المركز الشرعي للأمة في الدولة الاسلامية المعاصرة

دراسة على ضوء روئ وافكار المرجعية الدينية

الباحث : د. رعد كاظم العامري·

دكتوراه فقه دستوري/ جامعة ذي قار/ مقرر قسم الشريعة في كلية العلوم الاسلامية

  المقدمة:               

     تمثل المرجعية الدينية  المؤسسة القادرة على اعطاء التصورات والتفسيرات للدين فهي تعد امتداداً حقيقياً لدور الانبياء والائمة المعصومين  عليهم السلام في فهمهم للشريعة وموقفهم بوجه التحديات التي تواجه الاسلام وقدرتهم على ايجاد التشريعات تجاه القضايا المستجدة والمشاكل الطارئة ومن هنا اخذت المقولات والشبهات التي تقول بعدم اهتمام الاسلام بالدولة وبالنظام السياسي وعدم قدرة الدين على ادارة الحياة الاجتماعية ودور الامة ومشاركتها في الحياة السياسية نصيباً مهماً من تفكير المرجعية الدينية والعلماء والمفكرين .

وقد حاولت ان يكون البحث منصباً على دور الامة في الدولة الاسلامية المعاصرة  وابراز مشاركتها السياسية ومركزها الشرعي في الدولة الاسلامية وفق روئ وفكر المرجعية الدينية ،وقد جاء البحث في تمهيد وثلاثة مباحث ؛تناول التمهيد افكار ومبادئ عامة حول الامة وتطرق المبحث الاول الى الامة ومشروعيىة الدولة وتضمن المبحث الثاني الأمة ورئاسة الدولة اي دور الامة في المجال التنفيذي للدولة ،وتكفل المبحث الثالث بابراز دور الامة في المجال التشريعي للدولة.

                                      التمهيد

الامة في الدولة الاسلامية : مبادئ عامة

.الامة ركن من أركان الدولة الإسلامية :

إن الأمة التي تشكل ركناً أساسياً من أركان الدولة الإسلامية – فضلاً عن  الاقليم والسلطة السياسة- هي المجتمع الإسلامي القائم على وحدة العقيدة الإسلامية ، فالأمة في المفهوم الإسلامي يشترك في تكوينها عامل الدين فقط ، بخلاف مفهومها في القانون الدستوري الوضعي والذي تداخلت عوامل عديدة في إنشائها مثل الدين ، واللغة ، والجنس ، ووحدة المصالح والأهداف ، كما أن القانون الدستوري يشترط أن يكون الشعب يعيش في اقليم واحد ،بينما لا يرى الإسلام ذلك ،فالمهم اعتناق الأمة الإسلام وان تعددت مواقع مواطنهم فضلاً عن اختلافها في اللون والجنس واللغة([1]).

وهذا المفهوم للأمة هو الذي ينسجم مع عالمية الإسلام ونظريته الإنسانية ، الذي أكدته الشريعة الإسلامية كما عبر عنها القرآن الكريم بقوله تعالى : (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)([2]) .

ولأهمية الأمة هذه في إقامة كيان الدولة سعى الإسلام ومنذ انطلاقه لبناء أمة واعية قائمة على تعاليم الإسلام وتشريعاته ؛ لتكون الأساس والقاعدة لتأسيس الدولة الإسلامية، ثم إن دولة الإسلام لا تمنع الأجانب (غير المسلمين) من العيش فيها بصورة دائمية أو مؤقتة ، وقد تكفلت الشريعة الإسلامية بإيجاد قوانين تعكس المعاملة المحترمة لهم.

اختيار الامة اساس مهم من  أسس النظام السياسي في الإسلام :

إن عدم اتخاذ النظام السياسي شكلاً معيناً وصيغة ثابتة ، لا يعني أن هناك غموضاً وضبابية في معرفة الأسس والمعالم التي يرتكز عليها النظام السياسي.

وعليه ؛ فهناك مجموعة من القواعد والأسس التي تبرز كمعالم عامة يتضح من خلالها الإطار العام للنظام السياسي.

نعم قد يرى البعض تسمية هذه الأسس بالمبادئ الدستورية أو القيم السياسية ، ودعائم النظام السياسي،([3]) ولا ضير في مثل هذه التسميات ما زالت تشير إلى المفاصل العامة للنظام السياسي ، لكن ما يلاحظ عليها أنها تركزت على نمط العلاقة بين الحاكم والمحكومين في الدولة الإسلامية، وأسلوب إدارته، وكيفية اتخاذ قراراته ولم تكن مستوعبة وشاملة لأسس مهمة أخرى.

ولسنا بصدد استعراض كل الاسس التي يستند اليهاالنظام السياسي في الاسلام وانما لغرض ابراز دور الامة ورضاها ومشاركتها السياسية في هذا النظام

رضا الأمة واختيارها :

إن المجتمع الإسلامي في الدولة الإسلامية ، له أهمية كبيرة ومكانة عالية ، بحيث تبرز المكانة السياسية للأمة ودورها في هذا النظام ، والملاحظ أن هذا الدور للأمة له مستويات متعددة منها :

المستوى الأول: الأمة وتشكيل الدولة الإسلامية وإقامة النظام السياسي:

ويكون هذا المستوى من خلال إيمان الأمة بضرورة الدولة الإسلامية وأهميتها على الصعيد الإنساني والاجتماعي ، هذه الضرورة للدولة التي صارت مسؤولية إقامتها على الأمة ، لذا صارت الأمة ملزمة بان تقوم بدورها في تشكيل الدولة الإسلامية ، وتمهيد الطريق لمن يمتلك الإذن الشرعي أن يقيم الدولة ؛ لان الدولة لا يمكن أن تؤدي دورها ومسؤوليتها إلا من خلال وجود أمة آمنت بها ، وأرادت منها أن تكون قوانينها سارية المفعول.

وعليه ، فالأمة لها الدور الحقيقي في تأسيس الدولة الإسلامية وإلا سيبقى المؤهل لإدارة الدولة الإسلامية – معصوماً أو غيره – غير قادر على تنفيذ سلطته وتفعيل ولايته.

والحاصل أن "النظام السياسي في الإسلام لا يحصل على قوته واقتداره ولا يكون له تحقق ووجود خارجي من دون أن يحظى بدعم الناس ومساهمتهم ومشاركتهم أو أنه لا يمكن له البقاء والاستمرار ؛ لذلك فان الحكومة الإسلامية حكومة إلهية خالصة"([4]).

وبهذا الدور يتحدد شكل الدولة بناء على ظروف العصر ومتطلبات الزمان ، ولهذا كان للشعب دور في زيادة مواد الدستور عند قيام الدولة الإسلامية في إيران ، فقد عرضت على الشعب مسوّدة القانون والدستور في (151) مادة. وبعد المداولات والمناقشات من قبل أصحاب الرأي وأهل الفكر منهم ، واقتراح ما يرونه من تعديلات ، أصبحت المصادقة النهائية للدستور على (175) مادة، وما الزيادة في هذه المواد إلا نتاج أخذ الرأي العام وآراء الشعب فيه، مما يدل على ان الحكومة الإسلامية قائمة على الأخذ بآراء الشعب مازالت لا تخالف حكماً شرعياً([5])

المستوى الثاني : الأمة وشورى الحاكم: 

ويتضح دور الأمة وأهميتها في النظام السياسي في هذا المستوى من خلال ما يقوم به الحاكم من مشاورة الأمة وأخذ رأيها في القرارات المهمة والمصيرية والتي يعود نفعها وضررها على الأمة، ويتأكد هذا المعنى عند من يرى وجوب الشورى على الحاكم ، فقد ذهب بعض من العلماء من الفريقين على القول بوجوب المشاورة على الحاكم حتى وإن كان معصوماً، كما يرى ذلك الفخر الرازي([6]) ومن المعاصرين سيد قطب([7]) والشيخ القرضاوي([8]) ويذهب إليه أيضاً المحقق النائيني([9]) والشهيد الصدر([10]) ،وغيرهم([11])، مما يدل على أهمية الشورى ودورها في تفعيل القرار السياسي ، وتأكيد المشاركة السياسية للأمة في النظام السياسي في الإسلام.

وإذا كان المعصوم مأموراً بالمشاورة فغيره من الحكام يكون من باب أولى ، كما تجدر الإشارة إليه أن هذه الأهمية للشورى ودورها في الحياة السياسية لا يرتبط بالقول بإلزامية نتائج الشورى على الحاكم ؛ لانه  لا ملازمة بين وجوب الشورى والأخذ بنتائجها ، لذا نرى من العلماء الذين يقولون بوجوب الشورى على الحاكم لكنهم لا يرون انه ملزم بأخذ نتائج الشورى ، كما نرى ذلك بوضوح عند الشيخ الآصفي حيث يرى ان الإلزام بالشورى إلزام طريقي ويقول ((إن الوجوب الطريقي للشورى لتنقيح القرار وتوجيهه وتسديده لا يقتضي إلزام ولي الأمر بموجب رأي أهل الشورى ، وإنما يلزم ولي الأمر بتفهم الآراء فقط واستيعابها والاستنارة بها ، والانفتاح على مختلف وجهات النظر ، وبذلك تتم الفائدة من الشورى))([12]).

كما تكمن أهمية الشورى وفاعليتها في الواقع الراهن ، وما تمر به الدولة من تعقيدات حياتية ومستجدات وتطورات متسارعة تجعل إدارة الدولة حتى تصل إلى أفضل النتائج لا تتم إلا عن طريق وضع قوانين بصورة واضحة ومعرفة كافية ولا يتم ذلك إلا من خلال أهل الخبرة والاختصاص في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والإدارة ...وغيرها.

ولذا تستدعي هذه التطورات أن يقوم رئيس الدولة بتشكيل لجان اختصاصية تقوم بمهمة دراسة واستيعاب الحالات في المجالات المحددة ليتم تشخيص المشاكل ووضع الحلول لها بوضع قوانين مبنية على المصلحة التي تعود بالنفع على المجتمع والأمة.

وبهذا تكون الدولة الإسلامية قد اعتمدت على المجالس الشورية والمؤسسات التخصصية ، ويكون ملاك الأكثرية هنا هو الموصل لأفضل النتائج وأحسنها مادامت الآراء كلها لا تخرج عن نطاق الإسلام ولا تتعارض معه ولذا "تعتبر الشورى من مصادر اتخاذ القرار وإدارة شؤون البلاد"([13]).

يقول محمد سليم العوّا :((إن رأي علماء الشيعة وفقهائها في اعتبار الشورى طريقاً للوصول إلى القرار السليم لإدارة شؤون الدولة كافة لا يختلف عن رأي أهل السنة في هذا الخصوص، وهذا كله مخالف لرأي القائلين بان الشورى ليست عند الشيعة الإمامية من أسس الحكم الإسلامي))([14]).

المستوى الثالث : الأمة ومراقبة الحاكم وعزله :

لقد أعطت الشريعة الإسلامية للأمة دور مراقبة الحاكم ونصيحته ومحاسبته ، وبهذا فان قيام الأمة بهذه المسؤولية لا يعد خروجاً عن إطار الأحكام الشرعية ولا يعد اعتداءً على الحاكم الإسلامي وخرقاً لصلاحياته ، فالله سبحانه وتعالى أراد من الحاكم الإسلامي ان يسير وفق المنهج الشرعي ، كما تعدّ هذه المهمة ودور الأمة جزء من مسؤوليتها في قيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وإن قيام الأمة بهذا الدور تشعر الحاكم وكل موظف في الدولة بانه مراقب ويعيش تحت نظر الأمة ، مما يجعله يعمل دائماً من أجل مصلحة الأمة وبما يعود عليها بالنفع العام.

يقول الشيخ الآصفي : ((فلا تستقيم أمور الدولة من دون وجود جهاز واسع مهمته الرقابة على شؤون الدولة وأعمال المسؤولين والموظفين في الدولة وتحرّي المخالفات والتجاوزات التي تقع في دائرة أجهزة الدولة وفي أوساط المجتمع))([15])

ثم إن الأمة إذا أحست بان الحاكم قد خرج عن إطار الشريعة فلها ان تعزله.

