الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء

بين تقريب المذاهب والدفاع عن المذهب

أركان التميمي·

  • كلية الامام الكاظم (عليه السلام ) للعلوم الاسلامية الجامعة في ميسان

بسم الله الرحمن الرحيم

بُني الإسلامُ على دعامتين:

"كلمةُ التوحيد وتوحيدُ الكلمة"([1])

المقدمة

لماذا محمد الحسين كاشف الغطاء تحديداً؟

ولماذا هذه المقاربة والمقارنة؟

وهل يُتوقع أن تجتمع الدعوة إلى تقارب المذاهب مع الاعتزاز بالمذهب والدفاع عنه؟

وما هي النتيجة التي أُريد الوصول إليها؟

قد يوجِّه لي مَنْ يقرأ عنوان بحثي (الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء بين تقريب المذاهب والدفاع عن المذهب) هذه الأسئلة، وحقّ له السؤال، وواجبٌ عليّ تقديم الإجابة عن تساؤلاته، والتي أختصرها بالقول:

كثيراً ما يخطر ببال الناس، أو يتبادر لذهنهم ويقفز لتفكيرهم أن التقريب بين المذاهب يحتَّم علينا التنازل عن المذهب، أو في الأقل التخلي عن كثير أو قليل من عقائده ومتبنياته وأسسه، لنتمكن بعد ذلك من تذويب الحواجز بين المذاهب، ونستطيع إيجاد أجواء التقارب بينها، بل إن فكرة التقريب بين المذاهب في عمقها أن نتنازل عن خصوصية المذهب، ولكننا ومن خلال هذا البحث نريد أن نقول إنّ السعي في التقريب المذاهبي لا يعني التنازل المذهبي، وتذويب الجليد بين المذاهب الإسلامية لا يعني إلغاء متبنيات المذهب الواحد وعقائده، بل إنه يمكن التقارب المذهبي إلى جنب الإيمان بعقائد المذهب والدفاع عنها والتعريف بها، وحتى لا تبقى هذه الفكرة في عالم التنظير، وهذه الدعوة في عالم الإدعاء، كان لا بد من دعمها بأنموذج على أرض الواقع، أنموذج يتحلّى بروحية التقريب بين المذاهب، والسعي لإذابة الحواجز فيما بينها، وفي الوقت  نفسه يعيش الاعتزاز والذبّ عن المذهب والدفاع عنه، على أُسس علمية رصينة، وأجوبة موضوعية متينة، وليس بدوافع التعصب الأعمى، وبعقلية التقليد المحض.

 وكان الإمام محمد الحسين كاشف الغطاء (رض) خيرَ أنموذج وأفضلَ مثال، إذ إنه ـ كما سنرى جلياً في محاور البحث ـ من رجالات التقريب بين المذاهب ودعاته الأوائل، وهو القائل:

"مضى عليّ أكثر من خمسين سنة وأنا أهيب بإخواني المسلمين أدعوهم إلى الاتفاق والوحدة وجمع الكلمة ونبذ ما يثير الحفائظ وينبش الدفائن والضغائن التي أضرّت بالإسلام وفرّقت كلمة المسلمين فأصبح الإسلام غريباً يستنجد بهم ، تكالب عليه أعداؤه وجاحدوه وخذله أهله وحاملوه.([2])

ولكن هذا لم يحلْ دون دفاعه عن مذهبه التشيع كلما تعرّض لهجمة هنا، أو شبهات هناك، وكلما رأى حاجةً للتعريف به وتوضيح عقائده وأصوله.

ولم يهن هذا الصوت ولم ينكل حتى أُخريات أيامه في الدنيا، حتى قال رضوان الله عليه وقد قارب الثمانين من عمره أو دخلها:

" من له أدنى وقوف على ما نحن فيه من هذه الظروف اذا نظر الى ما نفثته براعتي في هذه الصحائف، لا يشك أن ذلك لم ينبعث إلا عن زفرة قلب مشتعل، وفورة بركان ملتهب يقذف الحمم جمراً، ويرمي باللهب قسراً، زفرات حرية بأن تكون حرّى، لا يستطاع إمساكها ولا استدراكها، وكيف يستطيع الغيور، الصبر على هذه الأمور، وهو يرى بلاده نهباً مقسماً، للأعداء مغنماً، والمسلمون صاروا أذل من اليهود بل فريسة لهم، ومع هذا كلّه، فما أردنا أن نخدش عاطفة، أو نمس كرامة، أو ننال أحداً بسوء.

نعم إنَّ ما أردنا فيما أوردنا إلا النصيحة، وما بعثنا عليه إلا الاخلاص في أداء رسالتنا، والقيام بواجبنا، وخروجاً عن عهدة المسؤولية يوم الحساب كي لا يقال لماذا لم تأمر بالمعروف وأنت تعرفه ولم تنه عن المنكر وانت تبصره. وها أنا ذا قد وقفت على عتبة الثمانين، وأخذت أهبة الراحلين غداً او بعد غد (وما أنا إلا هامة اليوم او غد). وقد انهكت قواي الأيام والآلام، ولم يبق من متع حياتي إلا آلامي وأقلامي، عساني أنتفع بالأولى، وأنفع أمتي بالثانية."([3])

وأنا هنا لا أُخفي إعجابي الشديد بشخصية كاشف الغطاء قبل الولوج بهذا البحث، إعجاب تراكم من قراءاتي لكتبه، وانجذابي لأفكاره ومشاريعه وإنجازاته، وانبهاري بأسلوبه الفخم وأدبه الرفيع، وأجد ما سطره يراع العلامة الكبير الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله تعالى خير ما يختصر عليّ الطريق في التعريف بالإمام كاشف الغطاء والكشف عن ميزاته الفريدة، فقد قال:

"وليس من شك اننا في حاجة ماسة الى نوعين او صنفين من العلماء، احدهما للتفقة في الدين: وبث الشريعة حلالها وحرامها على اهل‏ المذهب وثانيهما لأظهار عظمة المذهب واعلان حقيقته على الأجانب والأقارب، ودفع الافتراءات والشبهات عنه، ولدينا من الصنف الاول القدر الكافي وزيادة والحمد لله.

لقد توفي السيد ابو الحسن الاصفهاني فخلفه من السادة الكبار اكثر من العدد المطلوب، اما الثاني فأندر من الكبريت الأحمر ...

توفي الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، والسيد محسن الأمين، والسيد عبد الحسين شرف الدين، فاحدثت وفاة كل منهم ثلمة في الدين ما زالت تنتظر من يملؤها.

التقى هؤلاء الاقطاب بالعالم، لا بالمقلدين والأتباع فحسب، ونقلت عنهم فئات شتى في الشرق والغرب، وعرف بهم البعيد أن في الشيعة معجزات من العبقرية، وأن مذهب التشيع يقوم على أقوى أساس وأمتنه .

وبالاختصار المفيد إن ما طلب لم يعرض، وما عرض أكثر من المطلوب، إن لدينا الكثير من الأصحاب الذين يعرفون الفرائض والسنن، أما الذين تباهل بهم، كما باهل النبي (ص) بأهل بيته (عليهم السلام) فأين هم بعد كاشف الغطاء والأمين وشرف الدين؟! ...

وقد يسمح الغد، وما ذاك على الله بعزيز. (ان شاء الله)

وليسمح لي الأستاذ الكبير أن أقول إن امثال كاشف الغطاء ، وشرف الدين والأمين ، والبلاغي يندر في القرون فإنهم في عصرهم مثل الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي والعلامة الحلي (رحمة الله) واضرابهم من النوابغ وأعلام الدين الشاهقة في زمانهم، وكانوا أشبه بسلفنا الصالح من علماء الدين في الإحاطة بأنواع العلوم الإسلامية، وفي الذب عن الدين من كل الضواحي([4]) نظائرهم على مرّ القرون؟ ومتى كثر امثالهم في الأدوار؟ بل هم أندر من الكبريت الأحمر كما صدع به الأستاذ.

نعم إننا في هذا العصر في أمسّ الحاجة الى أمثالهم أكثر من الزمن السالف، ولا يكفي في زماننا الاكتفاء بالفقه وأصوله في الذب عن الدين والدفاع عنه، وقلع أساس الأباطيل والأضاليل وقمع جرثومة الزندقة والإلحاد، وبيان حقائق المذهب على الأقارب والاجانب ودفع الأفائك والافتراءات ودحض الشبهات ورفع الاشكالات، وقد كنت طالباً للعلم الديني في حوزة (قم) قبل مهاجرتي الى جامعة النجف، وكنت كلما اشكل لي مسألة علمية أو غيرها كتبتها الى شيخنا إلامام (رحمة الله) وهو في النجف الأشرف فكان يأتي الجواب بأسرع الأوقات فأين مثله؟ ولِمَ غاب نجمُه؟ ومتى يأتي نظيرُه؟.

