الحَرْبُ النّاعِمةُ في الخِطابِ الدّيني ـ خطابُ الشّيخِ مُحَمّد اليَعقوبيّ انموذجاـ

د. سعد جاسم لفته الكعبي

جامعــــة الكـــــوفه / كلـــــية الفــــــقه

المقدمة :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين :

        إنّ الهدف الذي تسعى له الدول والقوى العالمية اليوم هو فرض سيطرتها السياسية والاقتصادية على مراكز صناعة القرار والمراكز الاقتصادية ، بل التأثير في تشكيل الهوية الاجتماعية والسلوكية الفردية .

        وقد اتجهت هذه القوى اتجاها جديداً يبتعد عن القوة العسكرية والتدخل المباشر في قيادة الشعوب وهذا الاتجاه هو التأثير الثقافي والتبعية الفكرية مما يجعل تلك الدول مهيمنة على غيرها من دون التورط بالعمل العسكري وتحمل نتائجه الباهظة بشريا وماديا وأطلق على هذا النوع من أساليب فرض الهيمنة بـ (الحرب الناعمة) .

        وانطلاقاً من المسؤولية الشرعية والوطنية تحتم على العلماء الوقوف عند هذا المنعطف الخطير ، و بيان حقيقة هذه الحرب ، وأدواتها ، وطرق معالجتها المستوحاة من القرآن والسنة  ، والتوجيه بأخذ المبادرة ، وتوظيف هذا النوع من القوى لتعزيز المجتمع المسلم ، وإيصال رسالة الإسلام لبقية شعوب الأرض .

        وقد كان لسماحة الشيخ اليعقوبي عدة خطابات بيّن فيها خطورة هذه الحرب ومصاديقها التي تستهدف المجتمع المسلم وثقافته ، كما بيّنَ فيها سبل وآليات توظيف القوى الناعمة المشروعة للدفاع عن الإسلام والمسلمين  .

المبحث الأول : الحرب الناعمة تعريفها ومصادرها

المطلب الأول : تعريف الحرب الناعمة :

        إنّ تحديد الحرب الناعمة كعبارة  تركيبية يتوقف على وضوح مفهوم (الناعمة ) ، والمقصود منها الحرب التي تستعمل فيها القوة الناعمة في مواجهة الغير ، وقد عُرّفتْ القوة الناعمة بأنّها : " القدرة على الحصول على ما تريد ، عن طريق الجاذبية بدل الإرغام ودفع الأموال ، وهي تنشأ من جاذبية ثقافة بلد ما ومُثُلِهِ السياسية وسياساته "([1]), وبصياغة أخرى : " هي اجتذاب الآخرين تلقائيا إلى نظام ما باستخدام الإغراء الخالي من الترغيب والترهيب " ([2]) ، وباختصار هي جعل الآخرين يريدون ما تريد ، بل هي إعادة تشكيل تفضيلات الآخرين([3]).

        ومن خلال التدقيق في التعريف ، نجده يركز على نقاط القوة في الذات المؤثرة في اجتذاب الآخر ، وهذا يتحقق في الحرب والسلم ، فحتى الصديق يمكن أنْ تستعمل معه موطن القوة الجاذبة .

        لكن مفهوم الحرب يتضمن طرفي صراع يحاول كل منهما حسم المواجهة لصالحه ، وهذا الأمر يستدعي تقوية نقاط التأثير في طرفه وإضعاف نقاط القوة في الخصم ،  لذا عرّفتْ الحرب الناعمة  " بأنّها استعمال القوة الناعمة للتأثير على العقائد والقيم الأساسية لفرض الإرادة وتأمين المصالح([4]).

        وعُرّفتْ : بأنّها الجيل والنمط الرابع من حروب المستقبل التي تستهدف السيطرة على الناس من خلال الدبلوماسية العامة والاتصالات الاستراتيجية وعمليات المعلومات والتلاعب بالمفاهيم والمشاعر([5]) .

        الأمر الذي يستدعي استعمال  الإعلام في التمويه من خلال إظهار  نقاط قوة مزيفة ، أو إخفاء نقاط الجذب الموجودة في الخصم .  