  المبحث الاول : الأمة والمشروعية في النظام الإسلامي :

إذا كانت المشروعية في الفقه الدستوري الوضعي الغربي قائمة على مطابقتها للقانون ، وأخذت فيها الرضا الجماهيري والمقبولية ، فما هو أساس المشروعية في النظام الإسلامي ؟ وكيف يمكننا التعرف على أن صاحب السلطة قد اكتسبها على وفق الأساس الشرعي الصحيح ، وأن مجيئه إلى السلطة كان منسجماً مع أحكام الشريعة ومبادئها؟

مع إيماننا أن الشريعة لم تهمل هذه القضية المهمة ، وأنها بيّنت الأساس الذي تبتني عليه مشروعية السلطة ، كون أن "الشرع – وهو أساس الشرعية في الرؤية الإسلامية – كلي وشامل حيث تكون السياسة والقانون جزءاً من الدين ، كما انه يضع حدوداً على الجانب السياسي والقانوني لمفهوم الشرعية يتميز بها عن مفهوم الشرعية في الفكر الغربي"([16]).

وهذا المعنى يقود إلى القول: إن اختيار الناس أو الأمة غير كافٍ وحده لتأسيس المشروعية ، خصوصاً وقد عرفنا أن هذا الاختيار والتعيين للحاكم من قبل الأمة لا يملك الإذن الشرعي ، ولا يقوم دليل شرعي صريح على أن يكون للأمة الحق في تعيين الحاكم واختياره ، بمعنى أنه لا يمكن للأمة أن تختار ما شاءت ليكون حاكماً ، ما لم يمتلك هذا الشخص الإذن المسبق بالنصب أو التأهيل لهذا المنصب.

كما يؤدي  إلى القول بانه هل يكفي التعيين الإلهي وحده لتأسيس سلطة لها المشروعية ، فإذا كانت السلطة لا تكون إلا ناجزة وفعلية ، فهل التعيين الإلهي للحاكم هو الذي يجعلها نافذة وفعلية ومنجزة؟! وإذا كان الرضا والقبول قد أخذ في قبول الدين وتنفيذ أحكام الله سبحانه وتعالى وامتثالها ، فهل أخذ هذا القبول كقيد أو جزء من المشروعية ، بحيث لا تتم المشروعية ولو على نحو الثبوت إلا بتحصيل الرضا والقبول الشعبي المعتبر أو أن التعيين الإلهي للحاكم أخذ وحده في تحصيل المشروعية ثبوتاً لكنه يبقى تحققه معلقاً على حصول الرضا والقبول الجماهيري.

فالمشروعية في النظام السياسي تتحدد بمدى اتصاف الحاكم بمواصفات القيادة والحاكمية ، وطريقة توليه السلطة ، وأسلوب إدارته لدولته وممارسته للحكم .

ولذا فإن شرعية السلطة تتحدد في عناصر أربعة رئيسة([17]):

الأول : شرعية التأهل للسلطة من حيث توافر شروط أهلية الوظيفة السياسية أو الولاية العامة التي لابد أن تتوفر في القائم بمباشرتها.

الثاني : شرعية إسناد السلطة والولاية من حيث توافر الطريقة والكيفية التي تعد تعبيراً صادقاً عن جوهر الحرية والشورى والرضا والاختيار والبيعة.

الثالث : شرعية ممارسة السلطة وحركتها مستهدفة تحقيق مصالح الرعية.

الرابع : شرعية الخروج على السلطة السياسية بما يحقق تأسيس العقد (عقد البيعة) وممارسة الطاعة على الوجه الشرعي.      

والذي يبدو لي في هذا المجال أن رئيس الدولة في النظام الإسلامي وان اكتسب مشروعيتهُ بمجرد النصب الإلهي أو الإذن الشرعي الإلهي ، وان المقبولية الشعبية والرضا الجماهيري لم يؤخذ كشرط في موضوع المشروعية ، لكن لا يمكن تحقيق السلطة وتفعيلها ، وإنزالها إلى حيز الواقع والتطبيق بحيث تكون له السلطة والقدرة على تنفيذ القوانين ومعاقبة الخارجين عن أطر وحدود المبادئ الإسلامية ؛ لان هذه القوة النافذة والقادرة على بسط السيطرة لا تأتي من التعيين الإلهي وحده وإنما بحاجة إلى القدرة الاجتماعية والمقبولية الشعبية، ولا تكون هذه إلا عن طريق الرضا والقبول الجماهيري ، ولكن هذا لا يعني أن قبول الشعب هو المعيار الوحيد لتحقيق مشروعية السلطة ، كما أن التعيين الإلهي للحاكم أو الإذن له وان يخلق مشروعية لكن (هذا التعيين) لا يمكنه إيجاد سلطة فعلية إلا من خلال قبول الشعب ورضاه.

ومن هنا يرى الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي أن رأي الإسلام في الحاكم يجب أن يحظى بقبول الشعب ، وأن الحكومة الإسلامية تفقد قدرتها التنفيذية ولا يمكنها تطبيق أحكام الإسلام  من دون مشاركة وتعاون الشعب ، ويضيف بأن الرؤية الإسلامية ومنهج الحكم الإسلامي عند تحليلها فإنها تعتمد على آراء الشعب وقبولهم كبقية النظم الحكومية المتعارفة في العالم ، لكنها بحاجة أيضاً إلى إذن إلهي للتصرف بعباد الله وعلى أساس هذه النظرية تأتي مشروعية الحكومة من الله وآراء الشعب شرط لتحقق الحكومة في العالم الخارجي([18]).

ولتعميق هذه الرؤية وتأصيلها يستدعي بنا المقام إلى ذكر أمور عدة :

الأمر الأول : تشكيل الدولة وعلاقته بالاختيار : إن وجوب تشكيل الدولة الإسلامية المتعلق بذمة الأمة وعليها امتثاله والإتيان به ، لا يخرج – كبقية الواجبات – عن دائرة الرغبة والاختيار ، ولذا فان تشكيل الدولة الإسلامية مع وجوبها وأهميتها قد قيدت برغبة المجتمع الإسلامي ومدى استعداده لهذا الواجب.

ولهذا نرى أن تشكيل الحكومة الإسلامية من قبل المعصوم (عليه السلام) قد توقف لعدم وجود أمة تعتد بها قد آمنت بتشكيل الحكومة الإسلامية الصالحة وأبدت رغبتها في تحمل المسؤولية وتنفيذ الأحكام الشرعية والقوانين الإسلامية ، وهذا ما يبرز لنا بيعة الناس للمعصوم(عليه السلام) ، فالبيعة هي العهد على مناصرة المعصوم(عليه السلام) وتنفيذ الأحكام الإلهية ، والإشعار بطاعة المعصوم على تنفيذ الأحكام الإلهية وتمكينه من سلطته.  

وعليه ؛ فان تحقيق الولاية الفعلية للحاكم – معصوماً أو غيره – لا تكون إلا بعد رغبة الأمة وقبولها لهذه السلطة والولاية ، ونقصد بفعلية الولاية تفعيل الأحكام الإلهية وقيام سلطة وحكومة يمكنه بها تنفيذ الأحكام الإلهية على الناس ، وان هذا لا يعني إلغاء صلاحية المعصوم(عليه السلام) – أو الفقيه على القول بان له ولاية –للحكم وإنما يعني مع عدم استعداد الناس لتقبل سلطته وحاكميته ليست له القدرة على تنفيذ الأحكام الإلهية .

ولهذا يقول الإمام علي(عليه السلام) : ((والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لالقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها))([19]).

يقول السيد كاظم الحائري : ((إن المعصوم(عليه السلام) على الرغم من أن له ولاية الأمر والحكومة بتشريع من قبل الله تعالى ، لم يكن من المقرر الإلهي ان يرضخهم لما له حق الحكومة بالإكراه الاعجازي ... بل كان من المقرر أن يصل المعصوم إلى السلطة بالطرق الاعتيادية ومن الواضح أن الوصول إلى السلطة بالطريق الاعتيادي وبغير الاعجازي ينحصر في وجود الناصر من البشر)) ))([20]).

 ويضيف ((ولولاهم لعجز حسب القوة البشرية ومن دون الإعجاز عن تحقيق السلطة والحكومة خارجاً))([21]).

ويرى السيد حسن طاهري خرم آبادي : ((والخلاصة أن تأييد الرأي العام ليس شرطاً لإثبات الولاية ، فإذا جعل الله شخصاً ما ولياً للأمر ، فله الولاية حتى وإن رفض الشعب قيادته وزعامته غير أن موضوعية وفاعلية الولاية تتوقف على موقف الرأي العام وقبول الناس لها))([22]).

ويقول السيد محمود الهاشمي : ((الناس مكلفون بان يقوموا بالقسط وهم من أجل ذلك لابد ان يبايعوا القائد المنصوب من قبل الله سبحانه وتعالى ، كي يهيئوا له فرصة إقامة القسط ، وهذه مسؤولية الأمة))([23]).

وتحصل مما سبق أنه لا يمكن تفعيل سلطة رئيس الدولة حتى وإن كان معصوماً إلا بعد مبايعة الأمة له ، وتحصيل المقبولية والرضا الجماهيري في ذلك.

الأمر الثاني : العلاقة بين الحق والواجب :

يمكن النظر إلى أهمية الرغبة الجماهيرية والقبول الشعبي في تحقيق الدولة الإسلامية من جهة الحق والواجب ، فإذا كان للمؤهل من قبل الله سبحانه وتعالى بالتعيين الإلهي أو الإذن الشرعي (حق الولاية) فإذا وجد هذا الحق للشخص الذي يتمتع بشأن وصلاحية أمر المسلمين ، فإذا لم ينصره الناس فإن هذا الحق يبقى في مرحلة كونه حقاً فحسب ، أما إذا أعلن الناس عن استعداداهم لنصرته فيصبح هذا الحق توأماً مع الواجب حيث يمكن له حق الحكومة وفي الوقت نفسه يصبح عليه من الواجب استيفاء حقه وتشكيل الحكومة عند وجود الناصر . ولعل كلام الإمام علي (عليه السلام) المتقدم يشير إلى هذا المعنى فهو(عليه السلام) يقول إن حضور الناس في الساحة وإعلانهم الاستعداد لنصرتي تكون الحجة قد تمت ويجب علي قبول الحكومة([24]).

ومن هنا يتضح أن التعيين الإلهي يجعل حق الحكومة والولاية حقاً لا أكثر وإنما استعداد الناس ورغبتهم في أن يكون صاحب الحق رئيساً للدولة الإسلامية يصبح الحق واجباً وعلى المعين من قبل الله أن يقيم دولته ويفعّل سلطته.

الأمر الثالث : القوة والسلطة :

ان السلطة حتى تكون فعلية وناجزة ، ولها القدرة على الاستمرار والديمومة تحتاج إلى عنصرين مهمين وأساسيين :

العنصر الأول : (القوة)

العنصر الثاني : (الشرعية)

والقوة التي تشكل العنصر الأول للسلطة يقصد بها الإرادة التي تستطيع بها السلطة القيام بدورها في إقرارها النظام واستتباب العدل وتحقيق أهدافها في تطوير المجتمع.

والشرعية التي تشكّل العنصر الثاني ويقصد بها ما يسوغ للسلطة إعمال إرادتها واستخدام قوتها ، وبغيرها تتحول إلى استبداد ظالم.

فأي سلطة في المجتمع لا يمكن أن تستغني عن كل من العنصرين ، في حال فقدانها لأي منهما تفقد السلطة احد ركنيها المقدمين لها ، فبفقدان العنصر الأول (القوة) تفقد السلطة مصداقيتها وواقعها كسلطة على الأرض ، وبفقدان العنصر الثاني تفقد السلطة شرعيتها وتتحول إلى ظاهرة سلبية تهدد مصالح المجتمع.

ولاشك أن الذي يمنح القوة للسلطة هو الشعب ، ومن هنا فلا يمكن أن تكون السلطة – وإن امتلكت الشرعية – واقعة فعلاً إلا برغبة الشعب وقبوله للحكام([25]).

