النظم الادارية: المركزية واللامركزية وتطبيقاتها في العراق

               أ.م.د.اسراء علاء الدين نوري                                       م.د. حسين علي مكطوف

                 كلية العلوم السياسية/ جامعة النهرين                        كلية العلوم السياسية/ جامعة ميسان

 

تنال مواضيع النظم الادارية المركزية واللامركزية اهتماماً كبيراً، فهي متداولة لدى اغلب الدول السائرة في ركب الديمقراطية وذلك لعدة اسباب، منها تخفيف العبء عن الجانب الحكومي، ومنها تقديم خدمات افضل للمواطنين. اذ تمارس الحكومة في اي دولة من دول العالم، وظيفتين اساسيتين: وظيفة الحكم والسياسة، ووظيفة الادارة وتمشية شؤون المواطنين.

وتقوم النظم الادارية اللامركزية والمركزية في الدولة المعاصرة على اساسين متعارضين وان كانا متكاملين، هما:

الاساس الاول:

يتمثل في المحافظة على وحدة الدولة وتماسكها، وهذا يتحقق بتركيز سلطة البت في الشؤون الادارية ذات الطابع القومي التي تهم جميع افراد الدولة بأيدي السلطات المركزية الاتحادية ويتحقق ذلك باتباع التنظيم الاداري المركزي.

الاساس الثاني:

يتجلى في ضرورة اشراك سكان الوحدات الادارية الاقليمية المتمتعة بالشخصية المعنوية والمستقلة عن السلطة المركزية الاتحادية في ممارسة شؤونهم المحلية ضمن حدود جغرافية معينة ويتحقق هذا باتباع التنظيم الاداري اللامركزي الاقليمي.

اشكالية البحث:

تعد المركزية واللامركزية هي شكل من اشكال الحكم تتوزع فيه السلطات السياسية والادارية بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية المنتخبة بموجب احكام القانون غايتها ادارة الشؤون المحلية وبالتعاون مع سلطة المركز، وان السلطة المحلية تستمد صلاحياتها من الانتخابات وليس بتفويض من المركز اليها، وهذا المبدأ اعتمدته دول عدة لأسباب، منها ان العبء الكبير الواقع على اكتاف السلطة المركزية يلجاؤها الى طلب مشاركات السلطات المحلية المنتخبة لتحمل جزء من ذلك العبء، وهذا يعني اشراك الشعب في الاعباء العامة، إذ يمكن المجالس المحلية من الادارة والاشراف والمراقبة للنشاطات والفعاليات المحلية، كما ان السلطات المحلية قريبة من مشاكلها المحلية وهي أدرى بها والأرجح لمعالجتها.

 

 

أهمية البحث:

يحظى موضوع المركزية واللامركزية في الوقت الحاضر باهتمام كبير لدى غالبية الدول وخاصة تلك السائرة في ركب المسيرة الديمقراطية، لكونه العامل المساعد في تخفيف اعباء الحكومة المركزية ولتزايد الاحتياجات والمطاليب الناجمة جراء التقدم التكنولوجي والعلمي والحضاري، وهذا يتطلب المشاركة الواسعة للجماهير ولمنظمات المجتمع المدني في اتخاذ القرارات في كل ما يتعلق بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والادارية وكل ما يخص تنمية الفرد والمجتمع ورفاهيته.

هدف البحث:

يهدف البحث الى التعرف على:

  1. ماهي النظم الادارية، وما هي انواعها وعناصرها وسماتها؟
  2. ماهي الاسس القانونية لنظام اللامركزية الادارية في العراق؟
  3. ماهي اهم النماذج العالمية لنظام اللامركزية الادارية والسياسية؟
  4. ماهي الصلاحيات والاختصاصات للمحافظات والاقاليم بحسب الدستور العراقي لعام 2005 ؟

فرضية البحث:

تنطلق فرضية البحث من ان: الاسلوب السياسي والاداري الافضل هو الذي يمزج بين المركزية واللامركزية، إذ لا توجد دولة في عالمنا المعاصر تبني تنظيمها السياسي والاداري على اي من الاسلوبين منفرداً من الناحية العملية أو الفعلية، ومن اجل ذلك نجد ان الدستور والتشريعات السياسية والادارية التي تصدر تنفيذاً له، تعمل على ايجاد توازن بين السلطات المركزية للدولة والسلطات المحلية للوحدات الادارية المكونة لها.   

هيكلية البحث:

ينطوي البحث بالإضافة الى المقدمة والخاتمة، عدة مباحث، يتضمن المبحث الاول: ماهية المركزية واللامركزية الادارية. والمبحث الثاني: نظرة لتجارب اللامركزية الادارية في العالم. وتضمن المبحث الثالث: تطور اللامركزية بالعراق وصولاً لمجالس المحافظات ونقل الصلاحيات لها.

المبحث الاول: ماهية المركزية واللامركزية الادارية

أولاً: تعريف اللامركزية الادارية :

تقوم اللامركزية الادارية على اساس توزيع الوظيفة الادارية بين السلطة المركزية من جهة، وبين هيئات ادارية مستقلة من جهة اخرى، ولكنها تخضع للسلطة المركزية في مباشرتها لاختصاصاتها. إذ إنها درجة من عدم تركيز السلطة، أي تشتت السلطة وتوزيعها بين الاشخاص والمستويات الادارية المختلفة في المنظمة او على مستوى الدولة. وهي ((نظام اداري لتوزيع السلطات الادارية بين الحكومة المركزية والهيئات الادارية المحلية المنتخبة في المحافظات التي تتولى ادارة شؤونها المحلية بالتنسيق مع السلطات المركزية وتحت رقابتها، وذلك بقيام هذا النظام على توزيع الوظائف الادارية بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين هيئات محلية او مصلحية منتخبة بحيث تكون هذه الهيئات في ممارستها لوظيفتها الادارية تحت اشراف ورقابة الحكومة المركزية))([1]),وهي ((نقل السلطة من الدولة الى شخص اخر من اشخاص القانون العام، قد يكون شخصاً اقليمياً اقل اتساعاً من الدولة او شخصاً عاماً مرفقياً ذا اختصاص متخصص بطبيعته))([2]), واللامركزية الادارية هي نظام اداري يقوم على اساس توزيع الوظيفة الادارية بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين اشخاص الادارة المحلية في الاقاليم، او بين السلطة المركزية وهيئات محلية او مرفقية، وتتمتع هذه الاشخاص بالشخصية المعنوية المستقلة مع خضوعها لرقابة الحكومة المركزية([3]) , وتتضمن اللامركزية بالاعتراف بالشخصية الاعتبارية العامة لجزء من اقليم الدولة، مع ما يترتب على ذلك من تمتع الهيئة المنتخبة الممثلة له بقدر من الاستقلال في ادارة مرافقه المحلية تحت رقبة السلطة المركزية ([4]).