         ومصطلح (الحرب الناعمة) وإنْ كان مصطلحاً حديثاً إلّا أنّه أسلوب قديم في الصراعات سواء كانت فردية أم أممية " فمنذ الازمنة الأولى كانوا يستفيدون منها في الإعلام المضلِل ، وقلب الحقائق ، وتزييف الوقائع ، وبث الاشاعات لإحباط الخصم وتثبيط معنوياته وإحداث حالة الرعب والإرباك لديه وتشويش أفكاره ومعتقداته وتحويله إلى أداة طيّعة لما يريدون منه ، ومن الشواهد التاريخية على ذلك التورية التي كان يستعملها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  حين يخرج إلى غزواته ليضلل الخصم، ومنها المكر والخداع الذي كان يمارسه الأعداء حتى مزّقوا جيش أمير المؤمنين والإمام الحسن (عليهما السلام)  فقعدوا عن القتال، ومنها الإشاعات الكاذبة التي كانوا يبثّونها كإشاعة مجيء جيش الشام واستباحته لدماء وأعراض أهل الكوفة حين حاصر مسلم بن عقيل والآلآف من الموالين عبيد الله بن زياد في قصر الإمارة، فانتشر الرعب في أوساط أهل الكوفة وانسحبوا وتركوا مسلما وحيدا ولم يكن مع ابن زياد داخل القصر إلّا بضع عشرات" ([6]).

المطلب الثاني : موارد الحرب الناعمة :

هناك ثلاثة موارد للقوة الناعمة تمثل الموارد الرئيسة للحرب الناعمة وهي :

ثقافة البلد في الأماكن التي تكون جذابة للآخرين .

القيم السياسية للبلد عندما تطبق بشكل مخلص وعادل في المجتمع ومع بقية الشعوب .

سياسته الخارجية عندما يراها الآخرون مشروعة([7]) .

        إذا لاحظنا النقاط الثلاث وقيودها نجد أنّ هذه الموارد تستعمل كقوة ناعمة في التأثير على الأفراد والشعوب التي تعتقد بحقانية مفردات تلك الثقافة وفي الموارد التي يؤمن بها البلد .

        أمّا البلدان التي تنفر من تلك العادات والتقاليد والسلوكيات فستشكل نقطة ضعف في مواجهتها وبالنتيجة تضطر أطراف الصراع إلى تلميع ثقافاتها وسلوكياتها ليراها الآخرون جذابة وصحيحة وتشويه ثقافة وسلوكيات الخصوم لتكون نقاط ضعف تقلل من فرص انتصاره .

        وقد صَرَّحَ جوزيف  ناي بأنّ أمريكا وبريطانيا مارست هذه الخدعة من أجل تقوية قواها الناعمة ، فإنّ الثقافة الأمريكية والبريطانية ليست جذابة في كثير من الشعوب لذا عمدت إلى ترويج قيمهما من خلال خلق هيكل من القواعد الدولية يتماشى مع طبيعتها الليبرالية([8]).

كما أنّ استقطاب الطلاب والشباب للدراسة والعمل في أمريكا سيرسخ القيم التي ترسمها الثقافة الأمريكية([9]) .

        إنّ هذه الموارد تبتني على فكرة أنّ حقيقة القوة الناعمة تكمن في الجذب والتنفير المستند للثقافة السائدة في المجتمعات .

        وقد ذكر الشيخ اليعقوبي أنّ هناك موارد للقوة الناعمة غير ملتفت لها منها ما يدخل ضمن آلية الجذب كالأخلاق الحسنة ([10]), كما ورد عن المعصومين (عليهم السلام) مثل وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعمه العباس بن عبد المطلب (إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم)([11]), وقد دخل كثير في الإسلام والإيمان بسبب تأثّرهم بأخلاق وسيرة أئمة الإسلام وقادته وعلمائه، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام ) قوله: (كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير فإن ذلك داعية).([12]), ومن القوى الناعمة (المنبر الحسيني والشعائر الحسينية) التي أثْبتت أنها قوة عظيمة للجذب إلى الحق والتأثير في الشعوب لأنها تستمد قوتها من قوة مواقف الإمام الحسين (عليه السلام) النبيلة وتضحياته العظيمة ومبادئه السامية ويكون التأثير أكبر لو أتعب الخطباء أنفسهم ليكونوا أهلاً لتحمل مسؤولية الانتساب إلى هذا الموقع الشريف .

أمّا الموارد التي تكون أوسع من مفهوم الجذب وتدخل ضمن مفهوم التأثير في الغير فعديدة منها :

الدعاء :

        الذي ورد فيه أنه يدفع البلاء وقد أُبرِم إبراما أي تمت كل مقدمات نزوله وتنفيذه على أرض الواقع، فهذه وسيلة غيبية للتأثير في الحوادث.

