الطائفية المظاهر والاثار

حسين جلوب الساعدي

رئيس مؤسسة الهدى للدراسات

ذات النفع العام

ان موضوع الطائفية من اوسع المواضيع في تاريخنا الاسلامي ولها اثر كبير في واقعنا المعاصر من حيث الاحداث والاثار التي تركتها في الذاكرة والتاريخ وان قراءتها تستدعي جهداً ووقتاً وخصوصا اذا كنا نعيش تداعياتها حيث يشهد العالم الاسلامي حمى طائفية عصفت به تاركة الضحايا من القتلى والجرحى والمهجرين والمشردين التي تشهد احداثها الدامية في الهند وباكستان وسوريا والبحرين وليبيا ومالي ونيجيريا وفي العراق تمثل الطائفية ازمة حقيقية لانها تمتد الى زمن الدولة العثمانية وتأسيس الدولة العراقية الحديثة وممارسات النظام الدكتاتوري الذي كرس الطائفية بشكل كبير الى تداعيات العملية السياسية في العراق حيث الانقسام الذي يشهده المجتمع والعمليات الارهابية التي تتخذ الطائفية المقيتة ذريعة لها لذا تستدعي دراستها وكشف اسبابها ورصد تداعياتها او التفكير الجاد بوضع الحلول لها .

فتاتي المبادرة مركز النهرين في عقد الندوة محاولة لفتح افاق لتفكير ونوافذ تطل بها الدولة نحو الحلول اذ نقدم هذه المشاركة عسى ان نوفق في اثارة فكرة في طريق المعالجة ونعرض فيها المحاور التالية : -

1- الطائفية المفهوم والدلالة

2- جذور الطائفية في التاريخ الاسلامي

3- الطائفية تاريخ العراق الحديث

4- اسباب الازمة الطائفية

5- اثار الازمة الطائفية

6- افكار واراء في معالجة الطائفية

عسى في مشاركتنا هذه نلتمس طريق للمعالجات والحلول وتنطلق ادارة الندوة بمبادرة بحجم المهمة التي ينهض بها مركز النهرين .

                                                                  

الطائفية التعريف والدلالة :-

الطائفية مفهوم مشتق من ( طاف ، يطوف ، طواف ، فهو طائف ) فالبناء اللفظي يحمل معنى تحرك الجزء من الكل دون ان ينفصل عنه بل يتحرك في اطاره وربما لصالحه ، والطائفية هي انتماء لطائفة معينة دينية او اجتماعية ولكن ليست عرقية فمن الممكن ان يجتمع عدد من القوميات في طائفة واحدة بخلاف اوطانهم او لغاتهم .

فالطائفة هي تعبير عن تشكيل المجموعة او الحزب او الجماعة ، والطائفية هي سلوك التعصب لتلك المجموعات والاحزاب والجماعات بأظهار التباين مع الآخرين وبناء فهمه مع الآخر على اساس التمايز والاختلاف والبحث عنها وتعميقها لتحقيق المجموعة المتعصبة المتميزة لتكون قادرة على الفعل بصفتها طائفة او تستطيع مواجهة اي تهديد تتعرض له .

وهي معاني واردة في مقام الولاء لجهة دون جهة ، والاقتداء بتعاليم جهة دون جهة ، او تصنيف جماعة دون الجماعة الاخرى ، كالممارسة الفرعونية اتجاه بني اسرائيل ( ان فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم انه كان من المفسدين ) .

وان تلك الظاهرة قد تمتد الى الامة الواحدة كالذي يعرضه القرآن الكريم في وصف طائفتين من المؤمنين يحصل بينهما نزاع وقتال وكيفية معالجة الموقف بقوله تعالى :-

( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ان الله يحب المقسطين ).

وعادة تبرز الطائفية في اصحاب المفاهيم المشتركة بحثاً عن التخصيص والتميز في الطرح على اساس ان هذه الطائفة تبني وجهة نظرها وفهمها الخاص بطريقة ما لتحقيق المفهوم العام .

ويتعمق مفهوم الطائفية في بعض الاحيان نتيجة عملية الصراع والتصنيف الحاد بين ابناء الامة الواحدة لينتهي الى حالة الانقسام والتعبير عن ازمة حقيقية في جسم الامة ثم يتطور الى التمييز بالعمل والمدخول والامتيازات الحياتية ليغيب في اجواءها مفهوم العدالة والمساواة ، واخيراً تكون الادانة والعقوبة والقتل والقتال على اساس طائفة الشخص ودينه .

وقد تكرس الطائفية لاغراض سياسية انتهازية للحصول على عصبية كما يسميها ابن خلدون او شعبية للوصول الى السلطة او الحصول على امتيازات .

ان مفهوم الطائفية يتمظهر في الجماعة التي لاتتعرف بوجود الآخر الشريك معها وتغمطه حقه وتضطهده وتتجاهل وجوده وتتعصب ضده وتتعالى عليه وتمارس القتل والابعاد والاباده له .

