دراسة : التركمان مكوّن بلا حقوق

حسين جلوب الساعدي

رئيس مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية

هم قبيلةٌ من القبائل التركيّة التي وفدت من وسط آسيا، وتحديداً من منغوليا موطنهم الأصلي. والفرق بين التركمان والأتراك هو كالفرق بين العدنان والقحطان أصل العرب، أمّا الاختلاف اللغوي بينهما هو كاختلاف اللهجة العربيّة العراقيّة واللهجة العربيّة السوريّة، (ما زالت اللهجة التركمانيّة تحتفظ بنسبة ٤٠٪ من المفردات العربيّة، بخلاف اللهجة التركيّة التي أدخلت إليها بعد تأسيس الجمهوريّة التركيّة، المفردات الإنكليزيّة والفرنسيّة بنسبة أكثر من ٣٠٪ بدلاً من المفردات العربيّة)([1]).

تقع المناطق التي يسكنها التركمان في منطقة الهضاب، تفصل ما بين المنطقة الشماليّة الجبليّة والمنطقة السهليّة الوسطى والجنوبيّة العراقيّة، وتمتدّ من قضاء تلّعفر شمال محافظة الموصل وتنحدر إلى جنوب شرقها باتجاه محافظة أربيل التي تعدّ من مراكز الاستيطان القديمة للتركمان، حيث إنّ (نصف سكّان أربيل من التركمان من بقايا الدولة الأتابكيّة التركمانيّة).

وتمتدّ جنوباً إلى ناحية التون كوبري باتّجاه محافظة كركوك التي تعتبر قلب التركمان النابض ورمز وجودهم القومي، ثمّ جنوباً باتّجاه ناحية تازة خورماتو وقضاء طوز خورماتو، وهي أشهر الأقضية التي ظلّت مرتبطة إداريّاً بكركوك حتى قرار النظام بربطها بمحافظة صلاح الدين في عام 1970، رغم أنّها تبعد 130 كم عنها وعن كركوك 75 كم.

 ثمّ ناحية بيات وقضاء كفري الذي يعتبر آخر ما سُلخ عن كركوك بعد طوز خورماتو، حيث ربطه النظام السابق إداريّاً بمحافظة ديالى كجزء من سياسة التعريب؛ لمحو الهويّة التركمانيّة لمحافظة كركوك التي تبعد عنها بـ 131كم من جهة الجنوب الشرقي.

 كما تنحدر المناطق التي يسكنها التركمان إلى جنوب شرق العراق باتّجاه محافظة ديالى، وخاصّة قضاء خانقين التي كانت فيها أكثريّة من التركمان قبل نزوح الأكراد إليها بسبب تهديم القرى الكرديّة في فترات النزاع المسلّح بين الحركة الكرديّة والحكومات العراقيّة، فضلاً عن ناحية قرة تبه، وجلولاء (قره خان)، وزرباطيّة، والسعديّة، والمقداديّة (شهربان)، والمنصوريّة، وخالص (دلتاوة)، ومندلي التي رغم كونها قضاءً منذ العهد العثماني إلاّ أّن النظام ضمن سياسته التعريبيّة حوّلها سنة 1987.

وإلى جانبها القصبة الحدوديّة التركمانيّة (قزانية)، كذلك يقطن في محافظة بغداد الآن بحدود (٥٠) ألفاً من التركمان.

الديانة القديمة للتركمان هي الشامانيّة مع قليل من اليهوديّة والبدوذيّة والزرداشتيّة والمسيحيّة..

ويدين الترك اليوم بجميع فروعهم وبنسبة ساحقة بالدين الإسلامي، وكذلك هنالك بضع مئآت من العوائل المسيحيّة (كاثوليك) في قلعة كركوك في العراق من التركمان الذين لا يتكلّمون غير التركيّة([2]).

إنّ مسلمي التركمان هو خليطٌ من كلّ المذاهب كالعرب تماماً، فيهم السنّة والشيعة، وفيهم من الغلاة العلويّة والبكتاشيّة والكاكائيّة وغيرها، غير أنّ السنّة الأحناف فيهم يشكّلون الأكثريّة الكبيرة؛ إذ ينقسم التركمان إلى حوالي ٥٥٪ من السنّة، و٤٥٪ من الشيعة، يقطن السنّة في مدن أربيل والتون كوبري وكركوك وبيات وكفري وخانقين وجلولاء وزرباطيّة والسعديّة.

 أمّا الشيعة، فيقطنون في تلّعفر وتوابعها في محافظة الموصل وفي مركز مدينة كركوك (حوالي ٣٥٪ من التركمان في مركز مدينة كركوك من الشيعة)، وناحية تازة خورماتو وطوز خورماتو وعدد من القرى التابعة لهما.

أمّا لغتهم، فيصنّف العلماء اللغة (التركيّة) عموماً إلى لهجتين أساسيّتين هما: (الأوغوزيّة - الجغتائيّة)، وتتكلّم القبائل المنحدرة من فرع الأوغوز والتي هي: (القبائل التركمانيّة والأذربيجانيّة وأتراك بالان وأتراك  الأناضول وأتراك البلقان) باللهجة الأوغوزيّة.

  أمّا الفروع الأخرى مثل: (قزاق، قرغيز، أوزبك، التاي، نوغاي، سالار، أويغور ...) فإنّ اللهجة الجغتائيّة هي الشائعة بينها، ويمكن لأفراد كلّ مجموعةٍ من المجموعتين التفاهم فيما بينها بسهولة، رغم وجود اختلافات تتعلّق بأسلوب التعبير واستعمال المفردات الداخلة فيها من اللغات المحلّيةوالناجمة عن الاختلاط بالأقوام الأخرى. بينما يصعب التفاهم ما بين أفراد المجموعتين إلى الحد الذي قد تدعو الحاجة معه إلى وجود مترجمٍ يتولّى الترجمة من التركيّة إلى التركيّة، حيث إنّ الهوّة بين اللهجتين أصبحت واسعة بسبب التغييرات والتحويرات التي طرأت على التركيّة الحديثة من جهة، وانقطاع صلتها باللهجة إلى الجغتائيّة من جرّاء بقاء المتكلّمين بها خلف الستار الحديدي من جهةٍ أخرى، وقد فرضت على مجموعاتها استخدام حروف تختلف من مجموعة إلى أخرى لأغراض سياسيّة اتّبعها الاتحاد السوفياتي مع الأتراك المسلمين بهدف التفريق بين مجموعاتهم.

وعلى أيّ حالٍ فإنّ أصل اللغة واحدٌ، وألفاظها حتى في الأبعد تدلّ على أنّ الأصل واحدٌ([3]).