ثانياً: مزايا ومبررات ودوافع الاتجاه نحو اللامركزية الادارية، وتتمثل في:([5]).

  1. تعد اللامركزية الادارية تطبيقاً للديمقراطية في المجال الاداري، وهي مكملة للديمقراطية السياسية، حتى ان الاخيرة لا معنى لها ان لم تصاحبها الديمقراطية المحلية. يتجلى ذلك في اشراك سكان المناطق والاقاليم في ادارة شؤونهم المحلية عن طريق انتخاب هيئاتهم المحلية واختيار افضل العناصر التي تصلح لإدارة المرافق المحلية وفي حصولهم على الخبرة والدراية في ممارسة الشؤون العامة، لهذا قيل ان اللامركزية هي الديمقراطية الادارية التي يدير الشعب بواسطتها شؤونه المحلية.
  2. تخفف اللامركزية الادارية من العبء الواقع على عاتق الدولة المعاصرة في إدارة المرافق والمشروعات العامة والمتكاثرة لاستمرار نتيجة لازدياد تدخل الدولة في مجالات وانشطة جديدة كانت عازفة عنها في الماضي، والتي تؤدي كثرة اعمالها وتركيزها في هيئة واحدة الى الاختناق، فضلاً عن ان تركيز سائر النشاطات (الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، والسياسية) في العاصمة قد يتسبب في الاختلاف بدرجات التطور والنمو بين ابناء المجتمع الواحد، دفع ذلك الى اعتماد نظام اللامركزية الادارية، بتولي الهيئات اللامركزية المحلية ادارة المرافق والمصالح المحلية، والهيئات والمؤسسات الادارية ذات الطابع المتميز.
  3. تمتاز اللامركزية الادارية بأن الهيئات اللامركزية، سواء المحلية او المرفقية، تكون أقدر من الادارة المركزية في ادارة المصالح والمرافق المحلية أو الهيئات والمؤسسات المعترف لها بالشخصية المعنوية بعيداً عن التعقيدات والاجراءات الادارية المعقدة التي تعرفها الادارة المركزية.
  4. إن نظام اللامركزية الادارية هو أقدر على مواجهة الازمات العصبية والطارئة من النظام المركزي، والتي تحدث من حين لآخر في النطاق الاقليمي او الميدان المرفقي، وهو من جانب اخر يخلق نوعاً من التضامن بين ابناء الوحدة المحلية بحيث تتشابك المصالح وتتضافر الجهود لمواجهة الازمة، وهذا الامر قلما نجده في النظام المركزي.
  5. توجد في معظم الدول، مناطق معينة تربط بين سكانها روابط خاصة قوامها المصالح المشتركة بين هؤلاء السكان.
  6. النمو المتزايد في نشاط الدولة، سواء كان ذلك في الادارة الحكومية او في الميدان الاقتصادي او في الميدان الاجتماعي وغيره.
  7. ظهور فكرة الاخذ بالتخطيط في شتى الميادين، وامكانية الاستفادة من هذا التخطيط في المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي عملت الدولة الحديثة جاهدة على غزوها ومنافسة الافراد بشأنها.
  8. ازدياد وظائف الدولة وتشعبها لدرجة انها لا تدخل تحت حد، ادى الى استحالة تركيز النشاط الحكومي في المركز او العاصمة، وما يصاحب هذا التركيز من عرقلة وعقبات تقف حجر عثرة في طريق الحياة الديمقراطية وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
  9. يوفر الاخذ بنظام اللامركزية الادارية العدالة في توزيع الضرائب، فينال كل اقليم او وحدة محلية نصيبه من الضرائب لإدارة مرافقه المحلية، أما في ظل المركزية الادارية فإن مرافق العاصمة والمدن الكبرى تحظى بعناية كبرى في هذا المجال على حساب المدن الصغرى والقرى.

ثالثاً: عناصر اللامركزية الادارية، وتتمثل في:([6]).

  1. وجود مصالح محلية ذاتية متميزة الى جانب المصالح العامة الوطنية، أي وجود مصالح تهم عموم منطقة معينة (محلية) كالمحافظة او القضاء ويكون الاعتراف بوجود مثل هذه المصالح المحلية من قبل المشرع، الذي يترك لأبناء تلك المنطقة امر تسيير المصالح المحلية واشباع الحاجات، ويكون هذا الاعتراف في الدستور او القانون، وينشئ القانون الشخص اللامركزي بمنحه الشخصية المعنوية التي هي امر لابد منه لقيام اللامركزية.
  2. تنظيم هيئات مستقلة لإدارة المصالح الذاتية، ان اعتراف المشرع بوجود مصالح تتميز بطابعها الخاص لا يكفي لقيام النظام اللامركزي، فقد يترتب على هذا الاعتراف استقلال عن شخصية الدولة، ومن التمتع بالحق في اكتساب الحقوق، وتحمل الالتزامات، لذلك يعهد بإشباع الحاجات المحلية وتحقيق المصالح المحلية الى هيئة تمثل ابناء المنطقة المعينة. ويعد انتخاب الهيئات التي تتولى الاشراف على المصالح المحلية انتخاباً مباشراً من قبل ابناء المنطقة او المحافظة المعنية الطريقة المثلى لتشكيل هذه الهيئات وبذلك يتحقق استقلال هيئات الادارة المحلية تجاه السلطات المركزية.
  3. خضوع الهيئات اللامركزية لرقابة السلطة المركزية، ان استقلال هيئات الادارة المحلية تجاه السلطات المركزية، لا يعني عدم خضوعها لإشراف ورقابة السلطات المركزية في الدولة، لأن ذلك يهدد الوحدة السياسية للدولة، لذلك فأن النظام اللامركزي يقوم على اساس بقاء ممارسة الهيئات المحلية لاختصاصاتها خاضعة لإشراف ورقابة السلطة المركزية، وتمثل هذه الرقابة عنصراً اساسياً لقيام اللامركزية الادارية. الا ان تنظيم الرقابة الادارية من الامور المعقدة التي يجب ان يوازن المشرع فيها بين ضرورات تحقيق اهداف الادارة المحلية التي اقتضت الاخذ بنظام اللامركزية الادارية وبين توزيع الاختصاصات الوظيفية الادارية على هيئات مركزية ومحلية، وضرورة تأكيد وحدة الدولة وسلطتها على كامل اقليمها.

