دراسة :الفيليّة أنشودة العذاب

حسين جلوب الساعدي

رئيس مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية

 

هي شريحة من اللور التي تُنسب إلى الأكراد، تقطن المناطق الحدوديّة من العراقوإيران ابتداءً من مناطق جلولاءوخانقينومندلي شمالاً إلى منطقة علي الغربي جنوباً، مروراً بمناطق بدرةوجصّانوكوتوالنعمانيّةوالعزيزيّة، وتقع أغلب هذه المناطق في محافظة واسط العراقيّة إضافة إلى بعض مدن محافظة ميسان وشرق محافظة ديالى.

 كما ينتشر الفيليون في مناطق أخرى من العراق منها: زرباطية، وجلولاء، والسعديّة، وشهربان، ومناطق من الحي، والصويرة، والنعمانيّة، والبصرة، والحلّة، والديوانيّة، إضافة لانتشارهم الواسع في بغداد وتحديداً في محلاّت باب الشيخ، وعگد الأكراد، ومحلّة الصدريّة، وسراج الدين، ومحلّة البيتاويين والقشل، ومحلاّت الدهانة والشورجة، وسوق الغزل وصبابيغ اللآل،  كذلك العوينة، والتسابيل، وگهوة شكر، وفضوة عرب، ومناطق من الكاظميّة، ومدينة الحريّة والعطيفيّة، وشارع فلسطين، ومنطقة العقاري، وحي الأكراد في مدينة الصدر.

أمّا من الجانب الإيراني فتتوزّع مناطق الفيلية والذين يسمّون اللُر في منطقة لورستان وتشتمل علی محافظات كرمانشاهوعيلاموخوزستان، ومدنها من الشمال إلى الجنوب هي خسروي، وقصر شيرين، وكرمانشاهوإسلام آباد غرب وسربل ذهاب، وعيلاموبدرة الإيرانيّة ومهرانوأنديمشك التي تحاذي الجنوب العراقي في محافظة ميسان.

يسمّی موطن الفيليّة باسم (لورستان) أو لرستان، يقال لها في العراق: الفيليّة، وفي إيران اللوريّة.

يدينون الفيليّة بديانة الإسلام، وهم من الشيعة وعلى المذهب الإمامي الاثني عشري، ولهجتهم اللوريّة تختلف عن مثيلاتها في كردستان العراق وإيران بعض الشيء، حيث تسمّى اللهجة اللوريّة.

سكن الفيليّة في عاصمة العراق بغداد وكان العديد منهم يزاول النشاط التجاري فيها، وقد تمّ إبعاد الكثير منهم قسراً من العراق إبّان حكم رئيس العراق أحمد حسن البكر في عام 1970، وإبّان حكم الرئيس صدّام حسين في نيسان/أبريل 1980، بحجّة التبعيّة لإيران.

أمّا أشهر عشائرهم في العراق، فهم: كلهور، قره لوس، لور، أركوازي، باولي، سويره ميري، خزل، هواسي، لك، شوهان، زركوش، قيتويل، ملكشاهي، كورده لي، علي شيروان، كلاواي، هيني مني، ماليمان، وغيرهم.

إنّ عدداً كبيراً من الفيليّة في العراق لا يُتقن اللغة الكرديّة ويتكلّم اللغة العربيّة بحكم الاختلاط الطويل بالعرب ومناطق سكنهم بين العرب ومنذ أمد طويل، حتى تناسوا لغتهم الأصلية بحكم تواجدهم وتعايشهم وانسجامهم مع أبناء بلدهم من العرب، واندماجهم بالعشائر العربيّة من خلال التحالف والمصاهرة.

الفيليون في العراق عبر التأريخ :

سكن الفيليون شرقي نهر دجلة منذ أقدم العصور.. إنّ الرئيس عبد الكريم قاسم عندما التقى بوفد من الكورد الفيليين أوائل ثورة 14 تموز، أكّد في كلمةٍ ألقاها فيهم بمبنى وزارة الدفاع: (إنّ الفيليين هم سكّان شرقي دجلة الأصليّون). فشرقي دجلة هو موطنهم الأصلي قبل الفتح الإسلامي للعراق..

 وقد شيّدوا أقدم الحضارات في التاريخ.. منها: الدولة الميديّة، والدولة الإيلاميّة، وغيرها من الدول. وقد دخل الفيليون الدين الإسلامي منذ أيام الفتح الإسلامي وساهموا بشكل فعّال في بناء الدولة الإسلاميّة، واختلطوا بالوافدين إلى العراق وتجانسوا معهم. 

كما كان للفيليين دورٌ بارز ومشهود في جميع الانتفاضات التي حدثت في العهد الملكي، جنباً إلى جنب مع إخوانهم العراقيين، فخرجوا ضدّ معاهدة 1930، ومعاهدة بورت سموث، وانتفاضة كانون ووثبة الجسر، كذلك تأييدهم لمصر في العدوان الثلاثي، ومساندة ثورة 14 تموز عام 1958، فضلاً عن دورهم المشهود في مقاومة ردّة شباط، حيث تصدّوا لتلك الردّة السوداء وقدّموا التضحيات الجسام، على سبيل المثال الشهيد لطيف الحاج ورفاق له في الأحزاب الوطنيّة.

فضلاً عن أنّهم وقفوا في وجه البعث عام 1963 في ملحمة عكد الأكراد ببغداد التي لا يمكن أن تزول من الأذهان، وقد سجّلها لهم التاريخ بكل عزٍّ، بالإضافة إلى دورهم الكبير في الأحزاب والحركات السياسيّة الوطنيّة..

 في الحزب الشيوعي كان عزيز الحاج سكرتيراً للقيادة المركزيّة (الكفاح المسلّح)، وفي الحزب الديمقراطي الكوردستاني كان الدكتور جعفر محمد كريم من المؤسّسين مع الملا مصطفى البارزاني، وكان حبيب محمد كريم سكرتيراً للحزب الديمقراطي الكوردستاني، كذلك يد الله كريم وياسين محمد كريم وزكية إسماعيل حقّي كان لهم دورهم المعروف. ..

 أمّا في الاتحاد الوطني الكوردستاني فكان من المؤسّسين مع مام جلال متمثّلاً بالأستاذ عادل مراد وعبد الرزاق الفيلي ممّن أدّوا نشاطاً ثورياً في الاتّحاد، كذلك الشهيد سلمان داوود، والشهيد جوامير، والشهيد جبار فرمان، والقائمة تطول..

وفي الحزب الديمقراطي الكوردستاني كانت الشهيدة ليلى قاسم ورفاقها الذين أُعدموا معها رموزاً شامخة ومدعاة للفخر في كلّ زمانٍ ومكان، و لهم دورٌ متميّز في الحركة الإسلاميّة في العراق، فكان منهم قياديون في حزب الدعوة الإسلاميّة كالشيخ محمد سعيد النعماني، ومنهم مَن أسّس حركات ومنظّمات ساهمت في العمل السياسي لمعارضة النظام البعثي وشاركت في إدارة وبناء الدولة العراقيّة الجديدة.

كما كان للدعم المالي الذي يقدّمه الفيليون للقوى الوطنيّة والمرجعيات الدينيّة مصدراً للسخط الدائم من قِبل السلطات تجاههم، خاصّة وأنّهم اشتهروا بالتجارة ولهم في ذلك باعٌ طويل.

تعدادهم عام 1947م:

كان يبلغ تعداد الفيليّة عام 1947 م حسب أرقام وردت من وزارة الشؤون الاجتماعيّة آنذاك، يقدّر بـ 30 ألف نسمة، وبذلك كانوا يشكّلون 0.6% من سكّان العراق آنذاك، حيث كان يسكن حوالي 14 ألف نسمة منهم في المدن، في حين يسكن 16 ألف نسمة منهم في الريف. أمّا الآن فلا توجد إحصاءات رسميّة لعددهم في العراق، وحسب التقديرات يبلغ عددهم حوالي أكثر من مليوني ونصف مواطن منتشرين على مناطق العراق المختلفة.

الانتهاكات التي تعرّض لها الفيليون:

الفيليون من مكوّنات الشعب العراقي المهمّة التي تعرّضت لانتهاك حقوقها والتهديد بوجودها، بعد إسقاط الجنسيّة العراقيّة وعمليات التهجير ومصادرة الأموال وتغييب أبنائهم في السجون، فكان الظلم والاضطهاد والحيف الذي لحقهم يستدعي وقفة تأمّليّة بعد الاطّلاع على الانتهاكات، مقرونة بالوثائق والأدلّة لتكون شهادة على جرائم النظام الدكتاتوري نذكرها فيما يلي:

 

1. التهجير القسري

تعود بدايات التهجير القسري للمكوّن الفيلي إلى عام 1963، ويكمن إرجاعها إلى الأسباب السياسيّة، حيث تعرّضوا للاضطهاد من حكم البعث في الشهور التسعة من الحكم الفاشي الذي ارتكب أبشع الجرائم والانتهاكات لحقوق الإنسان على يد ما سمّي آنذاك بـ (الحرس القومي)، وهي ميليشيات حزبيّة بثياب عسكريّة ارتكبت أبشع الجرائم ضدّ الكثيرين من أبناء الشعب العراقي.

ومن أشدّ هذه الإجراءات إلغاء ونكران عراقيّتهم وتهجيرهم إلى الخارج بين فترةٍ وأخرى بشكل غير قانوني وبدون وجه حق وعلى نطاق واسع، خاصّة أعوام (1969م و1971م و1973م)، وبشكلٍ شبه شمولي ومنتظم وعدواني وفي مختلف مناطق العراق في بداية ثمانينيات القرن الماضي حتى عام 1990.

بعد قيام الثورة الإسلاميّة في إيران عام (1979) أُذيع بيانٌ من وزارة الداخليّة يطلب فيه من العشائر الكورديّة في بغداد والمحافظات الأخرى مراجعة دوائر الجنسيّة لتزويدهم بشهادات جنسيّة عراقيّة، وقد سمّى البيان العشائر بالاسم.

 وفي اليوم التالي توجّه المئات منهم نحو هذه الدوائر وسجّلوا أسماءهم وعناوينهم وأرقام هواتفهم، وتمّ تنظيم إضبارة لكلّ عائلة، رغم أنّ هذه العوائل هي من سكنة بغداد أباً عن جدّ ولهم أملاكهم وأولادهم الذين خدموا في العسكريّة أي (يحملون هويّة الأحوال المدنيّة ودفتر الخدمة العسكريّة)، وأغلبهم سبق وأن قدّم للحصول على هذه الورقة عشرات المرّات، وقال بعضهم: لقد جاء الفرج أخيراً، ولم تكن هذه العوائل تدري ما يخبّئه المستقبل لهم ولأولادهم.

 ومرّت الأيام والأسابيع حتى دخل العام الجديد (1980)، ومع الاقتراب من شهر نيسان وتحديداً ذلك اليوم المشؤوم، يوم ولادة البعث في نيسان، حيث كان طلبة الجامعة المستنصريّة يحتفلون رغماً عنهم، بحضور طارق عزيز ومحمد دبدب، في ذلك اليوم انفجرت رمّانة يدويّة على جموع الطلبة، وفي الوقت نفسه أطلق رجال الأمن على شاب اسمه (سمير غلام) وابلاً من الرصاص وألصقوا التهمة به.

 وفي المساء تمّ إلقاء القبض على عائلته المسكينة في دارهم قرب ساحة بيروت في شارع فلسطين، والكاميرا تصوّر مشاهد من رقائق معدنيّة وذخيرة وأسلحة، والمذيع يوجّه اتّهاماته إلى إيران وعملائهم في العراق!!.. (انظر: الوثيقة المرفقة)،  وقال المذيع: إنّ هذه العائلة المعتدية هي من التبعيّة الإيرانيّة ومن عملاء إيران.

وعند منتصف الليل بدأت الهجمة الشرسة على العوائل الفيليّة واقتيدت هذه العوائل وحُشرت داخل حافلات كبيرة من دون رحمة ولا شفقة، والأطفال في ملابس النوم يتباكون، ولا تعلم هذه العوائل أين سيكون مصيرها. وما هي إلاّ سويعات ومع انبلاج الفجر حتى وجدوا أنفسهم في أرض غير مأهولة والجبال تحيطهم من كلّ الجوانب، وأنزلوهم من الحافلات تحت تهديد السلاح والسير في اتجاه مليء بالمصاعب والألغام، ولم ينفع توسّل وبكاء الأمّهات والأطفال.

 وبعد مسير يومٍ كامل وجدوا أنفسهم بالقرب من قرية إيرانية واستُقبلوا من قِبل الجنود الإيرانيين، وها هو المستقبل الذي كنّا نخافه قبل أشهر أصبحَ الهاجس واقعاً، واستمرّت الحملة الشرسة تجاه الفيليين.

 وما هي إلاّ أيام قلائل حتى حاك صدّام مؤامرة أخرى وهي مشكلة السفارة الإيرانية...!! وهي لا تختلف عن الحوادث المصطنعة التي كان يخطّط لها أزلامه، انطلقت التظاهرة الاحتجاجيّة من المستنصريّة واتّجهت نحو السفارة الإيرانيّة، حيث كانت الجموع تهتف ضدّ النظام الإيراني، ومعها انطلقت إطلاقات ناريّة باتجاه المتظاهرين من مصادر مختلفة مجهولة، فأدّى الحادث إلى جرح العشرات ونُقلوا إلى المشافي. وفي المساء زارهم صدّام وحلفَ بأغلظ الأيمان بأنّه سينتقم من الإيرانيين ومن عملائهم (يقصد الفيليين)..!!