فاذا كانت الطائفية بهذا المفهوم وهي المجموعة المتعصبة التي لا تعترف بالاخر وتنضده وتقتله على اساس ديني وعرقي فمن الخطا ان ينظر اليها من زاوية الصراع السني الشيعي الذي اذكته الاحداث الاخيره واعادته للذاكرة او دفعت باتجاه قراءات احداث التاريخ حيث ان الاحداث بين المذاهب الاسلامية كعقيدة السلفية او الوهابية التي انتجت تكفير المسلمين وابادة من لا ينسجم مع اراءهم وتجلت باعمال القاعدة وداعش وتنظيماتها في اليمن القاعدة وفي مالي ونيجيريا بوكوحرام وفي الهند لشكرطيبة وفي الصومال الشباب المسلم وفي سوريا النصرة وفي مصر جيش بيت المقدس وليبيا الجماعة الاسلامية الليبية وانصار الشريعة وفي الجزائر الحركة الاسلامية المسلحة في الجزائر وغيرها لم يكن الخلاف سني شيعي وانما فكر طائفيا يرفض الاعتدال ويخطاء الاجتهاد الاخر ويمنع من تعدد الراي والاجتهاد الذي يسخر به تاريخنا الاسلامي من تعدد المذاهب والاراء والاجتهاد وان اثراء المكتبة الاسلامية وتطور العلوم والمعارف الاسلامي نتيجة فتح ابواب الراي والاجتهاد .

فالظاهرة الطائفية ليس خطرا في البلدان التي عاش فيها السنة والشيعة على وئام او خلاف وانما ظاهرة عالمية اخذت تعصف في واقعنا الاسلامي .

جذور الطائفية في المجتمع الاسلامي : -

ظهرت النزعة الطائفية في المجتمع الاسلامي منذ تعدد الآراء الاجتهادية والمدارس العقائدية في الاسلام وظهرت مسائل الخلاف وتعصب اتباع كل فقيه لصاحبهم واخذ يكفر بعضهم البعض على اساس الرأي وجذر الاختلاف بينهم الرجوع للحديث ( تفترق امتي ثلاث وسبعون فرقة فرقة ناجية والباقي بالنار ) .

فاصبحت دعوى الفرقة الناجية مبررا لوصف الاخر بالفرقة الهالكة واختلطت تلك الدعوى مع في اجواء التنافس السياسية والمطامع الشخصية والاغراض الذاتية لتنتج فتاوى التكفير عمليات القتل والابادة التي نقراؤها في تاريخ المسلمين .

فيذكر ابن الاثير في حوادث سنة ( 324 هـ ) ان الحنابلة كانوا يثيرون الفتن في بغداد ، ويروجونها ، واستظهروا على الشافعية بالعميان الذين كانوا يأوون المساجد ، وكانوا اذا مر بهم شافعي المذهب اغروا به العميان فيضربونه بعصيهم ، حتى يكاد يموت .

ويقول ابن كثير في حوادث سنة 345 هـ : ( في عاشر المحرم منها عملت الشيعة مأتمهم وبدعتهم ـ عزاء الحسين- ثم تسلطت اهل السنة على الروافض فكبسوا مسجد براثا الذي هو عش الرافضة وقتلوا بعض من كان فيه ) .

وفي سنة ( 350هـ ) استعان السنة بالجنود الاتراك والزنوج ، وكانوا يسألون المارة عن خالهم ، فأن لم يقولوا معاوية ضربوهم . وكان اهل السنة في مصر اذا ارادوا قتال الشيعة يصيحون في الطرقات : ( معاوية خال علي ) .

كما وقعت فتنة عظيمة سنة ( 363 هـ ) حيث عمد بعض اهل السنة الى مقابلة ما يقوم به الشيعة من الاحتفال بعيد الغدير والعزاء يوم عاشوراء ، وقالوا : (نقاتل اصحاب علي) ، فقتل بسبب ذلك من الفريقين خلق كثير .

وفي سنة ( 407هـ ) ارتكب المعز بن باديس افضع المجازر واكبرها بحق الشيعة في بلدان شمال افريقيا ، حتى ذكر ان حجم المجازر تسبب في انقراض الشيعة هناك .

وفي سنة (450هـ) ارتكب السلاجقة مذابح في بغداد والحلة والجزيرة وحلوان بحق الشيعة واحرقوا دورهم ومكاتبهم مفي بغداد وهرب اثرها العلماء منهم النجاشي الى مطير اباد ( الحلة ) وابو يعلى الجعفري ( الحمزة الغربي ) والشيخ الطوسي الى النجف الاشرف ليؤسس الحوزة العلمية فيها .

وحمل الغزنويون على الراي وقام سنة 420 هـ وقتل العلماء وحرق الكتب ، وفي فترة ظهور السلاجقة والغزنويون والايوبيين اخذ يصف الشيعة بالرافضة والباطنية والملاحدة مما ادى الى ظهور حركة الحسن بن الصباح الذي ملأ العالم الاسلامي رعباً وهدد الخلفاء والامراء في العمليات الانتحارية نتيجة الظلم والاضطهاد الذي تعرض له الشيعة وتظهر النزعة الطائفية بالاقتتال .

بعد الاقتتال العنيف بين الحنابلة والشافعية في بغداد سنة ( 469هـ ) ، حاول الوزير نظام الملك التوصل الى حل للمشكلة ، فجمع بين ابن القشيري ( شيخ الشافعية ) واصحابه وبين ابي جعفر الشريف ( شيخ الحنابلة ) في مجلسه ، وطلب منهما ان يتصالحا ، فقال له القشيري: ( اي صلح يكون بيننا ؟ انما الصلح بين مختصمين على ولاية ، او دين ، او تنازع في ملك . فأما هؤلاء القوم : فيزعمون إنا كفار ، ونحن نزعم ان من لايعتقد ما نعتقده كان كافراً ، فأي صلح يكون بيننا ).

