حرب أسقاط الهوية الوطنية

 

أ.م.د. حيدر فرحان حسين الصبيحاوي

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

المقدمة :

      يسعى الاحتلال والاستعمار دائماً في البحث عن مواطن الضعف عند الشعوب المحتلة، أو ايقاظ وتشجيع نقاط ضعف يمكن من خلالها تفتيت الوحدة الوطنية والسلم المجتمعي كي يحافظ على وجوده – غير الشرعي- لنهب خيرات وثروات البلد ومصادرة قرارها السياسي وفرض اجندتها على المجتمعات الأخرى من خلال صناعة تخندقات عديدة ذات مسحة قومية أو دينية أو مذهبية، مع خلق شعور مجتمعي بنبذ هويته الحضارية الجامعة.

لقد أدرك الغرب بأن الاحتلالات عن طريق الحروب والقوة العسكرية المسلحة – حتى وإن حققوا فيها بعض التفوق – لكنها لن تدوم طويلاً، إذ سرعان ما يصطف أبناء البلد للدفاع عن أرضهم وعرضهم ومالهم، وبالتالي تتحول المدن المحتلة الى مستنقع لا يعرف المحتل السبيل الى الخروج منه، ولعلنا لسنا ببعيدين عن الثورات والحروب والانتفاضات التي قادها الوطنيون العرب والمسلمين لطرد المحتل في القرن الماضي كثورة العشرين المجيدة التي انطلقت شرارتها من جنوب ووسط العراق ضد الاحتلال الإنكليزي، والثورة العربية الكبرى وثورة الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي والحرب الطويلة التي خاضها ثوار ليبيا بزعامة الشهيد عمر المختار ضد الاحتلال الإيطالي وغيرها كثير في باقي البلدان العربية.

        لذا أوجد الغرب مسألة تفتيت الأمة، الحل الأمثل في سبيل أدامة سيطرته وهيمنته عليه، على اعتبار بث التفرقة والتناحر القومي والديني وتدمير الحضارة اللواتي هم أسس المواطنة الصادقة التي من خلالها تجتمع فيها كلمة البلد باختلاف انتماءاتهم، إذ أن للمواطنة دور كبير في كيانية الفرد ووجوده، تجاوزاً لخصوصيته الفردية وولاءاته الضيقة كالقومية والعشائرية والطائفية، مثلما لها دور كبير في تماسك لحمة الدولة ووجودها الكياني الواحد([1]).

وبذلك فقد اخذ الصراع شكلاً جديداً منذ قرن ونيف من الزمن، فبات حرباً ثقافية تستهدف الأدمغة والمعتقدات، وهي الحرب الأكثر خطورة، وهذا ما يستدعي أن يتزود الإنسان بالزاد المناسب لرد هذه الهجمة، وفي ذلك يقول الإمام الخميني " رض": (أما في المجال الثقافي، فأنا أشعر بقلق شديد بكل ما للكلمة من معنى، لا بل وأحمل الكثير من الهواجس). فهذه الحرب التي تشن لا تكتفي بالسيطرة المادية سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، فهي تهدد الذات والهوية الحضارية والشخصية للإنسان([2])

        إن هذه الحرب تشترك بتنفيذها الصهيونية العالمية بكل اجنحتها "اليهودي والمسيحية الصهيونية – خصوصا في الولايات المتحدة وبريطانيا- والإسلام الصهيوني متمثلاً بالخط التكفيري الذي يشكل المنفذ المباشر لعملية تفتيت الشرق الأوسط خاصة الأمتين العربية والإسلامية"([3]), فالرغبة بتمزيق المجتمع العراقي (الهوية/ الثوابت المجتمعية)، تعد أولوية لقوى الاحتلال بشكل خاص ولمجمل الدول الغربية، وقد ساهمت تراكمات السنين والعقود السابقة، ففعلت فعلها في تعطيل عملية البناء المادي والمعنوي للأمة، وكرست بشكل أو بآخر الشعور لدى مختلف الجماعات الأثنية والطائفية بالشخصية المنفصلة، وأحيت ارتباط الأفراد بالولاءات الفرعية، مما جعل من المواطنة العراقية مفهوماً عائماً لا يخدم مقصداً مشتركاً لدى الجميع، ولا يعبر عن الذات العراقية، عندما بدت المواطنة الفعالة، فعل انقاذ لما أصاب تلك الذات من تذرر وتفتت. على أن المتابع لأوضاع العراق في ضل الاحتلال، يلاحظ صعوداً لمفهوم "عهر الهوية"([4])، فأخذت تتصارع وتتنازع فيها موضوعة الهوية الوطنية في ظل الاحتلال أطروحات ورؤى عدة، تغذت في مجملها من معين الاختلاف وليس (الخلاف) المتعدد الجوانب، في بعض منها كانت تراكمات النظم السياسية وأنماط الحكم طوال تاريخ العراق، بما فيه الدولة الحديثة([5]).

    بطبيعة الحال لم تستطع الدول الاستعمارية المحتلة من تحقيق أهدافها دون دعم تآمري من بعض دول الجوار العربي، فالسعودية سعت منذ نشأتها التي ترافقت مع الدعوة الوهابية بدعم وحماية المملكة المتحدة البريطانية، ثم حصلت على دعم الولايات المتحدة الأميركية حينما بدأت معالم القوة الأميركية تظهر عالمياً بعد الحرب العالمية الثانية والتي مهدت تلك العلاقة او التحالف الوهابي- الأميركي ان تكون الجزيرة العربية تحت السيطرة الأميركية مقابل الحماية المباشرة وضمن اتفاقات أمنية وسياسية واقتصادية، تمظهرت من خلال المواقف السعودية من القضايا العربية، وعلى الأخص القضية الفلسطينية التي لم يكن لها موقف حاسم منها سوى بعض الإعلام العابر الذي لم يكن صادراً عن نيات صادقة تجاه القضية([6]).

   فيما يتعلق بالدور السعودي في العراق، فقد اقتضت المصالح الأميركية بأن تقوم السعودية بدعم نظام صدام حسين في حربه على الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمدة ثماني سنوات (1980-1988)، ولكون السعودية لا تبني سياسات ذاتية وعلاقات مع الآخرين، الا ضمن توجيه أميركي واضح المهام والتوظيف، لذلك كان اندكاك الموقف السعودي باتجاه العراق بالمشروع الاميركي إذ دعمت الحرب الاميركية التي غزت العراق عام (2003)([7]).     

