العشائر الميسانية ودورها الريادي بعد عام 2003

                الدكتور حسين علي الساعدي                             الباحث نزار سعدون الفهد

      تدريسي في كلية الامام الكاظم ع اقسام ميسان                        بكالوريوس اداب اللغة الانكليزية

الملخص :

   لا يمكن للإنسان ان يعيش وحده بشكل طبيعي دون التفاعل مع غيره, والعلاقات الاجتماعية قديمة قدم التاريخ وكلما ازداد عدد الناس احتاجت هذه العلاقات الى قوانين تحكمها وتحافظ على انسيابيتها وتماسكها بشكل سليم وحمايتها من السلبيات . ولم يختلف العراق عن غيره من بلدان العالم في سن حكوماته للعديد من القوانين التي تنظم الحياة وتحافظ على حقوق الفرد والمجتمع وكان لابد لهذه القوانين من جهات تنفيذية تطبقها وتفرض العقوبات على المخالفين .

   ولأسباب عديدة تعرض العراق عبر تاريخه الى احداث جسام وأزمات ادت الى ضعف الحكومات المنفذة للقوانين وربما زالت الحكومة تماما كما حصل بعد الاحتلال الامريكي وحلفائه للعراق في 9/4/ 2003 . وبقي العراق دون حكومة حتى بعد تشكيل مجلس الحكم الانتقالي في 13/7/2003 والذي شكل الحكومة بتاريخ 31/8/2003 أي بعد خمسة اشهر تقريبا من سقوط حكومة البعث وطيلة تلك الفترة وما تلاها من ضعف في الامكانات الحكومية استمرت الحياة الاجتماعية بفضل الضبط الذي مورس من قبل المؤسسة العشائرية وباشكال وادوات مختلفة . وقد عمل البحث لمعرفة تلك الكيفية التي ادت الى سير الحياة بشكلها طبيعي ولو نسبيا متخذا الاسلوب الميداني وأتخذ من محافظة ميسان انموذجا مكانيا وحرص على جمع المعلومات والشهادات المتفق على واقعيتها والتي كانت محافظة ميسان مسرحا لاحداثها في فترة غياب سلطة الدولة بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 واستمرار حالة عدم الاستقرار المجتمعي رغم قيام المؤسسات الحكومية بعد ذلك . وروعي في البحث جمع المعلومات والشهادات  ممن كان قريبا من موضوع البحث مكانا وزمانا على ان يكون مطلعا على الاحداث , من شيوخ عشائر ووجهاء ومثقفين وكبار سن . وكنا نأمل ان نصل الى اكبر عدد ممكن من عشائرنا الكريمة الا ان ذلك ضرب من المستحيل كما هو معروف فنحن مقيدين بتاريخ معين وحجم وحجم محدد للبحث اضافة لانشغال الكثير من شيوخ العشائر ورموزها بمهامهم وكذلك مراسم العزاء الحسيني والتي صادفت في نفس ايام اعداد البحث تقريبا . اضافة الى تطابق الشهادات وتقارب الرؤى والمعلومات حول جوانب البحث دعانا الى الاكتفاء بما لدينا فكما تأكد لنا ان محافظة ميسان وحدة اجتماعية واحدة تقريبا,  تشترك كل مناطقها بنفس الايجابيات والازمات .    

 المقدمة :

تعرض المجتمع العراقي لفترات طويلة لمظاهر مختلفة من الازمات السياسية والاقتصادية فقد جعلته يعاني من فقدان القوى الأمنية والضبط الاجتماعي الرسمي فضلاً عن فقدان ضبط سلوك افراد مجتمعه لذا فقد تركت هذه الازمات والتغيرات آثاراً واضحة في بنية المجتمع ومنظومته القيمية وكذلك في نفوس افراده وفي كافة المجالات التي يتفاعل في اطارها الافراد بدءاً من الاسرة وانتهاءِ بالمجتمع. وهذا بدوره قد جعل من الحكومة العراقية بمفردها غير قادره على حل جميع المشاكل التي تحول دون تحقيق نهضتها الحقيقية وازدهارها الشامل فلابد من مساعدة فعاليات المجتمع الأخرى بجميع منظماته ومؤسساته ومن اُهمها العشيرة التي تعد في عصرنا الحالي من أهم الركائز الرئيسة التي تسيطر على المشهد الاجتماعي والسياسي وقد انعكس دورها هذا بشكل واضح على طبيعة العلاقات الاجتماعية وما تمتاز به من تعاون وتحقيق السلم الاجتماعي وتنازع فيما بينهما. فالعصبية العشائرية تضعف وتقوى تبعاً لقوة وسيطرة الدولة، ولهذا أصبح للعشيرة دور كبير في ضبط سلوك افراد المجتمع وتحقيق السلم الاجتماعي وكذاك حماية النظام الاجتماعي والسياسي للمجتمع وذلك عن طريق بعض القوانين التي تفرضها على أفراد العشيرة الذين ينتمون إليها والتي تدعى بالقانون العرفي.

        وقع الاختيار على محافظة ميسان كعينة مكانية لاجراء البحث الميداني وذلك لانتماء الباحثين لهذه المحافظة وامتلاكهم بالتالي رصيدا كافيا من العلاقات والمعلومات عن  حاضرة المحافظة واريافها . ومحافظة ميسان محافظة حدودية تقع في جنوب غرب العراق تحدها محافظة واسط من جهة الشمال والشمال الغربي ومحافظة ذي قار من جهة الغرب ومحافظة البصرة من جهة الجنوب ولها حدود سياسية مع جمهورية ايران الاسلامية من جهة الشرق هذه المحافظة التي طغى عليها الطابع العشائري بشكل كامل تقريبا في اقضيتها الخمسة ( علي الغربي , المجر الكبير , قلعة صالح , الميمونة , الكحلاء ) ونواحيها التسعة ( كميت , علي الشرقي , المشرح , بني هاشم , السلام , سيد احمد الرفاعي , الخير , العدل , العزير ) وبشكل غالب نسبيا في قضاء العمارة وهو مركز المحافظة . علما ان الفترة المعنية كانت بين بداية سقوط النظام الصدامي مع دخول المحتل الامريكي وحلفائه في نيسان 2003  ولغاية شهر ايلول 2018 وهو تاريخ اعداد هذا البحث .