 تأريخهم في العراق :

إنّ الوجود التركي قبل الفتح الإسلامي تمركز في أذربيجان، حيث فُتحت سنة 20هـ بقيادة حذيفة بن اليمان([4])، وشارك الترك في بناء وإدارة الحضارة الإسلاميّة، وبلغَ الوجود التركي ذروته في العصر العبّاسي عندما بدأ الضعف ينتشر بين القبائل العربيّة المهيمنة وفقدانها لروحها البدويّة المحاربة بعد استقرارها في العراق وتمتّعها بحياة الخصب والرفاهيّة.

وقد وجدَ القادة العبّاسيون في الترك والتركمان البديل المطلوب لاحتفاظهم بروحهم الرعويّة المحاربة لشجاعتهم وبسالتهم في سوح القتال، خصوصاً في مواجهة خطر الجماعات الرعويّة الأوربيّة القادمة باسم الحروب الصليبيّة...

استقدمَ الخليفة العبّاسي المعتصم بالله (٥٠) ألف محارب من (أخواله) الترك واستخدمهم في الجيش، وبنى لهم مدينة (سرّ مَن رأى) أي سامراء الحاليّة في شمال عاصمة الخلافة بغداد([5])، حيث توسّع وامتدّ نفوذ التركمان والأتراك في الدولة العبّاسيّة، حتى شملت جميع مرافق السلطة إلى أن وصل بهم الأمر ـ زمن حكم الدولة العبّاسيّة ـ إلى خلع وتنصيب الخلفاء أنفسهم.

وظهرَ دور التركمان بعد تحرّك قبائل طغرل بيك في سهوب آسيا الوسطى، وسيطرته على إيران والعراق وقيام الدولة السلجوقيّة التي امتدّت من 429 هـ إلى 573 هـ ([6]) (واستمرّ الحضور التركماني السلجوقي مع بروز دور مؤسّس الدولة العثمانيّة آل طغرل بن سليمان الشاه).

وقد أسّس التركمان دويلات عديدة في العراق منها: دولة آق قوينلو، وقرة قوينلو ([7])، والدولة الأتابكيّة في أربيل.

 ثمّ تعاقبت القبائل التركمانيّة والسلجوقيين (الأتراك) على حكم العراق لغاية سيطرة الدولة العثمانيّة والتركمانيّة عام 1514 على بغداد([8])، واستمرّ حكمهم، حيث تناوبت الدولة الصفويّة في إيران حكم العراق لفترات متقطّعة (والصفويون هم من القبائل التركيّة، وأيضاً سكنت بلاد فارس)([9]).

واستمرّ الخلاف الإيراني ـ العثماني و الاحتلال الإنكليزي للعراق العام ١٩١٧ الميلادي. وفي عام ١٩٢٦ أُبرمت اتفاقيّة بين الحكومتين التركيّة والبريطانيّة حول تبعيّة ولاية الموصل (وتشمل: أربيل وكركوك والسليمانيّة والموصل)([10])، حيث تشير إحدى فقرات هذه الاتفاقيّة إلى حرّية اختيار العراقيين من الأصول التركمانيّة بين البقاء في العراق أو الهجرة إلى تركيا، وقد فضّل التركمان البقاء في العراق إلاّ عدد قليل فضّلوا الهجرة إلى تركيا والاستقرار فيها([11]).

لقد شارك التركمان إخوانهم العراقيين في السرّاء والضرّاء وقدّموا التضحيات والشهداء في حروب العراق ومعاركه وثوراته، وعانوا من ظلم ومآسي حكّامه أسوة ببقيّة إخوانهم العراقيين، ورفدوا وطنهم العزيز بشخصيّات بارزة ساهموا في بنائه ودافعوا عن أمنه واستقراره وتثبيت استقلاله.

وقد برز الكثير من أعلام الحضارة العبّاسيّة من الأصول التركمانيّة، مثل: الفارابي، والبخاري، والخوارزمي، والبيروني، والسرخسي، والعديد غيرهم.

كما برز العديد من الشخصيّات العلميّة والثقافيّة والأدبيّة والسياسيّة بعد تشكيل الحكومة الوطنيّة العراقيّة عام ١٩٢١، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: حكمت سامي سليمان، والوزير عزّت كركوكلي (وزير الأشغال في أوّل وزارة عراقيّة بعد تشكيل الحكومة العراقيّة عام ١٩٢١)، ويقال: إنّ (نوري السعيد نفسه كان تركمانيّاً)، والعلاّمة مصطفى جواد، والشاعر عبد الوهّاب البياتي، والشاعر حسين مردان، والأديب الشاعر نصرت مردان، والأديب إبراهيم الداقوقي، والشاعر ده ده هجري، والأديب وحيد الدين بهاء الدين، والأديب الموسوعي عطا ترزي باشي.

 وبرز من كبار ضبّاط الجيش: غازي الداغستاني، والزعيــم (العميد) عمر علي، واللواء مصطفى راغب من قادة معركة فلسطين عام ١٩٤٨، والفريق يالجين عمر عادل، والقانوني البارز نور الدين الواعظ، والعديد من الوزراء والسفراء، ومئات من كبار الموظّفين والقضاة والمهندسين والأطبّاء.

 تعدادهم:

لا يوجد إحصاءٌ دقيق في العراق، وإن وجِد إحصاءٌ يمكن التعويل عليه بمقدار معيّن فيعود تاريخه إلى الأعوام (1947 و1957)، وقد وردت فيهما أعداد ونِسب القوميّات، ولكن بشكلٍ غير دقيق وغير موثوق؛ لوجود حالات التهرّب خوفاً من الجنديّة وغير ذلك، كما أنّه لم يمكن تسجيل القبائل الرحل، وبالنسبة للتركمان فإنّ وجود حالات تغيير للانتماء القومي بالإنكار أو اتّخاذ ألقاب عربيّة كالعزاوي والنعيمي والتكريتي، وغيرها في بيانات الإحصاء تحسّباً للتميّز العنصري، لها دورٌ في ذلك..

أمّا الإحصاءات في العهد الجمهوري، كإحصائي (1977 و 1978)، فلم يظهر في الأوّل منهما التصنيف إلى القوميات، في حين نظمتْ استمارة البيان في الثاني بحقلين، فقد كان على التركماني أن يؤشّر في حقل (عربي) أو (كردي) أو يترك الاستمارة  بلا تأشير، عندئذ يعتبر عرباً!..

وفيما يخصّ الإحصاءات البريطانيّة والتركيّة بالمقارنة مع الإحصاءات العراقيّة لعامَي (1921و1922)، التي قُدّمت إلى مجلس عصبة الأمم من قِبل لجنة تقصّي الحقائق التي زارت المنطقة لهذا الغرض إبّان مشكلة الموصل لتصنيف سكّان الولاية حسب القوميّات، فقد كانت متباينةً ومتضاربة وتقديريّة ولا يمكن التعويل عليها، باعتبارها وثائق تاريخيّة([12]).