وفي سنة ( 555هـ ) ادى التعصب المذهبي بين الحنفية من جهة والشافعية والشيعة من جهة اخرى في نيسابور الى قتل خلق عظيم ، ومنهم علماء وفقهاء ، وحرق الاسواق والمدارس والبيوت . ثم وقعت فتنة اخرى مشابهة في نيسابور بين الشافعية والحنابلة ، اضطرت فيها السلطة للتدخل بالقوة وفض النزاع ، وحدث الامر ذاته في اصفهان وبغداد ، وكانت نهاية سفك الدماء وهتك الاستار واشتداد الخطب – كما يقول ابن الاثير – ان خرّب الشافعيون كل مابقي للاحناف في نيسابور . كما كانت اصفهان مسرحاً دائماً للصراع بين الشافعية والحنفية قبل مجئ الدولة الصفوية . ويذكر المؤرخون ان الحنابلة قتلوا بالسم الفقيه ابا منصور الشافعي سنة (657هـ ) في بغداد .

ومن جانب آخر ، كانت حرب الفتاوى تهيئ الارضية الشرعية للاقتتال ، فمن الفتاوى المثيرة في هذا الصدد فتوى الشيخ ابن حاتم الحنبلي ، التي يقول فيها : ( من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم ).

وهناك فتوى اخرى معاكسة ، فحين اجتمعت المذاهب في دمشق على الحنابلة تستنكر آراء الشيخ ابن تيمية الحنبلي ، افتى العلماء بارتدادهم وكْفّر ابن تيمية ، ونادى المنادي: ( من كان على دين ابن تيمية حلّ ماله ودمه ).

 

في حين يقول الشيخ محمد بن موسى الحنفي ، قاضي دمشق ( ت: 506هـ ) : ( لو كان لي من الامر شئ لأخذت على الشافعية الجزية ) .

بينما فكر ابو حامد الطوسي ( ت : 670هـ ) ان يضع الجزية على الحنابلة .

حتى اضحى الصراع الطائفي سببا رئيسيا لدخول المغول لبلاد المسلمين وسقوط الخلافة العباسية . ومن المصاديق المأساوية لهذه الحقيقة قضية احتلالهم اصفهان بالشكل الذي يذكره ابن ابي الحديد ، اذ يقول بأن القتال بين الحنفية والشافعية وصل حداً في اصفهان ان خرجت جماعة من الشافعية الى المغول الذين احتلوا المدن المجاورة وعجزوا عن احتلال اصفهان سبع سنوات كاملة ، وقالت لهم : ( اقصدوا البلد حتى نسلمه اليكم ) على ان يعينوا الشافعية على الحنفية ، فنقل ذلك الى ملك المغول ( قآن بن جنكيز خان ) ، فحاصر اصفهان ، في وقت كان الشافعية والحنفية يواصلون القتال في المدينة ، حتى قتل كثير منهم ، وفتح الشافعية ابواب المدينة ، على عهد بينهم وبين التتار ان يقتلوا الحنفية ، ويعفوا عن الشافعية ، الا ان التتار بدأوا بقتل الشافعية وانتهوا بالحنفية ، ثم سائر المسلمين.

ان تاريخ المسلمين مثقل بالصراعات الطائفية الدموية ، وكان ظهور ابن تيمية قد اذكى عملية الصراع والقتال وفتاوي التكفير ، حيث اصدر فتوى يكفر الشيعة وقادة الحملة العسكرية على طرابلس وكسروان واباد وهجر من فيها من الشيعة .

ثم اصدر برهان الدين المالكي والشيخ عباد بن جماعة الشافعي بارتداد الشيخ محمد بن مكي العاملي ( الشهيد الاول ) بعد حبسه وقتل ثم صلب ورجم واحرقت جثته بالنار سنة ( 786هـ ) في دمشق ثم قتل العثمانيون الشيخ زين الدين الجبعي العاملي ( الشهيد الثاني ) بعد ان اوشى به بعض علماء السنة بانه يدعي الاجتهاد ويريد نشر المذهب الجعفري .

وكذا اشتد الصراع بين الدولة الصفوية الشيعية والدولة العثمانية السنية وراح ضحيتها العديد من السنة والشيعة في ايران والعراق وبلاد الشام والاناضول وغيرها .

واخيراً كان ظهور حركة محمد بن عبد الوهاب الذي كْفر جميع المذاهب وقاد جيوش الاخوان في الهجوم على مدن العراق الناصرية والسماوية ثم هجومه على كربلاء والنجف وهدم قبور الائمة في البقيع وانتشرت آراء المذهب في جميع انحاء العالم .

حتى قامت الدولة العثمانية والحكومة المصرية بالعديد من الحملات لاسقاط حكومته في الدرعية والرياض بعد ان اصدر الفقية ابن عابدين يقتلهم ووصفهم بالخوارج .

ان قصة التكفير والنزعة الطائفية تضرب جذورها في اعماق التاريخ الاسلامي وتظهر في واقعه على شكل نزعات ونزاعات في وقتنا الحاضر .

 

الطائفية في العراق :-

شهد تاريخ العراق  الحديث والمعاصر ممارسات طائفية عمقت الازمة حتى امست قضية لايمكن  تجاوزها او تجاهلها  فقد كان مسرحا للصراع الصفوي  العثماني منذ دخول  الصفويين العراق  وممارساتهم باضطهاد  السنة وهدم قبور ائمة السنة  ثم تلاه نظيره التركي السلطان مراد الرابع  واباد من النصف الاخر من عرب بغداد  لانهم شيعة  بعد عاصفة الطاعون  التي نكبت اهل العراق.

ثم تجذر العداء السياسي بين الدولتين  وكان وقود التنافس  والنزاع  الطائفية ، وفي زمن السلطان سليم الاول افتى رجال الدين  باعتبار الشيعة  مرتدين عن الاسلام  وامر السلطان  بقتل جميع  الشيعة الموجودين في البلاد العثمانية  ثم تجذر العداء السياسي بين الدوليتن وكان وقود التنافس النزاع الطائفي وجعل كل واحد منهم قيما وممثلا عن الطائفتين .