وتمت الاستعانة بكوكبة من شيوخ العشائر ووجهاء المحافظة ومثقفيها وكبار السن ليكونوا مصدرا لمعلومات البحث بشهاداتهم الشخصية عن واقع الحال خلال تلك الفترة  وكنا نتمنى ان نحضى بعدد اكبر من الشخصيات والعشائر لكن الالتزام بحجم البحث وموعد انجازه اضطرنا الى الاكتفاء بما لدينا وشجعنا لذلك تشابه الشهادات وتطابق المعلومات . والمبحوثين هم : الشيخ منذر رحيم خلف الشواي من قبيلة الازيرج ويعمل رئيسا لمجلس محافظة ميسان , الفراضة والشيخ كاظم دواي اسماعيل من قبيلة السواعد ال عبدالسيد ,  الشيخ محمد شياع  سكر الفالح  ال بنيه من قبيلة بني لام, الشيخ حسين عزيز الحاج محمد سلمان الغيلان من عشيرة البو علي,  الشيخ حسين علي محسن الفهد,  الشيخ صلال هاتو من عشيرة البو دراج , الشيخ كريم محمد مذكور البندر شيخ عشيرة ال حميد في ميسان,  الشيخ فراس عبد الجبار عبعوب فالح الصيهود من قبيلة البومحمد, الشيخ حيدر بطل الشداوي المحمداوي, الشيخ سعد عبد الواحد فالح الصيهود المنشداوي المحمداوي من شيوخ قبيلة البو محمد, الشيخ حميد موحان البزوني من شيوخ عشيرة البزون, الشيخ كاظم صابر صكبان الشغانبي من شيوخ عشيرة الشغانبة , الشيخ حسين علي الغانم موكر الساعدي و....وسيتم التطرق الى بقية المشايخ من خلال البحث.

1: التعريف بالمفاهيم :               

1/1 : مفهوم العشيرة:

تتألف العشيرة من عدة افخاذ وبيوت وتعيش مجتمعة بالوجه المتعارف او قد يتفرع الفخذ الواحد الى عدة افخاذ فرعية بناء على تقادم العهد في بناء البيت فيتكاثر افراده ويتشعبون بتزايد نفوسهم وحينئذ يتسمى ما كان قد تسمى بالفخذ او البيت (بالعشيرة ) وهذه قد يتساهل في تسميتها فيقال لها ( قبيلة) . وهؤلاء الافراد متكافؤون في الحقوق ومتساوون وتجمعهم صلة القرابة او ما يدعى (بالعمومة ) ([1]) ,يجمعهم الجد المشترك والنسب الواحد بل تدخل ضمن المصطلح ما نسميه (الوداية) او (ذباب الجرش)  . اما القبيلة فهي تجمع من العشائر والافخاذ وقد تكون هي السائد ينظم اليها عدد من الافخاذ والعشائر وما يسمى بالحلف (الجرش) ليكونوا جزءا لا يتجزء من هذا التجمع العشائري ([2]) , وقد تتالف الجماعة العربية من عدة عشائر بان تكتسب ضخامة وسعة في تكونها وحينئذ يقال لها (القبيلة) وقد يتساهل في التعبير فتسمى العشيرة باسم القبيلة كما تقدم وهذه لا تفرق عن العشيرة الا في الرياسة العامة بان يكون رؤساء العشائر منقادين لرئيس القبيلة , وقد يصح التعبير اذا قلنا ان القبيلة عشيرة موسعة , وبالغة حدا كبيرا من التفرع والتشعب ([3]. والقبيلة هي اساس الوحدة الاجتماعية لابنائها الذين يعتبرون تقاليدها الموروثة وعاداتها قوانين يجب ان تنفذ مهما تكن النتائج ويرون ان التراخي في ذلك عار ومذلة , ولكل قبيلة ( ديرتها ) منطقتها الخاصة . ويعرف ابنائها الواحد منهم الاخر ولهم جميعا حق التنقل في جهاتها على الا يضر احدهم بمصالح غيره . وليس من السهل على ابن قبيلة معينة ان ينتقل من ديرة قبيلته الى ديرة قبيلة اخرى فان الشك في كل غريب عن القبيلة والحذر منه هو الاساس الاول والعيون المتطلعة في النهار او في الليل عند مداخل قرى القبيلة تراقب حركاته وتحاسبه عليها والاعتداء عليه محتمل اذا بدا منه ما يريب ([4]) .

1/2: أهمية العشيرة :

ان الإسلام دعا الى التمسك بالعشيرة فيما يكون في طاعة الله وبغرض الوصول الى رضاه نهى عن اتباع العشيرة فيما كانت علية العرب من عصبية ونصرة للعشيرة في حق او باطل في قوله تعالى( قُلُّ ان كَانَ اباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وَعَشِيرَتَكُمْ واموال اقترفتموها وَتَجاِرَةً تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَّاكُنَّ تَرْضُونَهَا اُحْبُ اليكم مِنْ اللهِ وَرَسُولَهُ وَجِهَادَ فِي سَبِيلَةٍ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بأمره وَاللهَ لَا يُهَدَّى ' الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) سورة التوبة: الآية 24 . ولاشك في ان الإسلام اعطى للعشيرة أهمية كبيرة بين العرب في عصر الدعوة الاسلامية اذ انه اعلن رفضه لبعض المفاهيم السلبية التي كانت سائدة بين العشائر والتي تتنافى مع التعاليم الأخلاقية والقيم الإنسانية اذ ان العشيرة في الإسلام كانت قائمة على صلة الرحم فالرحم يعنى حق على المكلف ان يؤديه ولا يقصر فيه ([5]) ,ومن هنا تظهر بوضوح أهمية العشيرة في الاسلام كعون للفرد ومساعدته على اصلاح ذاته واسرته والسير بطريق العدل والانصاف ونصرة المظلوم وليس العكس عندما كانت القبائل قبل زمننا هذا تهاجم بعضها البعض بعمليات سلب ونهب من الاخرين على أساس القوي والضعيف والقبائل آنذاك تتباهى بقوتها بين القبائل الأخرى بمقدار ما تحصل علية من غنائم من خلال اعتدائها الى الاخرين ونجد هذه القبائل تفتخر بما لديها من سلطان ونفوذ في غزو القبائل على ممتلكاتهم بالغلة بالقوة وتظهر أهمية العشيرة بوضوح في كلام الامام علي لابنه الحسن (عليهما السلام) بقوله (اكرم عشيرتك فانهم اصلك الذي اليه تصير وجناحك الذي به تطير هم العدة عند الشدة , اكرم كريمهم وعد سقيمهم , ولا يستغني الرجل عن عشيرته ولو كان ذا مال، فأنه يحتاج الى دفاعهم عنه بأيديهم والسنتهم ، وهي اعظم الناس حيطة من ورائه والمهم لشعثه، وأعظمهم عليه ان نزلت به نازلة او حلت به مصيبة ، ومـن يقبض يـده عن عشيرته فإنما يقبض عنهم يدا واحده وتقبض عنه ايد كثيرة) ([6].