واستمرّت الحوادث المفبركة التي كان يحيكها في الظلام، وكان افتعال الأزمات من قِبل أزلامه أمراً سهلاً جدّاً.

 

كما أنّ ما صدر عن لسان المقبور صدّام من كلمات بحق الكرد الفيليين في 26/2/1981، والذي نشرته جريدة الثورة آنذاك عن صدّام قوله: (اجتثّوا هذه الشريحة من أرض العراق لكيلا يدنّسوا تربة العراق، ولا يدنّسوا هواء العراق، ولا يدنّسوا دماء العراق عندما تندمج دماؤهم بدماء العراقيين بالتزاوج ...)، لهو خير دليل على نيّة النظام البعثي في القضاء على هذه الشريحة.

وفي عام (1980) لا يمكن أن ينسى العراقيون القرار السيء الصيت المرقّم (666)، والذي بموجبه تمّ إسقاط الجنسيّة العراقيّة عن الكورد الفيليين والتي مُنحت لهم بالقانون.

وبموجبه أطلقت السلطات الصداميّة يدها لإبعاد مئات الآلاف من العوائل الفيليّة خارج الحدود ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة، كما تمّ تمزيق الوثائق الرسميّة والثبوتيّة لهذه العوائل (الجنسيّة العراقيّة، هويّة الأحوال المدنيّة، شهادة الجنسيّة العراقيّة، دفتر الخدمة العسكريّة، رخصة القيادة، هويّة غرفة التجارة بالنسبة للتجّار، هويّة اتّحاد الصناعات العراقية بالنسبة لأصحاب المشاريع الصناعيّة، وثائق الممتلكات، الشهادات المدرسيّة والجامعيّة ...)، علاوة على انتزاع أكثر من عشرة آلاف شاب وصبي فيلي من أحضان عوائلهم.

بدأت أوسع عمليات تهجير وتسفير الكورد الفيليين في 4/4/1980، حيث تمّ تهجير العوائل الفيليّة بطريقة مزاجيّة غير مستندة إلى أسس ثابتة، فقد تمّ تسفير بعض الأفراد من العائلة وترك الباقي، كأن يسفّر الأب ويُترك الأبناء والزوجة، أو تسفير الزوجة والأبناء وترك الوالد، أو تسفير شقيق وترك الآخر، فهل يصحّ أن ينتمي أسرة واحدة إلى دولتين؟؟...

جرت غالبيّة هذه العمليات تحت جنح الظلام ممّا سبّب موت العديد من الشيوخ وكبيرات السن، والأطفال الذين لم يبقَ عندهم القدرة والطاقة والقوّة على الاستمرار بالسير في الظلام وفي البرد في تلك المناطق الجبليّة، بعد أن تمّ وضعهم في شاحنات وباصات أكثرها عسكريّة دون السماح لهم بأخذ أيّ شيء معهم سوى ملابسهم التي عليهم، ومُنعوا من أخذ الماء والأكل لهم ولأطفالهم (حتى الصغار منهم..!! )، وتمّ أخذهم شباباً وشيوخاً، نساءً ورجالاً وأطفالاً، وحتى المعوّقون والنساء الحوامل والرُضّع إلى الحدود (البوّابة الشرقيّة..!! )، وأمروهم بالسير على الأقدام في مناطق جبليّة وعرة أحياناً، على ألاّ يلتفتوا أو ينظروا إلى الوراء أبداً، وإلاّ سيطلقون النار عليهم ويقتلوهم هناك، وما كان منهم سوى أنّهم انهاروا من التعب وتوفّى عددٌ منهم هناك.

 كما قام قسمٌ من حرّاسهم من أزلام النظام البائد الذين أخذوهم إلى تلك المناطق الحدوديّة بإطلاق النار على كلّ مَن يتخلّف عن المسير، حيث كان يتمّ إطلاق عدّة عيارات ناريّة في الهواء بقصد ترهيبهم، وعلى إثر ذلك مات وفُقد العديد من المهجّرين أثناء عمليات التهجير بسبب قسوة الظروف.

 كذلك وجود الألغام الأرضيّة بالإضافة إلى قذائف المدافع والطائرات عندما تطلّبته الحرب الطاحنة بين العراق وإيران، وفي بعض الأماكن كان المشي سيراً على الأقدام لمسافات طويلة (تعدّ بالأيام) في المناطق الوعرة، خاصّة في المناطق الجبليّة في كوردستان وفي جو قاسي وبدون ماء وطعام، ناهيك عمّا تعرّض له هؤلاء البشر قبل نقلهم للمناطق الحدوديّة من سجنٍ وتعذيب..

 وبسبب كون النخبة بين الكورد الفيليين كانت تتمتّع بقوّة اقتصاديّة ملموسة في مجال تجارة الجملة، فإنّ حملة التهجير الواسعة في بداية الثمانينيات من القرن الماضي بدأت بأسلوب الكذب والخداع والمكيدة والغدر البعثي النتن المعروف (ملازمة لقيادة البعث المجرم والتي ربّت قواعد الحزب المجرم عليها منذ البداية)، عن طريق دعوة التجّار الكبار من الكورد الفيليين إلى اجتماع في غرفة تجارة بغداد لمناقشة موضوع تصاريح وإجازات استيراد جديدة ولبحث قضايا اقتصاديّة مهمّة.

 وعند حضور التجّار إلى مكان الاجتماع قامت قوّات الأمن بغلق كلّ الأبواب ونوافذ المكان، ثمّ تمّ أخذ جميع الأوراق والوثائق الرسميّة وغير الرسميّة منهم، إضافة إلى نقودهم وساعاتهم وأختامهم وكلّ شيء آخر كان معهم، وتمّ تفتيشهم للتأكّد من عدم بقاء أي شيء بحوزتهم سوى الملابس التي كانوا يرتدونها، ونُقلوا من هناك إلى مديريّة الأمن العامّة في بغداد.

 وبعد استجوابهم والتحقيق معهم أُخذوا إلى الحدود دون إخطار أو إعلام أُسرهم أو ذويهم بذلك، بعد معاناة قصيرة أو طويلة أصاب أغلب هؤلاء التجّار الكآبة والوهن لما تعرّضوا إليه على يد سلطات دولة البعث الفاسقة، ومات الكثير منهم بالسكتة القلبيّة أو الجلطة الدماغيّة.

لقد بلغَ مجموع العراقيين المهجّرين إلى إيران خلال الفترة من 4/4/1980 لغاية 19/5/1990 حوالي مليون فرد، حسب إحصائيات الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر بعد اتّهامهم بالتبعيّة لإيران .

 

صور توضّح عمليّة التهجير والتسفير التي تعرّض لها الفيليّة

 

2. اعتقال تجّار الفيليين ومصادرة أموالهم

اهتمّ الكورد الفيليون بالتجارة والصناعة، وتركّزت التجارة والمهن والأعمال الحرّة بأيديهم في أكثر المدن المدن الجنوبيّة، وخصوصاً في محافظة واسط وميسان وذي قار. وكان سوق الشورجة ببغداد مركزاً رئيسياً لتجارتهم وخاصّة في استيراد وتصدير المواد الغذائيّة كالشاي والسكّر والرز وغيرها...

 واشتهر بينهم تجّار أمثال الحاج (نوخاس مراد)، الذي كان له الفضل الكبير في تأسيس أوّل مدرسة ابتدائية أهليّة للكورد الفيليين في بغداد عام 1946، وقد تبرّع بدارين لاستخدامهما لهذا الغرض.

 كما اشتهر أيضاً الحاج (أحمد الأحمدي) والملقّب بحاج أحمد الكوردي، والذي تبرّع هو الآخر ببناية عند تأسيس الثانويّة الأهليّة الفيليّة عام 1958..

واشتهر عددٌ آخر من التجّار الكورد الفيليين البارزين أمثال: الحاج جاسم نريمان وأولاده، والحاج علي جان عزيز وعبد الرحيم الفيلي، والحاج إبراهيم حسين وأولاده، والحاج عبد علي محمد الذي شغل منصب رئيس غرفة تجارة بغداد في بداية الستينات، وغيرهم الكثير.

 وفي مجال استيراد وتصدير وصناعة الصابون ومشتقّاته اشتهر الحاج إبراهيم شمة الفيلي، وفي تجارة الأقمشة والذي كان شارع الرشيد مركزاً لهذه التجارة اشتهر الحاج عبد الأمير منصور، ونعمة فتاح، وشقيقه علي فتاح، وإلياس نور محمد، وأنور محمد، والحاج سليمان حسن جمثير وغيرهم.

 أمّا بالنسبة لتجارة الحديد والخشب والتي ازدهرت على أيدي الكورد الفيليين في شارع الشيخ عمر ومنطقة السباع وأبو سيفين، فقد اشتهر الكثيرون منهم: محمد علي وإخوانه، وعلي حيدر الفيلي، وإسماعيل كريم، وإسماعيل إبراهيم، وحيدر توفيق، ومحمد رضا علي، وعبد الرزاق الحاج شكر، وحميد الحاج هادي، وعلي أحمد حاتم، وإسكندر جعفر، والحاج ياور جعفر وغيرهم...

وفي تجارة الزجاج اشتهر الحاج محمد فرمان، وكان التجّار اليهود في الشورجة مسيطرين على هذه التجارة آنذاك...

وفي المقاولات اشتهرت الشخصيّة البغداديّة الفيليّة المعروفة حافظ القاضي الذي سمّيت ساحة في شارع الرشيد باسمه وإلى يومنا هذا...

كذلك امتاز الكورد الفيليون بتجارة الفواكه والخضر وتجارة الحبوب في أسواق (جميلة والعلاوي)..

 كما قام الكورد الفيليون بتأسيس العديد من المعامل الخاصّة بصناعة الأقمشة ومعامل الورق وأكياس النايلون ومعامل السجّاد، ومعامل للصناعات والحِرف اليدويّة والفنيّة وغيرها.

ومن أبرز الصناعيين آنذاك: الحاج فتاح محمد علي، ومالك محمد، وعبد علي الفيلي، ومحمد علي وإخوانه وغيرهم.

وفي تجارة التبوغ اشتهر عبد الحسين ملكي، وعباس خان الأنصاري، ومرزا الجابري، وعلي قنبر، ونور الله رسول وغيرهم.

من جانبٍ آخر كان أغلب عمّال (الشورجة والأسواق الأخرى) من الكورد الفيليين، وكان لهم دورٌ متميّز في حركة نقل البضائع والسلع وتحميلها من أعماق تلك الأسواق إلى محطّات ومجمّعات النقل السريع.

وكان هؤلاء العمّال يمتازون بأجسام قويّة وقدرات عالية، وتميّزوا بالمثابرة وبالإيمان الراسخ وحبّهم للعمل من أجل الخبز الحلال والابتعاد عن الحرام.

لقد عُرِف الكورد الفيليون بأمانتهم وصدقهم وكرمهم وتعاملهم الإنساني وتواضعهم مع الناس، واتّصفوا بالخُلق الرفيع والسمعة الطيّبة، كما كان لهم دورٌ كبير في تقديم الدعم المالي الذي كانوا يقدّمونه للقوى العاملة الوطنيّة والمرجعيات الدينيّة، فضلاً عن تميّزهم ومواقفهم الوطنيّة والشجاعة والمخلصة للعراق.

وقد قامت الأنظمة الجائرة خلال الأعوام 1971 إلى 1980 بحملات اعتقال وقتل وتهجير قسري طالت الكثير منهم ولا سيّما رجال الأعمال والتجّار الكبار، حيث قام النظام بحملة واسعة ضدّ تجار بغداد، وبحركة خداع ومراوغة، حيث دعاهم إلى اجتماعٍ في غرفة تجارة بغداد، وعند حضورهم أمر بإلقاء القبض على الكرد الفيليين منهم، وقام على الفور بتسفيرهم خارج العراق بتهمة التبعيّة الإيرانيّة.

يرجع تاريخ هذه الحادثة إلى عام 1980، فقد روى التاجر (حميد حاج هادي) وهو من مواليد (1944)، بغداد، باب الشيخ، محلّة سراج الدين، ومحلّه في الشورجة، ومن السهل أن نتصوّر ما حدث لهذا التاجر حين قال:

 كنت أعمل في تجارة المواد الغذائية إضافة إلى عملي في منطقة الشيخ عمر في تجارة الحديد والخشب، كنت أسكن في حي جميلة مع الوالدين وإخواني الخمسة، فنحن ثلاثة ذكور وثلاث بنات، نملك داراً تكفينا ومحلاّت وأراضي. كنّا ولا زلنا عائلة متماسكة نحبّ الأقارب والأصدقاء. تلقّينا دعوة من مديريّة الاستيراد والتصدير يوم 1/4/1980 لعقد اجتماع في غرفة تجارة بغداد في يوم 7/4/1980 للبحث والتداول في مسائل الاستيراد والتصدير.

 وفي اليوم المحدّد توجّهت كما توجّه غيري من التجّار إلى غرفة تجارة بغداد الكائن في شارع النهر، وكانت الساعة تشير إلى الثالثة من بعد الظهر، ودخلت إلى الاجتماع وكان العديد من التجّار الذين أعرفهم قد جلسوا في مقاعدهم وامتلأت القاعة بالحضور، ويقدّر عددهم بالمئات من التجّار.