  في الوقت نفسه وجدت أميركا في قطر الدولة الفريدة في المنطقة العربية التي تخدم مصالحها، خاصة بعد الانقلاب الأبيض الذي قاده الشيخ حمد بن خليفة ضد والده في العام (1995)، واقتناعه بأن أميركا هي وحدها القادرة والمستعدة لتوفير أمنها بعد أن رأت هشاشة وضعف دول الخليج أبان دخول العراق للكويت عام (1990)([8])، من هنا فأن المعاهدة المعقودة بين اميركا وإمارة قطر بعد انقلاب الأبن على الأب رسمت الأدوار التنفيذية لهذه الإمارة([9]).

        ناهيك عن العزلة التي فرضتها الأنظمة العربية على النظام السياسي العراقي الجديد بعد الإطاحة بنظام صدام لأسباب طائفية واضحة بسبب تبوء الشيعة الى بعض المناصب القيادية في إدارة البلاد.

        إضافة لذلك فقد لعبت اسرائيل دورا مهما في التخطيط للاحتلال الامريكي- البريطاني في نيسان (2003), ولما بعد الاحتلال لإخراجه من معادلة الصراع العربي-الاسرائيلي, لتفتيته ولهذا فقد كانت من اكثر المستفيدين من العدوان على الشعب العراقي. وحاولت خلق الفتن الطائفية بين الشيعة والسنة والاكراد والتركمان, تنفيذاً لمخططاتها من تجزئة العراق منذ اكثر من نصف قرن, وخاصة ان العراق من الدول التي سعت الحركة الصهيونية واسرائيل الى اضعافها وتفتيتها بسبب وجود اقليات عرقية وقومية واثنية فيه, منذ بداية الصراع في المنطقة([10]).

ترافقت مع الرؤية الاسرائيلية صدور قرار الكونغرس الامريكي لتقسيم العراق - مشروع جوزيف بايدن- الى ثلاثة اقاليم لكل من السنة والشيعة والاكراد باعتبار ان الخيار الامثل ليس فقط للخروج الامريكي من الورطة العراقية، بل ايضا لحماية المصالح الاستراتيجية البعيدة المدى, وابرز عناوينها حماية اسرائيل وضمان وصول النفط الى الغرب. وسيعرض احد المحللين الاسرائيليين النتائج المتوقعة جراء هذا التفتيت الذي يعمل على اضعاف العراق, ومن ثم تزايد التمكين الاسرائيلي في المنطقة, فأن عملية العزل العرقي من جانب, وخلق تكتلات طائفية على اسس قومية من جانب اخر في العراق, سيخلق ظروفاً جيدة لأجواء قبول دولة يهودية كجزء لا يتجزأ في المنطقة التي تتحدث العربية([11]).   

لقد عمل الغرب الصهيوني لتنفيذ ما يهدف اليه من خلال ثلاث مؤثرات أو محاور:  

  1. تشجيع الصراعات القومية:

      من الأمور المسلم بها أن الله سبحانه وتعالى خلق بنو الإنسان من شجرة واحدة ومن أصل واحد وجعلهم شعوباً وقبائل في الكون ليبعثوا الحياة في ربوع المعمورة ، ولكي يعبدوا الله الواحد الأحد. ولذلك فالإنسان في المنظور الإسلامي يسموا بإنسانيته([12]).

        العراق بلد التنوع العرقي والديني والمذهبي والسياسي، ولم تكن هذه الظاهرة طارئة على العراق، بل هي قديمة قدم العراق، كل مكون من مكونات الشعب العراقي يمتلك تاريخه الفكري والسياسي والتراثي واللغوي، وهذا التنوع لأي مجتمع من المجتمعات البشرية دليل قوة وعافية ومنعة، لأن كل قومية عبارة عن ثقافة وعن تاريخ وعن خبرة، وبالتالي فإن وجود كل هذه الخبرات وكل هذه الثقافات مع بعضها يوفر فرصة ثمينة للتلاحم الفكري ويهيئ مجالاً عظيماً للتزود المتبادل بالفكر والتجربة والعطاء، ومن ثم خلق مجتمع خلاق([13]).

        لقد ساهمت الحكومات التسلطية القمعية والمحتلة على خلق صراعات قومية، فمنذ السيطرة الأموية والعباسية ثم الاحتلال العثماني للبلاد العربية والإسلامية، كان اختلال التوازن في العلاقة بين الدولة والمجتمع والذي يظهر جلياً من خلال عمل الدولة باتجاه مضاد للهويات المكونة للتركيبة المجتمعية، واحتكار النظام السياسي للعملية السياسية وإقصاء وتهميش المكونات المجتمعية التي تؤدي الى ضعف الروابط الجامعة بين مكونات المجتمع، وتغييب عناصر المواطنة، ويكون الشعب بلا رابط وطني يجمع مكوناته([14]).

        لقد تعاملت الحكومات العثمانية بعنصرية قومية ملفتة للنظر، كما حاول الإنكليز بث نعرة العصبية القومية بين الشعوب الإسلامية أولاً كأثارة النزاعات والخلافات الشديدة بين الدولتين التركية والفارسية وإذكاء نار الطائفية والعرقية بين الجانبين([15])، وتوسيع الصراع القومي في البلد الواحد أيضاً من خلال إيقاظ فتنة النعرات العرقية والقومية التي حاول المجتمع العراقي تجاوزها وذلك عن طريق عملائها للتفريق بينهم وتوهين قوتهم، ليتفرقوا بين عرب وإيرانيين وأتراك وأكراد وهنود، وقد ظهر ذلك في كتابات المس بيل عن العراق، وحذا حذوها بعض الكتًاب الآخرين من الانكليز([16]).

        طبعاً، لقد كان كل من عرب العشائر "المناطق الريفية والبدوية" وعرب المدن واعياً لكونه عربياً، وخصوصاً عندما كان يقف بمواجهة تركي أو فارسي، ولكن وعيهم العربي لم يكن مماثلاً لوعي القوميين العرب اللاحقين. وكونهم عرباً كان واقعاً طبيعياً بالنسبة لهم، وكان واقعاً يمكنهم أن يفخروا به، ولكنهم لم يشعروا أبداً كونهم مدفوعين الى عمل شيء بشأنه([17]), فعزز الإنكليز النعرات القومية من خلال تأسيس ودعم أحزاب ذات مسحة قومية كأحزاب عربية خالصة، وأحزاب كردية خالصة، وأحزاب تركمانية خالصة، بحيث لن يسمح لغير أبناء تلك المكونات بالانضمام الى حزب لمكون آخر. 