        وكذلك (الصدقة) التي تفعل نفس  الفعل، عن الإمام الصادق قال: (داووا مرضاكم بالصدقة وادفعوا البلاء بالدعاء واستنزلوا الرزق بالصدقة)([13])، فموارد الحرب وتخطيط الأعداء يندرج ضمن البلاء المحدق بالأمة فيكون الدعاء و الصدقة من القوى التي يستثمرها المجتمع المؤمن في حماية أبنائه من تلك المخططات ، وقد وظفه الإمام السجاد (عليه السلام) كطريق من طرق مواجهة العدو([14]) .

        ومما يمكن إضافته كقوى ناعمة تسهم في الجذب أو دفع مخططات الأعداء هو الثقة المطلقة بالله تعالى والتوكل الكامل عليه ، قال تعالى : ﴿ وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ ([15]) ، فهذه الآية صريحة في أنّ الله تعالى يدفع مخططات الأعداء عن أوليائه مهما كانت خطيرة .

كما ورد قوله تعالى : ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ ([16]).

المبحث الثاني : مواجهة الحرب الناعمة في خطاب الشيخ اليعقوبي :

        إنّ العراق بعد 2003 أصبح ساحة للصراع بين القوى الدولية من جهة ومن جهة أخرى أصبح هدفاً يراد استقطابه من خلال إقناعه بهذه الثقافة أو تلك ، ولأنّ الشعب العراقي شعب مسلم احتاجت القوى الغربية للهيمنة عليه ثقافياً إلى مرحلتين :

الأولى : سلخه عن قيمه وتقاليده الإسلامية عبر زعزعة ثقته بمبادئه ورموزه الدينــية .

الثانية : إقناعه بالثقافة الغربية بكل ما فيها من سلوكيات .

        يقول الشيخ اليعقوبي : " لقد عَوّدَنا الغرب على تعظيم ما عنده وإعطائه هالة مقدسة ، والتقليل من شأن ما عندنا ليرسخ فينا التبعية له حتى يسهل سلخنا من ديننا وأخلاقنا  ومبادئنا " ([17]).

        وقد اتبعت القوى الغربية لتنفيذ كلتا المرحلتين خطوات ممنهجة شخصها الشيخ اليعقوبي في خطاباته وبين سبل تفاديها كما بين مواردها من القرآن الكريم والسنة الشريفة .

وسنتناول هذه التشخيصات والمعالجات من خلال مطالب هذا المبحث إنْ شاء الله تعالى .

المطلب الأول : تغيير المفاهيم القيمية عند الأمة :

        يتفق المجتمع البشري على صحة العديد من القيم والمبادئ كالصدق والعفاف والحرية وكذلك يتفق على قبح سلوكيات أخرى مثل الكذب والظلم واستغلال الغير ، وقد سعت القوى الغربية إلى إعادة تشكيل تلك المفاهيم القيمية لأجل تطبيق كل المعاني الخيرة على مفردات الثقافة الغربية وإظهار الثقافة الإسلامية كثقافة متطرفة ، ومن هذه المفاهيم مفهوم (الاستعمار) فلفظ (الاستعمار) مصطلح قرآني مثمر وإيجابي ويُغني الحياة بالخير، لكن الدول المستكبرة اختطفته وحوّلته الى معنى معاكس يتضمن القتل والتدمير والخراب والاستحواذ على ثروات الشعوب وتجويعهم والاستيلاء على زمام الأمور في بلدانهم، ككثير من المصطلحات التي شوهوها كالحرية التي تعني الانعتاق من أغلال الأهواء والشهوات والتعصّب والعبودية الخالصة لله تعالى فأصبحت تعني عندهم الانفلات من كل الضوابط الأخلاقية أو السياسة التي تعني رعاية مصالح البلاد والعباد وصلاح أمورهم([18]).

        ومن المصطلحات التي حاولوا إعادة تشكيلها وفق ما يريدون مصطلح (الحريــة) فأخذوا يطبقونه في موارد كانت حتى عهد قريب تمثل شذوذا عن الفطرة الإنسانية ، فقد أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة حكماً يوم الجمعة 26/6/2015 يقضي بمنح الحق للمثليين جنسياً في الولايات المتحدة كافة ، وهو الحكم الذي وصفه رئيسهم أوباما بأنّه انتصارٌ لأمريكا وانتصارٌ للحب. وتدّعي أمريكا أنّها القوة العظمى في العالم وأنّ باستطاعتها الهيمنة عليه وقيادته ويوجد عدد كبير من المنبهرين بالقوة الأمريكية المقتفين لآثارها، لذا احتفل الملايين في عدة دول بهذا الانتصار.