 وبعد لحظات ارتقى المنصّة أحد الأشخاص وكانت عليه ملامح قاسية، وبعد السلام علينا طلب منّا أن نتوجّه إلى قاعة الخلد في منطقة كرّادة مريم عبر جسر الجمهوريّة، وكانت حجّته أنّ هذه القاعة صغيرة لا تسع لمئات التجّار. فتوجّهنا نحو البوّابة الخارجيّة وفوجئنا ونحن نسير وسط أشخاص لا نعرفهم ولم نشاهدهم سابقاً، وكانوا واقفين في صفّين ولم ينبسوا ببنت شفة.

وفي الشارع العام كانت تقف عشرات الحافلات (كوسترات) وأخذتنا الدهشة لهذا الاستقبال والتوديع، وكنّا في حيرة من أمر هذه التحرّكات المشبوهة. اتّجهنا نحو الحافلات وكان في كلّ حافلة أربعة رجال: اثنان جنب السائق واثنان خلف الحافلة.

تحرّكت الحافلات اتّجاه الباب الشرقي وبدلاً من عبور جسـر الجمهوريّة اتّجهت نحو ساحة الطيران، وعندما اعترضت على السائق فقال: (هش)[1]، فزاد ذلك من شكوكنا بأنّ شيئاً ما بانتظارنا.

وتوجّهت الحافلات نحو القصر الأبيض ووصلنا إلى دائرة الأمن العامّة عصـراً، وتغيّرت لهجة هؤلاء الرعـاع وأدخلونا إلى الشـعبة الاقتصاديّة وأمرونا بالجلوس أرضاً، وبسرعة جرّدونا من كافّة المستمسكات الثبوتيّة والأموال ودفاتر الصكوك التي كنّا نحملها في حقائبنا، وأخذوا يطلقون علينا الشتائم مثل: (إيرانيين! صفويين! تبعة! مجوس! عملاء!)، إلى غيرها من النعوت غير الأخلاقيّة التي لا تليق بنا كتجّار وكبار في السن وكان بيننا الشيوخ والمرضى.

 وسلّمونا استمارات خاصّة وأقلام لكي ندرج فيها بسـرعة المعلومات المطلوبة، وكانت الأسئلة تدور حول الاسم الرباعي وأسماء الأهل وحسابات البنوك والممتلكات المنقولة وغير المنقولة.

 وعند حوالي الساعة التاسعة مساءً من يوم 7/4/1980 ركبنا الحافلات نفسها وتوجّهنا نحو خانقين، وكان الصمت سيّد الموقف، ووصلنا إلى مركز شرطة خانقين وترجّلنا من الحافلات وكانت تنتظرنا سيارات عسكريّة نوع (ايفا)، نَقَلتنا هذه السيارات إلى الحدود على مقربة من نقطة الحدود العراقيّة (المنذريّة) المقابلة لنقطة حدود خسروي الإيرانيّة التي تبعد عنها مسـافة عشـر دقائق مشياً على الأقدام، وكان الوقت قد قارب الواحدة صباحاً من يوم 8/4/1980 والظلام الحالك يلفنا، وكنّا عطشى وجياع، وبحركة دنيئة وبدون أخلاقيّة أعطونا الوجهة غير الصحيحة المعاكسة بحيث كنّا نسير بمحاذاة الحدود الإيرانيّة ونحن لا نعلم، حتى انبلج الصباح وشاهدنا نقطة حدود إيرانيّة، وأدخلونا وجهّزونا بالماء والمأكل وعادت الروح لنا، وإلاّ كنّا قاب قوسين أو أدنى من الموت.

 ونقلونا إلى مخيّم قصر شيرين بعد أن زوّدونا بالملبس والطعام والشـراب بقينا لمدّة ثلاثة أيام. وفي اليوم الرابع فوجئنا بالمدفعيّة العراقيّة تدكّ المخيّم، وجُرح عددٌ من التجّار وحضر عدد من المسؤولين ونقلونا إلى العمق الإيراني.

وتابع التاجر حميد قوله: ما جرى لنا كان قبل الحرب بخمسة أشهر. وكانت لنا معاناة أخرى هي إبعادنا عن أهلنا وأولادنا ولم نعرف عن مصيرهم أيّ شيء. وبعد أسابيع التقينا مع عوائلنا بعد أن اطمأنّ البعض منّا، والبعض الآخر التقى بعائلته من دون الأولاد والشباب، وكان ذلك أشدّ وقعاً عليهم، ولا زالت هذه العوائل تنتظر.

ولم يسلم التجّار من استهداف النظام بعد هذه الحادثة، ففي عام (1992) وفي مسرحيّة لا يصدّقها إنسان وفي إحدى الصباحات ألقت الأجهزة الأمنيّة الاقتصاديّة القبض على عشرات التجّار، وكان من ضمنهم عدد من التجّار الفيليين وتمّ إعدامهم خلال يومٍ واحد فقط ومن دون محاكمة.

3. إبادة الشبيبة الفيليّة ((والله.. والله.. والله.. وبحقّ كلّ ذرّةٍ في تراب الرافدين.. الدماء الطاهرة التي سالت في المستنصريّة لن تذهب سُدى..)).هذه الكلمات قالها صدّام عندما تعرّض طارق عزيز خلال محاولة اغتياله في الجامعة المستنصريّة على يد سمير نور علي، وبهذه الإشارة اللئيمة أطلق صدّام حسين عنان أجهزته القمعيّة للهجوم على مئات الآلاف من المواطنين العراقيين العزّل في أماكن سكنهم وعملهم ودراستهم، بدون أخذ الجنس أو العمر أو الحالة الصحيّة أو وحدة العائلة بنظر الاعتبار، فالمداهمات كانت تحدث غالباً أثناء الليل، كان هؤلاء المواطنون يتعرّضون لشتّى أنواع الإهانات، من شتائم وضرب وتهديد على أيدي أجهزة الأمن، بالإضافة إلى حجزهم (لفترات مختلفة) وعزل الشباب العسكرين منهم والمدنيين.

إنّ عمليّة التهجير للكرد الفيليين عام 1980 كانت أوسع عمليّة تهجير في العراق... فالتهجير وعمليّات الإبادة  في العراق بدأ بالفيليين... وبهذا تعتبر عمليّة إبادة الشبيبة الفيليّة تلك أوّل عمليّة إبادة جماعيّة حقيقيّة في تاريخ العراق المعاصر، وعندما تمّ تهجير العوائل كان لهم أبناء يخدمون في الجيش العراقي.. فتمّ حجزهم في وحداتهم ومن ثمّ زجّهم في سجن نقرة السلمان..

 بعد ذلك تمّ تصفيتهم جسدياً عن طريق إجراء تجارب في السلاح الكيمياوي عليهم، أو أُعدموا ودُفنوا في مقابر جماعيّة قرب صحراء السلمان، ولم ينجُ منهم إلاّ شخصان أو ثلاثة أشخاص، في الوقت الذي كان عددهم يفوق 900 إنسان بريء.

 ففي البداية تمّ احتجاز الشباب والشابات من أبناء الفيليين المهجّرين منذ بداية التهجيرات في 4/4/1980م، والتي شملت كافّة المحافظات العراقيّة وبالأخص المحافظات الوسطى والجنوبيّة ومحافظة كركوك.

 وقد قُدّر عدد المحتجزين خلال الستة أشهر الأولى بأكثر من ( 20.000) ألف شاب وشابّة، وكان يزداد عددهم مع ازدياد أعداد هجرة مجموعات جديدة من العوائل إلى إيران، والكثير من هؤلاء المحتجزين كانوا من العسكريين، التحقوا بالجيش العراقي بناءً على طلب مواليدهم وتمّ توزيعهم على الوحدات العسكريّة في جبهات القتال.

 وبعد تدقيق هويّاتهم من قِبل الاستخبارات العسكريّة والفِرق الحزبيّة العسكريّة، تمّ عزل الجنود الفيليين عن باقي الجنود في الوحدات الخاصّة. هؤلاء الشباب العسكريين تمّ حجزهم في بادئ الأمر في معسكرات الجيش العراقي التي كانوا يخدمون فيها، ومن ثمّ نُقلوا إلى سجن الحارثيّة الواقع غرب مدينة بغداد.

 وبعد أسبوع تمّ نقلهم إلى سجن رقم واحد في معسكر الرشيد الواقع جنوب مدينة بغداد، وبقوا هناك لعدّة أشهر، إلى أن صدر قرار ينصّ على إطلاق سراح بعض المحتجزين الذين هم (من أصول غير إيرانيّة) كما يقول القرار ..؟

بعد مرور شهر من ذلك القرار صدرَ قرارٌ آخر ينصّ على إطلاق سراح المحتجزين المسيحيين وإن كانوا من أصول إيرانيّة.. وبقي الأكراد الفيليون في الحجز تحت تهمة التبعيّة الإيرانيّة؛ لأنّ كلّ الوثائق التاريخيّة الصحيحة تقول: إنّهم عراقيّون (حتى النخاع)، بل إنّهم أهل العراق منذ القِدم قبل آلاف السنين.

ويقال: إنّ عدداً من المسؤولين العسكريين قد قاموا بزيارة المحتجزين من الشباب الفيليين في سجن رقم واحد في معسكر الرشيد وقالوا لهم: (إنّكم إخواننا وأبناؤنا وأنتم محجوزون بسبب حرصنا عليكم، وعدم إعطاء الفرصة للإيرانيين للاختلاط بكم وغسل أدمغتكم ضدّ وطنكم العراق، وبعد فترة قصيرة سنطلق سراحكم فأنتم ضيوفٌ هنا!). وللأسف كيف كانوا ضيوفاً!.. ضيوف إلى قدرهم وتغييب قبورهم؟!من ثمّ تمّ نقلهم إلى سجن وزارة الدفاع في بغداد، وأمضوا هناك عدّة أسابيع تعرّضا خلالها للكثير من الإهانات. بعدها نُقلوا إلى مديريّة الأمن العامّة في بغداد، وهناك أُبلغوا بالتهمة الرسميّة الموجّهة إليهم (وهي التبعيّة الإيرانيّة)، وأُمروا بخلع ملابسهم العسكريّة التي كانوا يرتدونها منذ أن تمّ حجزهم، ثمّ نُقلوا إلى سجن أبو غريب المركزي، قسم الأحكام الثقيلة، الواقع في منطقة أبو غريب شمال غربي مدينة بغداد. وخلال كلّ التنقّلات بين السجون كان المحتجزون يُجبرون على ملء استمارات تحتوي على العديد من الأسئلة المتنوّعة، أمّا المدنيون فقد تمّ حجزهم مع عوائلهم في معتقل الفضيليّة الواقع في منطقة الفضيليّة شرق مدينة بغداد، ومركز التسفيرات القريب من ملعب الشعب الدولي الواقع في مدينة بغداد.

كما حجزت مجموعات أخرى في بيوت المهجّرين، حيث تحوّلت إلى سجون، وفي هذه السجون تمّ تفريق الشباب عن عوائلهم إلى فئتين... الأولى: ممّن تتراوح أعمارهم بين 14 و 40 سنة، حيث قيّدوهم ونقلوهم إلى مديريّة أمن بغداد، والثانية: التي تقلّ أعمارهم عن 16 سنة، حيث تمّ نقلهم إلى سجن الأحداث الواقع شرق مدينة بغداد.

 ومن ثمّإعدام آلاف من الشباب الفيليّة عن طريق الخطأ والاشتباه بهم، وهو كونهم من أتباع حزب الدعوة، واعتراف الدولة بذلك من خلال كتب رسميّة (انظر الوثائق المرفقة)، واعتبارهم شهداء ومفقودين أثناء الواجب، وتخصيص رواتب تقاعديّة لذويهم، فيا ترى ما هي الواجبات التي كُلّف بها المحجوز والسجين الفيلي ليستشهد وليستحقّ بها هذا التكريم؟!

4. التغييب في السجون والمقابر الجماعيّة

بعد أن تمّ تهجير العوائل الفيليّة قسراً، قام النظام البعثي بحجز أبنائهم بين الفئات العمريّة (15-40) في أقبية سجونه الرهيبة، حيثتمّ توزيع المحتجزين في سجن أبو غريب على قاطع (7) وملحقة وقاطع (8)، كلّ قاطع يحتوي على (20) زنزانة مساحة كّل منها بين 4 و5 أمتار مربّعة وتحتوي على دورة مياه، ولا توجد فيها نوافذ عدا فتحة صغيرة مفتوحة إلى الخارج، وفي صباح كلّ يوم يتمّ إخراج المحتجزين لمدّة ساعتين إلى الساحة التابعة لقاطعهم، ولم تُسمح الزيارات خلال الأشهر الأولى من الحجز.

 في بداية الأمر تمّ إطلاق سراح بعض المحتجزين من المدنيين وتمّ تهجيرهم إلى إيران، استمرّت هذه الحالة في تهجير المدنيين حتى حدث الإضراب الذي قام به المحتجزون في سجن أبو غريب، والذي كان سببه احتجاجاً على سوء معاملة أحد المحتجزين وهو (الشهيد حسن حداد رحمة الله عليه)، فقد أُصيبَ هذا الشهيد بمرض في معدته ولم يُسمح له بالذهاب إلى المستشفى للعلاج، حتى توفّي في زنزانته في الساعة السادسة من مساء يوم 30/4/1980.