رابعاً: اشكال اللامركزية الادارية، وتتمثل في:([7]).

  1. عدم التركيز الاداري: هو الشكل الاضعف للامركزية الادارية وهو تخويل بعض موظفي الوزارة في الاقاليم او المحافظة سلطة البت في بعض الامور دون الرجوع الى الوزير فهي سلطات تبعية وليست سلطات اصلية، فيجب أن تفهم على انها الحجر الاول لتحلل الصلاحيات بين المركزية في العاصمة وتحويلها للمديريات التابعة لها في المحافظات.
  2. التفويض: هو ان تفوض او تخول الحكومة المركزية مسؤولية صنع القرار وادارة الوظائف العامة الى جهات شبه مستقلة ولكنها مسألة من قبل الحكومة المركزية ويجب تحقق التفويض ان تحدد المسؤولية، وهنا تجدر الاشارة الى ان تفويض السلطة هو التخلي عنها او التنازل عن هذه السلطة، فللمفوض حق المساءلة لمن فوضه على انجاز المسؤوليات والواجبات الواجب تحقيقها، وهناك فرق بين المسؤولية والمساءلة.
  3. النقل: وبها تنقل سلطات صنع القرار والتمويل والادارة الى وحدات ادارية، اذن هي نقل مباشر للصلاحيات وهو اعلى درجة لتمتع الوحدات الادارية المحلية باستقلال ذاتي في الشؤون الادارية والمالية، وعلى ذلك تظهر في هذا النظام الى جانب الدولة او الادارة المركزية اشخاص معنوية محلية او مرفقية يطلق عليها الادارة اللامركزية او السلطات الادارية اللامركزية.

المبحث الثاني: نظرة لتجارب اللامركزية الادارية في العالم

أولاً: نظام اللامركزية الادارية في ايطاليا :

بعد انهيار النظام الفاشي في اواخر الحرب العالمية الثانية ظهرت موجة جديدة باعتماد اللامركزية الادارية، إذ وضعت الجمعية التأسيسية عام 1947 تضع الدستور الايطالي، فوضعت المواد (114 الى 133) من الدستور، حيث تولت (19) منطقة اختصاصاتها اراضي ايطاليا بكاملها وتحديد وظائفها واختصاصاتها وطرق مباشرتها لهذه الوظائف، كذلك نص الدستور الايطالي على ان انشاء مناطق جديدة يتم بموجب قانون دستوري وليس بقانون عادي، وكذلك دمج المناطق والغائها، وان الجمعية الوطنية هي التي وضعت اربعة قوانين نظمت بموجبها صلاحيات اربع من المناطق الـ (19) التي تؤلف المناطق الادارية في ايطاليا ([8]).

ويتمتع نظام المناطق في ايطاليا بالخصائص التالية:([9]).

  1. يعتبر منزلة بين المنزلتين بالنسبة للنظام الفرنسي للإدارة المحلية والنظام الانكليزي للإدارة المحلية: فالنظام الفرنسي يضيق الحريات المحلية بإخضاعها لرقابة ادارية صارمة، اما النظام الانكليزي فأنه يوسع الحريات المحلية وتتضاءل في ظله الرقابة الادارية الى حد انها تصبح معه صورية. اما النظام الايطالي فأنه يحصن هذه الاختصاصات بطريقة اقوى وامنع حتى يبدو الى ان هذا النظام يجنح باللامركزية الادارية الى اللامركزية السياسية.
  2. انه يستمد وجوده من احكام الدستور وليس من احكام القوانين العادية: ذلك ان من النظام في فرنسا تنشأ المحافظات والمدن والقرى وتحدد اختصاصاتها ووظائفها بالقوانين العادية، فالأعراف والعادات والتقاليد والقوانين العادية هي التي تحدد اختصاصات ووظائف الهيئات المحلية في انجلترا. أما ايطاليا فأنها تنفرد بخاصية النظم المحلية، إذ أن الدستور هو الذي يحدد احكام المناطق الادارية.
  3. ان كل منطقة من مناطقها الادارية لها نظام اساسي: يحدد هذا النظام اختصاصاتها وطرق تأليفها وكيفية مباشرتها للوظيفة الموكولة اليها، وهذا النظام متناسق مع احكام الدستور والقوانين الاخرى، وان بعضاً من هذه المناطق قد حددت انظمتها القوانين الدستورية والبعض الاخر منها حددت انظمتها هيئات يقال لها مجلس المنطقة.
  4. تجمع المناطق الادارية في ايطاليا الى جانب الاختصاصات الادارية اختصاصات تشريعية وتنفيذية محدودة: اذ تتمتع المناطق الايطالية بقدر محدود من حق التشريع، فقد نصت المادة (117) من الدستور الايطالي على ان المناطق تباشر حق التشريع على سبيل الحصر في القضايا الداخلية ضمن اختصاصاتها.
  5. الرقابة على اعمال المناطق رقابة متميزة: تمارس المناطق الادارية في ايطاليا اعمالها ونشاطها في ظل رقابة ادارية وهي تندرج من الاعتراض الموقف للتنفيذ الى الابطال ثم الى حق الحل، وهذه الرقابة يباشرها مفوض الحكومة المركزية.