ومنذ سيطرة الدولة العثمانية على العراق عام 1935 كانت كانت ادارتها تتسم  بالطائفية  والعنصرية الطائفية في العداء للشيعة  والاديان الاخرى  فقد حرم الاكثرية في العراق طوال اربعة قرون  المشاركة والتقدم والتطور حيث لايسمح لهم  في الاشتراك بادارة الدولة ولم تعط لهم اي فرصة للتعليم  وحرموا  من استملاك الاراضي بشكل اصولي واثقلوا بالضرائب وتعرضوا للغارة والابادة لادنى سبب .

وكانت العنصرية واضحة في سياسة الدولة العثمانية في فرض اللغة التركية  واعتبار العرب  مواطنين من الدرجة الثانية  ان لم تكن  لهم العداء  وحصلت على العديد  من المعارك بينهم .

ورغم ماتعرض له الشيعة في العراق من عملية اضطهاد واقصاء وتجهيل وحرمان من الدولة العثمانية كان اشد المدافعين عنها  عند الاحتلال البريطاني باعتبارها الدولة العثمانية وحرمة سيطرة الكافر على المسلم فقد تناسوا الممارسة الطائفية  التي تعرضوا لها طيلة اربعة قرون من الزمن واعلن علماؤهم الجهاد واصدروا الفتاوى  في مقاتلة الانكليز  وثارت العشائر  وخاضت المعارك  وعطلت دخول  الانكليز بغداد  لاكثر من ثلاثة سنوات  فقد ثاروا ضد الانكليز  من منطق الدفاع  عن حكم الاتراك الاسلامي  ضد البريطانيين  الكفار رغم طائفية الاتراك  ومعاناة الشيعة  من التميز الطائفي  وبذلك اعطوا الاولوية  للاسلام على الطائفية .

وفي اجواء التحدي الذي يواجه العراق كان التقارب بين المذاهب والزيارات المتبادلة والاشتراك في ثورة  العشرين جمع الشعب العراقي بكل طوائفه وقومياته .

وحين تأسيس الدولة العراقية  عمد الانكليز لاعادة النزعة الطائفية  واجهاض التقارب العراقي  فتم تأسيس الدولة  العراقية على اساس  طائفي في فرض  الاقلية التي  تشكل نسبة 19% على الاكثرية في العراق  تحت ذرائع عدة منها جهل وتخلف الشيعة واخرى رفض الشيعة للمشاركة  ثالثة اتهامهم بالتبعية  ورابعة تنكيلا لمواقفهم  في حركة الجهاد  وثورة العشرين  وظلت عملية التهميش  والاقصاء والابعاد لقيادات  ثورة العشرين من العلماء  وشيوخ العشائر  حتى كان موقف  مرجع الشيعة  الشيخ محمد  حسين كاشف  الغطاء  بالمطالبة بالغاء طريقة الحكم الطائفية في انصاف الشيعة  واشراكهم في ادارة  الدولة وشمول  مناطقهم بالعمران  ومعالجة الفقر  ورفع الحرمان عنهم .

فقد كانت محاولة الامام كاشف الغطاء رائدة في تشخيص الازمة الطائفية  وسبل معالجتها  وطرح ميثاقا  باثنتي عشره مادة  التي تتضمن نقدا لاذاعاً  لسياسة الحكومة  في تبيين التفرقة  الطائفية  والتمييز بين  ابناء الشعب العراقي  وطالب باجراء الانتخابات  النزيهة وحرية  الصحافة  والغاء ضريبتي الماء والارض والاصلاح الزراعي  والاجتماعي بالمؤسسات  الصحية والثقافية  والاجتماعية والعدالة  في توزيعها دون تميز .

والتأكيد على الاخذ بعامل الكفاءة  في تعيين الموظفين والاداريين  ومعاقبة المسيئين واعادة النظر في تحديد الرواتب  بصورة معقولة  وفي تلك الظروف  تنامت الحركة  القومية في العراق  لتجعل التشكيك بعروبة شيعة العراق احدى  وسائل التعبير عن النزعة الطائفية  الموروثة في العهد العثماني وبداية تأسيس  الدولة العراقية  فقد اطلق قادة  الحركة القومية  مقولة ( كل شيعي هو ايراني)  وتحولت تلك المقولة  الى برنامج عمل في معاداة الشيعة  واضطهادهم .

فقد تعرض الشيعة  في العراق في العهد الجمهوري لانواع الانتهاكات والاعتداء والتميز الطائفي  فقد تعرض علماؤهم للسجن والمطاردة والاعدام والاغتيال  واغلقت ابواب المدارس  الدينية في النجف وكربلاء والكاظمية ومنع  تداول الكتاب الديني ومن وجد عنده يستحق السجن والمساءلة  وتصل لحدالاعدام  وكذلك تعرضت  العتبات المقدسة للانتهاك  والقصف  ومنعت الشعائر الدينية والمواكب الحسينية وحكم بالاعدام على كل السياسيين  الشيعة  وقام بحملة  تهجير وترحيل  واسعة وعمد الى  تجفيف الاهوار  وترحيل اهلها وحرمانهم من ابسط وسائل العيش ودمر النظام كل شيء.

