المرجعية الدينية صمام الامان في تاريخ العراق

 انتفاضات الفرات الاوسط 1935-1936 أنموذجا

الباحث : م.م عمار عبد الرضا ماهود الزبيدي

كلية الامام الكاظم (ع) للعلوم الاسلامية الجامعة فرع ميسان

 

 

اولاً: الدور السياسي والاجتماعي للمرجع الديني الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء([1])

        على مر تاريخ العراق المعاصر نجد للمرجعية الدينية دوراً وموقفاً واضحين وصريحين من جميع الاحداث السياسية, والاقتصادية, والاجتماعية التي مر بها العراق, اذ كانت المرجعية الدينة من خلال بياناتها ونصائحها وارشاداتها والفتاوى التي تصدرها تنير طريق الحق لمن يريد ان يسلكه, ومن هؤلاء المراجع العظام الذين يشهد هم التاريخ ويقف اجلالاً واكباراً لمواقفهم هو المرجع الكبير الشيخ محمد حسين ال كاشف الغطاء (1876-1954) وقد تناولت العديد من البحوث والدراسات الجامعية جوانب عديدة من حياة الشيخ كاشف الغطاء ومواقفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستوى الوطني والقومي والاسلامي, ولا يزال المجال مفتوحاً لتناول جوانب اخرى قصرت الدراسات عن الاحاطة بها واعطائها ما تستحق من الاهتمام, فقد لا تجد حدثاً سياسياً او اقتصادياً او اجتماعياً([2]), عاصرة الشيخ الا كان له موقف واضح وجلي اتجاهه.

        وقد اشكل علية البعض كثرة تدخله في الامور السياسية والاقتصادية من ناحية كونه مرجعاً دينياً وزعيماً روحياً وكثرة الانشغال بالأمور السياسية لا يليق به؛ فرد عليهم بقوله: أما التدخل بالسياسة فان كان المعني بها هو الوعظ والإرشاد والنهي عن الفساد، والنصيحة للحاكمين بل لعامة البلاد، والتحذير من الوقوع في حبائل الاستعمار والاستعباد ووضع القيود والأغلال على البلاد وأبناء البلاد, ان كانت السياسة هي هذه الامور, نعم انا غارق فيها الى هامتي, وهي من واجباتي واراني مسؤولا عنها امام الله والوجدان وهي من وظائفي, وهي النيابة العامة, والزعامة الكبرى, والخلافة الالهية العظمى (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (ص:26), فسياستنا هي سياسة النبي والائمة صلوات الله عليهم الخالية عن كل هوى وهوس وطمع ودنس, واذا كان المعني بالسياسة هو احداث الفتن والثورات والاضطرابات للتوصل الى الحكم واستغلال النفوذ للمنافع الذاتية والاطماع الدنية والتسلط على الامة بإراقة الدماء ان كانت السياسة هذه وما اليه فاني اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم([3]).

        ومن هذا المنطلق الاسلامي والتكليف الشرعي كان ينطلق سماحته الى التدخل في الامور السياسية والاحداث التي تمر بها البلاد, وبالرغم من ان الشيخ كاشف الغطاء يعد التدخل في السياسة بمثابة الواجب المسؤول عنه امام الله والوجدان؛ الا انه من جانب اخر كان يرفض المشاركة في العمل السياسي الذي يكون هدفه احداث الفتن والاضطرابات من اجل الوصول الى السلطة او الحصول على مكاسب شخصية. وهذا ما سيظهر من خلال دوره في الانتفاضات العشائرية في الفرات الاوسط في السنوات 1935-1936.

ثانياً: الانتفاضات العشائرية في الفرات الاوسط اسبابها, ودور المرجعية الدينية فيها:

       هنالك حقيقة واقعة صرح بها الملك فيصل الاول (1883-1933) لم يكن احد من الزعماء العراقيين على اختلاف مستوياتهم الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وبمختلف توجهاتهم وانتمائهم ان يصرح بها في تلك الفترة رغم ان الجميع كان يدركها هذه الحقيقة هي ما كتبه الملك فيصل بان العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية مؤسسة على انقاض الحكم العثماني, وهذه الحكومة تحكم اكثرية شيعية جاهلة منتسبة عنصريا الى نفس الحكومة, الا ان الاضطهادات التي كانت تلحقهم من جراء الحكم الذي لم يمكنهم من الاشتراك في الحكم, وعدم التمرن عليه, والذي فتح خندقاً عميقاً بين الشعب العربي المنقسم الى هذين المذهبين, كل ذلك جعل مع الاسف هذه الاكثرية, او الاشخاص الذين لهم مطامع خاصة الدينيون منهم وطلاب الوظائف بدون استحقاق والذين يستفيدون ماديا من الحكم الجديد يظهرون بأنهم لم يزالوا مضطهدين لكونهم شيعة([4]).

           هذه فقرة من ضمن مجموعة فقرات ذكرها الملك فيصل الاول في مذكرة قدمها في 15 اذار1932 الى الوزراء والسياسيين العراقيين البارزين الذين عاصروه, تضمنت خلاصة تجاربه, وتقييمه للوضع, وطلب منهم ان يدرسوها بدقة, ويقدموا اليه انتقاداتهم وملاحظاتهم عليها([5]). ونجد ان المشكلة الطائفية في حكم العراق كان معروفة ومشخصة من قبل اعلى راس السلطة في العراق الملك فيصل الاول الذي كان له ثقله السياسي الكبير وتأثيره على كل السياسيين العراقيين الذين شكلوا الوزارة خلال سني حكمة الاثنتي عشرة, وقد ادرك الملك فيصل الاول عمق الشعور بالغبن والاجحاف المتفشي لدى الشيعة وتطرق اليه بصراحة في مذكرته.

         وقد كان هذا الاجحاف سبباً في استياء العشائر الشيعية, ففي الاربعة عشر سنة الممتدة 1921-1935 تشكلت في العراق (21) وزاره, كلها شكلت من قبل سياسيين عراقيين من ابناء السنة, ولم يشكل أي من السياسيين الشيعة وزارة؛ رغم انه كان هناك عدد لا بئس به من السياسيين الشيعة كانوا مؤهلين ليتقلدوا منصب رئيس الوزراء امثال جعفر ابو التمن, وعبد المهدي المنتفكي, ومحمد رضا الشبيبي وغيرهم, بل الاكثر من ذلك انه لم يمثل الشيعة في كل هذه الوزارات باكثير من وزير واحد فقط في كل وزارة, او وزيرين في احسن الاحيان, وفي الغالب كانت تسند لهم وزارة المعارف, او وزارة الاشغال, او وزارة التموين, ولم يذكر التاريخ العراقي المعاصر ان شيعياً عراقياً تولى منصب وزير الخارجية او وزير الداخلية او وزير الدفاع او المالية وغيرها من الوزارات المهمة في المدة 1921-1935([6]).