ويرى عباس بسنده أن للسيادة الدينية مقامين : أحدهما مقام ((جعل الولاية)) ويكون الموجد لها هو الله المتعال ، وهو الذي يجعل حق الحاكمية والسيادة على الناس أو الشعب لشخص من الأشخاص ويكمن في هذا الشيء عنصر الشرعية ، لكن تحقيق النظام السياسي إضافة إلى الشرعية يحتاج كذلك إلى الاقتدار فهنا يظهر المعنى الثاني وهو ((مقام تولي الأمور والتصدي لها)) يؤدي الناس دورهم فيه وهم يتيحون المجال لبلوغ ((الولي المتمتع بحق السيادة والسلطة)) لتسنم مقاليد السلطة،فان تشكيل الحكومة واستمرارها يتوقف على دور الشعب ، فعلى الرغم من ان الله عزّ وجلّ ينصب الحاكم والقائد من الناحية التشريعية ويمنحه حق الحاكمية والسيادة ولكن من الناحية التكوينية لديه الاختيار في قبول ما هو حق أو رفضه([26]).

  المبحث الثاني : الأمة والمهام التنفيذية ( العلاقة بين الأمة ورئاسة الدولة ):

إن السلطة والحاكمية السياسية تكون للأمة ؛إذ تقوم باختيار فرد منها لإدارة الدولة الإسلامية ورئاستها – ولا تشترط ان يكون فقيهاً – ضمن الضوابط والمواصفات التي قررها الإسلام ، وتكون الأمة وممارستها للسلطة تحت إشراف أو توجيه الفقيه ، وأن يكون مرجعها في معرفة مطابقة القوانين والتشريعات للإسلام.

وعليه ، "تكون للأمة الولاية والصلاحية التامة في تحديد شكل الحكم في الدولة الإسلامية ، وتحديد سلطات الحكام وصلاحيتهم القانونية في مجال ممارسة السلطة"([27]).

وهناك من يرى أن الزعامة والولاية ليس بالضرورة أن يمارس الفقيه إدارة الدولة الإسلامية بنفسه،بل يمكن أن تفسر الزعامة وولاية الفقيه بمعنى الإشراف ومراقبة الحاكم.

يقول الشهيد مرتضى المطهري : ((إن ولاية الفقيه لا تعني أن يكون الفقيه على رأس الدولة ويباشر عمل الحكومة بنفسه ، فدور الفقيه في بلد قد قبل شعبه الإسلام كايديولوجية ويلتزمون به ، هو دور المفكر والمخطط وليس دور الحاكم ، ووظيفة المفكر هي الإشراف ومراقبة التطبيق للايديولوجية ، فهو يقوم بمراقبة وتفحص صلاحية منفذ القانون ، والشخص الذي يريد أن يصبح رئيساً للدولة ويرى سير الأعمال ضمن إطار ايديولوجية الإسلام))([28]).

ولذا من الممكن ان يقوم بأمر الدولة غير المجتهدين ، وتقع مسؤولية صياغة القوانين على أهل الاختصاص بالشريعة الإسلامية بحيث تكون خاضعة لها وذات صياغة واضحة وقريبة إلى الأذهان وأن يجتهدوا في إعطاء أحكام ومقررات تواكب سيرة الدولة على ضوء المبادئ العامة وبما يحقق مصلحة الجميع وعلى الدولة المنتخبة التقيد بها والعمل بموجبها([29]).

فالأمة التي لها هذه السلطة والولاية ومصدر السلطات الحكومية لا يكون مصدراً مطلقاً ، بل مصدراً في إطار الحاكمية الإلهية والقوانين الإسلامية ، فالأمة هي المكلفة بتشكيل الدولة الإسلامية وتعيين الحاكم وانتخابه – إن لم يكن هناك حاكم منصوص عليه من جانب الله – لقيادة الأمة وإدارة شؤونها في المجالات الاجتماعية والسياسية([30]).

ويقرر الشيخ محمد مهدي شمس الدين هذه الصلاحية والسلطة للأمة بوضوح إذ يقول :

((إن الله قد جعل للأمة الولاية على نفسها في حالة عدم حضور المعصوم – نبياً أو إماماً – على نحو تستطيع الأمة الاتصال به بأي شكل من الأشكال ، بحيث يمارس قيادة فعلية مباشرة مع الالتزام باستمرار مرجعية الإمام المعصوم على مستوى التشريع من خلال عملية الاجتهاد وعلى النهج الذي وضعه الأئمة المعصومون (عليهم السلام) وفصّله الفقهاء الأصوليون وعلماء الحديث))([31]). لقد جاءت سلطة الأمة هذه وصلاحياتها في اختيار رئيس الدولة ضمن نظريات متعددة منها:

النظرية الأولى : سلطة الأمة بإذن الفقهاء :

وهو الموقف الذي تبناه المحقق النائيني في اطروحة الملكية الدستورية الإسلامية والذي نظّر لها في كتابه (تنبيه الأمة وتنزيه الملة) ، وقد عدّ هذا الكتاب أول كتاب في الفقه السياسي يعالج مسألة الحكم والدولة بخلفية سياسية وأرضية فقهية قوية ونظرة جديدة([32])؛إذ دافع النائيني في كتابه عن إخراج السياسة والسلطة من أحكام الغيبة وتوابعها وتحويلها إلى (شأن عام) وبالتالي توسعة مجال المشاركة السياسية بحيث يشمل سائر المسلمين لا الفقهاء العدول منهم حصراً وان رسالة النائيني تمثل ثورة فكرية حقيقية في سياق تاريخ الفقه السياسي الشيعي ، ثورة أعادت النظر في جملة من الثوابت التي سار عليها ذلك الفقه ، وأدخلت إلى منظومته مفاهيم سياسية جديدة: الدستور أو (المشروطة) ، مجلس الشورى ، نواب الشعب ، المسؤولية أمام الشعب ، المواطن ، السلطة الشرعية الحديثة ، القانون ...الخ([33]).

لقد انطلق المحقق النائيني من الواقع الفاسد القائم على الاستبداد والغلبة ، وكان يرى أن الصيغة المناسبة لتغيير هذا الواقع والتي يتم من خلالها تحويل السلطة الجائرة إلى سلطة دستورية تعمل وفق القانون وتحترم الشعب وتحفظ حقوقه وتصون كرامته.

وإن هذا التحول نحو الواقع الجديد لا يتم إلا وفق أصول ثلاثة([34]) :

الأصل الأول : تدوين الدستور بحيث تحدد فيه الحقوق والواجبات لكل من الأمة والحاكم ويكفل بيان وظائف الحكم ومهامه وحدود سلطته وصلاحياته. هذا الدستور الذي يميز المصالح العامة التي يجب العمل على تأمينها عن تلك التي لا يحق التدخل فيها ، ويتضمن رسمياً تحديد كيفية أداء الوظائف الحكومية وحدود سلطة الحاكم ، وحريات وحقوق جميع أبناء الشعب وفقاً للموازين الشرعية وإن التجاوز عن دائرة مسؤولية حراسة الوطن وتحمل الأمانة إلى الأفراد أو التفريط يعد خيانة بالمصالح العامة ويستوجب رسمياً عزل الحاكم إلى الأبد ([35]).

لقد قارن النائيني الدستور الذي ينظم الأمور السياسية والأنظمة الاجتماعية العامة ، ويقوم بتحديد صلاحيات الحاكم من حيث الأهمية والأداء العملي بالرسائل العملية للمقلدين في مجال العبادات والمعاملات([36]).

وهذه النوع من المقارنة يدل على أمرين : أولاً :على أن النائيني يرى أن الرسائل العملية لا تفي بمعالجة القضايا السياسية والاجتماعية ، وأن الدستور غير المخالف لأحكام الشريعة مكمل لها ، ثانياً : أنه ينظر إلى الدستور بوصفه لائحة قانونية تنظم شؤون السياسة والمجتمع ، كما الرسائل العملية التي تنظم حقوق الأفراد وبعض الوظائف الاجتماعية([37]).

الأصل الثاني : تشكيل مجلس شورى يتكون من عقلاء وعلماء البلاد الحريصين على مصلحة الأمة العارفين بالحقوق الدولية العامة والخبراء بوظائف ومقتضيات سياسة العصر ، بحيث يقوم بالمراقبة والمحاسبة والإشراف على أداء الوظائف الضرورية العامة والمنع من تجاوز الحدود والتفريط في المهام([38]).

الأصل الثالث : يشتمل المجلس على عدد من المجتهدين أو من ينوب عنهم لإضفاء الشرعية على أعمال المجلس والقرارات الصادرة عنه([39])

فالاطروحة التي شيدها ونظّر لها النايئني في رسالته تمثل انتقالاً من صيغة نواب الإمام إلى صيغة نواب الأمة الذين باتوا يملكون – في مجلس الشورى الوطني – حق القيام بوظائف نواب الإمام : الوظائف الحسبية ، فقد تم انتقال هذه الوظائف عملياً إلى مجلس الشورى ([40]).

ومع ذلك فالنائيني كان يرى في هيأة المجتهدين مصدراً لشرعية السلطة وشرعية القوانين الصادرة عن المجلس ، ويمثل هذا الموقف امتداداً لولاية الفقيه القائمة على الأمور الحسبية ، لكنه يتوسع في شمولها للأمور السياسية والقضايا العامة ، وعدم قدرة الفقيه وتمكنه من إدارة الدولة ورئاستها بنفسه لا يسقطها فيكفي إذنه في ذلك أو تنتقل عنه إلى عدول المؤمنين ثم إلى عامة الناس حتى تصل إلى فساق المسلمين وذلك باجماع فقهاء الإمامية([41])

ولذا يرى النائيني "أن القيام بالوظائف اللازمة وإجراء عملية التحديد لا يتم إلا بهذه الصيغة الدستورية الرسمية السائدة في العالم ، وبانتخاب ممثلي الشعب للمساهمة في رسم سياسة البلد وإدارة شؤونه ، وبدونه لن نصل إلى النتائج المطلوبة" ويضيف : ((ولهذا فان ما يمكن القيام به في مثل هذه الظروف هو الاكتفاء بالقدر المشار إليه من الولاية وصرف النظر عن الأمور العامة والمشتركة الخارجة عن الولاية على النفس ، ولرعاية جانب الاحتياط يجب أن يكون إجراء الانتخابات وتدّخل المنتخبين في أمور الحكومة بإذن المجتهد النافذ الحكم))([42]).

ولتأكيد أهمية دور الفقيه وإشرافه على سلوك السلطة وأدائها لوظائفها ولضمان عدم مخالفة القوانين الصادرة عن المجلس لقواعد الشريعة وأحكام الإسلام جاء في دستور الحركة الدستورية وعليه تقرر رسمياً أن تشكل هيئة ، في كل عصر من الاعصار – لا تقل عن خمسة أشخاص يكونون من المجتهدين والفقهاء المتدينين والمطلعين على مقتضيات الزمان ، بحيث يقدم العلماء الأعلام وحجج الإسلام مراجع التقليد لمجلس الشورى اسماء (20) شخصاً من العلماء الذين تتحقق منهم الصفات المذكورة ، ومن ثم يختار مجلس الشورى – خمسة أعضاء أو أكثر بحسب الضرورة والحاجة – للبرلمان أما عن طريق الإجماع أو بالقرعة حتى يتم البحث بالدقة في كل المواد التي تدرج في كلا المجلسين فيتم رفض جميع المواد التي تخالف قواعد الإسلام ولا تمنح المشروعية القانونية ويكون رأي هذه الهيئة العلمائية نافذاً ومطاعاً وتكون هذه المادة ثابتة وغير قابلة للتعديل حتى ظهور الإمام الحجة(عج)([43]).

والباحث يرى أن وجود هذه الهيئة ضمن المجلس وإيمان النائيني بمبدأ الشورى والأخذ برأي الأكثرية ، يؤدي إلى عدم فاعلية هذه الهيئة وأن الكثير من القوانين وإن خالفت قواعد الشريعة يمكن تحريرها وتنفيذها نعم إلا بالقول بأن رأي الهيئة يكون نافذاً ومطاعاً وإن خالف رأي الأكثرية وبالتالي يكون رأي الفقهاء نافذاً وواجباً على أكثرية الشورى ، وهذا معناه تحكيم رأي الفقيه وهذا مخالف لما يتبناه النائيني ، وقد قام دستور الجمهورية الإسلامية بتجاوز هذه العقبات أمام الهيئة العلمائية وجعل هذه الهيئة التي سميت ب( مجلس صيانة الدستور) أكثر استقلالية وفعالية ، فهي هيئة مستقلة عن  مجلس الشورى ولا تخضع لنظامه الداخلي ، فقد جاء في المادة 91 من الدستور :((يتم تشكيل مجلس باسم مجلس صيانة الدستور بهدف ضمان مطابقة ما يصادق عليه مجلس الشورى الإسلامي مع الأحكام الإسلامية والدستور ويتكون على النحو التالي:

  • ستة أعضاء من الفقهاء العدول المطلعين على مقتضيات العصر والقضايا الراهنة ويختارهم القائد([44]).
  • ستة أعضاء من الحقوقيين المسلمين من ذوي الاختصاص في مختلف فروع القانون يرشحهم رئيس السلطة القضائية ويوافق عليهم مجلس الشورى الإسلامي))([45]).