1/3: عشائر ميسان :

العشيرة في ميسان تجسد مثالا متكاملا للوحدة الاجتماعية الضرورية الوجود في المجتمع العراقي بوجه الخصوص وهي هنا احدى وسائل تمتين الانسجام الاجتماعي والوطني , خاصة في الفترة ما بعد 2003 وما تميزت به هذه الفترة من غياب دور الدولة في المجتمع او هامشية هذا الدور خصوصا ان دور منظمات المجتمع المدني كان خجولا في المحافظة ولم يصل الى مستوى الفعالية الحقيقية فغاب بالتالي دور تلك المنظمات في حماية المجتمع واستمرار فعالياته الحياتية . واما العشائر التي تسكن محافظة ميسان ( بنو لام , البومحمد , الأزيرج , السواعد , السودان , البودراج , السراي , البهادل , الفريجات , الفرطوس ,  العيسى و البزون , المريان , كعب , كنانة , الوحيلات , خفاجة , البوعريف , ال جويبر , السويعديين , الشغانبة , الحجيم , المياح ال حميد المضرية , الشويلات , ال غرة , بنو حطيط , زبيد , بنو طرف , البو عامر , عبادة , عبودة , الدفافعة , المعامرة , ال عكيل , عنزة , الكوام , بنو مالك , البو مفرج , الذهيبات , عيسى العمارة , الدلفية , بنو عقبة , الشريفات , الحيادرة , طي ) اما اسر السادة في المحافظة ( الهواشم , بيت ابو رغيف , بيت ابو الدنين , البخات , البطاط , البعاج , النفاخ , الجوابر , الجعاولة , اهل الجرف , بيت جويدة , السطان , الشرفة , الشوكي , الشروع , الفواضل , ال علي , بيت العلوية , العلاق , النور , الناجي , سيد نعمة , الموزان , المولى , الجزائري , الاعرجي , اليواسر , المكاصيص , الجوادي, الزاملي , الموسوي , بيت الحلو ) . اضافة لاسر عاشت في ميسان بسلام ووئام من مختلف الطوائف الاسلامية وكذلك باقي الأديان كالمسيح والصابئة  .

1/4:العشائر الميسانية واستقرارها ([7]) :

اشتهرت محافظة ميسان شأنها شأن بعض المحافظات الجنوبية والفرات الاوسط ببعض العشائر الكبيرة ذات الثقل السكاني في اقضيتها ونواحيها وعليه تم تقسيم مناطق المحافظة في بداية القرن الماضي على شكل الالوية وكل لواء كان يعرف بأسم عشيرة معروفة وفيما يلي نذكر بعض تلك الالوية:             

  1. اراضي جانب دجلة الايمن من حدود لواء الكوت الى صدر نهر المدلول والاراضي الواقعة على جانب دجلة الايسر من مصب نهر الوادي حتى صدر نهر المدلول , تحمل اسم عشيرة بني لام.
  2. الاراضي الواقعة على نهر المشرح الايمن من صدر نهر ام البطوط حتى منتهى نهر المشرح في الاهوار الفاصلة بين العراق وايران اضافة لذيل اجريت , تحمل اسم عشيرة السواعد .
  3. الاراضي الواقعة على جانب دجلة الايمن اعتبارا من صدر نهر المدلول حتى صدر نهر البتيرة وتتجه الى الشرق حتى حدود جزيرة السيد احمد الرفاعي تحمل اسم عشيرة البو دراج.
  4. الاراضي الواقعة على جانب نهر الكحلاء الايسر اعتبارا من صدر نهر المعاون حتى صدر نهر الحسينية باتجاه الشرق حتى هور ( الجكة ) تحمل اسم عشيرة السودان .
  5. الاراضي الواقعة على جانبي نهر الكحلاء وتفرعاته اعتبارا من صدر نهر (الحسيكي ) متجهة شرقا حتى الحدود الايرانية والاراضي الواقعة على جانب نهر دجلة الايسر اعتبارا من صدر نهر ( المجرية ) حتى نهاية حدود العمارة الجنوبية كذلك الاراضي على جانب نهر دجلة الايمن اعتبارا من صدر نهر المجر الكبير ثم جانبي نهر المجر الكبير وتفرعاته حتى تنتهي بالاهوار , تحمل اسم عشيرة البو محمد .
  6. الاراضي الواقعة على جانبي نهر البتيرة اعتبارا من صدر نهر ( ابو فحل ) ونهر ( ابو سبع) وتتجه هذه الاراضي الى الجنوب حتى الاهوار , تحمل اسم عشيرة الازيرج .
  7. الاراضي الواقعة غرب اراضي ال ازيرج ويحدها من الغرب نهر شط الاخضر ومقام السيد احمد الرفاعي , تحمل اسم عشيرتي ال مريان وال بزون اما الاراضي الواقعة جنوب اراضي الازيرج حتى الناصرية والاهوار فتحمل اسم عشيرة ال عيسى .
  8. الاراضي بين نهري دجلة والبتيرة يحدها من الشمال نهر العوفية ومن الجنوب نهر الطبر تحمل اسم عشيرة البهادل .
  9. الاراضي بين صدري نهر الطبر والجوار ايمن دجلة تحمل اسم اسرة الهواشم العلويين .
  10. ولا يعني ان الاراضي التي تحمل اسماء عشائر معينة منحصرة فيهم دون غيرهم بل توجد عشائر واسر وافراد لا يمتون لهذه العشائر بصلة ولكنهم اقاموا بهذه الاراضي ومنهم حتى من ديانات وطوائف وقوميات مختلفة .
  11. دور العشائر الفعلي بعد عام 2003 :