     لقد ورثت الولايات المتحدة الأساليب الفوضوية للملكة المتحدة في تفكيك المجتمعات المحتلة، إذ استثمرت الولايات المتحدة زمن العولمة الى فرض هيمنتها لخدمة مصالحها القومية, حيث تقتضي هذه الهيمنة اتباع سياسة تفتيت المجتمعات العربية من خلال التدخل وشن الحروب المباشرة او خلق اوضاع او ظروف لوقوع نزاعات داخلية, ومثلما تتآكل قدرة الهوية الوطنية بفعل تهديد الخارج للولايات المتحدة واسرائيل, فأن هذه القدرة تتآكل بفعل الهويات الفرعية او الهويات الأدنى, فقد تعمل احدى الهويات على فرض مكانتها وامتيازاتها على الجماعات او الهويات الاخرى, مستعينة في عصر العولمة بالقوى الخارجية([18]).

ويبدو ان إسرائيل وجدت في قضية الاكراد في شمال العراق النقطة الضعيفة التي من الممكن ان تدخل فيها لتنفيذ مخططاتها في تفتيت العراق, وذلك من خلال استغلال الحروب والفتن وافتعال الازمات وتقويض كل الاتفاقيات التي يتم التوصل إليها بين زعماء الحركات الكردية والحكومة المركزية في بغداد. وكان الهدف الرئيسي لإسرائيل هو اضعاف العراق وليس مساعدة الاكراد في اقامة دولتهم واقامة كيان ذاتي مستقل. ولا شك ان الاستراتيجية الاسرائيلية في العراق تهدف الى تغيير الخريطة السياسية لهذا البلد العربي وتفتيته بالتعاون مع الولايات المتحدة في المنطقة ولا يمكن فصل الاستراتيجية الاسرائيلية في العراق عن بقية الاستراتيجيات في مناطق مختلفة اخرى في الوطن العربي وعن الاستراتيجية الامريكية في العراق الهادفة الى اضعاف العراق وتجزئته([19]).

لقد سعت الولايات المتحدة الامريكية إلى تطبيق استراتيجيتها في العراق وعلى اساس ما اسمتها بالفوضى الخلاقة والتي تقوم على تفكيك الدولة ومؤسساتها وإعادة بنائها طبقاً للتصورات الامريكية، على إساس إعادة تشكيل الدولة بنيوياً ووظيفياً وفقا لنظرية الفوضى الخلاقة ودفع ابناء المجتمع والجماعات الموجودة البحث عن مرجعيات لضمان حقوقهم بعد ان عجزت الدولة عن تأمين حقوقهم الاساسية فلجأ الى الهويات الفرعية مما اضعف الهوية الوطنية وهذا ما اثر بدوره السلبي على الامن الاجتماعي, ولقد كانت اولى الرصاصات التي اطلقت من قبل الاحتلال الامريكي على الهوية الوطنية هو تثبيت الحاكم المدني بول برايمر (مبدأ المحاصصة السياسية القائمة على معطيات طائفية واخرى أثنية) والتي ستظل فواعلها قائمة وموسمة لنمط العمل السياسي والدولة العراقية الى مدى غير منظور([20]).

   سيما وأن سياسيو السلطة بكافة مذاهبهم ومشاربهم يروجون على واقع المظلومية والتهميش، ويدفعون باتجاه التقسيم سواء بتصريحاتهم التي تلهب الشارع أو من خلال سياساتهم الهدامة رغم أنهم جميعاً دون استثناء يبحثون عن منافع شخصية ولا يهمهم مصير بلد كامل، فالأكراد أصحاب الحظ الأوفر في اللعبة السياسية ما بعد حكومة صدام، رغم كل المكاسب السياسية والاقتصادية التي حصلوا عليها منذ 2003 وحتى الآن، ألا أن حلم سياسييهم بالحصول على دولة قومية مستقلة دفع باتجاه سلخ المواطن الكردي عن المواطن العربي والتركماني وجعل العلاقة فيما بينهم علاقة متشنجة وغير منسجمة في اغلب الأحيان، والسياسي السني الذي يطمح باستنساخ حكم صدام ويأمل بأن تأول الخلافة له بعد سقوط النظام السابق أخذ يدفع المواطن السني في احتقان طائفي حتى وصل العقل الجمعي السني إلى رفض المواطن الشيعي، وأخذ الترويج الإعلامي المضاد والماكنة الإعلامية الأميركية والإسرائيلية والعربية على تصوير الشيعة بأنهم (فرس مجوس) أحتلوا العراق، ويجب قتالهم وطردهم من البلاد وإعادة الحكم الى (العروبة السنية)، وأخذ هذا التصور مأخذه عند الأخوة السنة حتى وأن كان الشيعي يرتبط معه بأواصر علاقة اجتماعية وصلة قربى، ولا يختلف السياسي الشيعي عن زملائه السياسي الكردي والسني فهو الآخر أخذ ينفخ في الرماد ليتخذ من المظلومية التاريخية عنواناً للشيعة، واستبدلت المواطنة للعراق بالتخندق الطائفي والقومي كل ذلك من اجل البقاء على رأس السلطة لا أكثر([21]).

  1. إثارة الصراعات الدينية:

         إن الطائفة والمذهب المظلوم اقتصاديا، والمحروم من حقه الثقافي والفكري، والمذهب المحارب، كل هذه المقتربات تتحول الى عالة على الوطن وشوكة مضرة في جنت المجتمع الذي تنتمي اليه([22]).

         لقد أدرك قادة الصليبية وزعماؤها أن هناك محرضاً لدى الإنسان المسلم يتحرك عندما تتعرض أرضه لغزو فيدفع به الى الانتفاض والقتال حتى الشهادة لا سيما إذا ما توفرت له القيادة الكفؤة، وهذا المحرض بكل بساطة الدين الإسلامي نفسه، من هنا وجه هؤلاء الأعداء جهدهم الى ذاك المحرض بهدف القضاء عليه، ولما كانت التجربة أثبتت أن هذا القضاء لا يمكن أن يتم بالقوة العسكرية من الخارج، صبوا محاولاتهم على الداخل([23])، سيما وأن الإنكليز تفاجئوا، ومع كل ما قام به العثمانيين في أرض الإسلام، لا سيما شيعة العراق من اضطهاد وقتل وتشريد، إلا أن العراقيين متمثلة بالمراجع الدينية في النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية وسامراء المقدسات كان لهم موقف مشرف بالدفاع عن الإسلام عندما دخلت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى إذ وقف العراقيين المضطهدين وتلبية لفتاوى المراجع العظام في حينها الى جانب العثمانيين ومقاتلة البريطانيين على اعتبار أن العثمانيين يمثلون الإسلام – رغم مساوئهم وطائفيتهم وعنصريتهم المقيتة –([24])، إذ أن العثمانيين كانوا امتداداً طبيعياً للسياسة الطائفية التي سنها الأمويين وسار عليها العباسيين حرفياً ثم استكملت حلقاتها عند الأتراك العثمانيين، فقد كان الشيعة يتعرضون للاضطهاد والتهميش والقتل من قبل الولاة العثمانيين على اختلاف سنوات حكمهم([25])، وعاش المسلمين في فترة الاحتلال العثماني قوة فصل أكثر منه قوة دمج، إذ أن السياسة العثمانية قادت الى حدوث انشقاقاً حاداً بين الشيعة والسنة([26])، فكان من غير المتوقع أن تقف الشيعة بمرجعياتها الى جانب العثمانيين الذين صادروا حقوق الشيعة المادية والمعنوية؟.