وجاء في المادة 96:( تحديد عدم تعارض ما يصادق عليه مجلس الشورى الإسلامي مع أحكام الإسلام يتم بأغلبية الفقهاء في مجلس صيانة الدستور ، أمّا تحديد عدم التعارض مع مواد الدستور فيتم بأكثرية جميع أعضائه )([46]).  

ويتولى هذا المجلس تفسير الدستور وأشارت المادة 98الى أن ((تفسير الدستور من اختصاص مجلس صيانة الدستور ويتم بمصادقة ثلاثة أرباع الأعضاء))([47]) ويستمر أعضاء مجلس صيانة الدستور بعملهم لدورة تستمر ست سنوات ، ويتم تغيير نصف أعضاء كل مجموعة عبر إجراء القرعة بعد مرور ثلاث سنوات من تشكيل الدورة الأساس([48]).

ومن هنا يتبين أنه مع إيمان النائيني بالولاية الحسبية للفقيه لكنه يؤكد على السلطة السياسية للأمة، ودورها في النظام السياسي في الإسلام، بتأكيده على مراقبة الأمة للسلطة ، إذ يقول : ((وبغض النظر عن مبدأ الشورى الذي يجب تكريسه في الحكومة الإسلامية فان الشعب بجميع افراده له حق الأشراف والمراقبة باعتباره يدفع الضرائب والرسومات ويشارك في إعمار البلاد وبنائها هذا اولاً كما أن أصل العمل بمبدأ الشورى يقتضي ذلك ثانيا...ولايمكن ممارسة هذا الحق إلا بانتخاب الشعب لممثلية ))([49]) فالنائيني يشير بوضوح إلى دور الأمة في المراقبة والمحاسبة حتى مع تصدي الفقيه.   

فالوظيفة التي أعطاها النائيني للأمة ودورها في الحياة السياسية جعل الآخرين يرون أن النائيني قلب المعادلة القائمة على ولاية الفقيه وذلك من خلال "دفاعه عن شكل آخر من أشكال الولاية هو ولاية الأمة على نفسها ، أيْ: انه ذهب إلى حد الدفاع عن نظام ترتفع فيه وصاية الفقهاء على الشعب ... وطبعاً من دون أن تصطدم بهم"([50]).

النظرية الثانية : ولاية الأمة بإشراف الفقيه :

تقوم النظرية السياسية المتمثلة ب((ولاية الأمة بإشراف الفقيه)) على جعل السلطة السياسية والحاكمية للأمة بإشراف الفقيه وتوجيه وشهادة المراجع الفقهية ، وتوضحت أركان هذه النظرية من خلال ما كتبه الشهيد الصدر (قدس) من بحوث كـ(خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء)) و ((منابع القدرة في الدولة الإسلامية)) و((لمحة تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في إيران)).

ويمثل (خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء) ، الأساس الفكري والشرعي لدور الأمة في إنتاج العملية السياسية في الدولة الإسلامية وتأسيس مشروعية السلطة([51]) وتُعدَ أفكاره وتنظيره للدولة الإسلامية في خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء من "أرقى النصوص في الأدبيات الإسلامية الحديثة عن العلاقة بين القرآن والبنية المقترحة للدولة الإسلامية"([52]).

واستطاع الشهيد الصدر من خلال نظريته (تثبيت المرجعية دستورياً وترسيخ جذورها في صميم الدولة الإسلامية))([53]) ،ويكاد يتفق العلماء والباحثون أن نظريته السياسية هذه آخر ما توصل إليه الشهيد الصدر (قدس) حول أساس الحكم الإسلامي ومعالم الدولة الإسلامية ، لأن هناك ثلاث نظريات سياسية تبناها السيد الصدر خلال مسيرة حياته مما يعني أن هناك تحولاً في الرؤى والأفكار والتنظير السياسي عنده ، وهذه النظريات([54]) :

1-النظرية الأولى : الحكومة الانتخابية القائمة على الشورى ، والتي طرحها وتبناها عام (1958م) في الأسس الإسلامية لحزب الدعوة الإسلامية .  

2-النظرية الثانية : نظرية ولاية الفقيه العامة وقد عرضها بين عامي (1395هـ-1396هـ) في بعض مؤلفاته كحاشية منهاج الصالحين والفتاوى الواضحة.      

3-النظرية الثالثة : خلافة الأمة واشراف المرجعية وقد عرضها قبل استشهاده بحوالي السنة في جوابه لستة من علماء لبنان عن دستور الجمهورية الإسلامية في إيران عند انتصار الثورة الإسلامية عام (1399هـ).

انطلق الشهيد الصدر في اطروحته من رؤية قرآنية ، فهو يرى أن مفهوم الخلافة الذي أشارت إليه الآيات القرآنية (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)([55])    وآيات أخرى أكدت هذا المعنى([56]) ، أرادت أن تشير إلى أن الخلافة تكون للجماعة البشرية وليس لآدم وحده مما يعني أن ((الله سبحانه وتعالى أناب الجماعة البشرية في الحكم وقيادة الكون واعماره اجتماعياً وطبيعياً وعلى هذا الأساس تقوم نظرية حكم الناس لأنفسهم وشرعية ممارسة الجماعة البشرية حكم نفسها بوصفها خليفة الله))([57]).

ولكن هذه الجماعة البشرية ليست مطلقة العنان وإنما تمارس خلافتها ضمن شروط ومواصفات المستخلف ، وتقوم بامتثال هذا الدور بما هي خليفة عن الله ، فلذلك فهي غير مفوضة لان تمارس هذه الخلافة بعيداً عن توجيه السماء وإشرافه ، ولما كانت طبيعة هذا الإنسان تقتضي الخروج عن مدار هذا التوجيه ؛ لأنه خلق حراً ويمتلك قابلية الإفساد وسفك الدماء ، فلابد من خط آخر يسير بموازاة خط الخلافة ليكون حافظاً للإنسان من الانحراف عن طبيعة الاستخلاف ، وموجهاً نحو أهداف الخلافة ويمثل امتداداً للتدخل الإلهي من أجل حفظ مسيرة الجماعة البشرية وإيصالها إلى هدفها المنشود([58]).

ومن هنا جاء ((خط الشهادة)) والذي مثلته الآيات القرآنية (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)([59]) و (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)([60]) وغيرها من الآيات القرآنية([61]). 

وتمثل خط الشهادة أولاً : في الأنبياء ، وثانياً : في الأئمة الذين يعدون امتداداً ربانياً في هذا الخط ، وثالثاً : في المرجعية التي تمثل امتداداً لهذا النبي والإمام في خط الشهادة.

ولذا فالشهيد ، مرجع فكري وتشريعي من الناحية الإيديولوجية ، ويشرف على سير الجماعة وانسجامها ايديولوجياً مع الرسالة الربانية التي يحملها ، ومسؤول عن التدخل لتعديل المسيرة وإعادتها إلى طريقها الصحيح إذا واجه انحرافاً في مجال التطبيق([62]).

ويحصل الاندماج والاتحاد بين الخطين في المعصوم – نبياً أو إماماً – وعند فقدانهما يعيش الخطان التكامل والتوالف فيما بينهما([63]) ، وأن النبي والإمام معيَنان من قبل الله تعالى تعييناً شخصياً ، أما المرجع فهو يعين تعييناً نوعياً ، أي أن الإسلام حدد الشروط العامة للمرجع وترك أمر التعيين والتأكيد من انطباق الشروط إلى الأمة نفسها ، ومن هنا كانت المرجعية كخط قراراً إلهياً والمرجعية كتجسيد في فرد معين قراراً من الأمة([64]).

ومن هنا فان أطروحة الشهيد الصدر في ((خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء)) قد بينت التقاسم الوظيفي والدور التكاملي بين الفقيه والأمة ، فالخلافة العامة قد تمثلت في الحاكمية السياسية للأمة ، وهي تقوم بوصفها مجموعاً كلياً مفوضاً باختيار الحاكم بصفته فرداً منها ومكلفاً من قبلها ، فالخلافة العامة تكون للأمة "على أساس قاعدة الشورى التي تمنحها حق ممارسة أمورها بنفسها ضمن إطار الإشراف والرقابة الدستورية في نائب الإمام))([65])، وأما الفقيه فهو يمثل الرقيب والشاهد ، والمجسد الموضوعي لدور المعصوم في مرحلة غيابه ، والذي يمارس دوراً فكرياً وتشريعياً ويتدخل لتعديل المسيرة وإعادتها إلى طريقها الصحيح إذا واجهت انحرافاً([66]).

المبادئ الدستورية لهذه النظرية :

تحتوي هذه الاطروحة على مجموعة من المبادئ الدستورية التي تقوم عليها الدولة الإسلامية منها([67]):

1-لا ولاية إلا لله تعالى ، وأنه مصدر السلطات جميعاً.

2-إن الإنسان حر ولا سيادة لإنسان أو طبقة أو لأي مجموعة بشرية عليه.

3-نيابة المجتهد المطلق العادل الكفء نيابة عامة عن الإمام المعصوم (عليه السلام) في عصر الغيبة.

4-الخلافة العامة للأمة على أساس قاعدة الشورى التي تمنحها حق ممارسة السلطة والرقابة الدستورية من نائب الإمام .

5-فكرة أهل الحل والعقد التي تستند إلى قاعدة الشورى وتنسجم مع الإشراف الدستوري من قبل نائب الإمام.

المرجع الشهيد وفق هذه النظرية :

تمنح هذه النظرية المرجع الشهيد دوراً مهماً في الدولة الإسلامية ، لذا كان يرى الشهيد الصدر ضرورة تطوير أسلوب المرجعية أدواتها العملية كي تتمكن من القيام بهذه المهمة وأداء وظيفتها بصورة كاملة([68]) ،فرؤية السيد الصدر أن المرجع الديني الذي يقوم بدور الشهادة يجب أن يمتلك صفات الاجتهاد المطلق والعدالة ، ولابد ان تتخد المرجعية بالفعل في الأمة بالطرق الطبيعية المتبعة تاريخياً ، وأن يرشحه أكثرية أعضاء مجلس المرجعية ويؤيد الترشيح من قبل عدد كبير من العاملين في الحقول الدينية كعلماء وطلبة في الحوزة ووكلاء وأئمة مساجد وخطباء ومؤلفين ومفكرين ، وفي حالة المرجعيات المتكافئة من ناحية هذه الشروط يعود إلى الأمة أمر التعيين من خلال استفتاء شعبي ، وان يكون خطه الفكري في خلال مؤلفاته وأبحاثه واضحاً في الإيمان بالدولة الإسلامية وضرورة حمايتها([69]).

وإن الاختيار المباشر للمرجع الشهيد عن طريق الأمة يعني "إفصاحاً صريحاً عن الحق الدستوري للأمة في اختيار قيادتها المرجعيّة وفق موازين وشروط ربانية ثابتة ، وأن حصيلة ذلك من منظار دستوري سيصب في خانة الأمة ، وسيرقى بدورها إلى موقع جوهري في إنتاج العملية السياسية في الدولة الإسلامية"([70]).

مهام المرجع الشهيد وفق هذه النظرية([71]) :

  • الممثل الأعلى للدولة الإسلامية والقائد العام للجيش.
  • يرشح المرجع رئيس السلطة التنفيذية أو إقراره في حالة فوزه في الانتخابات تأكيداً على دستورية ترشيحه ، وعده توكيلاً في حالة فوزه.
  • تعين الموقف الدستوري للشريعة الإسلامية .
  • التصديق على القوانين الخاصة بمنطقة الفراغ التشريعي .
  • تأسيس المحكمة العليا للنظر في القضايا الحكومية
  • تأسيس المحاكم الأخرى للنظر في القضايا الخاصة.