لذلك فإنّنا سنفتقر إلى الموضوعيّة والدقّة إذا ما قدّمنا رقماً محدّداً عن عدد نفوس التركمان، وعليه ليس أمامنا خيار في الوقت الحاضر سوى الاستناد إلى إحصاء (1947 و1957) ونبني على ما ورد فيهما تقديراتنا، وممّا لا شكّ فيه ستكون تخمينيّة قابلة للخطأ والصواب، وكما يلي:

ـ عدد نفوس العراق في إحصاء 1947 حسب معلومات غير أكيدة؛ (لأنّها غير مأخوذة من المصادر الرسميّة) (3،468،000) نسمة، وأنّ عدد نفوس التركمان (280،130) نسمة (الرقم الأخير مأخوذٌ من مديريّة الإحصاء التابعة لوزارة التخطيط عام 1965).

ـ وفي إحصاء 1975 ـ أي بعد مرور 10 أعوام ـ ارتفع عدد نفوس العراق إلى (6،376،000) نسمة، ونفوس التركمان (467،000)، وفي مصدر آخر (567،000) نسمة.

ـ وحسب إحصاء 1987 ارتفع نفوس العراق إلى 18 مليون نسمة، وبناءً على هذه المعدّلات يقدّر إجمالي نفوس التركمان ما بين  (1،5 مليون إلى 2 مليون) نسمة.

ـ نُشرت في مجلّة انيكيوري البريطانيّة مقالة في شباط (فبراير ) 1987 جاء فيها أنّ عدد نفوس التركمان يزيد على (1،500،000) نسمة.

وعلى ضوء الأرقام الإحصائيّة المذكورة أو التقديرات الواردة في بعض التقارير، يمثّل التركمان القوميّة الثالثة في العراق من حيث العدد السكّاني أو الامتداد الجغرافي.

الانتهاكات التي تعرّض لها التركمان:

عانى المكوّن التركماني في العراق العديد من صور الاضطهاد والانتهاك من قِبل النظام، فقد تعرّضت الهويّة التركمانيّة للتهديد إثر سياسة التعريب في المدارس، وتغيير الأسماء والألقاب والقوميّة من التركمانيّة إلى العربيّة.

كما عمدَ النظام إلى قصف وهدم القرى والمناطق التركمانيّة وإبعاد أهلها مقرونة بحملة تهجير قاسية، وفي نفس الوقت إجراء تغييرات واسعة من حيث الترتيبات الإداريّة، وخصوصاً محافظة كركوك التي قطّع أوصالها وضمّها إلى المحافظات المجاورة لها، وحرمانهم من بيع وشراء العقارات في المناطق التركمانيّة، والتضييق عليهم عند الإفصاح عن هويّتهم وتقليل فرص العمل.

 وتعرّض التركمان أيضاً للسجن والاعتقال والإعدام لأسباب سياسيّة وقوميّة، كما عانوا من التهميش والإقصاء والاضطهاد طول فترة حكم النظام الصدّامي، وهنا سنعرض تلك الانتهاكات مقرونة ببعض الوثائق التي تدعم البحث ومنها:

1.سياسة التعريب والتهجير

اتّبع النظام العراقي سياسة التعريب في إطار الصراع حول هويّة مدينة كركوك وواقعها القومي، بعد الهجرة الكرديّة إلى المدينة ومطالبة الوفد الكردي المفاوض بكركوك ضمن الحكم الذاتي أثناء مفاوضات منح الأكراد حكماً ذاتياً أُعلن عنه في آذار عام 1970، وتأجّل البتّ به إلى استفتاء يجري في وقت لاحق ولم يتمّ تحديده في حينه، وعليه فإنّ عمليّة التعريب جاءت كإجراء لتلافي مخاطر تحوّل الواقع القومي في المدينة لصالح الأكراد، والمطالبة الكرديّة بالمدينة التي لها أهمّية كبيرة بسبب الثروة البتروليّة فيها([13]).

 كما أنّ النزعة القوميّة التي يتّصف بها حزب البعث الحاكم جعلته يقوم بحملةٍ واسعة مستهدفاً فيها التركمان بإجبارهم على تغيير هويّتهم القوميّة، وكان بإمكانه أن يحمي القوميّة التركمانيّة ويدعمها حتى تكون عامل توازن في الصراع العربي الكردي الذي بدأت معالمه تظهر بقوّة، لكنّ نزعته القوميّة استهدف التركمان وهويّتهم القوميّة.

 وبعد توقيع اتفاقيّة ١١ آذار ١٩٧٢، الشهيرة بين الرئيس السابق صدّام حسين والحزب الديمقراطي الكردستاني، لمنح الأكراد الحكم الذاتي، بدأ نظامه في تنفيذ خطّة متطرّفة لتعريب كركوك وتهجير العوائل التركمانيّة والكرديّة منها.

 

 

وبموجب الاتفاقيّة المذكورة حصل الأكراد على الحكم الذاتي على أن تطبّق كاملة خلال خمس سنوات،حيث مارسَ النظام سياسة التعريب بشكلٍ عنصري تجاه المناطق التركمانيّة عامّة وكركوك خاصّة.

وقد أصدرَ مجلس قيادة الثورة قراراً خطيراً يقضي بتهجير التركمان إلى المحافظات الجنوبيّة الثلاث: (العمارة، والسماوة، والكوت)، وهو قرار رقم (1391) الصادر في كانون الثاني 1980، الذي تضمّن أمراً بتشييد مجمّعات سكنيّة لتوطين التركمان فيها([14]).

 غير أنّ النظام تخلّى عن تنفيذ هذا المشروع بسبب الحرب التي دارت بين العراق وإيران في أيلول عام 1980.. فاستخدمت لإيواء النازحين من المناطق القريبة من منطقة الحركات الحدوديّة في البصـرة والعمارة والكوت وغيرها.

  كما اتّبع النظام تطبيق سياسته بإسكان العرب من سكّان المحافظات الجنوبيّة والوسطى بكركوك ومنحهم امتيازات في الحصول على قِطع أراضي سكنيّة مجّاناً، معزّزاً بالقرار رقم (1081) الصادر في 27/9/1984 الذي يتضمّن تمليك الأراضي إلى الفلاّحين العرب.

  واستمرّ النظام في سياسته الهوجاء حتى بعد الدمار والخراب الذي لحق بالعراق بعد حربَي الخليج، فرفعَ مبلغ المكافأة للعرب الذين يسكنون كركوك إلى 30 ألف دينار،  كما شجّع العرب على الزواج من التركمانيات كجزء من سياسة التعريب.

 كذلك شكّل النظام لجنة باسم (لجنة التهجير) بكركوك برئاسة أياد كنعان الصديد، مهمّتها جلب العوائل العربيّة لإسكانها في كركوك وضواحيها، وتحديداً في داقوق، وباي حسن، ويايجي وغيرها.