 هذه الحادثة أشعلت الغضب والهيجان لدى بقيّة المحتجزين، فاستطاعوا كسر المواقع الحديديّة في زنزانتهم والخروج إلى ممرّات وساحة السجن، وحصلت مواجهة عنيفة ودمويّة بين حرس السجن والمحتجزين، وطلب المحتجزون مقابلة أحد كبار مسؤولي الحكومة العراقيّة لمعرفة مصيرهم.

وفي الساعة الثانية من بعد منتصف الليل هبطت طائرة هليكوبتر وفيها الحرس الجمهوري مدجّجين بالأسلحة ومزوّدين بكاميرات الفيديو، ثمّ ظهر (برزان التكريتي) أخ الرئيس العراقي صدّام حسين، وحاول تهدئة المضربين الهائجين والتفاوض معهم، وقال: (أنا أتفهّم حالتكم ونحن مستعدّون لتحسين ظروف حجزكم وتلبية كافّة طلباتكم عدا شيئين... الأوّل: لا نرسلكم إلى إيران لتلتحقوا بعوائلكم المهجّرة، والثاني... إنّه لا يمكن إطلاق سراحكم داخل العراق في الوقت الحاضر، إطلاق سراحكم متعلّق بنهاية الحرب العراقيّة الإيرانيّة، فسيطلق سراحكم حال انتهاء الحرب، وإنّ هذا القرار اتُخذ من قِبل أعلى سلطة في العراق).

فأجابه المحتجزون: (إنّنا لا نريد شيئاً منكم سوى إطلاق سراحنا وإعادة حرّيتنا؛ لأنّنا لسنا مجرمين ولا متّهمين بأيّة تهمة، فإذا تعتبروننا عراقيين فأطلقوا سراحنا، وإذا تعتبروننا إيرانيين فأرسلونا إلى إيران كي نلتحق بأهلنا. وردّ عليهم برزان التكريتي قائلاً: (هذا طلبٌ مستحيل)، كما قال: (إنّني أرغب بتوضيح نقطة واحدة لكم فقط، وهي: إن أراد أحدكم أن يبقى حيّاً وأن يرى أهله ثانية فعليه السكوت والعودة إلى زنزانته، أمّا الذين لا يرجعون فسيموتون).

وصاح المحتجزون: (إنّ هذا القرار هو قمّة الاضطهاد ونحن نرفضه). ثمّ أمرَ برزان التكريتي حرسه بإرغام المحتجزين بالعودة إلى زنزاناتهم باستخدام القوّة.

 نفّذ الحرس الأمر باستخدام الأسلحة الناريّة والغازات المسيلة للدموع، كما تمّ قطع الماء والتيار الكهربائي، انتهى الأمر عند الساعة الخامسة صباحاً عند عودة المحتجزين إلى زنزاناتهم بعد إصابة عددٍ منهم بجروح بليغة وأصبحت حالتهم سيّئة للغاية.

 بعد هذه الحادثة أصبحت معاملة المحتجزين أكثر قساوة وأقلّ إنسانيّة، فقد قلّلوا من أكلهم وقطعوا عنهم فترات الخروج للهواء الطلق، كما أُغلقت الفتحة الهوائيّة الصغيرة الموجودة في كلّ زنزانة، وأُقفلت الأبواب عليهم من خلال (اللحيم) لمدّة ثمانيّة أشهر، وتمّ توزيعهم بشكل مجموعات في قاطع في غرف وفيها (25) إلى (30) معتقلاً، علماً أنّ مساحة الغرفة (20) متراً مربّعاً.

 واستمرّت هذه الحالة حتى 14/7/1981م، حيث جاء مسؤول السجن وأخذ مجموعة من المحتجزين حسب قائمة الأسماء التي عنده، بحجّة أنّهم سوف يهجّرون إلى إيران. وكان عدد هؤلاء بين (700) و(750) شخصاً من ضمنهم: الشهيد حمد درع من أهالي كربلاء، وكان أحد قادة الإضراب، والشهيد جمال، والشهيد فوزي كل ولي، والشهيد هشام، والشهيد جلال، وغيرهم من الشهداء.

 أمّا السبب في قتل هؤلاء فهو تصوّر السلطات أنّهم كانوا وراء حادثة الإضراب التي تمّ ذكرها أعلاه.

وفي تاريخ 12/8/1981م سمحت السلطات للمتبقّين من أهالي وأقرباء المحتجزين بزيارتهم في اليوم الثاني عشر من كلّ شهر. وفي اليوم التالي لكلّ زيارة كانت إدارة السجن تجبر المحتجزين على ملء استمارة خاصّة.

ومع استمرار عمليات تهجير المواطنين العراقيين إلى إيران استمرّ حجز الشباب في السجون العراقيّة. أمّا معاملة حرّاس السجن فكانت تسيء أكثر كلّما اشتدّت المعارك في جبهات القتال في الحرب الإيرانيّة، استمرّت هذه الحالة حتى تاريخ 5/12/1984م، حيث تمّ نقل المحتجزين على شكل ثلاث مجموعات (كلّ مجموعة متكوّنة من 600 إلى 700 شخصاً)، إلى سجن قلعة السلمان.

 هذه القلعة تقع على تلٍ يبعد خمسة كيلو مترات من سجن نكرة السلمان القديم، وحوالي 160 كيلو متراً من مدينة السماوة مركز محافظة المثنّى، كانت الرحلة تبدأ في الصباح الباكر وتنتهي بعد منتصف الليل، السجن يتكوّن من 16 قاعة مع 6 ملحقات، وكان يودَع في كلّ قاعة ما بين 100 و 120 شخصاً، بينما يودع في كلّ ملحق حوالي 30 شخصاً.

 قبل وصول المحتجزين إلى سجن قلعة السلمان أبلغَ حرّاس السجن بأنّهم سيستلمون مجموعة من السجناء الإيرانيين وحذّروا من الاختلاط بهم، ولكن عرفَ حرّاس السجن فيما بعد الهويّة الحقيقيّة لهؤلاء المحتجزين وأنّهم مواطنون عراقيون.

 ثمّ استمرّ نقل محتجزين آخرين من سجون المحافظات الأخرى وسجن الفضيليّة وسجن الأحداث إلى سجن قلعة السلمان، وكان بين هؤلاء المحتجزين شخصٌ من أصل هندي ومحتجز آخر يدعى (قاسم)، وهو من مدينة القاسم في بابل. والغريب أنّ هذا الشخص تمّ حجزه بالرغم من أنّه فقد أطرافه الأربعة ولسانه.

 وخلال شهر تشرين الأوّل من عام 1985م صدر قرار حكومي حول المحتجزين في سجن قلعة السلمان، أبلغهم به مدير الأمن العامّة للشؤون السياسيّة المدعو (المقدّم أبو سيف)، حيث قال لهم: (بمكرمة من الرئيس صدّام حسين سيُطلق سراح كلّ محتجزٍ له أب أو أم أو أخ أو أخت غير مهجّرين، أو زوجة على ذمّته غير مطلّقة ولا مهجّرة، أو أخ شهيد في الحرب وعليه إثبات ذلك بالوثائق الرسميّة والشهود، وعندها سيشمله العفو ويُطلق سراحه)..!! اُنظر مكائد البعث الخبيثة بحقّ أبناء هذه الشريحة... وبناءً على ذلك فقد سلّموا المحتجزين الاستمارات المطلوبة لملئها، حيث يجري بعد ذلك التحقيق معهم.

صور المحتجزين من الفيليّة في السجون

وفي أوائل عام 1986م بدأوا بنقل مجموعات من المحتجزين من سجن قلعة السلمان بعد أن زوّدوهم بملابس الجيش الشعبي، وكانت كلّ مجموعة تتكوّن من 50 إلى 100 شخص وعلى شكل دوري وشهري، حيث تمّ عزلهم ونقلهم إلى جهات غير معلومة، حيث كانوا يقسّمون كلّ مجموعة إلى مجموعات صغيرة ويرسلونهم إلى سجون مديريات أمن المحافظات في الحلّة والديوانيّة والنجف (في منطقة أبو صخير)، والرمادي وكربلاء وتكريت والسماوة، وبعضهم أُرسلَ إلى قاعدة الجويّة في الحبّانيّة ومعسكر النهروان (قرب جسر ديالى)، للتدريب العسكري المكثّف، بينما نُقلت مجموعات أخرى إلى جبهات الحرب مع إيران في مناطق العمارة

والفاو، وكذلك إلى العماديّة وزاخو، وبين كلّ تلك الدهاليز اختفى أغلب الشبيبة من الفيليين، ولا زالت عوائلهم يجهلون مصيرهم حتى الآن.

وقد اختفى ألف شخصٍ من الفيليّة في سجون النظام ودُفنوا في المقابر الجماعيّة، وكم طالبت عوائلهم لمعرفة مصيرهم، ولكن دون جدوى.

5. إسقاط الجنسيّة العراقيّة عنهم

في 30/5/1963 صدر قانون الجنسيّة الجديد تحت رقم (43) لسنة 1963، وكان أشدّ وطأة من سابقه، وقد لوحظ أنّه قد صدر بعد ثلاثة أشهر من وقوع انقلاب 8 شباط، بهدف الانتقام من الكورد الفيليين، عقاباً لهم لرفضهم الانقلاب في 8 شباط 1963 دفاعاً عن ثورة 14 تموز وإنجازاتها الوطنيّة في مناطق سكناهم، مثل: (حي الأكراد، ساحة النهضة، باب الشيخ، الكاظميّة). كما تلقّت السجون الآلاف من شبابهم ليساقوا إلى أقبية التعذيب والموت السرّية.

 بالنسبة للقانون المذكور آنفاً فقد شدّد من شروط منح الجنسيّة وأعطى لوزير الداخليّة صلاحيات واسعة، ومنها إسقاط الجنسيّة ولأسباب أمنيّة ودون الرجوع للقضاء، إضافة إلى جعل العرب من أبناء الأمّة العربيّة أعلى مرتبة من الكورد الفيليين، إلاّ أنّ الانقلابيين الجدد واصلوا بقراراتهم للتضييق على الكورد الفيليين وحرمانهم من أيّ تغيير في الموقف الرسمي.

 ففي 10/5/1964 صدر الدستور العراقي المؤقّت في عهد عبد السلام عارف، وقد ضمّ موادّ وخاصّة ما يتعلّق منها بالكورد الفيليين. ففي المواد (41، 72) من الدستور أعلاه (قد اشترطت على كلّ من رئيس الجمهوريّة ورئيس الوزراء ونوّابه والوزراء حين تولّيهم مناصبهم، أن يكونوا عراقيين ومن أبوين عراقيين ينتميان إلى أسرة تسكن العراق منذ عام 1900، وكانت تتمتّع بالجنسيّة العثمانيّة، وألاّ يكون متزوّجاً من أجنبيّة، وتعتبر العربيّة التي من أبوين وجدّين عربيين عراقيّة لهذا الغرض).

فهذه الشروط المبيّنة أعلاه ذات تفسيرٍ واضح لا تدع مجالاًً للشك، فمعناها حرمان الكورد الفيليين من حقّ المشاركة في الحياة السياسيّة والشؤون العامّة، ومنعهم من تولّي المناصب الحكوميّة الرفيعة. وقد شمل الحظر أيضاً العراقي بصفة أصيلة (حسب مواصفات مشرّعي الدستور) إذا كان متزوّجاً من امرأة فيليّة، ورغم قيام الحكومة في وقتٍ لاحق بتعديل تلك المواد تحت ضغط الشارع العراقي، إلاّ أنّ إجراءها جاء بعد فوات الأوان.

 واستمرّ الحال من سيء إلى أسوء بعد وقوع انقلاب 17 تموز 1968، الذي أعاد حزب البعث إلى الحكم مجدّداً، وحيث إنّ منهجه وسياسته لا تعترف بالقوميات والأقلّيات الأخرى، بل يحاول صهرها بالقوميّة العربيّة على تزوير حقائق التاريخ وتزييف وعي الجماهير.

أمّا ما يخصّ الدستور البعثي المؤقّت الصادر في 21 أيلول عام 1968، فقد نصّت المادّة 20 من هذا الدستور على ما يلي:

1. الجنسيّة العراقيّة يحدّدها القانون ولا يجوز إسقاطها عن عراقي ينتمي إلى أسرة تسكن العراق قبل 6 آب 1924، وكانت تتمتّع بالجنسيّة العثمانيّة واختارت الرعويّة العراقيّة.

2. يجوز سحب الجنسيّة العراقيّة عن المتجنّس في الأحوال التي يحدّدها قانون الجنسيّة. والمقصود هنا يجوز إسقاط الجنسيّة العراقيّة عن غير عثماني الجنسيّة سابقاً، وبالتالي يبرّر سحب الجنسيّة من الكورد الفيليين باعتبارهم أجانب ممّا يسهّل عمليّة إبعادهم إلى خارج البلاد تحت أيّة ذريعة كانت. كما أنّ المادّة (66) من الدستور جاءت تأكيداً وامتداداً لما نصّت عليه المواد (41 ، 72) من دستور عام 1964 قبل تعديلها، وهكذا اتضحت النوايا، فقاموا بحملة تهجير استهدفت حوالي سبعين ألف فيلي في الأعوام (1969-1970-1971).