         وبالرغم من ذلك كان الساسة الشيعة متأقلمين مع هذا الوضع ولم يكن لهم أي مطلب بانصافهم في المناصب الوزارية على اعتبارهم يشكلون الاغلبية من ابناء الشعب, بل ان عدداً من السياسيين الشيعة شكلوا احزاباً سياسية, او اشتركوا في تشكيل بعض الاحزاب ولم تتضمن كل مناهج الاحزاب فقرة بأنصاف ابناء الاغلبية الشيعية في المناصب الوزارية والادارية, بل لم تكن مطلب من مطاليب الاحزاب او هدفاً من اهدافها([7]). وكان الشيخ كاشف الغطاء مدركاً للعزلة المذهبية التي يعيشها وسط وجنوب العراق وكيف ان الفئة الحاكمة في بغداد مارست منذ عام 1921 سياسة التمييز الطائفي بين العراقيين في مسألة التوظيف وتوزيع المناصب في الغالب على اساس طائفي([8]), ولعل اول طلب رسمي لأنصاف الشيعة في المناصب سجله تاريخ العراق المعاصر هو ما تم المطالبة به في المؤتمر العشائري في النجف الاشرف, وما صدر عنه من ميثاق الشعب او ميثاق النجف كما يسميه البعض, الذي سيأتي الحديث عنه.

  1. الانتفاضة العشائرية ضد حكومة علي جودة الايوبي (27 اب 1934-23 شباط 1935)

      بعد فشل حزب الاخاء الوطني بزعامة ياسين الهاشمي في الحصول على اغلبية برلمانية في الانتخابات التي جرت عام 1934 فكر الزعماء الاخائيون ( ياسين الهاشمي وحكمت سليمان ورشيد عالي الكيلاني) في استغلال شكاوى العشائر وتذمرهم, وكان حكمت سليمان اول من اقترح اثارة العشائر ضد الحكومة, واخذوا يعقدون اجتماعاتهم في منطقة الصليخ (شمال بغداد) حيث منزل حكمت سليمان ورشيد عالي الكيلاني, وحرروا ميثاقاً اكد على ضرورة القيام بعمل مناهض لحكومة علي جودة الايوبي([9]), وتقرر تكليف عبد الواحد الحاج سكر شيخ عشيرة الفتلة, والزعيم الاخائي البارز في الخروج على الحكومة في منطقة الديوانية, وقد وجد عبد الواحد ان تمرده على الحكومة قد يحقق له ثلاثة اهداف اولاً تقديم المعونة لحزبه الاخاء الوطني, وثانياً الاحتجاج على الحكومة التي لم تنصفه في نزاع حول ارضي يدعيها, واخيراً المطالبة بالاصلاحات العامة في منطقة الفرات الاوسط, ويبدوا ان الهدف الثالث كان يريد من خلاله كسب تأييد العشائر في منطقة الفرات الاوسط وكذلك كسب تأييد المرجعية الدينية لحركته مما يضفي عليها الصفة الشرعية([10]).

     وفي هذه المدة كان الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء المرجع الديني الاعلى, وكان يتمتع بنفوذ كبير وسلطة واسعة بين القبائل وسكان المدن وعند الحكومة بشكل خاص حيث كانت ترجو مودته وتتقي غضبه([11]), فعقد عبد الواحد الحاج سكر اجتماعاً في داره في النجف الاشرف مع محسن ابو طبيخ وعلوان الياسري وشيوخ اخرين, في 1 كانون الثاني 1935,  ووجهوا رسالة الى الشيخ محمد حسين ال كاشف الغطاء طالبين منه الدعوة الى عقد مؤتمر يضم شيوخ العشائر يعقد في النجف الاشرف تحت رئاسة الشيخ ال كاشف الغطاء لبحث المشاكل التي تعاني منها منطقة الفرات الاوسط, ومؤكدين حرصهم على تحقيق الاصلاح([12]).

       الا ان الشيخ كاشف الغطاء كانت تعتريه بعض الشكوك من نواياهم, وبسبب رغبة الشيخ في تحقيق الاصلاح ومطالبة الحكومة بالعدل والاستقامة وتعيين الموظفين الاكفاء, لذا فانه وافق على الاجتماع مع شيوخ العشائر([13]), وفعلا تم عقد المؤتمر في 11 كانون الثاني 1935بحضور اكثر من 150 رئيسا من القبائل لمناقشة الاصلاحات المطلوبة([14]), وبما ان الحاج سكر وابو طبيخ والياسري كانوا يريدون الوصول الى نتائج سياسية سريعة اكثر من الاهتمام بتحقيق الاصلاحات التي يطالبون بها؛ لذلك دعوا الى ان أي اصلاح لا يمكن ان ينفذ الا بعد اسقاط وزارة علي جودة الايوبي, وحل المجلس النيابي, باعتبار ان الحكومة القائمة تفرض الضرائب وتسعى لإقرار التجنيد الاجباري([15]), فرد عليهم الشيخ كاشف الغطاء وهل يمكن ان تعيش حكومة في الدنيا بدون ضرائب وبدون جيش([16]). وهنا يتجلى لنا دور الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ومنهجهُ الرافض الى احداث الفتن والاضطرابات, واهتمامه بمصالح الناس, لذا فانه لم يكن مسايراً لهم في جميع طلباتهم, بل كانت تهمهُ المصلحة العامة, والحفاظ على مقومات الدولة لكي تكون قادرة على تقديم الخدمات للناس, وهو بهذا يشكل مصدر امان واطمئنان للشعب وللحكومة في نفس الوقت.

      وبعد ان حصل المجتمعون على دعم لموقفهم من خلال الاجتماع مع الشيخ كاشف الغطاء فانهم سافروا الى بغداد وقدموا استرحام للملك يوم 14 كانون الثاني 1935تضمن :

  • أ‌- ضرورة استقالة الوزارة القائمة لتحل محلها وزارة اكثر تمثيلا للشعب.
  • ب‌- ضرورة حل البرلمان لان الانتخابات الاخيرة لم تكن شرعية
  • ت‌- وجوب احترام القوانين وتطبيقها بصورة صحيحة([17]).

      وفي نفس الاتجاه حاول الشيوخ المؤيدين لعلي جودة الايوبي امثال (علوان الحاج سعدون شيخ بني حسن, وداخل الشعلان شيخ ال ابراهيم, ومرزوك العواد شيخ العوابد, ورايح العطية, شيخ الحميدات) كسب تأييد الشيخ كاشف الغطاء, فتوجهوا الى الشيخ  طالبين منه الوقوف الى جانبهم وتوحيد صفوفهم, فطلب الشيخ من المعارضين والمؤيدين الحضور عنده فحضر الجانبان, وعندما طلب راي كل جبهة ابدى مؤيدو الوزارة استعدادهم للاستقالة من عضوية مجلس النواب بشرط ان يستقيل معارضو الحكومة من مجلس الاعيان فرفض الاخرون وفشل الاجتماع ووصلت الازمة الى ذروتها بعد ان رفضت وزارة علي الايوبي الاستقالة وكادت ان تنشب مواجه وقتال بين العشائر المؤيدة للحكومة والمعارضة لها , فتصدى الشيخ كاشف الغطاء لتلك الفتنة واصدر فتوى بتحريم القتال بين العشائر لما يسببه ذلك من ضرر على البلاد, واراقة للدماء ونهب الاموال واضطراب الامن([18]).