وقد نالت منطقة تسعين بكركوك حظّها من سياسيّة القمع والإرهاب والظلم، حيث أرغمَ النظام آلاف العوائل إلى ترك بيوتها للعرب الذين قدِموا إلى المدينة طمعاً بالامتيازات.. والسكن قسراً في مناطق لا تتوفّر فيها أبسط المستلزمات، وعلى هذا الأساس تمّ ترحيل (2000) عائلة بعد استملاك الدور العائدة لها بأسلوبٍ لا مثيل له في أكثر الدول تخلّفاً وديكتاتوريّة..

لم يكتفِ النظام بهذا فقط، بل راح يقوم بملاحقة العوائل التركمانيّة التي التحق أفراد منها بالمعارضة، أو ترك البلاد ممتنعاً عن أداء الخدمة العسكريّة، أو لأيّ سببٍ آخر، إصراراً منه على تطبيق نهج سياسة التهجير وتفتيت المجتمع التركماني متذرّعاً بهذا، فضلاً عن أنّه كان يمارس أسلوب طرد أمّهات الملتحقين بالمعارضة من التركمان أو الموجودين في الخارج إلى المناطق القريبة من الحدود، بعد تركهنّ هناك دون مآوي ومآكل.

كما أوعزَ النظام في عام 1993 لأجهزته الأمنيّة بإجراء مسحٍ شامل للعوائل التركمانيّة غير المرغوب ببقائها في كركوك، لغرض تسفيرهم إلى محافظات أخرى، وقام بحملات ترحيل العوائل التركمانيّة في طوز خورماتو، وتازة خورماتو، وداقوق، وكركوك، وحمزة لي، وإمام زين العابدين، وقرية قاضي كوي (القاضية) في الموصل([15]).

وفي منطقة الشورجة الواقعة في كركوك فقد بلغ عدد العوائل التي هُجّرت خلال التسعينات (٥٧٦) عائلة.

وفي إطار مخطّط التعريب الذي وضِع حيّز التنفيذ منذ عام 1970، فقد أُنشأت أحياء سكنيّة لاستيطان المواطنين العرب الذين تمّ استقدامهم من المحافظات الجنوبيّة وهي: حي الكرامة، فيها حوالي (600) وحدة سكنيّة ما بين

 عامي (1972-1973)، و(500) وحدة سكنيّة بعد هذا التاريخ. كذلك حي المثنّى في منطقة المصلى حي القادسيّة، الأولى والثانية، على طريق كركوك ـ السليمانيّة خلال عامي (1981-1982) (200) دار سكنيّة، مختلطة، الأكثرية من العرب، فضلاً عن حي الأندلس، مقابل رحيماوا على طريق كركوك ـ أربيل، وحي عرفة عام 1979 الوجبة الأولى كانت (200) دار والوجبة الثانية (400) دار، ودور العمل الشعبي (300-400) دار، على طريق كركوك ـ دبس، وحي الضباط (500) دار، مقابل معسكر كركوك ـ المطار العسكري.

 وعلى طوال سكّة الحديد ومحطّة قطار بغداد أحياء سكنيّة مستحدثة في المنطقة الواقعةبين معسكر كركوك ـ ومحطّة القطار وحيّ تسعين ـ وطريق الحويجة ـ تكريت،  ثمّ طريق كركوك ـ بغداد، ومحطّة التلفزيون إلى نهر (خاصة صو)، وهذه الأحياء هي:

حي البعث (800) دار في منطقة تسعين، حي الواسط في منطقة الغاز أو دور السكك القديمة، حي دوميس (450) دار في منطقة السكك، حي الاشتراكيّة أكثر من (100) دار، حي غرناطة، منطقة ملعب الإدارة المحليّة، حي الحجّاج (1000) دار مقابل محطّة التلفزيون من جهة (خاصة صو) على طريق ليلان، حي العروبة (مئات الدور) ما بين مجزرة كركوك وحي الحجّاج، حي القتيبة للشرطة الوافدين، ويسمّى حي الشرطة، حي المصلى (400) دار ما بين المصلى والمجزرة القديمة، حي الوحدة (200) دار في المنطقة ذاتها على طريق ليلان القديم، دور الأمن  في المنطقة المتاخمة لحي الشورجة، وبذلك يكون مجموع عدد المستوطنين العرب إجمالاً وفق المعلومات المتوفّرة لدينا كما يلي:

مجموع عدد الدور = 6750 بالإضافة إلى 1000 داراً في الأحياء التي لا توجد لها إحصائيات دقيقة لعدد السكّان فيها، ليكون المجموع 7750 داراً.

وعلى فرض معدّل عدد أفراد العائلة العربيّة الواحدة 6 أفراد، يكون المجموع 7750× 6=46500 نسمة، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار زيادة نسبة التكاثر السكّاني السنوي بمعدّل طفل في السنة (افتراضاً) ولمدّة 30 سنة يصبح:

7750×30=232.500 نسمة، وهذا العدد يقارب  ثلث سكّان المدينة الذي يقدّر بمليون نسمة.

 هكذا فإنّ عمليّة التعريب من جهة والترحيل القسري للتركمان من جهة ثانية والهجرة الكرديّة من جهة أخرى، أدّت إلى تغيير ديمغرافيّة المدينة وخلقت حزازات وضغائن بين القوميّات إلى درجة كبيرة.

 الوضع الراهن في المدينة بعد سقوط نظام البعث في 9 /3/2003م لم تعد هناك سياسة لتعريب المدينة والمنطقة، ما يعني أنّ نسبة نفوس العرب في مدينة كركوك ستستقر على ما هو عليه في هذا التاريخ.

2.قصف وهدم القرى التركمانيّة

ضمن سياسة التهجير والتعريب لكلّ تركماني قام النظام بهدم القرى التركمانيّة مثل: قرية بشير، وحمزلي، ويايجي، كما قام النظام باستملاك الأراضي الزراعيّة بأثمان بخسة في القرى التركمانيّة مثل: تركلان، وكمبتلار، وقزليار، وبشير، ويايجي،  وبلاوا، وتازة خورماتو، ومنحها للبدو بهدف توطينهم في تلك المناطق([16])، مع قائمة بأسماء الفلاّحين العرب الذين تمّ تمليك الأراضي لهم. كذلك قيامه بقصف القرى التركمانيّة بهدف ترهيب سكّانها وإجبارهم على ترك قراهم والهجرة إلى مناطق أخرى في داخل العراق أو خارجه.

3.التغيير الإداري والسكّاني للمناطق التركمانيّة 

خطّط النظام البعثي إلى تفكيك الوحدات الإداريّة للأقضية والنواحي المرتبطة بالمناطق التركمانيّة وخاصّة كركوك، في سبيل تفتيت المجتمع التركماني وقطع الصلة بين أبنائه وتماسكهم، لذلك عمدَ النظام على فكّ ارتباط قضاء طوزخورماتو من كركوك وربطه إدارياً بمحافظة صلاح الدين، على أن يكون مركزه قضاء تكريت، وذلك بموجب المرسوم الجمهوري رقم 41 الصادر بتاريخ 29/1/1976.