هيهات أن يأتي الزمان بمثلِه‏

 

إنّ الزمانَ بمثلِه لضنينُ ‏


ولعل الله يحدث بعد ذلك امراً."([5])

   

 

 

 

المحور الأول: مباحث تعريفية

سنتحدث في هذا المحور عن مباحث تعريفية مهمة قبل الدخول في صلب البحث وعمقه، من شأنها أن تجلّي لنا الصورة وتوضح لنا الكثير من الملابسات، ونقسمها إلى مباحث ثلاث:

المبحث الأول: التقريب لغةً واصطلاحاً

المبحث الثاني: إلمامة بحياة الإمام الشيخ كاشف الغطاء.

المبحث الثالث: الظروف الاجتماعية والدينية والسياسية وتأثيرها على الإمام كاشف الغطاء.

المبحث الأول: التقريب لغةً واصطلاحاً

التقريب لغةً من قرّبَ، "اقترب القومُ: دنا بعضهم من بعض، واقترب الوعدُ: دنا، ويقال: اقتربت منه. تقاربا: دنا بعضهم من بعض..تقاربا: دنا كلٌّ منهما من الآخر."([6])

أما من حيث الاصطلاح فـ"التقريب بين المذاهب الإسلامية واحد من الإصطلاحات الحديثة, وتعني السعي إلى تحقيق التّآلف والأخـوّة الدّينيـّة على أساس المبـادئ الإسلاميّة المشتركة الثّابتـة والأكيدة، وذلك بين أصحاب المذاهب الإسلاميّة وخاصة بين الشيعة (أتباع أهل بيت النبي(ص)) وأهل السّنّة (أتباع مدرسة الصحابة). ويعدّ السيد جمال الدين الأفغاني الأسدآبادي من أوائل الدّاعين للوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية، وكان هذا في بداية القرن الرّابع عشر الهجريّ من خلال مقالاته الّتي نشرها في مجلّة العروة الوثقى النّاطقة باللّغة العربيّة.وفي سنة 1317هـ.ش هاجر الشيخ محمد تقي القمي من إيران الى مصر وأسّس في القاهرة دار التقريب بين المذاهب الإسلامية. وكان الهدف الأساسيّ لدار التقريب هو إتّحاد المسلمين، وأن يقف العلماء السّنّة والشيعة في صفّّ واحد. وكان للشيخ محمود شلتوت دور كبير في دفع عجلة التقريب إلى الأمام من خلال الفتوى الّتي أصدرها في السّابع عشر من ربيع الأوّل سنة 1378هـ والّتي تنصّ على جواز التّعبّد على مذهب الشيعة كالمذاهب الأربعة الأخرى. وفي سنة 1369ش وبإقتراح من السيد الخامنئي أسس مجمع التقريب بين المذاهب الإسلاميٌة, حيث أخذ المجمع على عاتقه التقريب بين المذاهب الإسلاميٌة في العالم."([7] )

المبحث الثاني: إلمامة بحياة الإمام الشيخ كاشف الغطاء.

نختصر في التعريف بحياته الشريفة على أهم جوانبها، تاركين التوسع لمن أراد في الرجوع إلى مظان ذلك في كتب التراجم العامة، والمؤلفات التي كتبت حول شخصيته الفذة، ومقدمات كتبه، بل وإلى مذكراته الشخصية التي دونها في كتابه (عقود حياتي).

أوّلاً: النسب الشريف:

هو الإمام الشيخ محمد حسين ابن الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ موسى([8]) ابن‏ الشيخ جعفر ـ صاحب كشف الغطاء ـ ابن الشيخ خضر بن الشيخ يحيى([9])، الذي يرجع نسبه إلى مالك الأشتر النخعي الذي هو من حواري وخاصة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.([10])

ثانياً: الولادة الميمونة:

ولد الشيخ كاشف الغطاء في النجف سنة 1294 هـ الموافق 1877م، ووجد بخط والده (رحمه الله) أنّه ولد في سنة (1294 ه-) وأنّ تاريخ المنظوم ينطق بذلك فقد قال العلامة السيد موسى الطالقاني([11]) (رحمه الله) مؤرِّخا ولادة الشيخ الإمام الفقيد:

سُرورٌ به خُصَّ أهلُ الغري
بمولِدٍ فيه سُرَّ الهَنَا
وَقَدْ بشَّرَ المجَدُ مُذْ أرّخُوا

 

فَعَمَّ المشارقَ والمغربَيْن
ِوَقَرّتْ بِرُؤْيَتِهِ كُلَّ عَيْن
(سَتثْنى وَسَائِدهُ للحُسْينِ) ([12])

     
     
     
       

ثالثاً: النشأة المباركة:

نشأ في بيتٍ جليل طافح بالعلم والعلماء وعباقرة الفقه والاجتهاد، وتربى في حجر الفطاحل بالسؤدد والشرف والعزة، ولما بلغ العاشرة من عمره الشريف شرع بدراسة العلوم العربية، ثم قرأ علوم البلاغة، ودرس الرياضيات من الهيئة والحساب، وبرع في الآداب وصار ماهراً في النظم والنثر حيث كتب الأشعار والقصائد وعمره لم يتجاوز عشرين سنة.([13])

رابعاً: الصفات الغر والأخلاق الرفيعة:

كان من أظهر صفاته طهارة النفس وسلامة الطوية وحسن النية،  نفس لا تعرف الضغينة إليها طريقاً، ولا الحقد لها منفذاً، فقد كان يعفو عمن يسيء إليه، يتعالى عن عتابه وتذكيره، يتغاضى عن إساءته وتقصيره، لم يكن عنوداً متصلباً في رأيه، بل سرعان ما يقنع ويتراجع عندما يرى الصواب، ويمضي في خطته وعمله، وغير هيّاب، عندما يجد نفسه على حق وصواب، له ثقة تامة بنفسه لحد الاعتداد مع الابتعاد عن العجب والغرور، وكان (رحمه الله) حسن الوجه مليح الشكل متوسط القامة الى الطول أقرب وإذا كلّمته بشي‏ء أقبل نحوك بجميع حواسه‏. وقد امتاز الشيخ بحافظته القوية، وحضور البديهية، وحدة ذهنه وتوقده، وصفاء نفسه، له قلم سيّال وإملاء خاص لم يكن له نظير في واحد ممن عاصره، وأنّه أول خطيب بين علماء عصره مع أدبه الرفيع وأسلوبه الحكيم، وبيانه الأخّاذ، يلقي الخطب ارتجالًا في المؤتمرات والمنتديات، وكان له قوة بيان ولباقة وجرأة مفرطة مع صوت جهوري، وكان يسترسل في حديثه كأنّه حفظ على ظهر الغيب أو يكتب فكأنّه ينقل شيئاً مسطوراً دون أن يمرَّ عليه.

وإذا كتب سجع وكان يحب السجع ويستعمله حتى في كتابته العلمية.

وقد اتسم الشيخ (رحمه الله) بغيرته الشديدة على الشرق والمسلمين، وتألّمه لتأخّرهم وجمودهم، فكان يتلهّف لتقدم الشرق والمسلمين وخلاصهم من الاستعمار، ويتلهب غيرة وحماساً ونشاطاً في الأعمال النافعة لهم فكان من حماة الدين ونصراء الإسلام الذابين عنه بالألسنة والأقلام. ([14])

 رابعاً: منزلته العلمية:

كان الشيخ الفقيد (رحمه الله) عميد الطائفة الجعفرية وزعيمها وعلماً من أعلام الفرقة الناجية وناصرها ومنبع العلوم والآداب وكعبة الفضل التي إليها تُحْثّ الركاب. فهو سر الفصاحة وبحر البلاغة وإذا رقى منبر الدرس يضيع بحضرته سحبان كيف وهو فرع الدوحة الجعفرية اليانعة والنبعة العلمية المثمرة التي لم يزل العلم ضارباً فيهم رواقه وماداً عليهم سرداقه مايقرب من قرنين‏([15]).

كان (رحمه الله) الشخص العالمي في علمه ، وفقاهته ، واجتهاده ، وجامعيته ، وتضلعه في الفقه ، وأصوله وتبحره في الحكمة والفلسفة والمعارف الإلهية والمطالب العرفانية، فقد أربى علمه وفضله على سنِّهِ. كان تدريسه في مسجد (الهندي) تارة والصحن العلوي في طرف الباب الطوسي أو مقبرة الإمام الميرزا الشيرازي (رحمه الله) أخرى. وكان يكتب شرح العروة الوثقى ليلًا ويلقيه على تلامذته نهاراً. كان فقيهاً قوي الحجة والبرهان مجتهداً في المباني واسع الاطلاع حراً في آرائه ونظرياته.([16])

خامساً: شيوخه وأساتذته:

حضر الشيخ الفقيد (رحمه الله) عند الأساتذة الكبار في حلقات العلم، وحضر دروس الطبقات العليا كالمحقّق الأصولي المولى محمد كاظم الهروي الخراساني (رحمه الله) في عدة دورات في أصول الفقه، وحضر عند الفقيه الأكبر السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي من سنة (1312 ه-) إلى وفاة السيد سنة (1337 ه).

وحضر عند الفقيه الحاج آقا رضا الهمداني عشر سنوات، وعند المحقق الأصولي السيد محمد الأصفهاني ثلاث سنوات، وعند الفقيه الورع التقي ميرزا محمد تقي الشيرازي سنتين.