        أرأيتهم كيف يتبجحون بما تستنكف حتى الحيوانات الهمجية عن فعله وممارسته ناهيك عن منافاته للفطرة الإنسانية والغريزة المودعة, فهبطوا إلى ما دون البهيمية وعادوا إلى الجاهلية الرعناء ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ ([19]), فكانوا مصداقاً لقوله تعالى ﴿إِنْ هُمْ إِلّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ ([20]), متذرّعين بالحرية وهي حقٌ مقدّس منحه الله تعالى لعباده لكنها لا تعني الفوضى العارمة في اتباع الشهوات والخروج عن القوانين العقلائية ، فشوّهوا بسلوكهم الشائن هذا العنوان الجميل، وهل من الحرية أنْ يُترك المصاب بمرض فتاك معدي يتحرك في المجتمع كيف يشاء ويلوّث الآخرين ويصيبهم بمرضه، أم يُحْجَرْ عليه ويُعالج حتى يشفى، علماً أنْ الأمراض الأخلاقية والاجتماعية أشدّ فتكاً من الأمراض الجسدية([21]).

ويمكن عرض سبل مواجهة هذا المحور من الحرب الناعمة من خلال نقطتين :

الأولى : إنّ أمريكا وبريطانيا وكل القوى المادية لا تفكر إلّا بمصالحها أما القيم والمبادئ الإنسانية فهي آخر ما تفكر فيه إلّا بمقدار ما يخدم مصالحها فلا تصدق أنها جاءت لتحررنا نعم قد تلتقي مصلحتها مع مصلحتنا فتفعل ما يبدو أنه خدمة لنا إلّا إنّ الواقع أنّها مملوءة أنانية فلا تفكر إلا في نفسها وهذه الصفة من المرتكزات الأساسية للشخصية الغربية المبنية على الأسس المادية([22])

        إنّ هذه النقطة تعني أنْ لا نسلم للشعارات الغربية وإن بدت ظاهرا براقة ، لأنّ معرفتنا بالسياسة الغربية توضح لنا البعد النفعي فيها ، وبالنتيجة فإنّ محاولتها لإعادة هيكلة القوانين والقيم كما يقول جوزيف ناي لن ينفعها في فرض هيمنتها الثقافية والفكرية علينا .

الثانية : رفض التبعية للغرب والمحافظة على شخصيتنا الأصيلة بكلّ عناصرها سواء في المظهر, أو في العقيدة, أو في الفكر والثقافة, والنظر إلى ما يأتينا منه بعين البصيرة, والالتفات إلى قبائحه ومساوئه والأمراض النفسية والاجتماعية والأخلاقية التي تعصف بمجتمعاتهم([23]).

        إنّ التحديدات للمفاهيم القيمية التي تأتي عبر الصياغة الغربية لابدَّ أنْ تخضع في لحظة التّلقي إلى معايير موثوق بها تضمن عدم حصول تزييف للقيم وبالتالي تمثل حصانة للشخصية المحاورة للثقافة الغربية .

المطلب الثاني : استهداف الوحدة المجتمعية :

         من المحاور التي تستهدفها القوى الغربية في كيان الأمة هو وحدتها وتماسكها وهو ما لا تستطيع ضربه من خلال القوة العسكرية وبالنتيجة لابد من استخدام قواها الناعمة لإضعاف الثقافة الإسلامية وتوهينها في أعين أبنائها ، فعمدت إلى إشاعة الطائفية ، القومية ، والمناطقية.

        وقد توفرت خطابات الشيخ اليعقوبي على جملة معالجات تضمن وحدة النسيج الاجتماعي للعالم الإسلامي :

        الالتفات إلى القواسم المشتركة بيننا وهي كثيرة, فربنا واحد ونبينا واحد وكتابنا واحد وقبلتنا واحدة وعدونا واحد وهمومنا واحدة ومصالحنا واحدة ومستقبلنا واحد وأسس ديننا واحدة, وهي ما أشارت لها الآيـة المباركـة  ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾([24]), وأمرت بالاعتصام به وجعلته المحور الذي يجتمع عليه المسلمون, فلماذا نعرض عنها جميعاً ونركز على النقاط الفرعية جداً التي نختلف فيــها([25]).