 كما تمّ ربط قضاء كفري بمحافظة ديالى، ورُبطت ناحية التون كوبري بمحافظة أربيل بموجب القرار رقم ( 434 ) الصادر في 11/9/1989، وإلحاق قضاء جمجمال بمحافظة السليمانيّة وقضاء كلار كذلك.

ومن ثمّ قام النظام بفك ارتباط التون كوبري من محافظة أربيل وإعادتها إلى كركوك، بعد انتفاضة 1991 بدخول محافظة أربيل ضمن المنطقة الآمنة ([17]).

بذلك تقلّصت مساحة محافظة كركوك من 19543 كم2 إلى 9426كم2، فأصبحت المحافظة الرابعة في العراق، ولم تقتصر سياسة تغيير الطابع الإداري للمناطق التركمانيّة التابعة لمحافظة كركوك فحسب، بل شملت قضاء مندلي أيضاً، فقد أصدر النظام مرسوماً جمهوريّاً  برقم 459 في 26 تموز (يوليو )1987 شمل إلغاء قضاء مندلي واستحداث ناحية باسم ناحية مندلي، يكون مركزها في قضاء مندلي وحدودها نفس الحدود الإداريّة لمركز القضاء. كذلك إلغاء ناحية بلدروز وإحداث قضاء باسم قضاء بلدروز يكون مركزه مدينة بلدروز وتتبعه ناحيتا مندلي وقزانيا.

 وعلى هذا الأساس تمّ تحويل قضاء مندلي إلى ناحية، بيمنا تحوّلت ناحية بلدروز إلى قضاء... لا لشيء سوى لأنّ معظم سكّان مندلي وقزانيا من التركمان، على عكس بلدروز الذي يشكّل العرب غالبيّة سكّانه.

4.محاولات طمس الهويّة القوميّة

تعرّض التركمان منذ عام ١٩٢٧ حتى سقوط النظام السابق في ٩/نيسان/أبريل/٢٠٠٣، لاضطهاد وانتهاك كبير لحقوقهم كمواطنين عراقيين، وفُرض عليهم حالة من الاغتراب القسري داخل الوطن، في الوقت الذي أدّوا بإخلاصٍ منقطع النظير واجباتهم تجاه وطنهم.

 فبالرغم من أنّهم يمثّلون القوميّة الثالثة في العراق بعد العرب والأكراد، إلاّ أنّ دساتير العراق بدءاً من القانون الأساسي لسنة ١٩٢٥ مروراً بالدستور المؤقّت لعام ١٩٥٩، والدستور المؤقّت لعام ١٩٧٠ وتعديلاته في الأعوام (١٩٧٣و١٩٧٤و١٩٧٧)، ومن ثمّ الدستور المؤقّت لعام ١٩٩٠، لم تتطرّق إليهم بشكلٍ خاص، بل إنّهم حُرموا حتى من أبسط حقوق المواطنة، حيث إنّهم  أُجبروا على تغيير قوميّتهم إلى العربيّة وفق قرارات اتّخذها النظام وفرض عليهم قسراً..

وفي حال امتناع المواطن التركماني من تغيير أو (تصحيح قوميّته.!!) وتسجيل ذلك في سجلاّته الرسميّة، فإنّه يتعرّض إلى شتّى أنواع الانتهاك، منها: نقل الموظّفين منهم إلى مناطق نائية.. وتوقيف العلاوات والترقيات ومخصّصات الخطورة وغيرها.. وتنزيل مناصبهم الإداريّة.. فضلاً عن إخلاء الدور الحكوميّة منهم خلال وقت قياسي..كما أنّه منذ عام ١٩٨٣ لم يحقّ لأيّ تركماني أن يتملّك عقاراً أو أرضاً في مدينة كركوك وضواحيها، إلاّ بعد تغيير قوميّته إلى العربيّة وإعلان انتمائه إلى إحدى العشائر العربيّة!!

وأكثر من ذلك طعنَ طارق عزيز نائب رئيس الوزراء في النظام السابق بحقّهم المشروع في المواطنة، ففي مقابلة أجرتها معه صحيفة (لاريبوبليكا) الإيطاليّة عام ١٩٩٧ قال طارق عزيز حرفيّـاً: (إنّ التركمان طارئون على العراق، لم يمضِ على وجودهم فيه سوى ٧٠٠ عاماً فقط !!).

 وبذلك لم تعترف هذه العقليّة بمواطنة أكثر من مليونين ونصف المليون إنسان يعيش أجدادهم منذ ثلاثة عشرة قرناً في العراق، وتناسى أنّ الدول المتحضّرة  تمنح الجنسيّة للأطفال الذين يولدون في الطائرات التي تمرّ عبر أجوائها. 

 كذلك اتّبع النظام ضمن سياسة طمس الهويّة القوميّة للتركمان، فرض حظر على النشاطات الثقافيّة والفنيّة والاجتماعيّة للتركمان، فخلال فترة حكم حزب البعث منذ تموز 1968 لم يُمنح إذنٌ لتشكيل أيّة فرقة مسرحيّة أو موسيقيّة أو جمعيّة اجتماعيّة أو نادي ثقافي، عدا نادي الإخاء التركماني في أربيل في عام 1974، ولغايةٍ سياسيّة معيّنة تخصّ منطقة الحكم الذاتي المقرّر تطبيقه في العام المذكور.

 كذلك تمّ حظر نشاطات الفِرق الفنيّة المؤسّسة قبل وصول البعث إلى الحكم، ومن أبرزها الفرقة القوميّة التركمانيّة للفنون.كما يُمنع شباب التركمان من ممارسة مواهبهم الفنيّة.

ونالت النشاطات الرياضيّة أيضاً نصيبها، فمثلاً أُنزِل نادي الثورة الرياضي التركماني من الدرجة الأولى ـ وبقرارٍ حكومي ـ إلى الدرجة الثانية، بالرغم من تحقيقها تفوّق في الدرجة الأولى.

 وكذلك فُرض تعتيم إعلامي على نجاحات الرياضيين التركمان في المسابقات التي تجري في الداخل وحرمانهم من الاشتراك بالمسابقات الدوليّة، رغم أحقّيتهم في الاشتراك بها.

5.حرمان التركمان من بيع وشراء العقارات في المناطق التركمانيّة

أعادَ النظام السابق العمل مجدّداً بالقرار القاضي بعدم السماح للتركمان في شراء العقارات أو بيعها بكركوك، والذي كان قد أوقفه لفترةٍ قصيرة بعد انتهاء الحرب العراقيّة ـ الإيرانيّة، ويقضي القرار بضرورة قيام المواطن التركماني صاحب العقار بإبلاغ الدوائر الأمنيّة للحصول على موافقتها، حيث تمتلك هذه الدوائر صلاحيّة الرفض أو القبول.. ويلزم القرار التجّار ورجال أعمال التركمان بإشراك أحد الرفاق من صفوف حزب البعث أو أحد المسؤولين في دائرة الأمن لأعمالهم التجاريّة بكركوك، وبعكسه لا يُسمح لهم مزاولة أعمالهم التجاريّة.