         إلا ان ذلك لم يمنع معارضي الوزارة من تحريض عشائرهم على الانتفاضة وزادت خطورة الوضع في شهر شباط بسبب انتشار الانتفاضة في جميع انحاء المنطقة الواقعة الى الجنوب من الحلة, وزاد الامر سواء ان قام احد عشر عينا من مجموع عشرين عينا بمقاطعة جلسات مجلس الاعيان للضغط على الحكومة مما اضطر علي جودة الايوبي الى تقديم استقالة وزارته في 23 شباط 1935([19]).

  1. الانتفاضة العشائرية ضد حكومة جميل المدفعي (4 اذار 1935-15 اذار 1935)

       عهد الملك غازي الى جميل المدفعي بتشكيل وزارة تخلف وزارة الايوبي بعد ان رفض حزب الاخاء تشكيل الوزارة الا بشرط حل المجلس النيابي الذي انتخب في عهد علي جودة الايوبي, فشكل المدفعي وزارته في 4 اذار 1935, فسارع عبد الواحد الحاج سكر بإعلان مناهضته للوزارة الجديدة مصرحا بانه لا يطمئن الى رئيس وزارة يتمتع برعاية علي جودة الايوبي([20]).

         وحاول عبد الواحد الحاج سكر ومحسن ابو طبيخ وعلوان الياسري وعبادي الحسن كسب تأييد الشيخ كاشف الغطاء للقيام بحركة ضد الحكومة لكن الشيخ رفض طلباتهم المتكررة, وحرم بشكل قطعي رفع السلاح ضد الدولة بحجة إرغامها على الاستجابة لمطالب المعارضين, ثم اجتمع معهم وطلب منهم الاستقالة من الاحزاب وجعل عملهم خالصاً للمصلحة العامة وليس للمصالح الشخصية([21]), وفك ارتباطهم بجماعة الهاشمي والكيلاني, وهذه شروط الشيخ للعمل معهم, فاكد علوان الياسري, وعبادي الحسن عدم انتمائهم الى أي حزب, اما عبد الواحد فقد وافق على شروط الشيخ بالاستقالة من حزب الاخاء, وفي المقابل رفض محسن ابو طبيخ الاستقالة من الحزب بذريعة ان الحزب يعمل لقضايا وطنية, فرد علية الشيخ ان هدفه ليس المصلحة العامة, وانه يريد خدمة ياسين الهاشمي وتقديسه, فغضب ابو طبيخ من كلام الشيخ, ولم يتوصل المجتمعون الى اتفاق, وحاول الشيخ كاشف الغطاء تهدئة العشائر المعارضة, من خلال دعوة العشائر الى الهدوء والحفاظ على الامن, وعد ان ما يقومون به مخالف للشريعة الاسلامية([22]).

          الا ان عبد الواحد الحاج سكر اعلن الانتفاضة ضد الحكومة في شهر شباط 1935, وقام افراد عشائر الفتلة بقطع الطرق وتهديم الجسور الموصلة بين ابي صخير والمشخاب, واغلقوا الطريق الرئيس الرابط بين الديوانية والنجف, من جهة ثانية قام افراد عشيرة الاكرع برئاسة الشيخ شعلان العطية بمناصرة عبد الواحد وسيطروا على مركز حكومي في جنوب الحلة, كما استمر الاعيان الاحد عشر بمقاطعة جلسات مجلس الاعيان([23]). وكانت حكومة المدفعي تدرك الدور الكبير الذي يمكن ان تؤديه المرجعية الدينية في احتواء الازمة وعودة الهدوء الى مناطق الفرات الاوسط, فأرسلت وزير المعارف عبد الحسين الجلبي, مع متصرف كربلاء خليل عزمي الى النجف للتفاوض مع الشيخ كاشف الغطاء, وقادة المعارضة العشائرية, من اجل ايجاد حل للازمة, وقد اكد الشيخ للوفد رفضه لوقوع الحرب وحل المشكلة عن طريق القوة واراقة الدماء, واعتبر ان الحل الافضل هو المصالحة لحل القضية([24]), وقام الشيخ بأرسال برقية الى الملك غازي في 13 اذار 1935 طالباً منه التدخل لمنع قيام الحركات العسكرية معرباً عن استعداده للتوسط وحل الازمه, ونتيجة لاستمرار تدهور الوضع وامتناع بعض القادة العسكرين عن ضرب مناطق الانتفاضة قدم جميل المدفعي استقالة وزارته بعد مرور احد عشر يوم في 15 اذار 1935([25]).

  1. الانتفاضات العشائرية ضد حكومة ياسين الهاشمي (17 اذار 1935-29 تشرين الاول 1936)

        سعت وزارة ياسين الهاشمي فور تشكيلها الى تهدئة العشائر في منطقة الفرات الأوسط, واصدرت في 18 اذار 1935 بيانا الى العشائر دعاهم فيه الى رمي السلاح والعودة الى مزاولة الاعمال الاعتيادية, وتعهد بتطبيق القوانين على اساس العدل, فانسحب عبد الواحد الحاج سكر من منطقة الاضطرابات ثم توجه مع عدد من شيوخ العشائر الى بغداد لإعلان الولاء للوزارة الاخائية التي ساعدوا على مجيئها للحكم([26]), وهذا الشيء الم الشيخ كاشف الغطاء كثيراً؛ لأنه كان يدرك ما يحمله ياسين الهاشمي من طائفية بغيضة واحقاد مذهبية, وشيوخ العشائر كانوا على علم بذلك([27]).

          وفي المقابل فان بعض شيوخ العشائر في الفرات الاوسط وخاصة الموالية لوزارة الأيوبية والمدفعية استنكروا تأليف ياسين الهاشمي لوزارة لا يؤخذ في تشكيلها راي مرجعية الدينية في النجف الاشرف([28]), حيث ان وزارة الهاشمي لم تضم الا وزيرين شيعيين هما وزير المالية رؤوف البحراني, ووزير المعارف محمد رضا الشبيبي, وهذا الاجراء خالف الاتفاق الذي جرى بين الشيخ كاشف الغطاء ورؤساء حزب الاخاء([29]). حيث ان عبد الواحد الحاج سكر ومحسن ابو طبيخ كانوا قد ابلغوا الشيخ واعطوه العهود انه في حالة سقوط وزارة المدفعي فان الوزارة المقبلة ستكون ذات طابع شعبي, يستشار الشيخ كاشف الغطاء وزعماء الشعب في تشكيلها, ويعطون رايهم بذلك للملك, ولكن عند تشكيل وزارة ياسين الهاشمي لم يحصل شيء من ذك, وهو ما جعل الشيخ كاشف الغطاء يظهر تذمره وتأثره الواضح عند مقابلة ابو طبيخ وعلوان الياسري, كما رفض مباركة الوزارة او توجيه نداء للعشائر بوجوب الخضوع لها ومساندتها, وعندما علم اهالي النجف بموقف الشيخ كاشف الغطاء قاموا بمهاجمة دار محسن ابو طبيخ واعتبروا ان ما قام به وجماعته مكرا وخديعة([30]) .