وفي 16/7/1970 صدر الدستور وتحديداً ما نصّت عليه فقرة (أ) من المادّة (42) من الدستور، والتي أجازت لمجلس قيادة الثورة إصدار القوانين والقرارات وتكون لها قوّة القانون والإلزام ودون أيّة رقابةٍ أو مساءلة. ونظراً لتمتّع رئيس وأعضاء مجلس قيادة الثورة بالحصانة التامّة وفقاً للمادّة (40) من الدستور، فقد صدرت سلسلة من التشريعات لا أوّل لها ولا آخر وذات صلة بإسقاط الجنسيّة عن الكورد الفيليين وتهجيرهم، ومنها ما يستهدف إذلالهم والتضييق عليهم، وكما يلي:

أوّلاً: قانون منح الجنسيّة العراقيّة للعرب رقم (5) لسنة 1975، والقرار رقم (890) في 4/8/1985، والقرار رقم (511) في 19/7/1987، والقرار رقم (141) في 21/5/1991.

 وهذه نصّ القرارات:

1ـ قرار رقم 5 لسنة 1975

باسم مجلس الشعب، مجلس قيادة الثورة

استناداً إلى أحكام الفقرة (ا) من المادّة الثانية والأربعين من الدستور المؤقّت، قرّر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 11/1/1975 إصدار القانون الآتي:

رقم (5) لسنة 1975 ـ  قانون منح الجنسيّة العراقيّة للعرب 

المادّة الأولى:

يجوز لوزير الداخليّة منح الجنسيّة العراقيّة لكلّ عربي يطلبها إذا كان قد بلغ سنّ الرشد، دون التقيّد بشروط التجنّس الواردة في الفقرة (1) من المادّة الثامنة من قانون الجنسيّة العراقيّة رقم (43) لسنة 1963 المعدّل، ويستثنى من ذلك الفلسطينيون ما لم يصدر قانون أو قرار تشريعي خاص بخلاف ذلك.

المادّة الثانية:

ينفّذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسميّة.

        أحمد حسن البكر

      رئيس مجلس قيادة الثورة

صحيفة الوقائع العراقيّة الرسميّة، بغداد، العدد 4234 بتاريخ 18/1/1975.

2ـ قرار رقم 511 لسنة 1987

استناداً إلى أحكام الفقرة (ا) من المادّة الثانية والأربعين من الدستور المؤقّت، قرّر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 19/7/1987 ما يلي: 

يجوز شمول العربي المتجنّس بالجنسيّة العراقيّة بالخدمة الإلزاميّة أو خدمة الاحتياط إذا أبدى رغبته التحريريّة بذلك.

يخضع الأجنبي المتجنّس بالجنسيّة العراقيّة للخدمة العسكريّة الإلزاميّة وخدمة الاحتياط.  وتطبّق أحكام هذه الفقرة على كلّ أجنبي اكتسب الجنسيّة العراقيّة قبل العمل بهذا القرار أسوة بالعراقيين من نفس تولّداتهم.

يلغى قرار مجلس قيادة الثورة المرقّم (661) ستمائة وواحد وستون المؤرّخ في 6/5/1980.

ينفّذ هذا القرار من تاريخ نشره في الجريدة الرسميّة.

                     صدّام حسين

        رئيس مجلس قيادة الثورة

 صحيفة الوقائع العراقيّة الرسميّة، بغداد، العدد 3160 بتاريخ 27/7/1987.

 3ـ قرار رقم 141 لسنة 1991

  استناداً إلى أحكام الفقرة (ا) من المادّة الثانية والأربعين والفقرة (3) من المادّة الرابعة والأربعين من الدستور، قرّر مجلس قيادة الثورة ما يأتي:

أوّلاً: يخوّل رئيس ديوان الرئاسة توقيع قرارات مجلس قيادة الثورة المتعلّقة بمنح المواطنين العرب الجنسيّة العراقيّة بعد حصول موافقة الرئاسة عليها.

ثانياً: يُنشر هذا القرار في الجريدة الرسميّة ويتولّى الوزراء المختصّون تنفيذ أحكامه.

                                                                                   صدّام حسين

     رئيس مجلس قيادة الثورة

صحيفة الوقائع العراقيّة الرسميّة، بغداد، العدد 3356 بتاريخ 3/6/1991.     

ولما تقدّم أُجيزَ لأيّ شخصٍ عربي الحصول على الجنسيّة العراقيّة، من دون أيّة شروط مع احتفاظهم بجنسيّتهم الأصليّة وعدم تجنيدهم إلى الخدمة العسكريّة، إضافة إلى امتيازات عديدة منها: منحهم قطع أراضي سكنيّة، وقروض مصرفيّة وعقاريّة، وتسهيلات تجاريّة وصناعيّة واستثماريّة. في حين أنّ الفيلي يخدم في الجيش العراقي الخدمة الإلزاميّة وخدمة الاحتياط، ويقدّم التضحية تلو الأخرى حتى لو كانت عائلته مهجّرة، ومع ذلك يظلّ بنظر النظام عميلاً أجنبياً ولا يتمتّع بأيّ من الامتيازات المقرّرة للشهداء والمعوّقين والأسرى في الحرب، رغم أنّ المتعارف عليه دولياً بأنّ الأجنبي لا يساق إلى الخدمة العسكريّة، وإذا ما سيق إليها فإنّ هذا الأمر سوف يسهّل ويسرع في منحه الجنسيّة.

 ويتّضح من بنود هذا القانون وما تبعه من قرارات أنّه يستهدف تغيير البنية السكّانيّة والطبيعيّة الديموغرافيّة للشعب العراقي، وهذا ما تبيّن بجلاء خلال الحرب العراقيّة الإيرانيّة واستقدام أكثر من أربعة ملايين من العرب المصريين، حيث مُنحوا منزلة أعلى من المواطن العراقي.

وبموجب هذين التشريعين منعت المحاكم من النظر في الدعاوى الناشئة عن تطبيق أحكام قانون الجنسيّة، وإنّما أُجيز الاعتراض على قرارات وزير الداخليّة لدى رئيس الجمهوريّة ويكون قراره قطعياً. وبالتالي ترتّب عن هذا الأمر إلغاء حق المواطن في التقاضي ومراجعة المحاكم والالتجاء إليها، وسلوك سبل الطعن المكفول له دستوررياً ودولياً، وخاصّة ما ينصّ عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما أدّى ذلك إلى تقويض دور القضاء واستقلاليّة سلطته، وبالتالي لن يستطيع الفيلي الاعتراض والشكوى على قرار تسقيط جنسيّته وإبعاده إلى خارج البلاد.

ثانياً: القرار رقم (180) في 3/2/1980، والذي تضمّن شروطاً مشدّدة للحصول على الجنسيّة ولم تكن معروفة في التشريعات السابقة، وأعطى وزير الداخليّة صلاحيات مطلقة وكاملة في قبول تجنّس الأجانب ورفضه، وحثّهم على تقديم طلبات اكتساب الجنسيّة العراقيّة خلال مدّة نفاذ القرار المحدّدة بستة أشهر، وإلاّ سيتعرّضون للطرد وهو بمثابة إنذار أوّلي.

 وقد شمل ذلك الأجنبي المتزوّج من عراقيّة والأجنبيّة المتزوّجة من عراقي، فيما اعتبر القرار عدداً من العشائر الكورديّة أجنبيّة وهي عشائر: (السوره ميري، الكركش، الزركوش، ملك شاهي، قره لوس، الفيليّة، الأركوازيّة، الكويان)، ولا يشمل بأحكام هذا القرار مَن كان وجوده في العراق يشكّل ضرراً على أمن وسلامة الوطن، وغير مستمر بالإقامة والسكن للفترة الزمنيّة المحدّدة لكلّ حالة من الحالات المبيّنة في القرار أعلاه، فلقد كانت كلّ الإجراءات تستهدف جمع معلومات استخباريّة متكاملة عن كلّ المتقدّمين بطلبات الحصول على الجنسيّة وجردهم، بغية تمكين الأجهزة الأمنيّة من الوصول إليهم بدقّة متناهية والتحضير لعمليات اعتقالهم وتسفيرهم.

نصّ القرار:

قرار رقم 180 لسنة 1980

استناداً إلى أحكام الفقرة (ا) من المادّة الثانية والأربعين من الدستور المؤقّت، قرّر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 3/2/1980 ما يلي:

1ـ لوزير الداخليّة أن يقبل تجنّس الأجنبي البالغ سنّ الرشد بالشروط التالية:

أـ أن يكون ساكناً في العراق قبل ثورة الرابع عشر من تموز 1958، ومستمرّاً على السكن حتى تاريخ نفاذ هذا القرار.

ب ـ أن يكون أحد أقاربه من الدرجة الأولى أو الثانية قد حصل على الجنسيّة العراقيّة.

ج ـ ألاّ يكون في وجوده في العراق ضررٌ على أمن وسلامة جمهوريّة العراق.

د ـ أن يقدّم طلب التجنّس خلال مدّة نفاذ هذا القرار.

2- لوزير الداخليّة أن يقبل تجنّس الأجنبي البالغ سنّ الرشد من أفراد عشائر: (السورة ميري، والكركش، والزركوش، وملك شاهي، وقره لوس، والفيليّة، والأركوازيّة) بالشروط التالية:

أ ـ أن يكون ساكناً في العراق مدّة لا تقلّ عن (خمس عشرة سنة) سابقة على نفاذ هذا القرار.

ب ـ ألاّ يكون في وجوده في العراق ضررٌ على أمن وسلامة جمهوريّة العراق.

ج ـ أن يقدّم طلب التجنّس خلال مدّة نفاذ هذا القرار.

3ـ لوزير الداخليّة أن يقبل تجنّس الأجنبي البالغ سنّ الرشد من أفراد عشيرة (الكويان) بنفس الشروط المنصوص عليها في الفقرة (2) من هذا القرار.

4ـ لوزير الداخليّة أن يقبل تجنّس الأجنبي المتزوّج من عراقيّة، بالشروط التالية:

أ ـ ألاّ يكون في وجوده في العراق ضررٌ على أمن وسلامة جمهوريّة العراق.

ب ـ أن يقدّم طلب التجنّس خلال مدّة نفاذ هذا القرار.

ج ـ استمرار قيام الزوجيّة حتى تقديم الطلب.

د ـ أن يكون مقيماً في العراق قبل سنة 1958 ومستمرّاً في إقامته.

5 ـ أ ـ لوزير الداخليّة أن يقبل اكتساب المرأة الأجنبيّة جنسيّة زوجها العراقي، بشرط مضي ثلاث سنوات على الزواج، وسكنها في العراق المدّة المذكورة، واستمرار قيام الزوجيّة حتى تقديم الطلب.

ب ـ لا يُسمح للمرأة المتزوّجة من عراقي التي مضى على إقامتها في العراق مدّة (خمس سنوات) الاستمرار على إقامتها فيه، وعليها خلال مدّة (ستة أشهر) من تاريخ نفاذ هذا القرار أن تعلن عن رغبتها باكتساب جنسيّة زوجها العراقي أو مغادرتها العراق.

ج ـ على المرأة الأجنبيّة المتزوّجة من عراقي أن تختار بين اكتساب الجنسيّة العراقيّة أو مغادرة العراق، بعد مضي (ثلاث سنوات) المنصوص عليها في البند (ا) من هذه الفقرة، وتُلزم بمغادرة العراق إذا مضت خمس سنوات على إقامتها دون أن تختار الجنسيّة العراقيّة.

6ـ على كلّ أجنبي يُمنح الجنسيّة العراقيّة بموجب أحكام هذا القرار، أن يؤدّي يمين الإخلاص لجمهوريّة العراق أمام مدير الجنسيّة المختص خلال شهر من تاريخ استدعائه، ويعتبر الشخص عراقياً من تاريخ أداء هذا اليمين.

7ـ كلّ أجنبي مضى على سكناه في العراق مدّة لا تقل عن (عشر سنوات) متتاليات سابقة على نفاذ هذا القرار، وكان أحد أصوله أو فروعه مكتسباً الجنسيّة العراقيّة، عليه مدّة نفاذ هذا القرار أن يعلن عن رغبته في التجنّس بالجنسيّة العراقيّة أو مغادرة العراق.

8ـ يسري هذا القرار على الأشخاص الموجودين في العراق عند نفاذه، مع مراعاة ما ورد في البند (ج) من الفقرة (5) منه، فيطبّق حكمه على المرأة الأجنبيّة الموجودة في العراق عند نفاذه، وعلى الحالات التي تستجدّ بعد هذا التاريخ.

9ـ لوزير الداخليّة إصدار التعليمات لتسهيل هذا القرار.

10ـ يُنشر هذا القرار في الجريدة الرسميّة ويُعمل به مدّة ستّة أشهر، فيما عدا الحكم الوارد في البند (ج) من الفقرة (5) منه.

                                            صدام حسين

                    رئيس مجلس قيادة الثورة

صحيفة الوقائع العراقيّة الرسميّة، بغداد، العدد 2757 بتاريخ 18/2/1980.

                                                                     

تعليمات رقم (1) لسنة 1980 صادرة بموجب قرار مجلسقيادة الثورة رقم (180) لسنة 1980

استناداً إلى الصلاحيّة المخوّلة لنا بموجب (المادّة التاسعة) من قرار مجلس قيادة الثورة المرقّم (180) في 3/2/1980.