ثانياً: الاتحاد السويسري :

الدولة السويسرية لا تنقسم إلى أقسام أو محافظات، بل هي تتألف من مجموعة دويلات سبق لها أن وجدت قبل أن توجد الدولة الاتحادية، وكانت تتمتع باستقلالها وشخصيتها قبل أن تتفق فيما بينها على تشكيل الاتحاد، فاللامركزية جاءت نتيجة قرار المجموعة ولم تكن هي ألا أجزاء أو أقسام خلقتها الدولة الأم، ولذلك بقيت هي صاحبة القرار في كثير من الشؤون التي تعنيها في نطاق حكمها الذاتي، ولقد بدأ الاتحاد بين هذه الدويلات في غضون القرن الثالث عشر، عندما صدر الميثاق الثلاثي التاريخي بالاتحاد من الولايات السويسرية الثلاث وهي (شفيتس واوري واونترفالد)، ومن الولاية الأولى اشتق أسم الاتحاد الفيدرالي السويسري، ثم سارت باقي الولايات السويسرية في طريق الاتحاد مع الأخريات ([10])، وتقوم سياسة سويسرا على مبدأين أثنين هما:([11]).

  1. صيانة الاستقلال الخارجي للدولة الاتحادية .
  2. المحافظة على نوع من الحكم الذاتي للدويلات .

فالنظام الذي جاء مع دستور 1848م حمل معه تحولات جذرية شملت إلغاء الموانع القائمة بين المقاطعات على صعيد المبادلات التجارية والرسوم الجمركية، التي كانت تفرضها الولايات على بعضها، كما وحدَ بين الأوزان والمقاييس والعملات، ومنح الحرية لانتقال الأشخاص والأموال، كما منح الحكومة الفيدرالية سلطة مركزية تبيح لها حق توجيه الاقتصاد وحق التفاوض بشأن الاتفاقات التجارية، وتعيين التعريفة الجمركية والسياسة العامة للمواصلات والنقل، وتتمثل السلطة التنفيذية  بالمجلس الفيدرالي السلطة التنفيذية وهو الحكومة أيضاً، فقد كانت النزعة في السابق هي محاولة إضعاف السلطة التنفيذية، ومن خلال تشكيل السلطة التنفيذية أو الحكومة يتضح لنا مدى الصلاحيات ومدى تقيدها، إذ يتكون المجلس الفيدرالي الذي هو عبارة عن سلطة جماعية من سبعة أعضاء منتخبين بالأكثرية المطلقة من قبل البرلمان لمدة أربع سنوات، وهؤلاء الأعضاء يطلق عليهم المستشار للاتحاد، يرأسون سبع إدارات عامة تتقاسم فيما بينها الوزارات ويسميها السويسريون إدارة عامة، ويضم كل منها أمانة عامة (مكتب مستشار الاتحاد أو الوزير)، فضلاً عن مجموعة من الإدارات التي يقوم أكثرها بالمهام التي توكل عادة إلى وزارات مستقلة في الدول الأخرى. وهذه الوزارات تتمثل في وزارة الشؤون الخارجية، وزارة الداخلية، وزارة العدل والشرطة، وزارة الدفاع، وزارة المالية، وزارة الاقتصاد العام، وزارة النقل والمواصلات والطاقة، ويقوم المجلس الفيدرالي من جانب بتطبيق القوانين، التي يشرعها البرلمان الفيدرالي بمجلسيه  ويدير الشؤون المالية، ويقترح الميزانية العامة للاتحاد ويعين الموظفين الاتحاديين بصفته مجلس الوزراء، أي السلطة التنفيذية للاتحاد، كما يرأسه من جانب أخر كل أعضائه السبعة مرة في السنة بالتناوب ويصبح هذا العضو حينئذٍ رئيساً لهذا المجلس، أي رئيس للوزراء من ناحية ورئيس للاتحاد السويسري في الوقت نفسه من ناحية أخرى، إذ ليس في سويسرا رئيس جمهورية ولا رئيس اتحاد ذو صلاحيات على مستوى رؤساء الجمهورية في الدول الأخرى، وهكذا فأن رئيس المجلس الفيدرالي ليس له صلاحيات أوسع من زملائه الستة الآخرين، سوى أنه يمثل الدولة الاتحادية تمثيلاً شكلياً في المراسم الرسمية ويستقبل السفراء الأجانب وما شابه ذلك، فباتت مسؤولية المجلس الفيدرالي مسؤولية جماعية ومقر البرلمان والحكومة (أي المجلس الفيدرالي) هو العاصمة بيرن([12]) .

والديمقراطية السويسرية تبدأ من القاعدة أي من الدويلات، حيث تتطلب بطبيعة الحال أن لا تتدخل حكومة الاتحاد في صلاحيات الدويلات وفي شؤونها الداخلية، ألا في حدود ما يقرره دستور الاتحاد، وهو الدستور الذي وافق عليه أفراد الشعب والدويلات من خلال الاستفتاءات المتتالية التي مرَ بها، والشيء نفسه يقال بشأن عدم تدخل الدويلات في صلاحيات الدولة الاتحادية، وعلى هذا الأساس فإن السلطة في الدولة جميعاً يتقاسمها الاتحاد مع الدويلات، أي أن لكل من الدويلات ودولة الاتحاد صلاحيات وسلطات حكومية يختص بها، وهي تتعاون معاً في حكم البلاد وفي حكم نفسها بنفسها، أن تقاسم الصلاحيات والسلطات بين دولة الاتحاد الفيدرالي والدويلات السويسرية يكون على صعيد السلطات والصلاحيات جميعاً، وهو حق ينشأ في دستور الاتحاد نفسه، حيث أن الدستور السويسري يركز على أن الأصل هو صلاحية الدويلات فهي صاحبة السيادة الأولية، وما استثنى من ذلك يذكره دستور الاتحاد على أنه داخل في صلاحية الدولة الفيدرالية، ومن ذلك تقول المادة الثالثة من دستور الاتحاد السويسري "الدويلات هي صاحبة السيادة على أرضها وشعبها إلا في حدود ما يستثنيه الدستور لصالح دولة الاتحاد، ففي ماعدا ذلك تتمتع الدويلات بكافة الحقوق والصلاحيات التي لم يعهد بها إلى الحكومة الفيدرالية"، والحقيقة تقف خلف هذا الواقع تكمن في أن هذا الدستور لم يفرضه الاتحاد على المقاطعات، لأن الاتحاد الفيدرالي السويسري هنا لا يعني وجود دولة مركزية قوية كبرى ذات شخصية مستقلة سبقت في وجودها دويلات تفرعت عنها ففرضت دستورها المركزي بقوة السلاح مثلاً على هذه المقاطعة أو على تلك الدولة التي ضمتها إلى ممتلكاتها، بل هو دستور ارتضته الدويلات والشعب معاً فهو من صنعها لما فيه من صالحهم جميعاً، ويتم تعديله على يدهم كلما اقتضت الضرورة([13]).