     هذه النتيجة المتناقضة – من وجهة نظر الإنكليز- جعلتهم يتحركون باتجاه تعزيز بث التفرقة الدينية والطائفية. فكان من أبرز الأهداف التي عمل عليها الاحتلال الإنكليزي هو زرع الفرق الدينية المزيفة في جسم بلاد الإسلام وصناعة فرق إسلامية منحرفة في كل من المذهبين الرئيسيين الشيعي والسني، وإعادة الخلافات الطائفية الدموية، والدس في كتبها حتى يرى كل فئة منهم أنهم المسلمون فقط، وأن ما عداهم كفار يجب قتلهم وإبادتهم([27]).   

     أنماط التفرقة لم تتوقف بخلق الفتن الطائفية بين المذاهب الإسلامية فحسب، بل أن الخطة تقتضي خلق الفتن بين باقي اديان المجتمع الواحد كاليهودية والمسيحية والإسلام وزرع التخندقات فيما بينهم وجعل التنافر المجتمعي – الديني هو السائد كي لا يتمكن المجتمع من لملمة هويته الوطنية بعيداً عن الهوية الدينية الفرعية، مع الاحتفاظ ضمناً بكل تأكيد على معتقداته الدينية تحت عنوان الثوابت الوطنية، ولكون اللحمة الوطنية كانت – رغم السياسات العثمانية العنصرية- واضحة في المعاملات المجتمعية مع اختلاف العقائد الدينية، إذ شغل العراقيين المسيحيين نسبة (1،3%)، واليهود العراقيين ما نسبته (%2،6) من مجمل سكان الشعب العراقي حسب أحصاء العراق لعام (1947)([28])، وهذه النسب لغير المسلمين مؤشر إيجابي للتعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي، وكان ليهود العراق الذي مضى على تسفيرهم مكرهين ستة عقود، حضورهم وانتجوا مع الطيف العراقي ثقافة وطنية([29])، وشغل الكثير منهم مناصب متقدمة في الحكومة العراقية في العهد الملكي منهم حسقيل ساسون وزير المالية، فضلاً عن الأدباء والمفكرين والتجار الذين تعايشوا مع باقي أطياف الشعب العراقي بمودة يدفعهم بذلك انتمائهم الوطني، ومنهم الأستاذ مير بصري الذي عمل في وزارة الخارجية العراقية منذ عام (1928) حتى وصل الى منصب مدير عام، فضلا عن مناصب عالية أخرى، وفي شهادة للتاريخ يقول الأستاذ ميري ( أنني سعيد أن أقول انني نشأت في بيئة عراقية حرة ناهضة، لا تفريق فيها بين المذاهب والأديان المختلفة ولذلك كان اصدقائي من جميع الطوائف والمذاهب والأديان، ومن الذين ربطتني بهم صداقة وثيقة احمد حامد الصراف والمرحوم جعفر الخليلي والصحفي محمود صبحي الدفتري والدكتور جودت القزويني والشاعر الكبير الجواهري....، فلم نكن نعرف أن هذا كردي وهذا عربي وهذا سني أو شيعي وهذا يهودي او مسيحي وهذا مسلم، وكنا دائما اخوانا على سنن مختلفة)([30])، والحال ذاته ينطبق على الأخوة من الديانة المسيحية والذين لازال بعضاً منهم يشغل مناصب في مجلس النواب والحكومة والقضاء، وكان كل من اليهود والمسيحيين يعيشوا في مناطق ذات أغلبية إسلامية خاصة داخل المدن مما يفسر إن الاستقرار المجتمعي يمثل حالة ايجابية، الأمر الذي استدعى قيام الاحتلال الانكليزي ومن ثم الاحتلال الأميركي بإعادة خططهم وزرع الفتنة بين أديان المجتمع الواحد، فبدأ الإنكليز بحملة تسفيرات كبرى لليهود لتفريغ البلد من أبناء الأقلية اليهودية وإقامة دولة لقيطة على أساس ديني متطرف في قلب المنطقة العربية هدفها تفتيت الإسلام، وأكمل المشوار بالنسبة للأخوة المسيحيين بعد عام 2003 وما رافقه من إرهاب وقتل وتهجير خاصة منذ ظهور التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش المصنوعة بأفكار أمريكية – إسرائيلية وبأموال خليجية لا سيما السعودية والأمارات وقطر، مما دفع الى هجرة الكثير من الأخوة المسيحيين بوسائل الترغيب والترهيب، فلم يعد خافياً أن موقف الغرب يميل الى استثمار ما يتعرض له المسيحيون في المنطقة عبر محاولاته "للتدخل" وإملاء الشروط والحصول على مواقع النفوذ، وقد سبق له ان تدخل لأعتبارات ومبررات ومصالح مختلفة، ولا سيما بعد ضعف الدولة العثمانية التي سميت "الرجل المريض"([31])، وشهد العراق موجات هجرة للمسيحيين العراقيين خلال الحرب العراقية – الإيرانية، لكن سنوات ما بعد الاحتلال الامريكي كانت هي الأقسى إذ أدت الى تهجير نصف المسيحيين تقريباً، لا سيما بعد استهدافهم من قبل العصابات الإرهابية([32]), والرسالة الواضحة من استهداف المسيحيين في دول المشرق بشكل عام والعراق بشكل خاص هو لتمزيق النسيج الاجتماعي وتغييب الهوية الوطنية.           