دور الأمة على وفق هذه النظرية :

يتجسد دور الأمة في هذه النظرية بما يلي([72]) :

  • انتخاب رئيس السلطة التنفيذية الذي يقوم بعد انتخابه باختيار أعضاء حكومته.
  • انتخاب السلطة التشريعية (مجلس أهل الحل والعقد) الذي يقوم بالمهام الآتية:

أ-إقرار أعضاء الحكومة التي شكلها رئيس السلطة التنفيذية.

ب-تعيين أحد البدائل في الاجتهادات المشروعة للفقهاء.

ج-ملء منطقة الفراغ بسن القوانين والتشريعات.

د-الإشراف على طريقة تطبيق الدستور والقوانين ومراقبة عمل الحكومة.

ويعضّد الشهيد الصدر الرؤية القرآنية لخط الخلافة والشهادة بما يدل عليه قول إمام العصر (عليه السلام) و (أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله فيقول :((فان هذا النص يدل على إنهم المرجع في كل الحوادث الواقعة بالقدر الذي يتصل بضمان تطبيق الشريعة على الحياة ؛ لان الرجوع إليهم بما هم رواة أحاديثهم وحملة الشريعة على الحياة يعطيهم الولاية بمعنى القيمومة على تطبيق الشريعة وحق الإشراف الكامل من هذه الزاوية))([73]).

فهو يرى أن هذا النص يشير إلى أن الفقيه يكون مشرفاً وقيماً على الدولة الإسلامية.وهذه النظرية وان قامت على المزاوجة بين الشورى وولاية الفقيه ومثلت صورة العلاقة بين ولاية الأمة القائمة على الشورى والتي جسدت الخلافة الإلهية على الأرض ، وبين إشراف الفقيه وتوجيهه الذي يشكل امتداداً لشهادة السماء ورقابتها من أجل ضمان سلامة المسيرة الإنسانية عن الانحراف ، وإنها تمثل نظرية للحكم يمكن للأمة الإسلامية أن تتبناها في كل مجتمع إسلامي يريد أن يقيم دولته على أساس الإسلام لكن مع ذلك يرى بعض الباحثين أنها عالجت الخصوصية المجتمعية في المجتمع العراقي ، وأنها راعت التقاسم الطائفي ونظرية كل طرف إلى الحكم وطبيعة مصدر السلطة ، لذا يتضح من خلالها "مقدار التواؤم بين هذه النظرية وبين ثنائية المجتمع العراقي ؛ إذ إن الشورى هي صيغة الحكم المجتمعية التي تجسد تقليدياً مع الفكر السياسي السني ، في حين أن ولاية الفقيه هي من أكثر الصيغ تعبيراً عن شيعية الفكر السياسي ... علماً أن هذا الاستيعاب يظل شكلياً ؛لأن الرؤية النظرية ((للعلامة الصدر)) تبقى من حيث الأدوات المفهومية والتنظير العقائدي ذات طابع شيعي غالب"([74]).

النظرية الثالثة : نظرية ولاية الأمة على نفسها :

وفي ضوء هذه النظرية تكون للأمة الحاكمية السياسية ، ومصدراً لسلطة الحاكم ، فتقوم باختيار رئيس الدولة وانتخابه ، وليس ملزماً عليها أن تختار الفقيه العادل ، لكنها تراجع الفقيه لمعرفة إسلامية قوانينها أو عدم مخالفتها لضوابط الشريعة وأحكام الإسلام ، ويقوم الفقهاء في هذه الدولة بصياغة قوانين

تنسجم ومتطلبات العصر واحتياجات الدولة وشؤونها.

فالأمة "بولايتها على نفسها تختار – في نطاق الشرع الإسلامي وعلى أساسه – شكل نظامها السياسي الذي يجب أن يقوم – في جميع مستوياته – على مبدأ الشورى"([75]).

وإن القائلين بهذه النظرية يرون أنه ليس للفقيه ولاية عامة على الأمة ، وأنهم لا يفهمون من الأدلة التي أشارت إلى ولاية الفقيه أنها بصدد اشتراط الفقاهة في رئيس الدولة ، لكنها تفيد بأنها جعلت الفقيه مرجعاً لمعرفة إسلامية القوانين التي تسير عليها الدولة.

وبناء السلطة في هذه النظرية يتقوم باللجوء إلى كنف الأمة والسيادة الشعبية ، بخلاف الولاية العامة للفقيه التي يقوم بناء السلطة فيها على قاعدة سلطة الفقيه المفوضة من الإمام المعصوم (عليه السلام) بحيث يشكل هذا الاتجاه من زاوية الفلسفة السياسية تمديناً للسلطة ونصف عَلَمْنة لها([76])

يقول محمد جواد مغنية : ((إن اختيار رجال الدولة في العصر الراهن بيد المسلمين المحكومين لا بيد الفقهاء ؛لأن ولاية الفقيه أضعف وأضيق من ولاية المعصوم)) ([77]).ويضيف: ((وعليه يسوغ أن يقوم بأمر الدولة غير المجتهدين على أن تتفرغ طائفة من أهل الاختصاص بالشريعة الإسلامية وتصوغ قوانيـن تخضع للكتاب والسنة صياغة واضحة وقريبة إلى الأذهان والافهام))([78]).

ويقول محمد مهدي شمس الدين : ((إن الله تعالى قد جعل للأمة الولاية على نفسها في حالة عدم حضور المعصوم – نبياً أو إماماً – على نحو تستطيع الأمة الاتصال به بأي شكل من الأشكال))([79]).

هذه النظرية التي تبناها ونظّر لها (العلامة شمس الدين) وقال بإنه من السباقين إلى بلورة هذه النظرية فقهياً ؛إذ يقول : ((ولقد وفقنا الله لكشف فقهي في هذا المجال ، ولا نعرف في حدود إطلاعنا من سبقنا إليه في هذا المجال))([80]).

 

 

الإطار النظري لهذه النظرية :

يرى شمس الدين ان صيغة (ولاية الأمة على نفسها) يكون دليلاً على شرعيتها هو الآيات والروايات الدالة على هذه الولاية([81]).

ويبدو أن هذه النظرية لكي يتم إثباتها تستدعي معرفة أمور عدة منها :

1-إن الأصل الأولي في قضية السلطة على البشر من قبل أي شخص كان هو عدم مشروعية أي سلطة ولا ولاية لأحد على غيره ،والولاية والسلطة ثابتة بحكم العقل والنقل لله تعالى وحده ، وإذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يخول هذه السلطة والولاية إلى آخر لابد من دليل قاطع على ذلك وقد ثبتت لوجود الكثير من الآيات والروايات أنه قد تم تقييد هذا الأصل الأولى سلطة النبي() بقوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا([82])  وكذلك سلطة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بدليل قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) ([83])   . وأن القدر المتيقن كما دلت عليه الروايات الصحيحة أن أولي الأمر هم الأئمة المعصومون(عليهم السلام) ، وعندما نشك في حصول السلطة لأحد ويراد منه تقييد الأصل الأولي فاننا نتمسك به ويكون الأصل عدم وجود السلطة له([84]) .

وعليه فكلما كانت السلطة الحكومية السياسية والتنظيمية والإدارية وغيرها  أقرب إلى ممارسة الإنسان لسلطته الذاتية على نفسه ، كانت أقرب إلى الأصل الأولي ، وكانت منبثقة المشروعية من حيث دخولها في دليل تقييد الأصل الأولي([85]).

2-إن حتمية الدولة وضرورتها للمجتمع لا تتوقف على زمن وجود المعصوم (عليه السلام) ، لذا فان أدلة ضرورة الدولة ووجوب حفظ النظام ووجوب القيام بالأمور الحسبية تكون مقيدة للأصل الأولي في سلطة الإنسان على نفسه.

وتعتبر مشروعية تشكيل الإدارة وشرعية ممارسة السلطة الإدارية اعتماداً على الحسبة أحد مظاهر ولاية الأمة على نفسها ، وتكون الولاية للمجتمع على نفسه في أمور الحسبة ثابتة للمجتمع في أصل الشرع وهي ثابتة في معظم مواردها وتكون بموازاة وعرض ولاية الفقيه وليست متفرعة عنها([86]) ، فهو يوسع من دائرة الاحتمالات التي تتوقف عليها إحدى مقدمات الحسبة فلا يدور الأمر عنده بين الفقيه وغير الفقيه بل يرى احتمالاً ثالثاً وهو أن تكون الولاية للأمة وشرعية الولاية بيدها ، ولها اختيار من يمثلها وينفذ إرادتها ، وعليه فدليل ولاية الأمة على نفسها يمنع من إجراء دليل الحسبة ، حتى وإن لم يكن هذا الاحتمال الثالث قدراً متيقناً ، وأصبح يرد الأمر بين المتباينات ، فأن هناك من المرجحات من يرجح احتمال أن تكون الولاية للأمة على نفسها([87]).    

وعليه تكون مشروعية السلطة الإدارية ليست مطلقة ، وإنما تقتصر على القدر المتيقن من الأدلة ، وهو ما يتوقف عليه حفظ نظام المجتمع وتماسكه ونموه ، وما زاد على ذلك ممارسة السلطة على الناس

 فيه أمر غير مشروع([88]).

3-إن المباني الفقهية المعاصرة لمشروعية تكوين الدولة ونصب الحكومة ثلاثة([89]):

  • ولاية الفقيه بدعوى ثبوتها بالدليل اللفظي .

ب- ولاية الفقيه استناداً إلى دليل حفظ النظام.

ج- دليل ولاية الأمة على نفسها.

وتبنى العلامة شمس الدين المبنى الثالث وفيه تكون الأمة تشّرع لنفسها بوساطة الفقهاء وأهل الخبرة والاختصاص في كل مجال في حدود حاجاتها التنظيمية في مناطق الفراغ التشريعي – ومنها الشأن الإداري – على ضوء الأصل الأولي في سلطة الإنسان على نفسه.

وأمام المبنى الثاني فلأن دليل ولاية الفقيه استناداً الى وجوب حفظ النظام يكون دليلاً يقتصر على مورده وهو إقامة السلطة السياسية، والسلطة الإدارية أمر زائد على مورد الدليل، فالاقتصار على القدر المتيقن يكون أولى وأما المبنى الأول فاقصى ما يدل عليه هو ولاية الفقيه العامة في الحكم السياسي، أما استفادة الولاية العامة مطلقاً في كل شيء فهذا أول الكلام وهي غير مسلّمة حتى بنحو الدلالة الالزامية ،كما انه يلزم من القول به عدم بقاء أي مورد للأصل الأولي بعدم ولاية احد على أحد في المسائل السلطوية السياسية والإدارية ، حيث إن أمر الأمة الإسلامية لا تخلو من وجود النبي() أو الإمام المعصوم الظاهر(عليه السلام) أو الفقيه، فإذا كانت ولايته شاملة مطلقة لكل شخص ولكل نشاط بشري فلا يبقى في أي زمان مورد بهذا الأصل الأولي.

وإن صيغة (ولاية الأمة على نفسها) لا تؤدي إلى أزمة حكم ولا أزمة طاعة وهي الأزمة التي حصلت بعد ارتحال النبي الأكرم() واستمرت إلى وقتنا الحاضر حتى في (صيغة الدولة الحديثة) لأن هذه الصيغة (ولاية الأمة على نفسها) تقتضي أن يشرع لكل شعب من الأمة نظامه الإسلامي الخاص به في نطاق وحدة الأمة([90]).

وعن طريق الشورى يكون الحاكم ممثلاً عن الأمة ، وعن طريقها يمكن للحكام أن يؤدي الوظيفة الموكولة إليه من قبل الأمة وهي رعاية المجتمع الذي هو موضوع السلطة ، بحيث تكون السلطة وسيلة ووظيفة وليست مطلباً ذاتياً للحكم ، وإن الحاكم وإن أدّى وظيفته على أكمل وجه لا يكون أكبر وأقوى من المجتمع والأمة ولا يمكنه أن يختصر ويختزل المجتمع في ذاته بل يبقى المجتمع (الأمة) هو الحقيقة الكبيرة الدائمة الراسخة.

وعليه ، فان الحكم والحاكم يحققان لرقابة الأمة ومدى استعداده لأداء وظيفة (الرعاية) ، فإن لم يستطع فان الأمة تستطيع أن تغير الحكم وتعزل الحاكم([91]).