وحضر في الحكمة والكلام عند العلامة الحكيم الشيخ محمد باقر الاصطهباني (رحمه الله)، وعلى العلامة الأصولي الحكيم الشيخ أحمد الشيرازي والعلامة الشيخ علي محمد النجف آبادي‏.([17])

سادساً: أسفاره ورحلاته:

قام الشيخ الفقيد (رحمه الله) بعدة سفرات ورحلات منها:

1- سفره عام (1329 ه-) من النجف الأشرف الى مكّة المكرمة لأداء فريضة الحج، ومن مكة توجه الى دمشق ومنها إلى بيروت ومكث في ربوع سورية ومصر ثلاث سنوات، وفي سفره للحج كتب رحلته التي سماها (نزهة السفر ونزهة السمر). وفي مدة توقفه بمصر درس الفقه مرة والفصاحة والبلاغة أخرى في الجامع الأزهر. وكان يهجم على نوادي التبشير التي تعقد كل ليلة في كنيسة من كنائس الأمريكان ومدارسهم فكان يردّ على الخطيب المبشّر، وألف كتابه (التوضيح) وطبع جزؤه الأول في القاهرة والثاني في بغداد. واشترك في الحركة الوطنية مع بعض أحرار سوريا كالشيخ أحمد طبارة والشيخ عارف الزين صاحب مجلة (العرفان) الغراء وعبد الكريم الخليل، وعبد الغني العريسي وغيرهم.

2- سفره الى فلسطين عام (1350 ه-) لحضور المؤتمر الإسلامي في القدس الشريف، وقد أْتَمَّ به في الصلاة جميع أعضاء المؤتمر البالغ عددهم مائة وخمسين عضواً من أعيان العالم الإسلامي وخلفهم عدد كبير من أهالي فلسطين يناهز عددهم على خمسين ألف.

ثامناً: آثاره‏ االمطبوعة والمخطوطة:

وقد تجاوزت المئة عنوان، بين كتاب وشرح ومقالة وخطب وردّ وشعر ونقد، وقد تناول فيها أغلب العلوم، كالفقه والأصول والفسلسفة والحكمة والأخلاق والتاريخ والتفسير والكلام والسياسة والأدب، من نظم ونثر ونقد وغيرها.([18])

تاسعاً: شعر المؤلف‏

لقد حذا الشيخ الفقيد (رحمه الله) حذو المبرزين من أئمة القريض والنابغين في النظم، فنظم وأجاد وأبدع وأحسن وله شعر رقيق حسن الديباجة سهل اللفظ عميق المعنى تعاطاه يوم كان شاباً غض العمر نضر الحياة. وقد جعل شعره في مدح أهل البيت (عليهم السلام) ورثائهم وربما جادت قريحته السيّالة في غيره مما تكوّنه الظروف وتسنح به الفرص. وهو في ذلك أحد رجال المعركة الأدبية الرهيبة وفرسانها الحماة وفي معركة العموديين والبديعيين كان من أبطالها وأهل الحل والعقد بها([19]).

عاشراً: وفاته الأليمة‏

لقد أصاب الشيخ الفقيد (رحمه الله) المرض وقد دخل مستشفى الكرخ في بغداد ومكث به شهراً ثم خرج منه وسافر الى إيران لتغيير الهواء ووصل إلى (كرند) وبعد وصوله بثلاثة أيام انتقل الى جوار ربه والتحق بالرفيق الأعلى في يوم الأثنين المصادف الثامن عشر من ذي القعدة سنة (1373 ه-). ونقل جثمانه الطاهر إلى بغداد في يومه وشيعه الأعيان والوزراء الطبقات كافة ونقل بعد ذلك إلى مدينة النجف الأشرف يوم الثلاثاء ودفن في نفس اليوم في وادي السلام في مقبرة خاصة به في جهة مقام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) في الجهة الشمالية الغربية من الوادي.

وأقيمت له مجالس عزاء في سائر الأقطار الإسلامية، وأقيم له حفل كبير لتأبينه في ذكرى أربعينه في ساحة مدرسة الصدر، وألقى فيها العلماء والشعراء الكلمات البليغة والقصائد الرائعة، وقد أعقب الشيخ بعد وفاته خمسة ذكور وهم: الشيخ عبد الحليم وهو أكبرهم وشريف وعبد اللطيف وعبد الرحيم وعبد الكريم، وقد أرّخ عام وفاته كثير من الأدباء([20]). ومنهم الأستاذ الشيخ علي البازي وله فيه عدة تواريخ منها قوله:

هَتفَ النَّعْيُ بِفَقْدِ منْ كَشَفَ الغِطَا

 

للمُسْلِمين وقدْ أُذيعَ بَيانهُ‏

فَتَنكّسَتْ أعْلامُها لمُصابِه‏

 

واغْبَّر مِنْ أُفْق العُلى كيوانه‏

وتَعطلَتْ أحْكَامُ شرْعةِ أحْمَد

 

والدّينُ أعْولَ مُذْ قَضَى عُنوَانهُ‏

والشَّرْعُ أذْهلَهُ المُصَابُ وَوَقْعُهُ‏

 

إذْ قَلبتهُ بالشجى أَشْجَانُهُ‏

كَتبَ القضَامُذْ أرّخُوهُ (بَيَانَهُ‏

 

بَعْدَ الحُسَينِ تَهدَّمَتْ أرْكانُهُ)([21])

     

المبحث الثالث: الظروف الاجتماعية ْوالدينية والسياسية وتأثيرُها في شخصية الإمام كاشف الغطاء

لما كان الإنسان ابنَ بيئته، والرأي وليدَها، يتأثر بكل ما حوله، كان لا بد أن نطلع ولو اطلاعاً موجزاً على الظروف التي واكبها الشيخ كاشف الغطاء، من بعد أن قدمنا إلمامة عن حياته، لنرى كيف تركت هذه الظروف بصماتها على مواقفه، وكيف ترك بصماته على الأحداث المحيطة به والعاصفة بمجتمعه.

ومن أول المؤثرات في شخصية كاشف الغطاء هي بيئة النجف الأشرف العلمية، وانتماؤه إلى عائلة علمية عريقة، يضاف الى ذلك الوضع الأسري العلمي والثقافي الذي نشأ فيه، حيث ولد ونشأ وترعرع في بيت للكتاب فيه قيمة عليا، "وهو الابن الثاني للشيخ العالم علي كاشف الغطاء، الذي اشتهر بين علماء النجف بحبه للكتاب وجمعه لمكتبة عظيمة وطول اناته وصبره في نسخ المخطوطات النفيسة والنادرة ،ولاشك انه ترك هذه المكتبة لولديه الشيخين احمد ومحمد الحسين كاشف الغطاء على التوالي ، كما ترك معها ذات الحرص على الكتاب والافاق التي يفتحها والانوار التي يسكبها في روح شفافة محبة للعلم والقراءة كروح محمد الحسين ،فكان ذلك الاب وتلك التركة الكتبية واحدة من ابرز المؤثرات الاولى في حياة الشيخ الامام كاشف الغطاء الاصلاحية التنويرية في سنوات مرجعيته وبروز دوره."([22])، وبعد البيت الزاخر بالعلم والمعلومة، وبعد البيئة النجفية المنفتحة على مختلف الآراء والنظريات، ووجود مراجع أمثال السيد كاظم اليزدي ومحمد كاظم الخراساني مناصر المشروطة والتجديد، يأتي الحراك الثقافي والعلمي الذي تعيشه الحواضر الإسلامية، والذي كان يصل إلى النجف عن طريق كتابات الإصلاح ومجلات الحراك الثقافي، وعن طريق شخصيات إصلاحية تنويرية بارزة مثل جمال الدين الأفغاني الذي زار النجف مرتين، كل هذه الأجواء تركت بصماتها على شخصية الإمام كاشف الغطاء، حتى أصبحت شهرته تطبّق الآفاق، مصلحاً كبيراً، وداعية شهيراً، ومرجعاً قديراً.

ولما كان الإمام كاشف الغطاء عالماً بارزاً حباه الله تعالى من المواهب بما حباه، وكانت له هذه الموقعية، ويتمتع بوعي وحرقة وإخلاص، كان لا بد أن يتألم للواقع الذي تعيشه الأُمة، ولا بد لحالة التمزق والضعف الذي تعيشه الدول العربية والإسلامية أن تلقي بظلالها على تحركات الشيخ كاشف الغطاء ومواقفه، "حيث عايش انحطاط الدولة العثمانية، وتأخر البلاد العربية والإسلامية،  وضعفها وغلبة الإفرنج على كثير من البلدان العربية"([23])، وعاصر أحداثاً كثيرة وخطيرة، وشارك في أحداث سياسية خطيرة، مثل الجهاد ضد البريطانيين الغزاة، ومقاومة احتلالهم للعراق، إلى معايشته للثورات العراقية كثورة النجف ضد العثمانيين سنة 1915م، وثورة العشرين ضد الإنجليز، وثورة 1930 ضد المعاهدة المعقودة بين الحكومة العراقية والانجليز، وثورة مايس سنة 1941 م ضد الحكومة العراقية والانجليز معا، إلى أحداث العالم العربي والإسلامي ووقوع الكثير من البلدان تحت سيطرة الاحتلال، مثل مصر وتونس والجزائر وليبيا وغيرها، واحتلال فلسطين وإعلان تقسيمها سنة 1947م, ومواكبته لأحداث المشروطة، وقيام الحربين العالميتين الأُولى والثانية، وكل هذه الأحداث السياسية الخطيرة والمؤثرة في كيان الأُمة الإسلامية لا بد وأن تلقي بضلالها على كتابات الإمام كاشف الغطاء وآرائه ، والذي يحمل هم الإصلاح والنهوض بالأُمة من وضعها الراهن.