  1. تغييب الهوية الحضارية:

     لعل من المفيد أن نبين هنا العلاقة الجدلية بين الكنوز الحضارية التي تحتفظ بها البلدان، وبين مفهوم المواطنة وعلاقتها بحرب أسقاط الهوية، فقد ربط المفكرين الإغريق مفهوم المواطنة بتفاعل المواطن مع التاريخ والتراث والواقع الاجتماعي والديني، لتنصهر في بوتقة الشعور بالانتماء الفاعل، ككينونة خالدة – حسب تعبير "بار- ميندس" المفكر الاغريقي-([33]), ولا يختلف مفهوم المواطنة في الفكر الإسلامي عن التفسيرات الأخرى من حيث المعنى الإجمالي فهو الآخر أعتبر المواطنة، وعلاقة الفرد بالوطن، لا تأتي من مجرد وجود الفرد في بقعة جغرافية من الأرض "الوطن"، وإنما تحتاج الى عوامل أخرى لكي تخلق حالة من الانشداد النفسي والعقلي تجاه الوطن، وقد حدد المعنيين الامتداد التاريخي أحد أبرز شروط المواطنة، لذلك فالامتداد التاريخي لوجود الفرد في الوطن عبر أجيال سابقة بحيث خلقت حالة من الارتباط بين الفرد والوطن، وهي ناجمة من التواصل الحضاري والثقافي، ويمثل حالة من الضبط في سلوك الفرد تجاه الوطن ويقدم له الدافع النفسي لمفهوم الولاء والنصرة الذي يختزن المبدأ المعنوي للفرد تجاه وطنه([34]), وقد أجاد أبن خلدون في اعطاء أهمية معرفة تراث وتاريخ الماضين بقوله (اعلم أن فن التاريخ فن غزير المذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياساتهم)([35]).

      أذن الآثار بكل حيثياتها تمثل ذاكرة الأجيال والتواصل بين الماضي السحيق والحاضر والمستقبل،  ومن خلال بقايا الإنسان نستمد عبق التاريخ ونفتخر به ونشد العزيمة لتنهض الأمم من جديد كونه يعني بالدراسة العلمية لبقايا الحضارات القديمة ويحاول تجميع قصة الإنسان بعضها إلى بعض، ومعرفة كل ما يمكن معرفته عن حياة أقدم الناس وعن منازلهم ومبانيهم وأدواتهم وأسلحتهم وديانتهم وحكوماتهم ولغاتهم، فالإنسان بأي صيغة من الصيغ وبأي طريقة اتبعناها في التفكير محكوم لماضيه، فالحالة الحاضرة للإنسان هي صنيعة سلسلة الأحداث الماضية، وعلى نطاق الجماعات هناك " الأمة " أو " الشعب " التي يحدد موقفها من ماضيها منهجها السياسي والاجتماعي وطريقة رسمها لمستقبلها، وباختصار فإن الموقف من الماضي أو التاريخ – سواء على نطاق الفرد أو الجماعة – يبني لنا " الهوية العقائدية " لذلك الفرد أو تلك الجماعة([36]).

     ولا ننسى أن التوظيف العملي والعلمي لتراث الأمم يعطي دفعة قوية للنهوض من الكبوات، ودافع للأجيال لمواصلة التقدم الحضاري الذي أسسه وبناه أسلافه ولعلنا هنا نستشهد بتجربة عصر النهضة الأوربية في القرن التاسع عشر الميلادي التي اعتمدت في نهضتها على عاملين اساسيين، الأول: تحفيز الذات بالعودة الى حضاراتهم الرومانية والإغريقية، والثاني: شحذ الهمم واعتماد الابتكارات الصناعية الحديثة التي جعلت منهم أمم متحضرة ومتطورة، وهنا لعب المحفز الحضاري والتاريخي دوراً كبيراً في إعطاء القوة المطلوبة وتحقيق نجاح واضح فيها، ولم يجعل من حضارته متكأ للمفاخرة دون التواصل معها([37]).

    طبقاً لوجهات النظر الفلسفية للتاريخ والحضارة فإن الفرد العراقي مالك للحضارة، وهذا الملك يجعله قادراً على النهوض بحضارة أخرى جديدة حتى لو عاش مرحلة زمنية في سبات وعزلة عن مقومات الحضارة الآنية، فأن له القدرة في النهوض من جديد ليبني حضارة جديدة مستمدة مما ورثه من تاريخ طويل وذاكرة حضارية عميقة([38]).

     من هنا جاء الدور على تغييب الهوية الحضارية لخلق مجتمع فوضوي لا يستند على قيم ومفاهيم حضارية ولا يحترم تاريخه، واخذت حرب تغييب الهوية الحضارية مراحل عدة وبأشكال وآليات مختلفة، بدأت إعلامياً، إذ عملت المحركات الإعلامية الغربية بالترويج على تحريم الإسلام للبحث والتحري عن الأمم القديمة.

     ففي الوقت الذي أدرك الغرب وخاصة الحركات الرومنطيقية اهمية البحث والتحري عن تراث الأمم القديمة والحفاظ عليها واستثمارها عقائدياً وسياسياً وعلمياً واجتماعياً واقتصادياً، سوقًت ذات الدوائر والمنظمات الغربية اليهودية والحركات الرومنطيقية فكرة " تحريم التنقيب" بدعوى أن الشرع الإسلامي يحرم البحث والتحري والحفاظ على تراث الأمم القديمة بهدف منع أو إبعاد – على أقل تقدير- العلماء والمثقفين والأكاديميين العرب والمسلمين عن البحث والاستفادة من موروثهم الحضاري المتنوع والشامل لكافة نواحي الحياة من خلال الترويج لبعض التوجهات المنحرفة المتلبسة باللباس الديني التي جاءت بها العصابات التكفيرية – تحت عناوين إسلامية – إذ أطلقت فكرة " وثنية الآثار" مروجين أن الآثار هي أماكن وثنية ويحرم البحث والتحري عنها ويجب تدميرها وأزالتها، وأخذ هذا الموضوع ينتشر بشكل كبير وسريع منذ ظهور الوهابية على مسرح الأحداث السياسية – الدينية وهو الحزب الذي أسسه المستر همفر الجاسوس البريطاني في الشرق الأوسط بحدود سنة (1722م)، وأنتشر بعد سنة (1729م)([39]), – أي أنه ظهر متزامناً مع ظهور الحركات الرومنطيقية - كان لهذا الحزب التكفيري أهداف محددة وضعت من قبل وزارة الخارجية البريطانية لكي ينفذها محمد بن عبد الوهاب تضمنت ست نقاط تسمى اليوم الخطة السداسية، وما يهمنا من تلك النقاط الست ما ورد في شأن تدمير الإرث الحضاري للأمة الإسلامية ومنها (هدم الكعبة باسم أنها آثار وثنية أن أمكن) و (هدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التي يمكنه ذلك                  فيها )([40]).

    مع المضي بالخطوة الأولى وهو الترويج لوثنية الآثار كي تدفع بأصحاب الحضارة أنفسهم – من بسطاء الشعب فكرياً وعلمياً- ليكونوا معاول هدامة لحضارتهم، بدل أن يكونوا حراس مدافعين عن ذلك الإرث العظيم، ولكي تعطي الخطوة الأولى ثمارها نحو تدمير الحضارة أخذت الدوائر الإعلامية والثقافية الغربية الى الترويج بعدم امتلاك العرب الى حضارة، وحتى ما عثر عليه في بلدانهم فهي حضارة أقوام غير عربية عاشت في المنطقة وبالتالي يكون العرب " مقتبسين ومستهلكين للحضارة " وليسوا " منتجين لحضارة ". 