        نبذ الفرقة والخلاف باجتناب أسبابه التي أهمها التعصب للانتماءات سواء كانت للأشخاص أو الجهات ومحاولة إلغاء الآخر والتطرف في المعتقدات والتحجر في الأفكار فلابدّ أن نحترم وجهات نظر الآخرين خصوصاً إخواننا في المذهب والدين([26]) .

        توحيد خطاب الأمة وتوجهاتها نحو المطالب الحقيقية وعدم التشتت في الرؤية أو التركيز على مطالب جزئية فتضيع الأمة([27]) .

        الالتفات إلى القضايا المصيرية التي تهمنا جميعاً على حد سواء فإنّ أعداءكم يحاربونكم لا لأنكم سنة أو شيعة أو مقلدي فلان أو فلان ولا لأنّكم من هذه العشيرة أو تلك أو هذه المدينة أو تلك بل يحاربونكم جميعاً على حد سواء لأنكم مسلمون فاجتمعوا في مواجهتكم لهم على هذا المحور وهو الإسلام ولا تنشغلوا بالخلافات الجزئية وتنازلوا عن الكثير من حقوقكم من أجل عِزة الإسلام ووحدة المسلمين([28]).

        المحافظة على النظام الاجتماعي العام وعدم الإخلال به فأنّه من أعظم الواجبات الشرعية . 

التحلي بالصبر وسعة الصدر والتسامح والتعاون ولا نتعامل مع الأمور بعاطفية وانفعال وتسرع وارتجال([29]).

        النظر لتعدد الرؤى واختلاف المناهج على أنّه أمر طبيعي  مادام هناك عقل يفكر ويقتنع بما يتوصل إليه  فيجب أنْ ننظر إلى هذا التعدد على أنّه حالة إيجابية باعتباره تنويعاً لآليات العمل التي تصب في الهدف الواحد لتتمكن من استيعاب كل شرائح المجتمع ذي القناعات المتعددة([30]).   

المطلب الثالث : استهداف المرأة :

أهمية دور المرأة :

        إنّ المرأة عنصر مهم في تربية المجتمع فإن كانت واعية وصالحة    وملتزمة فإنّها تكون قادرة على إنشاء جيل صالح لأنّها المربي المباشر للأبناء  باعتبار انشغال الرجال في أعمالهم خارج البيت وقد سمعنا عن الكثير من النساء اللواتي كن سبباً في هداية أزواجهن وبقية  ذويهن([31]) ، وعلى عاتقها تقع مسؤولية إدارة بناء الأسرة([32]).

       أنّ المرأة أداة مهمة في عملية إفساد المجتمع وتدمير أخلاقه فيما إذا أقنعوها بخلع جلباب العفة والحياء والطهارة ([33]).

      لذا حاول الغرب تدمير عقيدة المجتمع وأخلاقه من خلال تشويه صورة المرأة في الإسلام من خلال التلويح بمصطلحات براقة خادعة كحرية المرأة ومساواتـها للرجل([34]).  

        إنّ معرفة المرأة بحقيقة التشريعات الإسلامية يساعدها على مواجهة هذه الهجمة الشرسة ضدها ، ومن هذه التشريعات الحجاب ، فالحجاب الإسلامي ليس فقط رمزاً دينياً كالصليب والقبعة اليهودية  ، بل الحجاب شعار لنظام كامل في الحياة تختطه المرأة المسلمة لأنّ الحجاب يعني إنتاج السلوك النظيف والعفيف الخالي من الخيانة والرافض للخطيئة والذي يمتنع عن الفساد والانحراف وهو تعبير عن الأخلاق الإسلامية العليا ولا يعني حمل الصليب أو لبس القبعة شيئا من ذلك([35]) .

        كما أنّ التعرف على التعامل القرآني مع موضوع المرأة يبين المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة قال تعالى ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ([36]).

  فالمساواة الحقيقة تكون في الحقوق المرتبطة بالإنسانية كحق الحياة والكرامة كما في قوله  تعالى : ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾ ([37]), وهي شاملة للرجل والمرأة .

        بينما ركز الغرب على أمور لها تعليلاتها الحكيمة المرتبطة إمّا بأسس توزيع الثروة كالإرث ، أو مرتبطة بأمور نفسية ليس فيها إهانة أو تقليل من شأن المرأة .