كما منعت دوائر التسجيل العقاري من تسجيل أيّة دارٍ أو قطعة أرض في محافظة التأميم تمّ بيعها عن طريق المزايدة العلنيّة، إلاّ بعد موافقة محافظة التأميم على البيع، وذلك حسب قرار مجلس قيادة الثورة رقم 418 في 8/4/1984، علماً بأنّ المحافظة لا تمنح الموافقة بموجب تعليمات خاصّة لديها ما لم يكن المشتري عربيّاً.

ومنعت السلطة أيضاً التركمان من تأسيس شركات خاصّة إلاّ بشرط وجود شريك عربي، وتسجيل الشركة باسم الشريك العربي... ونترك للقارئ تصوّر عمليّات الاحتيال والغصب والابتزاز الذي يتعرّض له المواطنون التركمان، لا ذنب لهم سوى لأنّهم ليسوا عرباً.

ليس هذا فقط، بل أصدرت السلطات تعليماتها بعدم تسجيل العقار باسم 77 عائلة تركمانيّة تسكن منطقتي الأعظميّة وراغبة خاتون في بغداد المكتظّة بالتركمان، ومنعهم من شراء أو بيع العقارات... بهدف حرمانها من الاستفادة من أثمان عقاراتهم في حالة قرارهم ترك العراق تخلّصاً من الملاحقة والاضطهاد.

وكذا حُرم المواطنون التركمان في السنين الأخيرة من حقّ امتلاك سيارات اقتصاديّة (لوري، قلاّب، حمل)، وكذلك منعت السلطات المواطنين التركمان من تأجير البيوت والمحلاّت التجاريّة التي يملكونها، بموجب قرار إداري صدر في عام 1994، ممّا اضطرّ بعض الذين هاجروا أو أُجبروا على الهجرة على ترك عقاراتهم؛ لعدم السماح لهم ببيعها أو تأجيرها، وبالتالي استولت عليها السلطة وملّكتها إلى العرب القادمين من المحافظات الجنوبيّة.

 6. تغيير أسماء الأحياء والقرى وحتى أسماء الفِرق الرياضيّة

عمدَ النظام منذ بداية السبعينيات إلى تنفيذ مخطّط ضدّ التركمان من خلال تغيير الطابع الإداري والسكّاني لمناطقهم المعروفة تاريخيّاً، بدءً بتغيير اسم مدينة كركوك إلى (التأميم) بالمرسوم الجمهوري رقم 41 الصادر بتاريخ 29/1/1976.

 كذلك شملت خطّة التغيير البعثيّة أسماء الأحياء والأسواق والشوارع والجوامع وحتى المحلاّت في كركوك، حيث تمّ تغيير اسم منطقة بني تسعين (تسعين الجديدة) إلى حي البعث، ومنطقة (أوجي) إلى حي الزهراء، وحي (باموقجيلار) إلى حي المنصور، و(سوق القوريّة) إلى سوق البعث، وتحوّل اسم (جسر الطبقجلي) إلى جسر القائد، ومحلّة (جقور) إلى حي العرب، ومحلّة (صاري كهية) إلى حي سومر.

كما تمّ تغيير أسماء بعض القرى التركمانيّة إلى عربيّة، فقد تمّ تغيير اسم قرية (شيرينجة بولاق) إلى اليرموك، و(زينده نه) إلى مصر، و(يارمجة) إلى جدّة، و(قارالي) إلى الرهتاد، و(بيوك صاري تبه) إلى الرعو، و(كوجك صاري تبه) إلى الوليد، و(يوقاري روجيباطي) إلى المنتدى، و(اشاغي روجيباطي) إلى الكندي، و(طوقماقلي) إلى الخنساء، و(ترجيل) إلى القادسيّة، و(ينيجة) إلى حي الصحفيين.

ولم يكتفِ النظام بتغيير أسماء القرى والأحياء التركمانيّة، بل امتدّت خطّة التغيير حتى إلى أسماء فِرق كرة القدم الرياضيّة، فأصبح اسم فريق (بريادي) إلى فريق 7 نيسان، وفريق (كوك بولوط) ويعني (الغيمة الزرقاء) إلى فريق تل الزعتر، وفريق (ماوي يلدز) إلى فريق شباب يرموك، وفريق (عاصفة المصلى) إلى شباب الخليج العربي، وفريق (قارداشلق) وتعني (الإخاء) إلى فريق شباب التأميم، وفريق (تسعين) وهو (اسم حي بكركوك) إلى فريق شباب البعث.

  7.حرمانهم من العمل في الدوائر الحكوميّة

قام النظام السابق بحرمان المواطنين التركمان من التعيين والعمل في الدوائر الرسميّة، كما أنّه في عام 19/9/1992 بدأ بحملة طرد للموظّفين، حيث قامت الدوائر الرسميّة في كلّ من تكريت وبيجي وطوز خورماتو وكركوك بطلب معلومات عن الموظّفين التركمان، وذلك تمهيداً لتطبيق مآربها في طرد أعداد منهم من وظائفهم وأعمالهم.

كما قام النظام بطرد العمّال التركمان من المشاريع الحكوميّة في منطقة كركوك كمشروع (آق صو) المائي بطوز خورماتو وشركة النفط العراقيّة وغيرها، وإحلال عمّال عرب بدلاً عنهم...

 ومن أغرب قرارات النظام  ما أصدره مؤخّراً عام 1997 القاضي بعدم منح هويّة شخصيّة لكلّ مَن يحمل لقب يدلّ على أصوله التركيّة، وسحب الهويّات من هذا القبيل عند مراجعة الدوائر بها من قِبل حامليها... ليس هذا فقط، بل إنّه قام بمنع تأجير محطّات تعبئة الوقود إلى المواطنين الغير العرب ومنهم التركمان..!!

8.    أحكام الإعدام والسجن بحق التركمان

أقدمَ النظام المباد خلال العامين (١٩٧٠ و١٩٧٣) على تنفيذ العديد من أحكام الإعدام، وذلك عندما اكتشفت الأجهزة الأمنيّة محاولات تأسيس حزب سياسي تركماني تحت غطاء نادي الإخاء التركماني في بغداد، وأعدمَ (26) شاباً منهم. والسبب الآخر هو حساسيّة الحكومات السابقة ومعاملتها لهم كطابور خامس لتركيا، بحيث أصبحوا موضع الشك الدائم حتى باتت تلاحقهم هذه التهمة الواهية في حلّهم وترحالهم.

 والدليل على هشاشة هذه التهمة وبطلانها، هو عدم إلقاء القبض في تاريخ العراق الحديث على أيّ تركماني أو محاكمته أو إعدامه بتهمة التجسّس لصالح تركيا أو لأيّ جهة أجنبيّة!!