         ويبدو ان الشيخ كان مستاء من الوزارة ومن طريقة تشكيلها فقد اوضح لابو طبيخ الذي زار الشيخ ليلا وعرض عليه ان ينتظر اعمال الحكومة ان كانوا صالحين ومصلحين فال الشيخ: (هذه خدعة الصبي عن اللبن, اين العهود والمواثيق؟ ان الوزارة لا تكون الا بعد الاستشارة, وهذه الوزارة لا احتمل فيها خيراً فضلا عن الظن, اني اعرف الكيلاني والهاشمي حق المعرفة واعرف نفسياتهم([31]).

         وتلقى الشيخ كاشف الغطاء عريضة من زعماء الفرات الاوسط يعلنون فيها معارضتهم لحكومة الهاشمي وعدم ثقتهم بها, وان هذه الحكومة لن تحقق الاصلاحات المرجوة, فارسل اليهم الشيخ مبعوثاً منه ينصحهم باللجوء الى الهدوء ويدعوهم الى وحدة الصف, ووجوب التخلي عن الانتماء الحزبي وان يكون دافعهم العمل للصالح العام([32]), وفي 3 نيسان 1935 اصدرت حكومة الهاشمي قراراً بعدم السماح بإقامة المواكب العزائية والتشابية في الكاظمية وبغداد في العشرة الاولى من شهر محرم, وذلك في خطوة من الحكومة لتلافي وقوع احداث واضطرابات([33]), وفي خطوة لتوحيد الجهود اجتمع اكثر من مئتي شخصية عشائرية في حرم اب الفضل العباس(ع) اغلبهم من مؤيدي الحكومة السابقة, واقسموا بابي الفضل العباس (ع) ان يعملوا على المطالبة بالإصلاح وتصحيح الوضع القائم, والتآزر فيما بينهم, واتباع اوامر وارشادات الشيخ كاشف الغطاء والرجوع اليه في كل الامور, وكتبوا عهدا بهذا المضمون ووقعوا عليه, وذهبوا الى الشيخ كاشف الغطاء وأعطوه العهد وجددوا له اليمين بسماع ارشاداته([34]).

          وفي يوم 23 اذار 1935 قصد بعض المحامين المرجع الشيخ محمد حسين ال كاشف الغطاء واجتمعوا به واقترحوا عليه ان يكتب ميثاق يتضمن مطالب الشعب في الاصلاح ويوقع عليه شيوخ العشائر ويرفعه سماحته الى الحكومة مباشرة فيكون وثيقة ناطقة بتبرم الشيعة من الاوضاع السائدة وما تنطوي علية من اجحاف بحقوق الاكثرية الشيعية, وقد وافق الشيخ على المقترح وتعاون ثلاثة محامين على كتابة الميثاق هم ذبيان الغبان, ومحمد عبد الحسين ومحمد امين الجرجفجي([35]), وقد تضمن الميثاق كل المطالب التي تخص عامة الشعب وبما فيهم الشيعة وتضمن في البداية فقرة تقول: (( نحن الموقعين ادناه من زعماء قبائل الفرات الاوسط, قد رفعنا مطاليبنا المشروعة التي كان الغرض منها اصلاح وضع المملكة العراقية, حتى يتقدم العراق الى مصاف الامم الراقية ... وقد رفعنا مطاليبنا الى سماحة زعيمنا لروحاني, المصلح الاكبر حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد حسين ال كاشف الغطاء, كي يتقدم بها الى مليكنا المعظم صاحب الجلالة غازي الاول, وحكومته الموقرة, ويطالب بانجازها, وسماحته هو الممثل لنا جميعاً, والمفوض فيها, والنافذ امره علينا, فيما يعود الى مصالحنا, وقد اعطيناه هذا الميثاق شاهدا وحجة علينا ...))([36]).

       وقد تضمن الميثاق اثنتي عشرة مادة اهتمت بذكر ابرز المشاكل التي يعاني منها الشعب العراقي بشكل عام والشيعة بشكل خاص, ومنها اعتماد الحكومة على سياسة التفرقة الطائفية اساساً للحكم, حيث مثلت اكثرية الشعب بوزير واحد او وزيرين ممن يسايرون السلطة في سياستها, وعلى مثل هذا الاساس تماشت في سياسة التوظيف رغم ان القانون الاساسي العراقي لم يفرق بين ابناء البلاد([37]).

      كما طالب الميثاق بضرورة تعيين القضاة من المذهب الجعفري في المناطق ذات الاغلبية الشيعية, كما نصت على ذلك المادة 77 من القانون الاساسي, مع لزوم تدريس احكام الفقه الجعفري في كلية الحقوق العراقية, وان يكون في كل فرع من فروع محكمة التمييز عضواً شيعياً اسوة بباقي الطوائف المسيحية والاسرائيلية والعناصر الاخرى التي لها ممثلين في المحكمة. كما طالب الميثاق بعدم التعرض لمن اشترك في الحركة الوطنية الحاضرة من ابناء الشعب([38]), ويعد هذا الميثاق اول بيان صريح يعبر فيه فريق كبير من رجال الشيعة عما كان يخالج قلوب الاكثرية الشيعية من شعور عميق بالتبرم والاستياء من احتكار للحكم وصنع القرار من الاقلية الحاكمة وحرمان الاكثرية الشيعية من حقها في الحكم وصنع القرار([39]).

     وقد ارسل الشيخ كاشف الغطاء نسخة من الميثاق الى الملك غازي, والى ياسين الهاشمي لتنفيذ ما ورد فيه([40]), وبالرغم من ان الميثاق قد طالب بالاصطلاحات العامة التي تصب في خدمة ابناء الشعب العراقي عامة وانصاف الشيعة ورفع الحيف عنهم, فقد عارضه بعض زعماء العشائر الشيعية البارزة من امثال عبد الواحد الحاج سكر, ومحسن ابو طبيخ وعلوان الياسري, وغيرهم من الشيوخ المناصرين لوزارة ياسين الهاشمي, ورفضوا التوقيع عليه وكانت ذريعتهم في معارضة الميثاق انه يؤدي الى التطاحن الطائفي والى تفتيت الوحدة الوطنية, ولا ياتي من ورائه الا الضرر الفادح([41]). وهذا نفس راي السير البريطاني في العراق السير. كلارك كير, الذي وصف مطالب الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء بانها طائفية, وان رجال الدين استغلوا مشاعر العشائر, وان العلاقة التي تربط علماء النجف بعشائر الفرات الاوسط ما هي الا علاقة منفعية ومصلحية وليست روحية, وقد ساندت الحكومة البريطانية بقوة وزارة الهاشمي وناوءت كل من يقف ضدها([42]).