أصدرنا التعليمات التالية:

1ـ على طالب التجنّس بالجنسيّة العراقيّة أن يحضر أمام مدير الجنسيّة أو ضابط الجنسيّة لينظّم له الاستمارة رقم (3) الملحقة بالتعليمات رقم (1) لسنة 1965 المعدّلة، الصادرة بموجب قانون الجنسيّة العراقيّة رقم (43) لسنة 1963 المعدّل، وبعد إجراء التحقيق وتأكيده من توافر الشروط القانونيّة، يُحال الطلب إلى وزارة الداخليّة للنظر فيه.

2ـ يرفع مدير الجنسيّة إلى وزارة الداخليّة شهادة التجنّس بالجنسيّة العراقيّة بموجب النموذج رقم (4) الملحق بالتعليمات المذكورة في الفقرة (1) من هذه التعليمات، التي تخصّ الأشخاص الذين تتوفّر فيهم شروط المواد (1 و2 و3 و4) من قرار مجلس قيادة الثورة المرقّم (180) والمؤرّخ في 3/2/1980، مع إضبارة التجنّس، وفي حالة الموافقة يوقّع وزير الداخليّة على شهادة التجنّس.

3ـ تدوّن مديريّة الجنسيّة قرار وزير الداخليّة وتاريخه على شهادة التجنس.

4ـ تحلّ عبارة (قرار مجلس قيادة الثورة المرقّم (180) في 3/2/1980 محلّ عبارة (قانون الجنسيّة العراقيّة) الواردة في الاستمارة رقم (1)، وفي النموذج رقم (4) المذكورتين في الفقرتين (1 و 2) من هذه التعليمات بالنسبة لطلب التجنّس، وفق أحكام قرار مجلس قيادة الثورة المذكور.

  أ ـ في حالة قبول طلب التجنّس، على مدير الجنسيّة أن يسجّل شهادة التجنّس، ثمّ يستدعي طالب التجنّس ليؤدّي يمين الإخلاص لجمهوريّة العراق بالصيغة من إجراء أداء اليمين أمامه، وأن يؤيّد حصول المنصوص عليها بتعليمات الجنسيّة، وعلى الشخص التوقيع بحضور مدير الجنسيّة.

ب ـ يدوّن في ورقة تكليف طالب التجنّس بالحضور أمام مدير الجنسيّة، بأنّه استُدعي لغرض أداء يمين الإخلاص لجمهوريّة العراق ومنحه شهادة التجنّس.

ج ـ على طالب التجنّس أن يحضر أمام مدير الجنسيّة خلال شهر من تاريخ استدعائه لأداء اليمين، ولا تسلّم له شهادة الجنسيّة ما لم يكن قد أدّى اليمين ووقّع عليها ودفع الرسم القانوني، ويعتبر الشخص عراقياً من تاريخ أدائه اليمين.

د ـ إذا لم يحضر طالب التجنّس خلال المدّة المذكورة في (ب)، تُعرض على وزير الداخليّة ليقرّر إمّا إبطال شهادة التجنّس، أو الموافقة على تسليم الشهادة حسب ظروف القضيّة.

تُنشر هذه التعليمات في الجريدة الرسميّة ويُعمل بها من تاريخ نشرها.

  وزير الداخليّة

ثالثاً: القرار رقم (200) في 7/2/1980 الذي جاء فيه عدم السماح للأجنبي الذي أقام في العراق قبل نفاذ هذا القرار، أو يقيم فيه مدّة خمس سنوات بشكل مستمر، كما لا يجوز العمل بأيّ نصٍ يتعارض مع أحكام هذا القرار، وبالتالي اتّضح الهدف من صدور القرار رقم (180) بعد أربعة أيّام فقط.

نصّ القرار:

قرار رقم 200 لسنة 1980      

استناداً إلى أحكام الفقرة (ا) من المادّة الثانية والأربعين من الدستور المؤقّت، قرّر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 7/2/1980 ما يلي:

1.   لا يُسمح للأجنبي الذي أقام في العراق قبل نفاذ هذا القرار، أو يقيم فيه مدّة خمس سنوات، الاستمرار في إقامته لأيّ سببٍ كان، ولوزير الداخليّة ـ بناءً على مقتضيات المصلحة العامّة وباقتراح من الجهة الرسميّة المنتفعة ـ تمديد إقامة الأجنبي مدّة لا تزيد على ثلاث سنوات أخرى.

2.      لا يعمل بأيّ نصٍ يتعارض مع أحكام هذا القرار.

3.       لوزير الداخليّة إصدار التعليمات لتسهيل تنفيذ هذا القرار.

4.      يُنشر هذا القرار في الجريدة الرسميّة ويتولّى وزير الداخليّة تنفيذه.

           صدام حسين

              رئيس مجلس قيادة الثورة

رابعاً : القرار رقم (518) في 10/4/1980 والذي استثنى الأجنبي الإيراني الأصل من الأحكام الخاصّة بالتجنّس الواردة في القرار رقم (180) في 3/2/1980 .

نصّ القرار:

قرار رقم 518 لسنة 1980      

استناداً إلى أحكام الفقرة (ا) من المادّة الثانية والأربعين من الدستور المؤقّت، قرّر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 10/4/1980 ما يلي:

5.   يستثنى الأجنبي الإيراني الأصل من الأحكام الخاصّة بالتجنّس الواردة في قرار مجلس قيادة الثورة المرقّم (180) في 3/2/1980، فيما عدا الفقرة (5) من ذات القرار.

6.       يتولّى وزير الداخليّة تنفيذ هذا القرار.

                     صدام حسين

              رئيس مجلس قيادة الثورة

صحيفة الوقائع العراقيّة الرسميّة، بغداد، العدد 2771 بتاريخ 5/5/1980.

خامساً: القرار رقم (666) في 7/5/1980 (سيّء الصيت)؛ إذ إنّه جاء تتويجاً لكلّ القرارات السابقة، والذي بموجبه تمّ إسقاط الجنسيّة العراقيّة عن كلّ عراقي من أصل أجنبي، إذا تبيّن عدم ولائه للوطن والشعب والأهداف القوميّة والاجتماعية العليا للثورة. ولوزير الداخليّة أن يأمر بإبعاد كلّ مَن أُسقطت عنه الجنسيّة العراقيّة وفقاً للقرار أعلاه ما لم يقتنع ـ بناءً على أسباب كافية ـ أنّ بقاءه في العراق أمرٌ تستدعيه ضرورة قضائيّة أو قانونيّة أو حفظ حقوق الغير الموثّقة رسمياً، والقرار هنا واضحٌ لا يحتاج إلى شرح، بل قام بتفسير القرارت السابقة والتي كانت غامضة ومبهمة.

 

سادساً: إضافة إلى قرارت أخرى ذات صلة بموضوع الجنسيّة واكتسابها، كمنح الجنسيّة العراقيّة للأجنبيات المتزوّجات من عراقيين، وتولّي السلطة الماليّة إدارة العقارات العائدة للزوجات العراقيات الملتحقات بأزواجهنّ المهجّرين، ومنع الزوج غير العراقي من التصرّف بأموال زوجته العراقيّة مثل نقل الملكيّة والوراثة. كذلك تحديد ضوابط زواج الموظّف في دوائر الدولة والقطّاع الاشتراكي من أجنبيّة، وترتيب هذه القرارت كما يلي:

1ـ القرار رقم (1468) في 14/9/1980

نصّ القرار:

قرار رقم 1468 لسنة 1980

 استناداً إلى أحكام الفقرة (ا) من المادّة الثانية والأربعين من الدستور المؤقّت، قرّر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 14/9/1980 ما يلي:

1.يخوّل وزير الداخليّة النظر في طلبات اكتساب الجنسيّة العراقيّة المقدّمة من قِبل الأجنبيات المتزوّجات من عراقيين، بعد مضي المدّة المنصوص عليها في الفقرة (5ـ ب) من قرار مجلس قيادة الثورة المرقّم (180) في 3/2/1980.

2.لا تُقبل طلبات التجنّس التي تقدّم بعد صدور هذا القرار.

3.يتولّى وزير الداخليّة تنفيذ هذا القرار.

           صدام حسين

                    رئيس مجلس قيادة الثورة

 صحيفة الوقائع العراقيّة الرسميّة، بغداد، العدد 2797 بتاريخ 6/10/1980.

2ـ  القرار رقم (1194) في 2/11/1983

نصّ القرار:

قرار رقم 1194 لسنة 1983   

استناداً إلى أحكام الفقرة (ا) من المادّة الثانيّة والأربعين من الدستور المؤقّت، قرّر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 2/11/1983 ما يلي:

1.تتولّى السلطة الماليّة إدارة العقارات العائدة إلى العراقيات اللاتي التحقن أو يلتحقن بأزواجهنّ المسفّرين ويحتفظن بالجنسيّة العراقيّة.

2.تسجّل المبالغ المتحصّلة من استغلال العقارات المذكورة في حسابات خاصّة.

3.يُنشر هذا القرار في الجريدة الرسميّة ويُعمل به من تاريخ صدوره.

                                                                                                      صدام حسين

        رئيس مجلس قيادة الثورة

 صحيفة الوقائع العراقيّة الرسميّة، بغداد، العدد 2968 بتاريخ 21/11/1983.


3ـ القرار رقم (329) في 15/3/1984

نصّ القرار:

قرار رقم 329 لسنة 1984

 استناداً إلى أحكام الفقرة (ا) من المادّة الثانية والأربعين من الدستور المؤقّت، قرّر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 15/3/1984 ما يلي:

 المادّة الأولى:

كلّ عراقي موظّف أو عامل في دوائر الدولة أو القطّاع الاشتراكي تزوّج من أجنبيّة يتّبع بشأنها ماياتي:

أوّلاً: تبلّغه الدائرة أو المؤسّسة التي يعمل فيها بأن تقدّم زوجته طلباً بمنحها الجنسيّة العراقيّة إذا كانت قد أقامت في العراق سنة أو أكثر، فإذا رفضت تتّخذ الدائرة أو المؤسّسة التي يعمل فيها الإجراءات المقتضية لإنهاء خدمته لديها، فيكون ملزماً في هذه الحالة بأن يدفع إلى خزينة الدولة مبلغ ثلاثة آلاف دينار، ونفقات دراسته حسبما تقدّرها وزارتا التربية والتعليم العالي والبحث العلمي.

ثانياً: إذا قدّمت زوجته بمنحها الجنسيّة العراقيّة خلال عشرة أيام من تبليغه في حالة وجودها داخل العراق، أو قدّمت طلباً خلال شهرين بالبريد المسجّل، أو بواسطة إحدى الممثّليات العراقيّة في حالة وجودها في الخارج، وصدر القرار بمنحها الجنسيّة العراقيّة، فلا تتّخذ الإجراءات المنصوص عليها في (أوّلاً) من هذه المادّة.

ثالثاً: إذا رفضت السلطات المختصّة منحها الجنسيّة العراقيّة، فإنّها تؤمر بمغادرة البلاد خلال المدّة التي تحدّدها مديريّة الإقامة، وتتّخذ الدائرة أو المؤسّسة التي يعمل فيها الزوج الإجراءات المقتضية لإنهاء خدمته واستحصال المبالغ المشار إليها في هذا القرار.

رابعاً: إذا كانت مدّة إقامة الزوجة في العراق أقلّ من سنة، فإنّ زوجها يبقى في عمله حتى تتمّ مدّة إقامتها السنة، وعندئذٍ تتّخذ الإجراءات السابقة بيانها.         

المادّة الثانية:

لا تتقيّد الجهات المختصّة بمدّة السنوات الثلاث المحدّدة بقرار مجلس قيادة الثورة المرقّم (180) لسنة 1980، عند نظرها في منح الزوجة الجنسيّة العراقيّة إذا كانت مّدة إقامتها قد أكملت السنة.

المادّة الثالثة:

تطبّق الأحكام السابق بيانها على مَن يتزوّج أجنبيّة بعد العمل بهذا القرار، أو تزوّج أجنبيّة بعد تاريخ 31/12/1968ولم تتّخذ إجراءات إنهاء خدمته.

المادّة الرابعة:

تطبّق أحكام هذا القرار على الزوجة الموظّفة أو العاملة في دوائر الدولة، أو القطّاع الاشتراكي إذا تزوّجت أجنبياً. 

المادّة الخامسة:

لا يعتبر أجنبياً لأغراض هذا القرار الزوج العربي القوميّة أساساً الذي يحمل جنسيّة دولة عربيّة، أو الزوجة العربيّة القوميّة أساساً التي تحمل جنسيّة دولة عربيّة. 

المادّة السادسة:

يجوز تعيين مَن أُنهيت خدمته بمقتضى قرارَي مجلس قيادة الثورة المرقّمين (197 و 620) المؤرّخين في 15/9/1968و 2/6/1974، موظّفاً أو عاملاً في دوائر أو القطّاع الاشتراكي إذا مُنحت زوجته الجنسيّة العراقيّة.

المادّة السابعة:

يُعمل بهذا القرار من تاريخ نشره بالجريدة الرسميّة.

 

       صدام حسين

    رئيس مجلس قيادة الثورة

 صحيفة الوقائع العراقيّة الرسميّة، بغداد، العدد 2986 بتاريخ 26/3/1984.


4ـ القرار (456) في 15/4/1984

نصّ القرار:

   قرار رقم 456 لسنة 1984

 استناداً إلى أحكام الفقرة (ا) من المادّة الثانية والأربعين من الدستور المؤقّت، قرّر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 15/4/1984 ما يلي:

1.يسري أحكام قرار مجلس قيادة الثورة المرقّم (1194) في 2/11/1983 على الأم العراقيّة التي التحقت أو تلتحق بأولادها المسفّرين وتحتفظ بجنسيّتها العراقيّة.