كان النظام ومنذ وصوله إلى السلطة يقوم بملاحقة المواطنين التركمان وتوجيه تُهم وهميّة لا أساس لها ضدّهم، تارةً بتهمة الانتماء إلى تنظيمات سرّية، وأخرى بتهمة الارتباط بجهةٍ خارجيّة. وبعد حرب الخليج بتهمة الانتماء إلى الأحزاب والحركات التركمانيّة العاملة في ساحة المعارضة العراقيّة.

 وقد تعدّدت الذرائع التي من خلالها أعطوا لأنفسهم الحقّ في أن يمارسوا ضدّ التركمان ـ خلال الاعتقال ـ أفضع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وفي الغالب تصدر بحقّهم أحكام جائرة ودون إثبات التُهم الموجّهة إليهم.

وكذلك في حادثة أو مجزرة (آلتون كوبري) التي لا يمكن أن ينساها أهالي كركوك التي وقعت في سنة 1991، عندما شارك التركمان والأكراد في مدينة كركوك إخوانهم العراقيين في الانتفاضة الشعبيّة ضدّ سياسة الدكتاتوريّة التي مارسها نظام البعث السابق.

وفي أحد أيّام شهر رمضان المبارك المصادف للثامن والعشرين من آذار 1991، ارتكبَ الحرس الجمهوري الصدّامي في مدينة (آلتون كوبري) التركمانيّة مجزرة أخرى، حيث قامت قطعات عسكريّة بالتوجّه إلى المناطق الساخنة آنذاك ومن ضمنها محافظة كركوك وأطرافها، وقصفت المنازل فبدأ الرعب والذعر لدى الأهالي، فخرجوا من منازلهم للبحث عن مكانٍ آمن بعكس اتجاه سير القطعات العسكريّة، فاختاروا منطقة (التون كوبري)، إلاّ أنّ رتلاً عسكرياً قطعَ طريقهم، حيث قام أحد أفراد ألوية الحرس الجمهوري بفرز جميع الذكور (شباباً وشيوخاً وأطفالاً) تركماناً كانوا أم أكراداً، وعزلوهم عن أهاليهم في منطقة قريبة من قضاء الدبس، وفتحوا عليهم النار وقتلوا 102 بريئاً وهم صائمون ورموهم في حفرةٍ واحدة (مقبرة جماعيّة).

وهذه بعض أسماء التركمان الذين استشهدوا في هذه المجزرة البشعة: أرشد خورشيد، عصام عثمان جميل، محمد خالد صالح، عدنان خالد صالح، آتيلا أحمد، عامر مدحت عزّت، هاني مدحت عزّت، عصام مدحت عزّت، طارق بايز، عدنان بايز، صائب فنار قادر، عامر محمد خورشيد، جنيد سعد بهجت، ملك فيصل سلمان، شعلان فيصل سلمان، هشام إحسان علي رضا، إحسان علي رضا، سعود خطاب مرتضى، منصور مظلوم نوري، نور الدين مظلوم نوري، جنكيز مظلوم نوري، ندام رشيد حيرول، سلام رشيد حيرول، عماد محمد رشيد، عبد الرحمن مشير رضا، حسيب مشير رضا، هاشم محمد توفيق، قاسم محمد توفيق، أحمد أنور، نوران أحمد، عزيز علي، نجيب سعيد صالح، حازم أنور عشا..... وغيرهم.

إنّ هذه المجزرة هي من أفظع المجازر التي تعرّض لها التركمان في أرض العراق بعد مجزرة كركوك عام 1959، وكان النظام السابق يهدف من وراء تلك المجزرة إلى طمس الهويّة القوميّة للشعب التركماني، وإجبارهم على الهجرة وترك دورهم وأراضيهم ومناطقهم التي عاشوا فيها لآلاف السنين.

 9.الالتفاف حول قرار منح الحقوق الثقافيّة والتعليميّة للتركمان 

أعلنَ النظام ضمن خطّة الاحتواء وعلى مسار التكتيك السياسي عن منح التركمان حقوقهم الثقافيّة والتعليميّة للتركمان، وذلك بإصدار قرار من مجلس قيادة الثورة رقم 89 في 24 كانون الثاني1970... الذي جاء صدوره قبل ستّة أسابيع فقط من إعلان اتفاقيّة 11 آذار  1970.. ما يعني ذلك بوضوحٍ تام أنّ النظام استهدف من ذلك إيهام الشعب العراقي والعالم بالتظاهر بالديمقراطيّة والتقدّميّة من جهة، والإيحاء بأنّ إعلان اتفاقيّة 11 آذار لمنح الأكراد الحكم الذاتي لم ينبع من موقع الضعف إزاء الحركة الكرديّة، وإنّما أملته المبادئ التي يؤمن بها حزب البعث الحاكم من التقدّميّة والحرّية والاشتراكيّة!! وعليه منح الحقوق الثقافيّة والتعليميّة للتركمان.

ولم يمرّ الوقت طويلاً حتى انكشفت عدم التزام النظام بكلّ التعهّدات والمواثيق والاتفاقيات التي أبرمها، سواءً مع الدول أو الأحزاب أو التيّارات السياسيّة، حتى على صعيد الوعود التي قطعها على نفسه للأفراد أو الجماعات أو الفئات... وبات من المعلوم حينما يضطرّ على الإقرار بحقّ الغير، يعطيه بيد ويخطّط في نفس الوقت لاسترداده بيد أخرى بعد حين.

وعلى هذا المنوال التفّ النظام على قراره المذكور حال وضعه موضع حيّز التنفيذ، حيث قام النظام بتعيين موظّفين موالين للحزب وغير مرغوبين من قِبل التركمان في مديريات التعليم والثقافة التركمانيّة...

  ومن جانب آخر لم يسمح النظام بفتح العدد المطلوب من المدارس، بل أذن لفتح 120 مدرسة فقط، علماً أنّه كانت الحاجة إلى 200 مدرسة. ولم يدُم التدريس بالمدارس المفتوحة كثيراً، حيث أغلقها أو ألغى التدريس باللغة التركمانيّة فيها تباعاً، ولأجل تنفيذ ذلك اتّبع الأساليب الخبيثة التالية:

1ـ قام مدير التربية في محافظة كركوك عز الدين سردار بنقل المعلّمين والفنّانين التركمان من المناطق التركمانيّة وتعيينهم في المدارس العربيّة والكرديّة، وبعضهم إلى خارج المحافظة، وبالتالي تقرّر إلغاء التدريس باللغة التركمانيّة في تلك المدارس بحجّة عدم وجود المعلّمين لتدريس اللغة المذكورة.

2ـ اللجوء إلى جمع التواقيع وتنظيم المضابط المزيّفة باسم أولياء الطلاّب، مفادها عدم الرغبة بتدريس أولادهم باللغة التركمانيّة، ولهذا الغرض شرعَ النظام إلى تعيين قائمقامين ومدراء نواحي من البعثيين في المناطق التركمانيّة، وكذلك قام بتعيين مختارَين من العرب في المناطق التركمانيّة قاموا بتزوير التواقيع وتقديم المضابط المزيّفة إلى السلطات.