     هنا لابد من القول، أنه في عصر الاحتلالات العسكرية المباشرة، لكل الشرق الأوسط وشمال افريقيا كانت الدعوات العنصرية تجهر باستلاب التراث، وتسهب في الافتراء على – العقلية المحدودة- متناولة مختلف المعطيات الحضارية، نازعة عنها – عن الشعوب المقهورة- هوية السواء البشري، وبالتالي خرجت البزات العسكرية، لتبقى جيوش – المخابراتية والمعلوماتية- كاستعمار رديف ومتسلسل، فإلى ماذا يوحي ربط – تراث العمارة الإسلامية- بالعمارة البيزنطية تارة والرومانية تارة أخرى، ولماذا محاولة الإقناع الفج بحصر الإبداع الغربي، كمصدر للإبداع الإسلامي مثلاً، فالذي لم يستلهمه المسلمون، استولوا عليه جاهزاً، وهكذا فتراثهم مستورد؟ ولكن المعادلة التي تفرض نفسها هنا هو قبل أن يصبح الشعب – الشرق أوسطي – مسلماً كان أسمه عربياً – أو بعض أو أكثرية – وعندما كان عربياً ألم يكن صاحب فنون أو وارث فنون([41]).   

  عمليات تهديم وتدمير الآثار بدأت مع امتداد الأيادي الوهابية الآثمة من تدمير الكثير من تراث الأمة الإسلامي وفي مقدمتها تهديم قبور البقيع بهدف تضييع تراث الإسلام. ومن بين أبرز ما قام به الحزب الوهابي الصهيوني هو حرق المكتبة العربية التاريخية – العلمية في المدينة المنورة، والتي تعد من أثمن المكتبات في العالم قيمة تاريخية حيث ضمت اكثر من ستون ألف من الكتب النادرة الجامعة لمختلف المناهل العلمية والتاريخية، وفيها أربعون ألف مخطوطة نادرة الوجود من بينها معاهدات بين طواغيت قريش واليهود، تكشف الغدر اليهودي وعدم ارتباط اليهود بالدين والوطن من قديم الزمان، وفيها وثائق تعطي فكرة ممتازة عن الحضارات العربية القديمة([42]). تبعها مرحلة الاحتلالات العسكرية المباشرة من بريطانيين الذين هدموا ما هدموا من تراث الأمة، وصولاً الى الاحتلال الامريكي وما عاث به من تدمير للبنى التحتية للبلاد بما فيها تدمير الآثار واتخاذ المدن الآثارية مواقع عسكرية لقواته المحتلة وما يسبب ذلك من تأثير سلبي عليها.

  أكمل مسلسل تدمير الهوية الحضارية عصابات داعش الوهابية الاجرامية المتخلفة وما قام به من حرق وتهديم لمراقد الأنبياء كالنبي شيت ويونس، وحرق الكنائس والمساجد وتهديم قبور بعض المؤرخين، وتحطيم رمزية بعض الآثار كالثور المجنح وتماثيل لملوك وامراء الحضر.

     قضية حرب الهوية الحضارية لم تتوقف عند تدمير الآثار، وإنما رافقها سرقة ونقل آثار بلادنا الى خارج حدودها الطبيعية وقدر تعلق الأمر بالحديث عن سرقة وتدمير الآثار العراقية فأن التاريخ يتحدث لنا عن العشرات من الأمثلة في سرقة تراث البلد وتاريخه في وضح النهار ، ولعل أولى المحاولات المعروفة للبحث عن آثار بلاد وادي الرافدين بدأت في زيارة السائح اليهودي " بنيامين الطليطلي " في عام (1160) ميلادية([43]).

   كذلك بادر الإنكليز إلى تنصيب مقيم بريطاني في بغداد عام (1798) وكان القصد من وراء هذه الخطوة محاولة استمالة الأتراك وتحسين العلاقات معهم ونتيجة لهذا الأجراء قامت إنكلترا في إرسال الرحالة المعروف " ريج " ليبحث عن المزيد من الآثار في الشرق وكان المتحف البريطاني قد اشترى كل نتائج مقتنيات " ريج "([44]).

     ولسنا ببعيدين زمنياً من قيام الاحتلال الأمريكي باستباحة المتحف العراقي وفتح أبوابه للتدمير وسرقة مقتنياته والتي الى الآن لم يعلن عن الرقم الفعلي لعدد التحف الآثارية المسروقة من المتحف العراقي والتي نتوقع بأنها أعداد تفوق التوقعات، لم يكن المتحف الوطني العراقي في بغداد هو المتحف الوحيد الذي تعرض للسرقة والتخريب من قبل الاحتلال الأمريكي، بل تعرض عدد من متاحف العراق التي يبلغ عددها العشرون متحفاً للنهب والتخريب([45]), إما باقي فصول الكارثة فقد استكملت في صفحة داعش الإرهابي الذي استباح كل شيء.

     لعلنا نعزو أسباب ودوافع تدمير الإرث الحضاري العراقي وسرقته إلى جملة من الأسباب يرتبط بها العقدة التاريخية والكراهية للذاكرة العراقية العريقة ومحاولة محوها وفصل الماضي عن الحاضر والمستقبل وتحريف التاريخ، فكان لابد من محو الذاكرة الحضارية العراقية والتي هي (أخطر من أسلحة الدمار الشامل) على حد قول الإسرائيليين و (لا يمكن التخلص من الإرهاب الشرقي الا بتدمير شامل للتاريخ احرموا سكان هذا الجزء من العالم تاريخهم الحضاري المتراكم، وحرروهم من تراثهم واتركوهم بلا ثياب داخلية)؟ هذه هي وجهة نظرهم من حضارة بلاد الرافدين "محو الذاكرة " لقطع تواصل الأجيال، والقضاء على الجيل الحالي، وخلق جيل آخر لا ينتمي إلى تاريخه وحضارته التي ستصبح أسطورة بعد زمن قليل ما دام الدليل المادي قد فقد بسبب تدمير أو سرقة. هذه هي المعركة التي جاء من اجلها الغزاة البريطانيين والأمريكان ومدللتهما إسرائيل بأيادي وهابية – داعشية هي معركة محو العراق لاقتلاع عراق وزرع آخر كما يقول ذلك " مايكل أوترمان ".

