترداد ذاتها ، لأن الشريعة الإسلامية بمعناها الشامل ، تعتبر من أهم مقومات الشخصية([18]).

حيث طُبقت الشريعة الاسلامية ، مدة (13) قرنا ، بينما عمر الاحتلال القانوني الغربي في العراق ، بدأ منذ منتصف القرن التاسع عشر تقريبا ، باعتباره جزءا من الدولة العثمانية ، وهذا العمر ضئيل جدا ، بالنسبة لعمر الحضارات الإنسانية.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

مصادر البحث

  1. أحمد فوزي ، سيرة وحكايات 6 رجال فكر وقانون ، مطبعة الإنتصار ، بغداد ، 1985.
  2. تغريد عباس رشيد السعدي ، كلية الحقوق العراقية (1928-1958م) ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية تربية ابن رشد للعلوم الإنسانية في جامعة بغداد ، 2013.
  3. ساجر ناصر حمد الجبوري ، التشريع الإسلامي والغزو القانوني الغربي للبلاد الإسلامية ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2005.
  4. سيار الجميل ، مدرسة الحقوق وكليتها ،http://www.almadasupplements.com/news ، تاريخ الاطلاع عليه  في (30/1/2018).
  5. صوفي أبو طالب ، الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي في البلاد العربية ، مجلة اتحاد الجامعات العربية للدراسات والبحوث القانونية ، تستضيفها وتصدرها كلية الحقوق في جامعة القاهرة ، العدد الفخري الثاني ، 1995.
  6. ضياء شيت خطاب وآخرون ، القانون المدني رقم (40) لسنة 1951 مع مجموعة الأعمال التحضيرية ، مطبعة الزمان ، ج4 ، بغداد ، 2002.
  7. ضياء شيت خطاب ، المغفور له العلامة عبد الرزاق أحمد السنهوري ، مجلة القضاء ، تصدرها نقابة المحامين في الجمهورية العراقية ، العدد الثالث ، 1971.
  8. طارق البشري ، الوضع القانوني بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي ، دار الشروق ، ط2 ، القاهرة ، 2005.
  9. عبد الجليل الأسدي ، كلية الحقوق في بغداد 1908- 2008 ، نقابة المحامين – غرفة محامي محافظة النجف الأشرف ، النجف الأشرف ، 2008.
  10. عبد الحليم الجندي ، نجوم المحاماة في مصر وأوربا ، الهلباوي- السنهوري وآخرون ، دار المعارف ، القاهرة ، 1991.
  11. عبد الرزاق احمد السنهوري ، فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية ، اطروحة دكتوراه ، تحقيق : توفيق محمد الشاوي ونادية عبد الرزاق السنهوري ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2008.
  12. عبد الرزاق السنهوري ، محاضرة عن واجبنا القانوني بعد المعاهدة ، 31 ديسمبر 1936 ، أعيد نشرها في كتاب إسلاميات السنهوري باشا ، محمد عمارة ، ج1 ، دار الوفاء ، مصر ، 2006.
  13. عبدالرزاق احمد السنهوري ، وجوب تنقيح القانون المدني المصري وعلى أي أساس يكون هذا التنقيح ، مجلة القانون والاقتصاد ، يصدرها اساتذة كلية القانون ، العدد 1 ، 1936.
  14. علاء الدين خروفة ، الطلاق والتفريق في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي ، مجلة الرسالة الإسلامية الصادرة عن ديوان الأوقاف في العراق ، بغداد ، العدد 38-39 ، تموز – آب 1971.
  15. قاسم هيال رسن ، بحوث في القانون المدني ، مكتبة دار السلام القانونية ، النجف الأشرف ، 2014.
  16. قاسم هيال رسن ، قوارير مسك الختام ، مكتبة دار السلام القانونية ، النجف الأشرف ، 2013.
  17. قاسم هيال رسن ، محاضرة استثمار ذكرى شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) لتصحيح مسار المنظومة القانونية في العراق ، الملقاة في نـدوة : الإمام الصادق (عليه السلام) - معالم تحديد الهوية وأسس النهضة في معالجة التحديات الفكرية والسلوكية ، التي أقامتها شعبة البحوث والدراسات – قسم الشؤون الفكرية والثقافية – العتبة العلوية المقدسة ، على قاعة عمار بن ياسر – دار ضيافة الإمام الحسن (عليه السلام) ، في 28 شوال 1438ه - 23 تموز 2017م.
  18. محمد عمارة ، الدكتور عبد الرزاق السنهوري – إسلامية الدولة والمدنية والقانون ، دار السلام ، مصر ، 2009.
  19. نادية السنهوري وتوفيق الشاوي ، السنهوري من خلال اوراقه الشخصية ، دار الشروق ، القاهرة ، 2005.

 

[1])) للمزيد أنظر : قاسم هيال رسن ، قوارير مسك الختام ، مكتبة دار السلام القانونية ، النجف الأشرف ، 2013 ، ص119-129.

 

[2])) قاسم هيال رسن ، بحوث في القانون المدني ، مكتبة دار السلام القانونية ، النجف الأشرف ، 2014 ، ص265.

 

([3]) طارق البشري ، الوضع القانوني بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي ، دار الشروق ، ط2 ، القاهرة ، 2005 ، ص17.

([4]) ساجر ناصر حمد الجبوري ، التشريع الإسلامي والغزو القانوني الغربي للبلاد الإسلامية ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2005 ، ص360.