المطلب الرابع : استهداف الشباب :

        إن أهمية جيل الشباب في الأمة لا تخفى على أحد فهم قادة المستقبل والفئة التي ترسم امتداد الأمة وعلى يدها تتشكل هوية البلد ،  فهم يمثلون مقياس صحة الأمة وعافيتها فإنْ كانوا صالحين كان المجتمع كله صالحاً ولأنّهم المؤثر في حياة الأمـة([38]) .

ولذا لم يكن التخطيط الغربي ليترك هذه الشريحة من دون استهدافها للقضاء على أي حضارة تتباين مع أفكاره وسلوكياته ، فكانت مشاريعه تحاك عليهم عبر الإعلام والفن والرياضة ليربطهم بأشخاص ورموز وقدوات لا يعبرون إلّا عن الثقافة الغربية وبالنتيجة يصبحون جزءاً منها .

وقد بيّن الشيخ اليعقوبي طريقة مواجهة هذه الهجمة بنقطتين :

        توجيه الشباب باتخاذ قدوات صالحة والحذر من الانجرار وتقليد الفنانين والرياضيين لمجرد أنهم مشهورون مع عدم وجود الصفات الصالحة التي تؤهلهم ليكونوا قدوة اجتماعية فقال في بعض كلماته :" آمل أنْ لا تقع عيني على شاب مسلم يصفف شعره على نمط بطل فلم من الأفلام الغربية أو فتاة مسلمة سافرة أو تلبس الحجاب على الطريقة الفرنسية أو الأمريكية أو آخر يلبس الميدالية وربما الصليب في عنقه ويضع الأساور في يديه ويتكلم بكل أنوثة ولا يوجد على ظاهره ما يدل على أنّه ذكر"([39]) .

        تصحيح المفاهيم التي ركز عليها الغرب في تعامله مع الشباب كمفهوم (الحب) فقد عرّف الحب بمعناه الحقيقي المنسجم مع الفطرة ، وبيّنَ سبب حصوله والتي منها حب المنعم وحب الجمال المطلق وهي متوفرة به تعالى .

        إن الحب الإنساني الحقيقي هو ما يتعلق بمن يستحق الحب وهو الله تبارك وتعالى، لأنّ كل ما يوجب المحبة متحقق فيه سبحانه، فالله تعالى جميل ويعرف ذلك من لمساته الجميلة على الكون وما فيه من حولنا .

        كما أنّ القلب يحب الجمال والله تعالى محسن الينا وقد تولاّنا بإحسانه ونعمه قبل أنْ نكون وبعد أنْ كنّا، والانسان مجبول على حب  من أحسن إليه، والله تعالى يحبنا ويشفق علينا حتى جعل من أحبّ الأشياء إليه تعالى الإحسان الى المخلوقين.

        فالحب إذاً نعمة إلهية عظيمة و بالحب تعمر الحياة لأنّ الإنسان إذا لم يحب شيئا فإنّه لا يتحمس لفعله والتحرك باتجاهه، أمّا إذا أحبَّ فإنّه يضحي من أجل حبه ويذوب في محبوبه كالوالدين بالنسبة لأبنائهما، أو القائد الرسالي بالنسبة الى شعبه، وهكذا، لذا ليس غريباً أن نجد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) (هل الدين إلا الحب)([40]) , إنّ الله عز وجل يقول ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾ ([41]), لأنّ الدين محرّك ودافع لكل عمل مثمر يجلب الخير والسعادة له وللآخرين، والحب هكذا أيضا فهما يلتقيان دائما.

        لكنّ المشكلة في تحريف هذا العنوان الشريف النبيل وإفراغه من محتواه بل تحويله إلى عكس معناه ككثير من المصطلحات والعناوين التي تناولناها في كلمات عديدة كالحرية والاستعمار والسياسة، فأصبح الحب يعني العلاقات المشبوهة بين الجنسين واتباع الشهوات والنزوات بلا تعقل وروية وخارج إطارها الصحيح مما يولّد مشاكل اجتماعية وآثار نفسية تكون عاقبتها وخيمة وإن بدتْ في أوّلها كأنّها سعادة ومتعة، ويوجد من يغذّي هذا المعنى السّيئ للحب بين الشباب وخصوصا في  الجامعات ويهيئون البيئة المناسبة له، ويمجّدون من يقع فيه لاستدراج الآخرين وكسر الحواجز الأخلاقية والاجتماعية والنفسية والدينية، وتنتج دور السينما والتلفزيون والمسرح سيلا متواصلا من الأفلام والمسلسلات لتحقيق هذا الغرض وتساندهم وسائل الإعلام المختلفة وهذا كله انحراف عن الفطرة السليمة وخروج عن الروابط الاجتماعية المتينة وتحطيم للأطر الصحيحة التي تنظم العلاقة بين الجنسين، وهذا تشويه لمعنى الحب ومصادرة له وتحويله الى معنى سيئ، وهو ليس حباً اصلاً ولا يمكن تسميته بالحب بل هو اتباع للنزوات والشهوات الحيوانية التي لا يمكن إعطاء عنوان الحب لها([42]).