          وقد قام عبد الواحد الحاج سكر ومحسن ابو طبيخ وعلوان الياسري في 8 نيسان 1935 بأرسال جعفر ابو التمن الى الشيخ كاشف الغطاء لمحاولة اقناعه بتخفيف بعض مطالب الميثاق, الا ان الشيخ كاشف الغطاء اصر على موقفه ورفض التنازل عن بعض بنود الميثاق, وقد حصل الشيخ على تفويض كامل من رؤساء العشائر لمطالبة الحكومة بتحقيق المطالب الواردة بالميثاق([43]).

     وقد عارضت حكومة الهاشمي الميثاق, واستخدمت العنف والقسوة ضد العشائر المؤيدة له([44]), بينما حصل الشيوخ المعارضين للميثاق على اراضي اميرية من الحكومة مقابل موقفهم هذا, اذ حصل عبد الواحد الحاج سكر على اراضي ابو واوية واراضي راك الحصوة, وحصل السيد محسن ابو طبيخ على اراضي اميرية بين عفك والرميثة, وحصل علوان الياسري على اراضي في جهات الرميثة, كما اغدقت عليهم الحكومة الاموال والاعفاء من الضرائب([45]).

          وفي المقابل حاول عبد الواحد وجماعته تبرير موقفهم من عدم التوقيع على الميثاق فبعثوا رسالة الى الشيخ كاشف الغطاء يحذرونه من التأثيرات التي يقوم بها البعض ممن وصفوهم بالعابثين بالكرامات الدينية والمغامرين, ويدعونه الى مقاومة هؤلاء؛ لانهم يعملون على تشويه سمعته ويقودون البلاد الى عواقب وخيمة. فرد الشيخ عليهم ببلاغ اتسم بالحدة والاصرار على التمسك ببنود الميثاق, والتأكيد على انه مفوض من زعماء عشائر الفرات الاوسط, لطلب الاصلاح وايصال مطالبهم الى الحكومة, واشار الشيخ الى ان هؤلاء الرفضين للميثاق يفعلون ذلك بدوافع حزبية وليس لمصلحة عامة, ونفس الوقت دعا شيخ العشائر الى المحافظة على الامن وعدم الاخلال بالنظام وانتظار ما تسفر عنه نتائج المفاوضات مع الحكومة, وقد عملت حكومة الهاشمي على تمييع بنود الميثاق من خلال ارسالها وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني ووزير الدفاع جعفر العسكري للتفاوض مع العشائر بدون ان تعطي موافقتها على ما جاء فيه([46]).

  • أ‌- ثورة الرميثة الاولى في ايار 1935

       كانت الوزارة تسعى الى تخفيف نشاط خصومها السياسيين, وقد بلغها ان الشيخ احمد اسد الله وكيل اية الله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في الرميثة يحرض الناس على مناهضتها, فقامت الشرطة باعتقاله يوم 6 ايار 1935, فما كان من قبيلة بني زريج التي يرأسها الشيخ خوام العبد العباس الا ان هاجمت سراي الحكومة في الرميثة وسيطروا على عدد من الابنية الحكومية وقطعوا سكة الحديد([47]), لكن كان رد الحكومة قوياً حيث ارسلت قطعات عسكرية بقيادة آمر اللواء بكر صدقي, واعلنت الاحكام العرفية في المنطقة, وانذر المتمردين بوجوب الاستسلام الا ان الشيخ خوام رفض الاستسلام, فقامت القطعات العسكرية بضرب الرمثية بالمدفعية وبالطائرات واستخدمت اشد انواع العنف والقسوة من اجل اخماد الانتفاضة, واسفرت العمليات العسكرية بالحاق خسائر بالأرواح والاموال ودخل الجيش الرميثة واخمد الانتفاضة في 16 ايار 1935, والقي القبض على الشيخ خوام([48]), وقد ارسل الشيوخ بني زريج وبني حجيم رسالة الى الشيخ كاشف الغطاء تبلغه بان الحكومة خدعتهم طول المدة السابقة التي كان الشيخ يدعوهم فيها للهدوء باعتبار ان الدعوة سلمية, وهم يعلنون الان استعدادهم للقتال([49]).

       فقام علماء النجف بأرسال مذكرة احتجاج الى الملك غازي طالبوا فيها بان توقف الحكومة إجراءاتها, وتمنع قوتها من ضرب ابناء العشائر في الفرات الاوسط, حتى يحصل التفاهم والمفاوضة بينهم وبين الحكومة, كما حمل الاحتجاج مسؤولية حركة العشائر على الحكومة لاعتقالها عالم المدينة الشيخ احمد اسد الله, ووقع على المذكرة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, والشيخ عبد الرضا ال شيخ راضي, والشيخ جواد صاحب الجواهري, والشيخ عبد الكريم الجزائري([50]).

  • ب‌- ثورة لواء الناصرية في اواخر ايار 1935

        وبينما كان الجيش منشغلاً بإخماد الانتفاضة في الرميثة, ظنت العشائر المحيطة بسوق الشيوخ ان انتفاضة الرميثة كانت بتحريض من علماء النجف او برضاهم, خاصة مع وصول نسخ من ميثاق الشعب الى الشيوخ, وسماعهم بتدخل المرجعية في انتفاضة الرميثة, فانتفضت عشيرة بني خيكان في الناصرية في ناحية عكبكة وسيطروا على المباني الحكومية فيه واحرقوا السجلات الحكومية الموجودة واستولوا على اسلحة حاميتها, وبعد ذلك اتجهوا الى سوق الشيوخ فاحتلوا مخافر الشرطة واجبروا افرادها على الاستسلام([51]).

      ولتدارك الموقف توجه وزير الدفاع جعفر العسكري يوم 16 ايار 1935 الى سوق الشيوخ لاجراء مفاوضات مع العشائر المنتفضة, والتقى مع وكيل الشيخ كاشف الغطاء هناك الشيخ عبد الحسين مطر, وطلب منه التوسط لدى العشائر واصلاح الامر, وان حكومته مستعدة للتفاوض مع الشيخ كاشف الغطاء بشان الميثاق, الا ان الشيخ مطر لمن يتمكن من حل الازمة, وفي نفس اليوم وصلت للشيخ عبد الحسين رسالة من الشيخ كاشف الغطاء جاء فيها: (مشغولون بالاصلاح يلزم السعي لمنع المضاربة سياتيكم تعريفنا حفظ الامن واجب), وقد شعرت الحكومة بالارتياح لما جاء في البرقية لانها تتوافق مع رغباتها, وطلبت من الشيخ عبد الحسين تبليغ العشائر بهذه البرقية مع كتاب منه يطلب فيه المحافظة على الهدوء مع التأكيد على ان الحكومة ستجري مفاوضات مع الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء حول مطالبهم([52]).

        وقد اراد شيوخ العشائر المنتفضة التأكد من صحة الكتاب فارسوا برقية الى الشيخ كاشف الغطاء بيد الشيخ عبد المهدي بن الشيخ عبد الحسين مطر, فرد الشيخ كاشف الغطاء: (الشيخ عبد الحسين مطر ابرقنا لكم خطتنا المألوفة بالإصلاح ونرغب في ان تقوموا بالإرشاد الى وجوب منع المضاربة, والحيلولة دون ما يؤدي الى اراقة الدماء, او تخريب الخطوط او قطع المواصلات والطرق العامة, والواجب الشرعي يحتم وجوب تبليغ طلبنا ورغبتنا هذه الى الرؤساء وخصوصا الى الشيخ منشد وعجيل وكاطع, واعلامهم باننا لا نرغب باي حركة تعكر صفو السلام, وعليهم ان ينتظروا نتيجة ما نترقبه من وقوع ما يعدونه به من المفاوضات وننتظر منكم جواب كتابنا ولكم التوفيق والتأييد والسلام)([53]).