المصادر

  1. إبراهيم، رشيد سعدي، "الحاكم والتنوع الاجتماعي"، اتجاهات المستقبل العراقي وضرورات الرشد السياسي، إصدار المركز الوطني للدراسات المستقبلية، ط1، النجف الأشرف، 2006.
  2. الأسدي، حسن، ثورة النجف على الإنكليز أو الشرارة الأولى لثورة العشرين، بغداد، 1975.
  3. إسماعيل، خالد، "الدور القطري في المنطقة العربية –سورية انموذجا-"، أبحاث استراتيجية، تصدر عن مركز بلادي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، بغداد، 2013، ع6.
  4. باقر، طه، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ط1، بغداد، 1973، ج1.
  5. بطاطو، حنا، العراق "الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية في العهد العثماني حتى قيام الجمهورية"، الكتاب الأول، ترجمة: عفيف الرزاز، ط1، طهران، 2005.
  6. جاسم، خيري عبد الرزاق، "الاندماج وبناء الدولة في العراق"، مجلة حمورابي، بيروت، 2017، ع21و22.
  7. الحجازي، محمد أديب، الوهابية حزب لا مذهب، ط1، البحرين، 2008.
  8. الحريري، جاسم يونس, المخططات الاسرائيلية لتفتيت المنطقة العربية " دراسة حالة العراق 1948-2013", بغداد, 2014.
  9. الحكيم، حسن عيسى، المفصل في تاريخ النجف الأشرف، ط1، قم، 1427هــ ، ج1.
  10. الخزعلي، هيثم مزعل، " الاستراتيجية الصهيونية للشرق الأوسط"، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ط1، بغداد، 2017.
  11. أبن خلدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي، مقدمة أبن خلدون، ط1، بيروت، 1987.
  12. شعبان، عبد الحسين، أغصان الكرمة المسيحيون العرب، بيروت، 2015.
  13. الشمري، شعبان، نظرية التفكيك للنص الديني عند العقل التكفيري" دراسة معاصرة تكشف عن توظيف النص وإخضاعه لقراءة منهجية انتقائية إقصائية اصطفائية "، ط1، بيروت، 2014.
  14. شيال، عزيز جبر, "عوامل التفتيت واللا مواطنة "، المواطنة والهوية العراقية احتلال ومسارات التحكم, مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية, بيروت, 2011.
  15. صالح، محسن، "الثورات العربية: السياق والتحديات: تدخل الدول الاقليمية برعاية ومتابعة أميركية- السعودية وقطر أنموذجاً-"، مجلة حمورابي، بيروت، 2012، ع2.
  16. الصبيحاوي، حيدر فرحان، حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي، بغداد، 2008.
  17. الصبيحاوي، حيدر فرحان حسين، خفايا السرقة الكبرى، بغداد، 2012.
  18. الصبيحاوي، حيدر فرحان، "توظيف البعد الحضاري والثقافي للشخصية الإيرانية وانعكاسه في الاتفاق النووي"، مجلة حمورابي، بيروت، 2015، ع15و16.
  19. الصبيحاوي، حيدر فرحان حسين، "تنظيم داعش هتك التاريخ والحواضر العراقية"، داعش ايكولوجيا التمدد وشم الدين بالدم، إصدارات مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ط2، بيروت، 2016.
  20. الصبيحاوي، حيدر فرحان حسين، العراق بين التقسيم والدولة الفيدرالية رؤيا مستقبلية، موقع الحوار المتمدن الإلكتروني، ع 5070، في 9/2/2016.
  21. الصبيحاوي، حيدر فرحان حسين، السيف والفتوى "دراسة توثيقية لجرائم الإبادة الجماعية في العراق من الحكم الأموي حتى الاحتلال العثماني"، بغداد، 2018.

22.العمار، منعم صاحي، "التغيير السياسي ومستدعيات ترسيخ قيم المواطنة"، المواطنة والهوية العراقية عصف احتلال ومسارات تحكم، المؤتمر الثالث لمركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بيروت، 2011. 

  1. القيسي والكناني، محمد فهد وعبد الرحيم جليل، دراسات في فلسفة التاريخ، ط1، دمشق، 2014.
  2. لطيف، مازن، يهود عراقيون " أدباء تجري في عروقهم مياه الرافدين"، ط1، بغداد، 2017.
  3. لومبير، أيلي، تطور العمارة الإسلامية في إسبانيا والبرتغال وشمال افريقيا، ترجمة: جليان عطا الله، بيروت، 1985.
  4. ليله, علي، الامن القومي العربي في عصر العولمة: اختراق الثقافة وتبديد الهوية, مكتبة الانجلو المصرية, القاهرة, 2012.
  5. محسن، جواد كاظم، " المواطنة: الحقوق والواجبات من منظور إسلامي"، المواطنة والهوية العراقية عصف احتلال ومسارات تحكم، بحث منشور في المؤتمر الثالث لمركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ط1، بيروت، 2011.
  6. المعموري، عبد علي كاظم، "إشكالية المواطنة والهوية الوطنية العراقية – إرث الماضي وعصف الاحتلال-" ، المواطنة والهوية العراقية عصف احتلال ومسارات تحكم، بحث منشور في المؤتمر الثالث لمركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ط1، بيروت، 2011.
  7. مجموعة باحثين، بصمات الفوضى "أرث الاحتلال الأمريكي في العراق"، ط1، إصدار مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بيروت، 2013، ص111.
  8. مجموعة باحثين، " الاحتلال وعصف الهوية الوطنية للعراق"، أعمال المؤتمر الثالث الذي عقده المركز في شهر آيار، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد، 2011، ص 10.
  9. نائيني، علي محمد، معرفة الحرب الناعمة من وجهة نظر قائد الثورة الإسلامية.

32.نوفل، احمد سعيد, دور اسرائيل في تفتيت الوطن العربي, مركز زيتونة للدراسات والاستشارات, بيروت, 2010.

33.وزارة الشؤون الاجتماعية العراقية، أحصاء العراق لسنة 1947، بغداد، 1954.

  1. ......، مذكرات مستر همفر الجاسوس البريطاني في البلاد العربية" سيطرة الإنكليز ودعمهم لمحمد بن عبد الوهاب"، ط1، بيروت، 2014.

 

 

 

([1]) العمار، منعم صاحي، "التغيير السياسي ومستدعيات ترسيخ قيم المواطنة"، المواطنة والهوية العراقية عصف احتلال  ومسارات تحكم، المؤتمر الثالث لمركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بيروت، 2011، ص30. 

([2]) نائيني، علي محمد، معرفة الحرب الناعمة من وجهة نظر قائد الثورة الإسلامية، ص3.

([3]) الخزعلي، هيثم مزعل، " الاستراتيجية الصهيونية للشرق الأوسط"، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ط1،  بغداد، 2017، ص5.