وعندما حصل التغييرعام 2003  والعراق مثقل بالنزعة الطائفية وهو يختزن في الذاكرة والوجدان والواقع  تلك الجراحات الدامية والانتهاكات الصارخة لكل مقدس والتغيير لكل مكونات الشعب العراقي من التعبير عن الآمه واماله وانفعالاته ورافق ذلك اجراءات قامت بها الادارة الامريكية  وتدخلات اقليمية واخرى ذاتية  جعلت حجم  التكفير والنزعة الطائفية تتسع بشكل كبير في التفكير السياسي والممارسة اليومية مما ادى لاستحضار التاريخ ورفض التعايش والتفاهم والعمل لاثبات الذات من خلال الضجيج بالخطاب للحصول على تايد من المكون الذي ينتمي اليه فقرائة التاريخ والواقع والاحداث وسياسة الدول وبرامج الاحزاب وممارسة القوى الفاعلة لا تنتهي بسبب فكري عقائدي او تراكم تاريخي او ممارسات سياسية بل تستحضر كلها في تحديد الاسباب لذا ويمكن اجمالها بما يلي:-

1- عقيدة الفرقة الناجية والاخرى الضالة ونزعة التصنيف  والتميز على اساس مذهبي او اجتهادي ووصف الاخر بالكفر والارتداد ورفع شعار الفرقة الناجية اعتمادا على الحديث (ستفترق امتي ثلاثه وسبعون فرقة كلها في ظلال وواحدة الناجية) وهذا الشعار الذي لازم جميع المذاهب بلا استثناء واندفعت من وحي الحديث  الحركات المتطرفة كالخوارج والوهابية  والقاعدة التي انتجت الارهاب  الذي استباح  دم الانسان العراقي .

وان العقيدة التكفيرية  تمثل اقصى صور الطائفية  لانها تتعدى الاضطهاد  والتميز لتصل  حد الابادة والقتل وهذا مانشهده كل يوم في العراق  من عمليات ارهابية .

2- الذاكرة والتاريخ التي اثقلت تاريخ العراق وواقعه بالعديد من الازمات كان  ولا يزال لغما خطيرا  منذ وضع  اساسه في بناء الدولة  العراقية  الحديثة عام 1921 حيث امر الساسة  واصحاب النفوذ وبدعم وتخطيط من بريطانيا  لاستمرار العقلية  العثمانية في التفرقة  الطائفية والعرقية  التي حكمت  العراق اكثر من اربعة قرون  وضربت جذورها في عقلية السياسي الطائفي بعد ان تعرضت  الى الكثير من التحولات  السياسية من ملكية الى جمهورية الى سلطة الحزب الواحد ظلت الطائفية  اساس الحكمة  ولطول المدة  وتراكم الشعور  بالتمييز  لاكثر من 80% من الحرمان والتهميش ثم الاضطهاد  والاقصاء والاستهداف والتعذيب والقتل.

 

3- الثقافة الدينية المتطرفة التي اعتمدها الارهاب والقاعدة والتي نجد في ثناياها الفتاوى والآراء لعلماء المسلمين في الحث على الجهاد والقتال ومحاربة الاحتلال والانحلال حسب وجهة نظرهم والحماس لتطبيق الشريعة بطريقة مرعبة دموية قائمة على اساس العنف والتكفير والتهديد والقتل والتفجير ، ان للشعار الديني مجالات واسعة في تحريك الارهاب وايجاد الحواضن والمنطلقات والغطاء الشرعي وذلك بتأسيس الدولة الاسلامية في العراق والتي مابرحت تعلن عن العمليات الارهابية التي تقوم بها والممارسات المرعية التي تمارسها في الكثير من مناطق العراق الغربية والوسطى .

 

4- ثقافة العنف التي اجتاحت المجتمع العراقي اثر سياسة النظام المقبور وما قام به من حروب دموية ضد جيرانه ايران والكويت ثم الحروب الداخلية لأبادة الاكراد في شمال العراق وقمع الشيعة في الجنوب والوسط وعمليات القتل والتشريد والتهجير والترحيل والسجن والاعدامات الجماعية والمطاردات ، كل ذلك وغيره جعل الفرد والمجتمع العراقي يعيش حالة من التوتر الدائم وترتسم على سلوكه وتصرفاته جملة من الانفعالات النفسية جراء سياسة النظام ، واصبح العنف كسلوك وثقافة له مبرراته واجواؤه تلك الظاهرة اصبحت احدى الاسباب .

5- الردة الحضارية التي عاشها العراق زمن النظام الدكتاتوري من سيطرة النزعة الناطقة والعائلية على ادارة الدولة والتي اشعلت المزيد من الصراعات واعادت العراق الى عصر البداوة ومهدت لاعادة الحياة القبلية والعشائرية القائمة على اساس التخاصم والغلبة والاستحواذ وسيطرة هذه العقلية على القيادات السياسية في الممارسة والاداء لتصد الطائفية بالظهور مصحوب بنزعة قبلية يغيب في اجواءها الحوار والتحضر والاحترام والحلول .

6- خوف الدول الاقليمية من التحولات التي تترقبها المنطقة بعد التغيير في العراق فكان القلق والهواجس والمخاوف التي يعيشها بعض الدول من الديمقراطية والمشاركة وحقوق الانسان والانتخابات الحرة التي تمكن الاكثرية السكانية ان تتحول الى اكثرية سياسية في البرلمان او تصبح ذات النفوذ الاكبر في الحكومة كلها تجعل الدول تغذي الارهاب من اجل اسقاط التجربة في العراق مما دفعهم وبحماس وبخبث تسخير كل الامكانات لاسقاط التجربة فقام البعض بفتح المعسكرات لاستقطاب والتدريب وارسالها الى العراق والبعض امدها بالمال والرجال وتوفير الدعم اللازم في اعمالهم الارهابية ، والآخر مد الارهاب بالسلاح وصارت حدوده منفذا لايصال السلاح الى التنظيمات الارهابية والميليشيات المسلحة ، فيما ظل البعض يوفر المكان الآمن للقيادات المجرمة ليعطيهم الدعم السياسي ، وترى ان الدول الاقليمية تقوم بادوارها تلك رغم العداء بينها الا انها اجتمعت على دعم الارهاب في العراق لان التحول الديمقراطي في العراق يهدد جميع الانظمة الاستبدادية والدكتاتورية .