         وفي نفس الوقت ارسل الشيخ كاشف الغطاء برقية الى رئيس الوزراء ياسين الهاشمي من اجل التفاوض حول بنود ميثاق الشعب جاء فيها: ( فخامة رئيس الوزراء, وردتنا برقيات وجاء الناصرية يستمدون فيها ارشاد الرؤساء للخلود الى السكينة, ابرقنا وحررنا بطلب الهدوء, الامل مساعدتكم على توطيد الامن والمسارعة الى اجراء المفاوضات حسبما اذاعه وزير الدفاع في بيانه لرؤساء عشائر المنتفك, وعليهم ان ينتظروا نتيجة ما نترقبه من وقوع ما يعدون به من المفاوضة)([54]).

      وارسل ياسين الهاشمي وطلب متصرف كربلاء صالح جبر الى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, وطلبة منه ضرورة التدخل لإنقاذ الموقف, وان يرسل برقية الى وكيلة في الناصرية يحث فيها العشائر على ايقاف حركتها, فوافق الشيخ على الطلب وسلم لصالح جبر كتاباً موجها الى الشيخ عبد الحسين مطر وكيل الشيخ في الناصرية, يطلب فيه من العشائر المنتفضة ايقاف حركتها وانتظار نتيجة المفاوضات التي ستجري بينه وبين الحكومة حول الاصلاح, فارتاحت الحكومة لهذا الكتاب وقامت بتصويره والقت عدة نسخ منه على المناطق المنتفضة بواسطة الطائرات, كما وجه ياسين الهاشمي في 22 نيسان 1935 كتاباً شكر فيه الشيخ على ارشاداته للشيوخ والدعوة بلزوم الاخلاد الى السكينة([55]).

        ويبدو ان الحكومة لم تكن راغبة في اجراء مفاوضات, وانما كانت تستغل برقيات الشيخ الداعية للإصلاح وحفظ الامن لفرض سيطرتها واعادة النظام للمناطق المضطربة, وهذا واضح من جواب ياسين الهاشمي على برقية الشيخ كاشف الغطاء, حيث شكر ياسين الهاشمي الشيخ على مواقفه الداعية الى السكينة ووعده بعدم تدخل الحكومة بالشؤون الشرعية, وهو اقل بكثير مما تضمنه الميثاق([56]). وقامت الحكومة بإعلان الاحكام العرفية في المنطقة واصدرت اوامرها الى بكر صدقي باستخدام القوة لإخماد الانتفاضة هناك, فاستخدم صدقي اشد اساليب البطش والقسوة من اجل اخماد الانتفاضة, وتمكنت القوات العسكرية من اخماد الانتفاضة وفرضت سيطرتها على مدينة سوق الشيوخ في اوائل حزيران 1935, وقد شكلت مجالس عرفية قامت بإصدار العقوبات بحق المدانين([57]).

        وحاول ياسين الهاشمي ان يخفف من الاستياء الشيعي ببعض التعيينات في مناصب الادارة الامر الذي اثار سخط البعض ممن كانوا يلتفون حوله, ولم يتمكن الهاشمي من التوصل الى حلول اساسية لهذا الاستياء الشعبي الشيعي, وساير وزير داخليته رشيد عالي الكيلاني الذي اعتمد سياسة البطش والقمع واستعمال الشدة سبيلا لإخماد الانتفاضات([58]), مما ادى الى حدوث انتفاضات وتمردات عشائرية اخرى في عهد وزارة ياسين الهاشمي, ضد قانون التجنيد الالزامي فضلا عن الاسباب الاخرى المتمثلة بسوء الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية, ففي اذار 1936 انتفضت عشائر المدينة التابع لقضاء القرنة, كما انتفضت عشائر الغراف,  فقامت قوات الشرطة وبمساعدة قطعات من الجيش بإخماد الانتفاضتين وتعقب المنتفضين بعد اسبوعين من استمرار الانتفاضة([59]).

       ان كثرة الانتفاضات في عهد وزارة ياسين الهاشمي الثانية تدل على عجز الوزارة في حل مشاكل البلاد وخاصة مشكلة الطائفية السياسية المتمثلة بشعور الشيعة ان حقوقهم السياسية مغبونة, ولم يستوعب ياسين الهاشمي عمق هذا لشعور بالغبن لدى الشيعة([60]), ففي نيسان 1936 انتفضت عشائر ال زريج والظوالم في الرميثة بسبب منع الوزارة الهاشمية تسيير مواكب العزاء في الطرقات العامة اثناء ايام شهر محرم الحرام, وعرفت هذه الانتفاضة باسم (ثورة الرميثة الثانية), وقامت الحكومة بإعلان الاحكام العرفية في الرميثة واستخدمت العنف والقسوة في اخماد الانتفاضة اذ قامت القطعات العسكرية البرية والجوية بقصف المدينة ونكلت بالسكان مما ادى الى اخماد الانتفاضة في اوائل ايار 1936([61]).

       وفي حزيران 1936 قامت عشيرة الاكرع برئاسة شعلان العطية بحركة تمرد في قضاء عفك, وكان شعلان هذه في مقدمة المناصرين للإخائيين, الا انه اختلف معهم بعد تقسيم المناصب الوزارية, واخذ يحتج على اعمال الحكومة, فقامت الحكومة بتسيير قطاعات عسكرية الى عفك من الديوانية وتمكنت هذه القوات من اخماد تمرد عشيرة الاكرع بعد معركة واحدة, مما لا شك فيه ان تحريض الساسة المتصارعين على السلطة كان سببا رئيسا للانتفاضات العشائرية هذه الا ان هنالك اسباباً اخرى لهذه الانتفاضات تمثلت بسوء الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين الفلاحين, وعدم رسوخ مبدا الولاء للدولة بدلا من الولاء للقبيلة, والتنازع حول تملك الاراضي الزراعية الى جانب تدني مستوى الموظفين الحكوميين في المناطق الريفية([62]).

وكان موقف الشيخ كاشف الغطاء من هذه الانتفاضات هو دعوة زعماء العشائر مراراً وتكراراً الى وحدة الكلمة والالتزام والتعاون فيما بينهم بغض النظر عن موقفهم من السلطة, محاولاً التوفيق بين وجهات نظر الفريقين المؤيد للحكومة والمعارض لها من خلال دعوتهم الى نبذ الاحزاب لانها تؤثر سلباً على مستقبل بلادهم واستبدالها بولائهم لوطنهم, ونصح الشيوخ بعدم الاخلال بالنظام وسفك الدماء, موضحاً ان تدخله في الموضوع يصب في جانب الصالح العام([63]) .

