الاصلاح - الفساد - الاستجواب والقضاء

 

 

حسين جلوب الساعدي

رئيس مؤسسة الهدى للدراسات (ذات النفع العام)

عناوين تتصدر العملية السياسية واجواء التنافس وشعارات المتظاهرين ومطالبة المصلحين وتغيير الحكومة واستجواب الوزراء وفضائح الاستجواب والحصانة القانونية والمثول امام القضاء ومصداقية وحيادة الاستجواب والمحكمة وتعدد الآراء حد الاختلاف والقطيعة في تقييم تلك القضايا والتعاطي معها على اساس الواقع ومفردات العملية السياسية والنظام الديمقراطي والاصطفاف الطائفي والدفاع العشائري .

هذه القضايا التي ترسم ملامح المشهد السياسي في العراق هذه الايام وتصاعد الاصوات وتنطع المتحدثون في التحليل وتتناقل الاخبار ما وراء الكواليس والغرف المغلقة قبل ان يتصافح المجتمعون للتوديع واصبحت الساحة مكشوفة والاجواء صافية والتقييم على اساس عاطفي يعبر عن الانتماء وليس ابداء الرأي .

وحين التوقف امام كل مفردة تعكس ازمة اجتماعية وسياسية فان اجواء التنافس على اساس المباديْ الديمقراطية والاعتماد على الدستور العراقي يكون بتداول السلطة سلميا من خلال الانتخابات التي تحدد نتائجها مضامن استلام السلطة وادارة الحكومة وفي اجواء التنافس للظفر على نتائج الانتخابات والتسقيط السياسي ارتفعت الاصوات في وسائل التواصل للحديث عن الفساد والمفسدين والمطالبة بالإصلاح وخرجت المظاهرات الصاخبة لتأييد حركة بعض القوى السياسية التي تشكل جزء من العملية السياسية المتهمة بالفساد من قبل منافسيهم منذ بدايتها وتسلموا المناصب الخدمية وشكلوا المكاتب الاقتصادية ومارسوا اساليب الضغط على الشركات والمقاولين وازدادت حجم المطالبة بأسقاط الحكومة ودخل المتظاهرون البرلمان ومجلس الوزراء وازدادت وتيرة الاحتجاج التي وصلت بالمطالبة بغلق مقرات الاحزاب السياسية ونفذ الهجوم الجماهيري الغاضب بتحطيم المكاتب والتجاوز على رموزها واختلطت الاصوات بين المنافسة السياسية والمطالبة الاصلاحية وطرح المشروع المدني الذي يطالب بفصل الدين عن الحياة السياسية ودخلت بعض المجاميع التي وصفها البعض بقايا حزب البعث المحظور وانقسم مجلس النواب تحت شعار الاصلاح وانقسمت الكتل السياسية تبعاً .

الا ان الملاحظ على هذه الاجواء لم تفرز مصداقا واحدا للفساد حتى يقع تحت طاولة المسائلة وظلت في اجواء العموميات والشعارات وكانت استجابة رئيس الوزراء تعكس مستوى الوضع السياسي في العراق في تغيير بعض الوزراء واستبدالهم باخرين بدون مبررات موضوعية وحتى الذين جاء بهم او اقالهم لم يخرجوا عن اجواء المحاصصة التي استبدلت بالموازنة السياسية .

واخيرا حصل مالم يكن بالحسبان حين الاستجواب لوزير الدفاع خالد العبيدي الذي قلب الطاولة في اتهام رئيس مجلس النواب وعدد من الاعضاء بالفساد والرشوة والتآمر والابتزاز فكانت الصدمة داخل البرلمان والذهول من قبل الجماهير وتوزعت الاتهامات واطلقت صفارات الانذار في ارجاء المجلس وارتعدت ورعدت نفوس من يشعر بالاتهام ثم صارت اسقاطات المشهد على القضاء ودخول رئيس المجلس وخروجه خلال دقائق مما يثير سخطاً على القضاء واتهامه بعدم النزاهة والحيادية .

وهكذا يستمر المشهد العراقي السياسي بتداعيات تهد كل المفاصل الادارية والتشريعية والقضائية وفي تلك الاجواء الصاخبة يتعطل العمل النافع في وسط الامة ويتناسى البعض الجبهة الحقيقية لمحاربة داعش والارهاب والطائفية والعنصرية وامن البلد والوضع الاقتصادي ويكون الفاسدون والمفسدون في مأمن من العقاب ويبتعد الجمهور عن قضاياه الحقيقية ويفتح الابواب والنوافذ للأعداء لتكون بعض الاصوات المخلصة اداة بيد المغرضين وتصبح بعض المبادرات خالية من الحكمة اذا كانت تتعهد الشعارات استجابة للضجيج وليس للعقل نصيباً منها .

فأن شعار الاصلاح يجب ان ينطلق بوضوح وفق تشخيص دقيق مع برامج اصلاحية عملية وليس استهداف العملية السياسية الدستورية والبرلمان والحكومة وانما تستهدف مظاهر الفساد التي تكون تسميتها وتشخيصها بكل شجاعة مقدمة الاصلاح وان عملية الاستجواب يكون الاعداد لها بمهنية بعيدا عن التصفيات السياسية حيث ان الاستجواب الاخير  يجعل السلطة الرقابية في طريقها الصحيح لممارسة دورها او يكون مقدمة لفظية تسقط فيها الرؤوس والاذرع .

 

وان القضاء في اداءه كما كان وفق الاصول والاجراءات القضائية كلما يساهم بضبط سير الدولة وعملها اما اذا اصبح جزءا من المعادلة والمنافسة والصفقات السياسية سوف لن تبقى في العراق قاعدة يعتمد عليها ويعم الظلم والفساد في البلاد.