وهكذا انعكست الأحداث السياسية التي تنوء بها المنطقة على مجمل تحركات الإمام كاشف الغطاء طاب ثراه وخطاباته وكتبه، ولعلّ أهمَّ حدثين من هذه الأحداث شهدت وقعاً في نفسيته ومواقفه هو احتلال فلسطين، والذي ترجمه بأكثر من فتوى لجهاد الصهاينة، ورفع الصوت عالياً في الدعوة الى الوحدة لقتالهم، والحدث الثاني المؤثر هو ما شهده العراق من توالي المحتلين عليه والجثوم على صدره من الاحتلال العثماني إلى الاحتلال البريطاني، وكان لكاشف الغطاء الحضور القوي في مناهضة الاحتلال تعدى الخطابَ والكتاب إلى الحضور في ميدان المقاومة ضد هذا الاحتلال، إلى مساندة الحركات الثورية المعارضة للإنجليز وللاتفاقيات المبرمة معهم وتبنيها .

وتتعاضد مع الأحداث السياسية المواقف الدينية المتداخلة مع السياسة التي عاصرها كاشف الغطاء مثل حركة المشروطة، والتي لم يكن فيها متفرجاً بل مشاركاً، فكان مناصراً وأخوه الشيخ أحمد كاشف الغطاء للسيد كاظم اليزدي([24])، ومن بعد ذلك وفاة السيد اليزدي رحمه الله الذي كان يعد العدة للتوجه إلى إيران لمجاهدة الروس([25]) ، وقد كان لوفاته سنة 1919 م وقع في العالم الإسلامي إذ حضرت وفود من السنة للعزاء مما ساعد على تقارب المسلمين في العراق."([26])

ثم جاءت وفاة الميرزا محمد تقي الشيرازي في 3/ ذو الحجة/ 1338هـ الموافق  13 / آب / 1920 م، وهو خلف السيد كاظم اليزدي في المرجعية العامة، وكان قائداً لثورة العشرين، ووافته المنية والثورة قائمة.([27])

وهكذا كان لهذه الأحداث الكثيرة والخطيرة سياسياً ودينياً، مع طبيعة النشأة والمجتمع، الأثر الكبير في مواقف الإمام كاشف الغطاء، الكاشفة عن وعي كبير بما يدور حوله، فكان موقفه واضحاً من كل حدث، ورأيه حاضراً في كل معترك وقضية، وشخّص الداء والدواء، فكانت الفرقة برأيه هي الداء والوحدة والتقارب الدواء، فـ "الوحدة في تفكيره مصلحة عليا لا يجوز التفريط فيها أو التهاون بها والتغافل عنها، فكان يقدمها كأولوية أساسية في منهجيته الحركية.([28])"

وشخّص أن الاستعمار لا يمكن التخلَّص منه إلا بوحدة الدول الإسلامية، فيقول: " إن هذا الاستعمار الأعمى الظالم، بل المجنون العارم، يستحيل التخلَّص منه إلا بالاتحاد العميق والاتفاق الوثيق، وأن تكون تلك الدول الإسلامية كأجسام فيها روح واحدة، ولكل واحدة من الدول التمتع بوحدتها واستقلالها مع انضمامها إلى إخوانها في سائر أحوالها، بهذا حياة هذه الشعوب والدول، وإلا فإلى الهلاك مصيرها."([29])

 

 

 

المحور الثاني: جهود الإمام كاشف الغطاء في التقريب بين المذاهب

لا يخفى على أحد أن الإمام محمد الحسين كاشف الغطاء طاب ثراه من أعمدة التقريب بين المذاهب ومن دعاته، وكان يمثل المذهب الإمامي مع الشيخ محمد تقي القمي والسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي في دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، الذي تأسس سنة 1947م في القاهرة.

وعاش عمره يدعو لوحدة المسلمين وتآلفهم، مباركاً كل صوتٍ يرتفع في هذا الهدف، ففي رسالته لفضيلة الشيخ "محمود شلتوت" قال:

"اطلعت على كلمة لكم في بعض الصحف كان فيها لله رضى وللأمة صلاح، فحمدناه تعالى على أن جعل في هذه الأمة وفي هذا العصر من يجمع شمل الأمة، ويوحد الكلمة، ويفهم حقيقة الدين، ويزيد الإسلام لأهله بركة وسلاماً، وما برحنا منذ خمسين عاماً نسعى جهدنا في التقريب بين المذاهب الإسلاميّة وندعو إلى وحدة أهل التوحيد".([30])

ودعا الشيخ في كتاباته إلى المحافظة على حرية المذاهب والأديان، حيث يقول: "إلى كلّ ذي حس وشعور يعلم أن المسلمين اليوم بأشد الحاجة إلى الاتفاق والتآلف، وجمع الكلمة، وتوحيد الصفوف، وأن ينضم بعضهم لبعض كالبنيان المرصوص، ولا يَدَعوا مجالاً لأي شيءٍ مما يثير الشحناء، والبغضاء، والتقاطع والعداء"([31]).

ويجب المحافظة على حرية المذاهب والأديان كما قال تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق…. ) [سورة ص:٢6] ومن الحق أن ما يواجهه الحق من باطل يلزم المسلمين قطع أيادي السوء التي تعبث البلاد، ومن الحزم، بل من الحتم إذا حصل بين أهل البلد الواحد شيء من الوهم سعى الحكماء والعقلاء فوراً إلى إزالته والمبادرة إلى الإصلاح.([32])

بل كان يذهب لأكثر من الوحدة بين المسلمين، فقد كان "يرى الإمام كاشف الغطاء رحمه الله أن هناك أفقاً أوسع للوحدة، يشمل الوحدة بين المسلمين وغيرهم من الكتابيين، حيث يقول: (وحدة الإيمان تدعو إلى وحدة اللسان، ووحدة اللسان واللغة رابطة، والرابطة إخاء، وأخوة الأدب فوق أخوة النسب، وهي التي توحد العناصر المختلفة والمذاهب المغاير، فالنصراني، واليهودي، ولمجوسي والصابئي الّذين يخدمون لغتنا وثقافتنا، ويسالموننا يواسوننا في السراء والضراء، ولا يساعدون الأعداء علينا، ويحامون عن أوطاننا، هم إخوان المسلمين، وداخلون في ذمتهم، ويلزمهم حمايتهم، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وتجمعنا معهم الوحدة القومية، والقرآن الكريم ينادي ويشهد بذلك كما في قوله تعالى: }لا ينهاكم الله عن الّذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين{ [الممتحنة:8] }فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم{ [التوبة:7]."([33])

وبقي هذا الصوت الوحدوي صادحاً، لم يكلّ ولم يملّ ولم يسأم، لا يترك فرصةً إلا وأفصح عن رأيه، ولا موقفاً إلا وأعرب عن نظرته ونظريته، " مضى عليّ أكثر من‏ خمسين‏ سنة وأنا أهيب بإخواني المسلمين أدعوهم الى الاتفاق والوحدة وجمع الكلمة ونبذ ما يثير الحفائظ وينبش الدفائن والضغائن التي أضرت بالإسلام وفرقت كلمة المسلمين فأصبح الإسلام غريباً يستنجد بهم. تكالب عليه أعداؤه وجاحدوه وخذله أهله وحاملوه. ومن أراد شاهد صدق على ذلك فليراجع الجزء الأول من (الدين والإسلام) او الدعوة الإسلامية الذي طبع منذ (44) سنة ولينظر أول صفحة منه إلى صفحة 27 تحت عنوان (البواعث والدواعي لهذه الدعوة)، ثم يشفع هذه النظرة بأُخرى في أول الجزء الثاني منه فيرى المقطوعة التي يقول أولها:

بني آدم إنا جميعاً بنو أب‏

 

لحفظ التآخي بيننا وبنو أمِّ

     

ومنها يقول:

رأيتكم شتى الحزازات بينكم‏

 

وما بينكم غير التضارب بالوهمِ‏

خذوا ظاهراً من صورتي فضميرها

 

تصور من روح التحنن والرحمِ

يود لو ان الأرض تصبح جنة

 

تفيئكم ظل السلامة والسلم‏

بني آدم رحماكم في قبيلكم‏

 

فقد جزتم بري العظام الى الهشم‏

حناناً على هذي النفوس فإنها

 

سماوية من رشح ذيالك اليم‏

هلم نعش بالسلم عصراً فإننا

 

قضينا عصوراً بالتضارب واللدم‏

إليكم بني الأديان مني دعوة

 

دعوتكم فيها الى الشرف الجم‏

الى السلم فيكم والتساهل بينكم‏

 

فيا حبذا شرع التساهل والسلم‏

     

ولم تزل نشراتي ومؤلفاتي في أكثر من نصف قرن سلسلة متوالية الحلقات متصلة غير منقطعة كلا في النصح والإرشاد والدعوة الى الاتحاد، ودفع الفساد، وقد طبع (أصل الشيعة) تسع مرات في كل واحدة مقدمة طويلة في الحث والبعث الى الوعي واليقظة، وان البلاء على الإسلام قد أحاط بالمسلمين منهم ومن الملحدين ومن المشركين.