2.يتولّى الوزراء المختصّون تنفيذ هذا القرار.

                                                                                        صدام حسين

  رئيس مجلس قيادة الثورة

صحيفة الوقائع العراقيّة الرسميّة، بغداد، العدد 3043 بتاريخ 29/2/1985.


5ـ القرار رقم (363) في 27/4/1986

نصّ القرار:

قرار رقم 363 لسنة 1986

 استناداً إلى أحكام الفقرة (ا) من المادّة الثانية والأربعين من الدستور المؤقّت، قرّر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 27/4/1986 ما يلي:

أوّلاً: يُقبل تجنّس الأجنبي الذي كان قاصراً عند انتهاء العمل بقرار مجلس قيادة الثورة المرقّم (180) في 3/2/1980، الثالث من شباط (فبراير) عام ألف وتسعمائة وثمانين وفقاً للشروط التالية: 

1.أن يكون والده تجنّس بالجنسيّة العراقيّة وفقاً لقرار مجلس قيادة الثورة المرقّم (180) في 3/2/1980، أو أن تكون والدته متمتّعة بالجنسيّة العراقيّة في حالة وفاة والده، أو حصول أحد إخوته على الجنسيّة العراقيّة باستثناء أخواته اللاتي اكتسبن الجنسيّة العراقيّة بالزواج من عراقي.

2.أن تتوفّر فيه الشروط القانونيّة المنصوص عليها بأحد الفقرتين (3 و 7) من قرار مجلس قيادة الثورة المرقّم (180) في 1980 عند تقديم الطلب.

3.أن يقدّم طلب التجنّس خلال سنة من بلوغه سنّ الرشد، أو خلال سنة من تاريخ نفاذ هذا القرار إن كان بالغاً سنّ الرشد.

4.ألاّ يكون مشمولاً بقرار مجلس قيادة الثورة المرقّم (518) في 10/4/1980 العاشر من نيسان عام ألف وتسعمائة وثمانين.

 يُعمل بهذا القرار من تاريخ نشره في الجريدة الرسميّة ويتولّى وزير الداخليّة تنفيذه.

       صدام حسين

      رئيس مجلس قيادة الثورة

 صحيفة الوقائع العراقيّة الرسميّة، بغداد، العدد 3100 بتاريخ 2/6/1986.


6ـ القرار رقم (722) في 15/9/1987

نصّ القرار:

قرار رقم 722 لسنة 1987

 استناداً إلى أحكام الفقرة (ا) من المادّة الثانية والأربعين من الدستور المؤقّت، قرّر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 15/9/1987 ما يلي:

1.يحقّ لمن تتوفّر فيه شروط المادّة السادسة من قانون الجنسيّة العراقيّة رقم 43 لسنة 1963 المعدّلة، ولم يقدّم طلباً للحصول على الجنسيّة العراقيّة خلال المدّة المحدودة فيها، أن يقدّم الطلب خلال مدّة ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذ هذا القرار.

2. يحقّ للمرأة الأجنبية المتزوّجة من عراقي التي تتوفّر فيها شروط الفقرة (5) من قرار مجلس قيادة الثورة 3/2/1980، ولم تعلن عن رغبتها باكتساب جنسيّة زوجها العراقي، أن تقدّم طلباً لاكتساب هذه الجنسيّة خلال مدّة شهرين من تاريخ نفاذ هذا القرار.

3. يُعمل بهذا القرار من تاريخ نشره بالجريدة الرسميّة.

                    صدام حسين

                          رئيس مجلس قيادة الثورة

صحيفة الوقائع العراقيّة الرسميّة، بغداد، العدد 3169 بتاريخ 28/9/1987.

بقي أن نقول: إنّ إسقاط الجنسيّة لأفراد شيءٌ وإسقاط الجنسيّة عن مئات الآلاف من الأفراد والعوائل شيءٌ آخر، إنّ الذي قام به صدام من سحب الجنسيّة من الفيليين كان مناقضاً لقانون الجنسيّة العراقيّة المرقّم (43) لسنة 1963، والذي ينصّ على : (لوزير الداخليّة سحب الجنسيّة العراقيّة في الأحوال التالية):

ـ إذا قبل دخول الخدمة العسكريّة لإحدى الدول الأجنبيّة دون إذن مسبق يصدر من وزير الدفاع.

ـ إذا عمل لمصلحة دولة أو حكومة أجنبيّة أو جهة معادية في الخارج.

ـ إن أقام في الخارج بصورة معتادة وانضمّ لهيئة أجنبيّة من أغراضها العمل على تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي للدولة. 

إنّ الذي قام به صدام كان مناقضاً للدستور وللقيم والأعراف الاجتماعيّة، فليس من المعقول أنّ مئات الآلاف من الكورد الفيليين خالفوا قانون الجنسيّة العراقيّة، أو أحد بنوده الثلاثة المذكورة أعلاه..!!

6. مصادرة الممتلكات والمستمسكات الرسميّة

لم يكتفِ النظام البعثي البائد بتهجير مئات العوائل قسراً إلى إيران، بل إنّه قام بشن حملة هوجاء على كلّ ما يمتلكون، حيث قام بسلب بيوتهم ومحلاّتهم التجاريّة وأسواقهم ومعاملهم ومكاتبهم، وتوزيعها على شكل هدايا أو بيعها بأثمان زهيدة جدّاً لمنتسبي الأجهزة الأمنية العائدة للسلطة، وتمّ حجز ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة، فضلاً عن سياراتهم وودائعهم في البنوك وجميع وثائقهم العراقيّة من شهادات ميلاد وجنسيّة وشهادات الجنسيّة، وجوازات ودفاتر خدمة عسكريّة وعقود زواج وشهادات ووثائق دراسيّة ومستندات ملكيّة العقارات وغيرها، وأخذ نقودهم وحلاهم الذهبيّة.

أمّا الفيليون الذين لم يُهجّروا فقد جعلهم النظام ورقة احتياط يلعب بها في أيّ وقت يشاء، واستمرّ بتشديد الخناق والتضييق على نشاطهم الاقتصادي والتجاري وتجميد أموالهم وممتلكاتهم طيلة أيام الحرب العراقيّة ـ الإيرانيّة، فقد اتّهموهم بأنّهم جواسيس وخونة وعملاء، وبالتالي يشكّلون طابوراً خامساً لإيران، علاوة على عدم استطاعتهم بيع ممتلكاتهم وعقاراتهم؛ لأنّ التشريعات الصداميّة اللاحقة كانت تنصّ على ضرورة إبراز شهادة الجنسيّة في حالات البيع والشراء.

إنّ ما قام به النظام المخلوع من ظلمٍ وجور بحق الكورد الفيليين لم يكن مخالفاً لكلّ الأديان السماويّة والأعراف والمواثيق الدوليّة فحسب، وإنّما كان مناقضاً لأحكام الدستور الذي أصدره النظام في 16/7/1970، خاصّة في المادّة (16) منه والتي نصّت على ما يلي: (لا تُنزع الملكيّة الخاصّة إلاّ لمقتضيات المصلحة العامّة وفق تعويض عادل حسب الأصول التي يحدّدها القانون)، والمادّة (19) منه والتي نصّت على ما يلي: (المواطنون سواسية أمام القانون دون تفريقٍ بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو الدين).

7. إجراء التجارب الكيمياويّة والجرثوميّة على الفيليين

كان الكورد الفيليون طيلة الثمانين سنة الماضية بين المطرقة والسندان والمتمثّلة بالقوانين الجائرة التي أصدرتها الحكومات الدكتاتوريّة المتعاقبة، وخاصّة القرارات الإجراميّة الظالمة زمن البعث، وبمجرّد خط قلم من صدام حسين تمّ تهجير آلاف العوائل إلى الحدود الإيرانيّة، وإلقائهم وسط حقول الألغام التي أدّى انفجار قسم منها إلى استشهاد العشرات، جلّهم من الشيوخ والنساء والأطفال، فضلاً عن احتجاز آلاف الشباب من أبناء المهجّرين، ومنهم مَن كان يؤدّي الخدمة الإلزاميّة في الجيش العراقي..!! جرت تصفيتهم بعد قضائهم سنين طوال في سجون النظام بموجب قرار وزارة الداخليّة رقم (2884) لسنة 1980 الخاص بالمهجّرين العراقيين (انظر الوثيقة المرفقة).

 

وكانت تبريرات النظام المقبور وحججه ضدّ الكورد الفيليين هي مشاركتهم في نشاطات تخريبيّة مدعومة من إيران، ومنها حادث التفجير في الجامعة المستنصريّة بدراما محبوكة من أجهزة البعث القمعيّة.

حيث قامت عناصر النظام البائد بحجزهم في سجون نقرة السلمان والتسفيرات والحاكميّة والفضيليّة وأبو غريب والسجون السريّة التابعة للمخابرات العراقيّة، ومن ثمّ إبادة أكثر من خمسة الآف شاب فيلي عبر التجارب الكيمياويّة والغازات السامة وأحواض التيزاب، من قِبل المقبور حسين كامل بالتنسيق مع المجرمين: (سعدون شاكر، ومزبان خضر هادي، وعزيز صالح النومان، وطارق عزيز، وأحمد حسين خضير السامرائي)، بأمرٍ من صدام حسين بعد أن تمّ تهجير ذويهم  إلى إيران، وفقاً للوثائق التي تمّ العثور عليها ومنها ما قامت به الوحدة العسكريّة رقم ( 5013 ) من الصنف الكيمياوي من الحرس الجمهوري.

لقد تمّ ترحيل أوّل كوكبة من الشهداء في يوم 31/12/1985 إلى معسكر التجارب الكيمياويّة على الأرجح، وكان من هؤلاء الشهداء الأبطال:

1. الشهيد محمد رضا الله كرم (باوه جابري).

2. الشهيد فائز جبار كه سه.

3. الشهيد سمير يوسف.

4. الشهيد نزار يوسف، وكان من الشباب الفيليين الرياضيين، مدرّب الشباب الفيليين على الجودو والكاراتيه داخل معتقل الفضيليّة.

5. الشهيد منير يوسف، وكان أثناء فترة اعتقاله صبيٌّ صغير يافع في عمر الزهور.

6. الشهيد الملاكم أحمد الفيلي.

7. الشهيد علي فرج محمود، وهو أخو الشهيد قاسم فرج وعمّ كلّ من الشهداء: قاسم فرج، والشهداء هاشم يحيى أبو زكريا، وبركان أولاد الحاج محمود فرج الذين استشهدوا في الوجبات اللاحقة في المقابر الجماعيّة.

8. الشهيد أكرم إبراهيم، وهو شقيق الشهيد غازي إبراهيم.

9. الشهيد حسن أسد الله.

10. الشهيد حسين أسد الله.

11. الشهيد بدري شكري، وهو أخو الشهيد فخري شكري الذي استشهد في الوجبات اللاحقة.

12. الشهيد جلال الفيلي.

أمّا الذين أُطلق سراحهم بعد سنين طويلة من الحجز في سجون مديريات أمن المحافظات، وفي سجن مديريّة أمن بغداد (تحت الأرض)، وفي سجن الفضيليّة، وسجن أبو غريب المركزي، فقد حاولت السلطات إغرائهم وزوّدوا كلّ محتجزٍ برقمَي هاتف لاستخدامها عندما يتعرّضون لأيّ تحقيقٍ عند الخروج. وعند إطلاق سراحهم أُعطي لهم صور صدام حسين وأُمروا بأن يظهروا بمظهر الفرح أمام كاميرات التلفزيون، على قرار العفو ومكرمة السيّد الرئيس.

حيث قام النظام السابق بإخراج أولى المجموعات من سجن قلعة السلمان في بداية عام 1986 وحتى بداية عام 1989، حيث أطلق سراح حوالي (650) محتجزاً فقط من الذين شملهم قرار العفو، بينما نُقل بقيّة المحتجزين في سجن قلعة السلمان إلى جهات مجهولة ولحدّ الآن لم يُعرف مصيرهم. لكنّ المعلومات تشير إلى أنّ الكثير من هؤلاء استخدمهم المجرم علي حسن المجيد الملقّب بـ(علي كيمياوي) لتجاربه في الأسلحة الكيمياويّة ..

لقد مضى أكثر من 30 عاماً على حجز هؤلاء الشباب وهم ليسوا بأسرى حرب أو معارضين سياسيين أو مجرمين، ذاقوا خلالها كلّ أنواع التعذيب النفسي والجسدي، بإلاضافة إلى ما عاناه ويعانيه أهل هؤلاء المحتجزين، وبالأخص آباؤهم وأمّهاتهم الذين لا زالوا لا يعرفون مصير أبنائهم، وأين استقرّت أجسادهم الشريفة، وفي أيّ مقبرةٍ من مقابر البعث الجماعيّة يرقدون؟!... لقد مات الكثير من الآباء والأمّهات وكانت أمنيّتهم الوحيدة هي اللقاء بأبنائهم.