([5]) محمد عمارة ، الدكتور عبد الرزاق السنهوري – إسلامية الدولة والمدنية والقانون ، دار السلام ، مصر ، 2009 ، ص20-27.

([6]) عبد الرزاق احمد السنهوري ، فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية ، اطروحة دكتوراه ، تحقيق : توفيق محمد الشاوي ونادية عبد الرزاق السنهوري ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2008 ، ص45-48.

[7])) عبد الجليل الأسدي ، كلية الحقوق في بغداد 1908- 2008 ، نقابة المحامين – غرفة محامي محافظة النجف الأشرف ، النجف الأشرف ، 2008 ، ص37 ، وانظر ايضا : تغريد عباس رشيد السعدي ، كلية الحقوق العراقية (1928-1958م) ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية تربية ابن رشد للعلوم الإنسانية في جامعة بغداد ، 2013 ، ص114.

([8]) نادية السنهوري وتوفيق الشاوي ، السنهوري من خلال اوراقه الشخصية ، دار الشروق ، القاهرة ، 2005 ، ص202 هامش1 ، وضياء شيت خطاب ، المغفور له العلامة عبد الرزاق أحمد السنهوري ، مجلة القضاء ، تصدرها نقابة المحامين في الجمهورية العراقية ، العدد الثالث ، 1971 ، ص10 ، ومحمد عمارة ، الدكتور عبد الرزاق السنهوري – اسلامية الدولة والمدنية والقانون ،  مصدر سابق ، ص37-38 وص171 ، وعبد الحليم الجندي ، نجوم المحاماة في مصر وأوربا ، الهلباوي- السنهوري وآخرون ، دار المعارف ، القاهرة ، 1991 ، ص188.

([9]) محمد عمارة ، الدكتور عبد الرزاق السنهوري – إسلامية الدولة والمدنية والقانون ، مصدر سابق ، ص37.

([10]) ضياء شيت خطاب وآخرون ، القانون المدني رقم (40) لسنة 1951 مع مجموعة الأعمال التحضيرية ، مطبعة الزمان ، بغداد ، 2002 ، ج4 ، ص6-7.

([11]) ضياء شيت خطاب ، المغفور له العلامة عبد الرزاق احمد السنهوري ، مصدر سابق ، ص11 ، وعبد الرزاق السنهوري ، محاضرة عن واجبنا القانوني بعد المعاهدة ، 31 ديسمبر 1936 ، أعيد نشرها في كتاب إسلاميات السنهوري باشا ، محمد عمارة ، ج1 ، دار الوفاء ، مصر ، 2006 ، ص460 ، ومحمد عمارة ، الدكتور عبد الرزاق السنهوري – إسلامية الدولة والمدنية والقانون ، مصدر سابق ، ص38.

([12]) حيث نشر الدكتور صلاح الدين الناهي ، رسالته في الدكتوراه ، الموسومة (الامتناع المشروع عن الوفاء) ، في القاهرة عام 1945.

([13]) عبد الجليل الأسدي ، كلية الحقوق في بغداد 1908- 2008 ، مصدر سابق ، ص41 ، ويُنقل عن السنهوري ، في مقابلة صحفية ، أنه أصطحب معه (5) طلاب فقط ، وهم : طه البشير وعبد الرحمن البسام وعبد الرحمن الجليلي وعبد الرزاق حمود وصلاح الدين الناهي ، أنظر في تفصيل ذلك: أحمد فوزي ، سيرة وحكايات 6 رجال فكر وقانون ، مطبعة الإنتصار ، بغداد ، 1985 ، ص70-71.  

[14])) سيار الجميل ، مدرسة الحقوق وكليتها ، متاح على موقع http://www.almadasupplements.com/news  ، تاريخ الاطلاع عليه  في (30/1/2018).

[15])) للمزيد راجع : قاسم هيال رسن ، محاضرة استثمار ذكرى شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) لتصحيح مسار المنظومة القانونية في العراق ، الملقاة في نـدوة : الإمام الصادق (عليه السلام) - معالم تحديد الهوية وأسس النهضة في معالجة التحديات الفكرية والسلوكية ، التي أقامتها شعبة البحوث والدراسات – قسم الشؤون الفكرية والثقافية – العتبة العلوية المقدسة ، على قاعة عمار بن ياسر – دار ضيافة الإمام الحسن (عليه السلام) ، في 28 شوال 1438ه - 23 تموز 2017م ، كما ويمكن مشاهدة المحاضرة ، على الرابط التالي : (0glzxn4CjGA/youtu.be//https:).

([16]) عبدالرزاق احمد السنهوري ، وجوب تنقيح القانون المدني المصري وعلى أي أساس يكون هذا التنقيح ، مجلة القانون والاقتصاد ، يصدرها اساتذة كلية القانون ، العدد 1 ، 1936 ، ص78 هامش3.

([17]) علاء الدين خروفة ، الطلاق والتفريق في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي ، مجلة الرسالة الإسلامية الصادرة عن ديوان الأوقاف في العراق ، بغداد ، العدد 38-39 ، تموز – آب 1971 ، ص23-24.

([18]) صوفي أبو طالب ، الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي في البلاد العربية ، مجلة اتحاد الجامعات العربية للدراسات والبحوث القانونية ، تستضيفها وتصدرها كلية الحقوق في جامعة القاهرة ، العدد الفخري الثاني ، 1995 ، ص96-97.