وفي خلال هذه البرهة تحملت الأسفار وركبت متون الأخطار في البر والبحر والهواء، وانا في المرحلة الأخير، من الحياة المنهوكة بالعلل والأسقام والتي هي تحت أجنحة الحمام، كل ذلك في سبيل الدعوة الى الخير والحق، وخدمة الإسلام خالصاً لوجهه الكريم لا نريد مالا او جاها ولا جزاء ولا شكورا. ومع ذلك أجدني مقصراً، ولا أرى لعظاتي ونصائحي أثراً فما السر في ذلك؟ حديث غريب يحز في النفس ويبعث الألم‏."([34])

وقد نلمح الجهود الكبيرة والمؤثرة التي قام بها الإمام كاشف الغطاء في تذويب الحواجز بين المذاهب والدعوة إلى إزالتها، وتقارب المذاهب، بأسلوبين:

الأُسلوب الأول: دعوة التقريب المباشرة

والتي تتجلّى من خلال المواقف التي اتخذها، والخطب التي ألقاها، والكلمات التي قالها، والكتابات التي صبّت في هذا الهدف النبيل، والسفرات التي قام بها، والمؤتمرات الإسلامية التي حضرها.

ويمكن إجمال أهم ما ركّز عليه كاشف الغطاء بــ:

أولاً: التحذير من الفرقة والتنافر والتباعد.

 وقد شخّصها أنها الداء الذي ينوء به جسد الأُمة، والثغرة التي تنفذ منها مخططات الأعداء ومؤامراتهم، " أيها الناس! أنا نذير الله إليكم! الله الله في بلادكم! الله الله في دينكم! .. دين الله وديعة عندكم وقد أصبح مهدداً، فإن لم تتفقوا وتتحدوا فسينزعه الله منكم فتنزع عنكم كل خير وبركة! وإذا بقيتم على هذا الحال من الفرقة والتقاطع فستذهب ريحكم ويتمزق شملكم وتكونون أذل من قوم سبأ!.

هنالك لو تدعو كليباً وجدتها

 

اذل من القردان تحت المناسم‏

     

أيها الناس! قلنا ولا نزال نقول: إن الإتفاق والإتحاد ليس من مقولة الأقوال ولا من عالم الوهم والخيال، ويستحيل أن توجد حقيقة الإتفاق والوحدة في أمة ما لم يقع التناصف والعدل بينها بإعطاء كل ذي حق حقه، والمساواة في الأعمال والمنافع، وعدم أستئثار فريق على آخر.

ولكن أين ذلك وأنى؟" ([35])

ثانياً: الدعوة إلى الاتحاد والتآلف والتآخي.

وقد ملأت كلماته الوحدوية الآفاق، وتلاقفتها الأفواه، ورددتها النوادي والمحافل، "وقد شاعت وانتشرت كلمتنا حيث قلنا قبل عشرين سنة: (بني الإسلام على دعامتين: كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة). فكان هذا الدين دين التوحيد، دين الوحدة، دين المساواة، دين محق العصبيات وسحق العنصريات، ونبذ القوميات وعنعنات الطبقات، والتفاخر بالأنساب والتعالي والتفوق بالآباء والأمهات.([36])

ثالثاً: اعتبار النفس الطائفي وتأجيج النعرات الطائفية الممزِّق للأُمة والخنجر الذي يطعن به الاستعمار خاصرة المسلمين.

ولهذا طالما دعا إلى إماتة النزعة الطائفية وإلاّ فلن تعود الأُمة لسابق مجدها وعزها : "وعسى أن يجمع اللّه الشمل ويلم الشعث وتزول الوحشة ويتحد الإخوان، تحت راية القرآن، ويعيدوا مجدهم الغابر، وعزهم الداثر، وأنهم لن ينالوا ذلك ولن يبلغوا العز والحياة حتى يميتوا بينهم النزعات المذهبية، والنزعات الطائفية، ولا زلت أقول: يلزم أن تكون المذاهب عندنا محترمة ونحن فوق المذاهب، نعم وفوق ذلك كله ما هو البذرة والنواة لحياة الأمم، هو أن يخلص كل لأخيه المودة ويبادله المحبة، ويشاركه في المنفعة، فينفعه وينتفع به، ولا يستبد ويستأثر عليه فيحب لأخيه ما يحب لنفسه، جدا وحقيقة، لا مخادعة مخاتلة.

وتحقيق هذه السجايا بحقائقها وإن أوشك أن يعد ضربا من الخيال ونوعا من المحال ولكن ليس هو على اللّه بعزيز ولا يأس من روح اللّه وأن يبعث في هذه الأمة اليائسة من لدنه روحا جديدة فتحيا بعد الموت وتبصر بعد العمى وتصحو بعد السكر إن شاء اللّه تعالى."([37])

و"من نداء له رحمه لله تعالى كتبه أيام مرضه الذي أودى بحياته وكان حينها راقداً في مستشفى الكرخ، ووجهه إلى الطوائف الإسلامية في البحرين، ونشرته جريدة اليقظة بتأريخ 4/7/1954م، يقول فيه:

} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تُقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون . واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً{ (آل عمران: 102 ـ 103)

كلُّ ذي حس وشعور يعلم أن المسلمين اليوم بأشد الحاجة إلى الاتفاق والتآلف، وجمع الكلمة وتوحيد الصفوف، وأن ينضم بعضهم إلى بعض كالبنيان المرصوص، ولا يدعوا مجالاً لأي شيء يثير الشحناء والبغضاء، والتقاطع والعداء، فإنّ كل ما يقع من هذا القبيل بين المسلمين في الوطن الواحد، أو في أوطان متباعدة هو أعظم سلاح للمستعمرين، بل هو قرة عين لهم، وما نشبت مخالب الأجانب في الممالك الإسلامية والبلاد العربية إلا بإلقاح الفتن بينهم، وإثارة النعرات الطائفية والإقليمية فيهم، يضرب بعضهم ببعض، ويذيق بعضهم بأس بعض، وتكون للمستعمر الغنيمة الباردة، والربح والفائدة، والخسران والوبال"([38])

رابعاً: الدعوة للرجوع إلى القرآن الكريم بوصفه أهم عوامل وحدة المسلمين.

وهذا ما كان يؤكد عليه ويقول: "كفى بالقرآن جامعاً، مهما بلغ الخلاف بين المذاهب، فإن رابطة القرآن تجمعهم في كثير من الأصول والفروع، تجمعهم في أشد الروابط فيما يُستنبط أو يُفهم من القرآن في بعض النواحي، اختلاف اجتهادي لا يوجب التباغض والتعادي، والقرآن صريح في لزوم الاتفاق والإخاء والنهي عن التفرقة والعداء، قد جعل المسلمين أخوة فقال عزّ شأنه: }إنّما المؤمنونَ إخوة{ الحجرات:10([39] )

خامساً: الفارق الجوهري والأصلي بين المذاهب الإسلامية هو الإمامة.

والإمامة كما تحدث عنها في أصل الشيعة وأصولها: "هذا هو الأصل الذي امتازت به الإمامية وافترقت عن سائر فرق المسلمين وهو فرق‏ جوهري‏ أصلي وما عداه من الفروق فرعية عرضية مثل الفروق التي تقع بين أئمة الاجتهاد عندهم مثل الحنفي والشافعي وغيرهما"([40])، ولكن لا الشيعة تكفّر من لا يقول بالإمامة، ولا السنة تكفر من يقول بالإمامة.

الأسلوب الثاني: الدعوة غير المباشرة للتقريب

وهذا الأسلوب يشيع روح التقارب ونبذ التنافر بين المسلمين من دون الحديث المباشر عن ذلك، ويتمثل ذلك ـ في رأيي ـ بالفقه المقارن الذي تميز به كاشف الغطاء طاب ثراه، إذ لم يكن مألوفاً قبله ـ إلا بمحاولات معدودة ومحدودة ـ أن يتعرض فقيه شيعي لنص سني ويستفيد منه، خصوصاً في كتاب كبير ومهم، حيث أخذ كاشف الغطاء كتاب تحرير المجلة والذي يختص بالأحكام العدلية في الدولة العثمانية، وهي أحكام مبنية على الفقه الحنفي المعتمد في الدولة العثمانية، وجعله محوراً للدراسة والنقد والتحليل، في خطوة رائدة في مجال الفقه المقارن بين الفقه الحنفي والفقه الإمامي.