7- تجربة التمثيل السياسي المتعلقة بالممارسة الطائفية حتى لو كانت تتلبس بالباس الديمقراطية منذ الدولة العثمانية التي ارسلت مندوبين عن الولايات والالوية العراقية الذين كانوا جميعهم في مذهب واحد حتى جاءت التمثيل في العصر الملكي الذي لا يخطئ الاكراد والشيعة بالتمثيل الذي يعكس حجمهم الطبيعي في خارطة العراق السكانية والسياسية وهكذا في النزعة القومية الطائفية فتجربة التمثيل في هذه المحطات دفعت احد الاطراف لا يقبل بالتمثيل الواسع الذي يصل حد الاغلبية الذي يزعج المهيمن طوال قرون من الزمن فصدمة التغيير الذي غير مسار التمثيل ادى الى اذكاء النزعة الطائفية من جديد .

8- رفض الديمقراطية المعبرة عن ارادة الشعب وتنوعه وحضوره في الواقع السياسي فقد برزت المكونات السياسية والاجتماعية بحجمها الطبيعي من خلال نتائج الانتخابات التي اعطت الحجم الطبيعي لكل مكون او حزب مما ادى بالبعض رفض هذا النظام لانه يعتبره تقليلا من دوره في الحياة السياسية او انه يؤدي الى اضعافه مستقبلاً ويغير قاعدة الحكم في العراق من الهيمنة الى الديمقراطية والمشاركة ، ان الاطراف المتضررة من التحول الديمقراطي اتكئت على الارهاب لاسقاط العملية السياسية وعودة الدكتاتورية من جديد وتحت مسميات دينية وطائفية مما جعلهم في توتر دائم واصبحت بعض المناطق حاضنة للارهاب على اساس هذه العقيدة .

9- النزعة الذاتية والانقسام الذي اصيبت به مكونات الشعب العراقي حيث اصبح التنوع عنصر اثارت بدل ان يكون عامل اثراء لتكوين الامة العراقية وابناء الدولة ، فقد اخذت مكونات العراق واطيافه تعبر عن وجودها وترسم امالها وتبحث عن مكانتها في اجواء ذاتية ومحاصة سلبية وتعتمد على العنف في تحقيق مطالبها ولذلك اعتاد ابناء الشعب العراقي على حدوث الانفجارات والعمليات الارهابية بعد كل حاله من الاختلاف والتقاطع بين المكونات السياسية المعبرة عن المكونات الاجتماعية الدينية والقومية .

10- طريقة التغيير في العراق التي جاءت من خلال قوات التحالف وبضربة عسكرية اسقطت النظام الدكتاتوري في العراق واصبح تحت ادارة الاحتلال الامريكي وكان هناك اعتراض لدى البعض من هذه الطريقة كما كان متضررون من عملية التغيير عبر اولئك عن اعتراضهم بطريقة العنف والعمل المسلح لتكون تلك الاجواء حواضن للارهاب ليذهب لابعد من مقاومة الاحتلال في استهداف العملية السياسية ورجالاتها ومؤسسات الدولة ويشمل الحكم جميع الناس الذين تنفسوا نسيم الحرية بعد سقوط النظام المقبور .

11- طبيعة الاحداث التي يشهدها العراق  كتفجير قبة الامامين  العسكريين  وقتل زوار الامام الكاظم المعروفة  بحادثة جسر  الائمة التي راح ضحيتها  اكثر من الفي زائر وعمليات ضرب زوار الامام الحسين وتفخيخ  الحسينيات والمواكب  والزوار وقتلهم  وعمليات اخرى  تعكس بشاعة  المجرمين كحادثة عرس الدجيل وحوادث قطع الرؤوس  وقتل النساء والاطفال  والشيوخ والاطفال  وتصنيف المجتمع الى  كفار ومرتدين  والاكثر اثارة في تعميق الطائفية شعور الشيعة ان حواضن الارهاب في العراق هي المناطق السنة مما يعمق الانقسام الطائفي.

12- الخطاب السياسي للقيادات في وصف الشيعة والوبيهية بالشعوبية والصفوية والايرانيين  والعملاء والخونة وغيرها  من الاوصاف  التي يقصد من  ورائها اذكاء النزعة الطائفية  لتكون مادة للتعبئة والتحشيد  والمفاوضة والمكاسب  والحملات الاعلامية  التي ترافق العمليات  الارهابية.

13-  عدم الاعتراف بالمرجعية  كالدستور والديمقراطية  لتكون حاكمة  واطارا جامعا  يجري في ظله عملية الانتخابات  والتنافس والتسابق لخدمة الشعب  العراقي  فقد جرت بعض الاطراف  بعدم الاعتراف  بالدستور وعدم قبول نتائج  الانتخابات  والعمل على تعويق العملية السياسية  وتكون تلك الممارسة في اجواء طائفية صاخبة وكأن الموضوع موجه  ضد جبهة .