        اعادت العشيرة العراقية بشكل عام والميسانية بشكل خاص حضورها بشكل واضح في الحياة الاجتماعية والسياسية بعد زوال الاغلال البعثية  وقيام التغيير في العراق عام 2003 . ربما كان البعض يتوقع اضمحلال الدور العشائري وانحسار تأثيره بعد امواج الحرية الهائلة التي ضربت العراق ، لكن الواقع جاء عكس ذلك تماما فزمام الامور بشكل عام كان بيد العشائر شيوخا ووجهاء وكتل بشرية . ومن الملاحظ ان تأثير العشائر كان يزداد كلما اقتربنا اكثر من الاقضية والارياف , هذا التأثير ظهر بايجابية واضحة وفي عدة اصعدة كان يتصدرها في البداية الصعيد الامني بعد غياب سلطة القانون بسقوط النظام , الامر الذي اضطر سكان المدن لتوشيج علاقاتهم الضعيفة او المقطوعة عند البعض واعادة الروح للقديم منها مع عشائرهم التي ينتسبون اليها ، وراح اخرون يتحالفون مع عشائر لا ينتمون اليها في الاصل ، وذلك لمواجهة الفراغ الذي خلفه غياب السلطة وتجميد قوانينها . ويروي الشيخ منذر الشواي ([8]) ,  كيف ان اول ما قامت به العشائر بالاشتراك  مع الاحزاب هو تشكيل مجالس عشائرية مناطقية ومركزية في مركز المحافظة اخذت على عاتقها تشكيل لجان توزعت اختصاصاتها ىعلى تسيير الحالة اليومية للمواطن وتوفير الحاجات الضرورية والتي لا يمكن تاجيلها حتى اكتمال مفاصل الدولة من جديد وكان عدد الاعضاء يقارب الـ (20) عضوا توزعوا بين شيوخ عشائر ووجهاء ورجال دين وممثلين عن الاحزاب , واستمر دور العشيرة اساسياً حتى بعد قيام مؤسسات الدولة الرسمية فقامت حتى الان اربعة مؤتمرات عشائرية لبحث الواقع الاجتماعي للمحافظة وعرض المشاكل والحلول . وفيما يلي الجوانب التي تصدت لها العشائر في محافظة ميسان بشكل مباشر واخذت على عاتقها انجاز مهامها وتذليل عقباتها بدور كلي او نسبي :

2/1: على الصعيد الامني :

        ويتحدث ايضا الشيخ منذر الشواي عن الدور الفعال: الذي لعبته العشيرة في الجانب الامني خلال الاشهر الاولى بعد الاحتلال دون تكليف من احد باستثناء بعض نداءات التعاون من قبل الاحزاب التي تشكلت خلاياها سريعا والتي قوبلت بالترحاب من قبل افراد العشائر في كل المحافظة دون استثناء فكانت ثمرة هذا التعاون قيام لجان امنية عشائرية حزبية مشتركة وضيفتها حفظ الامن في مناطقها فكانت مهامها حماية مؤسسات الدولة و مقرات الامن ومراكز الشرطة بشكل منظم و على مستوى مقبول من الاتقان وكان من ضمن ادوارها ايضا استدعاء منتسبي القوات الامنية السابقة الذين لم يعرف عنهم اجرام مشهود والطلب منهم تسليم ما بحوزتهم من اسلحة لقاء وصولات رسمية لتسلم بعد ذلك الى الجهات الرسمية المتشكلة حديثا وكذلك الطلب منهم امضاء تعهدات عليهم الالتزام بها تتضمن البراءة من حزب البعث  .  ومما اضافه الشيخ شاكر المذخوري ([9]) ,  انه كان على المنتمين الى البعث واجهزة السلطة سابقاً المرور بشكل دوري على مقرات تلك اللجان لاثبات وجودهم داخل مناطقهم ,  وكانت تلك اللجان تاخذ على عاتقها ايضا التصدي لاي هجمات متوقعة من قبل العصابات البعثية المتخفية وغيرها من ارباب السجون الذين عفى عنهم صدام قبل سقوط نظامه فعاثوا في الارض فسادا , وكانت العشيرة تدعم هذه اللجان بالافراد والسلاح والاعلام (التوعية والتوجيه التبليغ) ويشير الشيخ حسين علي         الفهد ([10]) , الى انخفاظ نسبة الجريمة بشكل ملحوظ في الشهور الاولى لسقوط النظام الصدامي خاصة في الاقضية والنواحي والتي يكون كان فيها النفوذ العشائري عادة اقوى منه في المدن . كما قامت بعض العشائر ومنها عشائر البومحمد كما يذكر الشيخ حيدر الشداوي([11]).               بتشكيل لجان للتصدي لقطاعي الطرق خاصة  طريق البصرة المار على قلعة صالح والعزير .

2/2: على صعيد الخدمات :

بعد انهيار المنظومة الحكومية والامنية في النظام البعثي وتراخي قوات الاحتلال في جانب توفير الحماية الامنية لمؤسسات الدولة وممتلكاتها وبناها التحتية , حصلت عمليات نهب وتخريب كبرى طالت دوائر الدولة ومؤسساتها العسكرية والمدنية والممتلكات العامة ، واقتصر ذلك في الواقع على بغداد والمدن الكبيرة ومراكز المحافظات فقط والتي منها مدينة العمارة حيث شمل الدمار فيها حتى المدارس والمستشفيات ومحطات الطاقة بل وحتى هياكل البنايات الحكومية بعد ذلك . اما في الاقضية والنواحي والقرى فان ظاهرة النهب والتخريب لمؤسسات الدولة ومممتلكاتها لم تكن موجودة كما يذكر جميع من شملهم البحث ([12]) , ربما فقط حالات لا تكاد تذكر في الاقضية الكبيرة في المحافظة اما دون ذلك فكان المؤسسات سليمة ببناياتها واثاثها ووثائقها وموظفيها وكان علامات الدمار تختفي كلما اقتربنا اكثر من مناطق النفوذ العشائري فقضاء الميمونة على سبيل المثال لم يتعرض نهائيا لأي حاله نهب او حرق او تدمير او استيلاء بفعل تدخل ابناء العشائر وبتعاونهم مع الاحزاب لحماية تلك المؤسسات والحفاظ على الممتلكات والبنى التحتية  وايضا استعادة ما كان موجودا خارج المؤسسات من تلك الممتلكات  وهذا الامر تكرر في اغلب اقضية ونواحي وقرى المحافظة . وظهرت في بداية الاحتلال مشاكل ملحة تمس حياة الناس مباشرة لا تحتمل التأخير او انتظار البت بها من قبل الجهات الرسمية والتي لم يشكل معظمها في ذلك الوقت , فانبرت العشيرة للتصدي لهذه المشاكل بايجاد الحلول السريعة لها كتسهيل عمليات توفير الوقود وتوزيعه بمختلف انواعه وتحفيز موظفي المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس ودوائر البلدية والماء للمباشرة باعمالهم من خلال مناشدتهم وتوفير الحماية لدوائرهم والمساعدة بتوفير مستلزمات عملهم بشكل مباشر او غير مباشر احيانا , وهذا ايضا مما اجمع عليه المبحوثون .