ومن هنا تقوم السلطة السياسية على وفق هذه النظرية على قاعدة الشورى ، وان السلطة الإدارية تقتضي عدم تعيين رجال الإدارة وهيئات الإدارة من قبل الحكومة، وإنما تقتضي ان يكون اختيار الموظفين الإداريين من أشخاص وهيئات بالانتخاب، ويكون هذا الانتخاب إما بصورة غير مباشرة عن طريق (مجلس شورى) منتخبة من الشعب في المناطق لإدارة الشؤون المحلية أو بصورة مباشرة من قبل سكان المنطقة التي يراد لهم أن يتولوا إدارة شؤون سكانها([92])

وعليه؛  فنظام الحكم في الإسلام يشبه النظام البرلماني الرئاسي بالنسبة إلى غير النبي() والإمام المعصوم(عليه السلام) ، حيث يجب على غيرهما التقييد بالشورى وتكون مشروعية ممارسته للشورى موقوفة على ذلك إلا فيما ورد فيه دليل خاص([93]).       

4-إن الزمن السياسي للإمامة المعصومة – نبياً أو إماماً – كانت قد جسدته الحكومة الإلهية ، وإقامة هذه الحكومة خارجة عن نطاق الشورى ومجالها ؛ لوجود النص على ذلك ، ولا شورى مع وجوده ، أما منذ حصول الغيبة الكبرى فقد انقطعت الشرعية السياسية للإمامة المعصومة ، وبدأ الزمن السياسي للأمة([94]) وتكون حكومتها الدنيوية باختيار من الأمة ، ويكون الاختيار هذا داخلاً في مجال الشورى وحدودها  ؛ لان حدود الشورى تتركز على أمرين :

الأول: مورد حكم شرعي ثابت بنص قطعي تفصيلي في الكتاب والسنة أو بغيرها من الأدلة.

الثاني : أن لا تخالف نتيجة الشورى حكماً شرعياً ثابتاً في الشريعة([95])

5-وباستناد هذه النظرية على قاعدة الشورى ، يتحدد دور الفقه وفق مبدأ ولاية الأمة على نفسها فـ"لا دور للفقيه بمعنى أنه يحكم وأنه مصدر الشرعية ، ودور الفقيه فيها دور المستشار والفني ، إنه يتمتع بموقع تشريعي وليس مصدراً للشرعية ، ومصدر الشرعية بالنسبة للسلطة وبالنسبة إلى شرعية القوانين في دائرة التنظيم هي الأمة"ويضيف العلامة شمس الدين: ((فالفقهاء في نظريتنا لهم دور تشريعي وتقنين ، وليس لهم دور سلطوي ، وليسوا مصدراً للسلطة))([96]).

فالمجال السياسي لنظرية ولاية الأمة على نفسها يقوم على تقويض سلطة الفقيه وإحالته إلى مجرد مشرع أي دفعه باتجاه المجال الثقافوي والقيّمي وبالنتيجة ستكون أمام تقاسم وظيفي ، مجال تشريعي يمثل حيز استمرار الإسلام قيماً وأحكاماً ، ومجال تدبيري تنظيمي مدني تشغله الأمة عبر السلطة))([97]).

والنظريات الثلاث وإن تباينت في نظرتها للفقيه وصلاحياته ودوره في النظام السياسي لكنها تتفق على أن من حق الأمة أن تختار رئيسها ، وأن رئيس الدولة الإسلامية يكون من الأمة ولا يشترط فيه أن يكون فقيهاً فضلاً عن مؤهلات الرئاسة المطلوبة.

المبحث الثالث : الامة والمهام التشريعية:

لاشك أن الله سبحانه وتعالى هو المشرع الحقيقي ، وأن السلطة التشريعية منحصرة به ، فيكون حق التشريع مختصاً به دون غيره ، وإن كان نبياً ؛ لعلمه المطلق بمصالح الأشياء ومفاسدها ، وكذلك علمه المطلق بحاجة البشر ، كما أن له القدرة على معاقبة المخالفين وإثابة المطيعين ، وقد دلت آيات قرآنية كثيرة على انحصار التشريع بالله سبحانه وتعالى كما في قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)([98]) ، وقوله تعالى : (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)([99]) وغيرها من الآيات القرآنية الأخرى([100])

نعم هناك من يرى أن الله سبحانه وتعالى قد فوّض حق التشريع إلى النبي الأكرم () ومنه إلى أهل البيت(عليهم السلام) استناداً إلى ما يفهم من دلالة بعض الآيات القرآنية([101]) ولوجود روايات بهذا الشأن([102]).

لكن نوقشت دلالة هذه الآيات كما أن الروايات على الرغم من حجة أسانيدها إلا أنها تفتقد الدلالة على حق التشريع ، كما أن مضمون هذه الروايات يعارض الآيات والروايات التي تصرح بأنه لا يكاد يظفر بموضوع إلا ولله فيه حكم([103]) كما في رواية عمر بن قيس عن الإمام الباقر(عليه السلام) انه قال : ((إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله وجعل لكل شيء حداً وجعل عليه دليلاً يدل عليه ، وجعل على من تعدى الحد حداً))([104]).

وعليه ؛ فالسلطة التشريعية بمعنى إيجاد شرع ابتداءً منحصرةُ بالله سبحانه وتعالى([105]) ، ولذا يكون المجال التشريعي والمرجعية التشريعية في الدولة الإسلامية يتحدد نطاقها في موردين :

المورد الأول : بيان الأحكام وهي القوانين التي جاءت بها الشريعة الإسلامية المقدسة بصفتها المحددّة الثابتة.

المورد الثاني : وضع التعاليم وهي التفصيلات القانونية التي تطبق فيها أحكام الشريعة على ضوء الظروف ويتكون من مجموع هذه التعاليم النظام السائد لفترة معينة تطول أو تقصر تبعاً للظروف والملابسات([106]).

أما المورد الأول : بيان الأحكام الشرعية :

لاشك أن بيان الأحكام الشرعية وتوضيحها كما جاءت بها الشريعة الإسلامية مهمة تقع على عاتق رئيس الدولة الإسلامية ، فرئيس الدولة إن كان نبياً (النبي الأكرم()) ، فهذا المورد في السلطة التشريعية كان محصوراً به ، كما ان مهمته هي تبليغ الأحكام الشريعة وبيانها للناس ، وأن هذه المهمة أسندت إلى الإمام المعصوم(عليه السلام) بعده ، فالمعصوم(عليه السلام) تقع عليه مسؤولية بيان الأحكام الشرعية ، كونه يمثل امتداداً للنبي في هذه المهمة، ومن هنا فرئيس الدولة سواء أكان نبياً أو معصوماً فهو يقوم بمهمة بيان الأحكام الشرعية،أما إذا كان رئيس الدولة مجتهداً فتقع مسؤولية بيان الأحكام الشرعية على عاتق المجتهدين عن طريق استنباط الأحكام الشرعية وبيانها للناس.

فالسلطة التشريعية انتقلت إلى المجتهدين من الصحابة كما هو مبنى القائلين                  .

بالخلافة([107]) والمجتهد الذي يتولى السلطة التشريعية في الدولة الإسلامية ، يكون عمله التشريعي لا يتعدى أمرين : أما بالنسبة إلى ما فيه نص فعملهم تفهم النص وبيان الحكم الذي يدل عليه ، وأما بالنسبة إلى ما لا نص فيه فعملهم قياسه على ما فيه نص واستنباط حكمه بواسطة الاجتهاد([108]).

وقد عرفنا أن للفقيه سلطة الفتوى وإبداء الرأي في المسائل الشرعية ، وتكون من الطرق الكاشفة عن القانون الإلهي([109]).

أما المورد الثاني : وهي الأوامر الحكومية التي يصدرها الحاكم الشرعي ؛ فيقوم بإصدار ووضع قوانين تساعد على إدارة الدولة الإسلامية، وإيجاد الحلول للمشاكل المستجدة التي تطرأ على مسيرة الدولة ، وهذه الأوامر تصدر ضمن منطقة تركتها الشريعة ليست نقصاً وإنما لطبيعة تطور الحياة، وليتمكن الدين من مواكبة التطورات ، فهي أحكام متغيرة حسب الظروف الزمانية والمكانية جعلتها الشريعة ضمن صلاحيات الحاكم الشرعي في"أن يتخذ مجموعة من القرارات والأحكام الإلهية المستنبطة في إطار الأحكام الإسلامية الثابتة ويستند إليها في استيعاب المصالح المستجدة في المجتمع وامتصاص المتغيرات الطارئة"([110]).

فالأوامر الحكومية التي يصدرها الفقيه أو يمضيها وهو في ممارسة سلطتة التنفيذية وهو غير ما يصدره الفقيه من فتوى أو حكم قضائي.

 شرعية الحكم الحكومي :

إن وجود سلطة تشريعية لها الحق في إصدار الحكم رعاية للمصالح العامة لا تستغني عنها الحكومة سواء أكانت بشرية أم الهية لكن يبقى الكلام حول لمن تكون هذه السلطة هل هي للمجلس النيابي أو مجلس الوزراء أو رئيس الجمهورية أو أي قيادة أخرى فرضت وجودها في حكومة من الحكومات القائمة في العالم غير الإسلامي ؟، ولذا فوجود مركز قيادي مشروع يكون له حق الحكم وإن عارض المصالح الفردية أو الجماعية الأولية أمر  تحتاجه كل سلطة([111]).

ومن هنا فشرعية الحكم الحكومي أمر يستقل به العقل، وقد دلت الآيات القرآنية على حق إصدار الحكم الحكومي للأنبياء وأولي الأمر كما في قوله تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)([112]) ، وقوله تعالى : (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)([113]).

الحكم الحكومي ورئيس الدولة :

1-مرحلة المعصوم(عليه السلام) :

لاشك أن رئيس الدولة إذا كان معصوماً – نبياً أو إماماً – يحق له إصدار الحكم الحكومي استناداً إلى الآيات القرآنية المتقدمة، كما أن قيادته للدولة الإسلامية كانت قائمة على إصدار الأوامر الحكومية إلى جانب إبلاغ الأوامر الإلهية التي يتلّقاها عن طريق الوحي،والنبي بإصداره الأوامر الحكومية وملئه لمنطقة الفراغ فهو "لم يملأه بوصفه نبياً مبلغاً للشريعة الإلهية الثابتة في كل زمان ومكان ، ليكون هذا الملء الخاص من سيرة النبي لذلك الفراغ معبراً عن صفة تشريعية ثابتة وإنما ملأه بوصفه ولي الأمر المكلف من قبل الشريعة بملء منطقة الفراغ وفقاً للظروف"([114]).

كما أن هذه السلطة التي منحت للنبي() حسب رأيه ونظره عملاً بما خوله الله ليس نطقاً عن الهوى وليس وحياً يوحى بل هو تفريع على الأصول العليا للتشريع المنزل في الكتاب الكريم([115]).

وقد قامت سيرته الشريفة على إصدار الأحكام الحكومية بوصفه ولياً للأمر منها :

  1. الحكم بقتل كعب الاشراف([116]).
  2. إصدار الأمر بمنع مكالمة المتخلفين عن الجهاد وأمر نساءهم باعتزالهم([117]).
  3. الحكم بقطع نخيل بني النظير([118]).
  4. النهي عن أكل لحم الحمير في خيبر([119]).
  5. النهي عن التخلف عن جيش اسامة([120]).

وإذا ثبتت هذه السلطة للنبي() في مجال الفراغ التشريعي فلا ريب في ثبوتها للإمام المعصوم(ع) بما هو حاكم وولي أمر الأمة([121]).

2-مرحلة ما بعد المعصوم (عليه السلام):

إن الفكرة الغالبة لدى أهل السنة أن السلطة التشريعية تكون بيد علماء الشريعة المجتهدين ، ويكون دورهم باستخلاص الأحكام الشرعية من مصادرها والتعريف بها ووضعها لدى الدولة موضع التنفيذ ، ولذا تكون سلطة التشريع بيد (مجلس الشورى) إذا كان يضم العلماء والمجتهدين ، وتكون هذه السلطة هي المكلفة شرعاً والمختصة دستورياً بالقيام بعملية التشريع([122]).