14- غياب  الحركة الوطنية  التي تعمل على بناء الدولة العراقية وتكوين الامة المنسجمة  لفتح افاق الحياة  المستقبلية  وامست الحركات السياسية في العراق مصنفة  على اساس مذهبي وتعبر في ممارستها  عن انتماءات طائفية  في بعض الاحيان  حتى بالمشاعر فضلا  عن المشاريع والمبادرات .

15- عمل الفضائيات الاعلامية  عند كلا الطرفين  في اثارة المسائل  الخلافية في التاريخ  والعقائد والاراء  والتعبير عنها بطريقة  استفزازية  مصحوبة بالاتهام والكذب والتدليس  والسب والشتم  والوضع والاختلاق اصبحت فضائية اهل البيت  ووصال  وامثالها مادة لتفذي الجدل الطائفي والتكفيري كما ان مواقع التواصل الاجتماعي اصبحت مصدر مهم في تاجيج الجدل الطائفي وقد كان لداعش وامثالهم حضور قوي جدا ارهق الاجواء بالقضايا الاستفزازية كالدفاع عن الصحابة وامهات المؤمنين ومنع عبادة الاوثان وتهديم الاصنام .

16- اختلاط المفاهيم  واختلاف النسق الفكري والثقافي لدى الامة  فاصبح الكثير من الاشياء والقضايا  مقدسة وهي تعبر  عن اراء وافكار  وليس عن قضايا قطعية  واخرى ليس لها  القدسية وهي محترمة  ومقدسة كالنفس وعمليات القتل  بلا دليل وبلا روية .

ان نزعة الطائفية ومايرافقها من عمليات  ارهابية تركت  اثارا خطيرة  وكبيرة على حياة  المجتمع العراقي  اهمها مايلي :

1-                       انقسام حاد في المجتمع  حيث اصبح العراق منقسما  من الناحية  السياسية  والاحزاب  السياسية وتعبر عن  الانقسام بشكل واضح  وكلما تقدم الزمن  يعمق ذلك  ووصل حتى بالمشاعر والاهتمام فالانقسام في بنية المجتمع العراقي اثر الطائفية بشكل اكبر التحديات التي تواجهها الدولة العراقية .

 

2-                       بعد ان تعرضت العديد من المحافظات والمدن في العراق للاحتلال من قبل القاعدة وداعش او ميدان قتال بين الجيش العراقي وداعش او مسرح للعمليات الانتحارية ادت الى تحطيم مدن باكملها وازالت الف البيوت عن مكانها وتخريب البنى التحتية لها من ماء وكهرباء ومدارس ومؤسسات خدمية واخرى ترفيهية وغيرها ان حجم الاحزاب اثر الصراع الطائفي في العراق لا يمكن معالجتها من الناحية العراقية الا بعد جهد كبير واموال طائلة .

3-                       العراق فيه  من الثروات والخيرات  والموارد  الاقتصادية  وما يؤهله  للتطور والنمو  والاعمار وان الصراعات  تلك  تعطل عملية الاعمار وتؤخر فرص النمو والتطور .

4-                       زيادة الضحايا من ابناء الشعب العراقي اثر العمليات الارهابية  والتكفيرية وان الانقسام  الطائفي يوفر الملاذ والمبرر باستمرار الارهاب الدموي بحصد الارواح .

5-                       يوفر الاجواء لتدخل الدول الاقليمية  المتصارعة في شؤون العراق  ويكون النزاع  الطائفي معبرا عن ارادتها ومصالحها وتختفي مصالح  الشعب العراقي في اجواءها .

6-                       تبديد ثروات العراق  في التسليح ورعاية  ضحايا الارهاب  واعادة ما يهدمه  الارهاب حتى تجعل  الدولة في عملية استنزاف مستمر.

7-                       التشويش على ذهنية المواطن  لانها توفر مادة خصبة للاعلام  الذي يمارس الصخب  وتضخيم القضايا للتأثير على وعي المواطن الذي يستجيب لها بقصد او عن غير قصد.

وعلى ضوء ماتقدم من خلال القراءة التاريخية لجذورالممارسة الطائفية في التاريخ الاسلامي واثارها وانعكاساتها على العراق التي ظل يعاني منها توجب على كل ذي حس اسلامي ووطني وانساني ان يراجع المواقف ويعيد قراءة الاحداث والواقع برؤية انسانية ليرصد حجم الكارثة الانسانية من عمليات قتل ونهب وفوضى واثارها على البنية الاجتماعية والتكوين السكاني في خلق تكوينات ذات ابعاد طائفية تعمق الانقسام .

ان الصراع الطائفي والمذهبي الذي شهده العالم الاسلامي والعراق شكل نسقاً موازياً للشرع الحنيف والفهم الاسلامي الاصيل الذي يحكم القيم والمبادئ الالهية والشريعة السمحاء حتى ظل الكتاب والسنة المصدرين الذي يستلهم منه العلماء والمصلحون آرائهم ومبادئهم لاعادة بناء الامة وتجاوز العقد والعقائد التي ولدتها الصراعات السياسية .