        بيان المنشأ الحقيقي للقوة الإيمانية وهو الحركة الواعية التي تستند للعلم والمعرفة وليس الاندفاع العاطفي المؤقت  ، قال الشيخ اليعقوبي مشيرا لهذا الفارق ومبينا للآثار المترتبة عليه " أنا لا أنكر تقدم المستوى الإيماني لدى هذا الجيل بفضل الله تبارك وتعالى بشكل أذهل الأعداء وأصاب خططهم بالخيبة والخسران إلّا أنه مع الأسف في كثير من حالاته عبارة عن وهج عاطفي وحرارة إيمانية متدفقة غير مقترن بوعي عميق وتربية راسخة للقلب والنفس مما يجعل هذه الاندفاعة في مهب الريح -والعياذ بالله-  إذا لم نتداركها بما يصلحها "([43]).

 

النتائج

        إنّ أمريكا وعلى لسان أحد منظريها في أسلوبها الجديد في الهيمنة على الشعوب تتبع سياسة إعادة تشكيل القيم والقوانين والمفاهيم من أجل ربط الشعوب بالثقافة الأمريكية لتصبح منقادة لها عن طواعية ورغبة فتنفذ كل ما تريده من دون أن تتحمل أمريكا أية خسائر مادية .

        إنّ الخطاب الديني للشيخ اليعقوبي شخّصَ هذا الأسلوب والتخطيط ووضحه وبَيَّنَ عواقبه على الساحة العراقية .

        بيّن خطاب الشيخ اليعقوبي الفئات والعناوين المستهدفة وهي(الوحدة الاجتماعية ، المرأة ، الشباب) .

فصّل الخطاب آلية مواجهة هذه الهجمة وعرض خطواتها في كل عنوان .

        ومما نوصي به هو اعتماد هذه الخطابات كمادة بحثية للمراكز المختصة بالشؤون المجتمعية والأمنية لتعميق سبل مواجهة خطر الغزو الثقافي والمحافظة على أصالة مجتمعنا وقيمه الإسلامية العظيمة .

المصادر

القرآن الكريم .

الصحيفة السجادية ، الامام علي بن الحسين  ، مؤسسة طوبى ، مطبعة آثار ط1 .

المجلسي ، محمد باقر ، بحار الأنوار ،دار إحياء التراث العربي ، ط3 . 

الحر العاملي ، محمد ، وسائل الشيعة ، مؤسسة آل البيت ، ط 3

الكليني ، محمد بن يعقوب ، الكافي ، دار الكتب الإسلامية ، ط3

المازندراني ، محمد صالح ، شرح أصول الكافي ، دار إحياء التراث العربي ، ط1  .

جوزيف س ناي ، القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية ، ترجمة د. محمد توفيق المخزومي ، دار عبيكان ، ط1 .

محمد حمدان ، الحرب الناعمة ، دار الولاء ، ط1    .

الحرب الناعمة قراءة في أساليب التهديد وأدوات المواجهة ، مركز قيم للدراسات  .

الحرب الناعمة – الأسس النظرية والتطبيقية ، مركز الحرب الناعمة للدراسات.

الموقع الرسمي لمكتب المرجع اليعقوبي http://yaqoobi.com/arabic/index.php/5/1/index.4.html.

 

([1]) جوزيف س ناي ، القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية ، ترجمة د. محمد توفيق المخزومي ، دار عبيكان ، ط1 : 12.

 

([2]) محمد حمدان ، الحرب الناعمة ، دار الولاء ، ط1 : 24.

([3]) ظ : القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية : 26.