ولذا تقرر عند علماء المسلمين وفي مواقع حياتهم أن مجلس الشورى إذا كان خالياً من المجتهدين لا يمكنه سن القوانين ولا استنباطها([123]) وعليه  فإذا كان رئيس الدولة مجتهداً فله الحق في القيام بهذا التشريع ، كما أن المجتهد خارج مجلس الشورى – إن وجد – لا يسقط حقه في الاجتهاد وإنما يكون اجتهاده مجرد فتوى بينما اجتهاد مجلس الشورى سيكون موضع التنفيذ عندما يعضده أمر الإمام فيأمر بتنفيذه([124]).

وإذا كان من حق رئيس الدولة أن يجتهد برأيه "فانه يجتهد بوصفه من المجتهدين لا بوصفه رئيساً للسلطة التنفيذية ، كذلك القاضي الذي تتوفر فيه صفات الاجتهاد فهو إن حكم برأيه فإنما يجتهد بوصفه من المجتهدين لا بوصفه من أعضاء السلطة القضائية"([125]).

نعم لو اختلف رئيس الدولة المجتهد مع رأي مجلس الشورى فاختلفوا فيمن يكون رأيه نافذاً،أما الفكر المعاصر عند الامامية فيظهر أن هذا الحق يكون تابعاً لنوع نظرية الحكم ، ولذا يرى الشهيد الصدر في كتابه (اقتصادنا)([126]) أن هذه المهمة تكون بيد الولي الفقيه (رئيس الدولة الفقيه) ، لإيمانه آنذاك بنظرية ولاية الفقيه العامة ، بينما يتجه إلى القول بان هذه المهمة تتكفلها الأمة في كتابه (الإسلام يقود الحياة)([127]).

وعليه ؛ فبناءً على ثبوت الولاية العامة للفقيه فان الفقيه (رئيس الدولة) يتمتع بسلطة التشريع الاجتهادي في جميع مناطق الفراغ([128]).

وأما بناء على القول بوجود ولاية للأمة بتقريباتها المتقدمة ، فعلى القول (بخلافة الأمة وشهادة المرجع) تملأ منطقة الفراغ عن طريق الأمة بالرجوع إلى الفقيه  ؛إذ ينبثق عن الأمة مجلس تشريعي منتخب يعبر عن إرادتها يقوم بتعيين سلطة تنفيذية يشرف على إدارتها ، فضلاً عن سن القوانين المناسبة لملء منطقة الفراغ التشريعي ، وتحديد أحد البدائل من الاجتهادات المشروعة ليقوم الفقيه بالبت أو التصويت على هذه القوانين المشرعة والأحكام المنتخبة من قبل الأمة بما هي ممثلة بمجلسها التشريعي.

والعلامة شمس الدين فإنه يرى أن المباحات بالمعنى الأعم يقوم الفقيه بما هو فقيه بملء هذا المجال من منطقة الفراغ التشريعي. أما في المجهولات (التنظيم والعلاقات) ،"فالولاية على التشريع في هذين المجالين للأمة نفسها عن طريق ممثليها في هيئات الشورى ولا تتوقف شرعية الإجراء التنظيمي الخاص بالعلاقات على فتوى فقيه أو حكمه بما هو فقيه" ويعود السبب في ذلك ؛لانها "أقرب إلى الأمور الإجرائية التي ثبتت من أدلة التشريع العليا والعامة ولاية الناس على أنفسهم فيها حتى في عصر النبوة والإمامة المعصومة"([129]).

والباحث يرى أن ملئ منطقة الفراغ التشريعي مهمة لا يقوم بها إلا الفقيه ؛ لانها مهمة تحتاج

إلى معرفة لأدلة التشريع العليا([130]) ، أو المؤشرات الإسلامية العليا ([131]) ، وهذه لا يمكن الاطلاع عليها ومعرفتها بحيث يستطيع استنباط العناصر الثابتة ،وكيفية ملء العناصر المتحركة على ضوئها، ولكن مع هذا لا يمكن الاستغناء عن دور أهل الخبرة والاختصاص في هذا المجال ، وما يسمى اليوم بمجلس النواب ، فهو غير قادر على القيام بهذه المهمة ؛ لأن المجلس يشكل حلقة وصل ووكالة عن منطقة معينة ينقل شكواهم ومعاناتهم والدفاع عنهم في مجلس النواب وقد يخلو من أهل الخبرة والاختصاص ، لذا فيتجه القول الى إن الدولة بحاجة إلى أهل الخبرة والاختصاص في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وهؤلاء يعرفون من خلال تخصصهم العلمي وخبرتهم في مجال التخصص ، بحيث تكون لهم القدرة على وضع برامج متطورة وقادرة على إدارة الدولة أو تشخيص الموضوع لدى رئيس الدولة بصورة علمية وأكاديمية بحتة.

ولذلك سواء قلنا إن الأمة هي من تقوم بهذه المهمة (ملء الفراغ) عن طريق ممثليها في مجلس النواب  فانها بحاجة إلى معرفة رأي الفقيه وإمضائه لمعرفة سلامة موقفها من الناحية الشرعية ، أو قلنا إن رئيس الدولة المجتهد يقوم بهذه المهمة ؛ لان تعقيدات الحياة وتطورها يحتاج في تشخيص الحالة ومعرفتها إلى أهل الخبرة والاختصاص ليكون الأمر صادراً عن خبرة ودراسة في هذا المجال.

ونرى أن دستور الجمهورية الإسلامية في إيران وإن كان قائماً على القول بولاية الفقيه المطلقة ،ولكن الولي الفقيه لا يشترك في سلطة التشريع وإصدار الأمر الحكومي بمعناه العام الشامل المتقدم ، وإنما يقوم مجلس الشورى بإصدار القوانين التي يراها مهمة وقادرة على مواكبة التطورات أو التي يطرح فيها حلولاً لمشاكل مستجدة في المجالات المتعددة . وقد نصت المادة (71) من دستور الجمهورية الإسلامية في إيران : ((يحق لمجلس الشورى الإسلامي سن القوانين حول كافة القضايا ضمن الحدود التي يقرها الدستور))([132]). وتكون علاقة رئيس الدولة (الولي الفقيه) بالسلطة التشريعية عن طريق ((مجلس صيانة الدستور)) والذي يقوم بمراقبة ما يصدره المجلس من قرارات ومعرفة عدم مخالفتها لأحكام الإسلام والدستور "فيتم البت في عدم مغايرة تشريعات مجلس الشورى الإسلامي للأحكام الإسلامية بأغلبية فقهاء مجلس صيانة الدستور ، اما تحديد عدم تعارضها مع الدستور فيكون بموافقة اكثرية أعضائه"([133]) ، كما يرتبط أيضاً بـ(مجلس تشخيص مصلحة النظام) والذي يرى أن القرار الصادر من مجلس الشورى الذي تم رفضه من قبل صيانة الدستور يكون قائماً على المصلحة العليا للبلاد أو لا .

ومن هنا يمكن القول إن الأمر الحكومي هو الأمر الصادر على ضوء مصلحة المجتمع ولا يكون مخالفاً لإحكام الإسلام وقوانينه، وليس بالضرورة أن يقوم بإصداره الولي الفقيه مباشرة ، وإنما المهم وجود مؤسسات دستورية قادرة على تشخيص المصلحة في القرار الصادر وكونه غير مخالف لإحكام الإسلام.

وعليه؛ يكون قيام الأمة بملء الفراغ عند غير القائلين بولاية الفقيه المطلقة بإشراف الفقيه وتوجيهه مساوقاً من الناحية العملية حتى لدى القائلين بالولاية المطلقة للفقيه.   

  •  

     

    دكتوراه فقه دستوري/ جامعة ذي قار/ مقرر قسم الشريعة في كلية العلوم الاسلامية

 

[1] . ينظر : عبد الغني بسيوني عبد الله ، نظرية الدولة في الإسلام (،،بيروت ، الدار الجامعية ، 1986م)، ص24 ، وينظر: عبد الرحمن خليفة ، في علم السياسة ،( دار المعرفة الجامعية ، 1990) ، ص258.

 

[2] . الأنبياء :92.

 

[3] . ينظر:إسماعيل عبد الفتاح ، القيم السياسية في الإسلام ، ط1 ، (القاهرة ، الدار الثقافية للنشر ، 1411هـ/2001م) وفريد عبد الخالق ، في الفقه السياسي الإسلامي ، مبادئ دستورية (الشورى ، العدل ، المساواة) ، ط1 ، (القاهرة ، دار الشروق ، 1419هـ/1998م) ، وعبد الحميد الانصاري ، نظام الحكم في الإسلام ، وسمير عالية ، نظرية الدولة وآدابها في الإسلام .

 

[4] . عبد الله حاجي الصادقي ، فلسفة النظام السياسي في الإسلام ، ص317-318.

 

[5] . ينظر:مهدي الخلخالي، الحاكمية في الإسلام، ترجمة جعفر الهادي، ط1، (قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1425هـ)،ص755-756.

 

[6] . الفخر الرازي ،مفاتيح الغيب، ط1 ، (بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1421هـ/2000م) ، ج9 ، ص54.

 

[7] . سيد قطب ، في ظلال القرآن ، ط4 ، (دار الشروق ، 1415هـ/1995م) ، مج1 ، ج1 ، ص501.

 

[8] . يوسف القرضاوي ، السياسة الشرعية ، ط1 ، (مطبعة المدني ، 1419هـ/1998م) ، ص111.

 

[9] . النائيني ، تنبيه الأمة وتنزيه الملة ، ص141.

 

[10] . محمد باقر الصدر ، الإسلام يقود الحياة ، ص162

 

[11] . ينظر: أبو حيان الأندلسي، البحر المحيط، (دار الفكر ، 1412هـ/1992م) ، ج3 ، ص410 ، وحسين المنتظري ، دراسات في فقه الدولة الإسلامية وولاية الفقيه ، ج2 ، ص31.

 

[12] . محمد مهدي الآصفي،ولاية الأمر، ط1،(المركز العالمي للبحوث والتعليم الإسلامي، 1416هـ/1995م)، ص168.

 

[13] . محمد حسين الطباطبائي ، مقالات تأسيسية في الفكر الإسلامي ، ص116.

 

[14] . محمد سليم العوّا ،في النظام السياسي للدولة الإسلامية ، ط1 ، (دار الشروق ، 1410هـ/1989م) ، ص290.

 

[15] . محمد مهدي الآصفي ، السلام في الإسلام ، ط1 ، (نشر رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية ، 1417هـ-1997م) ، ص51.

 

[16] . هشام احمد عوض ، الأبعاد السياسية لمفهوم الحاكمية ، ص88.

 

[17] . ينظر : هشام احمد عوض ، الأبعاد السياسية لمفهوم الحاكمية  ، ص97.

 

[18] . ينظر : محمد تقي مصباح اليزدي ، النظرية السياسية في الإسلام ، ج2 ، ص47-48.

 

[19] . نهج البلاغة ،الخطبة 3 ،ص 50

 

[20] . كاظم الحائري: ((مغزى البيعة مع المعصومين)) عنوان بحث في (رسالة الثقلين) ، العدد12 ، السنة 3 شوال/ذي الحجة 1415هـ/1995م.

 

[21] . المصدر نفسه

 

[22] . طاهري خرم ابادي:بين ولاية الفقية وحكم الشعب ،(منظمة الاعلام الإسلامي،1405هـ)،ص61

 

[23] . محمود الهاشمي: مصدر التشريع ونظام الحكم في الإسلام، ط1 ، (دار الاعراف، 1433هـ/1993م)، ص117.

 

[24] . ينظر : محمد تقي مصباح اليزدي ، النظرية الحقوقية في الإسلام  ، ج1 ، ص98-99.

 

[25] . ينظر : محسن الاراكي ، نظرية الحكم في الإسلام ، ، ص16-18.

 

[26] . ينظر : عباس بسنديده ، ((الاتحاد ونظرية القوة في فلسفة الإسلام السياسية)) (رسالة التقريب) ، العدد64 ، ذو القعدة وذو الحجة 1428هـ/2008م) ، ص92-94.

 

[27] . محمد مصطفوي ، نظريات الحكم والدولة ، ، ص175.

 

[28] . الشهيد المطهري ، حول الثورة الإسلامية ورد عند : محمد حسن قرا ملكي ، ولاية الفقيه من وجهة نظر الاستاذ المطهري ، ضمن كتاب ((آفاق الفكر السياسي عند الاستاذ الشهيد المطهري ، ترجمة : وليد محسن ، ط1 ، (قم ، دائرة معارف الفقه الإسلامي ، 1426هـ/2005م) ، ص215.