2/3 : على الصعيد السياسي: 

بعد الكبت الفكري وقمع الحريات الذي مورس ضد العراقيين من قبل السلطات البعثية  ومعاملة صاحب الرأي المخالف لرأي السلطة معاملة المجرم والخائن , يروي الشيخ منذر الشواي كيف تولدت لدى الناس رغبة قوية لممارسة العمل السياسي او على الاقل ابداء الراي بشكل حر والمشاركة في الحوارات السياسية فكان للعشيرة ككتلة اجتماعية دورها المنظور في دعم الاحزاب والتي كانت في بادئ الامر (تنظيمات المجلس الاعلى والمجاهدين , وحزب الدعوة تنظيم العراق , والفضيلة , وبعض الاحزاب المدنية والعلمانية) وكذلك التعاون معها لتشكيل المجالس العشائرية والخدمية في الاشهر الاولى بعد عام 2003 ثم صارت بعد ذلك رديفا ومعاونا للجهات الرسمية بعد تشكيل مؤسسات الدولة , ويذكر الشيخ طالب جبار             المذخوري([13]) , ان كثيرا ما استضافت دواوين العشائر و(مضايفها)  قيادات من تلك الاحزاب خاصة في الأشهر الاولى من سقوط نظام البعث امثال كريم المحمداوي  وعبد الكريم العنزي وغيرهم من ممثلي الاحزاب الاسلامية والمدنية  وانتمى الكثير من ابنائها الى تلك الاحزاب وانتشرت مقراتها في الاقضية والنواحي والقرى لتصل الى المناطق النائية دون الاقتصار على المدن الحضرية وصارت المجالس العشائرية مسرحاً للحوارات السياسية  والمتطرقة لقضايا البلد العامة والكبرى . واشترك ابناء العشيرة بالترشيح للمجالس البرلمانية والمحلية وكثيرا ما نجد الفائزين من شيوخ العشائر وزعمائها مما يشير الى الاثر الواضح لدور الصوت العشائري في تلك الانتخابات .

وهناك من العشائر من دعم سياسيين من عشائر أخرى وهذا دليل على تجاوزها للفئوية والتعنصر العشائري فرأينا قبائل ميسانية كبيرة خلت دورات البرلمان من ابناءها خاصة الدورة الجديدة عام 2018 رغم ان اصوات عشائرهم كانت قادرة على ايصالهم بسهولة الى البرلمان وهذه طبعا حالة صحية وفي الطريق الصحيح والتي تعني تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ويذكر الشيخ حسين الغانم الساعدي ([14], كيف انه قام بعقد ندوة في تجمع لابناء عشيرته للتعريفي بمرشح من قبيلة اخرى لقناعته الشخصية بكفائته وامكاناته التي تؤهله ان يكون نائبا للشعب في البرلمان , والشيخ الساعدي هنا يرى ان المصلحة العامة يجب ان تتغلب على الفئوية والانتماء . ويلفت  النظر اغلب من شملهم البحث الميداني الى اهمية الثقل العشائري الذي لعب دورا مهما في وصول الكثير من شيوخ العشائر للمناصب السياسية التشريعية والتنفيذية بعد عام 2003و منهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ كريم ماهود المحمداوي عضو مجلس الحكم عام 2003 والشيخ منذر خلف الشواي رئيس مجلس المحافظة الحالي والشيخ محمد سعدون الصيهود عضو البرلمان لعدة دورات والشيخ محمد عباس العريبي وزير الدولة السابق والشيخ كريم البندر عضو مجلس المحافظة السابق والشيخ ميثم محسن السدخان عضو مجلس المحافظة السابق والشيخ صباح مهدي الساعدي عضو البرلمان السابق والسيد عباس السيد صروط ومضر الشيخ خزعل السلمان المذخوري وعلي الشيخ سعدون غلام اللامي اعضاء مجلس النواب العراقي الحالي . 

 2/4: على الصعيد الاقتصادي :

المتتبع لاحداث العراق بعد سقوط النظام يرى بوضوح الدور الايجابي الذي جسده ابناء العشيرة في الحفاظ وديمومة الحال الاقتصادي لمحافظة واهلها وفيما يلي نشير الى موردين من تلك النشاطات:

  1. النفط والكهرباء : يتحدث الشيخ كريم الحميداوي ([15]) , بأن النفط هو الشريان الاقتصادي الرئيسي للعراق كذلك كان قطاع الكهرباء فقامت العشائر بحماية المنشئات النفطية ومنها الشركات الاجنبية الموجودة في المحافظة وانخراط شباب العشائر للعمل فيها وحمايتها , وكذلك حماية خطوط وابراج الضغط العالي الكهربائية عن طريق توزيع مهمة حمايتها على العشائر التي تمر باراضيها تلك الخطوط , وكانت ثمرة ذلك عدم تعرض تلك الخطوط لاي اعتداءات الا نادرا عكس ما كان يحصل في اغلب مناطق العراق من تدمير وتجاوزات وسرقات  .
  2. الزراعة : يشير الشيخ حسين الفهد كيف ان الزراعة عمل جماعي تعاوني لا يمكن للفلاح في الريف العراقي اتمامه مكتفيا بقدراته الفردية  دون الاستعانة بالغير الا في حالات خاصة عند الميسورين ماديا اما الاعم الاغلب فالفلاح يحتاج الى من يعينه ماديا او تنظيميا في جميع مراحل العمل الزراعي من حراثة وتوفير البذور والاسمدة ومبيدات وري وحصاد وتسويق وكل ذلك لم يكن ليتم على اكمل وجه دون تدخل وزارة الزراعة والجمعيات الفلاحية في السابق اما بعد عام 2003 وخاصة في الاشهر الاولى وجدت العشيرة نفسها مضطرة ان تأخذ دور الدولة والجمعيات الفلاحية ولو نسبيا فراحت تنظم عمليات السقي وتوزعها بين اراضي الفلاحين بشكل مرضي للجميع وتنظم عمل الحاصدات وتتكافل في عملية توفير البذور والاسمدة والمبيدات ولو باقراض الميسور حالا لمن هو غير ذلك لحين التسويق وكذلك ايضا انبرت العشيرة لحل المشاكل التي كثيرا ما تندلع بين المتجاورين من الفلاحين على حدود اراضيهم وحصصهم المائية وعبور مواشيهم وكذلك المشاكل الناتجة عن ممارسة صيد الطيور والاسماك.
  3. رفع الاعباء المادية والتكافل : باجماع المبحوثين انه وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وشحة مصادر الدخل للكثير من فئات الشعب العراقي خاصة تردي الاوضاع العامة حاولت العشيرة ان تتصدى لمشكلة العوز المادي والضعف الاقتصادي الذي مس كثير من ابنائها فعمدت الى تقليص ايام مجالس العزاء من ثلاثة ايام او سبعة ايام احيانا الى يومين واسقاط الواجب المادي الذي كان يدفعه المعزي سابقا وبالمقابل تخفيف مظاهر الانفاق في تلك المجالس ويتحمل مبالغ الانفاق التي من المفروض انها قد تقلصت افراد الحلقة القريبة عشائريا من صاحب العزاء فقط , ومن الجدير بالذكر ان هذا الاجراء لم يشمل فقراء العشيرة فقط بل تساوى به الجميع  تجنبا للتفاخر والتنافس والتمايز الطبقي فابتدأ في فاتحة شيخ العشيرة ليكون قدوة لغيره وشمل الامر كذلك باقي المناسبات كالاعراس التي اسقط فيها واجب ( الهربة ) عن المهنئين وكذلك التخلي عن عادة تقديم الهدايا عند قدوم الحجاج وغيرها من المناسبات .

2/5: على صعيد السلم الاجتماعي:

لا ينكر احد بان الدولة التي تفقد سيادتها وحاكميتها على ارضها يحصل فيها انفلات امني يعصب السيطرة عليها، وتبدا تصفية الحسابات التي ربما مرت عليها سنوات واعوام كثيرة، والعراق بعد 200م  حلت به هذه الازمة ولكن بحنكة شيوخ العشائر الطيبين تم السيطرة على ذلك وفيما يلي نوضح بعض تلك المبادرات الطيبة:

  1. تداعيات جرائم البعث والاجهزة القمعية : يروي الشيخ منذر الشواي (الذي اصبح بعد 2003 قائمقام لقضاء الميمونة ثم عضواً في مجلس المحافظة ثم رئيساً للمجلس) يروي كيف تأثر المجتمع بشكل كبير نتيجة  التغيير الذي اجتاح العراق  بعد سقوط النظام البعثي والذي سيطر على الحكم منذ عام 1968, ومن اثار ذلك كانت مشكلة البعثيين الذين صاروا مطلوبين وملاحقين من عدة جهات وبالخصوص من قبل ضحاياهم أو ذويهم , وكان لزاما حينها على العشيرة ان تجد حلولا لهؤلاء الضحايا دون احداث تداعيات لتلك الجرائم فيمس الأذى عوائل المجرمين واقاربهم اقترفوه فينضموا دون ذنب منهم الى صفوف الضحايا . فسارعت العشائر في محافظة ميسان الى البراءة من فكر حزب البعث ومن الجرائم التي اقترفها البعثيون وباقي افراد الاجهزة القمعية , فبعد توفر الادلة والوثائق والشهود يتحمل المدان وحده تعويض الضحايا (الفصول) دون مساندة عشيرته له . وأكثر تلك الجرائم الحقت تحت بند (السودة) في السناين العشائرية  ( والسودة على راعيها) اي لا يتحمل تداعياتها الا فاعلها وهي الجرائم المخلة بالشرف والخيانة         و(العلاسة) , ولاجل السيطرة على تحركات البعثيين وما قد يصدر عنهم من ايذاء متوقع قامت اللجان العشائرية التي شكلتها الاحزاب وبمساندة كبيرة من العشائر من سحب اسلحة البعثيين لقاء وصولات رسمية ووضعهم تحت المراقبة المستمرة  .
  2. الجوانب السلبية لوسائل الاتصالات ومواقع التواصل الالكترونية: اشار جميع المبحوثين الى نوع من المشاكل الاجتماعية التي ضربت بشكل خطير في المجتمع العراقي  والميساني هي المشاكل المتولدة من الانتشار المتسارع دون سابق معرفة ودون ضوابط للانترنيت وشبكات الاتصالات فكان غياب المشرع القانوني والعرفي لهكذا جانب مهم وخطير واضحا بشكل كبير فبرزت لذلك مع الجوانب الايجابية لتنوع الاتصالات جوانب سلبية كثيرة وخطيرة لم يكن المجتمع مستعدا لها فوجدت العشيرة نفسها وهي ركن اساسي من اركان الضبط الاجتماعي امام ازمة جديدة عليها لم يسبق ان مرت بمثلها وبالتالي هي لا تملك ارثا عرفيا أو مرجعيا او حتى قصصيا للعودة اليه والاشتقاق منه . خاصة بعد الغاء وزارة الاعلام ما ادى الى تفاقم ضرر الاعلام غير الرصين  و أنتشار الاشاعات والدعايات وانتحال الصفة والتطاول على الناس ومختلف جرائم الابتزاز والتشهير والتعدي على اعراض الناس وكيانهم الاعتباري ولم يقتصر المشاكل  فقط على العالم الافتراضي في مواقع التواصل الاجتماعي , بل تعدت نتائجها واثارها الى خارج حدوده لتمس الواقع المعاش , فكانت اغلب المشاكل واعقدها تلك التي سببها الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي . فاعتبرت العشائر اغلب تلك الجرائم والاعتداءات ضمن بند ( السودة ) في العرف العشائري  ولا علاقة للعشيرة بتلك الفصول وعلى فاعلها ان يتحمل فصولها وأحيانا لا يتم حضور تلك الفصول , مع التأكيد على مساندة ضحايا تلك الجرائم من ابناء العشيرة  .
  3. الاطلاق العشوائي للعيارات النارية في المناسبات : احدى الظواهر التي انتشرت اثر غياب قوة القانون هي ظاهرة اطلاق النار العشوائي في المناسبات الحزينة والسعيدة والتي خلفت الكثير من الضحايا الامنين من القتلى والجرحى الذين وجدوا انفسهم اهدافا عشوائية لتلك الاطلاقات دون انذار مسبق . وكثيرا ما بادرت العشائر في ميسان متمثلة بشيوخها ووجهائها من عقد المجالس التثقيفية لمحاربة هذه السلوك واصدار البيانات المستنكرة وتعهدات البراءة من هذه الظاهرة بتواقيع واختام الشيوخ  واصحاب الرأي ورغم ان هذا الاجراء لم يقض نهائيا على تلك الظاهرة الا انه حجمها وحصرها بسلوك بعض غير الملتزمين عشائريا وحرك ضدها ردود الافعال الرسمية والاجتماعية فقل ممارسها بشكل واضح جدا , هذا ما ذكره جميع المبحوثين  .