ثالثاً: النظام الإداري في الهند "المحليات" :

يضم النظام السياسي الهندي 22 ولاية إضافة إلى عدد من الولايات أو المناطق التي ترتبط بالمركز إدارياً بشكل مباشر، ويتركز أكثر سكان الهند في هذه الولايات وتمثل الأرياف أكثر من 80% من سكان الهند، وقد شرح الدستور الهندي العلاقة بين الحكومة المركزية والولايات، وحدد ما هو مشترك بين الولاية والمركز وما هو من اختصاص الولاية وما هو من اختصاص الحكومة المركزية، ومن القضايا المشتركة هو التنسيق في الأمور المالية والتخطيط وفي تنسيق الخدمات الحكومية وقيام المشاريع المشتركة لأجل إنجازها في ولاية معينة التي تعم بخيرها على عموم الهند مثال ذلك بناء السدود، وتعد الشؤون الداخلية من مهام الحكومة المركزية وذلك لأهميتها، فوزير الشؤون الداخلية يعد مسؤولاً مباشراً على الأمور الإدارية والمالية والاقتصادية، وتصل درجة تدخل وزير الشؤون الداخلية في الحكومة المركزية في أمور الشؤون الداخلية للولاية حتى في أمور التعليم، وفي إدارة إقليم من الأقاليم في حالة إعلان الطوارئ فيه، وكما ترتبط بالمركز بعض المناطق الموجودة داخل الولاية وذلك تبعاً لأهميتها السياسية أو السياحية([14]).

وتتمركز السلطة التنفيذية في يد المحافظ والذي يتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية، ويأتي ذلك من خلال فوز حزبه بالأغلبية البرلمانية في السلطة التشريعية في الولاية المذكورة، ويعد المحافظ ممثلاً للسلطة المركزية في ولايته ويكون مسؤولاً أمام السلطة التشريعية في الولاية، ويحق للمحافظ أن يعين رئيساً للوزراء حيث يكون مجلس الوزراء مسؤولاً مسؤولية جماعية أمام الجمعية التشريعية في الولاية ، ويتحدد أعضاء مجلس الوزراء بين 10 و 22 عضواً وأهم الوزارات المحلية هي المالية والإدارة العامة والداخلية والغذاء والتموين والتعليم والزراعة والغابات والطب والصحة والأشغال العامة والعدل، مما يدلل ذلك أن وزارة الدفاع والشؤون الخارجية تنحصر بالسلطة المركزية لعموم الهند فقط ([15]) .

إن التنظيم اللامركزي في الهند هو عامل بالغ الأثر في ترسيخ الوحدة الوطنية، فقيام الاتحاد الهندي من ولايات ممثلة على صعيد الحكم المركزي، وممارسة لنوع محدود من الحكم الذاتي جنب البلاد مغامرات الانفصال والتمزق، وأن الحكم الذي تمارسه الولايات في الاتحاد الهندي بأنه حكم محدود ذلك لأنه يقوم على رأسها حكم مركزي قوي النفوذ واسع الاختصاصات، فالنظام الهندي يعطي الدولة الاتحادية اختصاصات معينة بنص الدستور، ولكن كل ما سكت عنه الدستور يبقى أيضاً من اختصاصها، حيث تتمركز السلطة في الدولة الاتحادية مع السماح للولايات بممارسة جزء منها، وهو ما يستجيب لحاجات بلد شاسع الأطراف ينقسم سكانه إلى فسيفساء من العناصر المختلفة في أصولها وعقائدها ومستوياتها([16]) .

 

المبحث الثالث: تطور اللامركزية بالعراق وصولاً لمجالس المحافظات ونقل الصلاحيات لها

إن الاتجاه نحو تبني نظام اللامركزية الادارية في العراق وغيره من الدول، يرجع الى مزايا هذا النظام وقدرته على تنمية المجتمع والدولة وضمان الامن والاستقرار فيهما، على الاسس والركائز العامة التي يعتمدها هذا النظام، إلا ان نجاح نظام اللامركزية الادارية يستند بالدرجة الاساس على طبيعة العلاقة بين السلطة المركزية وحكامها، والهيئات والسلطات المحلية.

قبل عام 2003 كانت السلطات التنفيذية والتشريعية بيد الحاكم الذي يرأسهمها، ولم يكن النظام الاداري واضح المعالم، فقد تضمن قانون المحافظات رقم (159) لسنة 1969 المعدل أسس نظام اداري لا مركزي يقوم على منح صلاحيات واسعة تمارسها مجالس للوحدات الادارية، وهذه المجالس تكون منتخبة إلا أن هذه الانتخابات لم تجر ابداً، الأمر الذي جعل الوحدات الادارية تدار من موظفين تابعين للإدارة المركزية، لهذا كان النظام الاداري لا مركزياً في نصوص التشريع ومركزياً في الواقع والتطبيق، ولم يغير من هذا الوصف كثيراً صدور قانون (مجالس الشعب المحلية) بموجب القانون رقم (25) لسنة 1995 واجراء انتخابات لمجالس محلية في المحافظات والاقضية والنواحي، إلا أن هذه المجالس كانت مجرد واجهات شكلية تطبق أوامر الإدارة المركزية ورأي النظام على وجه التحديد([17]).  