 

[29] . ينظر : محمد جواد مغنية ، الخميني والدولة الاسلامية  ، ص410.

 

[30] . جعفر السبحاني ، معالم الحكومة الإسلامية ، ط4 ، (قم ، مؤسسة الامام الصادق،1413هـ) ، ص202.

 

[31] . محمد مهدي شمس الدين ، نظام الحكم والإدارة في الإسلام ، ص410.

 

[32] . جعفر عبد الرزاق،الدستور والبرلمان في الفكر السياسي الشيعي ، ط1 ، (بيروت، دار الهادي ، 1421هـ /2001م) ، ص57.

 

[33] . ينظر : عبد الإله بلقزيز ، الدولة في الفكر السياسي المعاصر ، ص76-77.

 

[34] . ينظر: ماجد الغرباوي، الشيخ محمد حسين النائيني منظر الحركة الدستورية،ط1، (استراليا، مؤسسة المثقف العربي ، 2012 ) ، ص 164-165، ومحسن كديور ، نظرية الدولة في الفقه الشيعي ، ص78-79

 

[35] . ينظر:النائيني ، تنبيه الأمة وتنزيه الملة ، ص105-106.

 

[36] . ينظر : المصدر نفسه، ص106.

 

[37] . ينظر : مجيد محمدي ، اتجاهات الفكر الديني المعاصر في إيران ، ترجمة ص. حسين ، ط1 ، (بيروت ، الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، 2010م) ، ص43.

 

[38] . ينظر : النائيني ، تنبيه الأمة وتنزيه الملة ، ص106.

 

[39] . ينظر : المصدر نفسه ، ص107.

 

[40] . ينظر : عبد الإله بلقزيز ، الدولة في الفكر السياسي المعاصر ، ص76.

 

[41] . النائيني ، تنبيه الأمة وتنزيه الملة ، ص169.

 

[42] . المصدر نفسه ، ص169-170.

 

[43] . دهحذا ، معجم اللغة ، 28 :124 الملحق المتمم للقانون الأساسي للعام 1325هـ (1907م) ورد عند ، د. أحمد البهشتي ، آفاق الفكر السياسي عند المحقق النائيني ، ترجمة نوال خليل ، ط1 ، (قم ، مؤسسة دائرة معرف الفقه الإسلامي ، 1430هـ/2009م) ، ص121-122.

 

[44] . دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ، ط1 ، (بيروت ، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي ، 2010) ، ص52-53.

 

[45] . المصدر نفسه، ص54.

 

[46] . المصدر نفسه ، ص55.

 

[47] . دستور الجمهورية الاسلامية في ايران، ص55.

 

[48] . المصدر نفسه، ص53

 

[49] . النائيني:تنبيه الامة وتنزيه الملة،ص168.

 

[50] . د. عبد الإله بلقزيز ، الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر  ، ص76.

 

[51] . ينظر : د. علي فياض ، نظريات السلطة ، ، ص413.

 

[52] . شبلي الملاط ، تجديد الفقه الإسلامي ، محمد باقر الصدر بين النجف وشيعة العالم ، (بيروت ، 1998م) ، ص86.

 

[53] . المصدر نفسه، ص93.

 

[54] . كاظم الحائري ، مباحث الأصول (تقريرات أبحاث الشهيد الصدر) ، ط2 ، (قم ، دار البشير ، 1426هـ ق) ، ص92 ، وينظر : د. علي فياض ، نظريات السلطة  ، ص410-411.

 

[55] . البقرة : 30 .

 

[56] . فاطر : 39 ، الاعراف : 69 ، 74.

 

[57] . محمد باقر الصدر ، الإسلام يقود الحياة ، ص134.

 

[58] . المصدر نفسه، ص136.

 

[59] . النساء : 41.

 

[60] . النحل : 89.

 

[61] . البقرة : 143 ، المائدة : 44.

 

[62] . محمد باقر الصدر ، الإسلام يقود الحياة  ، ص144-145.

 

[63] . ينظر : د. علي فياض ، نظريات السلطة  ، ص428.

 

[64] . محمد باقر الصدر ، الإسلام يقود الحياة  ، ص146.

 

[65] . المصدر نفسه ، ص16.

 

[66] . ينظر : د. علي فياض ، نظريات السلطة ، ص405.

 

[67] . ينظر:محمد باقر الصدر:الاسلام يقود الحياة ، ص9-10.ومحمد علي الحكيم: الفكر السياسي المعاصر ص206

 

[68] . ينظر :كاظم الحائري :مباحث الاصول ،ص83-84

 

[69] . محمد باقر الصدر:السلام يقود الحياة ص13-14.

 

[70] . د.علي فياض:نظريات السلطة ،ص409.

 

[71] . ينظر : محمد باقر الصدر ، الإسلام يقود الحياة ، ص12-13 ، ومحمد علي الحكيم ، الفكر السياسي المعاصر للشيعة الامامية ، ص251.

 

[72] . ينظر : محمد باقر الصدر ، الإسلام يقود الحياة ، ص13-14 ، ومحمد علي الحكيم ، الفكر السياسي المعاصر للشيعة الامامية ، ص248-249.

 

[73] . محمد باقر الصدر ، الإسلام يقوم الحياة  ، ص16.

 

[74] . د. علي فياض ، نظريات السلطة في الفكر السياسي الشيعي المعاصر ، ص423.

 

[75] . محمد مهدي شمس الدين ، مسائل في فقه المرأة ، الكتاب الثاني ، ط3 ، (بيروت ، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر ، 2001م) ، ص127.

 

[76] . د. علي فياض ، نظريات السلطة في الفكر السياسي الشيعي المعاصر ، ص277.

 

[77] . محمد جواد مغنية ، الخميني والدولة الإسلامية ، ص63.

 

[78] . محمد جواد مغنية ، الخميني والدولة الإسلامية ، ص63.

 

[79] . محمد مهدي شمس الدين ، نظام الحكم والإدارة في الإسلام ، ص410.

 

[80] . فؤاد إبراهيم ، الفقيه والدولة – الفكر السياسي الشيعي ((في حوار له مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين)) ، ط1 ، (بيروت ، دار الكنوز الأدبية ، 1998م) ، ص434.

 

[81] . ينظر : نظام الحكم والإدارة في الإسلام ، ص410.

 

[82] . الأحزاب : 33.

 

[83] . النساء : 59.

 

[84] . محمد مهدي شمس الدين، نظام الحكم والإدارة في الإسلام، ، ص431 ، وينظر: محمد مهدي شمس الدين ، الحريات الشخصية في المنظور الإسلامي، (مجلة المنهاج، بيروت ، العدد 11 ، خريف 1998م) ، ص257.

 

[85] . محمد مهدي شمس الدين: نظام الحكم والادارة في الاسلام،ص452.

 

[86] . ينظر : نظام الحكم والإدارة في الإسلام ، ص347-242.

 

[87] . ينظر : مالك مصطفى وهبي ، الفقيه والسلطة والأمة ، ص183

 

[88] . نظام الحكم والإدارة في الإسلام ، ، ص449.

 

[89] . محمد مهدي شمس الدين ، نظام الحكم والإدارة في الإسلام ، ، ص447-448.

 

[90] . محمد مهدي شمس الدين ، نظام الحكم والإدارة في الإسلام ، ، ص449-450.

 

[91] . محمد مهدي شمس الدين ، نظام الحكم والإدارة في الإسلام  ، ص46-48.

 

[92] . محمد مهدي شمس الدين ، نظام الحكم والإدارة في الإسلام) ، ص453

 

[93] . محمد مهدي شمس الدين ، نظام الحكم والإدارة في الإسلام ، ص155.

 

[94] . ينظر : محمد مهدي شمس الدين ، نظام الحكم والإدارة في الإسلام ، ص210 ؛ ود. علي فياض : نظريات السلطة في الفكر السياسي المعاصر ، ص275.

 

[95] .  محمد مهدي شمس الدين ، في الاجتماع السياسي الإسلامي ، ص108.

 

[96] . فؤاد إبراهيم ، الفقيه والدولة في حوار له مع شمس الدين ، ص434.

 

[97] . د. علي فياض : نظريات السلطة ، ص277-278.

 

[98] . الأنعام :57.

 

[99] . يوسف :40.

 

[100] . يوسف : 67 ، والأنعام : 62 ، القصص : 70.

 

[101] . مثل قوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)   يوسف:22 ، وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍالمائدة: 95 ، وقوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)   المائدة:44.

 

[102] . الكليني ، الكافي ، ج1 ، ص265-266 باب التفويض إلى رسول الله() والى الأئمة .

 

[103] . د. عبد الله اميدي فرد،" حق التشريع بين الأحادية والتعددية "، (الاجتهاد والتجديد ، العدد السابع ، صيف 2007م/1428هـ) ، ص64.

 

[104] . الكليني ، الكافي ، ج1 ، ص59.

 

[105] . ينظر : محمد مهدي الخلخالي ، الحاكمية في الإسلام ، ص681 ، ومحمد مصطفوي ، نظريات الحكم والدولة ، ص74.

 

[106] . محمد باقر الصدر ، الاسس الفكرية لحزب الدعوة الإسلامية ورد عند:حسين الشامي:المرجعية من الذات إلى المؤسسة ،ص502-503

 

[107] . د. عطية عدلان ، النظرية العامة لنظام الحكم في الإسلام ، ص349.

 

[108] . عبد الوهاب خلاف ، السياسة الشرعية ، ص42 ، وينظر : د. عطية عدلان ، النظرية العامة لنظام الحكم في الإسلام ، ص347.

 

[109] . حسين علي المنتظري ، دراسات في ولاية الفقيه وفقد الدولة الإسلامية ، ج2 ، ص60.

 

[110] . محمد حسين الطباطبائي ، مقالات تأسيسية في الفكر الإسلامي ، ص168.

 

[111] . ينظر : محمد مهدي خلخالي ، الحاكمية في الإسلام ، ص684-685.

 

[112] . النساء :65.

 

[113] . النور :51.

 

[114] . محمد باقر الصدر ، اقتصادنا ، ص380.

 

[115] . ينظر : محمد مهدي شمس الدين ، الاجتهاد والتجديد ، ص115.

 

[116] . صحيح البخاري ، ج5 ، ص35 ، البيهقي ، السنن الكبرى ، ج9 ، ص81.

 

[117] . الطبري ، مجمع البيان ، ج5 ، ص246.

 

[118] . محمد العظيم آبادي ، عون المعبود ، ط2 ، (بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1415هـ) ، ج7 ، ص197.

 

[119] . الكليني ، الكافي ، ج6 ، ص246.

 

[120] . أحمد بن عبد العزيز الجواهري ، السقيفة وفدك ، تحقيق الدكتور محمد هادي الأمين ، ، ط2 ، (بيروت ، شركة الكتبي ، 1413هـ) ، ص77.

 

[121] . محمد مهدي شمس الدين ، الاجتهاد والتجديد ، ص115.

 

[122] . ينظر : د. عطية عدلان ، النظرية العام لنظام الحكم في الإسلام ، ص346-347.

 

[123] . ينظر : د.عبد العزيز الخياط ، النظام السياسي في الإسلام ، ط1 ، (القاهرة ، دار السلام ، 1420هـ/1991م) ، ص241.

 

[124] . ينظر : د. منير حميد البياتي ، النظام السياسي الإسلامي ، ص167-168.

 

[125] . د. محمود حلمي ، نظام الحكم الإسلامي مقارناً بالنظم المعاصرة ، ط1 ، (مصر ، دار الفكر العربي ، 1970م) ، ص392.

 

[126] . محمد باقر الصدر ، اقتصادنا ، ص689.

 

[127] . محمد باقر الصدر ، الإسلام يقود الحياة ، ص12.

 

[128] . محمد مهدي شمس الدين:الاجتهاد والتجديد ،،ص116.

 

[129] . محمد مهدي شمس الدين ، الاجتهاد والتجديد ، ص117.

 

[130] . محمد مهدي شمس الدين ، الاجتهاد والتجديد ،ص117.

 

[131] . محمد باقر الصدر ، الإسلام يقود الحياة ، ص119.

 

[132] . دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ، ص45.

 

[133] . المصدر نفسه ، المادة 96 ، ص540.