واللافت للنظر أن الشيخ كاشف الغطاء أثنى على الكتاب والجهود العلمية التي بذلها علماء المذاهب الإسلامية، وأنهم عملوا ذلك ابتغاء لوجه الله وأن سعيهم مشكور عند الله تعالى، وسيثيبهم بكرمه ولطفه إن شاء تعالى.

وهذا الأسلوب الهادىء الموضوعي من شأنه أن يذيب الجليد الفاصل بين المذهب الإمامي والمذاهب الأُخرى، عندما يجد أهل المذاهب الأُخرى عالماً شيعياً يتعامل باحترام وتقدير مع نتاجهم الفقهي، ويوليه حقه من الدراسة والتحليل والمقانة.

وقد يكون من هذا اللون أيضاً حضورُهُ لدروس شيخ الأزهر سليم البشري لأشهر، والقاؤه الدروس في الأزهر استجابةً لرغبة الطلاب، وقد كان موضع إعجابهم ومحط أنظارهم.

 

 

المحور الثالث: جهوده في الدفاع عن المذهب الإمامي

مع ما كان لسماحة الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء رضوان الله عليه من جهود عظيمة في التقريب بين المذاهب، كانت له جهودٌ عظيمة في الدفاع عن التشيع والذب عنه، وهذه هي المقاربة التي نريد تسليط الضوء عليها، بل قد يعدها بعضٌ مفارقة، وله الحق في ذلك وسط ما هو شائع وراسخ في الأذهان والأفهام عن التقريب بين المذاهب، فهو رضوان الله عليه وكان ينبري مدافعاً عن الإسلام وقضاياه، وداعياً لوحدة المسلمين، ونابذاً الفرقة والشحناء والتباعد، نراه مدافعاً عن المذهب ومعرِّفاً به، ودارئاً عنه الشبهات، ويمكننا أن نلحظ هذه الجهود الكبيرة من خلال أُمور:

الأمر الأول: الاعتزاز بالتشيع والإيمان بأحقيته

لا شك أن اعتزاز الشيخ كاشف الغطاء (رضوان الله عليه) بمذهبه، وإيمانه بأحقيته، وهو العالم الذي سبر غور الأدلة، ومحص البراهين، وبنى اعتقاده على أساس متين، ودليل رصين، "وإنما المقصود بيان مبدأ التشيع وغرسه في حديقة الإسلام وشرح أسباب نشوئه ونموه، وسمّوه وعلوّه، وما تكلم عن عاطفة بل اتى باحث عن حقيقة، يمشي على ضوء أمور راهنة وعلل وأسباب معلومة وأحسبني بتوفيقه تعالى قد أصحرت بذلك وأعطيته من البحث حقه فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر."([41])، ولعل في تذييل جواب له باستشهاد بكلمة لجده الأعلى الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدس سره، خير شاهد على ما أقول: " واختم كلمتي هذه بكلمة وجيزة لجدي الاعلى الشيخ جعفر الكبير صاحب كتاب كشف الغطاء (قدس سره)([42]) حيث يقول في خاتمة كلام له: احضر احوال القوم بين يديك وتوجّه للنظر فيها بكلتي عينيك وتفكّر في الفروع والإيقاع لتعلم حال الأصول وينقطع النزاع، لعل البصرة تبصرك وجملها ينذرك، وصفين تصفيك، وكربلاء والكوفة تكفيك‏، واختلاف ذات البين وحصول الشقاق في الجانبين أبين شاهد على انّ الحق في جانب واحد، وان الحكم بحقيّة الطرفين اعتقاد فاسد (انتهى) وأقول: [إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ]([43])- سبحانك- ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير([44])."([45])

الأمر الثاني: التعريف بالتشيع

لم يألُ الإمام كاشف الغطاء جهداً في التعريف بالتشيع، وبيان حقيقته، وما كتابه (أصل الشيعة وأصولها) إلا مثالٌ بارز على ذلك.

فقد جاء هذا الكتاب القيم بعد مراسلات من شباب مؤمنين شكوا إليه جهل الناس بالتشيع ووصف الشيعة بكل ما هو زيف وتحريف، وكتب شابٌ عراقي من البعثة العلمية التي أرسلتها الحكومة العراقية للتحصيل في (دار العلوم العليا) بمصر كتابا مطولاً يشرح فيه ما كان يسمعه من علماء في الأزهر عن التشيع، وما يقولونه أنه حركة سياسية جاء بها الفرس وليس مذهباً إسلامياً، ولا ينتمي للأديان، وكتب له أيضاً شاكياً له جهل الناس في لواء الدليم بالشيعة والتشيع، فرأى لزاماً عليه أن يكتب كتاباً يعرف الناس بالتشيع أصله وأصوله وعقائده.

بل اعتبر التعريف بالتشيع يقضي على البغضاء والشحناء التي في الصدور، لأنه لو عرف أبناءُ المذاهب الأُخرى حقيقة التشيع ومن هم الشيعة لما وصموهم بكل عيب ونبزوهم بكل وصف شنيع، " ولو عرف المسلمون حقيقة مذهب الشيعة وأنصفوا أنفسهم وإخوانهم لأماتوا روح تلك النشرات الخبيثة التي تثير الحفيظة، وتزرع الضغينة، وتكون قرة عين وأكبر سلاح للمستعمرين ولملاحدة العصر، الذين هم أعداء كل دين، أفلا يثير الحفيظة ويؤجج نار الشحناء في صدور عامة الشيعة ما يقوله في (فجر الإسلام) صفحة 33: إن التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام إلى آخر ما قال ... يكتب هذا ويعلم أن النقد من ورائه والتمحيص على أثره، يجرح عاطفة أمة تعدّ بالملايين، وتتكون منها الطائفة العظمى من المسلمين‏.([46]) ، وهكذا يدمج كاشفُ الغطاء التعريفَ بمذهبه بالتقريب بين المذاهب، بأن يجعل معرفة الآخرين بالتشيع مدعاة لعدم النيل منه ورمي الشيعة بالضلالة والخروج عن الدين، فالتعريف بالمذهب وسيلة للتقريب بين المذاهب عند الإمام كاشف الغطاء، ولهذا قال: " أعظم الغرض وأشرف الغاية، رفع أغشية الجهل عن المسلمين من عامة فرق الإسلام، كي يعتدل المنصف، وتتم الحجة على المعاند وترتفع اللائمة ووصمة التقصير عن علماء هذه الطائفة، وأعلى من ذلك رجاء حصول الوئام، ورفع الشحناء والخصام، بين فرق الإسلام".

ولا يقتصر تعريف التشيع على عامة الناس، بل العلماء أحوج بهذا التعريف، وإن جهل العلماء بالتشيّع فكيف سيكون حال العامة؟!

" حتى وقع في يدي- في تلك الآونة- كتاب الكاتب الشهير (أحمد أمين) الذي أسماه (فجر الإسلام) فسبرته حتى بلغت منه إلى ذكر (الشيعة) فوجدته يكتب عنهم كخابط عشواء أو حاطب ليل، ولو أن رجلا في أقاصي الصين كتب عنهم في هذا العصر تلك الكتابة لم ينفسح له العذر، ولم ترتفع عنه الإثمة، ولكن وقفت على قدم ثابتة من صحة ما كتبه ذلك الشاب، وقلت إذا كان مثل هذا الرجل وهو يكتب كتابا يريد نشره في الأمة الواحدة التي جعلها اللّه إخوانا بنصّ فرقانه المجيد واستطلاع أحوالهم، والوقوف على حقيقة أمرهم على كثب منه وأيسر شي‏ء عليه، ومع ذلك يسترسل ذلك الاسترسال ويتقول على تلك الطائفة تلك الأقاويل، إذن فما حال السواد والرعاع من عامة المسلمين"([47])

الأمر الثالث: درء الشبهات عن التشيّع

كثيرة هي الشبهات التي تلصق بالتشيع جهلاً أو عناداً، وكثيرة هي الردود، وللإمام كاشف الغطاء ردود غاية في العلمية والرصانة، والإيجاز والمتانة، والعديد من كتبه إنما كان المحرك لها شبهة أو شبهات مثارة، ومن أبرز كتبه في هذا المجال:

1ـ أصل الشيعة وأصولها، وهو الكتاب الشهير المطبوع بطبعات كثيرة، ومترجم لأكثر من لغة، وقد جاء بالدرجة الأساس رداً على شبهات الكاتب المصري أحمد أمين في كتابه (فجر الإسلام) حول الشيعة وأصل تسميتهم وأصولهم، وتأثرهم باليهودية والنصرانية والزرادشتية، وقد عزا أحمد أمين بعد انتشار كتابه وفي اثناء زيارته النجف الاشرف هذه الهفوات إلى عدم إطلاعه على كتب الشيعة، كما قال ذلك الإمام كاشف الغطاء في مقدمته لكتابه أصل الشيعة وأصولها، " ومن غريب الاتفاق أن (أحمد أمين) في العام الماضي 1349 هجري بعد انتشار كتابه ووقوف عدة من علماء النجف عليه، زار (مدينة العلم) وحظي بالتشرّف بأعتاب (باب تلك المدينة) في الوفد المصري المؤلف من زهاء ثلاثين بين مدرّس وتلميذ، وزارنا بجماعته ومكثوا هزيعا من ليلة من ليالي شهر رمضان في نادينا في محفل حاشد، فعاتبناه على تلك الهفوات عتابا خفيفا، وصفحنا عنه صفحا جميلا، وأردنا أن نمرّ عليه كراما ونقول له سلاما، وكان أقصى ما عنده من الاعتذار عدم الاطلاع وقلّة المصادر، فقلنا: وهذا أيضا غير سديد، فإن من يريد أن يكتب عن موضوع يلزم عليه أولا أن يستحضر العدة الكافية ويستقصي الاستقصاء التام، وإلّا فلا يجوز له الخوض فيه والتعرض له، وكيف أصبحت مكتبات الشيعة ومنها مكتبتنا المشتملة على ما يناهز خمسة آلاف مجلد أكثرها من كتب علماء السنة وهي في بلدة كالنجف فقيرة من كل شي‏ء إلّا من العلم والصلاح إن شاء اللّه، ومكتبات القاهرة ذات العظمة والشأن خالية من كتب الشيعة إلّا شيئا لا يذكر، نعم القوم لا علم لهم من الشيعة بشي‏ء وهم يكتبون عنهم كل شي‏ء.."([48])

2ـ رسالة نقض فتاوى الوهابية وهي رسالة من خمس أو أربع رسائل جمعت في كتاب «الآيات البينات في قمع البدع والضلالات»، وهو ردٌ على فتاوى الوهابية في تحريم البناء على القبور، وزيارتها، وما يتصل بها من أُمور، والتي خالفوا فيها الإجماع الإسلامي.

3 ـ التربة الحسينية، الذي كتبه استجابةً لطلبات وردت إليه، ليوضع ما يخطه يراعُه عن التربة الحسينية وتأريخها في دائرة معارف كبرى لأحد المستشرقين وقد طلب أن يكتب أحد علماء الشيعة عن هذا الموضوع، ولا شك أن الكتابة عن هذا الموضوع لتوضيح قضية استحباب السجود على التربة الحسينية، ورمزية ذلك عند الشيعة، يكون رداً على الشبهات الساذجة التي تثار على الشيعة في سجودهم على التراب، وأنهم يعبدون الحجر.

 

 

 

 

 

 

المحور الرابع: معطيات البحث

بعد هذه الجولة في حياة الإمام كاشف الغطاء ومؤلفاته وآرائه وكلماته ومواقفه الوحدوية يمكننا إجمال عطاءات البحث ونتائجه من كل ما تقدم بـ :

1ـ المقصود بالتقريب بين المذاهب والوحدة بين المسلمين، في نظر الإمام كاشف الغطاء، هو موقف متوازن بين التقارب المذاهبي مع احترام خصوصية المذهب وعدم التنازل عنه، ولذلك رأينا كاشف الغطاء داعيةَ تقاربٍ بين المذاهب، وصوتاً مخلصاً في وحدة المسلمين، وفي الوقت نفسه منافحاً عن مذهبه وذاباً عنه، ومعرِّفاً به.

2ـ ليس المراد من التقريب بين المذاهب الإسلامية إزالة أصل الخلاف بينها ، فالاختلاف أمرٌ طبيعي، بل أقصى المراد وجلّ الغرض هو إزالة أن يكون هذا الخلاف سبباً للعداء والبغضاء، فالهدف ان نستبدل الاخاء والتقارب بالتباعد والتضارب تبديل التباعد والتضارب بالإخاء والتقارب.

 في ذلك يقول الإمام كاشف الغطاء طاب ثراه:

 "اعلموا أولاً أن الأختلاف ليس ضرورياً في البشر فقط بل هو ضروري في طبيعة هذا الكون ايضاً، اعني عالم الكون والفساد، ليل ونهار وظلم وانوار، وحرّ وبرد، وصيف وشتاء، وغيم وصحو، وهلّم جرّا واختلاف الآراء من ادق نواميس الكون واقوى قاعدة لحفظ نظام العالم، ولا يزالون مختلفين، والوحدة التي ندب اليها القرآن الكريم ليست هي الوحدة في الآراء والمذاهب فذلك مستحيل بحسب طبيعة البشر ومعطّل لأكبر المواهب واي موهبة اشرف من موهبة حرية الآراء وعدم الحجر على العقول واخماد جذوة الذكاء والفهم والبحث والتنقيب، وانما المراد بالوحدة المندوب اليها في القرآن العزيز والتي هي احدى دعامتي الاسلام ــ الوحدة والتوحيد ــ هي الوحدة الاخلاقية، والوحدة الايمانية، وحدة الأخاء والمودة وذلك بأن لا يكون اختلاف المذاهب والآراء سبباً للتباغض والتقاطع والجفاء والعداء بل يأخذوا بالمثل الاعلى والقدوة الحسنة من خيار الصحابة في صدر الاسلام، فقد كانوا على كثرة ما بينهم من الاختلاف في القضايا الفرعية والمسائل العملية على اقصى ما يرام من الأخاء والصفاء، ودفاع بعضهم عن بعض وحماية بعضهم لبعض كأن الاسلام جسد وهم اعضاء ذلك الجسد تجمعهم روح واحدة روح المبدأ المقدّس وتضحية كلّ عزيز في سبيله.."([49])

3ـ الخلاف والتنافر وإثارة النعرات الطائفية هو الداء الذي يفتك بجسد الإمة الإسلامية، وإماتة الخلاف والتقارب هو الدواء، ولا شك أن الاستعمار يسعى في نشر الداء في الجسد الإسلامي، ويحرص على عدم توفر الدواء.

٤ـ التمسك بالمشتركات وعلى رأسها القرآن الكريم، فهو الجامع مهما بلغ الخلاف بين المذاهب ، فإن رابطة القرآن تجمعهم في كثير من الأصول والفروع ، تجمعهم في أشد الروابط من التوحيد والنبوّة والقبلة وأمثالها من الأركان والدعائم، واختلاف الرأي فيما يستنبط أو يفهم من القرآن في بعض النواحي ، اختلاف اجتهادي لا يوجب التباغض والتعادي. والقرآن صريح في لزوم الاتفاق والإخاء والنهي عن التفرق والعداء ، قد جعل المسلمين إخوة فقال عز شأنه : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ).

5ـ اعتبر كاشف الغطاء الفارق الجوهري والأصلي بين المذاهب الإسلامية هو الإمامة، والإمامة كما تحدث عنها في أصل الشيعة وأصولها: "هذا هو الأصل الذي امتازت به الإمامية وافترقت عن سائر فرق المسلمين وهو فرق‏ جوهري‏ أصلي وما عداه من الفروق فرعية عرضية مثل الفروق التي تقع بين أئمة الاجتهاد عندهم مثل الحنفي والشافعي وغيرهما، ولكن لا الشيعة تكفّر من لا يقول بالإمامة، ولا السنة تكفر من يقول بالإمامة.

6ـ دعا أن يجد كلّ مسلم أنّ مصلحة أخيه المسلم هي مصلحة نفسه، فيسعى لها كما يسعى لمصالح ذاته ، ذلك حيث ينزع الغلّ من صدره والحقد من قلبه وينظر كلّ من المسلمين إلى الآخر ـ مهما كان ـ نظر الإخاء لا نظر العداء وبعين الرضا لا بعين السخط ، وبلحاظ الرحمة لا الغضب والنقمة.

7ـ وبهذا نرى الضرورة الملحة في استعادة هذه الروح التقاربية التسامحية، ولزوم نشر هذه المفاهيم النبيلة السامية، وإحياء ذكرى هؤلاء العظماء، واستذكار جهودهم الكبيرة، وتجربتهم الرائدة، في إماتة النعرات الطائفية، ونحن نعيش في زمن علا فيه صوت الطائفية، وتمزقت البلاد بهذا الداء العضال، واكتوت بناره، التي يؤجج جمرها الأعداء، ويعينهم على ذلك الجهلاء.

نسأل الله تعالى أن يجمع كلمة المسلمين على المحبة والألفة والتسامح، بحق محمد وآله الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.

 

المصادر

* القرآن الكريم

1ـ آل محبوبة، جعفر، ماضي النجف وحاضرها، دار الأضواء، بيروت، ط2، 1986م.

2ـ أماني، محمد رضا سماك، كاشف الغطاء أذان بيداري، الناشر: مجمع جهاني تقريب مذاهب إسلامي، طهران، إيران، ط 1، 1383 هـ ش.

3ـ التميمي، توفيق، إمام الإصلاح وعمامة التجديد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، جريدة التآخي، العدد:7007، بتاريخ 5/ 11 / 2015م.

4 ـ الجبوري، كامل سليمان، النجف الأشرف وحركة الجهاد، مؤسسة العارف للمطبوعات، بيروت، ط 1 ، 1422هـ ـ 2002م.

5 ـ الحسني، عبد الرزاق، الثورة العراقية الكبرى، مؤسسة المحبين، قم ـ إيران، ط1، 1426هـ .