شهد العراق تحولاً جذرياً في نظامه الاداري، منذ سقوط النظام السابق في 9 نيسان 2003، إذ اصبحت المحافظات تتمتع بشخصية معنوية حقيقية، وتدار من هيئات (مجالس المحافظات) مستقلة عن الحكومة المركزية، إذ استوحى الدستور العراقي الدائم لعام 2005 مبدأ المركزية الادارية من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004، والامر الاداري (71) الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة لسنة 2004، إذ نصت المادة (1) من الدستور العراقي ((ان جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق))، فالدستور العراقي في المادة (116) نصت على ((يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة واقاليم ومحافظات لا مركزية وادارية محلية))، وكان قد نص الدستور على ذكر اختصاصات السلطة الاتحادية على سبيل الحصر في الباب الرابع وفي المواد (109 – 111) مع اختصاصات مشتركة في المواد (112 و 113 و 114) وترك باقي الاختصاصات التي لم ترد في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، الى الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم المادة (115)، وان المادة (122، الفقرة ثانياً) ذكرت ((تمنح المحافظات التي لم تنتظم في اقليم الصلاحيات الادارية والمالية الواسعة، بما يمكنها من ادارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الادارية، وينظم بذلك بقانون)) وعزز تلك الصلاحيات في الفقرة (خامساً) (لا يخضع مجلس المحافظة لسيطرة او اشراف اية وزارة او اية جهة غير مرتبطة بوزارة، وله مالية مستقلة)، وذلك يعني اعتراف المشرع بالسلطات المحلية (المحافظات) وشخصيتها المعنوية وذمتها المالية المستقلة([18]).

واكمل قانون مجالس المحافظات، عناصر اللامركزية الادارية في ما يتعلق بطريقة انتخاب المحافظ ومجلس المحافظة وذكر اختصاصاتهما فضلاً عن المجالس المحلية المتمثلة في الاقضية والنواحي، كما نص القانون على خضوع مجلس المحافظة والمجالس المحلية لرقابة مجلس النواب (الفقرة ثانياً المادة 2)، كما منح القانون مجلس النواب اقالة المحافظ بالأغلبية المطلقة بناء على اقتراح رئيس الوزراء لنفس الاسباب التي وردت في (المادة 7)، ((وهي عدم النزاهة او استغلال المنصب الوظيفي، والتسبب في هدر المال العام، وفقدان احد شروط العضوية، والاهمال او التقصير المتعمدان في اداء الواجب والمسؤولية))، ((وللمحافظ ان يعترض على قرار الاقالة، امام المحكمة الاتحادية العليا خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تبليغه بالقرار وعلى المحكمة ان تبت في الاعتراض خلال شهر من تاريخ تسجيله))([19]).

ويتمتع مجلس المحافظة بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة رغم ان المشرع لم يشر إلى ذلك في قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم، غير أن نص المادة (122) من الدستور يؤكد تمتعها بهذه الشخصية والاستقلال المالي والاداري، ومجلس المحافظة هو اعلى سلطة تشريعية ورقابية ضمن الحدود الادارية للمحافظة ولها حق اصدار التشريعات المحلية في حدود المحافظة بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الادارية بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية كما موضح في (أولاً من المادة 2 من قانون المحافظات) ثم اكد القانون في (ثالثاً من المادة 7) بإن اختصاصات مجلس المحافظة هو ((إصدار التشريعات المحلية والانظمة والتعليمات لتنظيم الشؤون الادارية والمالية بما يمكنها من ادارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الادارية وبما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية))، وله أيضاً اصدار جريدة تنشر فيها كافة القرارات والاوامر التي تصدر من المجلس كما موضح في (البند الثاني عشر من المادة 7)([20]).   

ويمارس مجلس المحافظة بالإضافة الى الوظيفة الإدارية، عدة وظائف والمتمثلة في:([21]).

  1. المراقبة والاشراف والمتابعة على اعمال رؤساء الوحدات الادارية وعلى كافة اجهزة الادارة العامة ومختلف القطاعات على مستوى المحافظة لضمان حسن تقديمها للخدمات، وله ايضاً استجواب المحافظ واقالته، واقالة رئيس المجلس او نائبه والرقابة على جميع انشطة الهيئات التنفيذية باستثناء المحاكم والوحدات العسكرية والكليات والمعاهد لضمان حسن اداء اعمالها عدا الدوائر ذات الاختصاص الاتحادي، واعفاء اصحاب المناصب العليا في المحافظة بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس بناء على طلب خمس عدد اعضاء المجلس او بناء على اقتراح من المحافظ ولمجلس الوزراء كذلك حق الاقالة باقتراح من الوزير.
  2. رسم السياسة العامة وهي من اهم الوظائف التي تمارسها مجالس المحافظات والتي تتمثل في التنسيق بين المجلس والوزارات للنهوض بالواقع الخدمي والتنموي للمحافظة.
  3. اداء الخدمات على جميع الاصعدة في المحافظة .

إن رقابة السلطة المركزية على مجالس المحافظات والمجالس المحلية في العراق بموجب قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم 21 لسنة 2008 المعدل هي أقرب للرقابة التي تمارس على الهيئات في النظام الانكليزي، مما يتيح لهذه المجالس قدراً كبيراً من الاستقلالية عن السلطة المركزية. ويتجلى ذلك من خلال استقلال هذه المجالس في قراراتها عن السلطة المركزية متى ما كانت في حدود الوحدة الادارية التي تمثلها وضمن الصلاحيات التي حددها القانون المذكور. ويتمثل هذا الاستقلال بما يلي:([22]).