2/6: على الصعيد الديني والثقافي :

 كان للعشيرة دورا رياديا ومتصدرا في دعم القيادة الدينية المتمثلة بالمرجعية الدينية من خلال اصدار المقررات والبيانات التي تتماشى مع فتاوى وتوجيهات المرجعية المتلاحقة في فترة ما بعد 2003  خدمة للعراق وشعبه واتخذت العشائر من (مضايفها) كوسيلة لدعم الجانب الديني من خلال تحويل (المضايف)العشائرية الى مجالس حسينية في المناسبات الدينية حيث يذكر الشيخ كريم الحميداوي والشيخ حيدر بطل الشداوي والشيح حيدر سعدون اللامي([16]) , كيف تحولت الكثير من المضايف العشائرية الى مجالس حسينية في عاشوراء وغيرها من المناسبات الدينية وذلك لاحتواء ابنائها وخاصة الشباب وتوجيههم بالوجهة الاخلاقية الحسينية بعيدا عن مخاطر العولمة والافكار المنحرفة التي طرأت على المجتمع وانتشرت بعد التغيير عام 2003 نتيجة الفراغ الرقابي الناتج عن غياب السلطة ومثال على ذلك لا حصراً مضيف الحاج فرج هبسي الحريشاوي ومضيف الشيخ كريم الحميداوي ومضيف الشيخ حيدر حميد اللامي ومضيف الشيخ المرحوم ابو معتز الماجدي ومضيف الشيخ طاهر البزوني ومضيف الملا محمد اللامي ومضيف الشيخ حيدر الشداوي وكثير غيرها في مدينة العمارة اضافة لاغلب المضايف العشائرية في باقي اقضية ونواحي وقرى المحافظة .

عمدت قوات الاحتلال بعد 2003 الى حل وزارة الاعلام وتركت الباب الاعلامي مفتوحا على مصراعيه لكل من شاء ان يخوض في هذا المجال الحيوي بحجة حرية الصحافة والاعلام ما ادى الى دخول الكثير من الجهات والافراد الداخلية والخارجية في هذا المجال بغض النظر عن الكفاءة والاهلية مستغلة غياب الاعلام الحكومي وغياب الجهات الرقابية ما ادى الى انعكاس ذلك سلبا على المتلقي وانتشار الاشاعات المغرضة في كثير من الاحيان والاخبار الكاذبة التي تقف وراءها اجندات خارجية او بعثية  فكانت الخطوة التي اتخذتها العشيرة خاصة بعد انتشار الانترنيت في العراق الى استغلال التطور الالكتروني واقامة مواقع عشائرية الكترونية                (كروبات و بيجات) لملئ الفراغ الذي خلفه غياب وزارة الاعلام وسحب ابناء العشائر وافراد المجتمع  بعيدا عن مصائد الانحرافات الفكرية والعقائدية الدخيلة اضافة الى استخدامها كمراكز توعية وتثقيف وطني وسياسي لاطفاء نار الفتنة الطائفية التي اندلعت في عموم العراق عام 2005 ومواجهة الهجمة البربرية الداعشية التي هددت وحدة العراق وامنه عام 2014 وقبلها تنظيم القاعدة وباقي اجنحة الارهاب واشكاله , فكان لكل عشيرة تقريبا عددا من المواقع الالكترونية و صفحات التواصل الاجتماعي المتنوعة هذا ما ذكره الشيخ طالب جبار المذخوري.

 2/7: المواطنة :

أجمع المبحوثون على رفض ميسان بصوت عشائرها دعوات التجزئة والعزل الطائفي من خلال المؤتمرات العشائرية التي اقيمت في المحافظة اضافة الى المشاركة بالمسيرات والتظاهرات التي تدعم الحالة الوطنية ووحدة العراق فلم تتأثر ميسان نهائياً بالفتنة الطائفية التي عمت الكثير من مناطق العراق بعد عام 2005 فلم تشهد المحافظة اي حدثا طائفياً رغم انها كانت وطناً للتنوع الطائفي والديني المتمثل بالكثير من عوائل الطائفة السنية المتعايشين بسلام مع اخوتهم الشيعة بحب ووئام منذ مئات السنين دون ان يعكر صفو علاقاتهم مع بعضهم اضافة لوجود العديد من ابناء الديانات المسيحية والصابئية المندائية ولوحظ التواصل العشائري المستمر بينهم ومشاركة الجميع في المناسبات السعيدة والحزينة. ثم تم تبني فتوى المرجعية بالجهاد الكفائي وتقديم الدعم المادي والانخراط في صفوف الحشد الشعبي , فأختلطت دماء ابناء العشائر الميسانية مع دماء اخوتهم من باقي عشائر العراق في ساحات التصدي للغزو الداعشي ورغم ان هجوم داعش لم يصل الى العمارة الا ان عشائر العمارة لم تجد فرقا في ذلك فالقبائل العراقية مشتركة مع بعضها بوطن واحد ومصير واحد وهناك من الشيوخ من تقدم شخصيا للتطوع في صفوف الحشد الشعبي ويشير الشيخ صلال الدراجي ([17]) , الى احد اسلاف البو دراج الصغيرة والتي تطوع منه فقط ما يزيد على 200 مقاتل في صفوف الحشد الشعبي . ولم يقتصر الامر على ذلك فقط بل ايضا المساهمة ماديا ومعنويا باستيعاب حشود النازحين التي قدمت الى المحافظة من المدن التي سقطت بيد داعش عام 2014 ويذكر الشيخ كاظم دواي الساعدي([18]). طريقة الترحاب التي لاقاها النازحين حتى في المواكب الحسينية في ايام عاشوراء فشارك النازحون من الرمادي اخوتهم في موكب حي الجهاد في الدبيسات في تقديم الطعام والشاي للمعزين بعيدا عن التمذهب والتقوقع الطائفي ولازالوا لحد اليوم يتذكرون تلك الايام الايمانية في اتصالاتهم بين الفينة والاخرى ويعدون بزيارة ميسان التي احتضنتهم في شدتهم وعاملتهم كما تعامل ابناءها , كما ان هناك حادث سير كان الجاني فيه هو احد النازحين من الموصل والضحية امرأة توفيت مع اصابة ابنها من عشيرة الحمران فحضرت بتكليف من مضيفي هذا النازح مع بعض شيوخ العمارة وسادتها وكانت النتيجة ان الحمران قد تنازلوا عن الفصل اكراما لضيوف المحافظة من النازحين .