دار التقريب بين المذاهب، مجلة رسالة الإسلام، القاهرة، السنة 2، العدد .3

6ـ الدجيلي، جعفر، موسوعة النجف الأشرف، إشراف لجنة من رجال الفكر والعلم والأدب، دار الأضواء، بيروت، ط 1، 1418هـ ـ 1998م.

7 ـ شُبّر، حسن، تاريخ العراق السياسي المعاصر، دار المنتدى للنشر، بيروت، ط1، 1990م.

8 ـ الطهراني، آغا بزرك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، دار الأضواء، بيروت، ط2، بلا تا.

9 ـ  الغريري، سامي، رسالة التقريب، العدد 5، محمد الحسين آل كاشف الغطاء أحد رواد الوحدة الإسلامية.

10 ـ القائيني، علي الفاضل النجفي، معجم مؤلفي الشيعة، منشورات مطبعة وزارة الإرشاد الإسلامي، ط1، 1405هـ . 

11 ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، أصل الشيعة وأصولها، دار الأضواء، بيروت، ط1، 1413هـ ـ 1993م.

12 ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، الخطب الأربع، مطبعة الراعي، النجف الأشرف، 1935م.

13 ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، السياسة والحكمة، دار التوجيه الإسلامي، بيروت، ط1، 1401هـ ـ 1988م.

14 ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية، تحقيق: جودت القزويني، بيان للنشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 1418 هـ ـ 1988م.

15 ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، المثل العليا في الإسلام لا بحمدون، الناشر منظمة الإعلام الإسلامي، طهران، إيران، ط1، 1403هـ.

16 ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، المراجعات الريحانية، تحقيق: محمد عبد الكريم الصافي، دار الهادي، بيروت، ط1، 1424هـ ـ 2003م.

17 ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، جنة المأوى، دار الأضواء، بيروت، ط 2، 1408هـ ـ 1988م.

18 ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، جنة المأوى، دار الأضواء، بيروت، ط 2، 1408هـ ـ 1988م.

19 ـ لجنة الإعداد في دار التقريب، دعوة التقريب بين المذاهب الإسلامية، دار الجواد، بيروت، بلا ط وتا.

20 ـ لجنة في المجمع اللغوي في القاهرة، المعجم الوسيط، الناشر مكتب نشر الثقافة الإسلامية، إيران، ط2، 1408هـ .

21 ـ   الموسوعة الألكترونية لمدرسة أهل البيت ويكي شيعة:

http://ar.wikishia.net                                                                                             

22 ـ الميلاد، زكي، خطاب الوحدة الإسلامية، دار الصفوة، بيروت، ط1، 1417هـ ـ 1996م.

23 ـ النجفي، جعفر بن الشيخ خضر الجناجي، منهج الرشاد لمن أراد الرشاد، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، نشر المجمع العالمي لأهل البيت ع، قم ـ ايران، ط1، 1414هـ .

         

 

  •  

     

    كلية الامام الكاظم (عليه السلام ) للعلوم الاسلامية الجامعة في ميسان

 

[1] ـ الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء، (الخطب الأربع ص 91)

 

 

[2] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، المثل العليا في الإسلام لا بحمدون: ص 67.

 

[3] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، المثل العليا في الإسلام لا بحمدون، ص: 62.

 

 

[4] ـ هكذا ورد في المصدر، ولعله يقصد النواحي ويبدو أنه حصل تصحيف في العبارة.

 

[5] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، جنة المأوى، ص: 52، نقلاً عن مجلة العرفان اللبنانية، المجلد 47، ج 1 ص 938، بيروت ـ لبنان.

 

 

[6] ـ المعجم الوسيط: مادة قرب ص 723.

 

[7] ـ  الموسوعة الألكترونية لمدرسة أهل البيت ويكي شيعة (http://ar.wikishia.net)

 

[8]  سمي الشيخ موسى بالمصلح بين الدولتين لأنّه أصلح بين الدولة القاجارية في إيران والحكومة العثمانية في العراق (العبقات المنبرية، محمد الحسين كاشف الغطاء، ص 2) .

 

[9] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية، ج 1، ص 33 ـ 34. النجفي، جعفر، منهج الرشاد لمن أراد الرشاد، ص 9 ـ 10.

 

[10] ـ أماني، محمد رضا سماك، كاشف الغطاء أذان بيداري، ص 15.

 

[11] ـ أنظر: ديوان السيد موسى الطالقاني ص 260 ط النجف سنة (1376) ه (جنة المأوى ص 9)

 

 

[12] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، العبقات العنبرية، مقدمة التحقيق ص 2.

 

[13] ـ المصدر السابق.

 

[14] ـ أنظر: معجم مؤلفي الشيعة، ص 339، موسوعة النجف الأشرف، ج 11 ق 1 ص 303 ـ 304، ماضي النجف وحاضرها، الشيخ جعفر محبوبة: 3/ 184، النجف الأشرف وحركة الجهاد ص 362.

 

[15] ـ أنظر: ماضي النجف وحاضرها/ الشيخ جعفر محبوبة: 3/ 183.

 

[16] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، العبقات العنبرية، مقدمة التحقيق ص 2.

 

[17] ـ ينظر : كاشف الغطاء، محمد الحسين، العبقات العنبرية، مقدمة التحقيق ص 2، أماني، كاشف الغطاء آذان بيداري، ص 23 ـ 25.

 

[18] ـ أنظر: كاشف الغطاء آذان بيداري، ص 116، المراجعات الريحانية ج 1 ص 41 ـ 44.آغا بزرك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 1 ص 47، ج 2 ص 169، ج 4 ص 8، ص 293، ج 10 ص 14، وغيرها من مواضع الكتاب، مجلة رسالة الإسلام، السنة 2، العدد 3، ص 268، والسنة 1، العدد 3، 243.

 

[19] ـ أنظر: ماضي النجف وحاضرها، الشيخ جعفر محبوبة: 3/ 183،  العبقات العنبرية، ص 32 ـ 36.

 

[20] ـ أنظر: ماضي النجف وحاضرها، الشيخ جعفر محبوبة: 3/ 189.

 

[21] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، العبقات العنبرية، مقدمة التحقيق ص 2.

 

[22] ـ التميمي، توفيق، إمام الإصلاح وعمامة التجديد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، جريدة التآخي، العدد:7007، بتاريخ 5/ 11 / 2015م.

 

[23] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، السياسة والحكمة، ص 8.

 

[24] ـ تاريخ العراق السياسي المعاصر، ج 2 ص 81.

 

[25] ـ المصدر السابق ج 2 ص 133.

 

[26] ـ ينظر: الثورة العراقية الكبرى، ص 108.

 

[27] ـ انظر: الثورة العراقية الكبرى، ص 210.

 

[28] ـ خطاب الوحدة الإسلامية، ص 54.

 

[29] ـ  كاشف الغطاء، محمد الحسين، المثل العليا في الإسلام لا بحمدون، ص 80

 

[30] ـ الغريري، سامي، رسالة التقريب، العدد 5، محمد الحسين آل كاشف الغطاء أحد رواد الوحدة الإسلامية.

 

[31] ـ  كاشف الغطاء، محمد الحسين، المثل العليا في الإسلام لا بحمدون، ص 15.

 

[32] ـ الغريري ، سامي، رسالة التقريب، العدد 5، محمد الحسين آل كاشف الغطاء أحد رواد الوحدة الإسلامية.

 

[33] ـ المصدر السابق.

 

 

 [34] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، المثل العليا في الإسلام  لا بحمدون، ص: 57

 

 

[35] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، الخطب الأربع، ص 42.

 

[36] ـ المصدر السابق.

 

[37] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، أصل الشيعة وأصولها، ص 150.

 

[38] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، أصل الشيعة وأصولها، تحقيق علاء آل جعفر، ص 92، الناشر مؤسسة الإمام علي ع.

 

[39] ـ دعوة التقريب بين المذاهب الإسلامية، ص 67.

 

[40] ـ أصل الشيعة وأصولها، ص 145.

 

[41] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، أصل الشيعة وأصولها، ص 58.

 

[42] ـ الشيخ جعفر بن الشيخ خضر الجناجي النجفي امام الطائفة وشيخها الأكبر من أساطين الدين وأركان المذهب وزعيم الشيعة الأعظم وشيخ الفقهاء صاحب كشف الغطاء وغيره من المؤلفات النفيسة. وقد جاء الشيخ الأكبر الى إيران- تبريز في اوائل الثورة الروسية حينما تداخلت ايديهم الغاشمة على ايران في ايام فتح علي شاه القاجاري ليحرّض الناس على الدفاع عن البلاد الأيرانية واتفق في تبريز لقاء الشيخ مع جدنا القاضي الكبير الحاج ميرزا محمد مهدي القاضي الطباطبائي المتوفي( 1341) هـ،  وأوجد ذلك عظيماً في النفوس توفي الشيخ سنة( 1228) هـ.

 

[43]  سورة 28 آية: 56

 

[44]  سورة 60 آية: 4.

 

[45] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، جنة المأوى، ص 104.

 

[46] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، أصل الشيعة وأصولها، ص 20.

 

[47] ـ المصدر السابق

 

[48] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، أصل الشيعة وأصولها، ص 19.

 

[49] ـ كاشف الغطاء، محمد الحسين، جنة المأوى ص 212.