  1. لا تملك السلطة المركزية اي صلاحية في المصادقة على قرارات السلطات المحلية، حيث انها تكون نافذة حال صدورها.
  2. لا تملك السلطة المركزية صلاحية الغاء القرارات الصادرة من هذه المجالس الا بحكم قضائي وعن طريق المحافظ في الحالات التي نص عليها القانون، وهي:
  • اذا كانت القرارات مخالفة للدستور والقوانين النافذة.
  • اذا لم تكن من اختصاصات المجلس.
  • اذا كانت مخالفة للخطة العامة للحكومة المركزية او الموازنة الاتحادية.
  1. ليس للسلطة المركزية ممارسة اختصاصات هذه المجالس بداعي عجز هذه المجالس عن اداء مهامها الموكلة اليها بموجب القانون وان حصل ذلك فأن القرارات الصادرة من السلطة الاتحادية في هذا الشأن تكون باطلة كونها مشوبة بعيب الاختصاص الموضوعي.

  

الخاتمة

ان اللامركزية الادارية في جوهرها ومراميها ما هي الا نوع من التطور الديمقراطي وثمرة من ثمراته، اذ يتولى القائمون على الشؤون المحلية مناصبهم وسلطاتهم عن طريق الانتخاب الحر المباشر من الشعب في محافظاتهم، وان الاخذ بنظام اللامركزية الادارية لا يخل بحال من الاحوال بوحدة الدولة البسيطة او الاتحادية، من حيث ان لها دستورها الواحد وسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية الموحدة، وجل النظام الاداري اللامركزي انه يقوم على توزيع الاختصاصات الادارية بين الجهاز المركزي للدولة والوحدات الادارية فيها وان تمنح هذه الوحدات سلطة البت والتقرير في ما يتعلق بالاختصاصات التي خولها اياها القانون، على ان تخضع لرقابة واشراف السلطة المركزية. 

وعلى الرغم من ذلك، يعاني النظام اللامركزي الاداري في العراق من عدة مشاكل أهمها:

  1. هناك فراغ تشريعي ناجم عن نظام هجين يتطلب تعديل الدستور، وتعديل قانون المحافظات، فهناك مواد دستورية تتسم بالتصارع كالمادة (115) من الدستور التي تتعارض مع المادة (122).
  2. خضوع الادارات الحكومية في المحافظات للنظام المركزي، اي لوزارات الحكومة الاتحادية مما يؤثر على صلاحيات السلطة المحلية ويثير الصعوبات العملية امام اداء الخدمات وخصوصاً في غياب التنسيق بين الجهتين وفي عدم خضوع المحافظ لأي تسلسل اداري في ظل المادة (122) من الدستور.
  3. تشابك الصلاحيات بين محافظة بغداد وامانة بغداد بالعاصمة واختصاص المحافظة ببقية محافظة بغداد.
  4. تجاوز مجالس المحافظات لصلاحياتها الرقابية الى ممارسة العمل الاداري الخاص بالمحافظ مما يثير تنازع الاختصاص خاصة في ضوء الصراعات السياسية بين الكتل السياسية التي تهيمن على المحافظ من جهة، وعلى مجلس المحافظة من جهة اخرى.
  5. تجاوز السلطات المحلية لاختصاصاتها اللامركزية الى اختصاصات فيدرالية وخاصة في مجال تشريع القوانين مما يربك العلاقة بين المحافظات والمركز.
  6. فقدان الرقابة الادارية للحكومة المركزية على السلطات المحلية الامر الذي يؤدي الى فشل النظام اللامركزي سواء بالتحول الى النظام المركزي او النظام الفيدرالي.

ويأتي البحث بعدة اقتراحات، اهمها:

  1. اعادة النظر في الهيكل التنظيمي والاداري والاقاليم والمناطق، واعادة النظر في الأسس القانونية لبناء الدولة كـ (التعديلات على القانون 21 لسنة 2008، وتوضيح التداخل أو الغموض في توضيح مفهوم اللامركزية الادارية في الدستور العراقي).
  2. ينبغي التأكيد على أهمية توفير الدعم السياسي للامركزية الادارية من خلال رؤية واضحة ووضع آليات هذه الرؤية في فترة زمنية محددة لتعزيز ثقة المواطن في اجراءات وخطط الحكومة.
  3. تعديل نصوص الدستور ذات الصلة باختصاصات السلطة الاتحادية وسلطات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم لتحديدها بوضوح لا يقبل اللبس والتأويل وخاصة فيما يتعلق بالمادة (122) من الدستور، وعدم وضوح المادة (123) أو الغاءها لعدم تفعيلها بإصدار قانون التفويض.
  4. اعادة تفويض وتخويل الصلاحيات من الاعلى الى الادنى او نقل صلاحيات الى المحافظات، وتقوية الهيئات الدنيا واعداد الكوادر والمهارات الادارية لكي تتمكن من الادارة وفق نظام لا مركزي.
  5. على السلطة الاتحادية ان لا تنظر الى مجالس المحافظات نظرة التشكيك في قدراتها ومنحها ما تستحق من صلاحيات واختصاصات دستورية وقانونية وادارية ومالية تمكنها من اداء مهامها وتخفف العبء عليها.
  6. على مجالس المحافظات ان لا تنظر الى العلاقة مع السلطة الاتحادية على انها قائمة على تحصيل المكاسب والمنافع والصلاحيات غير الضرورية من باب التنافس مع غيرها من مجالس المحافظات او الاقاليم، وبالتالي عليها ان لا ترفع سقف مطالبها اعلى مما هو منصوص عليه في الدستور والتشريعات ذات العلاقة.
  7. توفير الضمانات القانونية والمالية والحرص على تفعيل الضمانات الديمقراطية كمبدأ فصل السلطات، حقوق الانسان، التركيز على دور الاعلام الحر.
  8. تحقيق مؤشرات الحكم الرشيد كـ (الشفافية، تكافؤ الفرص، الحصول على الخدمات، الكفاءة).
  9. بناء القدرات كـ (اعادة تدريب الموظفين واعادة توزيعهم) لابد أن يبدأ به بالتوازي مع اللامركزية الادارية كـ (عملية اللامركزية الادارية يجب ان تكون جزءاً لا يتجزء من اصلاح الجهاز الاداري للدولة).