ويضيف الشيخ حسين الغانم الساعدي  ان العشائر العراقية عموما ومنها عشائر ميسان لا تحمل في ثقافاتها ما يذكي ويثير النزعة الطائفة كون ان جميع العشائر تقريبا اما تضم طوائف متعددة بين ابناءها أو على الاقل تصاهرت مع قبائل من طوائف اخرى وبالتالي فالعشيرة خالية تماما من أي تعصب طائفي وان وجد شيء من ذلك فهو دخيل وعلى مستوى الافراد فقط ويصطدم فورا بالرفض والاستنكار من اصحاب الوجاهة والقرار في العشيرة .

  

المصادر

  1. القران الكريم .
  2. جبار عبدالله الجويبراوي , عشائر العمارة وتاريخ ميسان .
  3. حمدان حسن الهليجي , الاعراف والتقاليد العشائرية والشارع المقدس , الدار البيضاء للطباعة والنشر, لبنان , 2018 .
  4. عباس العزاوي , عشائر العراق , الجزء الاول , مكتبة الحضارات , بيروت , 2010 .
  5. د. مالك العظماوي: العشيرة بين الشريعة والقانون، دار المناهج للنشر والتوزيع، الأردن، 2014 .
  6. عبد الكريم الندواني , تاريخ العمارة وعشائرها , مؤسسة الصدرين للطباعة , 2011 .

 

 

 

([1]) عباس العزاوي , عشائر العراق , الجزء الاول , مكتبة الحضارات , بيروت , 2010 , ص33 .

([2]) حمدان حسن الهليجي, الاعراف والتقاليد العشائرية والشارع المقدس , الدار البيضاء للطباعة والنشر, بيروت ,2018,  ص 12 .

([3]) عباس العزاوي , عشائر العراق , الجزء الاول , مكتبة الحضارات , بيروت , 2010 , ص35 .

([4]) جبار عبدالله الجويبراوي , عشائر العمارة وتاريخ ميسان , ص121 .

([5]) علاء ناجي , الدور الاجتماعي للعشيرة في تحقيق السلم الاجتماعي , شبكة النبأ للمعلوماتية , 17/5/2017.

([6]) د. مالك العظماوي , العشيرة بين الشريعة والقانون , دار المناهج للنشر والتوزيع , الأردن , 2014,ص26-27 .

([7]) عبد الكريم الندواني , تاريخ العمارة وعشائرها , مؤسسة الصدرين , بغداد , 2011 , ط2 , ص19-20 .

([8]) الشيخ منذر رحيم خلف الشواي اخو الشيخ رعد الشواي شيخ قبيلة الازيرج ورئيس مجلس محافظة ميسان بعد ان كان عضوا في مجلس المحافظة للدورة السابقة وكان قبل ذلك قائمقاما لقضاء الميمونة بعد عام 2003 .

([9]) الشيخ شاكر عبدالحسين رحمة المذخوري , صاحب مضيف في قضاء الميمونة وهو من بيت مذخور بيت الرئاسة في قبيلة الازيرج , ويعمل ضابطا في القوات المسلحة .

([10]) الشيخ حسين علي محسن الفهد , حفيد رئيس قبيلة الازيرج الشيخ فهد المذخور وقيادي في مجالس الاسناد العشائري  وكان مختارا في ناحية السلام .

([11]) الشيخ حيدر بطل الشداوي السليماوي من شيوخ قبيلة البو محمد/ البو سليم ويعمل في الاعمال الحرة .

([12]) المبحوثون هم الشيوخ : منذر رحيم الشواي , محمد شياع ال بنيه , كريم البندر الحميداوي, كاظم دواي الساعدي , صلال هاتو الدراجي , حسين عزيز العلياوي , حسين علي الفهد , سعد عبد الواحد المنشداوي ,  فراس عبد الجبار المحمداوي ,  حميد موحان البزوني , حيدرسعدون  اللامي , حسين الغانم الساعدي , حيدر بطل  الشداوي , جمال عاتي الساعدي , قائد   جاسم الفهد , كاظم صابر الشغانبي , طالب جبار المذخوري , جواد عبد الكاظم البهادلي , شاكر عبد الحسين المذخوري , عقيل حاتم السوداني . 

([13]) الشيخ طالب جبار المذخوري من شيوخ قبيلة الازيرج بيت مذخور ويعمل موظفا في وزارة الصحة .

([14]) الشيخ حسين الغانم موكر الساعدي الفنداوي من شيوخ قبيلة السواعد ويعمل تاجرا لقطع غيار السيارات .

([15]) الشيخ كريم محمد مذكور البندر الحميداوي , شيخ عشيرة الحميدات في ميسان اضافة لكونه كاتب وصحفي الف عددا من الكتب عن تاريخ الحميدات وكان ايضا عضوا في مجلس محافظة ميسان عام 2003-2004 .

([16]) الشيخ حيدر سعدون الملا محمد اللامي , من شيوخ قبيلة بني لام العبد الخان . ويعمل موظفا حكوميا .

([17]) الشيخ صلال هاتو الدراجي من شيوخ عشيرة البودراج .

([18]) الشيخ كاظم دواي الساعدي شيخ قبيلة السواعد ال عبد السيد , وهو فراضة على مستوى العراق يقصد اليه لحل النزاعات الناشبة بين العشائر .