الاستنتاجات

  1. من خلال البحث يتضح ان المرجعية الدينية العليا المتمثلة بأية الله العظمى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, كانت مهتمة بتحقيق الاصلاح السياسي, والاقتصادي, والاجتماعي في العراق, وبذلت ما بوسعها لحث الحكومة على القيام بالإصلاحات المنشودة التي يطالب بها الشعب, وكان سماحته حريصا على ان تكون المطالبة بالإصلاح من خلال الحوار, والضغط على الحكومة بالطرق السلمية, بعيداً عن اثارة الفوضى والاضطرابات, لذا كان يشدد على وجوب التعاضد والتكاتف بين ابناء الشعب واصلاح ذات البين, والتحلي بقدر كبير من المسؤولية والنزاهة, وان يكونوا قوة ضاغطة باتجاه الاصلاح, وقد كان الشيخ يولي اهمية كبيرة للأمن والسلم المجتمعي.
  2. كان الشيخ كاشف الغطاء يعتبر نفسه خيمة تجمع كل اطياف الشعب العراقي على اختلاف توجهاته السياسية, الموالين للحكومة والمعارضين لها بل وحتى الحكومة نفسها, فقد كان يستقبل الجميع ويقدم لهم النصح والارشاد ويحثهم على العمل للصالح العام, من اجل الوصول الى نتائج مرضية لجميع الاطراف.
  3. بالرغم من محاولة البعض المراوغة وكسب تأييد المرجعية وتسويفها بعهود ووعود كاذبة, الا ان المرجعية كانت مدركة لهذا الشيء وكانت له بالمرصاد, وكانت حريصة على ان يكون موقفها واضحاً وصريحاً من جميع الاحداث والمحن التي تمر على البلاد, لكي لا يلتبس موقفها على البعض, كما ان المرجعية لم تداهن او تجامل البعض, في مواقفهم بل كانت صريحة وتشخص مواطن الخلل بشكل دقيق وصريح وبحضور الشخص المعني وبمسمعه, وهذا ما ظهر بشكل واضح من خلال كلام المرجعية المباشر مع الزعماء الذين التقت بهم, او من خلال البيانات والفتاوى التي كانت تصدرها.
  4. ان المرجعية الدينة لم تكن تؤمن بالأحزاب السياسية العراقية في تلك المرحلة, او تطمئن لها, وكانت تدرك ان الاحزاب وممثليها يسعون الى تحقيق مصالحهم الشخصية والفئوية على حساب مصلحة الشعب, واخر ما يهتمون به المصلحة العامة لذلك طلبت المرجعية مراراً وتكراراً من الشيوخ والزعماء الذين التقت بهم ان يستقيلوا من الاحزاب التي ينتمون لها, وان لا يكونوا ابواقاً وادوات بيد رؤساء الاحزاب يوجهونهم الى حيث خدمة مصالحهم.
  5. ان بعض زعماء القبائل وافراد العشائر خذلوا المرجعية الدينية ولم يكونوا حريصين على اتباع ارشاداتها وتوجيهاتها, بل كانوا يتبعون اهواءهم ومصالحهم الشخصية, وعندما تضيق بهم السبل يلجؤون الى المرجعية الدينية من اجل مساندتهم في الوصول الى رغباتهم تحت حجج وذرائع وطنية, الا ان المرجعية لم تساير هذه الفئة وكان لها موقفها الثابت والحازم اتجاه الاحداث والمشاكل التي يمر بها العراق, وفي نفس الوقت كانت تستقبلهم وتقدم لهم النصح والارشاد وتحثهم على العمل من اجل الصالح العام.
  6. كانت الحكومات العراقية المتعاقبة تدرك الاهمية الكبيرة للمرجعية الدينية, والنفوذ الكبير والسطوة التي تمتلكها والثقل الشعبي الذي تتمتع به, لذا فان الحكومات دائماً كانت حريصة على كسب ود المرجعية, وتلجئ اليها في الازمات من اجل تهدئة الاوضاع, وايجاد صيغة حل بين الحكومة والعشائر المنتفضة للخروج من الازمات, الا ان الحكومات نكثت في كثير من الاحيان العهود والوعود التي قطعتها للمرجعية, وبهذا كانت المرجعية الدينية تشكل صمام امان وضمان واطمئنان للشعب العراقي, وللحكومة العراقية على حد سواء, يلجأ الجميع اليها في اوقات الشدة والمحن لكي يحصلوا على حلول للمشاكل التي تعصف بهم.

 

([1]) محمد حسين كاشف الغطاء: هو الشيخ محمد حسين بن الشيخ علي بن الشيخ محمد رضا بن الشيخ موسى بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ولد عام 1876 في النجف الأشرف شرع في دراسته الحوزوية منذ نعومة أظفاره، درس على يد أكابر علمائها منهم السيد كاظم الخراساني والشيخ أحمد الشيرازي وغيرهما, تصدى الشيخ بكل قوة للأساليب الاستعمارية من أفكار الشيوعية وأخطار الصهيونية, عالج في 1935 الفتنة التي أثارة عبد الرزاق الحصان, وله مواقف سياسية عديدة, توفي عام 1954. ينظر: حيدر نزار عطية السيد سلمان, الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ودوره الوطني والقومي, النجف, 2007, ص89-95؛ حسن علي عيد الله السماك, الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء السيرة الذاتية والتوجهات الاصلاحية, مجلة كلية الاسلامية الجامعة, ع 9, 2009, ص126؛ علي ناصر حسن, الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء من خلال الدراسات الاكاديمية, مجلة كلية الاسلامية الجامعة, ع 9, 2009, ص101.

 

([2]) اولى الشيخ كاشف الغطاء اهتماماً خاصاً بالاقتصاد لدرجة انه ربط بين الاستقلال الاقتصادي, والاستقلال السياسي؛ لأنه كان يرى بان الاستقلال السياسي لا يكون متكاملاً الا بالاستقلال الاقتصادي, كما اولى المسائل والمشاكل الاجتماعية اهتماماً كبيراً , حيث كان ينتقد ويشخص الظواهر السلبية في المجتمع العراقي ويسعى الى يجاد الحلول والعلاج لها, كما كانت له مواقف مشهودة وراء في العديد من المسائل الاجتماعية مثل حقوق المرأة والتعليم, وغيرها من المواضيع الاجتماعية. للمزيد ينظر: عز الدين عبد الرسول المدني, الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ورؤيته الاصلاحية, مجلة كلية الاسلامية الجامعة, ع 9, 2009,ص172-176؛ علي ناصر حسن, المصدر السابق, ص103-106.

 

([3]) جواد كاظم شايب الجنابي, الشيخ كاشف الغطاء – مواقفه الاسلامية والوطنية, مجلة كلية الاسلامية الجامعة, ع 9, 2009 , ص347.

 

([4]) ينظر نص مذكرة الملك فيصل في, عبد الرزاق الحسني, تاريخ العراق السياسي الحديث, ج1, ط7, دار الرافدين, بيروت, 2008, ص9-16.