([4]) الحرب الناعمة قراء في أساليب التهديد وأدوات المواجهة ، مركز قيم للدراسات : 12.

([5]) آنا سيمونز أستاذة مادة التحليل الدفاعي في كلية الدراسات العليا للبحرية الأمريكية ، نقلا عن كتاب (الحرب الناعمة – الأسس النظرية والتطبيقية ، مركز الحرب الناعمة للدراسات:57 .

([6]) اليعقوبي ، محمد ، خطاب المرحلة (القوى الناعمة والمنبر الحسيني ) خطاب رقم (426) http://yaqoobi.com/arabic/index.php/5/1/index.4.html.

([7]) القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية : 32.

([8]) ظ : المصدر نفسه.

([9]) ظ : المصدر نفسه : 35.

([10]) القوى الناعمة والمنبر الحسيني ، خطاب رقم ( 426 ) الموقع الرسمي لمكتب المرجع اليعقوبي http://yaqoobi.com/arabic/index.php/5/1/index.4.html.

([11]) المجلسي ، محمد باقر ، بحار الانوار ،دار إحياء التراث العربي ، ط3 ، 68  :  383 .

([12]) الحر العاملي ، محمد ، وسائل الشيعة ، مؤسسة آل البيت ، ط : 15 / 246 ح13.

([13]) الكليني ، محمد بن يعقوب ، الكافي ، دار الكتب الإسلامية ، ط3: 4 / 3 ح5.

([14]) الصحيفة السجادية ، مطبعة آثار ، ط1 : 110.

([15]) الأنفال : 30.

([16]) الأنفال : 62-63.

([17]) الموقع الرسمي لمكتب الشيخ اليعقوبي  http://yaqoobi.com/arabic/index.php/592/index.1.html.

([18]) اليعقوبي ، محمد ، خطاب المرحلة ، خطاب رقم (438) مدلول آية ( هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا  ) (هود 61) ، موقع المرجع اليعقوبي http://yaqoobi.com/arabic/index.php/permalink/5757.html .

([19]) النمل : 55 .

([20]) الفرقان : 44.

([21]) اليعقوبي ، محمد ، خطاب المرحلة ، خطاب  مدلول قوله تعالى(إنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا) إباحة زواج المثليين نموذجاً http://yaqoobi.com/arabic/index.php/permalink/5781.html .

([22]) اليعقوبي ، محمد ، كلمات مضيئة ، موقع المرجع اليعقوبي ، http://yaqoobi.com/arabic/index.php/592/index.1.html .

([23]) اليعقوبي ، محمد ، كلمات مضيئة . http://yaqoobi.com/arabic/index.php/592/index.1.html.

([24]) آل عمران : 103 .

([25]) موقع المرجع اليعقوبي ، كلمات مضيئة  http://yaqoobi.com/arabic/index.php/592/index.1.html.

([26]) المصدر نفسه.

([27]) المصدر نفسه .

([28])  اليعقوبي ، محمد ، كلمات مضيئة . http://yaqoobi.com/arabic/index.php/592/index.1.html.

([29]) المصدر نفسه .

([30]) المصدر نفسه.

([31]) المصدر نفسه.

([32]) اليعقوبي ، محمد ، مدلول قوله تعالى ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَان (1) التوبة109 موقع المرجع اليعقوبيhttp://yaqoobi.com/arabic/index.php/permalink/5767.html.

([33]) اليعقوبي ، محمد ، كلمات مضيئة . http://yaqoobi.com/arabic/index.php/592/index.1.html.

([34]) اليعقوبي ، محمد ، كلمات مضيئة . http://yaqoobi.com/arabic/index.php/592/index.1.html.

([35]) المصدر نفسه .

([36])  البقرة 228.

([37]) الإسراء : 70.

([38]) اليعقوبي ، محمد ، كلمات مضيئة . http://yaqoobi.com/arabic/index.php/592/index.1.html.

([39]) المصدر نفسه.

([40]) المازندراني ، محمد صالح ، شرح أصول الكافي  ، 11 : 450.

([41]) آل عمران :31.

([42])اليعقوبي، خطاب المرحلة ، خطاب رقم (442) مدلول الحديث الشريف (وهل الدين الا الحب) ، موقع المرجع اليعقوبي ، http://yaqoobi.com/arabic/index.php/permalink/5763.html.

([43]) اليعقوبي ، محمد ، كلمات مضيئة . http://yaqoobi.com/arabic/index.php/592/index.1.html.