المصادر

  1. اصيل حامد ابراهيم، مفهوم اللامركزية ورؤية في كيفية تفعيلها في العراق، بحث مقدم في مؤتمر اللامركزية لوزارة الدولة لشؤون المحافظات، عن (دراسات حول اللامركزية)، للفترة 27 – 28 شباط 2012.
  2. انور جاسب الطريف، اللامركزية والاقاليم بين التشريع وامكانية التطبيق، بحث مقدم في مؤتمر اللامركزية لوزارة الدولة لشؤون المحافظات، عن (دراسات حول اللامركزية)، للفترة 27 – 28 شباط 2012.
  3. الدستور العراقي الدائم لعام 2005.
  4. سليمان محمد الطماوي، مبادئ القانون الاداري: دراسة مقارنة، ط2، دار الفكر العربي، مصر، 1966.
  5. طاهر محمد مايح الجنابي، اللامركزية في المجال النظري، بحث مقدم في مؤتمر اللامركزية لوزارة الدولة لشؤون المحافظات، عن ((دراسات حول اللامركزية))، للفترة 27 – 28 شباط 2012 .
  6. عبد الغني بسيوني عبد الله، القانون الاداري، المعارف، الاسكندرية، 2005.
  7. عبد الكريم علوان، النظم السياسية والقانون الدستوري، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2001.
  8. عبد الهادي بو طالب، النظم السياسية العالمية المعاصرة، دار الكتب للطباعة، ط1، الدار البيضاء، 1981.
  9. فوزت فرحان، القانون الاداري العام، بيروت، 2004 .
  10. قانون المحافظات الغير منتظمة في اقليم لعام 2008 .
  11. ماجد راغب الحلو، القانون الاداري، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2004.
  12. مازن ليلو راضي، القانون الاداري، ط3، مطبعة جامعة دهوك، 2010.
  13. ماهر صالح علاوي الجبوري، الوسيط في القانون الاداري، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بغداد، 2009.
  14. محمد جواد علي، النظام السياسي في الهند، معهد الدراسات الأسيوية والأفريقية، الجامعة المستنصرية، حلقة دراسية عن "النظم السياسية في العالم الثالث"، 8 آذار 1986.
  15. مصطفى ابو زيد، الوسيط في القانون الاداري، المكتبة القانونية، دار الجامعة، مصر  الجديد، ب. ت.
  16. منذر الشاوي، القانون الدستوري، ط2، ج1، العاتك لطباعة الكتاب، القاهرة، 2007.

 

 

([1]) سليمان محمد الطماوي، مبادئ القانون الاداري: دراسة مقارنة، ط2، دار الفكر العربي، مصر، 1966، ص86 .

([2]) د. مصطفى ابو زيد، الوسيط في القانون الاداري، المكتبة القانونية، دار الجامعة، مصر الجديد، ب. ت، ص102 .

([3]) د. مازن ليلو راضي، القانون الاداري، ط3، مطبعة جامعة دهوك، 2010، ص62 .

([4]) ماجد راغب الحلو، القانون الاداري، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2004، ص79 .

([5]) ينظر: د. فوزت فرحان، القانون الاداري العام، بيروت، 2004، ص ص60 – 61 . د. منذر الشاوي، القانون الدستوري،  ط2، ج1، العاتك لطباعة الكتاب، القاهرة، 2007، ص210 – ص211 . د. عبد الغني بسيوني عبد الله، القانون الاداري، المعارف، الاسكندرية، 2005، ص ص160 – 162 .

([6]) ينظر: د. ماهر صالح علاوي الجبوري، الوسيط في القانون الاداري، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بغداد، 2009،  ص856 . د.عبد الغني بسيوني عبد الله، مصدر سبق ذكره، ص ص151 – 152 . ود.مازن ليلو راضي، مصدر سبق ذكره، ص63 .

([7]) اصيل حامد ابراهيم، مفهوم اللامركزية ورؤية في كيفية تفعيلها في العراق، بحث مقدم في مؤتمر اللامركزية لوزارة الدولة  لشؤون المحافظات، عن ((دراسات حول اللامركزية))،     للفترة27 – 28 شباط 2012، ص ص331 – 332 .

([8]) نقلاً عن: طاهر محمد مايح الجنابي، اللامركزية في المجال النظري، بحث مقدم في مؤتمر اللامركزية لوزارة الدولة لشؤون المحافظات، عن ((دراسات حول اللامركزية))، للفترة 27 – 28 شباط 2012، ص ص57 .

([9]) نقلاً عن: المصدر نفسه، ص ص57 – 58 .

([10]) د.عبد الكريم علوان، النظم السياسية والقانون الدستوري، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2001،ص85.

([11]) المصدر نفسه .

([12]) د.عبد الكريم علوان، مصدر سبق ذكره، ص ص88 – 90 .

([13]) المصدر نفسه، ص ص91 – 93 .

([14]) محمد جواد علي، النظام السياسي في الهند، معهد الدراسات الأسيوية والأفريقية، الجامعة المستنصرية، حلقة دراسية عن"النظم السياسية في العالم الثالث"، 8 آذار 1986، ص28–30 .

([15]) المصدر نفسه، ص ص31 - 32 .

([16]) عبد الهادي بو طالب، النظم السياسية العالمية المعاصرة، دار الكتب للطباعة، ط1، الدار البيضاء، 1981، ص ص42 - 43 .

([17]) د. ماهر علاوي الجبوري، مصدر سبق ذكره، ص113 .

([18]) ينظر: الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

([19]) ينظر: الدستور العراقي الدائم لعام 2005.

([20]) ينظر المادة (7) من قانون المحافظات الغير منتظمة في اقليم لعام 2008 .

([21]) المصدر نفسه .

([22]) د. انور جاسب الطريف، اللامركزية والاقاليم بين التشريع وامكانية التطبيق، بحث مقدم في مؤتمر اللامركزية لوزارة الدولة لشؤون المحافظات، عن ((دراسات حول اللامركزية))، للفترة 27 – 28 شباط 2012، ص ص248 – 249 .