 

([5]) عبد الكريم الازري, مشكلة الحكم في العراق, بلا. مط, لندن, 1991, ص1.

 

([6]) للمزيد حول الوزارة العراقية التي تشكلت في المدة 1921-1935, واسماء الوزراء ومدة كل وزارة ينظر: عبد الرزاق الحسني, الاصول الرسمية لتاريخ الوزارات العراقية في العهد الملكي لزائل,ط2, دار الرافدين, بيروت, 2014, ص9-118.

 

([7]) حول مناهج الاحزاب والجمعيات السياسية التي شكلت خلال المدة 1921-1935, ينظر: حسن شبر, العمل الحزبي في العراق 1908-1958, ط2, دار الشؤون الثقافية, بغداد, 2012, ص73-130؛ رهبة سوادي حسين, المثقف والسلطة في العراق 1908-1958, ط1, دار الشؤون الثقافية, بغداد, 2013, ص239-334.

 

([8]) مقدام عبد الحسين الفياض، منهج الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ومواقفه تجاه التحديات السياسية الداخلية في العراق، مجلة الكلية الإسلامية الجامعة, ع9, 2009، ص 228.

 

([9]) حميد احمد حمدان التميمي, وعكاب يوسف الركابي, السيد علوان الياسري الزعامة العشائرية والعمل الوطني, المعارف للمطبوعات, بيروت, 2013,ص290.

 

([10]) فاضل حسين واخرون, تاريخ العراق المعاصر, مطبعة جامعة بغداد, 1980, ص89

 

([11]) حازم المفتي, وعماد عبد السلام رؤوف, العراق بين عهدين ياسين الهاشمي وبكر صدقي, بغداد, 1990, ص47.

 

([12]) عبد الرزاق الحسني, تاريخ الوزارات العراقية, ج4, ط7, دار الشؤون الثقافية, بغداد, 1988, ص51-52.

 

([13]) حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص94

 

([14]) حميد احمد حمدان, وعكاب يوسف الركابي, المصدر السابق, ص303.

 

([15]) فاضل حسين واخرون, المصدر السابق, ص89.

 

([16]) حسن علي السماك, المصدر السابق, ص130.

 

([17]) حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص95.

 

([18]) عبد الرزاق الحسني, تاريخ الوزارات العراقية, ج4, ص55؛ حسن علي السماك, عشائر الفرات الاوسط 1924-1941 دراسة سياسية, دار الفرات, الحلة, 2014, ص 294.

 

([19]) حميد احمد حمدان, وعكاب يوسف الركابي, المصدر السابق, ص293-294.

 

([20]) فاضل حسين واخرون, المصدر السابق, ص89-90.

 

([21]) مقدام عبد الحسين الفياض، المصدر السابق، ص 229  .

 

([22]) حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص98-99.

 

([23]) لمزيد ينظر: حسن علي السماك, عشائر منطقة الفرات الاوسط..., ص291-293.

 

([24]) حسن عيسى الحكيم, وحدة المجتمع العراقي في فكر الامام كاشف الغطاء, مجلة كلية الاسلامية الجامعة, ع 9, 2009, ص27؛حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص100.

 

([25]) عماد مكلف عسل, وازهار عبد الرحمن عبد الكريم, دور علماء الدين في احداث العراق لعامي 1935-1936 من خلال الوثائق البريطانية, مجلة آداب البصرة, ع42, 2007, ص219-220؛ فاضل حسين واخرون, المصدر السابق, ص90.

 

([26]) فاضل حسين واخرون, المصدر السابق, ص90؛ حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص103؛ حسن علي السماك, عشائر منطقة الفرات الاوسط..., ص296.

 

([27]) حسن عيسى الحكيم المصدر السابق, ص28.

 

([28]) لمزيد ينظر: عبد الرزاق الحسني, تاريخ العراق السياسي..., ج3, 136-139.

 

([29]) عماد مكلف عسل, وازهار عبد الرحمن عبد الكريم, المصدر السابق, ص220

 

([30]) حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص104.

 

([31]) المصدر نفسه, ص105.

 

([32]) حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص106.

 

([33]) عماد مكلف عسل, وازهار عبد الرحمن عبد الكريم, المصدر السابق, ص223.

 

([34]) حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص108.

 

([35]) عبد الكريم الازري, المصدر السابق, ص62.

 

([36]) ينظر نص الميثاق في, عبد الرزاق الحسني, تاريخ الوزارات العراقية, ج4, ص95-106

 

([37]) عبد الكريم الازري, المصدر السابق, ص62.

 

([38]) عماد مكلف عسل, وازهار عبد الرحمن عبد الكريم, المصدر السابق, ص225.

 

([39]) عبد الكريم الازري, المصدر السابق, ص62.

 

([40]) عبد الامير هادي العكام, موقف وزارة ياسين الهاشمي الثانية (17 اذار 1935-29 تشرين الاول 1936) من مطالب الشيعة, مجلة كلية التربية, جامعة واسط, المجلد 2, ع19, 2007, ص176.

 

([41]) حميد احمد حمدان التميمي, وعكاب يوسف الركابي, المصدر السابق,ص307؛

 

([42]) عماد مكلف عسل, وازهار عبد الرحمن عبد الكريم, المصدر السابق, ص226.

 

([43]) حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص111.

 

([44]) حسن عيسى الحكيم, المصدر السابق, ص28.

 

([45]) عبد الامير هادي العكام, المصدر السابق, ص177.

 

([46]) حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص112.

 

([47]) حسن السماك, عشائر منطقة الفرات ..., ص302؛ عبد الامير هادي العكام, المصدر السابق, ص182؛ عبد الرزاق الحسني, تاريخ العراق السياسي..., ج3, ص142.

 

([48]) فاضل حسين واخرون, المصدر السابق, ص91.

 

([49]) حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص114.

 

([50]) عبد الامير هادي العكام, المصدر السابق, ص179.

 

([51]) عبد الرزاق الحسني, تاريخ العراق السياسي..., ج3, ص143؛ عبد الامير هادي العكام, المصدر السابق, ص179.

 

([52])عبد الامير هادي العكام, المصدر السابق, ص179؛ حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص115.

 

([53]) حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص116-117.

 

([54]) عبد الامير هادي العكام, المصدر السابق, ص179؛ حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص117-118.

 

([55]) عبد الامير هادي العكام, المصدر السابق, ص180.

 

([56]) حيدر نزار عطية السيد سلمان, المصدر السابق, ص117-118.

 

([57]) فاضل حسين واخرون, المصدر السابق, ص92.

 

([58]) عبد الكريم الازري, المصدر السابق, ص60

 

([59]) فاضل حسين واخرون, المصدر السابق, ص92.

 

([60]) عبد الكريم الازري, المصدر السابق, ص58.

 

([61]) عبد الرزاق الحسني, تاريخ العراق السياسي..., ج3, ص143.

 

([62]) عبد الرزاق الحسني, تاريخ الوزارات العراقية..., ج4, ص179-182

 

([63]) مقدام عبد الحسين الفياض، المصدر السابق، ص 228  .