3ـ كما قام بتحويل المدارس التركمانيّة التي كان قد فتحها بموجب هذا القرار إلى مدارس عربيّة مع تغيير أسمائها التركيّة... وعلى هذا الأساس تمّ تحويل اسم مدرسة ييلدزلار (النجوم) إلى الفجر الجديد، ومدرسة ده ده هجري (اسم شاعر تركماني معروف) إلى محمد بن قاسم الثقفي، ومدرسة يدي قارداش (الأخوة السبعة) إلى البعث ثمّ إلى قادسيّة صدّام، ومدرسة قره آلتون (الذهب الاسود) إلى 8 شباط، ومطلو  (السعيد) إلى النصر، و(شانلي) إلى ذات الصواري، ودوغرولوق (الصدق) إلى عمر بن عبد العزيز، 24 اوجاق إلى أسامة بن يزيد ، (آق طاش) إلى المتنبّي (وإيلري) (التقدّم) إلى ابن الهيثم وغيرها.

وفيما يخصّ الحقوق الثقافيّة فقد عمدَ النظام إلى الحط من مستوى الثقافة التركمانيّة وتفتيتها، ولتنفيذ هذا الغرض اتّخذ الإجراءات المماثلة التالية:

1- أجرى بعض التعديلات على القرار، ألزمَ بموجبها إصدار الصحف والمجلاّت باللغتين العربيّة والتركيّة القديمة.

2- إنّ الإجراءات التطبيقيّة جاءت مجافية لأماني التركمان ومعارضة لمطالبهم، وبشكلٍ يخالف روح إقرار الحقوق الثقافيّة، ممّا أدّى إلى تجميد هذه الحقوق وعدم الاستفادة منها إطلاقاً، ومثال ذلك:

أـ رفضت وزارة الداخليّة الطلب المقدّم من لفيفٍ من المثقّفين التركمان لتأسيس (اتّحاد أدباء التركمان)، ومنحت الإجازة إلى جماعة لا يمثّلون التركمان وليسوا أدباءً وحتى لا يعرفون اللغة التركيّة وآدابها، وكانت النتيجة أن أصبح الاتّحاد مجمّداً لجهل أعضائه اللغة التركيّة!!..

ب ـ عهدت وزارة الإعلام أمر إصدار جريدة (يورد) التركمانيّة إلى فئةٍ لا يمثّلون التركمان وليست لهم علاقة بالجماهير والمثقّفين... فصدرت الجريدة هزيلةً لا تباع منها أكثر من خمسين نسخة أسبوعيّاً. ونشرت العديد من المقالات التي فيها دسّ واتّهام المخلصين التركمان بالافتراءات الباطلة والتهديدات الصريحة.

ج ـ عهدت وزارة التربية أمر (مديريّة الدراسات التركمانيّة) إلى موظّف ضعيف القدرة وقليل الخبرة، فهو غير أهل للقيام بالمهمّة وليست له الرغبة في مثل هذا العمل، وأصبحت المديريّة مجمّدة.

د ـ عيّنت وزارة الإعلام في مديريّة الثقافة التركمانيّة أشخاصاً لا يمتّون بصلة إلى المثقّفين التركمان، فأصبحت المديريّة عاطلةً عن العمل.

 هـ ـ أناطت المؤسّسة العامّة للإذاعة والتلفزيون أمر الإذاعة التلفزيونيّة التركمانيّة والبرامج التركمانيّة في تلفزيون كركوك إلى نفس الأشخاص الذين تولّوا المرافق المذكورة أعلاه، فأصبحت البرامج هزيلةً ولعبت المصالح والمنافع الشخصيّة دورها للكسب المادّي على حساب المستوى الإذاعي، فصارت الإذاعة التركمانيّة أداة تخريب للثقافة التركمانيّة، على أثرها قدّمت اللجنة المؤلّفة من رئيس وعضوين من أعضاء نادي الإخاء التركماني مذكّرة بهذا المفهوم إلى وزير الداخليّة ...

من جهة ثانية، كانت الغاية ـ كما باتت واضحة ـ هي كسب الوقت لحين إعداد الخطط وحشد الإمكانات اللازمة لإخماد الحركة المسلّحة الكرديّة واحتوائها، وحلول الوقت المناسب لمعالجة مسألة وجود التركمان في العراق، لذا فإنّ منح الحقوق الثقافيّة والتعليميّة للتركمان وسحبها بعد فترة قصيرة، لم يكن سوى عمليّة التضليل والاحتواء، يتبعها سياسة قسريّة مبرمجة تهدف إمحاء وجودهم التاريخي من جذورها، ولكن قبل ذلك قد يكون من المفيد إلقاء نظرة أوّلاً على سياسة التضليل والاحتواء فيما يخصّ بسيناريو منح الحقوق الثقافيّة والقوميّة للتركمان وكيفيّة سحبها....

يستخلص ممّا تقدّم: أنّ النظام منذ سطوه على الحكم اتّبع ضدّ التركمان سياسة الاحتواء، ومن ثمّ سياسة الدمج القسريّة وفرض بموجبها عليهم مغادرة مناطقهم ومسح قراهم، وإجبار الكثير من أبناء القوميّة التركمانيّة على تغيير قوميّته، ومَن رفضَ زُجّ به في السجون والمعتقلات، ومَن رفعَ صوته معترضاً على الغدر والظلم الذي حاق بأبناء قومه سِيق إلى القتل والإعدام دون وجه حق قانوني.

 صلالثاني: الفيليّة أنشودة العذاب

 

 



([1])  تركمان العراق تأريخهم ومناطقهم وثقافتهم: 16.

([2])  التأريخ السياسي لتركمان العراق: 34.

([3])  التأريخ السياسي لتركمان العراق: 33.

([4])  فتوح البلدان: 322.

([5])  مآثر الكبراء في تأريخ سامراء: 1/93 ـ 48.

([6])  معجم الأنساب والأُسر الحاكمة في التأريخ الإسلامي: 333.

([7])  تاريخ الدولة الإسلاميّة في الشرق.

([8])  الدولة العثمانية عوامل السقوط والنهوض: 1/254.

([9]) تاريخ العراق بين احتلالين: 3/328.

([10])  بلديات العراق في العهد العثماني: 51 ـ 52.

([11])  تاريخ القباني: 255.

([12])  أزمة كركوك السياسيّة الاثنية في النزاع والحلول التوافقيّة: 48، جدول (2).

([13])  السطوح المتصارعة: 68 ـ 70.

([14]) الوقائع العراقيّة: العدد 2856/2/11/1981.

([15])  التاريخ السياسي لتركمان العراق: 213.

([16])  التاريخ السياسي لتركمان العراق: 214.

([17])  أزمة كركوك السياسيّة والاثنية في النزاع والحلول التوافقيّة: 52 ـ 57.