فقد كانت آراء المصلحين كالافغاني وعبده وشلتوت وحسن البناء ومحسن الامين وكاشف الغطاء والامام الخميني ومحمد باقر الصدر ترتفع في الرأي والعلم الى افق الاسلام وتعاليمه وشكلت آراؤهم ومبادراتهم مصدر النور ومجال الهام يستضئ به المخلصون من ابناء الامة ويستلهم منه العاملون التجارب والجد في معالجة الواقع وبناء مشاريع هادفة للامة ومن اجل استكمال العرض في نتلمس معالجات وممزجات من النفق المظلم الذي يسعى الارهاب ودعاة الطائفية لزج العراق في اتونه نضع جملة من الافكار موضع الاثارة عسى ان نستطيع ان تأخذ بيد ابناء الشعب العراقي الى فضاء الاسلام الرحب واخراجهم من دهاليز الظلمات التي تستلزم النظر في الجوانب المتعددة وابعادها المختلفة من فكرية وسياسية وثقافية وتشريعية واقليمية ودولية التي يمكن اجمالها بما يلي :-

1-                       التعامل مع الماضي الذي هو صنع الاجيال السابقة فأذا قرئ بوعي واراده ومقاصد حسنة ندرسه لنتعلم الدروس والعبر ونتجنب اخطاءه واثاره ونخطط للمستقبل ولا نضع انفسنا في الدفاع عن اخطاءه لنكون جزء منها بل نتجاوزها وذلك بتاسيس مراكز دراسات لقراءة الماضي والاستفادة من محاسنة والتحذير من مساوءة .

2-                       التأكيد على الاسلام دين التعايش والمحبة والتعاون والانسجام الذي يقدس الانسان ويحترم الحيوان ويحرم الدم ويجعل الشهادة لله ورسوله سور الدين والاسلام فمن شهد الشهادتين فهو مسلم وحرم ماله ودمه وعرضه ترسيخ القيم والاسلامية التي حثت على التعايش والتسامح والمحبة والتعاون لتكون بديلا من الكراهية والعنف والحقد والتفكير .

3-                       احترام تعددية مكونات الشعب العراقي فهو متعدد الاعراق والاديان والمذاهب والعمل على تحويلها الى عامل اثراء بعقلانية وعدالة والتأكيد على احترام الاخر مهما كانت مجالات الاختلاف .

4-                       التاكيد على المساواة بين ابناء الشعب العراقي وان الدولة والسلطة بمؤسساتها تعمل لتوزيع الثروة والسلطة والوظائف وغيرها لابناء الشعب العراقي بلا استثناء .

5-                       بناء دولة المواطنة ونبذ التمييز بجميع اشكاله الدينية والطائفية والعرقية والقبلية والمناطقية وجعل المواطنين متساوين امام القانون وفي الامتيازات والواجبات .

7-                       الالتزام بالنظام الديمقراطي والادوات الديمقراطية كالانتخابات والبرلمان والمنظمات غير الحكومية وحرية الاعلام وتشكيل الاحزاب وغيرها بطرق سلمية وسليمة ، لان الديمقراطية هي الضمان المهم في بناء الدولة والمجتمع والحياة اذا اقترنت بارادة واجواء صادقة .

8-                       ازالة تركة النظام الدكتاتوري في دعم مؤسسات العدالة الانتقالية وفي نفس اجراء مصالحة وطنية عادلة في تحديد القضايا التي يجب معالجتها بشكل جاد بعيداً عن الشعارات .

9-                       تحكيم مبادئ حقوق الانسان العدل والمساواة والحرية والكرامة والتحرير من الفاقة والالتزام في الاتفاقيات التي ترسخ مبادئ حقوق الانسان .

10-                 عمل الوقفين السني والشيعي لبلورة خطاب ديني يدعو لتعاون والتعايش بين المسلمين والانطلاق ببرامج دينية توعية في المساجد ودور العبادة .

11-                 وضع قوانين وضوابط لمراقبة الاعلام وتجريمه الذي يعمل لاثارة القضايا الطائفية ويعمل على نشر الخطاب الطائفي حيث ان الاعلام ياخذ مساحة واسعه وكبيره في تاجيج الطائفي واثارة الكراهية ونشر الافكار الخطيرة التي تدعوه للقتل والقتال .

12-                 مراقبة الكتب والمؤلفات والاصدارات التي تدعو للطائفية ساء كانت منشورة في المكتبات الورقية او الرقمية لمحاصرة انتشار الفكر الطائفي .

13-                 الزام الاحزاب السياسية الازام بقانون الاحزاب وتفصيلة للحد من ظهور المجاميع التي تدعو للفكر الطائفي وتفعيل دور المفوضية العليا للانتخابات في مراقبة برامج الاحزاب وخطاباتها وتجريم من يستعمل الطائفية في الخطاب والاستقطاب .

14-                 دعوة الامم المتحدة لمساعدة العراق في معالجة الازمة الطائفية والاطلاع من خلالها على تجارب الدول التي استطاعت تجاوز شركة الماضي وعلاج الازمة الطائفية .

15-                 العمل على استحصال قرار من مجلس الامن الدولي لمعاقبة الدول والحكومات والشخصيات والاحزاب والجمعيات التي تعتمد على الطائفية في ادارتها وبرامجها واعمالها .

16-                 التحرك اقليميا وذلك من خلال جامعة الدول العربية والمؤتمر الاسلامي للعمل معا لمواجهة الخطاب الطائفي واداته الممارسات التي تقوم على اساس طائفي .

17-                 بناء علاقات حسنة مع دول الجوار تعبر عن مصالح العراق والاحترام المتبادل واتخاذ موقف حازم من الدول الداعمة للارهاب وفضحها امام الراي العالمي ومقاضاتهم امام المحاكم الدولية التابعة للامم المتحدة .

18-                 تعديل بعض مواد الدستور وبطرق دستورية ديمقراطية خاصة التي تتعلق بشكل الحكم البرلماني وصلاحيات المركز والمحافظات والاقاليم وغيرها.

 

واخيراندعو مراكز القرار التشريعي والحكومة والسياسي لمعالجة الازمة الطائفية على ضوء مخرجات الندوة بعد جمعها وتصنيفها من قبل مركز النهرين .