([4]) مجموعة باحثين، بصمات الفوضى "أرث الاحتلال الأمريكي في العراق"، ط1، إصدار مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بيروت، 2013، ص111.

([5]) مجموعة باحثين،" الاحتلال وعصف الهوية الوطنية للعراق"، أعمال المؤتمر الثالث الذي عقده المركز في شهر آيار، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد،2011، ص 10.

([6]) صالح، محسن، "الثورات العربية: السياق والتحديات: تدخل الدول الاقليمية برعاية ومتابعة أميركية- السعودية وقطر أنموذجاً-"، مجلة حمورابي، بيروت، 2012، ع2، ص124.

([7]) صالح، الثورات العربية، ص125.

([8]) إسماعيل، خالد، "الدور القطري في المنطقة العربية –سورية انموذجا-"، أبحاث استراتيجية، تصدر عن مركز بلادي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، بغداد، 2013، ع6، ص225.

([9]) صالح، الثورات العربية، ص123.

([10]) نوفل، احمد سعيد, دور اسرائيل في تفتيت الوطن العربي, مركز زيتونة للدراسات والاستشارات, بيروت, 2010, ص67.

([11]) الحريري، جاسم يونس, المخططات الاسرائيلية لتفتيت المنطقة العربية"دراسة حالة العراق 1948-2013",بغداد,2014, ص177.

([12]) الصبيحاوي، حيدر فرحان، حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي، بغداد، 2008، ص 44.

([13]) إبراهيم، رشيد سعدي، "الحاكم والتنوع الاجتماعي"، اتجاهات المستقبل العراقي وضرورات الرشد السياسي، إصدار المركز الوطني للدراسات المستقبلية، ط1، النجف الأشرف، 2006، ص93.

([14]) جاسم، خيري عبد الرزاق، "الاندماج وبناء الدولة في العراق"، مجلة حمورابي، بيروت، 2017، ع21و22، ص30.

([15]) ......، مذكرات مستر همفر الجاسوس البريطاني في البلاد العربية" سيطرة الإنكليز ودعمهم لمحمد بن عبد الوهاب"،  ط1، بيروت، 2014، ص116.

([16]) الأسدي، ثورة النجف، ص116.

([17]) بطاطو، حنا، العراق "الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية في العهد العثماني حتى قيام الجمهورية"، الكتاب الأول،  ترجمة: عفيف الرزاز، ط1، طهران، 2005.

([18]) ليله, علي، الامن القومي العربي في عصر العولمة: اختراق الثقافة وتبديد الهوية, مكتبة الانجلو المصرية, القاهرة, 2012، ص107.

([19]) نوفل، دور إسرائيل، ص76.

([20]) شيال، عزيز جبر, "عوامل التفتيت واللا مواطنة "، المواطنة والهوية العراقية احتلال ومسارات التحكم, مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية, بيروت, 2011, ص87.

([21]) الصبيحاوي، حيدر فرحان حسين، العراق بين التقسيم والدولة الفيدرالية رؤيا مستقبلية، موقع الحوار المتمدن الإلكتروني،  ع 5070، في 9/2/2016، ص2.

([22]) إبراهيم، الحاكم والتنوع الاجتماعي، ص95.

([23]) مذكرات مستر همفر، ص10. 

([24]) الصبيحاوي، حيدر فرحان حسين، السيف والفتوى "دراسة توثيقية لجرائم الإبادة الجماعية في العراق من الحكم الأموي  حتى الاحتلال العثماني"، بغداد، 2018، ص139.

([25]) الحكيم، حسن عيسى، المفصل في تاريخ النجف الأشرف، ط1، قم، 1427هــ ، ج1، ص349.

([26]) بطاطو، العراق، ج1، ص36.

([27]) مذكرات مستر همفر، ص117.

([28]) وزارة الشؤون الاجتماعية العراقية، أحصاء العراق لسنة 1947، بغداد، 1954.

([29]) لطيف، مازن، يهود عراقيون " أدباء تجري في عروقهم مياه الرافدين"، ط1، بغداد، 2017، ص7.

([30]) لطيف، يهود عراقيون، ص9-27.

([31]) شعبان، عبد الحسين، أغصان الكرمة المسيحيون العرب، بيروت، 2015، ص28.

([32]) شعبان، أغصان الكرمة، ص188.

([33]) المعموري، عبد علي كاظم، "إشكالية المواطنة والهوية الوطنية العراقية – إرث الماضي وعصف الاحتلال-" ، المواطنة  والهوية العراقية عصف احتلال ومسارات تحكم، بحث منشور في المؤتمر الثالث لمركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ط1، بيروت، 2011، ص49.

([34]) محسن، جواد كاظم، " المواطنة: الحقوق والواجبات من منظور إسلامي"، المواطنة والهوية العراقية عصف احتلال ومسارات تحكم، بحث منشور في المؤتمر الثالث لمركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ط1، بيروت، 2011، ص137.

([35]) أبن خلدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي، مقدمة أبن خلدون، ط1، بيروت، 1987، ص 9 .

([36]) القيسي والكناني، محمد فهد وعبد الرحيم جليل، دراسات في فلسفة التاريخ، ط1، دمشق، 2014، ص 23.

([37]) الصبيحاوي، حيدر فرحان، "توظيف البعد الحضاري والثقافي للشخصية الإيرانية وانعكاسه في الاتفاق النووي"، مجلة حمورابي، بيروت، 2015، ع15و16، ص60.

([38]) الصبيحاوي، حيدر فرحان حسين، "تنظيم داعش هتك التاريخ والحواضر العراقية"، داعش ايكولوجيا التمدد وشم الدين بالدم، إصدارات مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ط2، بيروت، 2016، ص433.

([39]) الحجازي، محمد أديب، الوهابية حزب لا مذهب، ط1، البحرين، 2008، ص13.

([40]) الشمري، شعبان، نظرية التفكيك للنص الديني عند العقل التكفيري" دراسة معاصرة تكشف عن توظيف النص وإخضاعه لقراءة منهجية انتقائية إقصائية اصطفائية "، ط1، بيروت، 2014، ص 125.

([41]) لومبير، أيلي، تطور العمارة الإسلامية في إسبانيا والبرتغال وشمال افريقيا، ترجمة: جليان عطا الله، بيروت، 1985،  ص8. 

([42]) الحجازي، الوهابية، ص 129.

([43]) باقر، طه، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ط1، بغداد، 1973، ج1، ص 113.

([44]) الصبيحاوي، حيدر فرحان حسين، خفايا السرقة الكبرى، بغداد، 2012، ص10.

([45]) الصبيحاوي، خفايا السرقة، ص37.