8ـ تطليق الزوجات الفيليات بالإكراه

أصدر النظام البائد قرارات غير إنسانيّة صدرت بحقّ الشعب العراقي منها القرار المرقّم (150) والصادر في 28/1/1980، الذي ينصّ على حرمان العراقيّة المتزوّجة بأجنبي من الخدمة في مؤسّسات الدولة الرسميّة وشبه الرسميّة، فضلاً عن القرار المجحف المرقّم (474) الصادر في 15/4/1981، والذي بموجبه يُصرف للزوج المتزوّج من امرأة من التبعيّة الإيرانيّة مبلغ قدره (4،000) ديناراً إذا كان عسكرياً، و(2،500) ديناراً إذا كان مدنيّاً، في حالة طلاقه من زوجته وتهجيرها إلى خارج القطر. ويشترط لمنح المبلغ المشار إليه أعلاه ثبوت حالة الطلاق والتهجير بتأييد من الجهات الرسميّة المختصّة وإجراء عقد زواج جديد من عراقيّة.

 وفي عام 1982 صدر القرار المرقّم (1610)، والذي منع بموجبه المرأة المتزوّجة من غير عراقي من نقل ملكيّة أمواله المنقولة وغير المنقولة إلى زوجها غير العراقي.

 وبهذا الصدد أيضاً صدر تعميم سرّي لمدير عام مكتب أمانة القطر (علي حسن المجيد) حول ضوابط الزواج للرفاق الحزبيين (كتاب حزب البعث العربي الاشتراكي، العدد 33138/3 بتاريخ 14/11/1983 (، وبذلك أعطى النظام السابق الحقّ للرجل بتطليق زوجته والتفريق بينهما إذا كانت من أصول إيرانيّة مقابل مبالغ ماليّة!!

 

 

 تلك القرارات لا تمثّل سوى انتهاكاً صريحاً لحقوق الإنسان؛ لكونه تسبّب وبشكل سافر بتفكيك وحدة العائلة العراقيّة، وفرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة، ويشتمل على عمليات العقم الإجباري والإجهاض عن طريق إجبار بعض الأزواج على طلاق زوجاتهم من التبعيّة والفصل بين النساء والرجال.

 

9. فرض سياسة التعريب

بالنسبة للكورد الفيليين الذين لم يتمّ تسفيرهم، فقد قامت الدولة بإلغاء جميع إجازات الاستيراد والتصدير العائدة لهم، كما ألغت الوكالات التجاريّة الممنوحة لهم من قِبل المؤسّسات التجاريّة والاستهلاكيّة، بالإضافة إلى حرمانهم من استملاك الأراضي والعقارات، كما تمّ حرمانهم من الدراسات العليا والكلّيات العسكريّة.

وجرى ترحيلهم من مدنهم عبر التهجير القسري إلى وسط وجنوب العراق إلى مدينة الرمادي والسماوة والكوت والحلّة، فيما مُحقت أسماء مدنهم وقراهم وقصباتهم وشُطبت أسماؤهم من سجلاّت النفوس لعام 1957، واتّخذ التعريب صفةً رسميّة من خلال توزيع استمارات تصحيح الهويّة التي شملت مدن: (خانقين، مندلي، جلولاء، السعديّة، بدرة، الكميت) وغيرها، وما القرار رقم 199 لسنة 2001 سوى وسيلة من شأنها أن تدفع العراقيين لتغيير قوميّاتهم فقط لأجل التمكّن من الحصول على مباركة النظام.

قرار رقم 199 لسنة 2001

 صادر عن مجلس قيادة الثورة بتاريخ 6/9/2001

 نظراً لوجود حالات موروثة في سجلاّت الحكم العثماني للعراق ومن أجل إعطاء العراقي حقّ اختيار قوميّته... وانسجاماً مع مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي في أنّ العربي هو مَن عاش في الوطن العربي وتكلّم اللغة العربيّة واختار العروبة قوميّة له، واستناداً إلى أحكام الفقرة (ا) من المادّة الثانية والأربعين من الدستور، قرّر مجلس قيادة الثورة ما يلي:

أوّلاً: لكلّ عراقي أتمّ الثامنة عشر من العمر الحقّ في طلب تغيير قوميّته إلى القوميّة العربيّة.

ثانياً: يقدّم طلب تغيير القوميّة إلى دائرة الجنسيّة والأحوال المدنيّة المسجّل فيها الشخص.

ثالثاً: يبتّ مدير الجنسيّة والأحوال المدنيّة في المحافظة في الطلب خلال (60) يوماً من تاريخ تقديمه.

رابعاً: يثبّت قرار تغيير القوميّة في السجل المدني، ويتّخذ أساساً لتعديل جميع السجلاّت والوثائق الرسميّة الأخرى.

خامساً: يُصدر وزير الداخليّة تعليمات لتسهيل تنفيذ أحكام هذا القرار.

سادساً: ينفذ هذا القرار من تاريخ نشره في الجريدة الرسميّة.

        صدام حسين

   رئيس مجلس قيادة الثورة

 

10. حرمانهم من الدراسة والتعليم والوظيفة

مع ثورة تموز عام 1958 شهدت أوضاع الكورد الفيليين استقراراً وازدهاراً، حيث استطاعوا في العهد الجمهوري الأوّل من تأسيس جمعيّة لهذه الشريحة عُرفت باسم (جمعيّة الكورد الفيليّة)، وهذا خير دليلٍ على أنّه كان لهم دورٌ على الصعيد الثقافي ومنظّمات المجتمع. كما قاموا بتأسيس الثانويّة الأهليّة الفيليّة بعد أن كانوا قد أسّسوا المدرسة الابتدائيّة الفيليّة سنة 1946، والتي كان مديرها مهدي حسين التي أُعيرت خدماته من مدير مدرسة رسميّة إلى مدير مدرسة أهليّة.

 وقد شغلت المدرسة بناية عائدة للمرحوم نوخاس مراد (وموقعها في باب الشيخ مقابل حضرة الشيخ عبد القادر الكيلانيضمّ الكادر التدريسي في الثانويّة الفيليّة كلّ من الأستاذ المحامي حسين صيواني الذي كان مديراً لها، وعبد الخالق سهراب معاوناً، وبعض المدرّسين والمحاضرين.

أمّا المدرسة الابتدائيّة فكانت تضمّ مجموعة من التدريسيين العرب والكورد منهم: الشهيد سلام عادل عضو اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي العراقي، والروائي الكبير غائب طعمة فرمان، وأحمد زينل، وشهاب أحمد، وسلمان رستم، ومعلّم الرياضة عبد الأمير السعداوي، وعبد اللطيف حسين، وإبراهيم بشقه الذي كان يشغل درجة مدير عام في وزارة الماليّة. وأمّا مسؤول الماليّة الذي كان يجمع التبرّعات من الفيليين فكان محمد رضا مشهدي.

كان الفيليون تواقّين للعلم والمعرفة، وكما لاحظنا أنّهم أسّسوا هذه المدرسة أيام كانت أزقّة بغداد تمتلئ بالكتب والأساتذة لتدريس الطلاّب المبادئ الأوّليّة في القراءة والكتابة فقط، وتحفيظهم الآيات القرآنيّة الكريمة.

لقد أسهمت تلك المدارس في النهوض بالواقع التربوي لأبناء الكورد الفيليين وشبابهم، ولهذا اتّسعت نسبة المتعلّمين والمثقّفين منهم خاصّة بعد أعوام 1960 وما تلاها. إلاّ أنّ انقلابيي عام 1968 قاموا باغتيال طموحات الفيليين في نيل حقوقهم في التعليم، بعد أن أُغلقت المدرستين عام 1973 بعد تأميم المدارس الأهليّة. ولم يتوقّفوا عند هذا الحد، بل إنّهم قاموا بنقل العاملين في المجال التربوي كمدرّسين ومعلّمين إلى وظائف في وزارات أخرى؛ ليصبحوا بعد فترة مطرودين من الخدمة!!

 ومن الأمور المثيرة للسخريّة هي حرمان خرّيجو الدراسة الإعداديّة  (البكلوريا) المتفوّقين من الكورد الفيليين، من القبول في الكلّيات لعدم امتلاكهم شهادة الجنسيّة العراقيّة، في الوقت الذي كانوا يساقون إلى الخدمة في الجيش!!

وازدواجيّة التعامل هذه معروفةٌ، فالجيش بالنسبة للكورد الفيليين هي إحدى ساحات التصفية والقمع بتبريرات شتّى، خاصّة وأنّهم في عرف النظام طابور خامس، لذا كانوا يقومون بعزلهم في معسكرات خاصّة للتدريب أثناء أدائهم الخدمة العسكريّة وجمع بيانات مفصّلة عنهم، وتزويدهم بشهادة جنسيّة مميّزة لكي يسهل التعرّف على أصلهم وتجنّسهم من قِبل الجهات الأمنيّة والحزبيّة والاستخباريّة عند طلبها المستمسكات الرسميّة منهم، أو أثناء مراجعتهم لدوائر الدولة.

 وعلى إثر ذلك وأثناء عمليات التسفير وما بعدها حصلت حملات تطهير لكلّ الدوائر العامّة، وتمّ بموجبها طرد الآلاف من الكورد الفيليين من وظائفهم، ومن بينهم أطبّاء ومهندسين وقضاة وضبّاط وعلماء وأساتذة جامعيين ومدرّسين، من خيرة أبناء المجتمع من الذين قدّموا له خدمات جليلة لا ينكرها أحد (والعدو قبل الصديق).

ممّا يبيّن بما لا لبس فيه أنّ الكورد الفيليين استُهدفوا من قِبل النظام وفق مخطّط مدروس نُفّذ على مراحل كجزء من استراتيجيّة تصفية الوجود القومي الكوردي في العراق، إلى جانب المصادرة المجحفة للمدرستين الابتدائيّة والثانويّة الأهليتين للكورد الفيليين، رغم ما قدّمته للمجتمع من نخبة خيّرة متعلّمة وأجيال مثقّفة واعية من العرب والكورد على حد سواء. فكانت هذه الإجراءات المتعسّفة تستهدف طمس معالم الثقافة الفيليّة ومحو تاريخها المشرف وتراثها العريق.

 علاوةً على تشريعات سرّية أو غير منشورة في الجريدة الرسميّة، وما خفي كان أعظم، أو جاءت على شكل تعليمات وتوجيهات أوامر، ومنها حرمان الكوردي الفيلي من التعيين في دوائر الدولة، وإذا سُمحَ له بالتعيين فعلى نطاقٍ ضيّق ومحدود وفي وظيفة بسيطة وتحت المراقبة الأمنيّة المستمرّة، ولا يجوز له تولّي الدرجات الوظيفيّة الخاصّة وإن ثبتت كفاءته وإخلاصه في العمل.

 كذلك منعه من الاشتراك في أيّ عملٍ أو نشاط اقتصادي، تجاري أو صناعي مع الدولة، كالتعهّدات والمناقصات والمزايدات، ولم يكتفِ نظام الحزب الواحدبهذا فقط، بل إنّه راح يُمعن في ظلمه بوضع خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها...

 الكلّيةالعسكريّة وكلّية الشرطة والدراسات الأكاديميّة والتدريسيين والسلك الدبلوماسيمخصّصةٌ مقاعدها للبعثيين والمقرّبين من السلطة، فضلاً عن عدم شمولهم بامتيازات الشهداء والمعوّقين والأسرى نتيجة للحروب الصداميّة. ونتيجة لهذا الحصار والتضييقعلى الأنفاس والملاحقات انتمى مئات الآلاف في صفوف الحزب لأجل لقمة العيشوالتعيين في دوائر الدولة، أو لإكمال الدراسات العليا وللسفر خارج القطر، أو للحصولعلى امتيازات خاصّة أو للحدّ من ملاحقة الأجهزة الأمنيّة والحزبيّة لهم، فالأبواب كانتموصدة بوجهم أينما ولّوا وما مفاتيحها إلاّ الانتماء للحزب الفاشي.

ومن الفقرات التي لم يلاحظها أغلب المنتمين لهذا الحزب، هو أنّها كانت تجيز للسلطات إعدامهم متى ما تركوا الحزب، أو متى ما كانوا يعملون على )الخط المائل). بالمقابل هناك الآلاف من العراقيين رفضوا الانتماء إلى صفوف الحزب، فكان مصيرهم الفصل من دوائرهم، أو نقلهم إلى مؤسّسات ودوائر حكوميّة لتضييق الخناق عليهم أو السجن في أقبية الشعبة الخامسة والحاكميّة. من ضمن هذه الآلاف المئات من الفيليين الذين رفضوا الانتماء للحزب ولكلّ واحدٍ منهم حكاية لا تنتهي... أشبه بحكاية ألف ليلة وليلة وشهرزاد مع شهريار.

 

وبهذا لا يمكن الجزم بأنّ مَن بقي في العراق ولم يرحل أنّه كان مرتاح البال أو أنّه كان سعيداً، بل  العكس هو الصحيح، حيث عانت تلك العوائل كثيراً حتى سقوط صدام يوم 2003/4/9، كان هاجس الخوف والقلق والملاحقات الأمنيّة والشهريّة التي تقوم بها الفِرق الحزبيّة، وإجبار الأهالي للالتحاق في الجيش الشعبي، والزيارات المتكرّرة لسجن أبي غريب، ونقرة السلمان التي تقع في التخوم الغربيّة ومعاناة الطريق وأساليب حرس السجون، كلّها عبارة عن أحداث يوميّة تشغل بالهم وتلاحقهم مثل الكوابيس.

 

 

 

لثالث: الديارات والكنائس تراثٌ زاخر

 

 

 



([1]) هذه الكلمة باللهجة العاميّة، ومعناها: اُسكت.